(الصفحة 260)
فلا يقربها ، وإن كان غير ثقة فلا يقبل منه(1) .
وفيها أوّلا : أنّها معارضة ببعض الروايات الأُخر الّتي أفتى المشهور على طبقها ، مثل رواية يونس قال : سألته عن رجل تزوّج امرأة في بلد من البلدان فسألها ألَكِ زوج؟ فقالت : لا ، فتزوّجها ، ثمّ إنّ رجلا أتاه فقال : هي امرأتي ، فأنكرت المرأة ذلك ، ما يلزم الزوج ؟ قال(عليه السلام) : هي امرأته إلاّ أن يقيم البيّنة(2) .
وثانياً : اعتبار خبر الثقة في مورد المضمرة لا دلالة فيه على اعتباره في جميع الموضوعات الخارجيّة ، الذي هو المدّعى في المقام ، ومن المحتمل أن يكون الوجه في اعتباره فيه هي شدّة حسن الاحتياط في الفروج ، وقد مرّ أ نّه قام الدليل على الاعتبار في موارد متعدّدة ، لكنّ البحث في جواز التعدّي عن تلك الموارد ، ولم يقم دليل إلى الآن على عموميّة الاعتبار وعدم الاختصاص بتلك الموارد .
بقي الكلام في هذه المسألة في أمرين :
أحدهما : عدم جواز تقليد من لم يبلغ مرتبة الاجتهاد وإن كان من أهل العلم ، والدليل عليه : أنّ العناوين الواقعة في الأدلّة لا تصدق على غير المجتهد بوجه ،
وقد مرّ الكلام مفصّلا في أنّ من شرائط المرجعيّة للتقليد هو الاجتهاد المطلق ، وأنّ المتجزّئ لا يجوز تقليده ، فضلا عمّن لم يبلغ مرتبة الاجتهاد أصلا(3) .
ثانيهما : أ نّه يجب على غير المجتهد التقليد وإن كان من أهل العلم . والدليل عليه
- (1) تهذب الأحكام : 7 / 461 ح1845 ، وعنه وسائل الشيعة : 20 / 300 ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب23 ح2 .
-
(2) تهذيب الأحكام : 7 / 468 ح1874 و ص 477 ح 1914 ، وعنه وسائل الشيعة : 20 / 300 ، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد ب23 ح3 .
-
(3) في ص107 ـ 114 .
(الصفحة 261)
ما ذكرنا في أوّل الكتاب من حكم العقل وإيجابه على المكلّف ، التقليد ،
أو الاجتهاد ، أو الاحتياط(1) ، فعلى تقدير عدم تحقّق الاجتهاد ـ وإن كان من أهل العلم ، وحاز مرتبة من المراتب العلميّة ، وعدم إرادة الاحتياط ـ ينحصر طريقه بالتقليد والرجوع إلى المجتهد وتطبيق العمل على فتواه ، وقد مرّ البحث مفصّلا
في المراد من هذا الوجوب في أوّل الكتاب ، كما أنّا قد تعرّضنا سابقاً لحكم المجتهد الواجد لملكة الاستنباط والبالغ مرتبة الاجتهاد(2) ، وأ نّه هل يجوز له تقليد مجتهد آخر إذا لم يستنبط فعلا ولم يتصدّ للاستخراج بعد ، أو يجب عليه إمّا الاحتياط ، وإمّا التصدّي للاستنباط والعمل على طبق الاستنتاج ؟
لكنّ الكلام هناك في جواز الرجوع إلى مجتهد آخر مستنبط ، والبحث هنا
في وجوب الرجوع إلى المجتهد البالغ هذه المرتبة والمستنبط بالفعل .
- (1) في ص 9 ـ 13 .
-
(2) في ص24 ـ 27 .
(الصفحة 262)[عمل الجاهل المقصّر أو القاصر من غير تقليد]
مسألة20: عمل الجاهل المقصِّر الملتفت من دون تقليد باطل، إلاّ إذا أتى به برجاء درك الواقع ، وانطبق عليه ، أو على فتوى من يجوز تقليده. وكذا عمل الجاهل القاصر أو المقصِّر الغافل ـ مع تحقّق قصد القربة ـ صحيح إذا طابق الواقع ، أو فتوى المجتهد الذي يجوز تقليده 1.
1 ـ يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين :
المقام الأوّل : في الجاهل المقصّر الملتفت حال العمل ، ولازمه التردّد في كون المأتيّ به هو المأمور به ، وقد صرّح صاحب العروة(قدس سره) (1) ببطلان عمله وإن كان مطابقاً للواقع ; يعني وإن علم بعد العمل مطابقته له ; ضرورة أ نّه ليس المراد مجرّد المطابقة ولو كانت مجهولة ، حتّى يصير ذلك قرينة على كون المراد بالبطلان معنى آخر ، كما سيأتي بيانه . كما أ نّه لا خفاء في كون المراد بالعمل هو العمل العبادي الذي يفتقر في تحقّقه وحصوله إلى قصد الامتثال ونيّة التقرّب ، والدليل عليه ـ مضافاً إلى قوله دام ظلّه : «مع تحقّق قصد القربة» ـ : أنّ معروض الصحّة والبطلان إنّما هو العمل العبادي . وأمّا الواجب التوصّلي فأمره دائر بين الوجود والعدم ، ولا يتّصف بالصحّة والبطلان أصلا .
وكيف كان ، فما يمكن أن يستدلّ به للقول ببطلان عبادة الجاهل المقصّر الملتفت ـ ولو انكشف له بعد العمل المطابقة للواقع ، فضلا عن المطابقة لفتوى المجتهد ـ أُمور :
أحدها : ما يظهر من العروة ; من أنّ الجاهل المفروض لا يتمشّى منه قصد
- (1) العروة الوثقى : 1 / 8 مسألة 16 .
(الصفحة 263)
القربة ، نظراً إلى أ نّه كيف يجتمع الترديد والشكّ في انطباق المأمور به على المأتيّ به ، مع قصد التقرّب وجعل العمل مقرّباً له إليه تعالى ; فإنّ من لا يعلم أنّ وظيفته القصر أو الإتمام ، أو لا يعلم أ نّه مكلّف بصلاة الظهر يوم الجمعة، أو بالجمعة ، كيف يتمشّى منه قصد التقرّب بإحدى الصلاتين ، مع الالتفات وإمكان الرجوع إلى المجتهد ، أو إمكان الاستنباط إن كانت له ملكة الاجتهاد ؟ ومن الواضح أنّ قوام العمل العبادي ، بقصد التقرّب والإتيان به بما أ نّه موجب لحصول القرب .
والجواب : أ نّه لا يعتبر في العبادة إلاّ أن يكون الداعي إلى إتيانها والمحرّك لإيجادها أمراً مضافاً إلى الله تبارك وتعالى ، ولا يكون شيء من الأُمور الدنيويّة مؤثّراً في حصولها دخيلا في تحقّقها .
ومن المعلوم أنّ الداعي إلى الصلاة قصراً ، بالإضافة إلى الجاهل المفروض ليس إلاّ احتمال تعلّق الأمر بها وكونها هي المأمور بها ; لأنّ المفروض أ نّه ليس له الداعي سوى ذلك من الرياء وغيره .
غاية الأمر : أ نّه كانت وظيفته بحكم العقل إمّا الاحتياط والإتيان بكلا المحتملين ; لأنّ الاشتغال اليقيني يستدعي البراءة اليقينيّة ، أو الرجوع إلى العالم لو كان عاميّاً ، أو الاستنباط لو كانت له ملكة الاجتهاد ، ومع الإخلال بهذه الوظيفة لا يجوز له الاقتصار على المأتيّ به ، إلاّ أنّ هذا الحكم يستمرّ ويدوم ما دام لم ينكشف موافقة عمله للواقع ، أو لرأي العالم ، أو لمقتضي الاجتهاد ، أمّا بعد الانكشاف وتحقّق العلم بالموافقة ـ الذي هو محلّ الكلام في المقام ـ فأيّ خلل في عمله ؟ ولِمَ كان خالياً عن قصد التقرّب ، مع أ نّه لم يكن المحرّك له إلاّ الامتثال ، لا بنحو يقطع بتحقّقه ، بل بهذا المقدار وهو مجرّد الاحتمال ؟
نعم، العبادة بهذه الكيفيّة خالية عن الجزم ، وقد حقّق في محلّه عدم اعتباره ، ومرّ
(الصفحة 264)
البحث عنه سابقاً(1) في إجزاء الاحتياط ، وكفاية الامتثال العلمي الإجمالي ، ولو مع التمكّن من الامتثال العلمي التفصيلي ، فانقدح أنّ هذا الوجه ـ الذي هو العمدة في هذا الباب ـ لا يصلح لأن يستند إليه في الحكم ببطلان عبادة الجاهل المفروض .
ثانيها : ما حكاه الشيخ الأعظم الأنصاري(قدس سره) من أنّ ظاهر كلام السيّد الرضي(قدس سره)في مسألة «الجاهل بوجوب القصر(2)» وظاهر تقرير أخيه السيّد المرتضى(قدس سره) له(3) ، ثبوت الإجماع على بطلان صلاة من لا يعلم أحكامها(4) ; فإنّ الظاهر أ نّه ليس المراد بالعلم هو العلم الوجداني ، بل أعمّ منه ومن الطريق المعتبر القائم على أحكام الصلاة ، وخصوصيّاتها من القصريّة والإتماميّة وغيرهما من الجهات ، كما أنّ شموله للجاهل المفروض في المقام مسلّم لو لم نقل بأ نّه القدر المتيقّن من معقد الإجماع ،
كما هو غير خفيّ .
والجواب أوّلا : ما ذكرناه في محلّه(5) من عدم حجّية الإجماع المنقول بخبر الواحد ، وعدم شمول أدلّة حجّية الخبر لحكاية الإجماع .
وثانياً : أ نّه على تقدير تحقّق الإجماع لا يكون واجداً لملاك الحجّية ; لعدم كونه كاشفاً عن رأي المعصوم(عليه السلام) بعد احتمال كون مستند المجمعين عدم اجتماع الترديد مع قصد التقرّب ، أو مع بعض الجهات الأُخر المعتبرة في صحّة العبادة عندهم ، كالجزم ونحوه .
- (1) في ص33 ـ 60 .
-
(2) حكى عنه قبل الشيخ،الشهيدالأوّل في ذكرى الشيعة: 4/325، ولكن لم نعثر عليه في مضانّه من كتب السيّد .
-
(3) رسائل الشريف المرتضى : 2/383 ـ 384 .
-
(4) رسالة في الاجتهاد والتقليد للشيخ الأنصاري، ضمن مجموعة رسائل : 49 .
-
(5) سيرى كامل در اصول فقه: 9 / 614 ـ 615 .