( الصفحه 157 )
ومرسلة داود بن أبي يزيد ـ وهو داود بن فرقد ـ عن بعض أصحابنا عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي ثلاث ركعات فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة حتى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات ، وإذا بقى مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب وبقى وقت العشاء إلى انتصاف الليل .
ورواية بكر بن محمد عن أبي عبدالله (عليه السلام) المشتملة على قوله (عليه السلام) : وأوّل وقت العشاء ذهاب الحمرة وآخر وقتها إلى غسق الليل نصف الليل .
ورواية أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لولا انّي أخاف أن أشقّ على اُمّتي لأخّرت العتمة إلى ثلث الليل وأنت في رخصة إلى نصف الليل وهو غسق الليل فإذا مضى الغسق نادى ملكان من رقد عن صلاة المكتوبة بعد نصف الليل فلا رقدت عيناه .
ورواية معلى بن خنيس عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : آخر وقت العتمة نصف الليل .
ورواية الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : العتمة إلى ثلث الليل أو إلى نصف الليل وذلك التضييع .
ورواية عبيد بن زرارة ـ على نقل الشيخ (قدس سره)ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا غربت الشمس دخل وقت الصلاتين إلى نصف الليل .
وامّا ما يدلّ على الربع فهو ما ورد في فقه الرضا من قوله : ووقت العشاء الآخرة الفراغ من المغرب ثم إلى ربع الليل ، وقد رخص للعليل والمسافر فيهما إلى انتصاف الليل وللمضطرّ إلى قبل طلوع الفجر . ولكن عرفت انّ مثلها مخالف للآية ولا يجوز الأخذ بها لعدم إمكان حمل الآية على كون موردها العليل والمسافر في مقابل المختار والمضطرّ ، مع أنّه لم تثبت كونه رواية ولم تثبت حجّية فقه الرضا بوجه .
( الصفحه 158 )
وامّا ما يدلّ على الثلث فمنها ما رواه الصدوق باسناده عن معاوية بن عمّار في رواية انّ وقت العشاء الآخرة إلى ثلث الليل . قال الصدوق : وكان الثلث هو الأوسط والنصف هو آخر الوقت .
ومنها رواية معاوية بن وهب عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : أتى جبرئيل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمواقيت الصلاة فأتاه حين زالت الشمس فأمره فصلّى الظهر ، ثم أتاه حين زاد الظلّ قامة فأمره فصلّى العصر ثمّ أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلّى المغرب ثمّ أتاه حين سقط الشفق فأمره فصلّى العشاء ثمّ أتاه حين طلع الفجر فأمره فصلّى الصبح ثمّ أتاه من الغد حين زاد في الظلّ قامة فأمره فصلّى الظهر ثمّ أتاه حين زاد في الظل قامتان فأمره فصلّى العصر ثمّ أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلّى المغرب ثمّ أتاه حين ذهب ثلث الليل فأمره فصلّى العشاء ثمّ أتاه حين نور الصبح فأمره فصلّى الصبح ثمّ قال : ما بينهما وقت .
أقول : ولا محيص عن حمل روايات الثلث على بيان آخر وقت الفضيلة; لأنّ الأخذ بإطلاقها والحكم بكونه آخر الوقت للمختار والمضطرّ لا يجتمع مع الآية الشريفة الدالّة على الامتداد إلى الانتصاف ، كما انّ حملها على بيان وقت المختار موجب لحمل الآية على مورد الاضطرار وهو لا يصحّ فكيف يمكن حمل الآية الدالّة على تشريع الصلاة وبيان مواقيتها على كون محطّ النظر فيها هي صورة الاضطرار فينحصر الطريق بحمل روايات الثلث على بيان آخر وقت الفضيلة ولا تنافي الآية ـ حينئذ ـ لظهورها في آخر وقت الاجزاء .
وامّا الأخبار الدالّة على الامتداد إلى الفجر ـ المتقدّمة في آخر وقت المغرب ـ فإن أريد استفادة الإطلاق منها امّا بدعوى دلالة بعضها عليه وامّا بدعوى إلغاء الخصوصية عن مواردها وهي النائم والناسي والحائض فهو لا يجتمع مع الآية
( الصفحه 159 )
الدالّة على أنّ آخر وقت العشاء هو الانتصاف ولا يمكن حمل الآية على بيان وقت الفضيلة ، نعم لو كان في مقابلها أخبار الانتصاف فقط لأمكن ذلك ، وإن اُريد استفادة جواز التأخير بالإضافة إلى خصوص مواردها أو أعمّ منه ممّا لا يخرج عن عنوان الاضطرار فالجمع بينها وبين الآية واخبار الانتصاف ممّا لا مانع منه بحمل الآية وكذا تلك الأخبار على مورد الاختيار والقول بالتفصيل بينه وبين الاضطرار كما أفتى به المحقّق في المعتبر على ما مرّ .
نعم يبقى على الالتزام بأخبار الفجر أمران :
الأوّل : انّها معرض عنها للمشهور ومن المقرّر في محلّه انّ إعراض المشهور قادح في حجّية الرواية واعتبارها ولو بلغت من الصحّة ما بلغت .
الثاني : انّها محمولة على التقية لاتفاقهم إلاّ من شذّ على الامتداد إلى الطلوع للفجر وان اختلفوا في أنّه هل مطلق أو مقيّد بصورة الاضطرار وإن أخّر وقت المختار هل هو الثلث أو النصف .
ويدفع الأوّل ما عرفت في آخر وقت المغرب من عدم ثبوت الاعراض بعد ادّعاء الشيخ في موضع من الخلاف نفي الخلاف في لزوم الإتيان بالعشائين إذا أدرك مقدار خمس ركعات قبل طلوع الفجر مضافاً إلى فتوى المحقّق به في المعتبر وظهور عبارة الصدوق في ذلك واختيار جمع من المتأخّرين له .
ويدفع الثاني انّه لا وجه للحمل على التقية لأنّه مضافاً إلى وجود القول بالخلاف بينهم أيضاً انّ الحمل على التقية كما ذكرنا إنّما هو في مورد ثبوت التعارض وعدم إمكان الجمع بين المتعارضين بالجمع الدلالي الذي يخرجهما عن هذا العنوان وقد مرّ انّ الجمع بين أخبار الفجر وبين الآية وأخبار الانتصاف بمكان من الإمكان فلا تصل النوبة إلى رعاية قواعد التعارض التي منها الحمل على التقية .
( الصفحه 160 )
مع أنّ اشتمال هذه الأخبار على امتداد المغرب أيضاً إلى الطلوع ولا يقولون به ، نعم التأمّل به هو مالك وحده يمنع عن الحمل على التقية ، كما انّ ظهور بعضها في اشتراك الوقتين مع أنّهم قائلون بالتباين مطلقاً كما عرفت يمنع أيضاً عن ذلك فالإنصاف إنّه لا محيص عن الالتزام بأخبار الفجر في مثل مواردها وهو المضطرّ ، نعم الأحوط له الإتيان بالعشاء بعد الانتصاف لا بنيّة الاداء والقضاء بل بنيّة ما في الذمّة كما عرفت في آخر صلاة المغرب .
وامّا العامد فلا وجه للحكم بالامتداد إلى الفجر فيه أصلاً بعد صراحة الآية في أنّ آخر الوقت ولو بالنسبة إليه فقط هو الانتصاف ، فدعوى امتداد وقته أيضاً إليه كما قواه السيد في العروة وإن حكم بثبوت الإثم له ممّا لا وجه له كما انّ الحكم بثبوت الاحتياط المذكور في العامد أيضاً كما في المتن أيضاً لا وجه له لأنّه لا يبقى بعد ملاحظة الآية ترديد ولو في مورد العامد ليحكم بثبوت الاحتياط ولا يجوز قطع النظر عن الآية ، نعم لو لم يكن في مقابل أخبار الفجر إلاّ اخبار الانتصاف لأمكن دعوى ذلك ولكنّه مع ثبوت الآية ووضوح دلالتها لا يبقى لها مجال فتأمّل .
المقام الثالث : في وقت فريضة الصبح ويقع الكلام فيه من جهتين أيضاً :
الجهة الاُولى : في وقتها من حيث الابتداء والظاهر اتفاق علماء المسلمين من العامّة والخاصّة على أنّ أوّل وقتها هو طلوع الفجر الصادق وما حكى من اعتبار عوامهم بالفجر الكاذب واعتنائهم عليه فهو على تقدير صحّة الحكاية مخالف لفتاويهم ، نعم حكي عن أعمش انّ أوّل وقت الصوم هو طلوع الشمس وهو مع أنّه لا يرتبط بصلاة الفجر مردود بالإجماع على خلافه .
ويدلّ على دخول وقت فريضة الصبح بطلوع الفجر قوله تعالى : }وكلوا
( الصفحه 161 )
واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر{(1) وذكر في مجمع البيان في شأن نزول الآية انّه روى علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه رفعه إلى أبي عبدالله (عليه السلام) قال : كان الأكل محرّماً في شهر رمضان بالليل بعد النوم وكان النكاح حراماً بالليل والنهار في شهر رمضان وكان رجل من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقال له مطعم بن جبير أخو عبدالله بن جبير الذي كان رسول الله وكله بفم الشعب يوم أحد في خمسين من الرقاة وفارقه أصحابه وبقي في اثنى عشر رجلاً فقتل على باب الشعب وكان أخوه هذا مطعم بن جبير شيخاً ضعيفاً وكان صائماً فأبطأت عليه أهله بالطعام فنام قبل أن يفطر فلمّا انتبه قال لأهله : قد حرم عليّ الأكل في هذه الليلة فلمّا أصبح حضر حفر الخندق فاُغمي عليه فرآه رسول الله (صلى الله عليه وآله)فرقَّ له وكان قوم من الشباب ينكحون بالليل سرّاً في شهر رمضان فأنزل الله هذه الآية فأحلّ النكاح بالليل في شهر رمضان والأكل بعد النوم إلى طلوع الفجر .
وحكى فيه أيضاً في تفسير الخيطين انّه روى انّ عدي بن حاتم قال للنبي (صلى الله عليه وآله)انّي وضعت خيطين من شعر أبيض وأسود فكنت أنظر فيهما فلا يتبيّن لي فضحك رسول الله حتّى رؤيت نواجذه ثمّ قال : يابن حاتم إنّما ذلك بياض النهار وسواد الليل .
ويحتمل أن يكون المراد بالخيط الأبيض هو النهار وبالخيط الأسود الليل أي يتبيّن لكم النهار من الليل ولكن هذا الاحتمال بعيد; لأنّ تشيه النهار بالخيط الأبيض مع أنّ الخصوصية الممتازة في الخيط هو دقّته ممّا لا وجه له كما انّ تشبيه الليل بالخيط الأسود أيضاً كذلك .