(الصفحة 334)
حفظ الماشية بالليل عن حرث الناس فما أفسدت بالليل فقد ضمنوا وهو النفش وإن داود (عليه السلام) حكم الذي اصاب زرعه رقاب الغنم وحكم سليمان (عليه السلام) الرّسل والثلة وهو اللبن والصوف في ذلك العام(1).
ولا يخفى ان صاحب الوسائل نقل روايات ثلاثة لأبي بصير وصاحب الجواهر نقل إثنتين له مع إنه من الواضح عدم تعدد الرواية بوجه وإن رواية أبي بصير على تقديرها رواية واحدة صادرة من الامام (عليه السلام) في تفسير الآية الشريفة التي اُشير إليها وتكون مرتبطة بداود وسليمان.
ومنها الرواية التي رواها جماعة ومنهم ابن زهرة في محكي الغنية إنّ ناقة البراء ابن عازب دخلت حائطاً فأفسدته فقضى (صلى الله عليه وآله) إن على أهل الأموال حفظها نهاراً وإن على أهل المواشي حفظها ليلا وإنّ على أهلها الضمان في الليل.
وكيف كان فلا ينبغي الاشكال في أصل الحكم لكنه حكي عن الشهيد في غاية المراد إنه قال لما كان الغالب حفظ الدابة ليلا وحفظ الزرع نهاراً خرج الحكم عليه وليس في حمل المتأخرين ردّ لقول القدماء لأن القدماء إتّبعوا عبارة النص والمراد هو التفريط ولا ينبغي أن يكون خلاف هنا إلاّ في مجرد العبارة عن (لا ظ) الضابط وأمّا المعنى فلا خلاف فيه وتبعه على ذلك في محكي كشف اللثام بل قال أكثر عباراتهم يشعر بذلك.
هذا ولكن الظاهر إنه خلاف ظاهر الكلمات والروايات التي لابد من الأخذ بها ولو كانت مخالفة للقواعد والضوابط.
- (1) الوسائل: أبواب موجبات الضمان، الباب الأربعون، ح4.
(الصفحة 335)
الثالث دية الكلاب بما عرفت دية مقدرة شرعية لا أنها قيم في زمان التقدير فحينئذ لا يتجاوز عن الدية ولو كانت قيمتها أكثر أو أقل1 .
نعم الضمان بالليل إنما يكون في غير مورد جرى الأمر على خلاف العادة مثل أن تكون هناك زلزلة موجبة لخراب محلّ الماشية وخروجها عنه بدون إطلاع صاحبها أو عدم التمكن من الحفظ حينئذ ومثل ما إذا صارت الماشية مسروقة فأخرجها السارق عن محلّها ثم جنت على الزرع ونحوه فإنه في مثل ذلك لا يتحقق الضمان أصلا.
نعم الروايات المتقدمة مختلفة في هذه الجهة وهي أن ضمان صاحب الماشية هل هو لأجل تفريطه وعدم حفظه أو لأجل عدم حفظ صاحب الزرع وتفريطه كما إنه لابد من ملاحظة إن التعليل الواقع في بعضها هل يكون منحصراً بمورد المقام أو عام وخاص فتدبر.
1 - قد عرفت إنّ دية الكلاب المختلفة بحسب الأنواع دية مقدرة شرعية لا إنها قيم في زمان التقدير بحيث كان الملاك هي القيمة في كل زمان المختلفة غالباً لأن العدول عن التعبير بالقيمة بالدية المقدرة دليل على عدم كونها الملاك وإلاّ فلا وجه للعدول مع أن القيمة تختلف بحسب الأزمنة ولا وجه للتقدير فالتقدير بها دليل على عدم كون القيمة هي الملاك نعم لو كانت الدية المقدرة أكثر من القيمة السوقية لا مجال للالتزام بها بعد كون الدية قائمة مقام المتلف بالفتح في المالية ولا معنى لأزيد من القيمة كما هو واضح.
(الصفحة 336)
مسألة 3 ـ لو غصبها غاصب فإن أتلفها بعد الغصب فليس عليه إلاّ الدية المقدرة وإحتمال أن عليه أكثر الأمرين منها ومن قيمتها السوقية غير وجيه، وأمّا لو تلفت تحت يده وبضمانه فالظاهر ضمان القيمة السوقية لا الدية المقدرة على إشكال كما إنه لو ورد عليها نقص وعيب فالارش على الغاصب1 .
1 - لو غصب الغاصب أحد أنواع الكلاب التي فيها الدية فإن أتلفه بعد غصبه فلا يجب عليه إلاّ الدية المقدرة الموضوعة لمثله وقد مر إنها دية مقدرة شرعية ولا مجال لاحتمال ثبوت أكثر الأمرين منها ومن القيمة السوقية بعد عدم إعتبار القيمة السوقية بوجه لكن عن القواعد يضمن أكثر الأمرين من المقدر والقيمة السوقية لأخذه بالأشق ولذا يضمن الغاصب قيمة العبد وإن زادت على دية الحر بخلاف المتلف غيره.
ويرد عليه إنه لا وجه للحكم بالأشقية في باب الضمان لو ثبت إنّ الغاصب يؤخذ بأشق الأحوال نعم ذكر صاحب الجواهر (قدس سره) أنه لعلّ الأقوى وجوب أكثر الأمرين لو قتله الغاصب لاجتماع جهتي الضمان الغصب والاتلاف والاُولى يقتضي الضمان بالقيمة والاُخرى بالمقدر فللمالك المطالبة بأكثرهما إقتضاءً إنتهى ويرد عليه إنه بعد تنزيل نصوص التقدير على المتلف بالفتح لا وجه لملاحظة القيمة بوجه وقد عرفت إنّ الملاك في الضمان بالغصب هي قاعدة على اليد ما اُخذت حتى تؤدى ومثل هذه القاعدة وفي الضمان في الموارد المتقدمة هي قاعدة الاتلاف والقاعدتان وإن كانتا مشتركتين في الحكم بثبوت الضمان إلاّ إن قاعدة على اليد تدل على ضمان المأخوذ حتى الأداء ولا مانع من إستفادة أعلى القيم منها وأمّا قاعدة الاتلاف فهي تدل على
(الصفحة 337)
مسألة 4 ـ لو جنى على كلب له دية مقدرة فالظاهر الضمان لكن تلاحظ نسبة الناقص إلى الكامل بحسب القيمة السوقية فيؤخذ بالنسبة من الدية فلو فرض إن قيمته سليماً مائة دينار ومعيباً عشرة يؤخذ (تسع ظ) عشر ما هو المقدر1 .
ضمان المتلف بالفتح إذا كان مال الغير والضمان فيها يتحقق بنفس إتلافه ولا وجه للاستفادة المزبورة وفي مثل الغصب الذي يتحقق الضمان بنفس الغصب لا مجال للحكم بضمان آخر بعده بالاتلاف أو بغيره ومقتضى ضمان الغصب أعلى القيم كما ذكرنا لا أكثر الأمرين.
ومما ذكرنا ظهر إنه لو تلفت تحت يد الغاصب لا يكون هناك دية مقدرة بعد تنزيل نصوص التقدير على صورة الاتلاف بل يثبت عليه ما ذكر في الغصب.
كما إنه مما ذكرنا قد ظهر إنه لو ورد عليها نقص أو عيب ولو من قبل غير الغاصب يكون الارش عليه.
1 - لو وقعت جناية على الكلب الذي له دية مقدرة فالظاهر الضمان كما في أصله لكن الثابت هو الارش وهو يظهر بملاحظة نسبة الناقص إلى الكامل بحسب القيمة السوقية والأخذ بالنسبة من الدية لأنه لا طريق لاحراز الارش غير هذا الطريق ففي المثال المذكور في المتن لو فرض إن قيمته سليماً مائة دينار ومعيباً عشرة يؤخذ تسعة أعشار ما هو المقدر ففي الكلب الذي تكون ديته أربعين درهماً يؤخذ الأربعون إلاّ الأربع وهكذا كما لا يخفى.
(الصفحة 338)
الرابع من اللواحق في كفّارة القتل
مسألة 1 ـ تجب كفارة الجمع في قتل المؤمن عمداً وظلماً وهي عتق رقبة مع صيام شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكيناً1 .
1 - قد نفى صاحب الجواهر وجدان الخلاف في إنه تثبت في قتل المؤمن عمداً وظلماً كفارة الجمع المذكورة في المتن ويدل عليه روايات:
منها صحيحة عبدالله بن سنان وابن بكير جميعاً عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال (قالا ظ) سئل عن المؤمن يقتل المؤمن متعمداً هل له توبة؟ فقال إن كان قتله لايمانه فلا توبة له، وإن كان قتله لغضب أو لسبب من أمر الدنيا فإنّ توبته أن يقاد منه، وإن لم يكن علم به إنطلق إلى أولياء المقتول فأقرّ عندهم بقتل صاحبهم فإن عفوا عنه فلم يقتلوه أعطاهم الدية وأعتق نسمة وصام شهرين متتابعين وأطعم ستين مسكيناً توبة إلى الله عزوجل(1).
ومنها ما رواه العياشي في تفسيره عن سماعة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال سألته عن قول الله ـ عزوجل ـ ومن يقتل مومناً متعمداً فجزاءه جهنم ـ قال من قتل مؤمناً على دينه فذاك المتعمد الذي قال الله عزوجل ـ وأعدّ له عذاباً عظيماً ـ قلت فالرجل يقع بينه وبين الرجل شيء فيضربه بسيفه فيقتله، فقال ليس ذاك المتعمد الذي قال الله عزوجل ولكن يقاد به والدية إن قبلت قلت فله توبة قال نعم يعتق رقبة ويصوم شهرين متتابعين ويطعم ستين مسكيناً ويتوب ويتضرع فأرجو أن يتاب عليه(2). وعدم التوبة إن كان القتل لايمانه لأجل الارتداد.
- (1) الوسائل: أبواب القصاص في النفس، الباب التاسع، ح1.
- (2) الوسائل: أبواب القصاص في النفس، الباب التاسع، ح2 و3.