في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة101)



وممّا ذكرنا يظهر ما في محكي كشف اللثام ، تبعاً للّمعة(1) والروضة(2) من أنّ إطلاق الخبرين وكلمة الأصحاب منزّل على الحدّ الذي يقتضيه ما وقع من الإقرار ، فلا يحدّ مائة ما لم يقرّ أربعاً ، ولا ثمانين ما لم يقرّ مرّتين ، ولا تتعيّن المائة إذا أقرّ أربعاً ، ولا الثمانون إذا أقرّ مرّتين(3) . والوجه في بطلان ذلك ما عرفت من عدم الالتفات إلى موضوع المسألة وما هو المفروض في الرواية ، مع أنّه لأيّة جهة يتصرّف في إطلاق الرواية ، وما الدليل على التقييد بعد الاختلاف في الموضوع؟ فإنّ احتياج ثبوت الزنا إلى الإقرار أربعاً لا يستلزم كون الإقرار بالحدّ الثابت شرعاً محتاجاً إلى التعدّد ، وأيّ ارتباط بين المسألتين؟
فالإنصاف أنّ كلّ ذلك يرجع إلى الخلط في المقام من جهة ، وعدم التسليم لحكم الإمام المدلول عليه بالرواية الصحيحة من جهة أخرى ، وإلى عدم الالتفات إلى كون الحكم حكماً تعبديّاً جاء بطريق صحيح معمول به ، وإن كان على خلاف القاعدة المقتضية للتكليف بالبيان ، وحمله على التعيين ولو بالحبس ونحوه ، كما أنّ أصل احتياج ثبوت الزنا مثلا إلى الإقرار أربعاً على خلاف القاعدة ، المقتضية لنفوذ إقرار العقلاء على أنفسهم ، المتحقّق بالإقرار مرّة واحدة كما لا يخفى .
ثمّ إنّ هنا رواية مرسلة محكيّة عن مقنع الصدوق قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام)في رجل أقرّ على نفسه بحدّ ولم يبيّن أيّ حدّ هو أن يجلد حتّى يبلغ ثمانين ، فجلد ، ثمّ قال: لو أكملت جلدك مائة ما ابتغيت عليه بيّنة غير نفسك(4) .


(1) اللمعة الدمشقية: 166 .
(2) الروضة البهيّة: 9/126 .
(3) كشف اللثام: 2/395 .
(4) مستدرك الوسائل: 18 / 15 ، أبواب مقدّمات الحدود ب9 ح2 .

(الصفحة102)



وأفتى بمضمونه ابن إدريس(1) ، حيث اعتبر في المقام عدم التجاوز عن المائة وعدم النقصان عن ثمانين ، واستدلّ له أيضاً بأنّ أقلّ الحدّ ثمانون وأكثره مائة .
وأورد عليه بأنّ التمسّك بالرواية لا يوافق ما ذهب إليه في مسألة حجيّة خبر الواحد من عدم الحجيّة ولو كان الراوي ثقة عدلا ، فضلا عمّا إذا كانت الرواية مرسلة كما في المقام ، وبأنّ أقلّ الحدّ ليس هو الثمانين ، بل خمساً وسبعين كما في القيادة .
وقد ذكر المحقّق في الشرائع بعد نقل قول ابن إدريس: «وربّما كان صواباً في طرف الكثرة ، ولكن ليس بصواب في طرف النقصان ، لجواز أن يريد بالحدّ التعزير»(2) .
وأورد عليه صاحب المسالك بأنّ الحدّ حقيقة شرعية في المقدّرات المذكورة ، وإطلاقه على التعزير مجاز لا يصار إليه عند الإطلاق بدون القرينة ، ثمّ على تقدير حمله على التعزير فأمره منوط بنظر الحاكم غالباً ، ونظر الحاكم يتوقّف على معرفة المعصية ليرتّب عليها ما يناسبها ، لا بمجرّد التشهّي ، ومن التعزير ما هو مقدّر ، فجاز أن يكون أحدها ، فيشكّل تجاوزها أو نقصها بدون العلم بالحال(3) .
والحقّ أنّه إن قلنا: بأنّ إرسال هذه الرواية يمنع عن اعتبارها ، كما يظهر من صاحب الجواهر(4) ، فاللازم الأخذ بمقتضى الصحيحة المتقدّمة ، فيضرب ما لم ينه


(1) السرائر: 3/455 ـ 456 .
(2) شرائع الإسلام: 4/935 .
(3) مسالك الأفهام: 14/346 .
(4) جواهر الكلام 41/287 .

(الصفحة103)



وإن زاد على المائة; لاحتمال وقوعه منه في مكان شريف أو زمان كذلك ، ويترك مع نهيه ، وإن نقص عن أقلّ الحدّ; لاحتمال إرادة التعزير منه ولو على أن يكون نهيه قرينة على ذلك مع فرض المجازيّة .
وإن لم نقل بذلك ، نظراً إلى أنّ الإرسال على قسمين: قسم يكون قول الإمام (عليه السلام) ، أو فعله ، أو تقريره منسوباً إلى الرواية بقوله: روي كذا وكذا . وقسم يسند الراوي أحد هذه الأمور إلى الإمام مستقيماً ، فهذا القسم من الإرسال ـ الذي هو لا يتحقّق إلاّ مع توثيق الرواة الواقعة في سند الرواية بأجمعها ـ يكون مشمولا لأدلّة حجيّة خبر الواحد ، ويكون حجّة كما في المقام ، حيث نسب الصدوق القضاء المذكور في الرواية إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فاللاّزم ملاحظة هذه الرواية في المسألة أيضاً مع الصحيحة المتقدّمة .
فنقول: يمكن أن يقال بكون المرسلة مقيّدة للصحيحة ، بمعنى اشتراط عدم كون الضرب المذكور في الصحيحة ناقصاً عن ثمانين ، ولا زائداً على المائة ، ولكنّ الظّاهر أنّ هذا لا يكون جمعاً عقلائياً متداولا بين المطلق والمقيّد ، فالّلازم إمّا ترجيح الصحيحة لموافقتها للمشهور في الجملة ، وإمّا الحكم بالتخيير ، بمعنى أنّ الحكم في الإقرار على سبيل الإجمال ، إمّا الإيكال إلى المقرّ ، فيضرب حتّى ينهى ، وإمّا الإيكال إلى الحاكم ، فالّلازم رعاية الزيادة والنقصان المذكورين في المرسلة ، وإمّا الحكم بالتخيير ، بمعنى اختيار المجتهد في الأخذ بأيّهما والحكم على طبقه ، فتدبرّ .
وفي الختام يرد على مثل المحقّق أنّ كلامهم لا يرجع لا إلى العمل بالصحيحة ، ولا إلى العمل بالمرسلة ، ولا إلى ملاحظة القاعدة المقتضية لعدم الاعتناء بالإقرار الإجمالي ، أو لإلزامه بالبيان ولو بالحبس مدّة ، كما لا يخفى .


(الصفحة104)

مسألة 5: لو أقرّ بما يوجب الرجم ثمّ أنكر سقط الرجم ، ولو أقرّ بما لا يوجبه لم يسقط بالإنكار ، والأحوط إلحاق القتل بالرجم ، فلو أقرّ بما يوجب القتل ثمّ أنكر لم يحكم بالقتل1.


1 ـ في هذه المسألة فروع ثلاثة:
الأوّل: لو أقرّ بما يوجب الرجم ـ بمعنى تحقّق الإقرار منه أربعاً ; لعدم كون الأقلّ موجباً للرجم كما مرّ ـ ثمّ أنكر ، فالمشهور سقوط الرجم ، بل حُكي نفي وجدان الخلاف فيه عن الفخر(1) . بل ادّعى الإجماع عليه كما في الجواهر(2) .
ويدلّ عليه قبل ذلك الروايات المستفيضة:
منها: صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل أقرّ على نفسه بحدٍّ ثمّ جحد بعدُ ، فقال: إذا أقرّ على نفسه عند الإمام أنّه سرق ثمّ جحد ، قطعت يده وإن رغم أنفه ، وإن أقرّ على نفسه أنّه شرب خمراً أو بفرية فاجلدوه ثمانين جلدة . قلت: فإن أقرّ على نفسه بحدّ يجب فيه الرجم أكنت راجمه؟ فقال: لا ، ولكن كنت ضاربه الحدّ(3) . والجواب شاهد على أنّ المراد من الإقرار في السؤال هو الإقرار بما يوجب الحدّ لا بالحدّ نفسه ، ولو سلّم ظهور السؤال في ذلك ، وعليه فالمراد من الإقرار هو الإقرار المعتبر في ثبوت الحدّ .
ومنها: رواية اُخرى للحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا أقرّ الرجل على نفسه بحدّ أو فرية ثمّ جحد جلد ، قلت: أرأيت إن أقرّ على نفسه بحدّ يبلغ فيه الرجم


(1) إيضاح الفوائد: 4/473 .
(2) جواهر الكلام: 41/291 .
(3) وسائل الشيعة: 18 / 318 ، أبواب مقدّمات الحدود ب12 ح1 .

(الصفحة105)



أكنت ترجمه؟ قال: لا ، ولكن كنت ضاربه(1) .
والظاهر أنّها متّحدة مع الرواية الاُولى ، وعدم كونهما متعدّدتين ، وإن جعلهما في الوسائل كذلك كما هو دأبه في كثير من الموارد .
ومنها: صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: من أقرّ على نفسه بحدٍّ أقمته عليه إلاّ الرجم ، فإنّه إذا أقرّ على نفسه ثمّ جحد لم يرجم(2) .
وغير ذلك من الروايات الدالّة على سقوط الرجم بالإنكار بعد الإقرار ، ومع هذه الروايات لا يبقى مجال لاحتمال عدم السقوط على ما هو مقتضى القاعدة ، نظراً إلى ظهور مثل الرواية المشتملة على قصّة ماعز(3) في أنّ بالإقرار أربعاً تتمّ الشهادات الأربع ، ويترتّب الرجم ، فلا يجدي الإنكار بعده ، ضرورة أنّه اجتهاد في مقابل النصّ الصريح كما هو ظاهر .
ويبقى في هذا الفرع أمران:
الأوّل: أنّه هل يحتاج سقوط الرجم إلى اليمين ، أو أنّه يسقط بمجرّد الإنكار ولو لم  يتحقّق الحلف؟ ظاهر الروايات المتقدّمة ترتّب السقوط على مجرّد الإنكار ولو لم  يكن هناك يمين . ولكن حكي عن جامع البزنطي أنّه يحلف ويسقط عنه الرجم ، وأنّه رواه عن الصادقين (عليهما السلام) بعدّة أسانيد(4) . ولكن في الجواهر: لم نقف على شيء منها ، فالمتَّجه عدم اعتباره(5) .
الأمر الثاني: أنّه بعد سقوط الرجم هل يترك المقرّ ، أو يضرب حدّاً ، أو تعزيراً؟


(1 ، 2) وسائل الشيعة: 18 / 319 ، أبواب مقدّمات الحدود ب12 ح2 و 3 .
(3) تقدّمت في ص84 .
(4) رياض المسائل: 10/26 ، كشف اللثام: 2/395 .
(5) جواهر الكلام: 41/292 .

(الصفحة106)



ظاهر الصحيحة الاُولى ثبوت الجلد بعنوان الحد ، ولا يعارضه قوله (عليه السلام) «ترك ولم يرجم» في مرسلة جميل الآتية ، كما لا يخفى ، ولكن يمكن أن يكون المراد منه التعزير ، والتحقيق يقتضي ملاحظة أنّه في موارد ثبوت الرجم هل يكون الجلد أيضاً ثابتاً أو لا؟ وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى(1) .
الفرع الثاني: لو أقرّ بما لا يوجب الرجم من سائر الحدود غير القتل ثم أنكر ، فالمشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة محقّقة بل احتمل ثبوت الإجماع عليه عدم سقوطه بالإنكار ، كما هو مقتضى القاعدة ، ولكنّ المحكيّ عن الخلاف والغنية(2)السقوط . قال في الخلاف: «إذا أقرّ بحد ثمّ رجع عنه سقط الحدّ ، وهو قول أبي حنيفة(3) والشافعي(4) وإحدى الروايتين عن مالك ، وعنه رواية اُخرى أنّه لا يسقط(5) . وبه قال الحسن البصري وسعيد بن جبير وداود(6) . دليلنا: إجماع الفرقة ، وأيضاً فإنّ ماعزاً أقرّ عند النبي(صلى الله عليه وآله) بالزنا فأعرض عنه مرّتين أو ثلاثاً ، ثمّ قال: لعلّك لمست ، لعلّك قبّلت ، فعرض له بالرجوع حين أعرض عند إقراره ، وصرّح له بذلك في قوله: «لعلّك لمست ، لعلّك قبّلت» ولو لا أنّ ذلك يقبل منه لم يكن له فائدة»(7) .
أقول: أمّا تمسّكه بالإجماع ، فيرد عليه وضوح الخلاف ، وأنّ الشهرة المحقّقة


(1) في 167 ـ 170 .
(2) غنية النزوع: 424 .
(3) المغني لابن قدامة: 10/173 ، المبسوط للسرخسي: 9/94 .
(4) الام: 6/155 ، مختصر المزني: 261 .
(5) بداية المجتهد: 2/434 ، أسهل المدارك: 2/263 .
(6) المغني لابن قدامة: 10/173 ، الشرح الكبير: 10/194 ـ 195 .
(7) الخلاف: 5/378 ـ 379 مسألة 17 .

(الصفحة107)



قائمة على عدم السقوط ، وأمّا تمسّكه بقصّة ماعز ، فيرد عليه وضوح أنّ إعراض النبي(صلى الله عليه وآله) عنه والترديد له بالقول المزبور يرجع إلى أنّ مراده(صلى الله عليه وآله) عدم تحقّق الإقرار منه أربعاً حتّى يجب الرجم ، والكلام في المقام إنّما هو في الإنكار بعد تحقّق الإقرار المعتبر في ثبوت الحدّ ، وهو الأربع في الزنا ، فهذا الاستدلال لا يرتبط بالمقام ، مضافاً إلى أنّها واردة في مسألة الرجم ، ولا شهادة فيها على السقوط في سائر الحدود ، إلاّ أن يحمل كلام الشيخ على خصوص حدّ الرجم .
وكيف كان ، فيدلّ على عدم السقوط في المقام أكثر الروايات المتقدّمة في الفرع الأوّل . نعم في مقابلها مرسلة جميل ، عن أحدهما (عليهما السلام) في رجل أقرّ على نفسه بالزنا أربع مرّات وهو محصن ، رجم إلى أن يموت أو يكذّب نفسه قبل أن يرجم فيقول: لم أفعل ، فإن قال ذلك ترك ولم يرجم ، وقال: لا يقطع السارق حتّى  يقرّ بالسرقة مرّتين ، فإن رجع ضمن السرقة ولم يقطع إذا لم يكن شهود ، وقال: لا  يرجم الزاني حتّى يقرّ أربع مرّات بالزنا إذا لم يكن شهود ، فإن رجع ترك ولم يرجم(1) .
فإنّ ظاهره أنّ الرجوع في السرقة بعد الإقرار مرّتين يوجب سقوط حدّ القطع ، وحمل قوله (عليه السلام): «فإن رجع ضمن السرقة» على كون المراد هو الرجوع قبل تحقّق إقرارين ، خلاف الظاهر ، ويؤيّده قوله (عليه السلام) في ذيل الرواية: «فإن رجع ترك ولم يرجم» ، فاللازم بعد كون الرواية معارضة لخصوص صحيحة الحلبي المتقدّمة المصرِّحة بعدم السقوط في مورد السرقة هو ترجيح الصحيحة ; لموافقتها للشهرة المحقّقة كما عرفت ، مضافاً إلى أنّ في سند الرواية عليّ بن حديد ، وقد حكي عن


(1) وسائل الشيعة: 18 / 320 ، أبواب مقدّمات الحدود ب12 ح5 .

(الصفحة108)



الشيخ تضعيفه(1) .
الفرع الثالث: ما إذا أقرّ بما يوجب القتل ثمّ أنكر ، فهل يسقط عنه القتل أم لا؟
فيه وجهان: واختار الأوّل صاحب الجواهر(2) تبعاً للمحكي عن ابن حمزة(3)وصاحب الرياض(4) . وجعله في المتن مقتضى الاحتياط .
والوجه في السقوط ـ مضافاً إلى الاحتياط في الدماء وبناء الحدّ على التخفيف ، وإلغاء الخصوصية من الروايات الواردة في الرجم الدالّة على السقوط بالرجوع ـ مرسلة ابن أبي عمير ، عن جميل بن درّاج ، عن بعض أصحابه ، عن أحدهما (عليهما السلام)أنّه قال: إذا أقرّ الرجل على نفسه بالقتل قتل إذا لم يكن عليه شهود ، فإن رجع وقال: لم أفعل ، ترك ولم يقتل(5) . واحتمال كون المراد من إقرار الرجل على نفسه هو إقراره بصدور القتل منه بحيث كانت الرواية مرتبطة بباب القصاص والديّات ، مدفوع بأنّ الحكم بتعيّن القتل ولزومه مطلقاً مع عدم الرجوع لا ينطبق إلاّ على ما إذا كان المقرّ به ما يوجب حدّ القتل ، ضرورة أنّه على تقدير الاحتمال المذكور لا يتعيّن القتل مطلقاً ، بل إن كان القتل عمداً يتحقّق موضوع القصاص ، فيقتل على تقدير إرادة ورثة المقتول ذلك وعدم أخذ الديّة ، وإن كان القتل خطأ يتعيّن الرجوع إلى الديّة ، فالحكم بتعيّن القتل بمجرّد الإقرار لا ينطبق إلاّ على المقام ، فلا مجال للاحتمال المذكور .


(1) الفهرست: 153 رقم 382 .
(2) جواهر الكلام: 41/292 .
(3) الوسيلة: 410 .
(4) رياض المسائل: 10/27 .
(5) وسائل الشيعة: 18 / 320 ، أبواب مقدّمات الحدود ب12 ح4 .

(الصفحة109)

مسألة 6: لو أقرّ بما يوجب الحد ثمّ تاب كان للإمام(عليه السلام) عفوه أو إقامة الحدّ عليه رجماً كان أو غيره ، ولا يبعد ثبوت التخيير لغير إمام الأصل من نوّابه1.


1 ـ في الجواهر: بلا خلاف أجده في الأوّل ـ يعني الرجم ـ بل في محكيّ السرائر(1) الإجماع عليه ، بل لعلّه كذلك في الثاني أيضاً ، وإن خالف هو فيه(2) . ويدلّ على أصل الحكم النصوص الواردة في المقام:
منها: رواية ضريس الكناسي ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لا يعفى عن الحدود التي لله دون الإمام ، فأمّا ما كان من حقّ الناس في حدٍّ فلا بأس بأن يعفى عنه دون الإمام(3) . فإنّ مقتضى الفقرة الاُولى أنّ الإمام له أن يعفي عن الحدود التي لله ، والقدر المتيقّن صورة ما إذا كان ثابتاً بالإقرار ، وليس له إطلاق يشمل صورة الشهادة أيضاً ; لعدم كونها في مقام البيان في جانب الإثبات ، حتّى يتمسّك بإطلاقه ، ولكن الإشكال في سند الحديث من جهة ضريس ، نظراً إلى عدم ورود مدح ولا قدح فيه ، ويمكن دفعه من جهة وقوع ابن محبوب في السند ، نظراً إلى كونه من أصحاب الإجماع .
ومنها: مرسلة أبي عبدالله البرقي ، عن بعض أصحابه ، عن بعض الصادقين (عليهم السلام)قال: جاء رجل إلى أميرالمؤمنين (عليه السلام) فأقرّ بالسرقة ، فقال له: أتقرأ شيئاً من القرآن؟ قال: نعم سورة البقرة ، قال: قد وهبت يدك لسورة البقرة ، قال: فقال الأشعث: أتعطّل حدّاً من حدود الله؟ فقال: وما يدريك ما هذا; إذا قامت البيّنة فليس للإمام


(1) السرائر: 3/444 .
(2) جواهر الكلام: 41/293.
(3) وسائل الشيعة: 18 / 330 ، أبواب مقدّمات الحدود ب18 ح1 .

(الصفحة110)



أن يعفو ، وإذا أقرّ الرجل على نفسه فذاك إلى الإمام إن شاء عفا ، وإن شاء قطع(1) . وكون المورد هي السرقة لا يوجب اختصاص الضابطة المذكورة في الذيل بها ، وإن ورد فيها قوله (عليه السلام): «وإن شاء قطع» فإنّ الظاهر أنّ المراد ليس خصوص القطع ، بل إجراء الحدّ ، قطعاً كان أو غيره ، كما أنّه على تقدير خروج المورد ـ وهي السرقة ـ عن الضابطة المذكورة كما سيأتي لا يقدح ذلك في التمسّك بالضابطة والعمل بها ، فتدبّر .
ومنها: ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن يحيى ، عن طلحة بن زيد ، عن جعفر (عليه السلام) قال: حدّثني بعض أهلي أنّ شاباً أتى أمير المؤمنين (عليه السلام)فأقرّ عنده بالسرقة ، قال: فقال له عليّ (عليه السلام): إنّي أراك شابّاً لابأس بهبتك ، فهل تقرأ شيئاً من القرآن؟ قال: نعم سورة البقرة ، فقال: قد وهبت يدك لسورة البقرة ، قال: وإنّما منعه أن يقطعه لأنّه لم يقم عليه بيّنة(2) .
والظاهر اتّحادها مع الرواية السابقة ، خصوصاً مع نقل الشيخ(قدس سره) لها بهذا السند ، كما في الوسائل ، وإن جعلت فيها وفي بعض الكتب الفقهية رواية اُخرى لطلحة بن زيد. قال في الفهرست: له ـ أي لطلحة ـ كتاب وهو عاميّ المذهب إلاّ أنّ كتابه معتمد(3).
ومنها: رواية الحسن بن عليّ بن شعبة في «تحف العقول» عن أبي الحسن الثالث (عليه السلام) في حديث قال: وأمّا الرجل الذي اعترف باللواط فإنّه لم يقم عليه البيّنة ، وإنّما تطوّع بالإقرار من نفسه ، وإذا كان للإمام الذي من الله أن يعاقب


(1) وسائل الشيعة: 18 / 331 ، أبواب مقدّمات الحدود ب18 ح3 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 488 ، أبواب حدّ السرقة ب3 ح5 .
(3) الفهرست: 149 رقم 372 .

(الصفحة111)



عن الله كان له أن يمنّ عن الله ، أما سمعت قول الله: {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامنُن أَو أَمسِك بِغَيرِ حِسَاب}(1) .
إذا عرفت ما ذكرنا من روايات المسألة ، فالكلام يقع في أمور:
الأوّل: أنّه بملاحظة الروايات المذكورة لا مجال للخدشة في أصل الحكم ، وهو كون الإمام مخيّراً بين العفو وبين إجراء الحدّ في الصورة المفروضة في المسألة ، لأنّه ـ مضافاً إلى اعتبار بعض الروايات ، بل كثير منها لما ذكرنا ـ يكون استناد المشهور إليها والفتوى على طبقها ، مع كونها مخالفة للأدلّة الواردة في الحدود ، ولذا اعترض أشعث على أمير المؤمنين (عليه السلام) بأنّ ذلك يلزم تعطيل حدّ من حدود الله تعالى يكون جابراً لضعفها على تقديره ، فأصل الحكم ممّا لا إشكال فيه .
الثاني: إنّ ظاهر المشهور بل المتّفق عليه بين الأصحاب ، عدم كفاية الإقرار بمجرّده ، ولزوم التوبة بعده في ثبوت التخيير المذكور ، مع أنّه لا يكون في شيء منها ظهور في اعتبارها ومدخليّتها ، وربّما يقال: إنّ الوجه في اعتبار التوبة أنّ الغالب في كلّ مقرّ إرادة تطهيره من ذنبه ، والندم على فعله ، كما صرّح به في جملة من نصوص الإقرار المتقدّمة ، مضافاً إلى إشعار قوله (عليه السلام) في الرواية الأخيرة ، وإنّما تطوّع بالإقرار من نفسه .
ولكن يدفعه ـ مضافاً إلى منع كون الإقرار ملازماً غالباً للتوبة التي حقيقتها الندم على الفعل ، والعزم على عدم العود إليه ، فإنّ إرادة تخفيف العذاب الاُخروي لا تلازم التوبة بالمعنى المذكور ـ أنّ ظاهرهم اعتبار التوبة بعد الإقرار ، ولا يكفي


(1) تحف العقول: 481 ، وسائل الشيعة: 18 / 331 ، أبواب مقدّمات الحدود ب18 ح4 والآية في سورة ص38: 39 .

(الصفحة112)



كون الغالب في الإقرار ما ذكر ، الذي لازمه عدم الحاجة إلى التوبة بعده ، والإشعار في الرواية الأخيرة لا حجيّة فيه بوجه . نعم مناسبة الحكم والموضوع تقتضي اعتبار التوبة ، فإنّ العفو لا يناسب مع عدم تحقّقها ، ويؤيّدها الإتّفاق على اعتبارها ، خصوصاً في الحكم المخالف للقاعدة كما عرفت ، فتدبّر .
الثالث: ظاهر النصوص والفتاوى أنّ المراد بالإمام المذكور فيهما هو الإمام المعصوم (عليه السلام) ، ولكن لا يبعد دعوى العموم والشمول لغيره من نوّابه وخلفائه العام ، لأنّه ـ مضافاً إلى ما يستفاد من النصوص من أنّ الحكم المذكور إنّما هو من شؤون إجراء الحدود ومن أحكامه ـ يكون مقتضى الرواية الأخيرة هي الملازمة بين ثبوت الإجراء وبين العفو والمنّة ، وأنّ من كان بإذن الله جائزاً له إقامة الحدّ والتعذيب عن الله ، يكون جائزاً له منه المنّة والتفضّل بالعفو والإغماض ، فالظاهر كما في المتن هو التعميم وعدم الاختصاص بإمام الأصل ، خصوصاً مع التعبير في إحدى روايتي طلحة بما يرجع إلى أنّ المانع من تحقّق القطع هو عدم قيام البيّنة ، فإنّ ظاهره كونه مانعاً في جميع الأعصار ، ولا اختصاص له بزمان حضور الإمام (عليه السلام) .
الرابع: قال في كشف اللثام: «المراد بالحدّ ـ أي في هذه المسألة ـ حدّ حقوق الله ، فأمّا ما كان من حقوق الناس فلا يسقط إلاّ بإسقاط صاحب الحقّ ، وسيأتي في حدّ القذف أنّه لا يسقط إلاّ بالبيّنة ، أو إقرار المقذوف ، أو عفوه ، أو اللعان ، وفي حدّ السرقة أنّه لا يسقط بالتوبة بعد الإقرار»(1) . ولعلّ وجه التخصيص رواية ضريس الكناسي المتقدّمة الظاهرة في التفصيل ، مع أنّ الظاهر أنّ التفصيل الواقع فيها إنّما هو في الحدود بالإضافة إلى عفو غير الإمام ، وأمّا بالإضافة إلى الإمام ، الذي هو مورد


(1) كشف اللثام: 2/395 .

(الصفحة113)

مسألة 7: لو حملت المرأة التي لا بعل لها لم تحد إلاّ مع الإقرار بالزنا أربعاً ، أو تقوم البيّنة على ذلك ، وليس على أحد سؤالها ولا التفتيش عن الواقعة1.


البحث في المقام فلم يقع في الرواية تفصيل أصلا .
نعم ، لو قام الدليل على عدم جريان العفو في بعض الموارد كالسرقة التي يأتي البحث فيها من هذه الجهة ، يكون ذلك تخصيصاً للعمومات الواردة في المقام ، فالحقّ عدم اختلاف النصوص مع الفتاوى وجريان الحكم في جميع الحدود ، من دون فرق بين حدّ حقوق الله وحدّ حقوق الناس أصلا ، كما لا يخفى .

1 ـ المخالف في هذه المسألة على ما يظهر من الخلاف(1) هو مالك(2) . حيث أوجب عليها الحدّ ، والوجه في عدم ثبوته عدم انحصار سبب الحمل بالزنا ، فإنّه يمكن أن يكون مسبّباً عن وطء الشبهة ، أو عن الإكراه ، كما أنّه يمكن أن يتحقّق بدون الوطء ، كما إذا جذب الرحم المنيّ الموجود في خارجه ، كما يتّفق في الحمام وغيره . وبهذا الاحتمال الأخير يجاب عمّا يمكن أن يستدلّ به لقول المخالف ، من أنّ ظاهر الفعل صدوره عن اختيار ، من دون شبهة وإكراه ، فإنّه على تقدير تسليم هذا الظهور فإنّما هو فيما إذا اُحرز تحقّق الفعل ، مع أنّه هنا يجري احتمال عدم تحقّق الفعل أصلا ، فلا مجال لهذا الاستدلال .
وأمّا عدم وجوب السؤال عنها والتفتيش عن حالها ، فلأنّه لا دليل على ثبوت هذه الوظيفة ، خلافاً لما حكي عن المبسوط(3) من اللزوم ، بل يمكن أن يقال بعدم الجواز ، فتدبّر .


(1) الخلاف: 5/374 مسألة 10 .
(2) المدوّنة الكبرى: 6/209 ، أسهل المدارك: 2/264 .
(3) المبسوط: 8/7 ـ 8 .

(الصفحة114)

مسألة 8: لو أقرّ أربعاً أنّه زنى بامرأة حدَّ دونها وإن صرّح بأنّه طاوعته على الزنا ، وكذا لو أقرّت أربعاً بأنّه زنى بي وأنا طاوعته حدّت دونه ، ولو ادّعى أربعاً أنّه وطئ امرأة ولم يعترف بالزنا لا يثبت عليه حدّ وإن ثبت أنّ المرأة لم تكن زوجته ، ولو ادّعى في الفرض أنّها زوجته وأنكرت هي الوطء والزوجية لم يثبت عليه حدّ ولا مهر ، ولو ادّعت أنّه أكرهها على الزنا أو تشبَّه عليها فلا حدّ على أحد منهما1 .

مسألة 9: يثبت الزنا بالبيّنة ، ويعتبر أن لا تكون أقلّ من أربعة رجال أو ثلاثة رجال وامرأتين ، ولا تقبل شهادة النساء منفردات ، ولا شهادة رجل وستّ نساء فيه ، ولا شهادة رجلين وأربع نساء في الرجم ، ويثبت بها الحدّ دون الرجم على الأقوى ، ولو شهد ما دون الأربعة وما في حكمها لم يثبت الحدّ رجماً


1 ـ الوجه في ثبوت الحدّ في الفرضين الأوّلين تحقّق الإقرار بشرائطه بالإضافة إلى المقرّ التي من جملتها كون المقرّ به هو الزنا ، كما أنّ الوجه في عدم ثبوته بالإضافة إلى الطرف الآخر عدم نفوذ الإقرار بالنسبة إلى غير المقرّ .
كما أنّ الوجه في عدم الثبوت في الفرض الثالث عدم تعلّق الإقرار بالزنا ، بل بالوطء ، وثبوت كون المرأة غير زوجته لا يجدي في تحقّق الزنا أصلا ، والوجه في عدم ثبوت الحدّ والمهر في الفرض الرابع عدم تحقّق الإقرار بالزنا حتّى يترتّب عليه الحدّ ، وعدم ثبوت الزوجيّة والوطء حتّى يترتّب عليهما المهر ، وأمّا الفرض الأخير فالوجه في عدم ثبوت الحدّ عليها دعواها الإكراه ، أو الاشتباه ، وقد مرّ أنّها دارئة للحدّ ، وفي عدم ثبوت الحدّ عليه عدم ثبوت الزنا بالنسبة إليه ، وإقرارها لا يجدي بالإضافة إليه أصلا .


(الصفحة115)

ولا جلداً ، بل حدّوا للفرية1.


1 ـ أمّا ثبوت الزنا بالبيّنة فيدلّ عليه ـ مضافاً إلى عموم أدلّة حجيّة البيّنة في الموضوعات الخارجيّة ـ الكتاب والسنّة المستفيضة ، كما سيأتي البحث عنهما .
وأمّا ثبوته بشهادة أربعة رجال ، فمضافاً إلى اتّفاق علماء الفريقين عليه ، يدلّ عليه من الكتاب قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}(1) . وكذا قوله تعالى: {لَوْلاَ جَاءُو عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ}(2) . والآيتان وإن كانتا في مورد الرمي والقذف ، إلاّ أنّ ظهورهما في ثبوت المقذوف به بأربعة شهداء ممّا لا خفاء فيه .
وأمّا قوله تعالى: { وَالَّـتِى يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنكُمْ فَإِن شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِى الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّـهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلا}(3) فغير ظاهر في كون المراد بالفاحشة هو الزنا ، أو أعم منه حتّى يدلّ على ثبوته بشهادة أربعة من الرجال ، ويكون منسوخاً بآية الجلد المشهورة ، وإن قيل ذلك; لاحتمال كون المراد من الفاحشة هي المساحقة ، ويؤيّده التعرّض لخصوص النساء ، مع أنّ الزنا قد يكون من طرف المرأة ، وقد يكون من طرف الرجل ، وقد يكون من ناحيتهما ، فلو كان المراد هو الزنا لكان ينبغي التعرّض لكلّ من الرجل والمرأه كما في آية الجلد ، كما أنّ الظاهر أنّ قوله تعالى بعد ذلك: {وَالَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللهَ


(1) سورة النور 24: 4 .
(2) سورة النور 24: 13 .
(3) سورة النساء 4: 15 .

(الصفحة116)



كَانَ تَوَّاباً رَحِيماً}(1) وارد في مورد اللواط ، لظهور التثنية في كونها تثنية المذكّر ، والفاحشة المأتية بينهما لا يكون غير اللواط .
وأمّا السنّة ، فيدلّ عليه منها الروايات الآتية ، فلا إشكال في هذه الجهة .
وأمّا ثبوت الزنا بشهادة النساء في الجملة ، فالمشهور شهرة عظيمة هو الثبوت ، والمحكيّ عن المفيد(2) والعماني(3) والديلمي(4) هو العدم ، نظراً إلى ظاهر الكتاب ، وإلى صحيحة جميل بن درّاج ومحمّد بن حمران ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قلنا : أتجوز شهادة النساء في الحدود؟ فقال: في القتل وحده ، إنّ عليّاً (عليه السلام) كان يقول: لا  يبطل دم امرىء مسلم(5) .
ورواية غياث بن إبراهيم ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن عليّ (عليهم السلام) قال: لا  تجوز شهادة النساء في الحدود ، ولا في القود(6) . ومثلها رواية موسى بن إسماعيل ابن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن عليّ (عليهم السلام)(7) .
ورواية السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ (عليهم السلام) أنّه كان يقول: شهادة النساء لا تجوز في طلاق ، ولا نكاح ، ولا في حدود ، إلاّ في الديون وما لا يستطيع الرجال النظر إليه(8) .


(1) سورة النساء 4: 16 .
(2) المقنعة: 775 .
(3) حكى عنه في مختلف الشيعة: 8/485 .
(4) المراسم: 254 ـ 255 .
(5) وسائل الشيعة: 18 / 258 ، كتاب الشهادات ب24 ح1 .
(6 ، 7) وسائل الشيعة: 18 / 264 ، كتاب الشهادات ب24 ح29 و 30 .
(8) وسائل الشيعة: 18 / 267 ، كتاب الشهادات ب24 ح42 .

(الصفحة117)



ولكن في مقابل ذلك روايات مستفيضة تدلّ على جواز شهادة ثلاثة رجال وامرأتين وثبوت الزنا بها رجماً وجلداً ، كصحيحة عبدالله بن سنان قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: لا تجوز شهادة النساء في رؤية الهلال ، ولا يجوز في الرجم شهادة رجلين وأربع نسوة ، ويجوز في ذلك ثلاثة رجال وامرأتان; وقال: تجوز شهادة النساء وحدهنّ بلا رجال في كلّ ما لا يجوز للرجال النظر إليه ، وتجوز شهادة القابلة وحدها في المنفوس(1) .
وصحيحة زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن شهادة النساء تجوز في النكاح؟ قال: نعم ، ولا تجوز في الطلاق ، قال: وقال عليّ (عليه السلام): تجوز شهادة النساء في الرجم إذا كان ثلاثة رجال وامرأتان ، وإذا كان أربع نسوة ورجلان فلا يجوز الرجم ، قلت: تجوز شهادة النساء مع الرجال في الدم؟ قال: لا(2) .
وإذا كانت شهادة ثلاثة رجال وامرأتين جائزة في الرجم ففي الجلد بطريق أولى ، ولا أقلّ من إلغاء الخصوصية .
ورواية عبدالرحمن قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المرأة يحضرها الموت وليس عندهاإلاّ امرأة تجوز شهادتها؟ قال: تجوزشهادة النساءفي العذرة والمنفوس ، وقال: تجوز شهادة النساء في الحدود مع الرجال(3) . ومقتضاها الجواز في الرجم والجلد .
ورواية أبي بصيرقال: سألته عن شهادة النساء،فقال:تجوزشهادة النساء وحدهنّ على مالايستطيع الرجال النظر (ينظرون خ ل) إليه ، وتجوز شهادة النساء في النكاح إذا كان معهنّ رجل ، ولا تجوز في الطلاق ، ولا في الدم ، غير أنّها تجوز شهادتها في


(1) وسائل الشيعة: 18 / 260 ، كتاب الشهادات ب24 ح10 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 260 ، كتاب الشهادات ب24 ح11 .
(3) وسائل الشيعة: 18 / 262 ، كتاب الشهادات ب24 ح21 .

(الصفحة118)



حدّ الزنا إذا كان ثلاثة رجال وامرأتان ، ولا تجوز شهادة رجلين وأربع نسوة(1) .
وغير ذلك من الروايات المتعدّدة الدالّة على ذلك .
نعم ، هنا رواية واحدة تدلّ على خلاف ما ذكر ، وهي صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا شهد ثلاثة رجال وامرأتان لم يجز في الرجم ، ولا تجوز شهادة النساء في القتل(2) . ولكن حملها الشيخ على التقيّة(3) وهو الظاهر .
وكيف كان ، فهذه الرواية بالإضافة إلى ظاهر الكتاب إمّا غير منافية له لعدم دلالته على الحصر ، وإمّا حاكمة عليه ، نظراً إلى ظهورها في كون المرأتين بمنزلة الرجل الواحد .
وأمّا بالإضافة إلى الروايات المتقدّمة ، فإمّا مقيّدة لإطلاقها ، نظراً إلى دلالتها على عدم جواز شهادة النساء ، ودلالة هذه على الجواز مع الرجال ، وإمّا مخصّصة لعمومها ، نظراً إلى دلالتها على عدم جوازها في الحدود ، وهذه تدلّ على جوازها في حدّ الزنا إذا شهد ثلاثة رجال وامرأتان ، فلا منافاة بينهما أصلا ، فانقدح أنّ جواز الشهادة المذكورة في الزنا ـ رجماً وجلداً ـ ممّا لا مجال للإشكال فيه أصلا .
وأمّا الرجلان وأربع نساء ، فالمنسوب إلى المشهور أنّه يثبت بشهادتهم الجلد دون الرجم كما في المتن ، والمحكيّ عن الصدوقين(4) والقاضي(5) والحلبي(6) والعلاّمة


(1) وسائل الشيعة: 18 / 258 ، كتاب الشهادات ب24 ح4 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 264 ، كتاب الشهادات ب24 ح28 .
(3) الإستبصار: 3/24 .
(4) المقنع: 402 وحكى في مختلف الشيعة: 8/489 عن عليّ بن بابويه .
(5) المهذّب: 2/526 ـ 558 .
(6) الكافي في الفقه: 436 ـ 438 .

(الصفحة119)



في بعض كتبه(1) عدم الثبوت مطلقاً ، وعن الشيخ في الخلاف(2) ثبوت الرجم به ، وظاهره ثبوت الجلد أيضاً .
ويدلّ على عدم ثبوت الرجم بها بعض الروايات المتقدّمة ، كصحيحتي عبدالله ابن سنان ، وزرارة المتقدّمتين ، ومن المعلوم أنّه لا ملازمة بين عدم الرجم وبين عدم الجلد ، ولا مجال لإلغاء الخصوصية ، وعلى ثبوت الجلد بها موثّقة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، أنّه سئل عن رجل محصن فجر بامرأه فشهد عليه ثلاثة رجال وامرأتان وجب عليه الرجم ، وإن شهد عليه رجلان وأربع نسوة فلا تجوز شهادتهم ولا يرجم ، ولكن يضرب حدّ الزاني(3) . ومن المعلوم أنّه لا  خصوصية للإحصان .
وفي مقابلها رواية محمّد بن الفضيل قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) قلت له: تجوز شهادة النساء في نكاح ، أو طلاق ، أو رجم؟ قال: تجوز شهادة النساء فيما لا تستطيع الرجال أن ينظروا إليه وليس معهنّ رجل ، وتجوز شهادتهنّ في النكاح إذا كان معهنّ رجل ، وتجوز شهادتهنّ في حدّ الزنا إذا كان ثلاثة رجال وامرأتان ، ولا تجوز شهادة رجلين وأربع نسوة في الزنا والرجم ، ولا تجوز شهادتهنّ في الطلاق ، ولا في الدم(4) . ولكنّها كما في الجواهر غير واضحة الدلالة ، لاحتمال إرادة تفسير الزنا بقوله (عليه السلام): «والرجم»(5) . ويؤيّده أنّه لا مناسبة بين الرجم والزنا من جهة


(1) مختلف الشيعة: 8/489 ـ 490 .
(2) الخلاف: 6/251 مسألة2 .
(3) وسائل الشيعة: 18 / 401 ، أبواب حدّ الزنا ب30 ح1 .
(4) وسائل الشيعة: 18 / 259 ، كتاب الشهادات ب24 ح7 .
(5) جواهر الكلام: 41/297 ـ 298 .

(الصفحة120)



العطف ، فإنّ الزنا قد يكون سبباً للرجم ، هذا مع موافقة الموثّقة للشهرة المحكيّة بل المحصّلة فتدبّر ، فالظّاهر حينئذ ما هو المشهور .
بقي الكلام في هذه المسألة فيما لو شهد على الزنا ما دون الأربعة ، ومن في حكمها ، والظاهر كما في المتن أنّه لا يثبت الزنا ، ويحدّ كلّ منهم حدّ القذف للفرية ، للآيتين المتقدّمتين في أوّل المسألة ، وهما قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}(1) . وقوله تعالى: {لَوْلاَ جَاءُو عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ}(2) ، وموردهما وإن كان رمي غير الشهود ، إلاّ أنّ المستفاد منهما أنّ اللازم في باب الزنا إمّا إثباته بحيث يترتّب عليه الحدّ على الزاني ، وإمّا كذب الرامي شاهداً كان أو غيره ، ويترتّب عليه حدّ القذف للفرية .
ولرواية السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ (عليهم السلام) في ثلاثة شهدوا على رجل بالزنا ، فقال عليّ (عليه السلام) أين الرابع؟ قالوا: الآن يجيء ، فقال علي (عليه السلام): حدّوهم ، فليس في الحدود نظر ساعة(3) . وإذا كان تأخير الرابع موجباً لثبوت الحدّ على الباقين ، ففيما إذا لم يكن هناك رابع بطريق أولى .
ورواية عباد البصري قال سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن ثلاثة شهدوا على رجل بالزنا وقالوا: الآن نأتي بالرابع؟ قال: يجلدون حدّ القاذف ثمانين جلدة كلّ رجل منهم(4) .


(1) سورة النور 24: 4 .
(2) سورة النور 24: 13 .
(3) وسائل الشيعة: 18 / 372 ، أبواب حدّ الزنا ب12 ح8 .
(4) وسائل الشيعة: 18 / 373 ، أبواب حدّ الزنا ب12 ح9 .
<<التالي الفهرس السابق>>