جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
معتمد الأصول المجلد الثاني « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>


(الصفحة21)

تصحّ نيّـة القربـة، مع أنّ الأمر ليس كذلك، فإنّ قصد الأمر وإن كان يمكن أن يؤخذ في متعلّق الأمر ـ كما عرفت ذلك في مبحث التعبّدي والتوصّلي ـ إلاّ أنّـه لم يقع ذلك في الخارج، والأمر لا يدعو إلاّ إلى متعلّقـه، وحينئذ فيمكن الإتيان بـه بجميع ما اعتبر فيـه برجاء كونـه مقرّباً ومحبوباً، لأنّـه لا يعتبر الجزم بكون المأتي بـه مأموراً بـه ومقرّباً، بل يكفي الإتيان بـه برجاء ذلك وإن كان قادراً على تحصيل العلم.
وما يتوهّم من عدم كفايـة الامتثال الاحتمالي مع القدرة على الامتثال العلمي، مدفوع بعدم قيام الدليل على ذلك، كما لايخفى.
وأمّا الإشكال الثاني: فيدفعـه أنّ الانبعاث لا يعقل أن يكون مستنداً إلى نفس بعث المولى بحيث يكون وجوده وتحقّقـه في الواقع مؤثّراً في حصول الانبعاث، وإلاّ لزم أن لا ينفكّ عنـه، مع أنّ الوجدان يقضي بخلافـه بعد ملاحظـة العصاة، وكذلك يلزم أن لا يتحقّق الانبعاث بدونـه، مع أنّا نرى تحقّقـه بالنسبـة إلى الجاهل المركّب، فلا يدور الانبعاث وعدمـه مدار وجود البعث وعدمـه.
فالحقّ أنّ الانبعاث إنّما يكون مستنداً إلى الاعتقاد بوجود البعث، لا بنحو يكون للصورة الاعتقاديّـة مدخليّـة في تحقّقـه بحيث لا يمكن أن يتحقّق بدونها، بل الغرض نفي مدخليّـة البعث بوجوده الواقعي ولو بنحو الجزئيـة، وحينئذ فالآتي بالفعل بداعي احتمال تعلّق الأمر بـه أيضاً مطيع.
اللهمّ إلاّ أن يقال: إنّ في صورة العلم بوجود البعث يكون الانبعاث مستنداً إلى نفس البعث، لأنّـه نال الواقع ووصل إليـه بالعرض، وهذا بخلاف صورة الاحتمال، فإنّ الانبعاث فيها لا محالـة يكون مستنداً إلى الاحتمال الذي لايكون لـه كاشفيـة بوجـه، وهذا هو الفارق بينهما في صدق الإطاعـة

(الصفحة22)

والامتثال، فإنّ المحرّك والداعي في الصورة الاُولى هو الواقع المنكشف، وفي الصورة الثانيـة هو نفس الاحتمال.
والذي يسهّل الخطب: أنّ ذلك كلّـه مبني على اعتبار تحقّق الإطاعـة والامتثال في صحّـة العبادة، مع أنّـه لم يدلّ على ذلك دليل، فإنّـه لا يعتبر فيها أزيد من الإتيان بها بداعي كونها مقرّبـة ومحبوبـة لـه تعالى أو برجاء ذلك، وصحّتها على الوجـه الثاني لا تـتوقّف على تعذّر الوجـه الأوّل المتوقّف على العلم بأمر الشارع تفصيلا أو إجمالا.
وما أفاده بعض الأعاظم على ما في تقريرات بحثـه من أنّ للامتثال مراتب أربعـة بحسب نظر العقل، آخرها الامتثال الاحتمالي ولا يحسن إلاّ عند تعذّر سائر المراتب(1)، ممّا لا يعرف لـه وجـه، وقد عرفت شطراً من الكلام على ذلك في مبحث القطع.

تصحيح الاحتياط في العبادات بالأمر المتعلّق بنفس الاحتياط

ثمّ إنّـه لو قيل بعدم إمكان الاحتياط في العبادات في الشبهات البدويّـة; لاحتياج ذلك إلى ثبوت الأمر من ناحيـة المولى، فهل يمكن تصحيح ذلك بالأمر المتعلّق بنفس الاحتياط في مثل قولـه (عليه السلام): «أخوك دينك فاحتط لدينك»(2)؟
قد يقال: نعم. ولكنّ التحقيق العدم; لأنّ شمول مثل ذلك القول للعبادات

1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 3: 69 و400.
2 ـ الأمالي، الشيخ الطوسي: 110 / 168، وسائل الشيعـة 27: 167، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب12، الحديث46.

(الصفحة23)

في الشبهات البدويّـة متفرّع على إمكان الاحتياط فيها; لأنّ شمول الحكم فرع تحقّق موضوعـه، فإثبات إمكان الاحتياط فيها بمثل ذلك القول دور واضح، كما لايخفى.
نعم، قد يقال في توجيـه ذلك بأنّ الأمر بالاحتياط قد تعلّق بذات العمل الذي يحتمل وجوبـه، لا بالعمل بقيد أنّـه محتمل الوجوب بحيث يكون احتمال الوجوب قيداً في المأمور بـه، بل متعلّق الأمر نفس العمل الذي يحتمل وجوبـه، فإن كان توصّلياً، يكفي الإتيان بـه بلا قصد الأمر المتعلّق بـه، وإن كان عباديّاً ـ أي كان بحيث لو تعلّق الأمر بـه لكان أمره عباديّاً ـ فلابدّ من قصد الأمر الذي تعلّق بـه وهو الأمر بالاحتياط الذي فرض تعلّقـه بذات العمل، فينوي التقرّب بـه ويقصد امتثالـه.
هذا، ولكن لايخفى أنّ الأمر المتعلّق بالاحتياط إنّما تعلّق بعنوان الاحتياط، ولا يعقل أن يتجاوز عنـه ويسري إلى ذات العمل الذي لـه عنوان آخر كالصلاة ونظائرها، ومجرّد أنّ تحقّق هذا العنوان في الخارج إنّما هو بإيجاد ذلك العنوان لايوجب سرايـة الأمر إليـه بعد وضوح تغايرهما في عالم المفهوميّـة وعدم كون الخارج ظرفاً لتعلّق الأمر وثبوتـه، وقد حقّقنا ذلك بما لا مزيد عليـه في مبحث اجتماع الأمر والنهي فراجع.
ثمّ إنّ المحقّق النائيني أجاب عن هذا التوجيـه على ما في تقريرات بحثـه بما ملخّصـه: أنّ الأمر بالعمل إمّا أن يكون بنفسـه عباديّاً ـ أي كان الغرض من الأمر التعبّد والتقرّب بـه ـ كالأمر المتعلّق بالصلاة، وإمّا أن يكتسب العباديّـة من أمر آخر لأجل اتّحاد متعلّقهما، كوجوب الوفاء بالنذر، فإنّ الأمر بالوفاء بالنذر

(الصفحة24)

لا يكون عباديّاً، بل هو كسائر الأوامر التوصليّـة، ولكن لو تعلّق النذر بما يكون عبادة كنذر صلاة الليل يكتسب الأمر بالوفاء بالنذر العباديّـة من الأمر بصلاة الليل، كما أنّ الأمر بصلاة الليل يكتسب الوجوب من الأمر بالوفاء.
والسرّ أنّ النذر إنّما يتعلّق بذات صلاة الليل، لا بها بما أنّها مستحبّـة، وإلاّ كان النذر باطلا; لعدم القدرة على وفائـه، فإنّها تصير بالنذر واجبـة، فلابدّ وأن يتعلّق النذر بذات صلاة الليل، والأمر الاستحبابي أيضاً تعلّق بها لا بوصف كونها مستحبّـة، كما هو واضح، فيكون كلّ من الأمر الاستحبابي والأمر بالوفاء بالنذر قـد تعلّق بذات صلاة الليل، ولمكان اتحاد متعلّقهما يكتسب كـلّ منهما مـن الآخر ما كان فاقداً لـه، هذا إذا اتّحد متعلّق الأمرين.
وأمّا إذا لم يتّحد فلا يكاد يمكن أن يكتسب أحـد الأمرين العباديّـة مع كونـه فاقداً لها من الآخر الواجد لها، كالأمر بالوفاء بالإجارة إذا كان متعلّق الإجارة أمراً عباديّاً، كما لو اُوجر الشخص على الصلاة الواجبـة أو المستحبّـة على الغير، فإنّ الأجير إنّما يستأجر لتفريغ ذمّـة الغير، فالإجارة إنّما تـتعلّق بما في ذمّـة المنوب عنـه، ومـا في ذمّـة المنوب عنـه إنّما هـي الصلاة الواجبـة أو المستحبّـة بوصف كونها واجبـة أو مستحبّـة، فمتعلّق الإجارة إنّما تكون الصلاة بقيد كونها مستحبّـة على المنوب عنـه، لا بذات الصلاة بما هي هي، ومتعلّق الأمـر الاستحبابي إنّما هـو نفس الصلاة، فلا يتّحد الأمـر الاستحبابي مع الأمـر الإجاري.
وكيف كـان: فقد عرفت أنّ الأمـر العبادي إمّا أن يكون بنفسـه عبادة، وإمّا أن يكتسب العباديّـة من أمر آخر، والأوامر المتعلّقـة بالاحتياط فاقدة لكلتا

(الصفحة25)

الجهتين، أمّا الجهـة الاُولى فواضح، وأمّا الجهـة الثانيـة فلأنّ الأمر بالاحتياط لم يتعلّق بذات العمل مرسلا عن قيد كونـه محتمل الوجوب، بل التقيـيد بذلك مأخوذ في موضوع أوامر الاحتياط، وإلاّ لم يكن من الاحتياط بشيء، بخلاف الأمر المتعلّق بالعمل المحتاط فيـه، فإنّـه على تقدير وجوده الواقعي إنّما تعلّق بذات العمل، فلم يتّحد متعلّق الأمرين حتّى يكتسب الأمر بالاحتياط العباديّـة من الأمر المتعلّق بالعمل لو فرض أنّـه كان ممّا تعلّق الأمر العبادي بـه، وقد عرفت أنّـه ما لم يتّحد متعلّق الأمر الغير العبادي مع متعلّق الأمر العبادي لا يمكن أن يصير الأمر الغير العبادي عبادياً(1)، انتهى ملخّصاً.
ولا يخفى ما فيـه; فإنّ اكتساب الأمر الغير العبادي العباديّـة من الأمر العبادي نظراً إلى اتّحاد متعلّقهما ممّا لا نتصوّره بعد عدم إمكان اتّحاد متعلّق الأمرين، فإنّـه كيف يعقل تعلّق إرادتين مستقلّتين بأمر واحد وشيء فارد. ولذا لو تعلّق أمران بطبيعـة واحدة لابدّ من جعل الأمر الثاني تأكيداً للأمر الأوّل لو لم يكن المقصود الإتيان بفردين منها; لوضوح استحالـة أن يكون أمراً تأسيسيّاً ناشئاً من إرادة مستقلّـة، فاتّحاد متعلّق الأمرين ممّا لا يعقل. وعلى تقدير الإمكان فاكتساب الأمر الغير العبادي العباديّـة من الأمر الآخر العبادي ممّا لا وجـه لـه بعد كون كلّ من الأمرين لـه مبادئ مخصوصـة ومقدّمات خاصّـة بـه، فإنّ مجرّد اتّحاد المتعلّق لا يوجب سرايـة العباديّـة بعد عدم كون الأمر الناشئ من مقدّماتـه الخاصّـة بـه أمراً عباديّاً كان الغرض التعبّد والتقرّب بـه.


1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 3: 403 ـ 406.

(الصفحة26)

هذا مضافاً إلى أنّ المثال الذي ذكره لاتّحاد متعلّق الأمرين لا يكون من هذا الباب; فإنّ متعلّق الأمر النذري هو الوفاء بالنذر، ومتعلّق الأمر الاستحبابي الذي تعلّق بالمنذور هي صلاة الليل، ولا خفاء في كونهما متغايرين في عالم المفهوميـة الذي هو ظرف تعلّق الأمر وثبوتـه، ومجرّد اجتماعهما في الخارج بوجود واحد لا يوجب اتّحادهما مفهوماً وصيرورتهما عنواناً واحداً حتّى يصحّ القول باتحاد متعلّقهما، كما حقّقنا ذلك في محلّـه.
فالتحقيق: أنّ صلاة الليل إنّما تكون مستحبّـة ولو بعد تعلّق النذر، والوفاء بالنذر يكون واجباً مطلقاً، وبعد تغاير المتعلّقين لا يعقل سرايـة الوجوب من الثاني إلى الأوّل، وكذا سرايـة العباديّـة من الأوّل إلى الثاني، فافهم واغتنم.

تصحيح الاحتياط في العبادات بأخبار من بلغ

ثمّ إنّـه يؤيّد ما ذكرنا من إمكان الاحتياط في العبادات في الشبهات البدويّـة، بل يدلّ عليـه أخبار من بلغ(1); فإنّها بصدد بيان أنّ العمل المأتي بـه برجاء إدراك الواقع إذا لم يكن مصادفاً لـه ولم يقلـه رسولاللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يترتّب عليـه الثواب ويعطى عليـه تفضّلا وعنايـة، وظاهرها أنّـه لو صادف الواقع وكان ممّا قالـه رسولاللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)لكان الآتي بـه مدركاً للواقع حقيقـة ومستوجباً للثواب المترتّب عليـه، فلو كان العمل المأتي بـه باحتمال الأمر لغواً أو تشريعاً محرّماً لما كان وجـه لترتّب الثواب عليـه وإدراك الواقع، كما هو واضح.


1 ـ راجع وسائل الشيعـة 1: 80، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمـة العبادات، الباب18.

(الصفحة27)

مفاد أخبار من بلغ

وإذا انتهى الكلام إلى ذكر أخبار من بلغ فينبغي التعرّض لبيان مفادها، فنقول: ذكر المحقّق الخراساني (قدس سره) في الكفايـة: أنّـه لا يبعد أن يقال بدلالـة بعض تلك الأخبار على استحباب ما بلغ عليـه الثواب، فإنّ صحيحـة هشام بن سالم المحكيّـة عن المحاسن عن أبيعبداللّه (عليه السلام) قال: «من بلغـه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) شيء من الثواب فعملـه كان أجر ذلك لـه وإن كان رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يقلـه»(1)ظاهرة في أنّ الأجر كان مترتّباً على نفس العمل الذي بلغـه عنـه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّـه ذو ثواب، وكون العمل متفرّعاً على البلوغ وكونـه الداعي إلى العمل غير موجب لأن يكون الثواب مترتّباً عليـه فيما إذا أتى برجاء أنّـه مأمور بـه وبعنوان الاحتياط بداهـة أنّ الداعي إلى العمل لا يوجب لـه وجهاً وعنواناً يؤتى بـه بذلك الوجـه والعنوان، وإتيان العمل بداعي طلب قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كما قيّد بـه في بعض الأخبار وإن كان انقياداً، إلاّ أنّ الثواب في الصحيحـة إنّما رتّب على نفس العمل، ولا موجب لتقيـيدها بـه، لعدم المنافاة بينهما(2)، انتهى.
وأفاد المحقّق النائيني على ما في تقريرات بحثـه ما ملخّصـه: إنّ الوجوه المحتملـة في هذه الأخبار من حيث الدلالـة ثلاثـة:
أحدها: أن يكون مفادها مجرّد الإخبار عن فضل اللّه سبحانـه من غير نظر

1 ـ المحاسن: 25 / 2، وسائل الشيعـة 1: 81، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمـة العبادات، الباب18، الحديث3.
2 ـ كفايـة الاُصول: 401

(الصفحة28)

إلى حال العمل وأنّـه على أيّ وجـه يقع. وبعبارة اُخرى: أنّها ناظرة إلى العمل بعد وقوعـه وأنّ اللّه تعالى حسب فضلـه ورحمتـه يعطي الثواب الذي بلغ العامل وإن تخلّف قول المبلّغ عن الواقع.
ثانيها: أن تكون الجملـة الخبريّـة بمعنى الإنشاء، ويكون مفاد قولـه (عليه السلام): «فعملـه» أو «ففعلـه» الأمر بالفعل والعمل، كما هو الشأن في غالب الجمل الخبريّـة الواردة في بيان الأحكام، سواء كانت بصيغـة الماضي كقولـه (عليه السلام): «من سرّح لحيتـه فلـه كذا»(1)، أو بصيغـة المضارع كقولـه: «يسجد سجدتي السهو»(2)، وعليـه فمقتضى إطلاق البلوغ القول باستحباب العمل مطلقاً، سواء كان قول المبلّغ واجداً لشرائط الحجّيـة أو لم يكن، وهذا ـ أي كون الجملـة الخبريّـة بمعنى الإنشاء وأنّها في مقام بيان استحباب العمل ـ يمكن أن يكون على أحد وجهين:
أحدهما: أن تكون القضيّـة مسوقـة لبيان اعتبار قـول المبلغ وحجّيتـه، سواء كان واجداً لشرائط الحجّيـة أو لم يكن، كما هو ظاهـر الإطلاق، فيكون مفاد الأخبار مسألـة اُصوليّـة مرجعها إلى حجّيـة الخبر الضعيف في باب المستحبّات. ففي الحقيقـة تكون أخبار مـن بلغ مخصّصـة لما دلّ على اعتبار الوثاقـة أو العدالـة في الخبر وأنّها تختص بالخبر القائم على وجوب الشيء،

1 ـ هذا نصّ الروايـة: عن أبيعبداللّه (عليه السلام)، قال: «من سرّح لحيتـه سبعين مرّة وعدّها مرّة مرّة لميقربـه الشيطان أربعين يوماً». الكافي 6: 489 / 10، وسائل الشيعـة 2: 126، كتاب الطهارة، أبواب آداب الحمام، الباب76، الحديث1.
2 ـ تهذيب الأحكام 2: 354 / 1466، وسائل الشيعـة 8: 203، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب3، الحديث14.

(الصفحة29)

ولا يعمّ الخبر القائم على الاستحباب.
فإن قلت: كيف تكون أخبار من بلغ مخصّصـة لما دلّ على اعتبار الشرائط في حجّيـة الخبر، مع أنّ النسبـة بينهما العموم من وجـه، حيث إنّ ما دلّ على اعتبار الشرائط يعمّ الخبر القائم على الوجوب وعلى الاستحباب، وأخبار من بلغ وإن كانت تختصّ بالخبر القائم على الاستحباب، إلاّ أنّـه أعمّ من أن يكون واجداً للشرائط وفاقداً لها، ففي الخبر القائم على الاستحباب الفاقد للشرائط يقع التعارض، ولا وجـه لتقديم أخبار من بلغ.
قلت: ـ مع أنّـه يمكن أن يقال: إنّ أخبار من بلغ ناظرة إلى إلغاء الشرائط في الأخبار القائمـة على المستحبّات فتكون حاكمـة على ما دلّ على اعتبار الشرائط في أخبار الآحاد، وفي الحكومـة لا تلاحظ النسبـة ـ إنّ الترجيح لأخبار من بلغ; لعمل المشهور بها، مع أنّـه لو قدّم ما دلّ على اعتبار الشرائط في مطلق الأخبار لم يبق لأخبار من بلغ مورد، بخلاف ما لو قدّمت أخبار من بلغ، وهذا الوجـه ـ أي الوجـه الثاني ـ أقرب كما عليـه المشهور(1)، انتهى ملخّص موضع الحاجـة من كلامـه (قدس سره) .
وفيـه وجوه من النظر:
أمّا أوّلا: فلأنّ جعل أخبار من بلغ مخصّصـة أو معارضـة لما دلّ على اعتبار الشرائط في أخبار الآحاد ممّا لا وجـه لـه، بعد كون كلّ منهما مثبتاً، فإنّ ما دلّ على اعتبار خبر الثقـة مطلقاً لا ينفي ما يدلّ على اعتبار الخبر مطلقاً في باب المستحبّات ولا مضادّة بينهما حتّى يجعل الثاني مخصّصاً أو معارضاً. نعم في بعض

1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 3: 409 ـ 414.

(الصفحة30)

أدلّـة اعتبار خبر الثقـة ما يشعر بعدم حجّيـة قول الفاسق كآيـة النبأ، ولكنّـه كما عرفت لا يخلو من المناقشـة.
وثانياً: فإنّـه لو سلّم التعارض فجعل أخبار من بلغ حاكمـة على ما يدلّ على اعتبار الشرائط في الخبر الواحد ممّا لا وجـه لـه، فإنّ ملاك الحكومـة أن يكون الدليل الحاكم ناظراً إلى الدليل المحكوم ومتعرّضاً لحالـه من حيث السعـة والضيق وهذا الملاك مفقود في المقام، فإنّ غايـة ما يدلّ عليـه أخبار من بلغ بناءً على هذا القول هو بيان حجّيـة الخبر مطلقاً في المستحبّات. وأمّا كونها ناظرة إلى تلك الطائفـة ومفسّرة لها فلا يظهر منها أصلا، كما لايخفى.
وثالثاً: فما أفاد من أنّـه لو قدّم ما دلّ على اعتبار الشرائط في مطلق الخبر لميبق لأخبار من بلغ مورد، محلّ نظر; لأنّ هذه الأخبار كما اعترف (قدس سره) تكون شاملـة بإطلاقها لخبر الثقـة وغيرها وإخراج الثاني من تحتها لا يوجب أن لايكون لها مورد بعد بقاء الأوّل مشمولا لها، ولا يلزم أن يكون المورد الباقي مختصّاً بهذه الأخبار، مع أنّ جعل ذلك مـن المرجّحات ممّا لا دليل عليـه، فإنّـه لم يذكر في باب التراجيح أنّ من جملـة المرجّحات خلوّ الدليل الراجح عن المورد، كما لايخفى.
والأظهر في بيان مفاد أخبار من بلغ أن يقال: إنّها بصدد جعل الثواب لمن بلغـه ثواب على عمل، فعملـه رجاء إدراك ذلك الثواب، نظير الجعل في باب الجعالـة والغرض من هذا الجعل التحريص والترغيب على إتيان مؤدّيات الأخبار الواردة في السنن، لئلاّ تفوت السنن الواقعيـة والمستحبّات النفس الأمريّـة، فالغرض منـه هو التحفّظ عليها بالإتيان بكلّ ما يحتمل كونـه سنّـة، سواء كان بلغ استحبابـه بسند معتبر أو غيره.


(الصفحة31)

وحينئذ: فلا يستفاد من هذه الأخبار استحباب العمل الذي بلغ استحبابـه مطلقاً، بحيث كان ترتّب الثواب عليـه لخصوصيـة في نفس العمل ومزيّـة فيـه مقتضيـة لـه، بل مفادها مجرّد جعل الثواب عليـه تفضّلا لأجل التحفّظ على المستحبّات التي تكون فيها خصوصيـة راجحـة ويكون ترتّب الثواب عليها لأجلها. فهذه الأخبار نظير الأخبار الدالّـة على ترتّب الثواب على المشي إلى الحجّ(1) أو زيارة قبر أبيعبداللّه الحسين (عليه السلام)(2); فإنّ المشي إنّما يكون مقدّمـة، والمقدّمـة لا تكون راجحـة ذاتاً محبوبةً بنفسها، ولكن جعل الثواب عليها إنّما هو لأجل الحثّ والتحريك على ذي المقدّمـة، كما لايخفى.
ومن هنا يظهر الخلل فيما أفاده المحقّق الخراساني (قدس سره) في الكفايـة ممّا تقدّم نقلـه، فتدبّر جيّداً.


1 ـ راجع وسائل الشيعـة 11: 78، كتاب الحج، أبواب وجوبـه وشرائطـه، الباب32.
2 ـ راجع وسائل الشيعـة 14: 439، كتاب الحج، أبواب المزار، الباب41.

(الصفحة32)

التنبيه الثالث

أنحاء متعلّق الأمر والنهي

الأوامر والنواهي قد يتعلّقان بنفس الطبيعـة من غير لحاظ شيء معها أصلا من الوحدة والكثرة وغيرهما.
وقد يتعلّقان بصرف الوجود، والمراد بـه هو الطبيعـة المأخـوذة على نحو لا ينطبق إلاّ على أوّل وجود الطبيعـة، واحداً كان أو كثيراً.
وقد يتعلّقان بالطبيعـة على نحو العامّ المجموعي.
وقد يتعلّقان بها على نحو العامّ الاستغراقي.
فإذا تعلّق الأمر والنهي بنفس الطبيعـة من غير لحاظ الوحدة والكثرة فالأمر يكون باعثاً إلى نفسها، كما أنّ النهي يكون زاجراً عنها. ومن المعلوم أنّ الطبيعـة متكثّرة في الخارج بتكثّر أفرادها; لأنّ كلّ فرد منها هي تمام الطبيعـة مع خصوصيـة الفرديّـة، وحينئذ فإذا أتى بوجود واحد من وجودات الطبيعـة يتحصّل الغرض، لأنّـه تمام الطبيعـة المأمور بها، فيسقط الأمر، لحصول الغرض.
وأمّا إذا أتى بوجودات متكثّرة دفعـة واحدة، فهل يتحقّق هنا إطاعات متعدّدة حسب تعدّد الوجودات المأتي بها، نظراً إلى أنّ المطلوب على ما هو المفروض هو نفس الطبيعـة، وهي تـتكثّر بتكثّر وجوداتها، فتكثّر الطبيعـة مستلزم لتكثّر المطلوب، كما أنّ في الواجب الكفائي لو قام بالإتيان بـه أزيد من واحد يكون كلّ من أتى بـه مستحقّاً للمثوبـة، مع أنّ المطلوب فيـه أيضاً هي نفس طبيعـة الواجب، ولذا يحصل الغرض بالإتيان بوجود واحد منها من مكلّف واحد.


(الصفحة33)

أو أنّـه ليس هنا أيضاً إلاّ إطاعـة واحدة، نظراً إلى أنّ الطبيعـة وإن كانت متكثّرة بتكثّر الأفراد، إلاّ أنّها بوصف كونها مطلوبـة ومأموراً بها لا تكون متكثّرة، كيف وتكثّر المطلوب بما هو مطلوب لا يعقل مع وحدة الطلب بعد كونهما من الاُمور المتضايفـة، وتنظير المقام بباب الواجب الكفائي في غير محلّـه بعد كون الطلب في ذلك متعدّداً، أو كـون كل واحـد من المكلّفين مأمـوراً. غايـة الأمر أنّـه مـع إتيان واحد منهم يحصل الغرض، فيسقط الأمر عـن الباقين، فالأمـر الواحـد لا يكون لـه إلاّ إطاعـة واحدة.
وأمّا النهي والزجر عن نفس الطبيعـة فهو وإن كان أيضاً بحسب نظر العقل يتحقّق إطاعتـه بترك وجود واحد منها، لأنّـه كما أنّ الطبيعـة يوجد بوجود فرد منها كذلك ينعدم بانعدام فرد مّا، لأنّـه إذا فرض أنّ وجوداً واحداً منها يكون تمام الطبيعـة فوجوده وجود لها، وعدمـه عدم لها، ولا يعقل أن يكون وجوده وجوداً لها ولا يكون عدمـه عدماً لها، إلاّ أنّ العقلاء يرون أنّ المطلوب في باب النواهي عدم تحقّق الطبيعـة أصلا، وقد ذكرنا ذلك في باب النواهي من مباحث الألفاظ فراجع(1). هذا كلّـه فيما إذا تعلّق الأمر أو النهي بنفس الطبيعـة.
وأمّا لو تعلّق بصرف الوجود الذي مرجعـه إلى وجوب نقض العدم في ناحيـة الأمر والزجر عنـه في ناحيـة النهي، فيتحقّق إطاعـة الأمر بإيجادها; أي الطبيعـة مرّة أو أكثر، فإنّـه إذا وجد ألف فرد من الطبيعـة دفعـة لا يكون الصرف إلاّ واحداً، كما إذا أوجد فرداً واحداً، بخلاف ما إذا أوجد أفراداً تدريجاً، فإنّـه يتحقّق الصرف بأوّلها، لأنّ الصرف لا يتكرّر، فيكون للأمر بـه إطاعـة واحدة

1 ـ تقدّم في الجزء الأوّل: 165.

(الصفحة34)

متحقّقـة بأوّل الوجودات واحداً كان أو متعدّداً، وكذا عصيان واحد حاصل بتركها رأساً، كما أنّ للنهي بـه أيضاً إطاعـة واحدة حاصلـة بترك جميع الأفراد، وعصيان واحد متحقّق بالإتيان بفرد منها.
وأمّا لو تعلّق الأمر والنهي بالطبيعـة على نحو العامّ المجموعي فلا يكون لهما إلاّ إطاعـة واحدة حاصلـة بالإتيان بجميع وجودات الطبيعـة في ناحيـة الأمر، وبعدم الإتيان بالجميع في ناحيـة النهي، وكذا لا يكون لهما إلاّ عصيان واحد حاصل في الأمر بما يتحقّق بـه الإطاعـة في النهي، وفي النهي بما يتحقّق بـه الإطاعـة في الأمر.
وأمّا لو تعلّق الأمر والنهي بالطبيعـة على نحو العامّ الاستغراقي الذي مرجعـه إلى كون كلّ فرد من الطبيعـة مطلوباً فعلـه أو تركـه، فينحلّ كل واحد منهما إلى الأوامر المتعدّدة حسب تعدّد أفراد الطبيعـة، أو النواهي المتعدّدة كذلك، وحينئذ فلكلّ منهما إطاعات متكثّرة وعصيانات متعدّدة، كما لايخفى.

اختلاف جريان الاُصول العملية باختلاف متعلّقات الأحكام

إذا عرفت ذلك فاعلم: أنّ جريان الاُصول العمليـة يختلف باختلاف متعلّقات الأحكام حسب ما ذكرنا.

حكم ما لو تعلّق الأمر أو النهي بالطبيعة على نحو العامّ الاستغراقي

فإذا تعلّق الأمر أو النهي بالطبيعـة على نحو العامّ الاستغراقي، كما لو تعلّق وجوب الإكرام بكلّ فرد من العلماء، فهل المرجع في الشبهات الموضوعيّـة هي البراءة أو الاشتغال؟ قد يقال بالثاني; نظراً إلى أنّ البيان مـن قبل المولى تامّ

(الصفحة35)

لانقص فيـه; لأنّـه ليس عليـه إلاّ بيان الكبريات، والمفروض العلم بها.
ولكنّ الحقّ هو جريان البراءة; لأنّـه وإن لم يكن على المولى إلاّ بيان الكبريات، إلاّ أنّ العلم بها لا يكون بمجرّده حجّـة على العبد بالنسبـة إلى الفرد المشكوك.
وتوضيح جريان البراءة في مثل المقام ممّا كـان الحكم متعلّقاً بالطبيعـة على نحـو العامّ الاستغراقي أن يقال: إنّ مثل كلمـة «كـلّ» المأخـوذ في الموضوع إنّما يكون عنواناً إجماليّاً مشيراً إلى جميع أفراد مدخولـه، فهو بمنزلـة ما لو تعرّض لذكر جميعها واحداً بعد واحد، ولا يكون الغرض تحصيل هـذا العنوان بحيث يكون المطلوب هو إكرام كلّ عالم بهذا العنوان الإجمالي، بل الغرض إنّما هـو إكرام كلّ فـرد على سبيل الاستقلال، وحينئذ فلو شكّ في فرد أنّـه عالم أم لا فمرجعـه إلى الشكّ في تعلّق الوجوب بإكرامـه، وهو مجرى البراءة. وهذا بخلاف ما لو كان الحكم متعلّقاً بالطبيعـة على نحو العامّ المجموعي; فإنّ المطلوب فيها هو إكرام المجموع بما هو مجموع، ولذا لا يكون لـه إلاّ إطاعـة واحدة وعصيان واحد، فإذا شكّ في أنّ هذا الفرد عامّ أم لا، فلايجوز إجراء البراءة; لأنّ مع إجرائها يشكّ في حصول غرض المولى وسقوط الأمر، وسيأتي توضيحـه.
وبالجملـة: بعدما عرفت من أنّ الأمر في العامّ الاستغراقي ينحلّ إلى أوامر متعدّدة، لعدم كون عنوان الكلّ المأخوذ في الموضوع مقصوداً بذاتـه لا يبقى إشكال في جريان البراءة في الشبهات الموضوعيـة.
إن قلت: بناء على ما ذكر ـ من عدم كون العلم بالكبرى بمجرّده حجّـة ما لمينضمّ إليـه العلم بالصغرى ـ لا يبقى مجال للقول بعدم جواز التمسّك بالعامّ في

(الصفحة36)

الشبهـة المصداقيّـة للمخصّص; لوضوح أنّـه بعد ما لم يكن المخصّص حجّـة بالنسبـة إليـه فلم لا يجـوز التمسّك بالعـامّ بعـد كونـه حجّـة بالنسبـة إلـى الأفراد المعلومـة التي تكون الشبهـة المصـداقيّـة للمخصص مـن جملتها قطعـاً، كما لا يخفى؟
قلت: الوجـه في ذلك هو أنّ التمسّك بالعامّ وحجّيتـه يتوقّف على اُصول عقلائيـة التي من جملتها أصالـة تطابق الإرادة الاستعماليـة مع الإرادة الجدّيـة.
ومن الواضح أنّ هذا الأصل العقلائي ما لم يكن العامّ مخصّصاً قطعاً أو احتمالا يكون متّبعاً بالنسبـة إلى جميع أفراد العامّ، وأمّا بعد عروض التخصيص قطعاً فلا محالـة يكون مقصوراً بغير مورد الخاصّ.
وبعبارة اُخرى: التخصيص وإن لم يكن موجباً لتعنون العامّ بعنوان غير الخاصّ حتّى تكون الشبهـة المصداقيّـة للمخصّص شبهـة مصداقيّـة للعامّ أيضاً، إلاّ أنّـه يوجب قصر مورد قاعدة التطابق على غير مورد الخاصّ. وحينئذ فبعد عدم جواز التمسّك بالخاصّ لا يجوز التمسّك بالعامّ أيضاً، لأنّـه وإن كان بعمومـه يشمل الفرد المشكوك، إلاّ أنّـه بالمقدار الذي يجوز التمسّك بـه ويكون حجّـة، لا يعلم شمولـه فلايكون حجّـة.
ولبعض المحقّقين من المعاصرين وجـه آخر في تقريب جريان البراءة فيها، قال على ما في تقريرات بحثـه ما حاصلـه: إنّ الخطاب كما لا يمكن أن يكون فعليّاً إلاّ بعد وجود المكلّف، كذلك لا يمكن أن يكون فعليّاً إلاّ بعد وجود الموضوع، والسرّ في ذلك أنّ التكاليف الشرعيّـة إنّما تكون على نهج القضايا الحقيقيـة التي تنحلّ إلى قضيـة شرطيّـة مقدّمها وجود الموضوع وتاليها عنوان المحمول، فلابدّ من فرض وجود الموضوع في ترتّب المحمول، فمع الشكّ في

(الصفحة37)

وجوده يشكّ في فعليّتـه، ومع الشكّ فيها يكون المرجع هي البراءة(1).
هذا، ولكن ما أفاده من أنّ القضايا الحقيقيـة تنحلّ إلى القضايا الشرطيـة في غير محلّـه، لأنّ القضايا الحقيقيـة قضايا بتيّـة، كالقضايا الخارجيـة، بلا فرق بينهما من هذه الجهـة أصلا.
غايـة الأمر أنّ الحكم في القضايا الحقيقيـة إنّما يكون على الطبيعـة بوجودها الساري أعمّ من الأفراد المحقّقـة والمقدّرة، وفي القضايا الخارجيّـة يكون مقصوراً على خصوص الأفراد الموجودة.
وبالجملـة فقولنا: كلّ نار حارّة، يكون الحكم بالحرارة فيـه حكماً بتّياً ثابتاً لجميع أفراد طبيعـة النار، ولا يكون حكماً مشروطاً بوجوده، كيف ولو كان الحكم في مثلـه مشروطاً بوجود الموضوع لكان اللازم في مثل ما إذا كان المحمول من لوازم ماهيّـة الموضوع، كقولنا: الأربعـة زوج أن يكون ترتّب الزوجيـة على الأربعـة مشروطاً بوجودها، مع أنّ المفروض كونها من لوازم الماهيّـة التي مرجعها إلى ثبوتها لنفس الماهيّـة مع قطع النظر عن الوجودين، بحيث لو فرض لها تقرّر وثبوت في غير عالم الوجودين لكانت تلزمها.
وبالجملـة: فمعنى القضيّـة الشرطيـة هو كون الشرط فيها دخيلا في ثبوت المحمول وترتّبـه على الموضوع، مـع أنّ القضايا الحقيقيـة لا يكون كلّها كـذلك كما عرفت.
فالحقّ أنّ القضايا الحقيقيـة قضايا بتّيـة غير مشروطـة، ولذا جعلها المنطقيون من الحمليّات التي تكون قسيماً للشرطيّات.


1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 3: 393.

(الصفحة38)

نعم لا شبهـة في أنّ الحكم ما لم يتحقّق موضوعـه لا يثبت، وليس ذلك لاشتراطـه بوجود الموضوع، بل لأنّ الموضوع ما لم يوجد لا يكون موضوعاً، فإنّ النار ما لم تـتحقّق في الخارج لا تكون ناراً، والحكم بالحرارة معلّق على النار وحينئذ فمع الشكّ في وجود الموضوع لا يكون الحكم مترتّباً ولا يكون حجّـة على العبد، لأنّ العلم بالكبرى بمجرّده لا يكون حجّـة ما لم ينضمّ إليـه العلم بالصغرى كما عرفت، لا لأجل الشكّ في وجود الشرط المستلزم للشكّ في المشروط وهو فعليّـة الحكم.
وكيف كان: فالتحقيق في تقريب جريان البراءة في الشبهات الموضوعيـة ما ذكرنا.
هذا كلّـه فيما لو كان متعلّق الحكم مأخوذاً بنحو العامّ الاستغراقي.

حكم ما لو تعلّق الأمر أو النهي بالطبيعة على نحو العامّ المجموعي

وأمّا لو كان مأخوذاً بنحو العامّ المجموعي فقد يقال كما قيل: إنّ جريان البراءة في الشبهات الموضوعيّـة فيـه مبني على جريان البراءة في الأقلّ والأكثر الارتباطيـين، لأنّـه أيضاً من مصاديق تلك المسألـة.
ولكن لا يخفى أنّـه لو قلنا بالجريان في تلك المسألـة فلا يلازم القول بالجريان في المقام; لأنّ مع الشكّ في كون فرد عالماً مثلا وعدم إكرامـه يشكّ في تحقّق العنوان الذي اُخذ موضوعاً للحكم ويجب على المكلّف تحصيلـه وهو إكرام المجموع بما هو مجموع، ومن الواضح لزوم تحصيل هذا العنوان.
وهذا بخلاف ما لو شكّ في لزوم السورة في الصلاة مثلا، فإنّـه يعلم مع

(الصفحة39)

كونها فاقـدة للسورة بصدق عنوانها، وإلاّ فلو كان الجـزء المشكوك بحيث يشكّ في تحقّق عنوان الصلاة مع فقدانـه فلا مجال لجريان البراءة أصلا، كما هو واضح لا يخفى.
هذا في ناحيـة الأمر، وأمّا لو كان العامّ المجموعي متعلّقاً للنهي فالظاهر جواز ارتكاب الفرد الذي يشكّ في تحقّق المجموع بـه، لأنّ حقيقـة النهي عبارة عن الزجر عن المنهي عنـه، ومع ارتكابـه لا يعلم بتحقّق المنهي عنـه في الخارج وليس النهي كالأمر، فإنّ معناه هو الطلب، ولابدّ من تحصيل مطلوب المولى بعد العلم بالطلب، وحينئذ فلو شكّ في تحقّق المجموع بإكرام غير الفرد المشكوك فمقتضى الاشتغال اليقيني هو تحصيل البراءة اليقينيّـة بإكرام الفرد المشكوك أيضاً، وهذا بخلاف النهي، فإنّـه زجر عن إكرام مجموع الفسّاق مثلا في المقام ومع ارتكاب إكرام الفرد الذي يشكّ في تحقّق المجموع بـه لا يعلم بتحقّق المنهي عنـه حتّى يكون مزجوراً عنـه، كما هو واضح.
نعم لو كان النهي عبارة عن طلب الترك فلابدّ حينئذ أيضاً من تحصيل مطلوب المولى وهو ترك المجموع، فلا يجوز ارتكاب إكرام الفرد الذي يشكّ في تحقّق المجموع بـه، لأنّـه لا يعلم مع ارتكابـه بحصول المطلوب، كما لايخفى.
ومن هنا يعلم أنّ ما أفاده في الكفايـة من أنّـه لو كان النهي عن شيء في زمان أو مكان بحيث لو وجد في ذاك الزمان أو المكان ولو دفعـة لما امتثل أصلا كان اللازم على المكلف إحراز أنّـه تركـه بالمرّة ولو بالأصل، فلا يجوز الإتيان بشيء يشكّ معـه في تركـه(1).


1 ـ كفايـة الاُصول: 402.

(الصفحة40)

إنّما يتمّ بناء على ما ذهب إليـه في باب النواهي من أنّ معنى النهي هو طلب الترك، وأمّا بناءً على ما هو التحقيق في معناه فلا يلزم على المكلّف إحراز أنّـه تركـه بالمرّة، بل يلزم عليـه أن لا يعلم بحصول الشيء المنهي عنـه. وبعبارة اُخرى أن لا يرتكب ما علم بكونـه منهيّاً عنـه، كما لايخفى.
هذا كلّـه فيما لو تعلّق الأمر أو النهي بالطبيعـة على نحو العامّ المجموعي.

حكم ما لو تعلّق الأمر أو النهي بالطبيعة على نحو صرف الوجود

وأمّا لو تعلّق الأمر بصرف الوجود الذي يكون عبارة عن الأمر المتحصّل من أوّل الوجودات أو المنتزع منـه، فلا شبهـة في أنّـه لا يكتفى في مقام الامتثال بالإتيان بالفرد الذي يشكّ في كونـه مصداقاً للمأمور بـه; لأنّ مقتضى الاشتغال اليقيني هي البراءة اليقينيـة، وأمّا لو تعلّق النهي بـه فيجوز الإتيان بالفرد المشكوك، لعدم العلم بكونـه مصداقاً للمنهي عنـه، فيشكّ في تحقّق الزجر بالنسبـة إليـه، هذا.

حكم ما لو تعلّق الأمر والنهي بنفس الطبيعة

ولو تعلّق الأمر أو النهي بنفس الطبيعـة فحكمـه حكم ما لو تعلّق بصرف الوجود، فلا يكتفى في مقام امتثال الأمر بالإتيان بالفرد المشكوك، ويجوز الإتيان بـه فيما لو كانت متعلّقـة للنهي.
فانقدح مـن جميع مـا ذكرنا: أنّ الإتيان بالفرد الـذي يشكّ في تحقّق المنهي عنـه بـه جائز في جميع الأقسام الأربعـة المتقدّمـة، والسرّ في أكثرها
<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>