(الصفحة 16)
جريان الحكم في كلّ شيء وعدم الاختصاص بالثوب ودعوى احتمال الاختصاص بخصوص الفأرة المتسلّخة أو مطلق الفأرة أو مطلق الميتة واضحة المنع.
المقام الثاني: في لزوم الغسل بالماء المطلق وعدم جوازه بالماء المضاف فضلاً عن غيره وعدمه بعد الفراغ عن وجوب الاجتناب عن ملاقي النجس وفرض تحقّق السراية وقد عرفت انّ المخالف في هذا المقام هما العلمان المفيد والسيّد(قدس سرهما)حيث ذهبا إلى عدم لزوم الغسل بالماء المطلق.
ويدلّ على القول المشهور ـ مضافاً إلى أنّ مقتضى استصحاب بقاء النجاسة المفروض حدوثها ـ لأنّ الكلام إنّما هو بعد الفراغ عنه ـ بقائها إلى أن يعلم المزيل وبالغسل بغير الماء لا يتحقّق العلم بالإزالة وحصول الطهارة وقد حقّق في محلّه جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية أيضاً ـ الروايات الكثيرة الواردة في مقامات مختلفة من الثوب والبدن والاناء وغيرها من المتنجسات الدالّة على لزوم غسلها بالماء مرّة أو مرّتين أو مرّات، مع التعفير أو بدونه حسب اختلاف الموارد، ولا مجال للارتياب في دلالتها على عدم كفاية غير الماء في مقام التطهير إلاّ في بعض الموارد كالاستنجاء بالأحجار. ومن المعلوم انّه لا موقع لاحتمال الاختصاص بتلك الموارد بل المستفاد منها ولو بضميمة عدم القول بالفصل عموم الحكم وشموله لجميع المتنجّسات كما لا يخفى.
وامّا العلمان فقد استدلّ على مرامهما بوجوه:
منها: الأخبار الآمرة بالغسل من دون التعرّض لخصوصية المغسول به ـ من الماء أو غيره ـ فإنّ مقتضى إطلاقاتها وعدم التقييد بالماء انّ الواجب مجرّد الغسل وانّه يكفي في مقام تطهير المتنجسات من دون أن يكون هناك خصوصية للماء.
(الصفحة 17)
والجواب أوّلاً: انّ هذه الأخبار تنصرف عن الغسل بغير الماء لأنّه خارج عن المتعارف، ودعوى انصرافها عن الغسل بمثل ماء الكبريت والنفط أيضاً مع قيام الإجماع على جواز الغسل بهما، مدفوعة بمنع الانصراف لأنّ انصراف الذهن عنه إنّما هو لندرة وجود نظير انصراف الذهن إلى الماء الموجود في بلده ـ مثلاً ـ ومثل ذلك لا يكاد يضرّ بالإطلاق أصلاً وهذا بخلاف الغسل باللبن والخلّ ونظائرهما بل وبماء الورد وماء الرمّان وشبههما فإنّه لا يكون متعارفاً ولا يلتفت إليه المخاطب أصلاً.
وقد انقدح ممّا ذكرنا: انّه ليس الملاك في الانصراف الذي ذكرنا هو ندرة الوجود وقلّة الافراد حتّى يقال كما في شرح بعض الأعلام انّ ذلك لا يمنع عن صدق الاسم على الافراد لأنّ الغسل ليس من المفاهيم المشككة حتى يدعى انّ صدقه على بعض أفراده أجلى من بعضها الآخر.
وذلك لأنّ الانصراف كما عرفت لا يدور مدار القلّة والكثرة ولا مدار التشكيك بل مبناه الخروج عن المتعارف وعدم التفات المخاطب بحيث إذا اُريد إفهام الفرد المنصرف عنه لكان اللاّزم التقييد وعدم الاقتصار على الإطلاق، ألا ترى انّه لو غسل ثوبه بماء الرمّان ـ مثلاً ـ هل يجوز عند العقلاء أن يقتصر في مقام الاخبار على قوله: غسلت ثوبي أو لابدّ من التقييد بماء الرمّان وهذا بخلاف الغسل بالماء فتدبّر.
وثانياً: انّ هذه الأخبار على تقدير الإطلاق وعدم الانصراف تقيّد بالأخبار المتقدّمة الدالّة على لزوم الغسل بالماء في الموارد المتعدّدة بعدما عرفت من عدم خصوصية لتلك الموارد حتى عند العلمين، فمقتضى قاعدة حمل المطلق على المقيّد تقييدها بها والحكم على طبق المشهور كما هو واضح.
(الصفحة 18)
هذا ولا يبعد أن يقال بعدم ثبوت الإطلاق لها من أوّل الأمر رأساً; لعدم كونها في مقام البيان من حيث المغسول به بل في مقام بيان أصل لزوم التطهير والغسل فتأمّل.
ومنها: الإجماع وقد استدلّ به السيّد(قدس سره) لكن المحكي عنه انّه ادّعى الإجماع على أمر كبروي قد طبقه على ما نحن فيه وهو انّ الأصل في كلّ ما لم يدلّ دليل على حرمته أو نجاسته، هو الحلّية والطهارة، وحيث إنّه لم يرد دليل على المنع من تطهير المتنجس بالمضاف فهو أمر جائز وحلال وعلى نجاسة المغسول به فهو طاهر غير نجس.
والجواب ـ مضافاً إلى أنّ البحث ليس في حرمة التطهير بالمضاف ولم يقل بها أحد بل في خصوص بقاء نجاسته وعدمه ـ انّ الكبرى وإن كانت مسلمة إلاّ أنّ التطبيق ليس بإجماعي ولا تام لأنّا ندّعي قيام الدليل على عدم حصول الطهارة وهو الاستصحاب والروايات المتقدّمة بالتقريب الذي عرفت وإن ادّعى أحد انعقاد الإجماع في خصوص المقام فبطلانه معلوم.
ومنها: ما أفاده السيّد(قدس سره) أيضاً من أنّ الغرض من وجوب الغسل في المتنجّسات ليس إلاّ مجرّد إزالة النجاسة عن المحلّ، والإزالة كما تحصل بالغسل بالماء كذلك تتحقّق بالمضاف أو بغيره من المايعات.
والجواب عنه ـ مضافاً إلى أنّ مقتضى هذا الوجه عدم لزوم الغسل أصلاً لأنّ مجرّد الإزالة بناء عليه يكفي من أي طريق تحقّقت ولو بالدلك والمسح أو بسبب بعض الجمادات كالحجر وغيره ومرجع ذلك إلى المقام الأوّل الذي كان المخالف فيه هو المحدِّث الكاشاني(قدس سره) ومن المعلوم انّ السيّد لا يلتزم به بل يقول بلزوم تحقّق الغسل والتطهير بعد زوال العين ـ انّه لم يحصل لنا طريق إلى استكشاف الغرض
(الصفحة 19)
المذكور والفقيه تابع للدليل وقد عرفت انّ مفاده لزوم التطهير بالماء فهذا الوجه مصادرة محضة.
ومنها: الرواية وقد استدلّ بها المفيد(قدس سره) حيث قال بعد حكمه بجواز الغسل بالمضاف: «إنّ ذلك مروي عن الأئمّة (عليهم السلام)» والظاهر انّ مراده منها هي رواية واحدة لا جنسها الصادق على أزيد وانّها هي رواية غياث بن إبراهيم عن أبي عبدالله(عليه السلام)عن أبيه عن علي(عليه السلام) قال: لا بأس أن يغسل الدم بالبصاق.
ولكنّه يرد على الاستدلال بها ـ مضافاً إلى المناقشة في السند بل ضعفه ـ انّها أخصّ من المدعى لورودها في الدم والبصاق فلا دلالة لها على جريان الحكم في غير الدم من سائر النجاسات ولا غير البصاق من المايعات بل مقتضى هذه الرواية على طريق آخر انّه لا يغسل بالبصاق غير الدم كما في مرسلة الكليني أيضاً. ومن الواضح انّها بأجمعها رواية واحدة ولا يكون هناك تعدّد أصلاً ومعه لا يعلم انّ الصادر هل هو على النحو الأوّل أو الثاني وإن جعلها في الوسائل روايات متعدّدة كما هو دأبه في الموارد الكثيرة ومع ذلك فالرواية معرض عنها عند الأصحاب ولا تكون قابلة للاعتماد بوجه. مضافاً إلى أنّه لا يمكن ـ عادة ـ تطهير الدم بالبصاق بحيث كان جامعاً لشرائطه إلاّ إذا كان الدم قليلاً كما هو غير خفي.
فانقدح من جميع ما ذكرنا في هذا المقام بطلان الوجوه التي استند إليها لمرام العلمين وإنّ مقتضى التحقيق هو ما ذهب إليه المشهور بلا ارتياب في البين.
الجهة الثالثة: في أنّ المضاف ينجس بمجرّد الاملاقاة ولو كان ألف كرّ. قال المحقّق في الشرائع: «ومتى لاقته النجاسة نجس قليله وكثيره» ومرجع الضمير هو الماء المضاف.
أقول: امّا أصل انفعال الماء المضاف بمجرّد الملاقاة في الجملة فممّا وقع التسالم
(الصفحة 20)
عليه ولم يستشكل فيه أحد من الأصحاب.
وامّا إطلاق الحكم وشموله لما إذا كان كثيراً فمضافاً إلى الإجماع الذي نقله كثير من الأصحاب بحيث يظنّ بل يقطع بتحقّقه يدلّ عليه صحيحة زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت فإن كان جامداً فالقها وما يليها، وكلّ ما بقى، وإن كان ذائباً فلا تأكله واستصبح به والزيت مثل ذلك.
ودلالتها على عدم الفرق بين الكثير والقليل من السمن وكذا الزيت فيما إذا كانا ذائبين وانّ مجرّد الملاقاة توجب النجاسة ممّا لا إشكال فيه، فإنّ الإمام(عليه السلام) إنّما رتّب حرمة الأكل الملازمة للنجاسة في مثل المقام على طبيعة السمن في صورة الذوبان والميعان من دون أخذ قيد فيه من الظرف أو المقدار أو غيرهما من الخصوصيات، فإطلاقه يشمل ما إذا كان السمن كثيراً خصوصاً بعد ملاحظة انّه لم يقع ذلك جواباً لسؤال حتى يصير ذلك قرينة على عدم إرادة الإطلاق بل إنّما هو حكم ابتدائي صادر من الإمام(عليه السلام) وظاهره انّ موضوع ذلك الحكم هي نفس طبيعة السمن إذا كان ذائباً وكذا الزيت فاحتمال مدخلية القلّة في ترتّب الحكم لا وجه له مع ثبوت الإطلاق وعدم قرينة على التقييد، ودعوى الانصراف عن السمن والزيت الكثيرين مدفوعة بأنّها مجرّد ادّعاء لا بيّنة لها أصلاً كما لا يخفى.
ثمّ إنّه لا إشكال في عدم اختصاص الحكم المذكور في الرواية بخصوص الزيت والسمن بل يشمل جميع المايعات ما عدى الماء المطلق، وتوهّم الاختصاص ـ كما في الحدائق ـ حيث قال في مقام الإشكال على الاستدلال بالرواية لعدم الاختصاص: «هذا الاستدلال بمكان من الضعف إذ مورد الرواية ليس ممّا نحن فيه فإنّ المضاف في اصطلاحهم لا يشمل مثل الدهن والزيت وقياسه عليهما باعتبار الاشتراك في الميعان باطل عندنا، امّا أوّلاً فلعدم بناء الأحكام على القياس، وامّا ثانياً فلعدم