( الصفحه 41 )
كصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : صلّهما بعدما يطلع الفجر .
وصحيحة يعقوب بن سالم البزاز قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : صلّهما بعد الفجر ، واقرأ فيهما في الاُولى }قل يا أيّها الكافرون{ وفي الثانية }قل هو الله أحد{ .
ومرسلة إسحاق بن عمّار عمّن أخبره عنه (عليه السلام) قال : صلِّ الركعتين ما بينك وبين أن يكون الضوء حذاء رأسك فإن كان بعد ذلك فابدأ بالفجر . بناءً على أن يكون المراد بكون الضوء حذاء الرأس هو الاسفار ولكنّه ممنوع فإنّ المراد من ذلك هو الفجر الكاذب; لأنّه يطلع على شكل عمودي لا أفقي كما في الفجر الصادق .
الرابعة : ما تدلّ على التخيير في ركعتي الفجر بين الإتيان بهما قبل الفجر أو عنده أو بعده وهي روايات كثيرة جمعها في الوسائل في الباب الثاني والخمسين من أبواب المواقيت .
منها : صحيحة محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن ركعتي الفجر قال : صلّهما قبل الفجر ومع الفجر وبعد الفجر .
وهذه الطائفة الأخيرة شاهدة للجمع بين الطائفتين اللّتين قبلها بالحمل على التخيير لكونها نصّاً في ثبوت التخيير وهما ظاهرتان في تعين مفادهما من وجوب التقديم أو التأخير ، هذا مضافاً إلى أنّ الأمر في الطائفة الدالّة على التقديم غير ظاهر في الوجوب لوروده في مقام توهّم الحظر; لأنّ بناء العامّة كان على الإتيان بهما بعد الفجر وـ حينئذ ـ ربما يتوهّم من هذا البناء لزوم التأخير عنه فصارت هذه الطائفة بصدد دفع هذا التوهّم فلا دلالة لها على هذا التقدير على أزيد من مجرّد الجواز .
مع أنّ رواية أبي بصير تدلّ على أنّ الافتاء بالإتيان بهما بعد الفجر الظاهر في تعينه إنّما كان للتقية فالحكم الواقعي ـ حينئذ ـ عدم التعين وجواز الإتيان قبله
( الصفحه 42 )
أيضاً .
وربّما يقال في وجه الجمع بأنّ المراد من الفجر في الطائفة الدالّة على وجوب التقديم هو الفجر الصادق وفي الطائفة الدالّة على وجوب التأخير هو الفجر الكاذب .
ولكن يدفعه ـ مضافاً إلى أنّه لا شاهد على هذا الجمع ـ انّ المتبادر من الفجر في كلتا الطائفتين هو الفجر الصادق; لأنّ الفجر الكاذب كما سيأتي لا عبرة به حتّى عند علماء العامّة فهذا الوجه غير تامّ .
وذكر بعض الأعلام انّ الصحيحتين الدالّتين على التأخير لا تعارضان الطائفة الدالّة على التقديم ، امّا أوّلاً فلأنّ مرجع الضمير في قوله (عليه السلام) : «صلّهما» غير مذكور فيهما ولا هو معلوم بالقرينة فلا دلالة فيهما ولا في غيرهما على أنّ المراد بهما نافلة الفجر ومن المحتمل أن يكون المراد نفس الفريضة وإيرادهما في باب النافلة لا دلالة له إلاّ على فهم من أوردهما فيه كالشيخ وغيره من أرباب الكتب .
وامّا ثانياً فلأنّه على تقدير الرجوع إلى النافلة لا تنافي بينهما وبين الطائفة الاُخرى أيضاً لصراحة صحيحة زرارة المشتملة على قوله (عليه السلام) : «إذا دخل عليك وقت الفريضة فابدأ بالفريضة» في أنّ الإتيان بركعتي الفجر قبل الفجر أفضل كما انّ الأفضل بعد الفجر هو الإتيان بالفريضة ، وعليه فتحمل الطائفة الاُخرى على الرخصة وجواز الإتيان بها بعد الفجر لعدم صراحتها في وجوب ذلك وتعينه ، غاية الأمر ظهورهما في أنّ الإتيان بالركعتين بعد الفجر هو المحبوب للشارع ولا مناص من رفع اليد عن هذا الظهور بصراحة الصحيحة المتقدّمة .
ويرد عليه أوّلاً وضوح رجوع الضمير إلى ركعتي النافلة كوضوح كون المراد من ركعتي الفجر الذي وقع السؤال عنه في كثير من الروايات من دون التقييد
( الصفحه 43 )
بالنافلة هو ركعتي النافلة ويؤيّده تعيين قراءة سورة }قل يا أيّها الكافرون{ في الركعة الاُولى وسورة التوحيد في الثانية مع دلالة روايات متعدّدة على تعيين مثل ذلك في خصوص النافلة كقول الصادق (عليه السلام) في مرسلة الصدوق : صلِّ ركعتي الفجر قبل الفجر وعنده وبعده تقرأ في الاُولى الحمد وقل يا أيّها الكافرون وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد . مع وضوح كون وقت الفريضة بعد الفجر وعدم الحاجة إلى بيانه بخلاف وقت النافلة .
وثانياً : عدم ظهور دعوى الصراحة في إحدى الطائفتين والظهور في الاُخرى فكما انّ الروايات الدالّة على التأخير ليس لهما إلاّ ظهور في التعيّن ووجوب التأخير كذلك الطائفة الدالّة على التقديم من دون أن يكون لإحداهما مزية على الاُخرى أصلاً .
فانقدح انّه لا مناص عن الجمع بين الطائفتين بالحمل على التخيير لصراحة ما يدلّ عليه في ذلك وكونه شاهداً للجمع بلا إشكال .
نعم يقع الإشكال في تحديد القبلية وقد عرفت انّ الشهرة المحقّقة إنّما هي انّ أوّل وقتها طلوع الفجر الأوّل وقد ذكره الأصحاب في كتبهم المعدّة لنقل الفتاوى المأثورة عن العترة الطاهرة ـ صلوات الله عليهم ـ وصرّح سيّدنا العلاّمة الاستاذ البروجردي (قدس سره)بأنّ الذكر في تلك الكتب يكشف عن وجود نصّ معتبر غاية الأمر انّه لم يصل إلينا .
وكيف كان فالروايات التي بأيدينا التي تمكن استفادة التحديد منها ثلاثة :
الأوّل : رواية محمد بن مسلم المتقدّمة الواردة في الجواب عن السؤال عن أوّل وقت ركعتي الفجر الدالّة على التعيين بسدس الليل الباقي ودلالتها على مذهب المشهور تبتني على أن يكون المراد من الليل فيها هو مجموع ما بين غروب الشمس
( الصفحه 44 )
وطلوعها ، وعليه فيكون شروع سدسه قريباً من طلوع الفجر ومنطبقاً على الفجر الأوّل ولا يبعد دعوى كون المراد ذلك ولها شواهد كثيرة ليس هنا مجال ذكرها ولعلّه يأتي التنبيه عليها في الموضع المناسب .
ثانيتها : رواية أبي بكر الحضرمي قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) فقلت : متى اُصلّي ركعتي الفجر؟ فقال : حين يعترض الفجر وهو الذي تسمّيه العرب الصديع . فإنّ تعرّضه (عليه السلام) لتفسير الفجر مع انّ الفجر الصادق لا يفتقر إلى التفسير لأجل وضوح المراد منه دليل على أنّ مراده هو الفجر الأوّل خصوصاً مع أنّ الصديع بحسب أصل اللّغة بمعنى الانشقاق وهو ينطبق على الفجر الكاذب; لأنّه على شكل عمودي وخط واقع بين الظلمة يوجب انشقاقها .
ثالثتها : رواية إسحاق بن عمّار قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الركعتين اللّتين قبل الفجر قال : قبل الفجر ومعه وبعده ، قلت : فمتى أدعهما حتّى أقضيهما؟ قال : قال : إذا قال المؤذِّن : قد قامت الصلاة . بناء على أن يكون الصادر هي كلمة «قبيل» كما في نقل الرواية في الكتب الفقهية ، وامّا بناء على كون الصادر هي كلمة «قبل» كما في الطبع الجديد من الوسائل فلا دلالة لها على التحديد ولعلّ الترجيح مع النقل الأوّل لاشتمال السؤال على قبل الفجر ولو كان الصادر في مقام الجواب أيضاً كذلك لم يكن هناك حاجة إلى التكرار فتدبّر .
هذا كلّه مع ما عرفت من ظهور كلمة «القبل» في روايات التخيير مطلقاً الشاهدة للجمع في القبل القريب فينطبق على الفجر الأوّل وإن كان كلمة «البعد» الواقعة فيها أيضاً ليس لها ظهور في البعد القريب بهذا المقدار; لأنّ البعدية في النافلة أوسع من القبلية كما لا يخفى .
المقام الثاني : في وقت نافلة الصبح من حيث الامتداد والمشهور هو امتداد
( الصفحه 45 )
وقتها إلى أن تطلع الحمرة المشرقية ، وعن الشهيد (قدس سره)الميل إلى الامتداد إلى آخر وقت الفريضة والروايات في هذا المقام أربعة :
الاُولى : صحيحة علي بن يقطين قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل لا يصلّي الغداة حتى يسفر وتظهر الحمرة ، ولم يركع ركعتي الفجر أيركعهما أو يؤخّرهما؟ قال : يؤخّرهما ، بناءً على ظهورها في أنّ الأمر المتعلّق بركعتي الفجر قد انقطع بظهور الحمرة وإن استمراره إنّما كان إلى هذا الحدّ فحسب فلا يؤتى بهما بعده .
ويرد عليه انّه إن كان مراد المشهور من الامتداد إلى ذلك الوقت هي صيرورتهما قضاء بعد طلوع الحمرة كصيرورة الفريضة كذلك بعد طلوع الشمس فالصحيحة لا دلالة لها على ذلك; لأنّ عدم جواز مزاحمتهما مع الفريضة بعد طلوع الحمرة ولزوم تأخيرهما عنها لا دلالة له على صيرورتهما قضاء وخروج وقتهما بطلوع الحمرة ، نعم لو كان المراد من الامتداد إليه هو مزاحمتهما للفريضة قبله وعدمها بعده من دون أن تصيرا قضاءاً فالصحيحة دالّة عليه .
الثانية : رواية حسين بن أبي العلاء قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : الرجل يقوم وقد نور بالغداة قال : فليصل السجدتين اللّتين قبل الغداة ثمّ ليصلِّ الغداة . والظاهر انّ التنوّر بالغداة أعمّ من ظهور الحمرة ، والرواية تدلّ على مذهب الشهيد ولا تنطبق على مرام المشهور إلاّ على تقدير كون المراد بالامتداد هي المزاحمة بضميمة تقييد إطلاقها بصحيحة علي بن يقطين المتقدّمة الدالّة على عدم جواز المزاحمة بعد طلوع الحمرة المشرقية .
الثالثة : مرسلة إسحاق بن عمّار المتقدّمة الحاكية لقوله (عليه السلام) : صلِّ الركعتين ما بينك وبين أن يكون الضوء حذاء رأسك فإن كان بعد ذلك فابدأ بالفجر . بناء على أن يكون المراد بكون الضوء حذاء الرأس هو الفجر الكاذب كما عرفت ، ولكن