( الصفحه 443 )
ثمّ إنّ المشهور بينهم بل الظاهر انّه كان مفروغاً عنه عندهم انّه لا يجوز السجود على الرماد ولا على الفحم ، والظاهر انّ الحكم في الرماد كذلك لخروجه عن صدق النبات لعدم بقاء الجسم النباتي معه أيضاً ودعوى انّه يمكن أن يقال بصدق اسم الأرض عليه نظير التراب الذي كان في الأصل إنساناً مدفوعة بمنع الصدق المذكور كما انّ دعوى صدق النبات عليه يدفعها انّ لازمه التفصيل بين الرماد الذي كان نباتاً وبين الرماد الذي لم يكن في الأرض أرضاً ولا نباتاً مع أنّ العرف لا يفرّق بين القسمين قطعاً .
وامّا الفحم فيمكن المناقشة فيما ذكره المشهور بأنّ الفحم إنّما هو من نبات الأرض ويشترك مع الخشب في بقاء الجسم النباتي فيه وزوال الحياة النباتية عنه ، نعم يفترق عنه في كونه مطبوخاً وقد عرفت انّ المطبوخ من الأرض لا يخرج بذلك عن حقيقتها فكذا المطبوخ من النبات .
وقد قوى الجواز فيه في الجواهر للأصل وعدم طهارة المتنجّس بالاستحالة إليه .
وأورد عليه بأنّه لا ملازمة بين ارتفاع جواز السجود بصيرورة الحطب فحماً وعدم ارتفاع النجاسة بذلك إذ يكفي في ارتفاع الأوّل ارتفاع موضوعه ولو بارتفاع صفة المقوّمة له ولا يكفي في الثاني ذلك ، بل لابدّ من صدق الاستحالة الموجبة لتعدّد الموضوع ذاتاً وصفة عرفاً مثلا لو ثبت حكم للعجين ارتفع بمجرّد صيرورته خبزاً وان كانت نجاسته لا ترتفع بذلك .
ويرد عليه انّه وإن كان يكفي في الأوّل ارتفاع موضوعه إلاّ انّه لم يرتفع الموضوع في المقام لصدق عنوان النبات عليه كصدقه على الحطب على ما عرفت . فانقدح ممّا ذكرنا انّ الظاهر هو التفصيل بين الرماد والفحم كما في المتن .
( الصفحه 444 )
الثالث : لا يجوز السجود على المأكول والملبوس وليس المراد منهما خصوص ما يكون صالحاً للأكل واللبس فعلا كالخبز والقميص ، بل يعمّ ذلك وما يكون صالحاً للأكل واللبس ولو بعلاج كالحنطة والشعير والقطن والكتّان لأنّها بنظر العرف تعدّ من المأكولات والملبوسات مضافاً إلى ورود التعبير بالحنطة والشعير فيما لا يجوز السجود عليه في بعض الروايات كحديث الأربعمائة .
ثمّ إنّ الشيء قد يكون مأكولا في جميع الأمكنة وفي جميع حالاته وفي جميع الأحوال أي أحوال الناس ولا إشكال ـ حينئذ ـ في عدم جواز السجود عليه وقد يكون مأكولا في بعض البلاد دون بعض أو في بعض حالاته دون بعض أو في بعض الأحوال دون بعض ، وبعض الأحوال قد يكون هي الحالة الشائعة الطبيعية العارضة كحال المرض وقد يكون هي الحالة الخارجة عن الطبيعة التي قلّما تتفق كحال الاضطرار والمخمصة ولابدّ من بيان الضابط المستفاد من الروايات فنقول :
ذكر في المستمسك ما ملخّصه : «انّ نسبة الأكل واللبس في قوله (عليه السلام) : إلاّ ما أكل أو لبس ، امّا أن يراد بها نسبة الأكل واللبس فعلا أو نسبتهما استعداداً ، وعلى الأوّل لا يمكن أن يكون المراد من الموصول الشخص المتلبّس بفعلية المبدأ لامتناع ذلك عقلا بالنسبة إلى ما أكل فيمتنع أيضاً عرفاً بالنسبة إلى ما لبس لبعد التفكيك بينهما .
بل المراد به امّا الشخص بلحاظ قيام المبدأ بأمثاله فالمعنى إلاّ ما اُكل أو لبس أمثاله ، أو الجنس بلحاظ قيام المبدأ ببعض أفراده فالمعنى إلاّ الجنس الذي أكل بعض أفراده أو لبس كذلك .
وعلى الثاني فالاستعداد امّا أن يكون بلحاظ نفسه بأن يكون فيه من خصوصيات الطعم والرائحة ما يحسن لأجله أن يؤكل في قبال ما لا يكون كذلك
( الصفحه 445 )
ضرورة اختلاف الأشياء في ذلك اختلافاً بيّناً وكذلك الحال فيما لبس ، أو يكون بلحاظ اعداد الناس إيّاه للأكل أو اللبس سواء كان مستعدّاً في نفسه لذلك أم لا . والظهور الأوّلي للجملة المذكورة إرادة الشخص المتلبّس بالمبدأ لكن حيث عرفت امتناعه يدور الأمر بين إرادة الفعلية بالمعنيين الأخيرين وبين إرادة الاستعداد والثاني منهما أيضاً أظهر ، كما انّ الأظهر الحمل على الاستعداد الذاتي لا العرضي لاحتياج الثاني إلى عناية زائدة لا قرينة عليها ، نعم يساعده التعليل في صحيح هشام; لأنّ أهل الدنيا إنّما يعبدون ما أعدوه لأكلهم ولبسهم ، ولا يكفي في كون الشيء معبوداً لهم كونه مستعدّاً للأكل أو اللبس في نفسه» .
وما أفاده وإن كان حسناً إلاّ انّ الأحسن منه أن يراد بالمأكول ما أعدّه الله سبحانه لأكل الإنسان حتّى يشمل مثل العقاقير والأدوية المأكولة في حال المرض وإن كانت خالية عمّا يحسن لأجله أن يؤكل من خصوصيات الطعم والرائحة ، وعليه فالضابط هو اعداد الله تعالى إيّاه لأن يأكله الإنسان ولو في حال المرض الذي يطرأ الإنسان نوعاً ولابدّ لرفعه من التداوي ، نعم لا يشمل مثل العلف الذي تأكله الدواب إذا اتفق أكله للإنسان لأجل الضرورة الباعثة على أكله حفظاً للنفس كالمخمصة ونحوها كما انّه لا يشمل مثله إذا صار مأكولا لبعض الأفراد النادرة على خلاف الطبيعة لأنّ ذلك لا يوجب صدق اعداد الله تعالى إيّاه لأكل الإنسان كما لايخفى .
نعم لو كان مأكولا لبعض الأصناف كما إذا كان الشيء مأكولا في بعض البلاد دون بعض فالظاهر صدق ذلك وكونه مأكولا .
وممّا ذكرنا يظهر عدم جواز السجود على الثمرة المأكولة ولو قبل وصولها إلى زمان الأكل لأنّها ممّا أعدّه الله تعالى لأكل الناس وإن كان أكله متوقّفاً على مرور
( الصفحه 446 )
زمان فهي تكون مثل الحنطة والشعير الذي يتوقّف أكله على العلاج لعدم الفرق بين العلاج وبين مرور الزمان بوجه . وامّا قشور الثمار فقد فصل فيها في المتن بين ما إذا كانت منفصلة عنها وبين ما إذا كانت متّصلة بها بالحكم بجواز السجود في الأوّل دون الثاني ، والوجه في العدم مع الاتصال انّها في هذه الصورة تعدّ جزءً للثمرة المأكولة ويصدق على السجود عليها انّه سجود على المأكول وهذا بخلاف صورة الانفصال الذي يكون القشر معه شيئاً مستقلاًّ غير معدود جزء من الثمرة والمفروض عدم كونه مأكولا فلا مانع من السجود عليه وقد استثنى منه مثل قشر التفاح والخيار ممّا هو مأكول ولو تبعاً أو يؤكل أحياناً أو يأكله بعض الناس فإنّ المأكولية ـ تبعاً أو أحياناً أو عند بعض ـ تدخله في المأكول بالمعنى المذكور ولا ينافيه كون الحكمة من خلقه إنّما هي صيانة الثمرة وحفظها من الآفات فإنّ ذلك لا ينافي كونه مأكولا أيضاً .
وامّا قشور الحبوب التي تؤكل معها تبعاً فقد احتاط فيها في المتن وجوباً والوجه فيه ما ذكرنا في مثل قشر التفاح والفرق انّ قشر التفاح ربّما يؤكل أحياناً مستقلاًّ أو يأكله بعض الناس بخلاف قشر الحبّ الذي لا يؤكل إلاّ تبعاً فتدبّر .
وامّا قشر نوى الأثمار فإن كان متّصلا به فالظاهر عدم جواز السجود عليه إذا كان اللب مأكولا لصدق السجود على المأكول عليه وكونه معدوداً جزء له ، وامّا إذا لم يكن اللب مأكولا ولو بعلاج أو في حال المرض للتداوي فلا مانع من السجود عليه أصلا كما انّه إذا كان منفصلا عنه ولو في الصورة الاُولى يجوز السجود عليه لعدم كونه مأكولا وعدم كونه جزء من المأكول بوجه .
وامّا مثل الحنظل والخرنوب من الثمار غير المأكولة فيجوز السجود عليه لعدم كونه مأكولا ، نعم في بعض الروايات استثناء مطلق الثمرة من دون تقييد بكونها
( الصفحه 447 )
مأكولة كما في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : لا بأس بالصلاة على البوريا والخصفة وكلّ نبات إلاّ الثمرة . بناء على ما في الفقيه المطبوع ، وامّا في التهذيب فالثمرة بدل الثمرة ، نعم في صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قلت له : اسجد على الزفت يعني القير؟ فقال : لا ولا على الثوب الكرسف ولا على الصوف ولا على شيء من الحيوان ولا على طعام ولا على شيء من ثمار الأرض ولا على شيء من الرياش .
ولكن الظاهر لزوم التقييد بالمأكول كما هو مقتضى النص والإجماع فيخرج مثل الحنظل والخرنوب ، نعم لو تداول استعمالهما في الأدوية لشفاء بعض الأمراض كما لا تبعد دعواه فالظاهر ـ حينئذ ـ عدم الجواز لما عرفت من شمول المأكول لما يتداوى به في حال المرض .
وامّا التبن والقصيل ونحوهما فيجوز السجود عليها لأنّ المتبادر عند العرف من المأكول المستثنى في الروايات هو المأكول للإنسان ولا يعمّ مأكول الحيوان وقد عرفت انّ الأكل في حال المخمصة والاضطرار لا يوجب صدق المأكولية .
وامّا التتن فيجوز السجود عليه وإن كان لفظ الشرب يضاف إليه والمأكول في الدليل يكون أعمّ من المشروب وذلك لأنّ إطلاق ذلك اللفظ عليه لا يوجب صدق كونه مأكولا كما لا يخفى .
وامّا نخالة الحنطة والشعير وقشر البطيخ ونحوه فقد احتاط في المتن بترك السجود عليها والوجه فيه تعلّق الأكل بها أحياناً أو بالتبع وإن لم تكن في هذه الجهة مثل قشر التفاح والخيار الذي لا يكون أكله خروجاً عن المتعارف .
وامّا قشر الأرز والرمان بعد الانفصال فلا يبعد جواز السجود عليه كما في المتن لعدم كونه مأكولا ولا جزء من المأكول بعد فرض الانفصال .