( الصفحه 31 )
ومورداً لاعتماد مثل الكشي; لأنّ اعتماد المشايخ المتقدّمين على النقل وأخذ الروايات عنهم والتلمذ عندهم يزيد على قول النجاشي وأضرابه : فلان ثقة . وقد نقل في الحدائق عن العلاّمة في المختلف انّه عندما ذكر حديث الافطار على محرم وانّ الواجب فيه كفّارة واحدة أو ثلاث لم يذكر التوقّف في صحّة الحديث إلاّ من حيث عبد الواحد بن عبدوس وقال : إنّه كان ثقة والحديث صحيح . وهذا يدلّ على توثيقه لعلي بن محمد بن قتيبة ، وقد حكي عن العلاّمة أيضاً انّه صحّح حديثه في ترجمة يونس بن عبد الرحمن .
ولكن شيء من ذلك لا يثبت وثاقته فإنّ اعتماد الكشي لا دليل على وثاقته فقد اعتمد على نصر الغالي أيضاً ، لكن قد يقال : بأنّه يمكن استفادة وثاقته من قول الكشي في (إبراهيم بن عبدة) : حكى بعض الثقات بنيسابور انّه خرج لإسحاق بن إسماعيل من أبي محمّد (عليه السلام) ، بأن يكون هو مراده من بعض الثقات . ويدفعه مضافاً إلى أنّه ليس في نسخة الكشي المطبوعة عندي كلمة بنيسابور انّه على تقديره لا دليل على كونه هو المراد من بعض الثقات .
وامّا كونه من المشايخ وأخذ المتقدّمين الروايات عنه فهو لا دلالة له أيضاً على التوثيق فقد حكى انّ من مشايخ الصدوق من هو ناصب زنديق بحيث لم ير أنصب منه وأبلغ من نصبه لأنّه كان يقول : اللهمّ صلِّ على محمّد فرداً ويمتنع من الصلاة على آله .
وامّا تصحيح العلاّمة فقد نوقش فيه من وجهين : الأوّل انّه يظهر من التتبّع في كلماته انّه (قدس سره) يصحّح رواية كلّ شيعي لم يرد فيه قدح ولا يعتمد على رواية غير الشيعي وإن كان موثقاً فتصحيحه أعمّ من التوثيق ، بل غايته تصديق تشيّعه وانّه لم يرد فيه قدح .
( الصفحه 32 )
الثاني : انّ توثيقه وتوثيقات مثله من معاصريه أو المتأخّرين عنه حيث لا يكون إلاّ شهادة حدسية منشأها ملاحظة القرائن والأمارات من دون أن يكون متّصلاً سنداً إلى من يشهد بوثاقته بشهادة حسيّة لا ينبغي الاعتماد عليه لطول الفصل ومضي الأزمنة والقرون ووضح عدم اعتبار الشهادة عن غير حسّ .
وامّا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس فقد ذكر المامقاني في رجاله انّ في الرجل أقوالاً : أحدها انّه ثقة وهو خيرة التحرير والمسالك وبعض آخر ، ثانيها انّه حسن وهو المحكي عن المجلسي الثاني في غير الوجيزة ، ثالثها انّه مجهول وهو الذي بنى عليه المحقّق حيث ترك العمل بروايته لأنّه مجهول الحال ومثله العلاّمة في المختلف .
ومع هذا الوصف كيف يمكن الاعتماد على روايته والأخذ بحديثه .
ومنها : رواية الحلبي قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) : هل قبل العشاء الآخرة وبعدها شيء؟ قال : لا غير انّي اُصلّي بعدها ركعتين ولست أحسبهما من صلاة الليل . نظراً إلى أنّ المستفاد منها انّها نافلة مستقلّة ولها نحو ارتباط بنافلة الليل ولذا أجاب الإمام (عليه السلام) بلا ، ومع استقلالها لا يشملها الأخبار الدالّة على سقوط نافلة الصلاة المقصورة .
وأورد على هذا الاستدلال بعض الأعلام بأنّ الظاهر انّ المراد من الركعتين فيها هما الركعتان اللّتان تؤتى بها عن قيام وهما مستحبّان مستقلّتان زائدة على النوافل المرتّبة وذلك بقرينة قوله : ولست أحسبهما من صلاة الليل فإن ما يمكن أن يتوهّم كونه من صلاة الليل إنّما هو تلك الصلاة التي يؤتى بها قائماً دون الوتيرة التي تصلّي جالساً فإنّها لم يتوهّم أحد كونها من صلاة الليل بوجه خصوصاً مع كون الراوي هو الحلبي الذي لا يخفى عليه مثل ذلك .
ويدفعه ـ مضافاً إلى ما عرفت من عدم معهودية صلاة فيما بين العشاء ونافلتها ـ
( الصفحه 33 )
انّه بناءً على ما أفاده تكون نافلة العشاء أقرب إلى صلاة الليل من تلك الصلاة التي يؤتى بها قبلها ومجرّد الاختلاف في القيام والجلوس لا يوجب أقربية ما يؤتى به أولاً كما هو ظاهر .
والجواب عن أصل الاستدلال بعد ملاحظة إطلاق محطّ السؤال وعدم كون النظر إلى حال السفر انّ قوله : ولست أحسبهما من صلاة الليل لا دلالة له على استقلال الركعتين ، كما انّ قوله (عليه السلام) : «لا» لا ينفي طرفي السؤال بحيث يصير قرينة على نفي ارتباط الركعتين بالعشاء ، بل الظاهر انّ المراد من النفي هو النفي بلحاظ كون نافلة العشاء مزيدة في النوافل لتتمّ بهما الواحدة والخمسون ، كما انّ عدم الاحتساب من صلاة الليل إنّما هو لدفع توهّم كون وقوعها بعد العشاء قرينة لكونها من صلاة الليل كنافلة الصبح التي عدّت منها في بعض الروايات المتقدّمة ، وعلى كلّ حال فلا دلالة للرواية على عدم السقوط ، بل لا ارتباط لها بالمقام لو لم نقل بكون مقتضى إطلاقها بعد التقييد بالروايات الدالّة على السقوط هو السقوط فتدبّر .
ومنها : الروايات الكثيرة الدالّة على أنّ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبيتنّ إلاّ بوتر . وتقريب الاستدلال بها من وجهين بعد ظهور كون المراد بالوتر فيها هي الوتيرة ونافلة العشاء لتفسيرها بذلك في رواية أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبيتنّ إلاّ بوتر قال : قلت : تعني الركعتين بعد العشاء الآخرة؟ قال : نعم إنّهما بركعة فمن صلاّهما (ها) ثم حدث به حدث مات على وتر . . .
الأوّل : انّ التعبير بكون الإتيان بها وعدم تركها من شؤون الايمان بالله واليوم الآخر لا يلائم مع الاختصاص بوقت دون وقت ولا يجتمع مع السقوط في السفر
( الصفحه 34 )
كما لايخفى .
الثاني : انّ النسبة بين هذه الروايات الدالة بإطلاقها على ثبوت الوتيرة في السفر أيضاً وبين الروايات الواردة في سقوط نافلة الصلاة المقصورة الشاملة بإطلاقها لصلاة العشاء هي العموم من وجه والمرجع في مادّة الاجتماع وهي الوتيرة في السفر هي الروايات الواردة في أصل مشروعية الوتيرة وفي تعداد النوافل وانّها أربع وثلاثون .
وأورد على الاستدلال بها بعد تضعيف رواية أبي بصير الشارحة لها لوقوع عدّة مجاهيل في سندها بالمعنى الأعمّ من المهمل بأنّ الأخبار المذكورة إنّما وردت في الوتر لا في الوتيرة فإنّ معنى البيتوتة إنهاء الليل إلى طلوع الفجر ومعنى الروايات انّ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر لا يطلع عليه الفجر إلاّ بوتر ، مع أنّ نافلة العشاء لم تسم بالوتيرة في شيء من الروايات وإنّما الفقهاء سمّوها بالوتيرة فلا يمكن الاستدلال بها على أصل استحبابها فضلاً عن عدم سقوطها في السفر .
والجواب عن هذا الإيراد ما أفاده المورد نفسه في مسألة وقت نافلة العشاء ممّا حاصله انّ المستفاد من هذه الروايات إن أخّر وقت الوتيرة صدق البيتوتة والغالب فيها وقوعها قبل الانتصاف; لأنّ أغلب الناس إنّما يبدؤون بالمنام قبل الانتصاف وهذه الروايات وإن كانت مطلقة غير مقيّدة بكونها بعده أو قبله إلاّ انّها لا تقبل الحمل على البيتوتة بعد الانتصاف لأنّها قليلة نادرة فتدلّ الروايات المذكورة على أنّ آخر وقت الوتيرة هو انتصاف الليل وغسقه .
وأقول : ظاهر الروايات هو وقوع البيتوتة متأخّرة عن الوتر بحيث كان شروعها بعد الإتيان بها وهذا لا يلائم مع كون المراد بها غير نافلة العشاء; لأنّ صلاة الوتر التي هي جزء صلاة الليل يكون أفضل أوقاتها السحر وأفضل منه
( الصفحه 35 )
القريب إلى الفجر وعليه فمن راعى هذه الجهة وأتى بصلاة الوتر في آخر أجزاء الليل هل يصدق عليه انّه بات بوتر أو على وتر؟ الظاهر العدم وهذه قرينة على أنّ المراد بالوتر في هذه الروايات هي الوتيرة وإن قلنا بضعف رواية أبي بصير الشارحة لها والمفسِّرة إيّاها فهذه الروايات بنفسها ظاهرة في نافلة العشاء .
وامّا ما أورد على الاستدلال بها ثانياً من منع المعارضة وكون الروايات الدالّة على أنّه لا شيء قبل الركعتين ولا بعدهما مؤيّدة بما دلّ على أنّ النافلة لو صلحت في السفر تمّت الفريضة حاكمة على هذه الروايات لكونها ناظرة إليها فتتقدّم عليها .
فالجواب عنه منع ذلك لعدم تمامية الحكومة ، بل يمكن أن يقال بالعكس وانّ هذه الروايات تكون حاكمة عليها ناظرة إليها لدلالتها على اختصاص تلك الروايات بغير نافلة العشاء التي لا يبيت بدونها من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فتدبّر .
ومنها ما استدلّ به بعض الأعلام من صحيحة فضيل بن يسار قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول في حديث . . . منها ركعتان بعد العتمة جالساً تعدّ بركعة مكان الوتر . . . بتقريب انّ الوتيرة لم تثبت كونها نافلة للعشاء ليقال إنّ نافلة الصلوات المقصورة ساقطة في السفر ، بل هي صلاة مستحبّة وإنّما شرعت للبدلية عن الوتر على تقدير عدم التوفق لإتيانها في وقتها فلا تشملها الأخبار المتقدّمة الدالّة على أنّه لا شيء قبل الركعتين ولا بعدهما .
ويرد عليه انّ التعبير الوارد في نافلة العشاء هو بعينه التعبير الوارد في سائر النوافل ، فكما انّ نافلة المغرب قد عبّر عنها في الروايات بأنّها ما يؤتى بها بعدها كذلك نافلة العشاء مع أنّ ثبوت الركعتين بعد العشاء من دون أن يكون لهما عنوان أصلاً بعيد جدّاً خصوصاً مع ثبوت العنوان لغيرها من جميع النوافل والفرائض