(الصفحة 96)
ثم إنه غير خفي إنه لا إختصاص للحكم بمورد أكثر هذه الروايات وهو البختي ولذا لم ينسب إلى أحد حتى إحتمال التخصيص كما إن مورده صورة العلم بالاغتلام ونحوه وإهمال الدابة المغتلمة من جهة حفظها فلو لم يقدر على حفظها ولم يتحقق هناك تفريط فالظاهر عدم الضمان كما إن ضمان ثمن الدابة وقيمتها إنما هو باعتبار وقوع عقرها وقتلها بعد وقوع قتل أخي الرجل فلا يكون هناك دفاع وإلاّ فلو فرض إنه صالت الدابة على شخص فدفعها الشخص بمقدار يقتضي الدفاع ذلك، فماتت الدابة أو وردت عليها جناية لا يكون ذلك الشخص ضامناً لاقتضاء الدفاع ذلك مضافاً إلى عدم دلالة الروايات الضمان في هذا الفرض بل لو كان الدفاع عن شخص آخر بل عن مال محترم كذلك لا يكون هناك ضمان وإن ماتت أو وردت عليها جناية.
نعم لو وقع التفريط في الدفاع بأن كان زائداً على مقدار يقتضي الدفاع ذلك أو لا يكون هناك دفاع بل إيراد جناية على الدابة يضمن بمقدار الجناية.
ثم إنه وقع في بعض الروايات التفصيل بين الليل والنهار في أصل المسألة مثل
رواية زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليه السلام) إنه كان يضمن صاحب الكلب إذا عقر نهاراً ولا يضمنه إذا عقر بالليل، وإذا دخلت دار قوم بإذنهم فعقرك كلبهم فهم ضامنون، وإذا دخلت بغير إذن فلا ضمان عليهم(1).
ورواية السكوني عن جعفر عن أبيه قال كان علي (عليه السلام) لا يضمن ما أفسدت البهائم نهاراً ويقول على صاحب الزرع حفظ زرعه وكان يضمن ما أفسدت البهائم
- (1) الوسائل: أبواب موجبات الضمان، الباب السابع عشر، ح3.
(الصفحة 97)
مسألة 14 ـ لو هجمت دابة على اُخرى فجنت الداخلة فإن كان بتفريط المالك في الاحتفاظ ضمن وإن جنت المدخول عليها كان هدراً1 .
ليلا(1). والظاهر إن التفصيل بين الليل والنهار ليس بلحاظ مدخليتهما في ذلك بل إنما هو بلحاظ كون التفريط واقعاً من المالك في الليل وغير واقع منه في النهار كالتفصيل بين المرة الاُولى والثانية في رواية مسمع بن عبدالملك عن أبي عبدالله (عليه السلام)إن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان إذا صال الفحل أول مرة لم يضمن صاحبه فإذا ثنى ضمّن صاحبه(2) وإلاّ فمن المعلوم إنّ الضمان لا تفصيل فيه بين المرة الاُولى والثانية وتؤيد أصل المسألة مرسلة عبيدالله الحلبي عن رجل عن أبي جعفر (عليه السلام) قال بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) علياً (عليه السلام) إلى اليمن فأفلت فرس لرجل من أهل اليمن ومرّ يعدو فمرّ برجل فنفحه برجله فقتله فجاء أولياء المقتول إلى الرجل فأخذوه فرفعوه إلى علي (عليه السلام)فأقام صاحب الفرس البينة عند علي (عليه السلام) إن فرسه أفلت من داره ونفح الرجل فأبطل علي (عليه السلام) دم صاحبهم فجاء أولياء المقتول من اليمن إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)فقالوا يارسول الله (صلى الله عليه وآله) إن علياً ظلمنا وأبطل دم صاحبنا فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إن علياً ليس بظلام ولم يخلق للظلم إن الولاية لعلي من بعدي والحكم حكمه والقول قوله لا يردّ حكمه وقوله وولايته إلاّ كافر الحديث. ثم ان الظاهر جريان الحكم فى الطير الضاربة والـهرة كذلك فيما اذا كان لهما مالك او من يختص به كما لايخفى(3).
1 - أمّا إذا كانت الدابة الداخلة هي الجانية وكان هناك تفريط من مالك الداخلة
- (1) الوسائل: أبواب موجبات الضمان، الباب الأربعون، ح1.
- (2) الوسائل: أبواب موجبات الضمان، الباب الرابع عشر، ح2.
- (3) الوسائل: أبواب موجبات الضمان، الباب العشرون، ح1.
(الصفحة 98)
مسألة 15 ـ من دخل دار قوم فعقره كلبهم ضمنوا إن دخل بإذنهم وإلاّ فلا ضمان من غير فرق بين كون الكلب حاضراً في الدار أو دخل بعد دخوله ومن غير فرق بين علم صاحب الدار بكونه يعقره وعدمه1 .
فقد عرفت وجه الضمان فيه في المسألة السابقة وأمّا إذا كانت الجانية هي المدخول بها دون الداخلة فلعدم تحقق التفريط بالاضافة إليها بوجه وحينئذ فدم الداخلة يكون هدراً وليس لصاحبها القيمة.
1 - أمّا الضمان في الصورة الاُولى فيدل عليه وعلى عدم الضمان في الصورة الثانية مضافاً إلى ما تقدم من ذيل رواية زيد بن علي خبر السكوني عن أبي عبدالله (عليه السلام)قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل دخل دار قوم بغير إذنهم فعقره كلبهم فقال: لا ضمان عليهم فإن دخل بإذنهم ضمنوا(1). ومرسلة عن أبي عبدالله (عليه السلام)قلت له جعلت فداك رجل دخل دار رجل فوثب كلب في الدار فعقره، فقال: إن كان دعي فعلى أهل الدار إرش الخدش وإن لم يدع فدخل فلا شيء عليهم(2). وإطلاق النص والفتوى يقتضي عدم الفرق بين حضور الكلب في الدار أو دخوله بعد دخوله كما إنه يقتضي عدم الفرق بين علمهم بكونه يعقر الداخل وعدمه فالملاك في عدم الضمان وثبوته هو الاذن وعدمه والظاهر منه كما يدل عليه قوله (عليه السلام) دعي هو الاذن الخاص دون العام فتدبر.
- (1) الوسائل: أبواب موجبات الضمان، الباب السابع عشر، ح2.
- (2) الوسائل: أبواب موجبات الضمان، الباب السابع عشر، ح1.
(الصفحة 99)
مسألة 16 ـ راكب الدابة يضمن ما تجنيه بيديها وإن لم يكن عن تفريط لا برجليها، ولا يبعد ضمان ما تجنيه برأسها أو بمقاديم بدنها، ولو ركبها على عكس المتعارف ففي ضمان ما تجنيه برجلها دون يديها وجه لا يخلو من إشكال، وإن كان كلتا رجليه إلى ناحية واحدة لا يبعد ضمان جناية يديها وفي ضمان جناية رجليها تردد، وهل يعتبر في الضمان التفريط فيه وجه لا يخلو من إشكال نعم لو سلبت الدابة إختياره مع عدم علمه بالواقعة وعدم كون الدابة شموساً فالوجه عدم الضمان لا برجلها ولا بيدها ومقاديم بدنها، وكذا الكلام في القائد في التفصيل المتقدم أي ضمان ما تجنيه بيدها ومقاديمها دون رجلها، ولو وقف بها ضمن ما تجنيه بيدها ومقاديمها دون رجلها وإن لم يكن عن تفريط، والظاهر عدم الفرق بين الطريق الضيق والواسع، وكذا السائق يضمن ما تجنيه مطلقاً، ولو ضربها فجنت لأجله ضمن مطلقاً وكذالو ضربهاغيره فجنت لأجله ضمن ذلك الغير إلاّ أن يكون الضرب دفاعاً عن نفسه فإنه لا يضمن حينئذ الصاحب ولا غيره1 .
1 - أمّا ثبوت الضمان بالاضافة إلى ما تجنيه بيديها مطلقاً وإن لم يكن عن تفريط فقد نفى وجدان الخلاف فيه في الجواهر بل حكى عن جملة من الكتب الاجماع عليه ويدل عليه روايات معتبرة مستفيضة:
منها رواية العلا بن الفضيل وفي طريقها محمد بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) إنه سئل عن رجل يسير على طريق من طرق المسلمين على دابته فتصيب برجلها قال
(الصفحة 100)
ليس عليه ما أصابت برجلها وعليه ما أصابت بيدها وإذا وقف فعليه ما أصابت بيدها ورجلها وإن كان يسوقها فعليه ما أصابت بيدها ورجلها أيضاً(1). والملاك في الضمان هو ركوب دابته أعم من أن تكون ملكاً له والمنصرف من الركوب هو الرُكوب على النحو المتعارف الذي تكون مقاديم بدن الراكب إلى يديها.
ومنها صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) إنه سئل عن الرجل يمرّ على طريق من طرق المسلمين فتصيب دابته إنساناً برجلها فقال ليس عليه ما أصابت برجلها ولكن عليه ما أصابت بيدها لأن رجليها خلفه إن ركب فإن كان قاد بها فإنه يملك بإذن الله يدها يضعها حيث يشاء الحديث. وقد رواها المشايخ الثلاثة في كتبهم(2).
ومنها خبر أبي مريم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال قضى أمير المؤمنين في صاحب الدابة إنه يضمن ما وطأت بيدها ورجلها ومانفحت برجلها فلا ضمان عليه إلاّ أن يضربها إنسان(3). وحكي عن المجلسي (قدس سره) في مرآة العقول إن هذا الخبر يدل على تفصيل آخر غير المشهور وإنه يمكن حمله على المشهور بأن يكون المراد ما يطأ عليه باليدين والرجلين ويكون الضمان بإعتبار اليدين وقوله (عليه السلام)إلاّ أن يضرّ بها الاستثناء منقطع أي يضمن الضارب حينئذ وحكى محشي الوسائل إن في التهذيب مكان ما نفحت وما بهجت. وظاهر إن المراد بصاحب الدابة هو راكبها لا مجرد الملكية.
ومنها خبر السكوني عن أبي عبدالله (عليه السلام) إنه ضمن القائد والسائق والراكب
- (1) الوسائل: أبواب موجبات الضمان، الباب الثالث عشر، ح2.
- (2) الوسائل: أبواب موجبات الضمان، الباب الثالث عشر ح3.
- (3) الوسائل: أبواب موجبات الضمان، الباب الثالث عشر ح4.