( الصفحه 169 )
الوقتين وافتراقهما إنّما هو بذلك لا بالاجزاء والفضيلة .
هذا ولكن الظاهر دلالة الرواية على خلاف قول الشيخ (قدس سره) من جهة ظهور صدرها في أنّ اختلاف الوقتين إنّما هو بالفضيلة والاجزاء لقوله (عليه السلام) : وأوّل الوقتين أفضلهما ومن جهة تجويز التأخير لمن له شغل وهو لا يكون اضطرارياً ولا يناسب تجويز التأخير معه مع تعيّن الوقت الأوّل للاجزاء كما عرفت في صحيحة الحلبي ، نعم يبقى ذيل الرواية الظاهر في غيره ولكنّه مضافاً إلى اشتماله على كلمة «العذر» الشاملة للشغل قطعاً لا دلالة له على الخلاف; لأنّ مفادها ان جعل آخر الوقت وقتاً استمرارياً للصلاة بحيث لا يرى لها وقت غير ذلك لا يجوز وهذا لا يلازم عدم جواز التأخير اختياراً أحياناً مع رؤية وقتين لها . وبعبارة اُخرى لو كان التعبير في الذيل هكذا : لا يجوز لأحد أن يؤخِّر صلاته إلى آخر الوقت إلاّ من عذر أو علّة لكانت دلالته على ما ذكر غير بعيدة ، وامّا التعبير الوارد في الرواية فمغاير للتعبير الذي ذكرنا ومرجعه إلى فرض الوقت الأوّل كالعدم وعدم رؤية وقتين للصلاة ولو عملاً بوجه فتدبّر ، فالرواية من أدلّة المشهور .
ومنها : رواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : وقت صلاة الغداة ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس . ودلالتها على مذهب المشهور ظاهرة إلاّ انّها ضعيفة السند بموسى بن بكر لعدم توثيقه .
ومنها : موثقة عمّار بن موسى عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الرجل إذا غلبته عينه أو عاقه أمران يصلّي المكتوبة من الفجر ما بين أن يطلع الفجر إلى أن تطلع الشمس وذلك في المكتوبة خاصة . . . وهي باعتبار دلالتها على الامتداد إلى طلوع الشمس بالإضافة إلى الرجل الذي عاقه أمر تدلّ على مذهب المشهور لأنّه ليس المراد بالأمر إلاّ أمراً من الاُمور العادية الاختيارية فهو عبارة اُخرى عن الشغل المذكور
( الصفحه 170 )
في الروايتين المتقدّمتين وقد عرفت انّ تجويز التأخير معه لا يناسب إلاّ مع امتداد الوقت أي وقت الاجزاء كما لا يخفى .
ومنها : ما رواه الصدوق باسناده عن عاصم بن حميد عن أبي بصير ليث المرادي قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) فقلت : متى يحرم الطعام والشراب على الصائم وتحلّ الصلاة صلاة الفجر؟ فقال : إذا اعترض الفجر فكان كالقبطية البيضاء فثمّ يحرم الطعام على الصائم وتحلّ الصلاة صلاة الفجر ، قلت : أفلسنا في وقت إلى أن يطلع شعاع الشمس؟ قال : هيهات أين يذهب بك تلك صلاة الصبيان . فإنّ عدّها من فعل الصبيان دليل على المرجوحية وعدم الالتفات إلى فوت الفضيلة المهمّة ولا يناسب ذلك مع تمامية الوقت الاختياري بوجه .
ومثلها ما رواه الشيخ باسناده عن الحسين بن سعيد عن النضر عن عاصم بن حميد عن أبي بصير المكفوف قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الصائم متى يحرم عليه الطعام؟ فقال : إذا كان الفجر كالقبطية البيضاء ، قلت : فمتى تحلّ الصلاة؟ فقال : إذا كان كذلك ، فقلت : ألست في وقت من تلك الساعة إلى أن تطلع الشمس؟ فقال : لا ، إنّما تعدّها صلاة الصبيان ، ثمّ قال : إنّه لم يكن يحمد الرجل أن يصلّي في المسجد ثمّ يرجع فينبه أهله وصبيانه .
والظاهر اتحادهما مع الرواية السابقة وعدم كونهما روايتين ولذا حكى عن الحدائق انّه نقل عن صاحب المنتقى المناقشة في سند الرواية بأنّ الشيخ رواها عن أبي بصير وقيّده بالمكفوف والصدوق رواها عنه وقيّده بليث المرادي والكليني رواها عنه وأطلقه وحيث إنّ الراوي أحدهما وهو مردّد بين الثقة والضعيف ـ لضعف المكفوف ـ فلا يمكن الاستدلال بها بوجه ولكنّه رجّح في الحدائق أن يكون المراد به هو المرادي لغلبة رواية عاصم بن حميد عنه .
( الصفحه 171 )
ومنها : رواية معاوية بن وهب عن أبي عبدالله (عليه السلام) الدالّة على إتيان جبرئيل بمواقيت الصلاة المشتملة على قوله : ثمّ أتاه حين طلع الفجر فأمره فصلّى الصبح إلى قوله : ثمّ أتاه حين نوّر الصبح فأمره فصلّى الصبح ثمّ قال : ما بينهما وقت .
ومنها : رواية ذريح عن أبي عبدالله (عليه السلام) الدالّة على ذلك المشتملة على قوله (عليه السلام)فقال صلِّ الفجر حين ينشق الفجر إلى قوله ثمّ أتاه من الغد فقال : اسفر بالفجر . . . .
ومنها : رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا تفوت الصلاة من أراد الصلاة ، لا تفوت صلاة النهار حتّى تغيب الشمس ، ولا صلاة الليل حتّى يطلع الفجر ، ولا صلاة الفجر حتّى تطلع الشمس . ونوقش في سندها لأجل علي بن يعقوب الهاشمي نظراً إلى أنّه لم يوثق في كتب الرجال .
وقد ظهر ممّا ذكرنا انّ أكثر الروايات الواردة في الباب يدلّ على قول المشهور وامتداد وقت الاجزاء إلى طلوع الشمس وهي قرينة على التصرّف في الروايات الاُخر بالحمل على امتداد وقت الفضيلة إلى أن يتجلّل الصبح السماء ويتحقّق الاسفار والتنوّر ولو أبيت إلاّ عن ثبوت المعارضة فاللاّزم طرح الطائفة المخالفة للمشهور; لأنّ أوّل المرجّحات هي الشهرة الفتوائية ـ كما قد قرّر في محلّه ـ فالمتحصّل انّ الأقوى ما عليه المشهور على أيّ حال .
المقام الرابع : في أوقات فضيلة الصلوات الخمس المفروضة ، ولابدّ قبل بيانها من التعرّض لمسألة مشهورة بينهم وهي انّ لكلّ صلاة وقتين كما تدلّ عليه الروايات المتعدّدة وقد اختلفوا في المراد من ذلك على قولين :
أحدهما : انّ الوقت الأوّل اختياري والثاني اضطراري بمعنى انّه لا يجوز التأخير إليه إلاّ لذوي الأعذار .
ثانيهما : انّ الوقت الأوّل وقت الاجزاء والثاني وقت الفضيلة وأكثر القدماء
( الصفحه 172 )
كالشيخين وابن أبي عقيل وغيرهم على الأوّل ، والسيد وابن الجنيد وجماعة على الثاني وتبعهم المتأخّرون قاطبة وقد أصرّ صاحب الحدائق على إثبات قول الشيخين خصوصاً بالإضافة إلى الظهرين .
ومنشأ الاختلاف هو اختلاف الأخبار الواردة في الباب فكثيرة منها ظاهرة في كون الافتراق إنّما هو بالفضيلة والاجزاء واستدلّ ببعضها على خلافه ولابدّ من التعرّض لهذه الطائفة وملاحظة تماميتها من حيث السند والدلالة أو عدمها وإن كان لا يترتّب على هذا البحث كثير فائدة; لأنّ الظاهر انّ مراد القائل بعدم جواز التأخير عن الوقت الاختياري هو عدم الجواز التكليفي وترتّب العصيان فقط من دون أن يكون وقت الصلاة خارجاً بالتأخير بحيث يصير قضاء بذلك كما هو مقتضى الحرمة الوضعية فمراده هو ثبوت العصيان مع عدم ثبوت العقاب وعدم ترتّبه كما نطقت به الأخبار الدالّة على أنّ آخر الوقت عفو الله فالتأخير في المقام إنّما يكون مشابهاً لنيّة المعصية التي هي معصية معفوّ عنها ، وعليه فلا يترتّب على هذا البحث ثمرة مهمّة فقهية ولكنّه مع ذلك لا يخلو عن نتائج علمية فنقول :
من جملة الروايات التي استدلّ بها على ذلك صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) فيما رواه الكليني قال : سمعته يقول : لكلّ صلاة وقتان وأوّل الوقت أفضله وليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتاً إلاّ في عذر من غير علّة . بتقريب انّها تدلّ على أنّ لكلّ صلاة وقتين ، ولكّ من الوقتين أوّل وآخر وأوّلهما أفضلهما وليس للمكلّف أن يجعل الوقت الثاني وقتاً للصلاة إلاّ من علّة تقتضيه فذل الرواية ظاهر بل صريح في أنّه ليس للمكلّف أن يؤخِّر الصلاة إلى الوقت الثاني إلاّ من علّة فالواجب على المختار أن يأتي بها في الوقت الأوّل الشامل لأوّله الذي هو أفضل وآخره الذي لا يكون كذلك .
( الصفحه 173 )
ويدفعه انّ انّ دلالة الرواية على خلاف مطلوبه أظهر; لأنّ الظاهر انّ المراد من قوله : وأوّل الوقت أفضل هو أفضلية الأوّل بالإضافة إلى الآخر الذي يكون هو الوقت الآخر الذي دلّ على كليهما قوله (عليه السلام) : لكلّ صلاة وقتان ، فمفاد الرواية انّ لنا وقتين يكون أحدهما وهو الأوّل أفضل من الآخر وهو الآخر ويؤيّد ذلك مضافاً إلى كونه هو المتفاهم منه عرفاً انّه فيما رواه الكليني عن معاوية بن عمّار أو ابن وهب انّه قال أبو عبدالله (عليه السلام) : لكلّ صلاة وقتان وأوّل الوقت أفضلهما . فإنّ تثنية الضمير الراجع إلى الوقتين وإضافة الأفضل إليه ظاهرة في كون الطرف الآخر هو الوقت الآخر .
مع انّ نفس هذه الرواية المستدلّ بها رواها الشيخ عن عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) هكذا : قال : لكلّ صلاة وقتان وأوّل الوقتين أفضلهما . . . ومع هذا النقل لا يبقى مجال للترديد في كون المراد بيان وقت الفضيلة في مقابل وقت الاجزاء وانّ افتراق الوقتين إنّما هو بذلك .
وامّا قوله : وليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتاً . . . فقد عرفت انّ الظاهر انّ المراد به هو جعل الوقت الآخر وقتاً استمرارياً للصلاة بحيث لا يرى لها وقت ولو عملاً إلاّ آخر الوقت ، ومن الواضح انّ ذلك إعراض عن السنّة وتهاون خارج عمّا هو محلّ البحث في المقام من التأخير العمدي لا بهذا الداعي بل بغيره .
ويحتمل أن يكون المراد به ما أفاده سيّدنا العلاّمة الاستاذ (قدس سره) وهو ترغيب الناس وتحريضهم إلى الإتيان بالصلوات في أوائل أوقاتها ونظير ذلك كثير في الأخبار التي سيقت لبيان المستحبّات إذا كان المقصود الترغيب إلى الإتيان بمستحبّ مؤكّد كما في المقام حيث ورد فيه انّ فضل الوقت الأوّل على الآخر كفضل الآخرة على الدنيا ونظيره من التعبيرات الواردة في الأخبار .