(الصفحة 252)
لا توجب الانفعال دون ما إذا كانت الملاقاة في غير الموضع.
والظاهر عدم مساعدة الدليل على اعتبار هذا الأمر بعد صدق ماء الاستنجاء وشمول الأخبار وكون الفرد من الأفراد المتعارفة ولاسيما بعد ملاحظة تداول الاجتماع في مكان يبقى فيه الماء وربّما يقع فيه الثوب وغيره لعدم تعارف وضع محلّ خاصّ له كما هو المتعارف بين أكثر الأعاجم والحكم بكونه نجاسة خارجية ودليل ماء الاستنجاء لا يشمله واضع المنع ومن المستبعد جدّاً أن تكون النجاسة بعينها غير مؤثّرة في انفعال ماء في الموضع ومؤثّرة فيه في نفس ذلك الماء بعد الانفصال عنه مع عدم حصول تغيير في الماء أصلاً كما هو المفروض.
الأمر الثالث: أن لا يكون متعدّياً بالتعدّي الفاحش بحيث لا يصدق معه الاستنجاء واعتبار هذا الأمر واضح لأنّه له مدخلية في قوام الموضوع وتحقّق العنوان والوجه فيه انّ الاستنجاء عبارة عمّا يستعمل في تطهير محلّ النجو والنجو ما يخرج من الموضع المعتاد من غائط أو ريح وهذا إنّما يصدق فيما إذا لم يتجاوز الغائط عن الموضع المعتاد مثل ما إذا أصاب الفخذ ـ مثلاً ـ فيبقى هذا الفرض تحت أدلّة الانفعال بلا إشكال.
الأمر الرابع: ما إذا لم تصل إليه نجاسة من خارج والدليل على اعتبار هذا الأمر وضوح انّ أدلّة طهارة ماء الاستنجاء أو العفو عنه إنّما تقتضي الطهارة أو العفو بملاقاة عين الغائط أو البول حال الاستنجاء، وامّا ثبوت أحدهما بوصول النجاسة إليه من الخارج فلم يقم عليه دليل من دون فرق بين ما لو كان المحلّ متنجّساً بنجاسة اُخرى وبين ما لو لاقته نجاسة خارجية أو كانت اليد متنجّسة قبل الاستنجاء فإنّ الحكم في جميع الموارد هو النجاسة والانفعال.
وقد حكم في المتن بأنّ مثل الدم الخارج مع الغائط أو البول يعدّ من هذا القبيل
(الصفحة 253)
حتّى فيما كان يعدّ جزءً منهما على الأحوط.
أقول: امّا ما يعدّ جزء منهما فالوجه في خروجه ما عرفت من عدم صدق ماء الاستنجاء على ماء قد استعمل في تطهير الدم الخارج من المحلّ لأنّ النجو ـ على ما مرّ ـ عبارة عمّا يخرج عادةً من المحلّ من الغائط والريح فالماء المستعمل في غسل الدم الخارج من المحلّ خارج عن هذا العنوان بلا إشكال.
وامّا ما يعدّ جزءً منهما فإن لم يكن بنحو يستهلك فيهما فالظاهر عدم صدق الاستنجاء أيضاً ولا مناص من الحكم بالنجاسة وإن نفى عنه البأس في العروة لكنّه لا يتمّ أصلاً ولاسيّما فيما إذا كان الدم مع البول دون الغائط لعدم دلالة دليل لفظي على طهارة الماء المستعمل في إزالة البول فإنّ الروايات قد وردت في ماء الاستنجاء وهو ماء يستعمل في تطهير محلّ النجو، غاية الأمر انّا ألحقنا البول بالغائط من جهة عدم معهودية الاستنجاء من الغائط في محلّ ومن البول في محلّ آخر وجريان العادة على الاستنجاء منهما في مكان واحد وقد حكم على الماء المستعمل في إزالتهما ـ الذي هو ماء واحد ـ بالطهارة فيستفاد من ذلك طهارة الماء المستعمل في إزالة البول أيضاً والقدر المتيقّن من هذه الملازمة هو طهارة الماء المستعمل في إزالة نفس البول، وامّا المستعمل في طهارة البول مع الدم فلم تتحقّق فيه ملازمة فإنّ خروج الدم معه أمر قديتّفق وليس أمراً دائمياً بل ولا غالبياً فلا مجال للحكم بطهارته.
نعم لو خرج من المحلّ مع الغائط بعض الأجسام الطاهرة كما إذا كان معه دود أو جزء غير منهضم من الغذاء أو شيء آخر فلا أثر له في نجاسة الماء كما هو واضح، كما أنّه لو أصاب المحلّ جسم طاهر فتأثّر منه فإنّه لا يؤثر في النجاسة ضرورة انّ العرف لا يتعقلون تأثيره في نجاسة المحل الذي تأثّر هو منه أوّلاً، نعم لو أصابه فتأثّر ثمّ رجع ثمّ أصابه ثانياً قبل التطهير فالظاهر تأثيره في نجاسة الماء لصدق
(الصفحة 254)
كونها نجاسة خارجية.
الأمر الخامس: سبق الماء على اليد والظاهر عدم اعتباره كما أفاده في المتن; لأنّ كلاًّ من سبق الماء على اليد وسبق اليد على الماء أمر متعارف في الاستنجاء والإطلاق يشملهما، نعم لو أصابت يده الغائط لا لأجل الاستنجاء بل بداعي أمر آخر لا وجه ـ حينئذ ـ للحكم بالطهارة لعدم صدق الاستنجاء في هذا الفرض، فتدبّر.
(الصفحة 255)
مسألة 27 ـ إذا اشتبه نجس بين أطراف محصورة كإناء في عشرة يجب الاجتناب عن الجميع، وإذا لاقى بعض أطرافه شيء وكانت الحالة السابقة في ذلك البعض النجاسة فالأحوط لو لم يكن الأقوى الحكم بنجاسة الملاقي ومع عدمها ففيه تفصيل1.
1 ـ الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين:
المقام الأوّل: في اشتباه النجس بين أطراف محصورة والفرق بينه وبين ما كان الأمر دائراً بين أطراف كثيرة ويعبّر عنه بالشبهة غير المحصورة فنقول ـ بعد انقسام الشبهة إلى القسمين: المحصورة وغيرها ـ انّه على التقديرين امّا أن يكون المقصود إحراز تنجيز العلم الإجمالي وانّه هل يكون العلم الإجمالي كالتفصيلي منجّزاً وموجباً لصحّة العقوبة واستحقاقها عند العقلاء ـ لو ارتكب أحد الأطراف واتّفق مصادفته للحرام الواقعي أو ارتكب الجميع ـ وامّا أن يكون النزاع في جواز الترخيص في بعض الأطراف أو جميعها وعدم جوازه، كما أنّ ذلك كلّه فيما لو كان التكليف الفعلي معلوماً بالقطع واليقين، وقد يقع الكلام أيضاً فيما لو قامت الأمارة على نجاسة شيء ـ مثلاً ـ وتردّد ذلك الشيء بين أمرين أو اُمور، أو على حرمته كذلك وكذا فيما لو كان مقتضى الأصل النجاسة أو الحرمة فنقول:
امّا لو علم ـ إجمالاً ـ بحرمة شيء مردّد بين أطراف محصورة أو نجاسته فلا إشكال في كون هذا العلم منجّزاً، لأنّ التنجيز ليس إلاّ مجرّد صحّة احتجاج المولى على العبد وجواز عقوبته على ارتكاب المحرم الواقعي ومخالفة التكليف كما يظهر بالمراجعة إلى العقلاء الذين هم المرجع في مثل المقام ممّا يرجع إلى الإطاعة والعصيان وما يترتّب عليهما من استحقاق الجنان والنيران وغيره من الآثار، ومن الواضح انّه لا فرق عندهم في تنجّز التكليف المعلوم بين ما إذا كان تعلّق العلم به
(الصفحة 256)
على سبيل التفصيل أو على نحو الإجمال بأن كان المعلوم مردّداً بين أمرين أو أزيد، فكما أنّه يكون العبد عاصياً مستحقّاً للعقوبة فيما لو ارتكب شرب الخمر المعلوم كذلك فيما لو ارتكب شرب الخمر المشتبه المردّد بين أطراف محصورة.
وبالجملة فهذا الحكم من الأحكام البديهية عند العقلاء ولا يقبل الخدشة بوجه وكما لا يجوز للمكلّف ارتكاب أحد الأطراف لتنجّز التكليف، كذلك لا يجوز للمولى الترخيص في ارتكاب بعض الأطراف للزوم المناقضة فإنّ الحكم بحرمة الخمر المردّد بين أشياء ، الذي يكون مرجعه إلى أنّ المولى لم يرفع يده عن تكليفه بمجرّد التردّد وإجمال المتعلّق، لا يجتمع مع الترخيص في بعض الأطراف الذي مرجعه إلى كون التكليف مرفوعاً على تقدير مصادفة ما رخّص فيه مع الحرام الواقعي، فثبوت التكليف على أي تقدير، ورفعه على بعض التقادير ممّا لا يجتمعان لأنّ مرجعه إلى اجتماع المتناقضين الذي يكون هو الأصل في الامتناع كارتفاعهما وإن كان الاجتماع يرجع أيضاً إلى الارتفاع كما لا يخفى.
وامّا الشبهة غير المحصورة فالتكليف الفعلي وإن كان معلوماً فيها إلاّ أنّه لا يكون منجّزاً لما عرفت من أنّ تنجّز التكليف ـ عند العقلاء ـ عبارة عن كونه بحيث يصحّ للمولى الاحتجاج به على العبد والمؤاخذة على مخالفته، وهذا لا يكون بمتحقّق في الشبهة غير المحصورة لأنّ احتمال المحرم الواقعي في كلّ واحد من الأطراف قد بلغ في الضعف إلى حدّ لا يكون مورداً لاعتناء العقلاء واعتمادهم عليه، بل ربما يعدّون من رتب الأثر على هذه المرتبة من الاحتمال سفيهاً غير عاقل، ألا ترى انّ من كان له ولد ـ مثلاً ـ في بلد عظيم كثير الأهل، وسمع وقوع حادثة في ذلك البلد منتهية إلى قتل واحد من ساكنيه، فلو رتّب الأثر على مجرّد احتمال كون المقتول ولده وأقام بتعزيته والتضرّع عليه لاحتمال انطباق المقتول على ولده المحبوب لكان