( الصفحه 62 )
المغرب ونافلته وبين العشاء فكأنّه قال من صلّى بين العشائين ركعتين غير نافلة المغرب ويترتّب على ذلك عدم إمكان التصادق ولزوم مغايرة الغفيلة مع النافلة خارجاً فلو أتى بنافلة المغرب بصورة الغفيلة لا يسقط الأمر الاستحبابي المتعلّق بصلاة الغفيلة كما انّه لا يتحقّق امتثال الأمر المتعلّق بنافلة المغرب إذا ضمّ إلى صلاة الغفيلة ركعتين آخرتين فقط .
ويدفعه انّ استقرار السيرة على الإتيان بالنافلة بعد الفريضة لا يوجب التضيق في مداليل الألفاظ وتقيّد الإطلاق في الرواية فإنّ المراد من العشائين هو نفس الفريضتين ، وعليه فالركعتان في الرواية مطلقة ولا تكون موصوفة بكونهما غير نافلة المغرب فكما انّ الاتحاد لا يساعده ظاهر الدليل فكذلك المغايرة بهذه الكيفية المانعة عن التصادق في مقام الامتثال .
والظاهر انّه كما انّ أدلّة نافلة المغرب مطلقة من جهة الكيفية ولا تكون مشروطة بصورة خاصة كذلك دليل صلاة الغفيلة مطلق من جهة الوقت بالإضافة إلى نافلة المغرب ومن جهة وقوعها في ضمنها وعدمه ، وعليه فيمكن اجتماعهما في صلاة الغفيلة ، غاية الأمر انّه حيث تكون نافلة المغرب من العناوين القصدية التي لا تكاد تتحقّق بدون القصد فلابد من قصدها كما انّ عنوان صلاة الغفيلة وإن لم يكن مذكوراً في الرواية إلاّ انّ إرادة الإتيان بالصلاة بالكيفية الخاصّة المترتّب عليها أثر مخصوص لا محيص عنها فيمكن الاجتماع ويمكن الانفكاك . وعلى ما ذكرنا لا يبقى فرق بين صورة الإتيان بالغفيلة قبلها أو بعدها للزوم نية النافلة وعدم التحقّق بدونها فالفرق كما أفاده بعض الأعلام لا وجه له فتدبّر .
الجهة الرابعة : في وقت صلاة الغفيلة وفيه احتمالان :
الأوّل : انّ وقتها بعد المغرب وقبل العشاء في أيّ وقت صليهما في وقتهما فلو أخّر
( الصفحه 63 )
العشاء إلى نصف الليل يجوز الإتيان بالغفيلة قبلها .
الثاني : انّ وقتها إلى زوال سقوط الشفق الغربي الذي هو وقت فضيلة العشاء وهو الذي قوّاه في المتن .
ومنشأ الاحتمالين انّ المراد من قوله (عليه السلام) في رواية هشام المتقدّمة : من صلّى بين العشائين . . . هل هي الصلاة بين الفريضتين فيكون مقتضى إطلاقه جواز الإتيان بها في أيّ وقت صلّى الفريضتين ، أو انّ المراد منه هي الصلاة بين الوقتين ولا محالة يكون المراد وقتي الفضيلة لا وقت الاجزاء لعدم التعدّد فيه بخلاف وقت الفضيلة؟
فعلى الأوّل يستمر وقتها إلى الوقت المختصّ بفريضة العشاء لكنّه يبعده انّه لو كان المراد بالعشائين هي الفريضتين لكان الأنسب هو التعبير به بعد المغرب كما في نافلة المغرب مع انّ لازمه ـ حينئذ ـ توقّف مشروعية الغفيلة على الإتيان بالعشاء بعدها أيضاً ليتحقّق عنوان «البين» الواقع في الرواية وإن كان يمكن أن يقال بناء على هذا المعنى أيضاً انّه حيث كان التفريق بين العشائين وتأخير العشاء الآخرة إلى ذهاب الشفق ممّا استقرّت عليه سيرة المسلمين في الصدر الأوّل فلذا يكون المتبادر من الرواية هو بين الفريضتين الواقعتين في وقت فضيلتهما كما هو المتداول بينهم .
وعلى الثاني يستمرّ وقتها إلى ذهاب الشفق ولا يرد عليه انّه عليه لا يظهر من الرواية لزوم الإتيان بفريضة المغرب قبلها; لأنّ ظاهرها بلحاظ جعل أوّل الوقت بعد وقت فضيلة المغرب هو فرض تحقّق المغرب في وقتها كما لا يخفى . وكيف كان فالظاهر هو هذا القول .
( الصفحه 64 )
مسألة 3 ـ يجوز إتيان النوافل الرواتب وغيرها جالساً حتى في حال الاختيار لكن الأوّلى ـ حينئذ ـ عدّ كلّ ركعتين بركعة حتى في الوتر فيأتي بها مرّتين كلّ مرّة ركعة 1 .
1 ـ امّا جواز الإتيان بالنوافل مطلقاً جالساً في حال الاختيار فهو المشهور شهرة عظيمة ، بل عن جمع من الكتب دعوى الإجماع عليه ، وخالف في ذلك الحلّي صاحب السرائر فمنع من ذلك إلاّ في الوتيرة وعلى الراحلة مدّعياً خروجهما بالإجماع ، للأصل مع شذوذ الرواية المجوزة لكن عن الذكرى : دعوى الشذوذ هنا مع الاشتهار بيننا عجيبة .
وكيف كان فيدلّ على المشهور روايات كثيرة :
منها : ما رواه الصدوق بإسناده عن سهل بن اليسع انّه سأل أبا الحسن الأوّل (عليه السلام)عن الرجل يصلّي النافلة قاعداً وليست به علّة في سفر أو حضر فقال : لا بأس به .
ومنها : ما رواه أيضاً بإسناده عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) (في حديث) قال : إنّ الصلاة قائماً أفضل من الصلاة قاعداً .
ومنها : ما رواه أيضاً بإسناده عن حمّاد بن عثمان انّه قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : وقد اشتد عليّ القيام في الصلاة فقال : إذا أردت أن تدرك صلاة القائم فاقرأ وأنت جالس ، فإذا بقي من السورة آيتان فقم وأتمّ ما بقي واركع واسجد فذلك صلاة القائم .
ومنها : رواية اُخرى لحمّاد بن عثمان عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يصلّي وهو جالس فقال : إذا أردت أن تصلّي وأنت جالس ويكتب لك بصلاة القائم فاقرأ وأنت جالس ، فإذا كنت في آخر السورة فقم فأتمّها واركع فتلك تحسب لك بصلاة القائم .
( الصفحه 65 )
وامّا ما يدلّ على عدّ كلّ ركعتين بركعة فرواية محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل يكسل أو يضعف فيصلّي التطوّع جالساً ، قال : يضعف ركعتين بركعة . ورواية علي بن جعفر عن أخيه قال : سألته عن المريض إذا كان لا يستطيع القيام كيف يصلّي؟ قال : يصلّي النافلة وهو جالس ، ويحسب كلّ ركعتين بركعة ، وامّا الفريضة فيحتسب كلّ ركعة بركعة وهو جالس إذا كان لا يستطيع القيام . وبعض الروايات الاُخر .
( الصفحه 66 )
مسألة 4 ـ وقت نافلة الظهر من الزوال إلى الذراع ـ أي سبعي الشاخص ـ والعصر إلى الذراعين ـ أي أربعة أسباعه ـ فإذا وصل إلى هذا الحدّ يقدم الفريضة 1 .
1 ـ في وقت نافلة الظهرين ثلاثة أقوال :
الأوّل : ما هو الأشهر بل المشهور وهو امتداد وقت نافلة الظهر إلى الذراع والعصر إلى الذراعين ويظهر ذلك من المتن .
الثاني : ما عن جماعة من الأساطين كالشيخ في الخلاف والفاضلين في المعتبر والتبصرة والمحقّق والشهيد الثانيين في جامع المقاصد والروضة من الامتداد إلى المثل والمثلين .
الثالث : ما قوّاه صاحب العروة من الامتداد إلى آخر وقت اجزاء الفريضتين وانّ الأولى بعد الذراع تقديم الظهر وبعد الذراعين تقديم العصر والإتيان بالنافلتين بعد الفريضتين فالحدّان الأوّلان ـ الذراع والذراعان ـ للأفضلية وقد قوّاه في المستند حاكياً له عن والده ، بل عن الحلبي وظاهر المبسوط والإيضاح والدروس والبيان .
أقول : وقد استدلّ على المشهور بجملة من الروايات :
منها : رواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : سألته عن وقت الظهر فقال : ذراع من زوال الشمس ، ووقت العصر ذراع من وقت الظهر فذاك أربعة أقدام من زوال الشمس ، ثم قال : إنّ حائط مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان قامة ، وكان إذا مضى منه ذراع صلّى الظهر ، وإذا مضى منه ذراعان صلّى العصر ، ثمّ قال : أتدري لِمَ جعل الذراع والذراعان؟ قلت : لِمَ جعل ذلك؟ قال : لمكان النافلة ، لك أن تنتفل من زوال الشمس إلى أن يمضي ذراع ، فإذا بلغ فيئك ذراعاً من الزوال بدأت بالفريضة