( الصفحه 127 )
ولو بقدر أصابع وإن لم يصل إلى قمّة الرأس فضلاً عن التجاوز عنها لأنّ زوال الحمرة بهذا المعنى مقارن لاستتار القرص عن النظر .
ويدفعه ـ مضافاً إلى ظهور بعضها بل صراحية في اعتبار التجاوز عن قمّة الرأس كما عرفت في مرسلة ابن أبي عمير وظهور أكثرها في زوالها عن ناحية المشرق بالكلّية بحيث لا يرى الناظر حمرة في تلك الناحية أصلاً ـ انّه لو كان المراد من أخبار الحمرة هو ما يدلّ عليه أخبار الاستتار ولم يكن فتوى أئمتنا المعصومين ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ مخالفة لفتوى فقهاء سائر المسلمين لما كان وجه لإلقاء هذه الكلمة الموهمة للخلاف بين شيعتهم مع عدم ترتّب فائدة عليه إلاّ التعرّض للخطر والمهلكة خصوصاً مع كون غرضهم (عليهم السلام) مراعاة الاتحاد وعدم الاختلاف مهما أمكن فهذا الجمع أيضاً لا سبيل إليه بوجه .
رابعها : حمل أخبار الحمرة على الاستحباب والفضيلة .
ويدفعه انّ هذا تصرّف في ظواهر تلك الأخبار من غير دلالة مع أنّه لا يناسب فضيلة أوّل الوقت وشدّة العناية بالإتيان بجميع الصلوات في أوّل أوقاتها خصوصاً صلاة المغرب على ما عرفت ، ومع وقوع أكثرها في مورد السؤال عن أوّل وقت المغرب وعدم وقوعها بلسان الأمر الذي يسهل حمله على الاستحباب ، بل بلسان آخر لا يلائم مع هذا الحمل أصلاً فراجع .
ثمّ إنّه لو لم يمكن الجمع بين الأخبار بحيث يخرجها عن موضوع المتعارضين ووصلت النوبة إلى اعمال قواعد التعارض فنقول موافقة أخبار الحمرة مع الشهرة الفتوائية المحقّقة ترجّحها على اخبار الاستتار والظاهر عدم ثبوت الشهرة للفتوى بالاستتار وإن عرفت انّ تعبير المحقّق (قدس سره) يشعر بثبوتها وذلك لعدم ثبوت الشهرة بمجرّد فتوى جماعة قليلة خصوصاً مع دعوى الإجماع على خلافها كثيراً ومع كونه
( الصفحه 128 )
شعاراً للشيعة ومزية لهم لم يعرفها المخالف والمؤالف .
ولو أبيت إلاّ عن وجود الشهرة في كلا الطرفين ، غاية الأمر أشهرية أحد القولين فنقول مخالفة أخبار الحمرة للعامة وموافقة أخبار الاستتار لهم توجب الأخذ بالاُولى وطرح الثانية خصوصاً في مثل هذه المسألة التي كانت ضرورية عند سائر الفرق وكان اعتقادهم انّ ذلك مأثوراً عن النبي (صلى الله عليه وآله) وإن عمله كان كذلك دائماً وعليه فلا مجال إلاّ لحمل أخبار الاستتار على التقية .
ثمّ إنّه حكى عن المحقّق الوحيد البهبهاني (قدس سره)انّه استدلّ على عدم اشتراط ذهاب الحمرة وانّ الاعتبار إنّما هو بالاستتار بأنّه لو اعتبرت الحمرة المشرقية من حيث دلالتها على تحقّق الغروب ، لاعتبرت الحمرة المغربية من حيث دلالتها على الطلوع بالنسبة إلى صلاة الصبح و ـ حينئذ ـ يلزم أن يكون الإتيان بصلاة الصبح بعد ظهور الحمرة في ناحية المغرب وقبل ظهور القرص من ناحية المشرق إتياناً بها في غير وقتها مع أنّ المعلوم خلاف ذلك للاتفاق على وقوعها في وقتها لو أتى بها كذلك .
وأجاب عنه في الجواهر بوجوه أربعة :
الأوّل : انّه قد التزم بذلك في ناحية الطلوع بعض الأصحاب كالشهيد الثاني (قدس سره)في المقاصد العلّية وصاحب كشف اللثام ويدلّ عليه رواية دعائم الإسلام عن الصادق (عليه السلام) : انّ آخر الوقت أن يحمر اُفق المغرب ، وكذلك عبارة فقه الرضا حيث قال : آخر وقت الفجر أن تبدو الحمرة في اُفق المغرب .
الثاني : إمكان الفرق بين الحمرتين خصوصاً بعد قوله (عليه السلام) في بعض الروايات المتقدّمة : انّ المشرق مطلّ على المغرب أي مشرف عليه فإنّ ظاهره إشراف المشرق وارتفاعه بالنسبة إليه و ـ حينئذ ـ فظهور الحمرة في جانب المغرب لا يدلّ
( الصفحه 129 )
على طلوع الشمس بخلاف زوالها في ناحية المشرق فإنّه يدلّ على الغروب .
الثالث : انّ هذا قياس مع الفارق إذ وقت المغرب مسبوق بوقت صلاة العصر وهذا بخلاف صلاة الفجر فإنّ استصحاب بقاء وقته يقتضي عدم انقطاعه إلاّ بيقين على الخلاف وهو لا يحصل إلاّ بظهور قرص الشمس . وبعبارة اُخرى : ذهاب الحمرة المشرقية علامة على تيقّن الغروب الذي هو المعيار في صحّة صلاة المغرب وانقطاع استصحاب عدمه بخلاف الحمرة المغربية فإنّ أقصاها حصول الشكّ بذلك وهو لا ينقض اليقين بالوقت .
ولكنّه استشكل هو في هذا الوجه الأخير بأنّ هذا الجواب جيّد لولا ظهور النصوص والفتاوى في خلافه فإنّ ظاهرها كون زوال الحمرة علامة للغروب نفسه لا لتيقّنه .
وأجاب عن البهبهاني (قدس سره) سيّدنا العلاّمة الاستاذ البروجردي (قدس سره) بوجهين آخرين :
أحدهما : انّ الاعتبار في صلاة المغرب وإن كان بالغروب وفي آخر وقت صلاة الصبح بالطلوع ولكنّه لما كان العلم بتحقّقهما غالباً غير ميسر مضافاً إلى كون عدمهما مورداً للاستصحاب فلا محالة حكم الشارع في ناحية صلاة المغرب بلزوم تأخيرها إلى أن تزول الحمرة المشرقية فيه تحفّظاً لها عن الوقوع في غير الوقت من دون دليل وحجّة على دخوله ، وحكم في ناحية صلاة الصبح بجواز الإتيان بها إلى طلوع الشمس من جهة دلالة الأصل العقلائي وهو الاستصحاب على بقائه . وبالجملة فقد حكم الشارع في الطرفين على طبق الأصل العقلائي بالحكم الواقعي لا انّه أمر بالعمل بالاستصحاب ، بل لاحظ في حكمه الواقعي الاستصحاب العقلائي وحكم على طبقه .
( الصفحه 130 )
ويرد عليه ـ مضافاً إلى أنّه لا معنى لأن يكون الحكم الظاهري مبني للحكم الواقعي فإنّ المجعول وظيفة للجاهل كيف يصير مبنى للحكم الواقعي الذي لا يختص بالجاهل ـ انّه لو كان الوقت الواقعي متوقّفاً دخوله على زوال الحمرة المشرقية فلا مجال لدعوى انّ لزوم التأخير إليها إنّما هو لأجل التحفّظ عن الوقوع في غير الوقت ولو لم يكن متوقّفاً على دخوله لما كان وجه للزوم التأخير بالإضافة إلى العالم بدخوله ولو لم يتحقّق زوالها .
ثانيهما : انّ صلاة المغرب من الصلوات الليلية بمعنى انّ الاعتبار في طرف المغرب إنّما هو بدخول الليل لا بتحقّق الغروب والتعبير بالغروب كما في الأخبار إنّما هو لملاحظة ما عليه المسلمون غير الإمامية ولا يكون ذلك مضرّاً بالمطلوب بعد تفسيره بما ينطبق على دخول الليل ومن المعلوم انّ دخول الليل لا يتحقّق إلاّ بغيبوبة الشمس مع جميع توابعها التي اخرها الحمرة المشرقية وهذا بخلاف صلاة الفجر فإنّها من الصلوات اليومية ويمكن أن يكون الاعتبار فيها من جهة انتهاء وقتها وانقضاء أجلها بحسب مقام الثبوت بنفس الطلوع ويؤيّد ما ذكر من كون العبرة في صلاة المغرب بدخول الليل وانّها من الصلوات الليلية بعض الروايات الواردة في الباب كصحيحة بكر بن محمد عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سأله سائل عن وقت المغرب فقال إنّ الله تعالى يقول في كتابه لإبراهيم : فلمّا جنَّ عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربّي ، وهذا أوّل الوقت وآخر ذلك غيبوبة الشفق . . . ويشهد له أيضاً قوله تعالى : وأتمّوا الصيام إلى الليل فإنّ وقت الافطار وصلاة المغرب واحد كما هو ظاهر . هذا تمام الكلام في ابتداء وقت المغرب .
الجهة الثانية : في آخر وقت فريضة المغرب ونقول :
قد اختلفت الآراء في هذه الجهة فصارت الأقوال متكثّرة . امّا العامّة فمحصّل
( الصفحه 131 )
أقوالهم باعتبار الاختلاف في معنى الشفق أيضاً يرجع إلى أربعة :
أحدها : القول بامتداده إلى زمان غيبوبة الشفق وهو الحمرة وهو مذهب من عدى أبي حنيفة من القائلين بالامتداد إلى الشفق .
وثانيها : هذا القول ولكن المراد بالشفق هو البياض الغربي اختاره أبو حنيفة .
وثالثها : ضيق وقت المغرب ، قاله الشافعي حيث ذكر انّ وقت المغرب وقت واحد وهو إذا غابت الشمس وتطهر وستر العورة واذّن وأقام فإنّه يبتدئ بالصلاة في هذا الوقت فإن أخّر عنه فاته .
ورابعها : امتداد وقت المغرب إلى طلوع الفجر الثاني ذهب إليه مالك .
وامّا أصحابنا الإمامية فقد ذكر في الحدائق انّ المشهور انّه يمتدّ إلى أن يبقى لانتصاف الليل مقدار اداء العشاء وهو اختيار السيّد المرتضى في الجمل وابن الجنيد وابن زهرة وابن إدريس والمحقّق وابن عمّه نجيب الدين وسائر المتأخّرين .
وقال الشيخ في أكثر كتبه : آخره غيبوبة الشفق المغربي للمختار وربع الليل مع الاضطرار وبه قال ابن حمزة وأبو الصلاح . وقال في الخلاف : آخره غيبوبة الشفق وأطلق وبه قال ابن البراج .
وحكى الشيخ في الخلاف القول بالامتداد إلى طلوع الفجر عن بعض أصحابنا وصرّح المحقّق في محكي المعتبر بامتداد العشائين إلى طلوع الفجر للمضطرّ وتبعه صاحب المدارك وشيده وتبعه جملة ممّن تأخّر عنه .
ومنشأ الخلاف اختلاف الأخبار الواردة في هذا الباب فنقول : إنّها على خمس طوائف :
الطائفة الاُولى : ما ظاهره التضيق كرواية زيد الشحام قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام)ن وقت المغرب فقال : إنّ جبرئيل أتى النبي (صلى الله عليه وآله) لكلّ صلاة بوقتين غير