( الصفحه 509 )
المسجد فوجد القوم قد صلّوا ولم يتفرّق الصفّ ويدلّ عليه أكثر الروايات المتقدّمة باعتبار ورودها في مورد المسجد خصوصاً رواية السكوني باعتبار كون التقييد بالمسجد واقعاً في كلام الإمام (عليه السلام) دون سائر الروايات وإن كان يمكن أن يقال بأنّ التقييد بالمسجد إنّما هو بملاحظة سائر الأحكام المذكورة فيه المختصّة بالمسجد كعدم التطوّع حتّى يبدأ بصلاة الفريضة وعدم الخروج منه حتّى يصلّي فيه دون سقوط الأذان والإقامة أيضاً .
وبعبارة اُخرى الشرط المذكور فيها المركّب من الدخول في المسجد وصلاة القوم فيه له دخل في ترتّب مجموع الأحكام الثلاثة المذكورة فيها ، وامّا انّ المجموع له دخل في ترتّب كلّ واحد منها فلا يظهر من الرواية بوجه .
هذا ولكنّه حيث يكون الحكم تعبّدياً وعلى خلاف القاعدة والروايات واردة في مورد المسجد إلاّ رواية زيد النرسي التي عرفت انّها متفردة وإحدى رواية أبي بصير التي هي متّحدة مع روايته الاُخرى الواردة في المسجد أيضاً فلا دليل على تعميم الحكم بالإضافة إلى غير المسجد فلا يجوز التعدّي عنه ، ومنه يظهر اعتبار اتحاد الصلاتين عرفاً فلو كانت إحداهما داخل المسجد والاُخرى على سطحه أو بعدت إحداهما عن الاُخرى كثيراً بحيث لم يكن بينهما ارتباط أصلا لم يسقطا عنه بوجه .
ثانيها : كون الجماعة السابقة مع الأذان والإقامة فلو كانت بدونهما ولو كان تركهم لهما لأجل الاستماع من لاغير لم يسقطا عنه ويدلّ عليه التعبير في بعض الروايات بقوله : صلّي بأذانهم وإقامتهم الظاهر في وقوع صلاتهم مع الأذان والإقامة من أنفسهم والتعبير في بعضها بإعادة الأذان وعدمها الظاهر في تحقّق الأذان من الجماعة السابقة .
( الصفحه 510 )
ثالثها : كون الجماعة السابقة صحيحة فلو كان الإمام فاسقاً والمأمومون عالمين بفسقه وكانت الجماعة باطلة لم يسقطا عنه ومنشأه انصراف النصوص المتقدّمة إلى الصلاة الصحيحة وعدم شمولها للجماعة الباطلة .
رابعها : كون الصلاتين ادائيتين فلو كان كلّ واحدة منهما أو كلتاهما قضائية لم يسقطا عنه ومنشأه الانصراف المذكور .
خامسها : اشتراك الصلاتين في الوقت فلو كانت إحداهما عصراً والاُخرى مغرباً لم يتحقّق السقوط المذكور ومنشأه أيضاً الانصراف .
ثمّ إنّ سيّدنا العلاّمة المحقّق البروجردي (قدس سره) أفاد في تعليقة العروة في هذا المقام كلاماً وهو انّ اعتبار هذه الاُمور إنّما هو فيمن دخل المسجد مريداً للصلاة مستقلاًّ عن الجماعة امّا جماعة أو فرادى ، وامّا من دخله لإدراكها فوجدهم قد فرغوا ولم يتفرّق الصفوف فالظاهر انّ سقوطهما عنه بملاك آخر ولا يبعد فيه سقوطهما في كلّ مورد يكون إدراكه لها قبل الفراغ مسقطاً .
أقول : الظاهر انّ الملاك للسقوط في المورد الثاني إنّما هو كون هذا الشخص كأنّه مدرك للجماعة بعد فرض كون نيّته قبل الدخول ذلك فأذانه وإقامته إنّما هو أذان الجماعة وإقامتها ، كما انّ الملاك للسقوط في المورد الأوّل إنّما هو احترام الجماعة السابقة ولحاظ الإمام السابق بعدم رفع الصوت بالأذان حتّى كان الجماعة اللاّحقة من توابع الجماعة السابقة فينبغي تركهما فيها ، ولذا ورد في بعض الروايات السابقة انّ الداخلين إذا أرادوا الصلاة جماعة يقومون في ناحية المسجد ولا يبدوا أو لا يبدر لهم إمام .
وبالجملة فكلام سيّدنا الاستاذ (قدس سره) في الحاشية مبني على استفادة الموردين من النصوص فمن بعضها يستفاد حكم من دخل المسجد لإدراك الجماعة وانّه يسقط
( الصفحه 511 )
الأذان والإقامة بالنسبة إليه إرفاقاً له ورعاية لنيّته .
وبعبارة اُخرى : مفاده جعل حقّ له لكونه قاصداً لإدراك الجماعة فكأنّه مدرك لها فأذانه وإقامته هو أذان الجماعة وإقامتها ولا يخفى انّه في هذه الصورة لا يكون الحكم مختصّاً بالمسجد ومن بعضها يستفاد حكم من دخل المسجد لإقامة الصلاة مستقلاًّ عن الجماعة ـ منفرداً أو جماعة ـ وانّه يسقط الأذان والإقامة بالنسبة إليه رعاية لحقّ الإمام السابق أو الجماعة السابقة .
وبعبارة اُخرى يستفاد منه جعل حقّ على الداخل لا له و ـ حينئذ ـ فيمكن القول باختصاص ذلك بالمسجد .
ثمّ إنّ الظاهر انّ السقوط في الموضع الأوّل من الموضعين المذكورين في المتن إنّما هو على نحو العزيمة لأنّ الالتزام العملي من المتشرّعة بترك الأذان والإقامة في الجماعة التي أذّن واُقيم لها يكشف عن عدم المشروعية وكون السقوط بنحو العزيمة ، كما انّ مقتضى الروايات الواردة فيه النافية لثبوتهما الظاهرة في كون المنفي هو الاستحباب والمشروعية أيضاً ذلك .
وامّا السقوط في الموضع الثاني فمقتضى رواية أبي علي المتقدّمة الدالّة على المنع والدفع أشدّه أيضاً ذلك إذ لا ملائمة بين الرخصة وبين المنع بهذه الكيفية ويمكن التفصيل فيه بين الموردين المذكورين في الحاشية المتقدّمين بكون السقوط في المورد اثاني إنّما هو على نحو العزيمة ، وامّا المورد الأوّل فالمناسب أن يكون بنحو الرخصة لأنّ جعل حقّ الداخل لا يلائم مع العزيمة فتدبّر .
( الصفحه 512 )المقدّمة الثانية في القبلة
مسألة 1 ـ يجب الاستقبال مع الإمكان في الفرائض يومية كانت أو غيرها حتّى صلاة الجنائز ، وفي النافلة إذا أتى بها على الأرض حال الاستقرار ، وامّا حال المشي والركوب وفي السفينة فلا يعتبر فيها 1 .
1 ـ اعتبار الاستقبال وشرطية في الصلوات المفروضة في الجملة ممّا لا ريب فيه ، بل هو من ضروريات الفقه بل الدين وانعقد عليه إجماع المسلمين ويشهد له الكتاب والسنّة المتواترة الواردة في تفسيره أو الدالّة على أصل الحكم التي منها صحيحة زرارة المعروفة : لا صلاة إلاّ إلى القبلة وحديث لا تعاد الذي جعل فيه القبلة من الاُمور الخمسة المستثناة ومع هذه الكيفية لا حاجة إلى ذكر الأدلّة تفصيلا ، بل اللاّزم هو البحث في فروع المسألة فنقول :
لا خلاف ظاهراً في عدم اعتبار الاستقبال في النافلة مع عدم الاستقرار في الجملة ، ويدلّ عليه روايات متكثّرة :
كصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج انّه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يصلّي النوافل في الأمصار وهو على دابته حيث ما توجّهت به ، قال : لا بأس . والتقييد بقوله : حيث ما توجّهت به يكشف عن أنّ محط نظر السائل إنّما هو حيث الاستقبال لا الاستقرار .
ورواية إبراهيم الكرخي عن أبي عبدالله (عليه السلام) انّه قال له : إنّي أقدر أن أتوجّه نحو القبلة في المحمل فقال : هذا لضيق أما لكم في رسول الله (صلى الله عليه وآله) أسوة حسنة .
ورواية الحلبي انّه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن صلاة النافلة على البعير والدابّة فقال :
( الصفحه 513 )
نعم حيث كان متوجّهاً وكذلك فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفي رواية الكليني زيادة قوله : قلت على البعير والدابة قال : نعم حيث ما كنت متوجّهاً قلت : استقبل القبلة إذا أردت التكبير قال : لا ولكن تكبّر حيث ما كنت متوجّهاً وكذلك فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) .
ورواية حمّاد بن عثمان عن أبي الحسن الأوّل (عليه السلام) في الرجل يصلّي النافلة وهو على دابّته في الأمصار فقال : لا بأس .
وصحيحة اُخرى لعبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : سألته عن صلاة النافلة في الحضر على ظهر الدابة إذا خرجت قريباً من أبيات الكوفة أو كنت مستعجلا بالكوفة فقال : إن كنت مستعجلا لا تقدر على النزول وتخوّفت فوت ذلك إن تركته وأنت راكب فنعم وإلاّ فإنّ صلاتك على الأرض أحبّ إليّ .
ويمكن المناقشة في مثل الروايتين الأخيرتين بعدم ظهوره في عدم اعتبار الاستقبال في النافلة لأنّه من المحتمل أن يكون مراد السائل هو مجرّد الصلاة على الدابة المستلزمة لعدم الاستقرار ، وعليه فالحكم في الجواب بالجواز لا يدلّ على أزيد من عدم اعتبار الاستقرار ويؤيّده قوله (عليه السلام) في ذيل الرواية الأخيرة : فإنّ صلاتك على الأرض أحبّ إليّ ، لإشعاره بكون المراد هو مجرّد الوقوع على الأرض وعدمه .
وقد دفعت المناقشة بإمكان استفادة عدم اعتبار الاستقبال أيضاً من غلبة كون طرق المسير على غير القبلة ، بل الغالب انحراف ما يكون منها على القبلة عنها يميناً وشمالا ولو في الأثناء ، بل تمكن دعوى عدم وجود ما يكون منها على القبلة مستقيماً من أوّله إلى آخره فيكون عدم التعرّض لذكر الاستقبال فيها دليلا على عدم اعتباره .