( الصفحه 280 )
المشتركة بين عذرات الإنسان والسنور والكلب لا حيثية غير المأكولية الثابتة في الأخيرين فقط لما عرفت من خروج الإنسان عن أدلّة مانعية غير المأكول نصاً وانصرافاً إلاّ انّه بعد ملاحظة أمرين يستفاد من الصحيحة حكم الحيثية الثانية أيضاً; الأوّل كون السؤال بلحاظ التعبير بالإعادة ظاهراً في أنّ المفروض وقوع صلاة في الخارج في شيء من العذرات المذكورة في الصحيحة ومن المعلوم انّ الصلاة الخارجية الواقعة في عذرة واحد من الأخيرين يكون الخلل فيها من كلتا الحيثيتين . الثاني : انّ الجواب دالّ على عدم وجوب الإعادة في صورة الجهل وعدم العلم والظاهرانّ الحكم بعدم الوجوب مرجعه إلى صحّة الصلاة الخارجية التي يكون الخلل فيها من جهتين وإن كان الخلل من إحداهما لا يكون مورداً لنظر السائل أصلاً لكنّه لا يستلزم عدم دلالة الرواية على حكم كلتيهما . نعم لو كان الجواب دالاًّ على وجوب الإعادة لا يستفاد من الرواية مدخلية كلتا الجهتين في إيجابها ، بل يمكن أن يقال بظهور مدخلية الحيثية التي هي مورد لنظر السائل ، وامّا الحكم بعدم الوجوب الراجع إلى الاجتزاء بالصلاة الواقعة في الخارج المتّصفة بما ذكر من الخلل من جهتين فلا يكاد يتمّ إلاّ على تقدير عدم كون شيء منهما مؤثِّراً في وجوب الإعادة كما لا يخفى .
ويرد على هذا الوجه انّه لا دلالة للصحيحة على ثبوت المانعية مع الجهل الذي هو مورد البحث في اللباس المشكوك; لأنّ موردها امّا الجهل المركّب أو الجهل البسيط مع الغفلة أو كليهما والتقييد بالغفلة إنّما هو لكون السؤال إنّما هو عن حكم الإعادة وجوباً ومن الظاهر انّ السؤال مع الالتفات لابدّ وأن يكون عن جواز الدخول في الصلاة ومشروعيته فالسؤال عن الإعادة ظاهر في الغفلة فلا دلالة للرواية على عدم المانعية في المقام والحكم بعدم الإعادة في مورد الرواية لا يلازم
( الصفحه 281 )
عدم المانعية الواقعية فيه أيضاً وتحقيق هذه الجهة موكول إلى البحث عن حديث لا تعاد المعروف .
وبالجملة فالصحيحة أجنبية عن المقام بعد وضوح انّه لا مجال للتعدّي عن موردها إلى مثله فهذا الوجه غير تامّ .
الثاني : ما عنه (قدس سره) أيضاً من دعوى الفرق بين ما إذا استفيدت المانعية من لسان الوضع وبين ما إذا استفيدت من لسان التكليف وانّه يختص الثاني بصورة العلم والأوّل يعمّ صورة الجهل أيضاً ومنشأ هذا التفصيل ما أفاده استاده ـ استاد الكلّ ـ الوحيد البهبهاني (قدس سره) في مسألة القدرة التي هي إحدى الشرائط العامّة فقال : كلّ جزء استفيدت جزئيته من خطاب الوضع مثل : لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب فهو جزء مطلقاً من غير اختصاص بحال التمكّن ولازمه سقوط وجوب الكلّ بالعجز عن إتيانه ، وكلّ جزء استفيدت جزئيته من خطاب تكليفي غيري فجزئيته مختصّة بحال القدرة لكونها من الشرائط العامّة ولازمه عدم سقوط وجوب الكلّ بالعجز عن إتيانه وقد قاس تلميذه العلم بالقدرة لكونه أيضاً من الشرائط العامّة ومقتضاه عدم ثبوت المانعية في المقام في صورة الشكّ والجهل واقعاً لاستفادتها من لسان التكليف .
ويرد عليه أوّلاً انّه لو سلّم ما أفاده من ثبوت الفرق في المقام نقول انّ المانعية فيه قد اُستفيدت من لسان الوضع لأنّ قوله (عليه السلام) في موثقة ابن بكير المتقدّمة : إنّ الصلاة في وبر كلّ شيء حرام أكله فالصلاة في وبره . . . وكلّ شيء منه فاسد . . . ظاهر بل صريح في خطاب الوضع ودعوى وجود خطاب التكليف أيضاً مثل قوله (صلى الله عليه وآله)لعليّ (عليه السلام) في بعض الروايات المتقدّمة : لا تصلِّ في جلد ما لا يشرب لبنه ولا يؤكل لحمه مدفوعة بعدم المنافاة بين الخطابين ولا مجال لحمل الأوّل على الثاني فإنّ
( الصفحه 282 )
خطاب التكليف لا دلالة له على الانحصار غايته عدم الدلالة على التعميم وهو لا ينافي ما يدلّ عليه كما هو ظاهر ، وعليه فالمانعية في المقام لا تختص بصورة العلم .
وثانياً : انّ قياس العلم في المقام بالقدرة غير صحيح; لأنّ العلم الذي يكون مثل القدرة من الشرائط العامّة للتكليف هو العلم بأصل التكليف لا العلم بالمكلّف به الذي هو ثبوت المانع فيما نحن فيه وانّ اللباس من أجزاء غير المأكول وقد وقع الخلط بين العلمين .
وامّا ما أفاده استاده فهو أيضاً مخدوش لعدم كون القدرة شرطاً لمطلق التكليف ، بل العجز يكون عذراً للمخالفة وعدم كون الخطاب التكليفي في المقام دالاًّ على التكليف لكونه إرشاداً إلى المانعية ، كما انّ في الأوامر تكون إرشاداً إلى الجزئية أو الشرطية وعدم كون التكليف الغيري مشروطاً بالقدرة على خصوص متعلّقه بعد عدم استقلال متعلّقه فتدبّر .
الثالث : ما عن الفاضل النراقي (قدس سره) من دعوى اختصاص الحرام الذي لا تجوز الصلاة في أجزائه بالمعلوم .
واُجيب عنه بأنّه إن كان وجه الاختصاص هو دعوى وضع الألفاظ للمعاني المعلومة أو انصرافها إليها فهو واضح الفساد ، وإن كان دعوى ظهور الحرام في الحرمة المنجزة التي تتوقّف على العلم ففيه انّه خلاف الظاهر إذ الظاهر من الموثقة هو ابتناء الفساد واقعاً على الحرام الواقعي لأنّها مسوقة لبيان الحكم الواقعي الوضعي ، مع أنّه إنّما يتمّ فيما إذا كان المشتبه هو الحيوان الخارجي الذي لم يعلم انّه من الحلال أو الحرام لا في المقام الذي علم بحرمة حيوان معيّن كالأرنب وحلّية آخر كالشاة والشكّ في وبر معيّن انّه من الأرنب أو الشاة لثبوت العلم والتنجّز فيه كما هو واضح .
( الصفحه 283 )
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا في هذه الجهة عدم مدخلية العلم في ثبوت المانعية الواقعية وانّ الحكم بالجواز في اللباس المشكوك على تقديره حكم ظاهري ثابت في مورد الشبهة .
الجهة السادسة : انّه قد عرفت من الجواهر انّ المسألة مبتنية على القول بالشرطية والمانعية وانّ الجواز متفرّع على الثاني والعدم على الأوّل ونحن نقول امّا القول بالشرطية .
فإن كان المراد به هي الشرطية المنجزة المعيّنة بأن كان من شرائط لباس المصلّي أن يكون من أجزاء الحيوان الذي يحلّ أكل لحمه وهو الذي قد عرفت قيام الإجماع والضرورة على خلافه فاللاّزم هو الاحتياط ولزوم إحراز تحقّق الشرط كسائر الشرائط التي تكون كذلك .
وإن كان المراد به هي الشرطية المعلّقة بأن كان من شرائط اللباس إذا كان حيواناً أن يكون مأكول اللحم كما حكى عن منظومة الطباطبائي ومن تبعه فإن كانت الجزئية للحيوان معلومة والمأكولية مشكوكة فاللاّزم هو الاحتياط أيضاً لأنّه بعد ثبوت المعلّق عليه لابدّ من إحراز تحقّق الشرط المعلّق عليه وإن لم تكن الجزئية للحيوان معلومة بل احتمل كونه من القطن أو الكتّان تجري اصالة البراءة لأنّه بعد عدم ثبوت المعلّق عليه يشكّ في ثبوت الشرطية والأصل المذكور ينفيها وهذا هو الوجه في التفصيل الذي نقلناه آخر الأقوال .
وإن كان المراد به هي الشرطية التخييرية بأن كان الشرط امّا كون اللباس من أجزاء غير الحيوان وامّا كونه من أجزاء الحيوان الذي يحلّ أكل لحمه فاللاّزم هو الاحتياط للزوم إحراز أحد الطرفين وعدم جواز الاكتفاء بمجرّد الاحتمال كما هو ظاهر .
( الصفحه 284 )
وامّا القول بالمانعية فربّما يقال : بأنّه لو كان موضوع المانعية ملحوظاً بنحو الطبيعة السارية بحيث يكون كلّ جزء من أجزاء كلّ حيوان لا يؤكل لحمه مانعاً مستقلاًّ في قبال غيره من الأجزاء وغيره من الحيوانات الاُخر التي تكون كذلك فالمرجع هي اصالة البراءة لانحلال التكليف فيه إلى تكاليف عديدة حسب تعدّد أفراد الحيوان الذي يحرم أكل لحمه وأجزاء كلّ فرد ، ومن المعلوم انّ تعلّقه في المقام مشكوك فتجري البراءة ، وامّا لو كان موضوع المانعية ملحوظاً بنحو صرف الوجود فلا يكون شكّ في المانعية لأنّ جعل مانعية واحدة لصرف الوجود الصادق على القليل والكثير معلوم والشكّ إنّما هو في انطباق المانع عليه فلا مجال لأصل البراءة لاختصاص مجراه بالشكّ في التكليف وهو مفقود ولا مجال لأن يقال إنّ عدم صرف الوجود من غير المأكول الذي تقيّدت به الصلاة عبارة عن اعدام متعدّدة بعدد وجودات خاصّة لعنوان غير المأكول وما هو معلوم كونه مصداقاً لغير المأكول يعلم اعتبار عدمه في الصلاة والمشكوك لا يعلم اعتباره فيكون من مصاديق تردّد الأمر بين الأقلّ المتيقّن والأكثر المشكوك .
وذلك لما عرفت من أنّ الشكّ في هذا الفرض إنّما هو في انطباق المكلّف به على الخارج ومجرى البراءة ما إذا كان الشكّ في أصل التكليف .
هذا والظاهر انّ المانعية في المقام إنّما كان موضوعها ملحوظاً بالنحو الأوّل لأنّ الظاهر من النواهي المتعلّقة بالعناوين التي لها أفراد في الخارج تعلّقها بها على نحو السريان الاستغراقي بمعنى كون كلّ جزئي خارجي يصدق عليه عنوان المنهي عنه مورداً للنهي استقلالاً من دون فرق بين النواهي النفسية والغيرية فكما انّ معنى لا تشرب الخمر يرجع إلى استقلال كلّ خمر في تعلّق النهي بشربه لقيام المفسدة الباعثة عليه به فكذلك معنى لا تصلِّ في جلد ما لا يؤكل لحمه يرجع إلى استقلال