قرآن، حديث، دعا |
زندگينامه |
کتابخانه |
احكام و فتاوا |
دروس |
معرفى و اخبار دفاتر |
ديدارها و ملاقات ها |
پيامها |
فعاليتهاى فرهنگى |
کتابخانه تخصصى فقهى |
نگارخانه |
اخبار |
مناسبتها |
صفحه ويژه |
|
(الصفحة5)
تنبيهات البراءة
بقي في المقام اُمور مهمّة ينبغي التنبيه عليها:
(الصفحة6)
(الصفحة7)
التنبيه الأوّل
اشتراط جريان البراءة بعدم وجود أصل موضوعي
إنّ أصالـة البراءة الشرعيّـة وكـذا العقليّـة إنّما تجـري فيما إذا لم يكـن هناك أصل آخر وارد أو حاكم عليها، موضوعيّاً كان أو حكميّاً، موافقاً كان أو مخالفاً لوضوح أنّـه لا يبقى معـه مورد لها، فلا تجري أصالـة إباحـة النظر والوطء في المـرأة التي شكّ في زوجيّتها، لجـريان أصالـة عـدم الزوجيـة، وكـذا لا تجـري أصالـة إباحـة الأكـل في الحيوان الـذي شكّ في حلّيتـه مـع الشكّ في كونـه مذكّى أم لا؟
وبالجملـة: فلا إشكال في المقام من حيث الكبرى، إنّما الإشكال في انطباقها على المثال الأخير بصوره الكثيرة الآتيـة، وحينئذ فلابأس بالتعرّض لـه تبعاً للرسالـة(1) والكفايـة(2).
1 ـ فرائد الاُصول 1: 371.
2 ـ كفاية الاُصول: 397.
(الصفحة8)
حول أصالة عدم التذكية
فنقول: الكلام في ذلك يتمّ برسم اُمور:
أقسام صور الشكّ في حلّية الحيوان
الأوّل: أنّ الشبهـة في الحيوان الذي شكّ في حلّيتـه أو في أجزائـه من اللحم والجلد وغيرها قد تكون حكميـة، وقد تكون موضوعيـة.
والاُولى على صور:
منها: ما يكون الشكّ في الحلّيـة لأجل الشكّ في كونـه قابلا للتذكيـة كالحيوان المتولّد من الحيوانين.
ومنها: ما يكون الشكّ فيها لأجل الشكّ في اعتبار شيء آخر في التذكيـة زائداً على الاُمور الخمسـة أو الستّـة المعتبرة فيها.
ومنها: مـا يكـون الشكّ فيها لأجـل احتمال مـانعيّـة شيء كالجلـل أو الوطء عنها.
والصورة الاُولى على قسمين; فإنّ الشكّ في كونـه قابلا للتذكيـة قد يكون باعتبار كونـه عنواناً مستقلاّ لم يعلم بقبولـه لها كما في المثال المتقدّم، وقد يكون باعتبار الشكّ فـي انطباق عنوان قابل للتذكيـة يقيناً أو غير قابل لها أيضاً عليـه، كما إذا شكّ في انطباق عنوان الكلب الذي يعلم بعدم كونـه قابلا لها على كلب البحر مثلا.
هذا في الشبهـة الحكميـة.
(الصفحة9)
وأمّا الشبهـة الموضوعيـة فهي أيضاً على صور:
منها: ما يكون الشكّ في الحلّيـة أو الطهارة لأجل الشكّ في كون الحيوان الموجود في البين مذكّى أم لا، بعد العلم بقبولـه للتذكيـة.
ومنها: ما يكون الشكّ فيها لأجل الشكّ في أنّ هذا اللحم أو الجلد هل يكون من الحيوان الذي لا يكون قابلا لها كالكلب أو من أجزاء الغنم مثلا.
ومنها: ما يكون الشكّ فيها لأجل الشكّ في أنّ هذا اللحم هل يكون من أجزاء الغنم المذكّى الموجود في البين أو من أجزاء غيره من الحيوانات التي يعلم بعدم قبولها لها أو يشكّ فيـه.
ومنها: غير ذلك من الصور.
في معنى التذكية
الثاني: أنّ التذكيـة الموجبـة للطهارة فقط أو مع الحلّيـة هل هي عبارة عـن المعنى البسيط الذي تحصّل من قابليـة المحلّ والاُمور الخمسـة التي هي عبارة عن فري الأوداج بالحديد على القبلـة مع التسميـة وكون المذكّي مسلماً، أو أنّها عبارة عن الأمر المنتزع من هذه الاُمور الستّـة الذي يكون وجوده بعين وجود منشأ انتزاعـه، والفرق بينـه وبين الوجـه الأوّل واضح، أو أنّ التذكيـة عبارة عن نفس الاُمور الخمسـة وقابليـة المحلّ أمـر خـارج عـن حقيقتها وإن كان لها دخـل في تأثير تلك الاُمـور في الطهارة، أو مع الحلّيـة بنحو التركيب أو الأمـر الواحـد المتحصّل أو المنتزع؟ وجـوه واحتمالات، وتحقيق الحـقّ في ذلك موكول إلى الفقـه.
(الصفحة10)
حكم ما لو شكّ في قابلية حيوان للتذكية
الثالث: إذا شكّ في قابليـة حيوان للتذكيـة فهل تجري فيـه أصالـة عدم القابليـة أم لا، وعلى الثاني فهل تجري أصالـة عدم التذكيـة أم لا؟
فنقول: الظاهر عدم جريان أصالـة عدم القابليـة; لأنّ القابليـة، وعدمها ليس لهما حالـة سابقـة نظير كون المرأة قرشيّـة الذي عرفت عدم وجود الحالـة السابقـة لـه، وغايـة ما يمكن أن يقال في تقريب الجريان ما أفاده المحقّق المعاصر في باب قرشيّـة المرأة ممّا تقدّم مع توضيح منّا.
وحاصلـه: أنّ العوارض على قسمين: قسم يعرض لذات الماهيّـة مع قطع النظر عن الوجودين بحيث لو كان لها تقرّر وثبوت في غير عالم الوجود لكان يعرضها كالزوجيـة بالنسبـة إلى الأربعـة، وقسم يعرض الوجود كالأبيضيـة للجسم الموجود، والفاسقيّـة والقرشيّـة للإنسان الموجود، والقابليـة للتذكيـة للحيوان الموجود.
وحينئذ نقول: لابأس بجريان استصحاب عدم تلك الأوصاف بالنسبـة إلى موصوفها في القسم الثاني وإن كان الموصوف حينما يتحقّق لا يخلو من اتصافـه بذلك الوصف، بمعنى أنّـه لو كان متّصفاً بـه لكان ذلك من أوّل وجوده وتحقّقـه كوصف القرشيّـة وكذا القابليـة فيقال: هذه المرأة ـ مشيراً إلى ماهيّتها ـ لم تكن قبل الوجود قرشيـة، فيستصحب ذلك إلى زمان الوجود، وكذا هذا الحيوان لم يكن قبل الوجود قابلا للتذكيـة، فيستصحب ذلك إلى زمان الوجود(1).
1 ـ درر الفوائد، المحقّق الحائري: 218 ـ 220.
(الصفحة11)
أقول أوّلا: لو سلّمنا وجود الحالـة السابقـة لعدم القابليـة فلا مجال أيضاً لجريان استصحابـه بعد عدم ترتّب أثر شرعي عليـه، ضرورة أنّ الآثار الشرعيّـة مترتّبـة على عدم كون الحيوان مذكّى بالتذكيـة الشرعيّـة، لا على عدم كونـه قابلا لها واستلزام عدم القابليـة لعدم تحقّق التذكيـة الشرعيّـة استلزام عقلي يحكم بـه العقل من باب أنّ المركب ينتفي بانتفاء أحد أجزائـه، كما لايخفى. ولا يثبت ذلك بالاستصحاب، لأنّـه يصير حينئذ من الاُصول المثبتـة التي يكون جريانها على خلاف التحقيق.
وثانياً: لا نسلّم وجود الحالـة السابقـة، فإنّ أخذ هذا القيد العدمي أعني عدم قابليـة الحيوان للتذكيـة في موضوع الحكم بالتحريم والنجاسـة، إمّا أن يكون من قبيل القضيّـة الموجبـة المعدولـة.
وإمّا أن يكون من قبيل الموجبـة السالبـة المحمول، وهي عبارة عن القضيّـة الموجبـة التي يكون المحمول فيها قضيّـة سالبـة مثل قولـه: زيد هو الذي ليس بقائم.
وإمّا أن يكون من قبيل الوصف والنعت.
وإمّا أن يكون من قبيل القضيّـة السالبـة الصادقـة مع عدم الموضوع، ولا مجال لجريان الاستصحاب على شيء من الوجوه والاحتمالات.
أمّا على الوجوه الثلاثـة الاُوَل: فلأنّ جميعها يحتاج إلى وجود الموضوع، ضرورة أنّ ثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت لـه، وثبوت الوصف فرع ثبوت الموصوف، وفي المقام لا يكون الموضوع موجوداً في الزمان السابق حتّى يثبت لـه المحمول والوصف فيستصحب، كما هو واضح.
وأمّا على الوجـه الأخير: فلأنّ اعتبار الموضوع للحكم بهذا النحو الذي
(الصفحة12)
يكون قيده السلبي صادقاً مع عدمـه ممّا لا يعقل، ضرورة أنّـه لا يعقل أن يكون الموضوع للحكم بالحرمـة والنجاسـة إلاّ أمراً وجودياً ثابتاً.
إن قلت: لابأس بجريان الاستصحاب على الوجـه الأخير; لأنّـه يستصحب عدم قابليّـة الحيوان للتذكيـة الصادق مع عدم الحيوان إلى زمان وجوده، فيصير الموضوع موجوداً، فيترتّب عليـه الحكم.
قلت: استصحاب تلك الحالـة وإن كان صحيحاً من حيث وجود الحالـة السابقـة، إلاّ أنّ تطبيق تلك الحالـة التي تكون أعمّ من وجود الموضوع على الحالـة اللاحقـة المشروطـة بوجود الموضوع يكون بحكم العقل، فيصير حينئذ من الاُصول المثبتـة التي لا نقول بها، وقد تقدّم منّا في باب قرشيّـة المرأة تفصيل هذا الكلام بما لا مزيد عليـه، هذا.
وقد يقال في تقريب جريان استصحاب عدم القرشيّة وكذا عدم القابليـة: إنّ الموضوع للحكم الشرعي إنّما هو المركّب من عنوان المرأة وعنوان الغير القرشيّـة وكذا المركّب من الحيوان ومن عدم القابليـة للتذكيـة، وحينئذ فلابأس بجريان استصحاب هذا الجزء من الموضوع بعد كون الجزء الآخر محرزاً بالوجدان.
ويرد عليـه ـ مضافاً إلى أنّ ذلك مخالف لظاهر الأدلّـة الشرعيّـة ـ أنّ أخذ هذا في الجزء العدمي إمّا أن يكون على نحو يكون جزؤه الآخر مفروض الوجود، وإمّا أن يكون على نحو يصدق مع عدم الجزء الآخر أيضاً، فعلى الأوّل يرجع إلى أحد الوجوه الثلاثـة من الوجوه الأربعـة المتقدّمـة، وقد تقدّم الجواب عنـه، وعلى الثاني ـ فمضافاً إلى أنّ هذا النحو من الاعتبار ممّا لا يعقل، لاستلزامـه التناقض، فإنّ أخذ الجزء الأوّل جزءً للموضوع لا يصحّ إلاّ بعد أن يكون قد فرض وجوده، وأخذ الجزء الآخر على نحو يصدق مع عدم الجزء الأوّل مناقض لذلك،
(الصفحة13)
كما هو واضح يرد عليـه ما اُورد على الوجـه الأخير من الوجوه الأربعـة المتقدّمـة، فتدبّر في المقام، فانقدح أنّـه لا مجال لاستصحاب عدم القابلية أصلا.
وأمّا استصحاب عدم التذكيـة: فالظاهر عدم جريانـه أيضاً، وقبل الخوض في ذلك لابدّ من بيان الوجوه المتصوّرة في معنى عدم التذكيـة بحسب التصوّر الابتدائي فنقول:
منها: أن يكون المراد بـه عدم زهوق الروح بالنحو المعتبر شرعاً المأخوذ موضوعاً للحكم بالطهارة أو مع الحلّيـة على نحو السالبـة المحصّلـة الصادقـة مع انتفاء الموضوع الذي هو عبارة عن زهوق الروح.
ومنها: أن يكون المراد بـه زهوق روح الحيوان لا على النحو المعتبر شرعاً على نحو الموجبـة المعدولـة.
ومنها: أن يكون المراد بـه زهوق الروح الذي لم يكن على النحو الشرعي على نحو الموجبـة السالبـة المحمول.
ومنها: أن يكون المراد بـه زهوق الروح لا بنحو التذكيـة على نحو السالبـة المحصّلـة.
ومنها: أن يكون أمراً مركّباً من زهوق الروح ومن عدم تحقّق النحو المعتبر شرعاً في صيرورتـه طاهراً وحلالا.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ أخذ عدم التذكيـة بالمعنى الأوّل موضوعاً للحكم الشرعي ممّا لا يعقل، لأنّ الأمر السلبي يستحيل أن يكون موضوعاً لحكم من الأحكام، ومن هنا يعلم أنّ أخذه كذلك بالمعنى الرابع أيضاً لا يمكن إذا كانت السالبـة أعمّ من وجود الموضوع، وإذا كانت في صورة وجود الموضوع فهو يرجع إلى أحد الوجهين الثاني والثالث، وأمّا المعنى الأخير فهو أيضاً غير معقول
(الصفحة14)
لو كان المراد من الجزء السلبي هو السلب الصادق مع عدم الجزء الآخر، للزوم التناقض، فلم يبق في البين إلاّ الوجـه الثاني والوجـه الثالث. فالاستصحاب لابدّ أن يكون مجراه هو أحدهما.
ومن الواضح أنّـه لا يجري، لأنّـه ليس لـه حالـة سابقـة حتّى تستصحب، لأنّـه لم يمض للحيوان زمان كان زاهق الروح فيـه لا على النحو المعتبر شرعاً، فإنّـه من حين زهوق روحـه كان مشكوكاً من حيث التذكيـة وعدمها، فلا مجال للاستصحاب.
ودعوى أنّ السالبـة المحصّلـة الصادقـة مع عدم موضوعها كانت صادقـة في الزمان السابق، فتستصحب إلى زمان وجود الموضوع، والمستصحب لابدّ وأن يكون ذا أثر شرعي في الزمان اللاحق، ولا يعتبر أن يكون موضوعاً للحكم الشرعي حتّى في الزمان السابق.
مدفوعـة: بأنّ المستصحب لابدّ أن يكون بنفسـه موضوعاً للحكم الشرعي ولو في الزمان اللاحق، وقد عرفت أنّ السالبـة المحصّلـة الصادقـة مع انتفاء الموضوع لايعقل أن تؤخذ موضوعاً، وإثبات الموضوع باستصحاب السالبـة يكون من قبيل استصحاب العامّ لإثبات الخاصّ الموضوع للحكم، وهو من الاُصول المثبتـة التي جريانها على خلاف التحقيق.
فانقـدح: أنّـه لا مجـال لاستصحـاب عـدم التـذكيـة، سـواء شـكّ فـي قابليّـة الحيوان لها وعدمها، أو شكّ في اعتبار شرط آخر زائـد على الاُمور المعتبرة فيها، أو شكّ في مانعيّـة شيء كالوطء والجلل، أو غيره مـن الشبهات الحكميّـة، وكذا لو شكّ في كون الحيوان الموجود في البين مذكّى أم لا، فإنّـه لا يجري فيـه أيضاً.
(الصفحة15)
ثمّ إنّـه ربّما يظهر من الشيخ (قدس سره)
التفصيل في جريان استصحاب عدم التذكيـة بين الآثار الوجوديّـة والآثار العدميـة(1).
وقد صرّح بذلك بعض المحقّقين من محشي الرسالـة، فقال ـ بعد استظهار أنّ الميتـة في نظر الشارع والمتشرّعـة هي ما كان فاقداً لشرائط التذكيـة، وأنّ الموضوع للحرمـة والنجاسـة هو ماعدا المذكّى، وأنّـه لا يثبت بأصالـة عدم التذكيـة ـ ما لفظـه: فمقتضى القاعدة هو التفكيك بين الآثار، فما كان منها مرتّباً على عدم كون اللحم مذكّى كعدم حلّيتـه وعدم جواز الصلاة فيـه وعدم طهارتـه وغير ذلك من الأحكام العدميـة المنتزعـة من الوجوديّات التي تكون التذكيـة شرطاً في ثبوتها ترتّب عليـه، فيقال: الأصل عدم تعلّق التذكيـة بهذا اللحم الذي زهق روحـه، فلايحلّ أكلـه ولا الصلاة فيـه ولا استعمالـه فيما يشترط بالطهارة. وأمّا الآثار المترتّبـة على كونـه غير مذكّى كالأحكام الوجوديّـة الملازمـة لهذه العدميات كحرمـة أكلـه ونجاستـه وتنجيس ملاقيـه وحرمـة الانتفاع بـه ببيعـه وغير ذلك من الأحكام المعلّقـة على عنوان الميتـة أو غير المذكّى فلا(2)، انتهى موضع الحاجـة من كلامـه (قدس سره)
.
ويرد عليـه أوّلا: أنّ ما أفاد من أنّ التذكيـة سبب في ثبوت الآثار الوجوديّـة كالطهارة والحلّيـة وجواز الاستعمال في الصلاة، وهو مسبوق بالعدم، فيترتّب عليـه ما ذكر، محلّ نظر; فإنّـه لم يجعل الحيوان المذكّى موضوعاً لتلك
1 ـ فرائد الاُصول 1: 371 ـ 372.
2 ـ حاشيـة فرائـد الاُصول، المحقّـق الهمداني: 387 ـ 388، مصباح الفقيـه، الطهارة: 653 / السطر16.
(الصفحة16)
الآثار، بل لم يجعل هذه الأحكام بعد تحقّق التذكيـة أصلا; ضرورة أنّ الطهارة الثابتـة بعد التذكيـة هي الطهارة التي كانت متحقّقـة في حال حياة الحيوان، غايـة الأمر أنّها استمرّت إلى بعد الموت لعدم قيام الدليل على النجاسـة، وهكذا الحلّيـة وجواز الصلاة فيـه; فإنّ الحيوان في حال الحياة كان حلالا والصلاة فيـه جائزاً، واستمرّ ذلك إلى بعد الموت في الحيوان المذكّى، لعدم قيام ما يدلّ على الحرمـة وعدم جواز الصلاة فيـه، بل المجعول في باب الحيوان هو الحرمـة والنجاسـة وغير ذلك من الآثار المترتّبـة على عدم كون اللحم مذكّى، وقد ذكر أنّـه لا مجال للاستصحاب لإثبات ذلك.
وثانياً: أنّـه لو سلّم أنّ الطهارة والحلّيـة وغيرهما كانت مجعولـة ومترتّبـة على كون الحيوان مذكّى، لكن نقول: إنّ عدم هذه الأحكام الوجوديّـة لا يكون مترتّباً على عدم كون الحيوان مذكّى، فإنّ هذا الأمر العدمي يصدق مع عدم الحيوان، ومع وجوده حيّاً، ومع موتـه حتف الأنف، أو بغير التذكيـة الشرعيّـة، ومن المعلوم أنّ الموضوع لعدم الحلّيـة وعدم جواز الصلاة فيـه وعدم الطهارة هو القسم الأخير، فإنّ الحيوان في حال حياتـه حلال طاهر كما عرفت، ومع عدمـه لا يعقل الحكم عليـه بذلك.
وحينئذ نقول: إنّ عدم كون الحيوان مذكّى وإن كان لـه حالـة سابقـة، إلاّ أنّـه لا يكون مترتّباً عليـه أثر شرعي، واستصحابـه إلى زمان الموت لإثبات القسم الأخير يكون مثبتاً محضاً، كما هو واضح لايخفى.
وثالثاً: لو سلّم كون الموضوع لعدم هذه الأحكام الوجوديّـة هو عدم كون اللحم مذكّى وقطعنا النظر عن استحالـة كون الموضوع للحكم هو العدم المحمولي، لكن نقول: إنّ ترتّب تلك الأعدام على الموضوع العدمي ليس ترتّباً
(الصفحة17)
شرعياً، بل عقلياً، بملاحظـة أنّـه إذا كان السبب في ثبوت تلك الآثار الوجوديّـة هو التذكيـة فعند عدمها تنتفي تلك الآثار، لاستلزام انتفاء السبب انتفاء المسبّب استلزاماً عقليّاً، كما هو واضح.
ورابعـاً: لـو سلّمنا جميع ذلـك نقول ـ بعـد تسليم كـون الطهاره ونحـوها مجعولـة للمذكّى بسبب التذكيـة، وعـدم كونها هي الطهارة الموجـودة حال الحياة ـ: لابدّ مـن الالتزام بكون الطهارة الثابتـة في حال الحياة مسبّبـة عـن سبب آخر غير التذكيـة، وحينئذ لا مانع من استصحاب بقاء الجامع بعد زوال السبب في حال الحياة، واحتمال عروض سبب آخر الذي هو التذكيـة مقارناً لـزوال السبب الأوّل، وبـه يثبت طهارة الحيوان وجـواز أكلـه واستعمالـه فيما يشترط بالطهارة.
ولكن ذلك متفرّع أوّلا: على جريان استصحاب القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلّي.
وثانياً: على كون الجامع موضوعاً لأثر شرعي، وكلا الأمرين غير خاليـين عن المناقشـة.
ثمّ إنّه لو قطع النظر عمّا ذكرنا من عدم جريان استصحاب عدم التذكيـة بوجه فهل يجري فيما لو شكّ في أنّ اللحم أو الجلد الموجود في البين هل اُخذ من الغنم المذكّى الموجود المعلوم، أو من الغنم الغير المذكّى كذلك، أو لا يجري؟ وجهان مبنيّان على أنّ التذكيـة هل تكون وصفاً للحيوان بأجمعه، كما هو الظاهر، أو أنّـه يتّصف بها الأجزاء أيضاً؟
فعلى الأوّل لا وجـه لجريان استصحاب عدم التذكيـة، لأنّـه ليس هنا حيوان شكّ في اتّصافـه بهذا الوصف حتّى يجري فيـه استصحاب عدمـه، لأنّ
(الصفحة18)
المفروض تميّز المذكّى عن غيره، وليس هنا أصل آخر يثبت بـه أنّـه اُخذ من المذكّى أو من غيره، وحينئذ فيحكم بالحلّيـة والطهارة، لأصالتهما.
وعلى الثاني فلا محيص عن استصحاب عدم التذكيـة، كما هو واضح، هذا.
ولو شك في أنّ لحم الغنم مثلا الموجود في البين هل اتّخذ من الغنم المذكّى المشتبـه بغير المذكّى أو من غيره، فهل يجري فيـه وفي الحيوانين استصحاب عدم التذكيـة أم لا؟ وجهان مبنيّان على أنّ عدم جريان الاُصول في أطراف العلم الإجمالي هل هو للزوم المخالفـة العمليـة للتكليف المعلوم بالإجمال، أو للزوم التناقض في أدلّـة الاُصول؟
فعلى الأوّل لا يكون هنا مانع من الجريان، لعدم لزوم المخالفـة العمليّـة، لأنّ مقتضى الأصلين الاجتناب عن كلا الحيوانين، وحينئذ فاللازم الاجتناب عن اللحم أو الجلد أيضاً، بعد كون الحيوان المتّخذ منـه ذلك محكوماً بالنجاسـة والحرمـة.
وعلى الثاني فلا مجال لإجراء استصحاب عدم التذكيـة بعد العلم الإجمالي بوجـود المذكّى في البين، كما أنّـه لا مجال لإجـراء قاعدتي الحـلّ والطهارة بعد العلم بوجود غير المذكّى أيضاً، هذا بالنسبـة إلى الحيوانين.
وأمّا بالنسبـة إلى اللحم أو الجلد الذي اتّخذ من أحدهما فإن قلنا: بأنّـه أيضاً يصير من أطراف العلم الإجمالي فلا يجري فيـه الاستصحاب ولا قاعدتا الحلّ والطهارة، وإلاّ فيجري فيـه الاستصحاب بناءً على الوجـه الثاني من الوجهين المتقدّمين، وأمّا على الوجـه الأوّل فالمرجع فيـه هو قاعدتا الحلّ والطهارة.
هذا كلّـه فيما لو كان كلّ واحد من الحيوانين مورداً للابتلاء.
(الصفحة19)
وأمّـا لو كـان كلاهمـا أو خصوص الحيوان الـذي لم يتّخذ منـه الجلـد خارجاً عن محلّ الابتلاء فلا مانع حينئذ من جريان الاستصحاب في الحيوان الـذي اتّخذ منـه الجلد، لعدم جـريانـه في الحيوان الآخـر بعد خـروجـه مـن محـلّ الابتـلاء حتّى يلزم التناقض أو يحصـل التعارض بناءً علـى الجـريان والتساقط، والحيوان المتّخذ منـه الجلد وإن كان خارجاً عن محلّ الابتلاء أيضاً في الفرض الأوّل، إلاّ أنّـه يجري فيـه الاستصحاب بالنظر إلى جلده الذي كان محلاّ للابتلاء.
ومن هنا يظهر عدم جريان الاستصحاب فيما لو كان الحيوان الآخر فقط مورداً لابتلاء المكلّف، لأنّ الحيوان المتّخذ منـه الجلد أيضاً مورد للابتلاء لابنفسـه، بل بجلده الموجود في البين، فيحصل التناقض أو التعارض من جريان الأصلين، فتدبّر جيّداً.
(الصفحة20)
التنبيه الثاني
في حسن الاحتياط شرعاً وعقلا
قد مرّ أنّ مقتضى الأدلّـة جريان البراءة شرعاً وعقلا في الشبهـة الوجوبيـة والتحريميـة، إلاّ أنّـه لا يخفى أنّ الاحتياط فيهما بالإتيان أو الترك ممّا لا شبهـة في حسنـه ولاريب في رجحانـه شرعاً وعقلا، بلا فرق في ذلك بين العبادات وغيرها.
تقرير إشكال الاحتياط في العبادات ودفعه
نعم قد يشكل في جريان الاحتياط في العبادات فيما إذا دار الأمر فيها بين الوجوب وغير الاستحباب; تارةً من جهـة أنّ العبادة لابدّ فيها من نيّـة القربـة، وهي متوقّفـة على العلم بأمر الشارع تفصيلا أو إجمالا، وفي الشبهات البدويّـة لاعلم بالأمر، فلا يمكن فيها الاحتياط.
واُخرى من جهـة أنّ حقيقـة الإطاعـة عقلا متقوّمـة بما إذا كان الانبعاث مستنداً إلى بعث المولى، وفي الشبهات البدويّـة لا يكون الأمر كذلك، فإنّ الانبعاث فيها إنّما هو عن احتمال البعث، كما هو واضح.
هذا ولا يخفى أنّ الإشكال الأوّل إنّما نشأ من تخيّل أنّ القربـة المعتبرة في العبادة إنّما تكون كسائر الشروط المعتبرة فيها المأخوذة في متعلّق الأمر; إذ حينئذ لايمكن تحصيل المأمور بـه بجميع شروطـه، لعدم العلم بأمر الشارع حتّى
|
|