( الصفحه 233 )
على وقت الفضيلة كصحيحة زرارة المتقدّمة الواردة في بيان وجوب القضاء المشتملة على قوله (عليه السلام) : ولا يتطوّع بركعة حتّى يقضي الفريضة كلّها ، بناء على ما رجّحناه من كونه حكماً مستقلاًّ غير متفرّع على المضايقة وجارياً في الفريضة الادائية بالأولوية أو بإلغاء الخصوصية فإنّها ظاهرة في النهي عن التطوّع ما دام كون الذمّة مشغولة بفريضة .
ثمّ إنّ الظاهر انّه لا مغايرة بين الاحتمالين : الثاني والثالث; لأنّ وقت الفضيلة كان هو وقت انعقاد الجماعة وقد مرّت جملة من الروايات الدالّة على أنّ جدار مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان قامة وإذا مضى منه ذراع صلّى الظهر وإذا مضى منه ذراعان صلّى العصر ومرّ أيضاً انّ الذراع والذراعين هما منتهى وقت يزاحم فيه النافلة الفريضة ، وعليه فيمكن أن يكون تفسير الوقت بذلك أي بوقت انعقاد الجماعة كما في رواية عمر بن يزيد المتقدّمة لأجل كونه هو وقت الفضيلة فلا معارضة بينها وبين الروايات الناظرة إلى هذا الوقت .
نعم يظهر من موثقة إسحاق بن عمّار انّ انعقاد الجماعة ولو في وقت الفضيلة له مدخلية في ترك التطوّع وانّه ما لم تنعقد في ذلك الوقت بالنافلة حيث قال : قلت : اُصلّي في وقت فريضة نا فلة؟ قال : نعم في أوّل الوقت إذا كنت مع إمام نقتدي به فإذا كنت وحدك فابدأ بالمكتوبة . فإنّ ظاهرها انّه مع انتظار الجماعة في وقت الفضيلة لا مانع من التطوّع بخلاف المنفرد الذي لا يكون منتظراً لها فإنّه يبدأ بالمكتوبة بمجرّد دخول وقت الفضيلة ، وعليه فالنهي عن التطوّع إنّما هو لرعاية وقت الفضيلة بالإضافة إلى المنفرد أو هو مع الجماعة بالإضافة إلى من يكون منتظراً للجماعة .
ثمّ إنّه ظهر ممّا ذكرنا انّ النهي عن التطوّع في وقت فضيلة الفريضة إنّما هو
( الصفحه 234 )
للإرشاد إلى أنّ الأفضل ـ حينئذ ـ البدئة بالمكتوبة بمعنى انّه حيث كانت ذمّة المكلّف مشغولة بما هو أهمّ وأكمل فالأحرى تقديم الأهمّ وعدم تأخيره فالنهي إنّما هو لمراعاة فضل المبادرة إلى الفريضة .
وامّا احتمال أن يكون النهي فيها للتحريم بسبب انطباق عنوان محرم على النافلة في ذلك الوقت مطلقاً راتبة كانت أو غيرها أو أن يكون النهي فيها للإرشاد إلى فساد النافلة في ذلك الوقت أو يكون النهي نهياً تنزيهياً بسبب انطباق عنوان ذي حزازة ومنقصة على النافلة فيه أو يكون للإرشاد إلى أقلّية الثواب وانّ النافلة المأتي بها في ذلك الوقت تكون أقلّ ثواباً بالنسبة إلى ما أتى بها في غير هذا الوقت فكلّها مخالف للظاهر ولفهم العرف ، بل الظاهر انّه للإرشاد إلى درك فضيلة الوقت أو هي مع الجماعة كما عرفت .
وقد تحصل من جميع ما ذكرنا انّ الروايات الدالّة على المنع أكثرها بل كلّها إلاّ القليل واردة في النافلة الراتبة التي يراد إتيانها في وقت الفضيلة وإنّ النهي فيها إنّما هو للإرشاد من دون أن يكون هنا تحريم تكليفي أو وضعي أو كراهة وحزازة فلا دلالة لشيء منها على النهي فيما هو محلّ الكلام وهي النافلة المبتدئة أو مثلها في مطلق وقت الأجزاء قبل الإتيان بالفريضة ، نعم بقى مثل صحيحة زرارة المتقدّمة الظاهرة في النهي عن التطوّع ولو بركعة حتّى يقضي الفريضة كلّها هذا تمام الكلام في الطائفة الدالّة على المنع .
الطائفة الثانية : الروايات الدالّة على الجواز وقد مرّت جملة منها في ضمن البحث في الطائفة الاُولى كرواية إسحاق بن عمّار ورواية عمر بن يزيد المتقدّمتين .
وعمدة هذه الطائفة موثقة سماعة قال : سألته (سألت أبا عبدالله (عليه السلام)) عن الرجل يأتي المسجد وقد صلّى أهله أيبتدئ بالمكتوبة أو يتطوّع؟ فقال : إن كان في وقت
( الصفحه 235 )
حسن فلا بأس بالتطوّع قبل الفريضة ، وإن كان خاف الفوت من أجل ما مضى من الوقت فليبدأ بالفريضة وهو حقّ الله ثمّ ليتطوّع ما شاء إلاّ أن يخاف (الأمر) موسع أن يصلّي الإنسان في أوّل دخول وقت الفريضة النوافل إلاّ أن يخاف فوت الفريضة ، الفضل إذا صلّى الإنسان وحده أن يبدأ بالفريضة إذا دخل وقتها ليكون فضل أوّل الوقت للفريضة وليس بمحظور عليه أن يصلّي النوافل من أوّل الوقت إلى قريب من آخر الوقت . وهذه الرواية صريحة في جواز التطوّع ، ما دام لم يتضيّق وقت الفريضة واحتمال أن يكون المراد من النوافل هي الرواتب سخيف جدّاً لوضوح حالها عند كلّ أحد لأنّه يعرف كلّ عامّي إنّه يستحبّ الإتيان بها قبل الفريضة إلى أوقات معيّنة كما عرفت .
وامّا ما ذكره صاحب الحدائق في تفسير الرواية من أنّ الأمر موسّع أن يصلّي الإنسان في أوّل دخول وقت الفريضة أي أوّل دخول وقت الاجزاء كالزوال في الظهرين بناء على أنّ وقت فضيلتهما بعد الذراع أو الذراعين ونحوهما إلاّ أن يخاف فوت الفريضة فيترك النافلة ولكن الفضل إذا صلّى الإنسان وحده أن يبدأ بالفريضة إذا دخل وقتها ليكون فضل أوّل الوقت للفريضة وليس بمحظور عليه أن يصلّي النوافل من أوّل الوقت إلى آخر الوقت أي الوقت الذي يدخل بعده وقت الفضيلة للفريضة . فمخالف لظاهر الرواية بل صريحها فإنّ حمل قوله : آخر الوقت على آخر الوقت الذي يدخل بعده وقت الفضيلة ممّا لا وجه له أصلاً .
والجمع بين الروايات الدالّة على الجواز ومثل صحيحة زرارة المتقدّمة الدالّة على المنع هو الحمل على الكراهة لو لم نقل بعدم ثبوت كراهة أيضاً ، بل النهي إنّما هو للإرشاد إلى الأخذ بما هو أولى بالمراعاة من النافلة وهي الفريضة وانّه ينبغي لمن تكون ذمّته مشغولة أن يسعى أوّلاً في حصول الفراغ لها ثمّ الإتيان بالنافلة
( الصفحه 236 )
فتدبّر .
المقام الثاني : في التطوّع لمن عليه قضاء الفريضة وقد نسب إلى الأكثر الجواز وإن ذكر صاحب الحدائق أن المعروف هو المنع هو المنع ، وكيف كان فقد ذهب جماعة إلى المنع كالعلاّمة وجمع من المتأخّرين واختاره صاحب الحدائق وعلى تقدير القول بالجواز في المقام المتقدّم يكون الجواز هنا بطريق أولى ، نعم يمكن التفكيك بين المقامين بالقول بالجواز هنا وبعدمه في المقام المتقدّم ، وعليه فلا تبقى لنا حاجة إلى البحث في هذا المقام ولكنّه لا بأس بالإشارة إلى بعض ما استدلّ به للمنع من الوجوه والجواب عنه فنقول :
منها : قوله (عليه السلام) : لا صلاة لمن عليه صلاة فإنّ ظاهره نفي صحّة الصلاة ممّن تكون ذمّته مشغولة بصلاة فالنافلة لمن عليه قضاء غير مشروعة وحمله على نفي الكمال خلاف الظاهر لا يصار إليه إلاّ مع قيام دليل كما في قوله (عليه السلام) : لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد .
ومنها : الروايات الدالّة على ترتّب الحاضرة على الفائتة وإن فراغ الذمّة عن القضاء معتبر في صحّة الادائية إلاّ مع ضيق وقتها بدعوى انّ الفائتة إذا كانت متقدّمة على الحاضرة لكانت نوافل الحاضرة أيضاً مترتّبة على الفائتة بطريق أولى لأنّها من توابع الفريضة وأولى من النوافل الراتبة غيرها من النوافل المبتدئة لكونها أهمّ منها فإذا كانت الفائتة متقدّمة عليها فغيرها أولى بذلك .
وجوابه واضح; لأنّ ترتّب الحاضرة على الفائتة لا يكون مستلزماً لترتّب النافلة عليها وعدم جواز تقديمها بوجه لكون النافلة صلاة مستقلّة تدور مدار دليلها ولذا نرى عدم اعتبار بعض شرائط الفريضة فيها كالاستقبال والطمأنينة ونحوهما ولم يعلم انّ الوجه في ترتّب الحاضرة على الفائتة هو ثبوت التزاحم
( الصفحه 237 )
وأهمّية الثاني; لأنّ الترتّب بمجرّده لا يلازم ذلك فانّ العصر مترتّبة على الظهر وليس مرجعها إلى ذلك أصلاً .
ومنها : انّ القضاء واجب مضيق فلابدّ من الإتيان به فوراً ففوراً والتنفل يستلزم التأخير وهو غير جائز .
والجواب : انّ مورد البحث في مسألة التطوّع في وقت الفريضة هو وقوع التطوّع بما هو تطوّع في مقابل الفريضة بما هي كذلك ، وامّا إذا اقترنت الفريضة بخصوصية اُخرى موجبة لصرف الوقت في الإتيان بها كما إذا صارت مضيقة أو كانت من الأوّل كذلك فهو خارج عن محلّ البحث لأنّ عدم جواز التطوّع ـ حينئذ ـ ليس لأجل كونه تطوّعاً ، بل لأجل استلزامه الإخلال بالوقت المضيّق ولذا يكون غير النافلة أيضاً على هذا الحكم فهذا الدليل خارج عن محلّ الكلام .
ومنها : صحيحة يعقوب بن شعيب عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن الرجل ينام عن الغداة حتّى تبزغ الشمس أيصلّي حين يستيقظ أو ينتظر حتى تنبسط الشمس؟ فقال : يصلّي حين يستيقظ ، قلت : يوتر أو يصلّي الركعتين؟ قال : بل يبدأ بالفريضة .
والجواب : انّها معارضة في نفس موردها بموثقة أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال : سألته عن رجل نام عن الغداة حتى طلعت الشمس فقال : يصلّي ركعتين ثمّ يصلّي الغداة . وحمل الموثقة على صورة انتظار الجماعة أعني من يريد أن يصلّي بقوم وينتظر اجتماعهم وحمل الصحيحة على من يصلّي بالانفراد كما عن الشيخ (قدس سره) فهو ممّا لا شاهد له أصلاً ، كما انّ احتمال كون الصحيحة مقيّدة لإطلاق الموثقة نظراً إلى أنّ مورد السؤال فيها هو النوم عن الغداة حتى طلعت الشمس وهو أعمّ من الانبساط ، وعليه فالحكم قبل أن تنبسط الشمس هو الابتداء بالفريضة وبعد