( الصفحه 278 )
اعتبار أمر خال عن التعليق ويرد عليه ـ حينئذ ـ ما ذكر من كونه مخالفاً للإجماع والضرورة كما مرّ فانقدح انّه لا يصحّ الالتزام بالشرطية في المقام .
الجهة الثالثة : في أنّه على تقدير إمكان الالتزام بالشرطية أيضاً فهل يمكن الجمع بينها وبين المانعية كما عرفت الالتزام به من صاحب الجواهر (قدس سره) أوّلاً والظاهر هو الثاني ، امّا أوّلاً فلأنّ رتبة الشرط إنّما تكون متقدّمة على رتبة المانع لأنّ الشرط له دخل في تأثير المقتضى والسبب والمانع ما يمنع ويحول بين المقتضى وأثره ففي مورد عدم تحقّق المقتضى ـ بالفتح ـ مع وجود المقتضي ـ بالكسر ـ بلاحظ أوّلاً انّ الشرط هل يكون موجوداً فإذا لم يكن موجوداً يكون العدم مستنداً إلى عدم تحقّق الشرط وإذا كان موجوداً تصل النوبة إلى وجود المانع واستناد العدم إليه فاستناد العدم إلى عدم الشرط ووجود المانع ليس في رتبة واحدة ، وعليه فمع فرض كون الاعتبار في المقام بنحو الشرطية ولازمه انتفاء المشروط مع انتفاء الشرط لا تصل النوبة إلى استناد العدم إلى وجود المانع أصلاً فجعل المانعية لا يترتّب عليه فائدة بوجه .
وامّا ثانياً فلأنّه على تقدير اتحاد الرتبة وعدم ثبوت التقدّم والتأخّر لا معنى أيضاً للجمع بين الاعتبارين لاستلزامه اللغوية وعدم ترتّب الأثر لأنّه مع أحد الاعتبارين يتحقّق ما هو المقصود في البين ولا يبقى حاجة إلى الاعتبار الآخر وتشريعه فالجمع بين الشرطية المانعية ممّا لا سبيل إليه .
الجهة الرابعة : في أنّه بعد عدم إمكان الجمع بين الشرطية والمانعية ولزوم الالتزام بأحد الاعتبارين لابدّ من ملاحظة انّ الروايات الواردة هل يكون ظهورها في المانعية أقوى أو العكس أو لا تكون اقوائية في البين والظاهر بعد ملاحظة ما عرفت هو الأوّل لأنّه ظهر لك انّ ظهور الروايات في المانعية غير قابل
( الصفحه 279 )
للإنكار ، وامّا ظهورها في الشرطية فقابل للمناقشة بل المنع وبذلك تصير أدلّة المانعية أظهر من أدلّة الشرطية ولابدّ من الالتزام بالمانعية .
الجهة الخامسة : في أنّه بعد ثبوت المانعية لابدّ من ملاحظة انّ أدلّتها هل تكون ظاهرة في المانعية الواقعية مطلقاً من دون أن تكون مقيّدة بصورة العلم بالمانع وكون الشيء من أجزاء غير المأكول أو انّها تكون مقيّدة بذلك وقد ذكرنا في بعض المقدّمات انّ البحث المعروف في اللباس المشكوك إنّما يبتني على كون المانعية على تقديرها ثابتة بوصف الإطلاق لما مرّ من أنّ النزاع فيه إنّما هو في الحكم الظاهري وانّه هل هو الجواز أو العدم بعد الفراغ عن ثبوت الحكم الواقعي مطلقاً إلاّ انّه حيث يظهر من جماعة منهم المحقّق القمي والفاضل النراقي إنكار المانعية المطلقة واختصاصها واقعاً بصورة العلم لابدّ لنا من البحث في هذه الجهة أيضاً فنقول : عمدة الوجوه التي استند إليها لهذا القول ثلاثة :
الأوّل : ما عن المحقّق القمي (قدس سره) من انّ الأدلّة الدالّة على مانعية غير المأكول وإن لم تكن مقيّدة بصورة العلم من جهة دعوى الوضع أو الانصراف إلاّ انّ المستفاد من صحيحة عبد الرحمن الدالّة على عدم لزوم الإعادة على من صلّى في أجزاء غير المأكول جهلاً هو اختصاص المانعية بصورة العلم لعدم إمكان اجتماع المانعية المطلقة والاجزاء والصحّة في صورة الجهل فالصحيحة تقيد دائرة المانعية بغير صورة الاجزاء وتصير النتيجة اختصاصها بصورة العلم وهو المدعى .
أقول : مراده من الصحيحة ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبدالله قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يصلّي وفي ثوبه عذرة من إنسان أو سنور أو كلب ، أيعيد صلاته؟ قال : إن كان لم يعلم فلا يعيد .
وتقريب دلالتها انّ محطّ السؤال وإن كان هي حيثية النجاسة الثابتة في العذرة
( الصفحه 280 )
المشتركة بين عذرات الإنسان والسنور والكلب لا حيثية غير المأكولية الثابتة في الأخيرين فقط لما عرفت من خروج الإنسان عن أدلّة مانعية غير المأكول نصاً وانصرافاً إلاّ انّه بعد ملاحظة أمرين يستفاد من الصحيحة حكم الحيثية الثانية أيضاً; الأوّل كون السؤال بلحاظ التعبير بالإعادة ظاهراً في أنّ المفروض وقوع صلاة في الخارج في شيء من العذرات المذكورة في الصحيحة ومن المعلوم انّ الصلاة الخارجية الواقعة في عذرة واحد من الأخيرين يكون الخلل فيها من كلتا الحيثيتين . الثاني : انّ الجواب دالّ على عدم وجوب الإعادة في صورة الجهل وعدم العلم والظاهرانّ الحكم بعدم الوجوب مرجعه إلى صحّة الصلاة الخارجية التي يكون الخلل فيها من جهتين وإن كان الخلل من إحداهما لا يكون مورداً لنظر السائل أصلاً لكنّه لا يستلزم عدم دلالة الرواية على حكم كلتيهما . نعم لو كان الجواب دالاًّ على وجوب الإعادة لا يستفاد من الرواية مدخلية كلتا الجهتين في إيجابها ، بل يمكن أن يقال بظهور مدخلية الحيثية التي هي مورد لنظر السائل ، وامّا الحكم بعدم الوجوب الراجع إلى الاجتزاء بالصلاة الواقعة في الخارج المتّصفة بما ذكر من الخلل من جهتين فلا يكاد يتمّ إلاّ على تقدير عدم كون شيء منهما مؤثِّراً في وجوب الإعادة كما لا يخفى .
ويرد على هذا الوجه انّه لا دلالة للصحيحة على ثبوت المانعية مع الجهل الذي هو مورد البحث في اللباس المشكوك; لأنّ موردها امّا الجهل المركّب أو الجهل البسيط مع الغفلة أو كليهما والتقييد بالغفلة إنّما هو لكون السؤال إنّما هو عن حكم الإعادة وجوباً ومن الظاهر انّ السؤال مع الالتفات لابدّ وأن يكون عن جواز الدخول في الصلاة ومشروعيته فالسؤال عن الإعادة ظاهر في الغفلة فلا دلالة للرواية على عدم المانعية في المقام والحكم بعدم الإعادة في مورد الرواية لا يلازم
( الصفحه 281 )
عدم المانعية الواقعية فيه أيضاً وتحقيق هذه الجهة موكول إلى البحث عن حديث لا تعاد المعروف .
وبالجملة فالصحيحة أجنبية عن المقام بعد وضوح انّه لا مجال للتعدّي عن موردها إلى مثله فهذا الوجه غير تامّ .
الثاني : ما عنه (قدس سره) أيضاً من دعوى الفرق بين ما إذا استفيدت المانعية من لسان الوضع وبين ما إذا استفيدت من لسان التكليف وانّه يختص الثاني بصورة العلم والأوّل يعمّ صورة الجهل أيضاً ومنشأ هذا التفصيل ما أفاده استاده ـ استاد الكلّ ـ الوحيد البهبهاني (قدس سره) في مسألة القدرة التي هي إحدى الشرائط العامّة فقال : كلّ جزء استفيدت جزئيته من خطاب الوضع مثل : لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب فهو جزء مطلقاً من غير اختصاص بحال التمكّن ولازمه سقوط وجوب الكلّ بالعجز عن إتيانه ، وكلّ جزء استفيدت جزئيته من خطاب تكليفي غيري فجزئيته مختصّة بحال القدرة لكونها من الشرائط العامّة ولازمه عدم سقوط وجوب الكلّ بالعجز عن إتيانه وقد قاس تلميذه العلم بالقدرة لكونه أيضاً من الشرائط العامّة ومقتضاه عدم ثبوت المانعية في المقام في صورة الشكّ والجهل واقعاً لاستفادتها من لسان التكليف .
ويرد عليه أوّلاً انّه لو سلّم ما أفاده من ثبوت الفرق في المقام نقول انّ المانعية فيه قد اُستفيدت من لسان الوضع لأنّ قوله (عليه السلام) في موثقة ابن بكير المتقدّمة : إنّ الصلاة في وبر كلّ شيء حرام أكله فالصلاة في وبره . . . وكلّ شيء منه فاسد . . . ظاهر بل صريح في خطاب الوضع ودعوى وجود خطاب التكليف أيضاً مثل قوله (صلى الله عليه وآله)لعليّ (عليه السلام) في بعض الروايات المتقدّمة : لا تصلِّ في جلد ما لا يشرب لبنه ولا يؤكل لحمه مدفوعة بعدم المنافاة بين الخطابين ولا مجال لحمل الأوّل على الثاني فإنّ
( الصفحه 282 )
خطاب التكليف لا دلالة له على الانحصار غايته عدم الدلالة على التعميم وهو لا ينافي ما يدلّ عليه كما هو ظاهر ، وعليه فالمانعية في المقام لا تختص بصورة العلم .
وثانياً : انّ قياس العلم في المقام بالقدرة غير صحيح; لأنّ العلم الذي يكون مثل القدرة من الشرائط العامّة للتكليف هو العلم بأصل التكليف لا العلم بالمكلّف به الذي هو ثبوت المانع فيما نحن فيه وانّ اللباس من أجزاء غير المأكول وقد وقع الخلط بين العلمين .
وامّا ما أفاده استاده فهو أيضاً مخدوش لعدم كون القدرة شرطاً لمطلق التكليف ، بل العجز يكون عذراً للمخالفة وعدم كون الخطاب التكليفي في المقام دالاًّ على التكليف لكونه إرشاداً إلى المانعية ، كما انّ في الأوامر تكون إرشاداً إلى الجزئية أو الشرطية وعدم كون التكليف الغيري مشروطاً بالقدرة على خصوص متعلّقه بعد عدم استقلال متعلّقه فتدبّر .
الثالث : ما عن الفاضل النراقي (قدس سره) من دعوى اختصاص الحرام الذي لا تجوز الصلاة في أجزائه بالمعلوم .
واُجيب عنه بأنّه إن كان وجه الاختصاص هو دعوى وضع الألفاظ للمعاني المعلومة أو انصرافها إليها فهو واضح الفساد ، وإن كان دعوى ظهور الحرام في الحرمة المنجزة التي تتوقّف على العلم ففيه انّه خلاف الظاهر إذ الظاهر من الموثقة هو ابتناء الفساد واقعاً على الحرام الواقعي لأنّها مسوقة لبيان الحكم الواقعي الوضعي ، مع أنّه إنّما يتمّ فيما إذا كان المشتبه هو الحيوان الخارجي الذي لم يعلم انّه من الحلال أو الحرام لا في المقام الذي علم بحرمة حيوان معيّن كالأرنب وحلّية آخر كالشاة والشكّ في وبر معيّن انّه من الأرنب أو الشاة لثبوت العلم والتنجّز فيه كما هو واضح .