صفحه 161
تماثيل سبع، أو طير أيصلّى فيه؟ قال : لابأس(1) .
وعنه عن أخيه(عليه السلام) قال: سألته عن البيت فيه صورة سمكة، أو طير، أو شبهها، يعبث به أهل البيت، هل تصلح الصلاة فيه؟ قال : لا حتّى يقطع رأسه منه ويفسد(2) .
والظاهر منها فرض ما إذا كانت الصورة مجسّمة وإن كانت دلالة ما قبلهما ولو بالإطلاق على هذه الصورة التي هي مورد الفرض محلّ إشكال بل منع، كما لايخفى .
وروايات متعدّدة واردة في موارد مختلفة يظهر من الجميع عدم الحرمة وثبوت الكراهة في البيت، إمّا مطلقاً، أو في خصوص حال الصلاة(3) .
فانقدح من جميع ما ذكرنا أنّ الأقوى ما عليه المتن من الجواز بالإضافة إلى الاُمور المذكورة فيه .
نعم ، ينبغي التنبيه على أمر; وهو أنّه على فرض القول بالحرمة، فالظاهر أنّ الحرام هو الاقتناء والبيع والشراء . وأمّا النظر المجرّد فلا دليل على تحريمه، بل الظاهر عدم التزام القائل بالحرمة في الأمرين، بها في النظر، وإلاّ فيشكل الأمر ; لوجود الابتلاء به في السفر إلى بعض البلدان الداخليّة والخارجيّة، بل في الاُمور
(1) قرب الإسناد: 211 ح827 ، مستطرفات السرائر : 123 ح2، وعنهما وسائل الشيعة 4: 442، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب45 ح23. وفي ج5: 173، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب32 ذ ح 10 والبحار 83 : 252 ح20 عن القرب. (2) المحاسن 2: 459 ح2587، قرب الإسناد: 185 ح690، وعنهما وسائل الشيعة 4: 441، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب45 ح18، وج5: 173، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب32 ح12، وبحار الأنوار 79: 288 ح14 وج83 : 288 ملحق ح1. (3) راجع وسائل الشيعة 5: 170 ـ 174، كتاب الصلاة ، أبواب مكان المصلّي ب32 وغيره ، وقد ذكرنا بعض مواردها في ص147.
صفحه 162
المصنوعة للصغار بعنوان أسباب اللعب من المجسّمات الكثيرة الشائعة، وإن كان أصل إحداثها ولو في المعامل الكبيرة مع أدوات خاصّة ومكائن مخصوصة محرّماً ـ على ما هو المفروض من كونه بعنوان المجسّمة، كما لايخفى ـ إلاّ في موارد يكون إيجادها في الخارج بأيدي الكفّار والشراء منهم للغرض المذكور أو مثله، فتدبّر جيّداً .
ثمّ إنّه ربما يتخيّل كما في بعض المقالات المنسوبة إلى بعض الماضين من الفضلاء رحمه الله ـ تعالى ـ أنّه لا يكون إيجاد صورة ذات الروح محرّماً ولو كان بنحو التجسيم; نظراً إلى ما اشتهر(1) من سيّدنا الاُستاذ الماتن(قدس سره) من أنّ لعنصريّ الزمان والمكان دخلاً في استنباط الحكم والوصول إلى ما هو الحقّ .
وفي المقام يقال : إنّ الأخبار وإن كان مفادها الحرمة في الصورة المذكورة، إلاّ أنّه حيث كانت الأصنام المتداولة في الجاهليّة صور ذوات الأرواح المختلفة غالباً، يبدو في النظر أنّ الحكم بالحرمة في الصورة المذكورة إنّما هو لأجل أن لا يرجعوا إلى ما كان عليه أهل الجاهليّة . ومن المعلوم انتفاء هذا الوجه في مثل زماننا الذي لا تكون عبادة الأصنام معمولة ولا يكون الزمان قريباً إلى ذلك الزمان ، مع أنّ الظاهر أنّ مدخليّة العنصرين إنّما هي في صورة تبدّل عنوان الموضوع، كالشطرنج الذي كانت آلة للقمار، والآن وسيلة لارتقاء الفكر وخارجاً عن آلية القمار .
مضافاً إلى أنّ ما دلّ على حرمة المجسّمة من ذوات الأرواح صادر عن
(1) لم نجده عاجلاً.
صفحه 163
الصادقين(عليهما السلام)(1)، والفصل بينهما، وبين زمان الجاهليّة يكون أزيد من مائة وخمسين سنة، فكيف يجوز حمل رواياتهما على ما ذكر ، فتدبّر جيّداً.
وإلى أنّ الأمر التعجيزي يوم القيامة بالنفخ لا يلائم ما ذكره .
(1) راجع وسائل الشيعة 5: 303 ـ 308، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساكن ب3، وج17: 295ـ 298 كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب94.
صفحه 164
حرمة الغناء
مسألة 13 : الغناء حرام فعله وسماعه والتكسّب به، وليس هو مجرّد تحسين الصوت، بل هو مدّه وترجيعه بكيفيّة خاصّة مطربة تناسب مجالس اللهو، ومحافل الطرب، وآلات اللهو والملاهي ، ولا فرق بين استعماله في كلام حقّ; من قراءة القرآن والدعاء والمرثية، وغيره من شعر أو نثر ، بل يتضاعف عقابه لو استعمله فيما يُطاع به الله تعالى . نعم ، قد يستثنى غناء المغنّيات في الأعراس، وهو غير بعيد، ولا يترك الاحتياط بالاقتصار على زفّ العرائس والمجلس المعدّ له مقدّماً ومؤخّراً، لا مطلق المجالس ، بل الأحوط الاجتناب مطلقاً1.
1 ـ يقع الكلام في هذه المسألة في مقامات :
المقام الأوّل : في حكم الغناء من حيث حرمة الفعل، والسماع، والتكسّب به وعدمه ، ويدلّ على الحرمة ـ مضافاً إلى دعوى الإجماع عليها من أصحابنا الإماميّة وفقهائنا ، بل دعوى الضرورة الدينيّة من جملة من الأجلاّء(1)وإن نوقش(2) فيها بعدم دلالة مثلها على الكشف عن رأي المعصوم(عليه السلام) بعد وجود روايات مستفيضة في تفسير جملة من الآيات الكريمة الآتية ، بل ادّعاء التواتر من محكي الإيضاح(3) ـ طائفة من الآيات :
منها : قوله ـ تعالى ـ {وَ اجْتَنِبُواْ قَوْلَ الزُّورِ}(4)، حيث وردت في تفسيره
(1) رياض المسائل 8 : 62 ، جواهر الكلام 22: 44، مستند الشيعة 14: 126. (2) المناقش هو السيّد الخوئي في مصباح الفقاهة 1: 477. (3) إيضاح الفوائد 1: 405. (4) سورة الحجّ 22: 30.
صفحه 165
روايات، مثل :
صحيحة زيد الشحّام قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن قوله ـ عزّوجلّ ـ : {وَ اجْتَنِبُواْ قَوْلَ الزُّورِ}قال : قول الزور: الغناء(1) .
ومرسلة ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في قول الله ـ تعالى ـ : {وَ اجْتَنِبُواْ قَوْلَ الزُّورِ} قال : قول الزور: الغناء(2) .
ورواية أبي بصير ـ التي في طريقها سهل بن زياد ـ قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام)عن قول الله ـ عزّوجلّ ـ : {فَاجْتَنِبُواْ الرِّجْسَ مِنَ الاَْوْثَـنِ وَاجْتَنِبُواْ قَوْلَ الزُّورِ} قال: الغناء(3).
وما عن تفسير علي بن إبراهيم ـ صحيحاً ـ عن هشام، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في قوله ـ تعالى ـ : {فَاجْتَنِبُواْ الرِّجْسَ مِنَ الاَْوْثَـنِ وَ اجْتَنِبُواْ قَوْلَ الزُّورِ} قال : الرجس من الأوثان: الشطرنج ، وقول الزور: الغناء(4) .
وبعض آخر من الروايات الواردة في تفسير الآية (5) وإن كان الأمر بالاجتناب
(1) الكافي 6: 435 ح2، الفقيه 4: 41 ح135، وعنهما وسائل الشيعة 17: 303، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب99 ح2 وص318 ب102 ح1. وفي بحارالأنوار 79: 244 ح17 عن أمالي الطوسي 294 ح575 بسند آخر عن الصادق(عليه السلام). (2) الكافي 6: 436 ح7، وعنه وسائل الشيعة 17: 305، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب99 ح8 وص318 ب103 ح3، ومرآة العقول 22: 308 ح7، و رواه في بحار الأنوار 67: 135 مرسلاً. (3) الكافي 6: 431 ح1، وعنه وسائل الشيعة 17: 305، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب99 ح9، ومرآة العقول 22: 300 ح1. (4) تفسير القمّي 2: 84 ، وعنه وسائل الشيعة 17: 310، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب99 ح26. (5) وسائل الشيعة 17: 303 ـ 310، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب99 ، وبحار الأنوار 79: 239ـ 247 ب99 وغيرهما.
صفحه 166
لا دلالة له على الحرمة كما ذكرناه مراراً .
وقوله ـ تعالى ـ : {وَ مِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِى لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ}(1) فقد ورد في تفسيره روايات دالّة على أنّه الغناء، أو منه الغناء، مثل :
رواية مهران بن محمّد، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سمعته يقول : الغناء ممّا قال الله ـ عزّوجلّ ـ : {وَ مِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِى لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْم}(2) .
ورواية الوشاء قال : سمعت أبا الحسن الرضا(عليه السلام) يقول : سُئل أبو عبدالله(عليه السلام)(يسأل خ ل) عن الغناء ، فقال : هو قول الله ـ عزّوجلّ ـ : {وَ مِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِى لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْم}(3) .
وصحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : سمعته يقول : الغناء ممّا وعد الله عليه النار، وتلا هذه الآية {وَ مِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِى لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْم وَ يَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُوْلَـلـِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ}(4) .
ويستفاد من هذه الرواية كون الغناء من المحرّمات الكبيرة; لوجود الضابطة المذكورة للمعاصي الكبيرة; وهو إيعادالله ـ تعالى ـ عليه في الكتاب النار فيها، كما لايخفى.
(1) سورة لقمان 31: 6. (2) الكافي 6: 431 ح5، وعنه وسائل الشيعة 17: 305، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب99 ح7، ومرآة العقول 22: 301 ح5. (3) الكافي 6: 432 ح8، وعنه وسائل الشيعة 17: 306، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب99 ح11، ومرآة العقول 22: 302 ح8 . (4) الكافي 6: 431 ح4، وعنه وسائل الشيعة 17: 304، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب99 ح6، ومرآة العقول 22: 301 ح4.
صفحه 167
ومنها: قوله ـ تعالى ـ : {وَ الَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ}(1).
فقد ورد في تفسيره صحيحة محمّد بن مسلم وأبي الصباح الكنائي، أو عن أبي الصباح الكناني عن أبى عبدالله(عليه السلام) في قول الله ـ عزّوجلّ ـ : {وَ الَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ} قال : (هو خ ل) الغناء(2).
ومنها: قوله ـ تعالى ـ : {وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ}(3).
فإنّه قد ورد في تفسير القمّي عن الصادق(عليه السلام) {وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ}التفسير بالغناء والملاهي (4).
هذا كلّه بالإضافة إلى الكتاب .
وأمّا السنّة، فتدلّ على الحرمة روايات مستفيضة :
منها : صحيحة زيد الشحّام قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام) : بيت الغناء لا تؤمن فيه الفجيعة، ولا تُجاب فيه الدعوة، ولا يدخله الملك(5) .
ودلالتها على أزيد من الكراهة ممنوعة .
ومنها : رواية يونس ـ التي في طريقها سهل ـ قال : سألت الخراساني(عليه السلام) عن الغناء وقلت : إنّ العبّاسي ذكر عنك أنّك ترخّص في الغناء ؟ فقال : كذب الزنديق
(1) سورة الفرقان 25: 72. (2) الكافي 6: 431 و433 ح6 و 13، وعنه وسائل الشيعة 17: 304، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب99 ح3 و 5، ومرآة العقول 22: 301 و 304 ح6 و 13، ورواه في بحار الأنوار 69: 262 مرسلاً، وفي ج79: 240 ح3 عن تفسير القمّي 2: 117 مرسلاً. (3) سورة المؤمنون 23: 3. (4) تفسير القمّي 2: 88 ، وعنه بحار الأنوار 69: 45 وج79: 240 ح2. (5) الكافي 6: 433 ح15، وعنه وسائل الشيعة 17: 303، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب99 ح 1، ومرآة العقول 22: 305 ح15.
صفحه 168
ماهكذا قلت له ، سألني عن الغناء، فقلت : إنّ رجلاً أتى أبا جعفر(عليه السلام) فسأله عن الغناء؟ فقال : يا فلان إذا ميّز الله بين الحقّ والباطل فأين يكون الغناء؟ فقال : مع الباطل ، فقال : قد حكمت(1) .
وأمّا ما في المستند; من أنّ التكذيب في نسبة الرخصة لا يستلزم المنع ; لأنّ عدم ترخيص الإمام(عليه السلام) أعمّ من المنع، بل كلامه(عليه السلام) صريح في أنّ التكذيب ليس للمنع، بل لذكره خلاف الواقع ، مع أنّه يمكن أن يكون التكذيب لأجل أنّه نسب الرخصة في المطلق، وهو كذب صريح، ولا يتوهّم دلالة كونه مع الباطل على الحرمة; إذ لا يفيد ذلك أزيد من الكراهة الخ.(2)
فمدفوع بظهور الرواية في حرمة نفس الغناء بعنوانه ولو لأجل كونه باطلاً، والسائل كأنّما تعجّب من ترخيص الإمام(عليه السلام) هذا العنوان، كما لايخفى .
ومنها : مرسلة الصدوق الآتية .
ومنها : غير ذلك من الأخبار الكثيرة(3) .
وقد انقدح ممّا ذكرنا أنّه لا ينبغي الإشكال في أصل الحكم بالحرمة في الجملة في هذا المقام، إلاّ أنّه لابدّ من تتميم المقام بذكر اُمور:
الأوّل : أنّ الحكم هل هو ثابت بنحو الإطلاق، أو يكون مقيّداً بما حكي عن
(1) الكافي 6: 435 ح25، عيون أخبار الرضا(عليه السلام) 2: 14 ح32، قرب الإسناد: 342 ح1250، اختيار معرفة الرجال، المعروف بـ «رجال الكشي»: 501 ح958، وعنها وسائل الشيعة 17: 306، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب99 ح13 و 14، وفي بحار الأنوار 49: 263 ح6 عن قرب الإسناد والعيون، وفي ج79: 242 و 243 ح11 و 14 عنهما وعن الكشي. (2) مستند الشيعة 14: 137. (3) راجع وسائل الشيعة 17: 303، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب99.
صفحه 169
المحدّث الكاشاني(قدس سره) من اختصاص الحرام منه بما اشتمل على محرّم من خارج، مثل اللعب بآلات اللهو، ودخول الرجال على النساء، والكلام بالباطل، وإلاّ فهو في نفسه غير محرّم، حيث ذكر في محكي الوافي:
أنّ الذي يظهر من مجموع الأخبار الواردة فيه، اختصاص حرمة الغناء وما يتعلّق به من الأجر، والتعليم، والاستماع، والبيع والشراء كلّها بما كان على النحو المعهود المتعارف في زمن بني اُميّة وبني العبّاس; من دخول الرجال عليهنّ وتكلّمهنّ بالأباطل، ولعبهنّ بالملاهي من العيدان والقصب وغيرهما، دون ما سوى ذلك من أنواعه، كما يشعر به قوله(عليه السلام) : ليست بالتي يدخل عليها الرجال(1).
إلى أن قال : وعلى هذا فلا بأس بسماع التغنّي بالأشعار المتضمّنة لذكر الجنّة والنار، والتشويق إلى دار القرار، ووصف نِعَم الله الملك الجبّار، وذكر العبادات، والترغيب في الخيرات، والزهد في الفانيات، ونحو ذلك، كما اُشير إليه في حديث الفقيه بقوله(عليه السلام) : فذكّرتك الجنّة(2). وذلك لأنّ هذا كلّه ذكر الله، وربما «تقشعرّ منه جلود الذين يخشون ربّهم ثمّ تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله»(3) .
وبالجملة: لا يخفى على أهل الحجى بعد سماع هذه الأخبار تمييز حقّ الغناء عن باطله، وأنّ أكثر ما يتغنّى به المتصوّفة في محافلهم من قبيل الباطل(4) ، انتهى.
وذكر الشيخ بعد نقل ما ذكر ما محصّله: أنّه لولا استشهاده بقوله(عليه السلام) : «ليست
(1) الكافي 5: 120 ح3، الفقيه 3: 98 ح376، تهذيب الأحكام 6: 357 ح1022، الاستبصار 3: 62 ح205، وعنها وسائل الشيعة 17: 121، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب15 ح3، و تأتى بتمامها في ص187. (2) الفقيه 4: 42 ح139، وعنه وسائل الشيعة 17: 122، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب16 ح2. (3) اقتباس من سورة الزمر 39: 23. (4) الوافي 17: 218 ـ 223.
صفحه 170
بالتي يدخل عليها الرجال» أمكن تطبيق كلامه على أنّ المحرّم هو الصوت اللهوي الذي يناسبه اللعب بالملاهي، والتكلّم بالأباطيل، ودخول الرجال على النساء; لحظّ السمع والبصر من شهوة الزنا، دون مجرّد الصوت الحسن الذي يذكّر اُمور الآخرة ويُنسي شهوات الدُّنيا .
إلاّ أنّ الاستشهاد المذكور ظاهر في التفصيل بين أفراد الغناء لا من حيث نفسه(1) .
وحكي نظير ذلك عن السبزواري صاحب الكفاية(2) .
واُورد عليه بإيرادات :
منها : أنّ الظاهر من الروايات الكثيرة التي عرفت جملة منها ، بل المتواترة من حيث المعنى، هو النهي عن الغناء من حيث نفسه مع قطع النظر عن اقترانه بسائر العناوين المحرّمة .
ومنها : أنّه إذا كان تحريم الغناء إنّما هو للعوارض المحرّمة، كان الاهتمام بالمنع عنه في هذه الروايات لغواً محضاً; لورود النهي عن سائر المحرّمات بأنفسها .
ومنها : أنّ رواية الفقيه مرسلة لا اعتبار بها ، كما أنّ رواية أبي بصير وإن كانت صحيحة، إلاّ أنّه لا دلالة فيها على قصد المحدّث المذكور; فإنّ غاية ما يستفاد منها
(1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 299 ـ 300. (2) كفاية الفقه المشتهر بـ«كفاية الأحكام» 1: 432 ـ 434، وقال بعد نقل كلام عن الشيخ أبي علي الطبرسي في مجمع البيان (ج1 ص17 ـ 18): وهذا يدلّ على أنّ تحسين الصوت بالقرآن والتغنّي به مستحبّ عنده، وأنّ خلاف ذلك لم يكن معروفاً بين القدماء، وكلام السيّد المرتضى في الغرر والدرر (أمالي المرتضى 1: 57 ـ 58) لا يخلو عن إشعار واضح بذلك.
صفحه 171
ومن رواية اُخرى لأبي بصير(1) استثناء الغناء في العرائس ، فلا دلالة لهما على حكم المطلق .
والروايات الواردة في استحباب قراءة القرآن بالصوت الحسن لا ارتباط لها بالمقام ; لعدم الملازمة بين الصوت الحسن وبين الغناء، وثبوت المغايرة بينهما(2) .
قلت : رواية الفقيه وإن كانت مرسلة، إلاّ أنّها من المرسلات المعتبرة عندنا; لإسناد الصدوق المتن إلى الإمام(عليه السلام) من دون واسطة، حيث قال : سأل رجل عليّ ابن الحسين(عليهما السلام) عن شراء جارية لها صوت؟ فقال : ما عليك لو اشتريتها فذكّرتك الجنّة ـ يعني بقراءة القرآن ـ والزهد والفضائل التي ليست بغناء، فأمّا الغناء فمحظور.
ولكنّ المفروض في السؤال ثبوت الصوت للجارية، والمراد منه وإن كان هو الصوت الحسن، إلاّ أنّه غير الغناء المحظور، وإن كان توصيف قراءة القرآن والزهد والفضائل، بما لا يكون غناءً، ربما يشعر بما قاله المحدّث المذكور، فتدبّر ; فإنّ القيد احترازيّ لا توضيحي، وهو وصف للقراءة لا للاُمور المقرّرة ، كما أنّ الظاهر أنّ التفسير من كلام الإمام(عليه السلام)، لا من الصدوق .
ويؤيّد ما ذكرنا من أنّ لعنوان الغناء موضوعيّة، وليس المعتبر في الحرمة الاقتران بالمحرّمات الخارجيّة، أنّه قد يكون الغناء خالياً عن الكلام رأساً، ولايكون فيه أمر مثل دخول الرجال على النساء، والالتزام بعدم الحرمة في مثل ذلك في كمال البُعد .
(1) الكافي 5: 119 ح1، تهذيب الأحكام 6: 358 ح1024، الاستبصار 3: 62 ح207، وعنها وسائل الشيعة 17: 120، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب15 ح1، وفي الوافي 17: 205 ح17121 عن الكافي والتهذيب، وفي مرآة العقول 19: 80 ح1 عن الكافي. (2) مصباح الفقاهة 1: 482 ـ 483.
صفحه 172
الأمر الثاني : أنّه لا محيص عن الالتزام بحرمة التكسّب بالغناء بعد ثبوت الحرمة; لما عرفت(1) من اعتبار أن يكون متعلّق الإجارة في الإجارة على الأعمال من الأعمال المباحة غير المحرّمة ، فالقول بأنّ الغناء حرام يستلزم القول بحرمة التكسّب به بلا إشكال .
وأمّا الاستماع، فهل هو حرام كما في المتن، أم لا ؟ نظير التصوير الذي عرفت أنّ إيجاد الصورة من ذوات الأرواح بنحو التجسيم حرام(2)، ولكن اقتناء تلك الصورة المحرّمة، وبيعها وشراؤها حلال، فضلاً عن مجرّد النظر(3).
ربمايستدلّ على الحرمة بالإجماع، كماادّعى القطع به الفاضل النراقي في المستند(4).
وبرواية الطاطري، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سأله رجل عن بيع الجواري المغنّيات؟ فقال : شراؤهنّ وبيعهنّ حرام، وتعليمهنّ كفر، واستماعهنّ نفاق(5) .
ومقتضى إطلاق المنع عن الاستماع الشمول للمحارم أيضاً ، كما أنّ الظاهر أنّ التعبير بالنفاق أهمّ من التحريم .
ومثلها رواية إبراهيم بن أبي البلاد قال : أوصى إسحاق بن عمر بجوار له مغنّيات أن تبيعهنّ (يُبَعْنَ خ ل) ويحمل ثمنهنّ إلى أبي الحسن(عليه السلام). قال إبراهيم : فبعت الجواري بثلاثمائة ألف درهم وحملت الثمن إليه، فقلت له : إنّ مولى لك يُقال
(1) في تفصيل الشريعة فى شرح تحرير الوسيلة، كتاب الإجارة: 44 ـ 49. (2) في ص139 ـ 146، الفرع الأوّل. (3) في ص157 ـ 161، الفرع الخامس. (4) مستند الشيعة 14: 133. (5) الكافي 5: 120 ح5، تهذيب الأحكام 6: 356 ح1018، الاستبصار 3: 61 ح201، وعنها وسائل الشيعة 17: 124 ، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب16 ح7، وفي الوافي 17: 207 ح17125 ومرآة العقول 19: 81 ح5 عن الكافي.
صفحه 173
له: إسحاق بن عمر أوصى عند وفاته ببيع جوار له مغنّيات وحمل الثمن إليك، وقد بعتهنّ وهذا الثمن ثلاثمائة ألف درهم ، فقال : لا حاجة لي فيه، إنّ هذا سحت، وتعليمهنّ كفر، والاستماع منهنّ نفاق، وثمنهنّ سحت (1).
ورواية عنبسة، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : استماع اللّهو والغناء ينبت النفاق، كما ينبت الماء الزرع(2) .
ومرسلة إبراهيم بن محمّد المدني ـ التي في طريقها سهل أيضاًـ عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال : سئل عن الغناء وأنا حاضر؟ فقال : لا تدخلوا بيوتاً الله مُعرض عن أهلها(3) . ودلالتها على حرمة الاستماع ممنوعة، كما لايخفى .
ورواية مسعدة بن زياد قال: كنت عند أبي عبدالله(عليه السلام)، فقال له رجل: بأبي أنت واُمّي إنّي أدخل كنيفاً لي ، ولي جيران عندهم جوار يتغنّين ويضربن بالعود، فربما أطلت الجلوس استماعاً منّي لهنّ ، فقال : لا تفعل ، فقال الرجل : والله ما آتيهنّ إنّما هو سماع أسمعه باُذني ، فقال : لله أنت، أما سمعت الله يقول : {وَ لاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِى عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَـلـِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْـُولاً}(4)؟ فقال : بلى والله لكأنّي لم أسمع بهذه الآية ـ إلى أن قال :ـ قم فاغتسل وصلِّ ما بدا لك; فإنّك
(1) الكافي 5: 120 ح7، تهذيب الأحكام 6: 357 ح1021، الاستبصار 3: 61 ح204، وعنها وسائل الشيعة 17: 123، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب16 ح5، وفي الوافي 17: 208 ح17128 ومرآة العقول 19: 81 ح7 عن الكافي. (2) الكافي 6: 434 ح23، وعنه وسائل الشيعة 17: 316، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب101 ح1 والوافي 17: 216 ح17151 ومرآة العقول 22: 306 ح23. (3) الكافي 6: 434 ح18، وعنه وسائل الشيعة 17: 306، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب99 ح12 والوافي 17: 215 ح1746 ومرآة العقول 22: 305 ح18. (4) سورة الإسراء 17: 36.
صفحه 174
كنت مقيماً على أمر عظيم ما كان أسوأ حالك لو متّ على ذلك، الحديث(1) .
ومسعدة بن زياد ثقة على ما حكي عن النجاشي والعلاّمة(2)، وتعبير الإمام(عليه السلام)في الجواب يدلّ على أنّه لم يكن جاهلاً قاصراً، وأنّه لم يكن كأنّه لم يسمع بهذه الآية التي استشهد بها الإمام(عليه السلام); ضرورة أنّه لو كان جاهلاً قاصراً لم يكن مقيماً على أمر عظيم، ومتّصفاً بسوء الحال عند الموت .
ورواية أبي أيّوب الخزّاز ـ وفي سندها سهل بن زياد ـ قال : نزلنا بالمدينة فأتينا أبا عبدالله(عليه السلام)، فقال لنا : أين نزلتم؟ فقلنا : على فلان صاحب القيان ، فقال : كونوا كراماً، فوالله ما علمنا ما أراد به، وظننا أنّه يقول: تفضّلوا عليه، فعدنا إليه فقلنا: لا ندري ما أردت بقولك: «كونوا كراماً»؟ فقال : أما سمعتم الله ـ عزّوجلّ ـ يقول : {وَ إِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّواْ كِرَامًا}(3)،(4).
ورواية ياسر ـ وفي سندها سهل أيضاًـ عن أبي الحسن(عليه السلام) قال : من نزّه نفسه عن الغناء فإنّ في الجنّة شجرة يأمر الله ـ عزّوجلّ ـ الرياح أن تحرّكها فيسمع منها صوتاً لم يسمع مثله ، ومن لم يتنزّه عنه لم يسمعه(5) .
(1) الكافي 6: 432 ح10، الفقيه 1: 45 ح177، تهذيب الأحكام 1: 116 ح303، وعنها وسائل الشيعة 3: 331، كتاب الطهارة، أبواب الأغسال المسنونة ب18 ح1، وفي الوافي 17: 211 ح17138 ومرآة العقول 22: 303 ح10 عن الكافي. (2) رجال النجاشي: 415، الرقم 1109، خلاصة الأقوال في معرفة الرجال: 281، الرقم 1029، معجم رجال الحديث 18: 134، الرقم 12273. (3) سورة الفرقان 25: 72. (4) الكافي 6: 432 ح9، وعنه وسائل الشيعة 17: 316، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب101 ح2 والوافي 17: 211 ح17137 ومرآة العقول 22: 306 ح9. (5) الكافي 6: 434 ح19، وعنه وسائل الشيعة 17: 317، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب101 ح3 والوافي 17: 215 ح17147 ومرآة العقول 22: 306 ح19.
صفحه 175
ورواية الحسين بن علي بن يقطين، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : من أصغى إلى ناطق فقد عبده، فإن كان الناطق يؤدّي عن الله ـ عزّوجلّ ـ فقد عبد الله، وإن كان الناطق يؤدّي عن الشيطان فقد عُبد الشيطان(1) .
فالإنصاف أنّ هذه الروايات مع كثرتها كافية للحكم بأصل الحرمة وإن كان كثير منها لو خلّي ونفسه غير خال عن المناقشة في السند أو المتن ، مضافاً إلى ما عرفت(2) من ادّعاء الإجماع القطعي عليها، وإلى ما هو الثابت عند المتشرّعة من الحرمة ، فتدبّر .
الأمر الثالث : صريح المتن أنّه لا فرق في حرمة الغناء بين أن يكون في كلام حقّ من قراءة القرآن أو الدعاء أو المرثية، أو غيرها من نثر أو شعر أو في غيره ، بل ربما يتضاعف عقابه لو استعمله فيما يُطاع به الله تعالى ، ولكنّ المحكي عن جماعة عدم ثبوت الحرمة في القرآن والدعاء والمرثية، كما عرفت حكايةً عن الفاضلين الكاشاني والسبزواري في الوافي والكفاية (3).
وحكى مثله الشيخ عن المحقّق الأردبيلي، حيث إنّه ـ بعدما وجّه استثناء المراثي وغيرها من الغناء; بأنّه ما ثبت الإجماع إلاّ في غيرها، والأخبار ليست بصحيحة صريحة في التحريم مطلقاً ـ أيّد استثناء المراثي بأنّ البكاء والتفجّع مطلوب مرغوب، وفيه ثواب عظيم، والغناء معين على ذلك، وأنّه متعارف دائماً في بلاد المسلمين من زمن المشايخ إلى زماننا هذا من غير نكير ، ثمّ أيّده بجواز النياحة
(1) الكافي 6: 434 ح24، وعنه وسائل الشيعة 17: 317، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب101 ح5 والوافي 17: 216 ح17152 ومرآة العقول 22: 306 ح24. (2) في ص172. (3) في ص: 168 ـ 170.
صفحه 176
وجواز أخذ الاُجرة عليها ، و الظاهر أنّها لاتكون إلاّ معه، وبأنّ تحريم الغناء للطرب على الظاهر، وليس في المراثي طرب، بل ليس إلاّ الحزن(1)،(2) انتهى .
وقد صرّح بعدم ثبوت الحرمة في الاُمور الثلاثة المتقدّمة من قراءة القرآن والدعاء والمرثية صاحب المستند(3) . والعمدة ملاحظة ما يدلّ بأنظارهم على الجواز بعد ثبوت الإطلاق في أدلّة حرمة الغناء، وعدم التقييد فيها، ووضوح أنّه لا يجدي في الحكم بجواز الحرام كونه مقدّمة لأمر مستحبّ أو مباح .
نعم ، هنا روايات ربما يستدلّ بها على الجواز، مثل :
مرسلة ابن أبي عمير، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : إنّ القرآن نزل بالحزن، فاقرأوه بالحزن(4) .
ومثلها رواية عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : إنّ الله ـ عزّوجلّ ـ أوحى إلى موسى بن عمران(عليه السلام): إذا وقفت بين يديّ فقف موقف الذليل الفقير، وإذا قرأت التوراة فاسمعنيها بصوت حزين(5) .
(1) مجمع الفائدة والبرهان 8 : 61 ـ 63. (2) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 1: 311. (3) مستند الشيعة 14: 144 ـ 152. (4) الكافي 2: 614 ح2، وعنه وسائل الشيعة 6: 208، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن ب22 ح1. ورواه الطبراني في المعجم الأوسط 3: 427 ح2923، و السيوطي فى الجاجع الصغير 1: 83 ح1335 عن بريدة باختلاف يسير. ورواه الشيخ البهائي في الكشكول 2: 16 مرسلاً. (5) الكافي 2: 615 ح6، وعنه وسائل الشيعة 6: 208، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن ب22 ح2 وبحار الأنوار 13: 358 ح64، وفي ج92: 191 ح 3 ومستدرك الوسائل 4: 270، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن ب19 ح4672 عن دعوات الراوندي 23 ح30.
صفحه 177
وأيضاً مثلها رواية حفص قال : ما رأيت أحداً أشدّ خوفاً على نفسه من موسى ابن جعفر(عليه السلام)، ولا أرجى للناس منه، وكانت قراءته حزناً، فإذا قرأ فكأنّه يخاطب إنساناً(1) .
ورواية معاوية بن عمّار قال : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : الرجل لا يرى أنّه صنع شيئاً في الدعاء وفي القراءة حتّى يرفع صوته ، فقال : لا بأس، إنّ عليّ بن الحسين(عليه السلام)كان أحسن الناس صوتاً بالقرآن، وكان يرفع صوته حتّى يسمعه أهل الدار، وإنّ أبا جعفر(عليه السلام) كان أحسن الناس صوتاً بالقرآن، وكان إذا قام من الليل وقرأ رفع صوته فيمرّ به مارّ الطريق من الساقين وغيرهم فيقومون فيستمعون إلى قراءته(2) .
ورواية اُخرى لعبد الله بن سنان، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : قال النبيّ(صلى الله عليه وآله) : لكلّ شيء حلية، وحلية القرآن الصوت الحسن(3) .
ورواية أبي بصير قال : قلت لأبي جعفر(عليه السلام) : إذا قرأت القرآن فرفعت صوتي جاءني الشيطان فقال : إنّما ترائي بهذا أهلك والناس ، قال : يا أبا محمّد اقرأ قراءة ما بين القراءتين تسمع أهلك، ورجّع بالقرآن صوتك; فإنّ الله ـ عزّوجلّ ـ يحبّ
(1) الكافي 2:606 ح10، وعنه وسائل الشيعة 6: 209، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن ب22 ح3 وبحار الأنوار 48: 111 ح18، وفي ج92: 191 ذ ح 3 ومستدرك الوسائل 4: 270، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن ذ ح 4672 عن دعوات الراوندي 23 ذ ح30. (2) مستطرفات السرائر: 97 ح17، وعنه وسائل الشيعة 6: 209، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن ب23 ح2 وبحار الأنوار 85 : 82 ح23 وج92: 194 ح9. (3) الكافي 2: 615 ح9، وعنه وسائل الشيعة 6: 211، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن ب24 ح3. ورواه في بحار الأنوار 92: 190 ضمن ح2 ومستدرك الوسائل 4: 273، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن ب20 ح4680 عن جامع الأخبار: 131 ح263 عن أنس، عن النبيّ(صلى الله عليه وآله).
صفحه 178
الصوت الحسن، يرجّع فيه ترجيعاً(1) .
وذكر في الوسائل بعد نقل الحديث أنّ هذا محمول على التقيّة .
ورواية دارم بن قبيصة، عن الرضا، عن آبائه(عليهم السلام) قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : حسّنوا القرآن بأصواتكم; فإنّ الصوت الحسن يزيد القرآن حسناً الخ.(2) .
وغير ذلك من الروايات(3) الدالّة على رجحان رفع الصوت بالقرآن أوّلاً، وقراءته بالصوت الحسن ثانياً ، ولكنّه غير الغناء الذي كان مقتضى إطلاق أدلّة حرمته الشمول للقرآن والدعاء ونحوهما .
ويدلّ عليه رواية ثالثة لعبد الله بن سنان، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : إقرؤوا القرآن بألحان العرب وأصواتها، وإيّاكم ولحون أهل الفسق وأهل الكبائر; فإنّه سيجيء من بعدي أقوام يرجّعون القرآن ترجيع الغناء والنوح والرهبانية، لايجوز تراقيهم، قلوبهم مقلوبة، وقلوب من يعجبه شأنهم(4) .
(1) الكافي 2: 616 ح13، وعنه وسائل الشيعة 6: 211ـ 212، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن ب24 ح5. (2) عيون أخبار الرضا(عليه السلام) 2: 69 ح322، وعنه وسائل الشيعة 6: 212، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن ب24 ح7، و بحارالأنوار 79: 255 ح4 وج92: 193 ـ 194 ح6، وتفسير كنز الدقائق 8 : 318، وتفسير نور الثقلين 4: 350 ح23. و رواه في كنز العمّال 1: 605 ح2765 عن البراء بن عازب ، عنه(صلى الله عليه وآله) مثله، وفي المستدرك على الصحيحين 1: 768 ح2125 عن البراء، عنه(صلى الله عليه وآله) باختلاف يسير. (3) وسائل الشيعة 6: 210 ـ 212، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن ب 24، وبحار الأنوار 79: 254ـ 256 ب101 وج92: 190 ـ 195 ب21 وغيرها. (4) الكافي 2: 614 ح3، مجمع البيان 1: 17 ـ 18، الكشكول للبهائي 2: 16، وعنها وسائل الشيعة 6: 210، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن ب24 ح1. وفي بحار الأنوار 92: 190 ضمن ح2 ومستدرك الوسائل 4: 272، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن ب20 ح4675 و4677 عن دعوات الراوندي: 24 ح32 وجامع الأخبار: 130 ح260. ورواه في المعرفة والتاريخ 2: 480 والمعجم الأوسط للطبراني 8 : 108 ح7219 وشعب الإيمان 4: 208 ح2406، والعلل المتناهية 1: 118 ح160، ومجمع الزوائد 7: 169، و مختصر قيام الليل: 135 ، والجامع الصغير للسيوطي 1: 83 ح1339 باختلاف يسير، وفي ربيع الأبرار 2: 555 ذيله باختلاف يسير.
صفحه 179
وسيأتي في المقام الثاني تحقيق معنى الغناء إن شاء الله تعالى .
المقام الثاني : في تحقيق موضوع الغناء ومفهومه، وقبل الخوض في هذا المجال ينبغي التنبيه على نكتة نافعة في التفسير وفي الفقه في الموارد التي يكون لها ارتباط بالكتاب ; وهي أنّ الاُصول التي يعتمد عليها في التفسير والوصول إلى مراد الله ـ تعالى ـ من الكتاب ـ كما بيّناها في مدخل التفسير(1) ـ قد تكون هي ظواهر الكتاب بلحاظ ما قرّر في الاُصول(2) من حجّية ظواهر الكتاب كالروايات .
ومن الواضح توقّفها على عدم وجود قرينة على خلافها ولو كانت القرينة عقليّة ، ففي مثل قوله ـ تعالى ـ : {وَ جَآءَ رَبُّكَ}(3) قامت القرينة العقليّة القائمة على عدم جسميّة الربّ وعدم إمكان المجيء في حقّه ، فلابدّ من أن يحمل على حذف المضاف ويقال: إنّ المراد «وجاء أمر ربّك» .
وقد تكون هي الرواية المعتبرة عن الأئمّة(عليهم السلام)، الدالّة على أنّ المراد خلاف ما يقتضيه ظهور الآية، أو أنّ المراد من المتشابهات ماذا ؟ فإنّ قولهم(عليهم السلام) قرينة عليه بعد اعتقادنا بأنّ ما أفادوه فهو مأخوذ من الوحي ومُتَّك عليه .
نعم ، لو كانوا في مقابل مخالفيهم في مقام الاستشهاد بالآية على مرامهم لابدّ وأن يكون المستند ظاهر الآية ودلالتها في نفسها على ذلك، وإلاّ لايبقى مجال
(1) مدخل التفسير : 161 ـ 172. (2) سيرى كامل در اصول فقه 10: 241 ـ 275. (3) سورة الفجر 89 : 22.
صفحه 180
للاستشهاد والتمسّك بالكتاب في قبالهم ، كما أنّهم قد يستدلّون بالقرآن. ولابدّ وأن يكون الاستدلال بالظاهر في مقابل بعض رواة الشيعة لحديث المسح على بعض الرأس، الذي سأل فيه زرارة عن الإمام(عليه السلام) من أين علمت و قلت: إنّ المسح ببعض الرأس؟... فقال : لمكان الباء(1) ، مشيراً إلى قوله ـ تعالى ـ: {وَامْسَحُواْ بِرُءُوسِكُمْ}(2) .
هذا، ولكنّ القرينة مطلقاً ـ ولو في الاستعمالات العرفيّة ـ إنّما تجدي في مورد يكون أصل الاستعمال صحيحاً ، غاية الأمر تردّد المراد بين أن يكون معناه الحقيقي أو المجازي مثلاً، ففي مثل قوله : «رأيت أسداً يرمي» إنّما يجدي القرينة وتفيد أنّ المراد المعنى المجازي الأعمّ من الاستعارة فيما لو كان الرجل شبيهاً بالأسد في الشجاعة، بحيث كانت علاقة المشابهة موجودة . ومن المعلوم صحّة الاستعمالات المجازيّة وكثرتها كالحقيقيّة أو أزيد .
وأمّا لو اُريد بالأسد رجل لا يكون شبيهاً بالأسد بوجه، ولم يكن في الاستعمال شيء من علائق المجاز مع كثرتها، كما هي المذكورة في محلّه، فالقرينة لاتفيد تصحيح الاستعمال، ولا تجدي في ذلك أصلاً ، فالاستعمال الصحيح الذي يكون أمر المراد
(1) الفقيه 1: 56 ح212، علل الشرائع : 279 ب190 ح1، الكافي 3: 30 ح4، تهذيب الأحكام 1: 61 ح168، الاستبصار 1: 62 ـ 63 ح186، وعنها وسائل الشيعة 1: 412 ـ 413، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء ب23 ح1. وفي تفسير الصافي 2: 18 عن الفقيه وتفسير العيّاشي 1: 299 ح52. وفي البرهان في تفسير القرآن 2: 256 ح2974 عن الكافي، وفي ص259 ح2984 عن العيّاشي. وفي بحار الأنوار 80 : 289 ح46 عن العلل والعيّاشي. وفي تفسير كنز الدقائق 3: 27ـ28 عن الكافي. (2) سورة المائدة 5: 6.
|