( الصفحه 591 )المقدّمة الثالثة في الستر والساتر
مسألة 1 ـ يجب مع الاختيار ستر العورة في الصلاة وتوابعها كالركعة الاحتياطية وقضاء الأجزاء المنسية على الأقوى وسجدتي السهو على الأحوط وكذا في النوافل دون صلاة الجنازة وإن كان الأحوط فيها أيضاً ، ولا يترك الاحتياط في الطواف 1 .
1 ـ الكلام في الستر من جهتين :
الاُولى : في الوجوب النفسي الذي يتعلّق به مطلقاً في حال الصلاة وغيرها .
الثانية : في الوجوب الشرطي الذي يتعلّق به في حال الصلاة ومثلها والفرق بين الجهتين يرجع إلى اُمور :
منها : انّ الأوّل يتعلّق بالرجل بالنسبة إلى عورته وبالمرأة بالإضافة إلى جميع بدنها عدى ما استثنى على القول به فيما إذا كانا معرضين لنظر الغير كما يأتي إن شاء الله تعالى . والثاني يكون ثابتاً عليهما مطلقاً ولو لم يكونا معرضين لنظر الغير .
ومنها : انّ الأوّل أعمّ من حيث الساتر أي لا يجب أن يكون هو الثوب بل يكفي ورق الشجر أو الطين أو غيرها ، بل لا يلزم الساتر لأنّ الملاك عدم تعلّق الرؤية به فيكفي التستّر بمثل الظلمة والغبار وهذا بخلاف الثاني فإنّه يلزم فيه الساتر ويكون له مراتب بل لا يكفي بعض مراتبه أصلا وتسقط شرطية الستر مع عدم التمكّن من غيره كما سيجيء .
ومنها : انّه لا يعتبر في الأوتل أن يكونا لابسين له بل يكفي أن يكون الساتر بحيث يكون حائلا بينه وبين الغير وإن كان منفصلا عنه بخلاف الثاني فإنّه يجب أن
( الصفحه 592 )
يكون المصلّي لابساً له .
ومنها : انّه لا يعتبر في الأوّل صفة في الساتر فيجوز أن يكون حريراً للرجل من جهة التستّر به وإن كان يحرم عليه من جهة اللبس كما انّه يجوز أن يكون نجساً أو ميتة أو من أجزاء غير مأكول اللحم ، وامّا الثاني فيعتبر فيه أوصاف وخصوصيات يأتي التعرّض لها إن شاء الله تعالى .
ثمّ إنّ الكلام في الجهة الاُولى يقع في مقامين :
المقام الأوّل : في حكم الرجال والواجب عليهم ستر العورة فقط كما هو المتّفق عليه بين المسلمين والمشهور بين العامّة وجوب التستّر من السرّة إلى الركبتين ويستحبّ ذلك عند الخاصّة .
ويدلّ على وجوب ستر العورة قوله تعالى : (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم انّ الله خبير بما يصنعون)(1) . ومفاد الآية مع قطع النظر عمّا ورد في تفسيرها من الروايات انّه يجب غضّ البصر وحفظ الفرج ، والمراد من الغضّ من الشيء هو النقص عنه لأنّ الغضّ هو النقصان ومعنى الغضّ من البصر هو التقليل في النظر ومراعاة عدمه في بعض الموارد ، وامّا احتمال كون كلمة «من» في الآية زائدة فغير صحيح لا في خصوص هذه الآية بل في جميع الموارد إلاّ فيما كان هناك ضرورة شعرية ضرورة انّه لا وجه لذكر كلمة زائدة لا يترتّب عليها فائدة ولو التأكيد فاحتمال الزيادة لا مجال له بوجه وربّما يحتمل أن تكون كلمة «من» لابتداء الغاية نظراً إلى أنّ الرؤية والإبصار شروع ومقدّمة للأعمال المترتّبة عليه التي لا ينبغي صدورها لقبحها وشناعتها ويؤيّد هذا الاحتمال
( الصفحه 593 )
ما رواه علي بن الحسين المرتضى في رسالة المحكم والمتشابه نقلا من تفسير النعماني سبنده عن علي (عليه السلام) في قوله عزّوجلّ : (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم) معناه لا ينظر أحدكم إلى فرج أخيه المؤمن أو يمكِّنه من النظر إلى فرجه ، ثمّ قال : (قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهم ويحفظن فروجهن) أي ممّن يلحقهن النظر كما جاء في حفظ الفروج ، فالنظر سبب إيقاع الفعل من الزنا وغيره .
ولكن الظاهر انّ كلمة «من» في الآية للتبعيض بمعنى كون مدلولها إيجاب غضّ بعض الأبصار الظاهر في ترك النظر إلى بعض الاُمور ويؤيّده كلمة «الغضّ» الظاهرة في النقصان كما عرفت ، ولا يبعد دعوى كون قوله تعالى : (ويحفظوا فروجهم) قرينة على أنّ المراد من البعض الذي يجب ترك النظر إليه هو فروج الغير كما انّ الابهام في هذا القول من جهة عدم ظهور كون المراد حفظ الفرج من الزنا أو من نظر الغير يرتفع بالجملة الاُولى من الآية الشريفة ويصير ظاهراً بملاحظتها في كون المراد هو الحفظ من النظر ، فإجمال كلّ من الجملتين الشريفتين يرتفع بالاُخرى ويدلّ عليه مضافاً إلى ظهور الآية فيه في نفسها كما عرفت نفي البعد عنه الرواية المتقدّمة ويؤيّد ما ذكرنا ما ورد في تفسير الآية من الرواية الاُخرى الدالّة على أنّ كلّ ما ورد في القرآن من حفظ الفرج ، فالمراد منه هو حفظه من الزنا إلاّ هذه الآية وهي :
مرسلة الصدوق المعتبرة قال : وسئل الصادق (عليه السلام) عن قول الله عزّوجلّ : (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم) ، فقال : كلّ ما كان في كتاب الله من ذكر حفظ الفرج فهو من الزنا إلاّ في هذا الموضع فإنّه للحفظ من أن ينظر إليه ، فإنّ الظاهر انّ هذا التفسير ليس تفسيراً تعبّدياً غير ملائم لما هو
( الصفحه 594 )
ظاهر الآية بعد التأمّل بل بيان للظاهر بالنحو الذي ذكرنا من ارتفاع إبهام حفظ الفرج بالجملة الشريفة الاُولى وإذا كانت الجملة الثانية يرتفع ابهامها بالجملة الاُولى فلِمَ لا يرتفع إبهام الجملة الاُولى بالثانية ، فالإنصاف ظهور الآية فيما ذكرنا كما دلّت عليه رواية النعماني ولا يكون مدلولها أمراً تعبّدياً وتفسيراً على خلاف ما تدلّ عليه الآية بظاهرها .
وقد ذكر بعض الأعلام انّ مفاد الآية وجوب حفظ الفرج عن كلّ ما يترتّب منه من الاستلذاذات إذ الاستلذاذ به قد يكون بلمسه وقد يكون بالنظر إليه وقد يكون بغير ذلك من الوجوه على ما تقتضيه القوّة الشهوية والطبع البشري وذلك لأنّ حفظ الفرج في تلك الآيات الكريمة غير مقيّد بجهة دون جهة .
ويرد عليه مضافاً إلى ما ذكرنا من أنّ مقتضى الارتباط بين الجملتين في الآية الشريفة أن يكون إبهام كلّ واحدة منهما مرفوعاً بالآخر ونتيجته أن يكون مفاد الآية ناظراً إلى حرمة النظر إلى عورة الغير ووجوب حفظها عن نظر الغير انّ ذلك لا يكفي في إثات المدعى لأنّه عبارة عن حرمة النظر إلى عورة الغير مطلقاً سواء كان مع التلذّذ أو بدونه والآية على هذا التفسير تختص بما إذا كان مع التلذّذ كما لا يخفى هذا بالنظر إلى الكتاب .
وامّا الروايات الواردة في هذا الحكم فكثيرة :
منها : ما رواه الصدوق باسناده عن شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه عن النبي ـ عليه وعليهم السلام ـ في حديث المناهي قال : إذا اغتسل أحدكم في فضاء من الأرض فليحاذر على عورته ، وقال : لا يدخل أحدكم الحمّام إلاّ بمئزر ، ونهى أن ينظر الرجل إلى عورة أخيه المسلم وقال : من تأمّل عورة أخيه المسلم لعنه سبعون ألف ملك ، ونهى المرأة أن تنظر إلى عورة
( الصفحه 595 )
المرأة ، وقال : من نظر إلى عورة أخيه المسلم أو عورة غير أهله متعمّداً أدخله الله مع المنافقين الذين كانوا يبحثون عن عورات الناس ولم يخرج من الدنيا حتى يفضحه الله إلاّ أن يتوب .
ولا يخى انّ النهي عن نظر الرجل إلى عورة أخيه المسلم كما في جملة من الأخبار إن كان المراد به هو النهي عن غيبة المؤمن وإذاعة سرّه وكشف عيوبه كما ورد تفسيره بذلك في جملة من الروايات فلا يرتبط بالمقام وإن كان المراد هو النهي عن النظر إلى العورة المصطلحة فهو ناظر إلى المقام ، كما انّه لو كان المراد منه الأعمّ على تقدير إمكان يجدي لنا أيضاً وهنا رواية ظاهرة في أنّ المراد به ما نبحث عنه هنا وإن كانت الرواية المذكورة أيضاً مشعرة بل ظاهرة في ذلك فتدبّر ، وتلك الرواية ما رواه حنان بن سدير عن أبيه قال : دخلت أنا وأبي وجدّي وعمّي حمّاماً بالمدينة فإذا رجل لي البيت المسلخ فقال لنا : مَن القوم؟ إلى أن قال : ما يمنعكم من الازر فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : عورة المؤمن على المؤمن حرام ، قال : فبعث أبي إلى عمّي كرباسة فشقّها بأربعة ثمّ أخذ كلّ واحد منّا واحداً ثمّ دخلنا فيها إلى أن قال : فسألنا عن الرجل فإذا هو علي بن الحسين (عليهما السلام) .
ومنها : الروايات الكثيرة الواردة في آداب الحمّام الدالّة على وجوب الدخول فيه مع المئزر أو على النهي عن دخوله إلاّ بمئزر أو على أن من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلايدخل الحمّام إلاّ بمئزر أو على غير ذلك من التعبيرات وقد جمعها في الوسائل في الباب التاسع من أبواب آداب الحمّام ، ومن المعلوم انّه لا خصوصية للحمّام بل التعرّض له إنّما هو لأجل كونه محلاًّ للنظر بعد إخراج اللباس من البدن ، كما انّه لا خصوصية للمئزر بل المراد هو كلّ ما يوجب تحقّق السرّ ويمنع عن النظر .
وفي مقابل هذه الروايات رواية ظاهرها الكراهة وهي ما رواه ابن أبي يعفور