( الصفحه 423 )
عليه بعد انعقادهما صحيحة فالمانع هي الصلاة الصحيحة الواقعة كذلك من غير جهة المحاذاة لأنّ الفاسدة من غير تلك الجهة لا تنعقد من رأس حتّى تبطل بالمحاذاة .
ويرد عليه انّ ما أفاده من الانعقاد ثمّ البطلان خلاف ما يستفاد من ظاهر أخبار الباب لأنّ مدلولها عدم إمكان اجتماع صلاة الرجل والمرأة بحذاء الآخر مثلا ومرجعه إلى أنّهما لا تنعقدان من رأس فتدلّ على اعتبار أن لا يكون الرجل محاذياً للمرأة وهي تصلّي وكذا العكس .
والتحقيق انّ المقام مثل سائر الأخبار الواردة في بيان الشرائط والموانع وانّه لا فرق بينه وبين مثل قوله : لا تصلِّ في وبر ما لا يؤكل لحمه وقوله : لا تصلِّ في النجس ولا معنى لتخصيص الإشكال بالمقام فإنّه يجري مثله في سائر الموارد لأنّه يمكن أن يقال إنّ الصلاة المنهي عنها في وبر ما لا يؤكل لحمه إن كان المراد بها هي الصلاة الصحيحة فمن المعلوم انّه لا تجتمع الصحّة مع وقوعها في وبره وإن كان المراد بها هي الأعمّ فاللاّزم أن تكون الصلاة الفاسدة من بعض الجهات الاُخر منهياً عنها إذا وقعت في وبر ما لا يؤكل لحمه كما لا يخفى .
والحلّ بعد وضوح كون تلك الأوامر والنواهي للإرشاد إلى الشرطية والمانعية انّها تكون للإرشاد إلى أنّ العمل الذي يأتي به المكلّف بعنوان الإطاعة والامتثال للتكليف المتوجّه إليه لا يجدي في تحقّق هذا الغرض والوصول إلى هذا المقصود إذا كان خالياً عن المأمور به في هذه الروايات أو واجداً لما هو المنهي عنه فيها ، ومن المعلوم انّ العمل الكذائي يتّصف بالصحّة مع قطع النظر عن المكلّف به في هذه الأخبار ضرورة انّه بدونه لا يمكن أن يأتي به المكلّف بالعنوان المذكور فالصحّة الولائية مستفادة من هذا الطريق فتدبّر .
( الصفحه 424 )
ثالثها : انّه لا إشكال ـ بناء على القول بالبطلان ـ في بطلان صلاتهما إذا وجدت من كلّ منهما مقارنة لوجودها من الآخر لأنّه أمّا أن تكون صلاة كلّ واحد منهما صحيحة فهو خلاف مقتضى الأخبار المتقدّمة الدالّة على اعتبار عدم المحاذاة أو تقدّم المرأة على الرجل ودعوى عدم شمولها لصورة الاقتران مدفوعة جدّاً ، وامّا أن تكون باطلة فهو المطلوب ، وامّا أن تكون إحداهما صحيحة دون الاُخرى فالصحيحة وكذا الفاسدة إن كانت إحداهما لا على التعيين فهو غير معقول وقياس المقام بباب الواجب التخييري بناء على كون الوجوب متعلّقاً بأحدهما أو أحدها لا على سبيل التعيين غير صحيح لأنّ باب التكليف المتعلّق بالأمر الكلّي يغاير باب الصحّة والبطلان مع كونهما وصفين للفرد الخارجي لأنّ الصلاة الموجودة في الخارج امّا أن تكون صحيحة وامّا أن تكون فاسدة ولا يعقل أن يكون المتّصف بأحدهما هو الفرد غير المعيّن بحسب الواقع أيضاً كما هو ظاهر .
وإن كانت إحداهما معيّنة فالمفروض عدم ما يدلّ على التعيين ولا وجه له أصلا لكونه ترجيحاً بلا مرجّح لأنّ المفروض عدم ثبوت مزية لإحداهما على الاُخرى هذا كلّه مع الاقتران .
وامّا مع تقدّم أحدهما على الآخر في الشروع في الصلاة كما إذا شرع الرجل مثلا في الصلاة ثمّ شرعت المرأة في الصلاة بحذاه أو إلى أحد جانبيه فلا إشكال أيضاً في بطلان صلاة المتأخّر منهما لعدم كونها واجدة لشرطها من حين الشروع فيها .
وبعبارة اُخرى لا إشكال في شمول أخبار الباب لهذا الفرض أيضاً ومقتضى الشمول بطلان صلاة المتأخّر لا محالة وإن قلنا بصحّة صلاة المتقدّم إذ لا مجال لتوهّم العكس كما هو ظاهر فبطلان صلاة المتأخّر ـ بناء على القول بالبطلان ـ ممّا لا ريب فيه .
( الصفحه 425 )
إنّما الإشكال في بطلان صلاة المتقدّم أيضاً كما اختاره صاحب الجواهر (قدس سره)مستنداً إلى معلومية قاعدة انّ مانع صحّة الجميع مانع للبعض واستظهر ذلك من ذيل صحيحتي ابن مسلم وابن أبي يعفور وخبر أبي بصير بل بالغ في ذلك فقال : لعلّه يظهر من باقي النصوص أيضاً .
أقول : إن كان مراده من صحيحة ابن مسلم ما ورد فيها السؤال عن صحّة صلاة الرجل في زاوية الحجرة والحال انّ امرأته أو ابنته تصلّي في زاويتها الاُخرى فمورد السؤال فيها وإن كان فرض تأخّر صلاة الرجل عن صلاة المرأة كما يظهر بعد التدبّر فيه إلاّ انّ الجواب بما ظاهره بطلانها لا دلالة له على حكم صلاة المرأة المتقدّمة في الشروع ولكن الظاهر عدم كون هذه الرواية مقصودة لصاحب الجواهر خصوصاً مع تصريحه باستظهاره من الذيل .
وإن كان مراده منها ما ورد في حكم صلاة الرجل والمرأة المتزاملين اللذين يصلّيان جميعاً في المحمل كما هو الظاهر فالفرض فيها وإن كان مطلق الصلاة جميعاً الشامل لصورة الاقتران والتقدّم والتأخّر في الشروع إلاّ انّ الجواب بقوله (عليه السلام) : لا ، مرجعه إلى أنّه لا يمكن صحّة صلاتهما معاً بل يتوقّف ذلك على أن يصلّي أحدهما أوّلا ثمّ يصلّي الآخر بعد فراغ الأوّل إلاّ انّ نفي صحّة الصلاتين معاً لا ينحصر فرضه ببطلان كلّ واحدة منهما بل يجتمع مع بطلان خصوص المتأخّر وصحّة المتقدّم أيضاً ، ومنه يظهر الجواب عن الاستظهار من خبر أبي بصير المتقدّم الوارد في حكم المتزاملين أيضاً وكذا رواية عبدالله بن أبي يعفور المتقدّمة .
واستدلّ لاختصاص البطلان بخصوص المتأخّرة بوجوه :
منها : استبعاد بطلان الصلاة المنعقدة صحيحة بفعل الغير الخارج عن الاختيار كما لا يخفى .
( الصفحه 426 )
ويدفعه انّ مجرّد الاستبعاد لا يصلح لإثبات الحكم الشرعي ولا يقتضي رفع اليد عمّا هو مقتضى الدليل على فرضه .
ومنها : انّ المتأخّرة ليست بصلاة لبطلانها بالمحاذاة فلا تصلح لإبطال السابقة والصحّة لولا المحاذاة إنّما يصار إليه فيما إذا لم يمكن الصحّة المطلقة كما في صورة الاقتران لقيام القرينة على أنّه لا يمكن أن يكون المراد هي الصحّة كذلك ، وامّا بالنسبة إلى الصلاة اللاّحقة فلا مانع من أن يراد منه الصحّة المطلقة لفرض وقوع المتقدّمة متّصفة بهذه الصفة .
وبعبارة اُخرى بعد وقوع الاُولى وتحقّقها يمتنع تحقّق الاُخرى لأنّهما متضادّتان ، والثانية لا تصلح لأن تقاوم الاُولى لأنّها بوجودها توجب بطلانها وهذا بخلاف صورة التقارن أو تحقّق المحاذاة الموجبة للبطلان في أثناء صلاتهما فإنّه وإن لم يكن للحدوث بما هو حدوث وكذا للبقاء بما هو بقاء مدخلية في البطلان ، بل المناط تحقّق الصلاة منهما إلاّ انّه تتزاحم العلّتان في مقام الثبوت وهو يوجب البطلان فإنّه كما تكون المبائنة ثابتة بين معلوليهما كذلك تسري إلى علّيتهما فكلّ منهما موجب لعدم الآخر ومضاد له وهذا بخلاف صورة التقدّم والتأخّر فإنّه قد تحقّقت علّة إحداهما بلا مزاحمة والاُخرى يمتنع تحقّقها للمضادّة فهي الفاسدة غير المفسدة .
ويمكن الإيراد على هذا الوجه بأنّ التفكيك بين صورتي التقارن والتقدّم والتأخّر من جهة حمل الأدلّة بالإضافة إلى الاُولى على الصحّة الولائية وبالإضافة إلى الثانية على الصحّة المطلقة مع دلالتها على الحكم فيهما ، وبعبارة واحدة ممّا لا مجال للالتزام به خصوصاً مع كون شمولها لهما بنحو الإطلاق كما لا يخفى .
وحيث إنّ مدلول الأخبار ليس امتناع حدوث الصلاتين بما هو حدوث لما مرّ من شمولها لما إذا تحقّقت المحاذاة بينهما في أثناء صلاتهما فالمناط هو تحقّق المحاذاة ولو
( الصفحه 427 )
في بعض أجزاء الصلاة ففي صورة التقدّم والتأخّر يكون الجزء المقارن لحدوث الاُخرى لا ترجيح بينه وبين ما يحدث من الآخر من حيث الصحّة والبطلان فإذا كانت الصحّة مخالفة لما هو المفروض من امتناع الاجتماع فاللاّزم أن لا يقع شيء منهما صحيحة .
وبعبارة اُخرى الصحّة المدّعاة بالإضافة إلى المتقدّمة إن كان المراد بها هي الصحّة بالنسبة إلى جميع أجزائها فالمفروض انّه محلّ الكلام لأنّه يحتمل بطلانها بسبب المتأخّرة أيضاً وإن كان المراد بها هي الصحّة بالنسبة إلى الأجزاء الماضية فهي تجتمع مع البطلان بلحاظ المحاذاة في بعض الأجزاء الاُخر ولم يثبت كون هذه الصحّة مانعة عن انعقاد المتأخّرة دون العكس كما هو ظاهر .
ومنها : صحيحة علي بن جعفر (عليه السلام) المتقدّمة الواردة في إمام كان في الظهر فقامت امرأته بحياله المشتملة على قوله (عليه السلام) : لا يفسد ذلك على القوم وتعيد المرأة فإنّ الظاهر انّ التفصيل بين المرأة وبين القوم إنّما هو من جهة التأخّر والتقدّم .
وفيه ما عرفت من عدم ظهور الرواية في كونها واردة في المقام ، بل يجري فيها احتمالات متعدّدة فهي مجملة لا تصلح للاستناد إليها .
ومنها : ما أفاده المحقّق النائيني (قدس سره) من أنّ مناسبة الحكم والموضوع وإن لم تكن دليلا برأسها إلاّ انّها قد تصلح لانصراف الدليل كما في المقام فإنّ الأدلّة الدالّة على النهي عن المحاذاة والتقدّم امّا تحريماً أو تنزيهاً منصرفة إلى حال الاختيار لظهور الأسئلة فيها في تعمّد ذلك ولا يكفي إطلاق الأخبار لو سلم .
وفيه منع كون المناسبة المذكورة صالحة للانصراف خصوصاً مع اقتضائه حمل الأخبار المطلقة على المورد النادر وهي صورة الاقتران كما يأتي .
والتحقيق في المقام أن يقال إنّه لابدّ في استفادة حكم هذا الفرض كأصل المسألة