(الصفحة 279)
الاستصحاب والقاعدة فيه بعد وضوح كونه فرداً آخر من النجس غير الملاقى ـ بالفتح ـ .
وامّا الشقّ الثاني فلا مناص فيه منن الاجتناب عن الملاقى لأنّه وإن كانت أصالة الحلّية في الماء الموجبة لجواز شربه سليمة عن المعارض إلاّ انّ الثوب إذا لاقاه شيء ثالث يتشكّل من ذلك علم إجمالي آخر وهو العلم الإجمالي بنجاسة الملاقي للثوب أو بحرمة شرب الماء فالأصلان يتعارضان فيجب الاجتناب عن الملاقي كما أنّه يجب الاجتناب عن الماء ـ حينئذ ـ » .
ويرد عليه ـ مضافاً إلى أنّه بناء على تمامية ما أفاده يلزم تقييد وجوب الاجتناب عن الملاقى بما إذا كان الطرف غير الملاقى ـ بالفتح ـ مختصّاً بجريان الأصل فيه ولا ينبغي الإطلاق كما هو ظاهر، وإلى انّه من المستبعد جدّاً أن يكون ملاقاة شيء ثالث مع الثوب موجباً لتغيّر حكم الماء وصيرورة شربه حراماً بعد كونه حلالاً قبل الملاقاة مع عدم حصول تغيّر في الماء أصلاً ـ انّه قد تقرّر في محلّه انّه في أطراف العلم الإجمالي تتعارض جميع الاُصول من دون اعتبار المسانخة والاتحاد في الرتبة مثلاً لو صحل لنا علم إجمالي امّا بنجاسة هذا الماء الواقع في الاناء أو بغصبية ذاك الثوب لا مجال للإشكال في أنّ اصالة الاباحة في جانب الثوب كما أنّها تعارض اصالة الاباحة في الماء كذلك تعارض أصالة الطهارة في الماء مع عدم المسانخة بينهما أصلاً، بل المعارضة ابتداء إنّما هي بين أصالة الاباحة في الثوب واصالة الطهارة في الماء لأنّ العلم الإجمالي إنّما تعلّق بالنجاسة أو الغصبية وهل يمكن أن يلتزم في المثال بأنّ أصالة الاباحة في الثوب تعارض اصالة الطهارة في الماء فتسقطان فتبقى أصالة الاباحة في الماء سليمة عن المعارض فلا مانع من شربه وإن لم تحرز طهارته أو يقال بتعارضها مع أصالة الاباحة في الماء فتبقى أصالة الطهارة فيها باقية من دون
(الصفحة 280)
معارض فيعامل معه معاملة الطهارة وإن لم يجز شربه كلّ ذلك إنّما هو لأجل عدم اعتبار المسانخة في تحقّق التعارض بين الاُصول الجارية في أطراف العلم الإجمالي أولاً وعدم كون الوحدة من جانب والتعدّد من الجانب الآخر موجباً لخلوّ الأصل الزائد وسلامته عن المعارض، بل الظاهر انّ الأصل الواحد في طرف يعارض الأصل في الطرف الآخر ولو كان متعدّداً وإلاّ فيلزم ما ذكر من الالتزام امّا بالطهارة في المثال الذي ذكرنا وامّا بالحلّية مع وضوح عدم إمكان الالتزام بشيء منهما كما لايخفى.
الصورة الثانية: ما إذا حصلت الملاقاة والعلم بها قبل حدوث العلم الإجمالي كما إذا علمنا بملاقاة شيء لأحد المائين في زمان وبعد ذلك علمنا بنجاسة أحدهما إجمالاً وقد اختلفت الأنظار في هذه الصورة في وجوب الاجتناب عن الملاقي وعدمه:
فذهب الشيخ الأعظم الأنصاري (قدس سره) إلى عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي في هذه الصورة أيضاً نظراً إلى أنّ العلم الإجمالي وإن كان حاصلاً بوجوب الاجتناب عن هذا الماء أو الماء الآخر وملاقيه إلاّ أنّ الشكّ في نجاسة الملاقي مسبّب عن الشكّ في نجاسة الملاقى والأصل الجاري في السبب متقدّم بحسب الرتبة على الأصل الجاري في المسبّب لكنّه حيث يكون الأصل الجاري في السبب مبتلى بالمعارضة مع الأصل الجاري في الطرف الآخر فيتحقّق التساقط يبقى الأصل الجاري في المسبّب سليماً عن المعارض وعن الأصل الذي يتقدّم عليه رتبة.
وذهب المحقّق الخراساني(قدس سره) في الكفاية إلى وجوب الاجتناب عن الملاقي في هذه الصورة لأنّ العلم الإجمالي من أوّل حدوثه قد تعلّق بنجاسة هذا الماء أو الملاقى والملاقي معاً فأحد طرفيه واحد والطرف الآخر متعدّد فهو نظير العلم الإجمالي
(الصفحة 281)
بنجاسة هذا الاناء الكبير أو ذينك الانائين الصغيرين، فكما أنّ طرف المعارضة مع الأصل الجاري في الاناء الكبير هو كلا الأصلين الجاريين في الانائين الصغيرين فكذلك الأصل الجاري في الملاقي ـ بالكسر ـ في هذه الصورة يكون معارضاً مع الأصل الجاري في الطرف الآخر من دون تقدّم وتأخّر فيجب الاجتناب عن الملاقي أيضاً.
وفصّل بعض الأعلام في الشرح ـ على ما في تقريراته ـ نظراً إلى أنّ لهذه الصورة شقّين: أحدهما ما إذا كان المنكشف بالعلم الإجمالي المتأخّر عن العلم بالملاقاة متقدّماً عليه، كما إذا علمنا يوم الخميس بحدوث الملاقاة وحصل العلم الإجمالي يوم الجمعة بنجاسة أحد الانائين يوم الأربعاء فالكاشف وإن كان متأخّراً إلاّ أنّ المنكشف متقدّم عليه.
وثانيهما: ما إذا كان المنكشف مقارناً معه كما إذا علمنا بقوع ثوب في أحد الانائين يوم الخميس وحصل العلم الإجمالي يوم الجمعة بوقوع قطرة دم على أحد الانائين حين وقوع الثوب في أحدهما.
فاختار عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي في الشقّ الأوّل لا من جهة تقدّم الأصل الجاري في الملاقي رتبة على الأصل في الملاقى بالتقريب الذي أفاده الشيخ(قدس سره)لعدم استقامته من جهة أنّ أدلّة اعتبار الاُصول إنّما هي ناظرة إلى الأعمال الخارجية ولذا سمّيت بالاُصول العملية وغير ناظرة إلى أحكام الرتبة بوجه، نعم التقدّم الرتبي إنّما يجدي على ت قدير جريان الأصل في السبب لأنّه لا يبقى مجالاً لجريان الأصل المسبّبي، وامّا على تقدير عدم جريانه فهو والأصل المسبّبي على حدٍّ سواء، وكما أنّه طرف للمعارضة كذلك الأصل المسبّبي بل الوجه في ذلك تقدّم المنكشف على زمان العلم بالملاقاة وإن كان الكاشف متأخّراً والاعتبار إنّما هو بالمنكشف لا بالكاشف
(الصفحة 282)
لوجوب ترتيب آثار المنكشف من زمان حدوثه فيجب في المثال ترتيب آثار النجاسة من يوم الأربعاء لا من زمان الكاشف وعلى هذا.
واختار وجوب الاجتناب عن الملاقي في الشقّ الثاني لما أفاده صاحب الكفاية والمفروض اتّحاد زمان حدوث النجاسة بين الانائين والملاقاة فأحد طرفي العلم الإجمالي واحد وطرفه الآخر مركّب من أمرين فيجب الاجتناب عن الاُمور الثلاثة.
وأنت خبير بأنّ المراد من تقدّم المنكشف على زمان الملاقاة والعلم بها وكون الاعتبار به لا بالكاشف إن كان هو تقدّم المنكشف زماناً على زمانهما فهو وإن كان ممّا لا ريب فيه إلاّ أنّ البحث في زمان وجوب ترتيب آثار المنكشف.
ومن الواضح انّ وجوب ترتيب الآثار إنّما جاء من قبل العلم الإجمالي الحادث يوم الجمعة ولا يعقل تقدّم التنجّز الذي هو من آثار العلم الإجمالي على زمان حدوثه، غاية الأمر انّه بعد حصول العلم الإجمالي ومجيء الوجوب من قبله تصير دائرة الواجب متّسعة وإلاّ فالوجوب الجائي من قبل العلم لا يعقل أن يتقدّم عليه، وعليه فالتنجّز إنّما حدث يوم الجمعة وتعارض الأصلين قد تحقّق فيه ضرورة انّ جريان الأصل في مورد الشكّ وحدوثه إنّما هو يوم الجمعة، وعليه فكما أنّ الأصل الجاري في الملاقى ـ بالفتح ـ يعارض الأصل الجاري في الطرف الآخر كذلك الأصل الجاري في الملاقي ـ بالكسر ـ من دون فرق بنيهما أصلاً والعلم الإجمالي وإن كان طريقاً إلى المعلوم إلاّ أنّه موضوع لآثاره التي منها التنجّز ويتّجه هذا الإشكال خصوصاً على مبناه من عدم كون العلم الإجمالي منجّزاً بوجه وحصول التنجّز إنّما هو من جهة سقوط الأصلين وعدم ثبوت مؤمن في البين ضرورة انّ الشكّ إنّما حدث يوم الجمعة فالتعارض واقع فيه وإن كان المشكوك متقدّماً زماناً لكن الكلام
(الصفحة 283)
ليس فيه بل في جريان الاُصول وتساقطها كما لا يخفى.
وهل يلتزم المفصل بنظيره كما فيما إذا خرج أحد الطرفين عن الابتلاء يوم الخميس وحصل العلم الإجمالي يوم الجمعة بنجاسة أحدهما يوم الأربعاء فيقول بوجوب الاجتناب عن الآخر لأنّ العبرة بالمنكشف وفي زمانه لم يتحقّق الخروج عن محلّ الابتلاء أصلاً، فالإنصاف عدم تمامية هذا التفصيل بل الحقّ ما أفاده في الكفاية من وجوب الاجتناب عن الملاقي في هذه الصورة مطلقاً فتدبّر جيّداً.
الصورة الثالثة: ما حكم فيها في الكفاية بلزوم الاجتناب عن الملاقي ـ بالكسر ـ دون الملاقى ـ بالفتح ـ وقد ذكر لها موردان: أحدهما ما لو علم نجاسته أو نجاسة شيء آخر ثمّ حدث العلم بالملاقاة والعلم بنجاسة الملاقي أو ذاك الشيء أيضاً وذكر في وجه عدم وجوب الاجتناب عن الملاقى ـ بالفتح ـ في هذه الصورة: انّ حال الملاقى في هذه الصورة بعينها حال ما لاقاه في الصورة السابقة في عدم كونه طرفاً للعلم الإجمالي وانّه فرد آخر على تقدير نجاسته واقعاً غير معلوم النجاسة أصلاً لا إجمالاً ولا تفصيلاً.
ثانيهما: ما لو علم بالملاقاة ثمّ حدث العلم الإجمالي ولكن كان الملاقي خارجاً عن محلّ الابتلاء في حال حدوثه وصار مبتلى به بعده والسرّ في عدم وجوب الاجتناب عن الملاقى ـ بالفتح ـ في المورد الأوّل ما مرّت الإشارة إليه من أنّ شرط تنجيز العلم الإجمالي أن يكون متعلّقاً بالتكليف الفعلي على أي تقدير ولو سبق التكليف إلى بعض الأطراف قبل تعلّق العلم الثاني لما يؤثّر المتأخّر أصلاً لتردّد متعلّقه بينما كان واجب الاجتناب لولا هذا العلم وما ليس كذلك، ومع العلم الأوّل بنجاسة الملاقي ـ بالكسر ـ أو الطرف يكون العلم كاشفاً فعلياً عن التكليف بينهما ومنجّزاً فعلياً على جميع التقادير فإذا حصل العلم بأنّ نجاسة الملاقي ـ بالكسرـ على