( الصفحه 16 )
استحبابه ويحتمل أن يكون المراد انّ الكثرة موجبة لترك السنّة التي هي العدد المخصوص من دون زيادة ونقصان .
والجمع بين هذه الطائفة والطائفة الاُولى انّه لا منافاة بينهما أصلاً; فإنّ الرواية الأخيرة من هذه الطائفة شاهدة على أنّ عدّ الخمسين إنّما هو لإخراج نافلة العشاء ولا مانع منه فإنّه بدل عن الوتر ومكانه كما تدلّ عليه رواية الفضيل المتقدّمة ولأجله يطلق عليه عنوان الوتيرة ، فالاختلاف بينهما إنّما هو في عدّ نافلة العشاء وعدمه ولا مانع من شيء من الأمرين ، ويدلّ على البدلية دلالة واضحة رواية أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبيتنّ إلاّ بوتر ، قال : قلت : تعني الركعتين بعد العشاء الآخرة؟ قال : نعم إنّهما بركعة فمن صلاّهما (ها) ثم حدث به حدث مات على وتر فإن لم يحدث به حدث الموت يصلّي الوتر في آخر الليل ، فقلت : هل صلّى رسول الله (صلى الله عليه وآله) هاتين الركعتين؟ قال : لا ، قلت : ولِمَ؟ قال : لأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يأتيه الوحي وكان يعلم انّه هل يموت في تلك (هذه) الليلة أم لا وغيره لا يعلم فمن أجل ذلك لم يصلّهما وأمر بهما .
وامّا ما يدلّ على أنّها ست وأربعون فهي رواية أبي بصير قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن التطوّع بالليل والنهار فقال : الذي يستحبّ أن لا يقصر عنه ثمان ركعات عند زوال الشمس ، وبعد الظهر ركعتان وقبل العصر ركعتان ، وبعد المغرب ركعتان وقبل العتمة ركعتان ، ومن (في) السحر ثمان ركعات ثمّ يوتر ، والوتر ثلاث ركعات مفصولة ، ثمّ ركعتان قبل صلاة الفجر ، وأحب صلاة الليل إليهم آخر الليل .
وامّا ما يدلّ على أنّها أربع وأربعون فهي صحيحة زرارة قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : إنّي رجل تاجر اختلف واتجر فكيف لي بالزوال والمحافظة على صلاة
( الصفحه 17 )
الزوال وكم نصلّي؟ قال : تصلّي ثمان ركعات إذا زالت الشمس وركعتين بعد الظهر وركعتين قبل العصر فهذه اثنتا عشرة ركعة ، وتصلّي بعد المغرب ركعتين ، وبعدما ينتصف الليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر ومنها ركعتا الفجر وذلك سبع وعشرون ركعة سوى الفريضة وإنّما هذا كلّه تطوّع وليس بمفروض ، إنّ تارك الفريضة كافر ، وإنّ تارك هذا ليس بكافر ولكنّها معصية; لأنّه يستحبّ إذا عمل الرجل عملاً من الخير أن يدوم عليه .
وهنا رواية بها يرتفع الاختلاف لأجل تعيينها لما هو الحقّ لوقوعها جواباً عن السؤال عن وجود الاختلاف وهي رواية البزنطي قال : قلت لأبي الحسن (عليه السلام) : إنّ أصحابنا يختلفون في صلاة التطوّع بعضهم يصلّي أربعاً وأربعين وبعضهم يصلّي خمسين ، فأخبرني بالذي تعمل به أنت كيف هو؟ حتّى أعمل بمثله ، فقال : اُصلّي واحدة وخمسين ركعة ، ثمّ قال : امسك وعقد بيده الزوال ثمانية وأربعاً بعد الظهر وأربعاً قبل العصر وركعتين بعد المغرب وركعتين قبل العشاء الآخرة وركعتين بعد العشاء من قعود تعدّان بركعة من قيام وثمان صلاة الليل والوتر ثلاثاً وركعتي الفجر والفرائض سبع عشرة فذلك إحدى وخمسون .
ومراد السائل من قوله : بعضهم يصلّي خمسين يمكن أن يكون هو الواحدة والخمسين على ما عرفت ، وعليه فالجواب ناظر إلى تعيين قول هذا البعض كما انّه على التقدير الآخر يكون الجواب نافياً لكلا القولين . وعلى أيّ فالرواية بلحاظ السؤال فيها وكون المسؤول هو أبا الحسن الرضا (عليه السلام) المتأخّر زماناً عن الأئمّة التي رويت عنهم الروايات المتقدّمة ترفع الاختلاف وتعيّن الحقّ فلا يبقى إشكال ـ حينئذـ .
ويمكن الجمع بين الأخبار المختلفة في نافلتي العصر والمغرب بالحمل على مراتب
( الصفحه 18 )
الاستحباب وإن الإتيان بأربع ركعات في نافلة العصر يشترك مع الإتيان فيها بثمان ركعات في أصل فضيلة نافلة العصر ولكنّه واقع في المرتبة الدانية وهي في المرتبة العالية وكذا في نافلة المغرب ولا ينافيه التعبير عنه بالاختلاف في رواية البزنطي المتقدّمة فإنّ المراد ـ حينئذ ـ هو الاختلاف في مقام العمل دون الفتوى وإن كان ظاهرها هو العمل المستمرّ الناشئ عن الفتوى بذلك دون العمل أحياناً .
ويؤيّد هذا الجمع التعبير عن تمام الخمسين بأفضل ما جرت السنّة به من الصلاة في رواية محمد بن أبي عمير المتقدّمة وعن الستّ والأربعين بأنّه يستحبّ أن لا يقصر منه في رواية أبي بصير المتقدّمة أيضاً وإن كان المناسب ـ حينئذ ـ وقوع هذا التعبير في رواية الأربع والأربعين .
ثمّ إنّه على تقدير عدم إمكان الجمع بالنحو المذكور وعدم كون رواية البزنطي رافعة للاختلاف ووصول النوبة إلى قواعد باب التعارض فالترجيح مع الطائفة الاُولى لموافقتها للشهرة من حيث الفتوى ، بل المجمع عليه بين الأصحاب وقد تقرّر في محلّه انّ أوّل المرجّحات هي الشهرة الفتوائية .
ثمّ إنّه ورد في بعض الروايات ما يدلّ بظاهره على أنّ نافلة الظهر أربع ركعات وهو ما رواه الحميري في قرب الاسناد عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) انّه كان يقول : إذا زالت الشمس عن كبد السماء فمن صلّى تلك الساعة أربع ركعات فقد وافق صلاة الأوّابين وذلك نصف النهار . ولكنّها ـ مضافاً إلى عدم صحّة سندها; لأنّ حسين بن علوان من الزيدية محمولة على التقية من جهة موافقتها لمذهب الحنفية إلاّ أن يقال بأنّ الجمع بين الروايات بالحمل على مراتب الاستحباب يشمل نافلة الظهر أيضاً بعد الإغماض عن سند الرواية أو الرجوع إلى قاعدة التسامح في أدلّة السنن فتدبّر .
( الصفحه 19 )
وينبغي التنبيه في هذه المسألة على أمرين :
أحدهما : انّ اختلاف تعبير النصوص في نافلة العصر بكونها ثمانياً قبل العصر أو ستّاً بعد الظهر وركعتين قبل العصر أو أربعاً قبل العصر وأربعاً قبل العصر وأربعاً بعد الظهر وهكذا في نافلة المغرب بكونها أربعاً بعد المغرب أو ركعتين بعدها وركعتين قبل العشاء الآخرة لا يكون إلاّ من الاختلاف في التعبير المقصود من الكلّ واحد وإن استفاد المحقّق الهمداني (قدس سره) من هذه الجهة مطلباً في الأمر الثاني الذي ننبّه عليه الآن .
ثانيهما : انّه لا ريب في أنّ نافلة كلّ فريضة عبادة مستقلّة لا ارتباط لها بنافلة فريضة أخرى فيجوز الإتيان بها وإن ترك غيرها من النوافل وهذا ممّا لا إشكال فيه إنّما الإشكال في أنّ النوافل التي تكون أزيد من صلاة واحدة مثل نافلة المغرب المركّبة من صلاتين ونافلة الظهر أو العصر المركّبة من أربع صلوات كلّ واحدة منها ركعتان بناء على لزوم الإتيان بالنوافل ركعتين ركعتين كما هو المشهور وادعى عليه الإجماع كما انّها تكون متعدّدة بما انّها مصداق لعنوان الصلاة بلا ريب هل تكون أيضاً متعدّدة بعنوان أنفسها أم لا؟
وبعبارة اُخرى هل تكون للظهر ـ مثلاً ـ نافلة واحدة مركّبة من أربع صلوات أو نوافل متعدّدة حسب تعدّد الصلوات فعلى الأوّل تصير مثل صلاة جعفر (عليه السلام) التي لا يترتّب عليها شيء من الآثار المترتّبة عليها المترقبة منها من غفران الذنوب وسعة الرزق وغيرهما من الآثار إلاّ بعد الإتيان بأربع ركعات المركبة من صلاتين مفصولتين وعلى الثاني كالنوافل المطلقة؟ ظاهر الروايات الواردة في الباب هو كون المجموع نافلة واحدة متعلّقة لأمر استحبابي واحد وإن كانت بما هي صلاة متعدّدة فإنّ مثل قوله (عليه السلام) ثمان ركعات للظهر ليس له ظهور إلاّ في كون الثمان كالأربع التي
( الصفحه 20 )
هي فريضة الظهر متعلّقة لأمر واحد ، غاية الأمر اختلاف الأمرين في الوجوب والاستحباب واختلاف العبادتين في كونها صلاة واحدة أو متعدّدة ، وامّا من جهة عدم تعدّد الأمر والعنوان الواحد المأمور به فلا اختلاف بينهما .
ويظهر من الجواهر خلاف ذلك ونسبه إلى العلاّمة الطباطبائي (قدس سره) واستدلّ عليه بالأصل وتحقّق الفصل وهو يقتضي التعدّد وعدم وجوب إكمالها بالشروع فيها وكونها مشروعة لتكميل الفرائض فيكون لكلّ بعض منها قسط منه .
ويرد على التمسّك بالأصل ـ مضافاً إلى أنّه لا مجال له مع وجود الدليل الاجتهادي مطلقاً ـ موافقاً كان أم مخالفاً ـ وقد عرفت ظهور الروايات في كون المجموع نافلة واحدة متعلّقة لأمر استحبابي واحد ـ انّ محلّ البحث في المقام هو ارتباط الأجزاء والصلوات المتعدّدة بعضها مع بعض والأصل الذي يتصوّر هو استصحاب عدم الارتباط بلحاظ انّه قبل تشريع النافلة لم يكن ارتباط بنحو السالبة بانتفاء الموضوع فيستصحب العدم وينتج عدم الارتباط بعد تشريعها أيضاً وقد قرّرنا في محلّه انّه لا أصل لمثل هذه الاُصول التي كانت الحالة السابقة المتيقّنة منتفية بانتفاء الموضوع والحالة المشكوكة هي المنتفية بانتفاء المحمول ، بل الأصل الذي يمكن التمسّك به في المقام هي أصالة عدم استحباب الأقلّ من المجموع بعد وضوح كون المجموع مستحبّاً قطعاً بجميع أجزائه وأبعاضه ومنه يعلم الفرق بين المقام وبين مسألة الأقلّ والأكثر الارتباطيين المعروفة فإنّه في تلك المسألة يكون تعلّق الأمر بالأكثر كتعلّقه بالأقلّ مشكوكاً فهذا الدليل غير تامّ .
وامّا تحقّق الفصل وجواز الإتيان بالمنافي بين كلّ ركعتين فهو يقتضي التعدّد بما انّها صلاة ولا بحث فيها ولكنّه لا يقتضي التعدّد بما انّها نافلة الظهر ـ مثلاً ـ وذلك كصلاة جعفر (عليه السلام) فإنّها مع تحقّق الفصل بين كلّ ركعتين لا تكون إلاّ عملاً واحداً