( الصفحه 249 )
اللّتين أتت بهما هو إتيانهما على حسب ما تأتي بهما في سائر الأيّام من الاستجماع لجميع الشرائط وهو بحسب الغالب ملازم لمضي مقدار الصلاة الاضطرارية فتستفاد من الرواية عدم وجوب القضاء فيه أيضاً .
ويحتمل أن يكون المراد بالقضاء هو القضاء بالمعنى الاصطلاحي وعليه فالمراد بالركعتين هما الركعتان اللّتان صلّتهما ومفهومه ـ حينئذ ـ وجوب قضاء البقية فوقع التفكيك في صلاة واحدة من جهة القضاء وعدمه وهذا الاحتمال وإن كان بعيداً في نفسه إلاّ انّه يعينه رواية أبي الورد قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن المرأة التي تكون في صلاة الظهر وقد صلّت ركعتين ثمّ ترى الدم قال : تقوم من مسجدها ولا تقضي الركعتين ، وإن كانت رأت الدم وهي في صلاة المغرب وقد صلّت ركعتين فلتقم من مسجدها فإذا تطهّرت فلتقض الركعة التي فاتتها من المغرب . ولابدّ من ردّ علمها ـ حينئذ ـ إلى أهله أو توجيهها بما لا ينافي النصّ والفتوى .
وقد تحصّل من جميع ما ذكرنا انّه لا ينبغي الإشكال في وجوب القضاء في الفرع الأوّل سواء كان الوقت متسعاً للإتيان بالصلاة المتعارفة المشتملة على بعض المندوبات المقرونة ببعض التسامحات والتوانيات أو كان متسعاً لخصوص أقلّ الواجب مع عدم التواني كما انّه لا ينبغي الإشكال في عدم وجوب القضاء في الفرع الأخير لاستناد الترك إلى الحيض فقط ، وامّا الفرع الوسط فالحكم فيه محلّ إشكال لدلالة أدلّة القضاء العامّة على الوجوب وعدم وجود ما يدلّ على العدم كما عرفت وإن كان المشهور بل المدعى عليه الإجماع العدم .
المقام الثاني : في ارتفاع العذر في آخر الوقت وقد ذكر في المتن انّه إن وسع الطهارة والصلاتين وجبتا وظاهره انّ المراد بالطهارة هي الطهارة المائية ، وعليه فوجوب الصلاتين إنّما هو مع سعة الوقت لها فلو ضاق الوقت إلاّ عن الصلاتين مع
( الصفحه 250 )
الطهارة الترابية فلا تكونان واجبتين اداءاً وفي الجواهر انّه مجمع عليه هنا بحسب الظاهر ولابدّ من ملاحظة روايات المسألة فنقول : إنّها على طوائف :
الاُولى : ما ورد في حصول الطهر لها قبل الغروب أو قبل الفجر وانّه تجب عليها الصلاتان . الظهران في الاُولى والعشاءان في الثانية .
منها : رواية أبي الصباح الكناني عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلّت المغرب والعشاء وإن طهرت قبل أن تغيب الشمس صلّت الظهر والعصر .
ومثلها : رواية عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا طهرت المرأة قبل غروب الشمس فلتصلّ الظهر والعصر وإن طهرت من آخر الليل فلتصلّ المغرب والعشاء .
وكذا رواية داود الزجاجي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : إذا كانت المرأة حائضاً فطهرت قبل غروب الشمس صلّت الظهر والعصر ، وإن طهرت من آخر الليل صلّت المغرب والعشاء الآخرة .
ورواية عمر بن حنظلة عن الشيخ (عليه السلام) قال : إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلّت المغرب والعشاء وإن طهرت قبل أن تغيب الشمس صلّت الظهر والعصر .
وحصول الطهر لها قبل الغروب أو الطلوع وإن مطلقاً شاملاً لما إذا حصل قبلهما ولو بلحظة إلاّ انّ الحكم في الجزاء بوجوب الصلاتين عليهما قرينة على اختصاص مورد الشرط بما إذا وضع الوقت لهما; لأنّ الظاهر هو الإتيان بهما بصورة الاداء كما انّ الظاهر هو الإتيان بهما مع الشرائط الاختيارية التي منها الطهارة المائية فالمفروض في هذه الطائفة صورة سعة الوقت لهما كذلك ، وعليه فلا دلالة لها على نفي الوجوب فيما إذا ضاق الوقت إلاّ عن الصلاتين مع الطهارة الترابية إلاّ أن يقال ـ
( الصفحه 251 )
كما لا يبعد ـ انّ التقييد المستفاد من الجزء ظاهر في أنّ الملاك في وجوبهما هو إدراكهما كذلك فلا يتحقّق الوجوب في غير هذه الصورة .
الثانية : ما تدلّ على التفصيل بين ما إذا حصل الطهر قبل العصر وغيره كرواية منصور بن حازم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا طهرت الحائض قبل العصر صلّت الظهر والعصر ، فإن طهرت في آخر وقت العصر صلّت العصر .
والظاهر انّ المراد بقبل العصر هو قبل الوقت الاختصاصي للعصر والحكم بوجوب الصلاتين عليها في هذه الصورة قرينة على كون المفروض كما في الروايات المتقدّمة ما إذا وسع الوقت لهما مع الطهارة المائية والمراد بآخر وقت العصر هو الوقت المختصّ بها والحكم بوجوبها عليها في هذا الفرض أيضاً قرينة على كون المفروض سعة الوقت للطهارة المائية والإتيان صلاة واحدة ولو أخذ بالإطلاق لكان مقتضاه عدم سعة الوقت للطهارة الترابية أيضاً ، وكيف كان فظاهرها عدم وجوب صلاة الظهر في هذا الفرض لا اداء ولا قضاءاً .
لكن صحيحة أبي همّام عن أبي الحسن (عليه السلام) في الحائض إذا اغتسلت في وقت العصر تصلّي العصر ثمّ تصلّي الظهر . ربّما تشعر بخلافه وانّه تجب صلاة الظهر أيضاً ولكن حملها الشيخ (قدس سره) على أنّها طهرت وقت الظهر وأخّرت الغسل حتّى ضاق وقت العصر واستحسنه صاحب المنتقى ويؤيّده ظهور الرواية في أنّ الاغتسال كان في وقت العصر لا حصول الطهر فتدبّر .
الثالثة : ما وردت في القضاء كصحيحة عبيد بن زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال : ايما امرأة رأت الطهر وهي قادرة على أن تغتسل في وقت صلاة ففرطت فيها حتى يدخل وقت صلاة اُخرى كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرّطت فيها ، وإن رأت الطهر في وقت صلاة فقامت في تهيئة ذلك فجاز وقت صلاة ودخل وقت صلاة
( الصفحه 252 )
اُخرى فليس عليها قضاء وتصلّي الصلاة التي دخل وقتها .
والظاهر انّ المراد من الفرض الثاني في الرواية ما إذا طهرت المرأة فقامت لإتيان الغسل وتهيئة أسبابه فجاز وقت الصلاة مع اعتقادها خلافه أو غفلتها عن انّ القيام في ذلك يوجب فوت الوقت ولكنّه استدلّ بها لفتوى المشهور ، بل المجمع عليه كما عرفت من الجواهر وهو اعتبار سعة الوقت للطهارة المائية وانّه مع عدمها لا يجب الاداء فضلاً عن القضاء نظراً إلى ثبوت الإطلاق لها من حيث العمد وعدمه والالتفات وغيره وانّه تدلّ على عدم وجوب الصلاة مع الطهارة الترابية ولو علمت بضيق الوقت وعدم سعته إلاّ لها .
وموثقة عبيد الله الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) في المرأة تقوم في وقت الصلاة فلا تقضي ظهرها (طهرها ـ ظ) حتّى تفوتها الصلاة ويخرج الوقت ، أتقضي الصلاة التي فاتتها؟ قال : إن كانت توانت قضتها ، وإن كانت دائبة في غسلها فلا تقضي . والكلام فيها ما في الرواية السابقة .
وموثقة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال : قلت : المرأة ترى الطهر عند الظهر فتشتغل في شأنها حتى يدخل وقت العصر قال : تصلّي العصر وحدها فإن ضيقت (ضيّعت) فعليها صلاتان .
والظاهر انّ المراد بوقت العصر هو الوقت الاختصاصي للعصر والمراد انّه إذا اشتغلت في شأنها من دون توان وتضييق فدخل وقت العصر فلا يجب عليها إلاّ صلاة العصر لا اداءً ولا قضاءً ، وعليه فالمراد برؤية الطهر عند الظهر هي رؤيتها قبل ذلك الوقت المختص لا أوّل الظهر والمراد بقوله : فإن ضيّقت انّه إن كانت هي الموجبة لثبوت الضيق بمعنى انّه كان الضيق مستنداً إليها لا إلى قصور الوقت فيجب عليها في الصورة المفروضة صلاتان إحداهما اداء صلاة العصر والاُخرى قضاء
( الصفحه 253 )
صلاة الظهر وهكذا لو كانت الكلمة : «ضيّعت» وليس المراد بالتضييع هو تضييع صلاة العصر الواجبة فقط; لأنّه لا يقتضي وجوب صلاتين بعنوان القضاء فالفاء في قوله : «فإن» تفريع على أصل المسألة وبيان لصورة اُخرى لها لا على إيجاب صلاة العصر وحدها فتدبّر .
وكيف كان فالظاهر من الرواية أيضاً انّ اشتغالها في شأنها الذي هو كناية عن الغسل ومقدّماته إنّما هو مع عدم العلم والالتفات إلى اقتضائه لخروج وقت صلاة الظهر واستفادة الإطلاق منها مشكلة جدّاً .
وقد تحصّل ممّا ذكرنا انّ مستند الأصحاب لابدّ وأن يكون امّا ثبوت الإطلاق لهذه الطائفة ، وامّا استفادة الملاك من الطائفة الاُولى كما مرّ وعلى تقدير المناقشة في كليهما لا يبقى لهم دليل في ذلك ، بل مقتضى القاعدة لزوم الصلاتين مع الطهارة الترابية لو لم يكن الوقت متسعاً إلاّ له . ثمّ إنّه بملاحظة ما ذكر هنا وفي المباحث المتقدّمة يظهر وجه سائر الفروض المذكورة في المتن في هذا المقام ولا حاجة إلى التفصيل .