في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة141)



ورواية ثالثة له أيضاً ، رواها عنه الحكم كذلك ، قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): أين يضرب هذه الضربة؟ يعني من أتى ذات محرم ـ قال: تضرب عنقه ، أو قال: رقبته(1) .
ورواية رابعة له أيضاً ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: تضرب عنقه ، أو قال: رقبته(2) .
ومن الواضح كون هذه الروايات رواية واحدة راويها جميل بن دراج ، وإن جعلها في الوسائل أربع روايات ، ونقلها في باب واحد بصورة التعدّد .
وجملة منها ظاهرة في الضرب بالسيف ، من دون تفريع صورة الحياة بعده عليه :
كصحيحة أبي أيّوب قال: سمعت بكير بن أعين يروي عن أحدهما (عليهما السلام) ، قال: من زنى بذات محرم حتّى يواقعها ضرب ضربة بالسيف أخذت منه ما أخذت ، وإن كانت تابعته ضربت ضربة بالسيف أخذت منها ما أخذت ، قيل له: فمن يضربهما وليس لهما خصم؟ قال: ذاك على الإمام إذا رفعا إليه(3) .
ورواية ابن بكير ، عن رجل قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): الرجل يأتي ذات محرم؟ قال: يضرب بالسيف . قال ابن بكير: حدّثني حريز عن بكير بذلك(4) .
ورواية عبدالله بن بكير ، عن أبيه قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): من أتى ذات محرم ضرب ضربة بالسيف أخذت منه ما أخذت(5) .


(1) وسائل الشيعة: 18 / 386 ، أبواب حدّ الزنا ب19 ح7 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 387 ، أبواب حدّ الزنا ب19 ح11 .
(3) وسائل الشيعة: 18 / 385 ، أبواب حدّ الزنا ب19 ح1 .
(4) وسائل الشيعة: 18 / 386 ، أبواب حدّ الزنا ب19 ح5 .
(5) وسائل الشيعة: 18 / 386 ، أبواب حدّ الزنا ب19 ح6 .

(الصفحة142)



والظاهر أيضاً اتّحاد هذه الروايات الثلاثة ، وأنّ رواية ابن بكير ، عن أحدهما (عليهما السلام)في الصحيحة الاُولى كانت مع الواسطة ، وأنّ التعبير عن أبي عبدالله (عليه السلام)بأحدهما ، كان مستنداً إلى اشتباه الراوي عن ابن بكير .
وجملة منها ظاهرة في الضرب بالسيف ، مع تفريع صورة بقاء الحياة عليه .
كمرسلة محمّد بن عبدالله بن مهران ، عمّن ذكره ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن رجل وقع على أخته؟ قال: يضرب ضربة بالسيف ، قلت: فإنّه يخلص؟ قال: يحبس أبداً حتّى يموت(1) .
ورواية عامر بن السمط ، عن عليّ بن الحسين (عليهما السلام) في الرجل يقع على أخته ، قال: يضرب ضربة بالسيف بلغت منه ما بلغت ، فإن عاش خلِّد في السجن حتّى يموت(2) .
ورواية دالّة على اشتراك المقام مع الزنا العادي في مقدار الحدّ ، وهي رواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا زنى الرجل بذات محرم حدّ حدّ الزاني ، إلاّ أنّه أعظم ذنباً(3) .
وقد حمل الشيخ الطوسي(قدس سره) هذه الرواية على التخيير ، فقال: لأنّه إذا كان الغرض بالضربة قتله ، وفيما يجب على الزاني الرجم وهو يأتي على النفس ، فالإمام مخيّر بين أن يضربه ضربة بالسيف أو يرجمه(4) .
ولكنّ الظّاهر أنّه لا مجال لهذا الحمل ; لعدم اختصاص مورد الرواية بصورة


(1) وسائل الشيعة: 18 / 385 ، أبواب حدّ الزنا ب19 ح4 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 387 ، أبواب حدّ الزنا ب19 ح10 .
(3) وسائل الشيعة: 18 / 386 ، أبواب حدّ الزنا ب19 ح8 .
(4) التهذيب: 10/23 ـ 24 ، الإستبصار: 4/208 ـ 209 .

(الصفحة143)



الإحصان الذي يكون حكمه الرجم ، بل يعمّ صورة عدم الإحصان التي يكون حكمها الجلد ، مع أنّه لا شاهد على هذا الحمل أصلا .
والحقّ أنّ الرواية معرض عنها ; لعدم تحقّق الفتوى على طبقها ، وكون ملاحظة كلمات الأصحاب وفتاويهم موجبة للقطع بكون الزنا بذات المحرم حدّه أشدّ من الزنا العادي ، ولا يقتصر في الفرق على مجرّد كونه أعظم ذنباً ، كما تدلّ عليه الرواية .
وأمّا رواية محمّد بن عبدالله بن مهران ، فهي مضافاً إلى كونها مرسلة من جهتين تكون ضعيفة بمحمّد أيضاً ; لأنّه غال كذّاب ، كما أنّ رواية عامر بن السمط مخدوشة من جهة عدم توثيقه; لأنّ غاية ما قيل في حقّه: إنّه يروي عن عليّ بن الحسين (عليهما السلام) ، وأنّ صفوان بن مهران يروي عنه من دون إشعار بوثاقته أصلا .
فلم يبق إلاّ الطائفتان الاوّلتان ، ولا تعارض بينهما أصلا ; لأنّ ما تدلّ على اعتبار وقوع الضرب بالعنق أو الرقبة ناظرة إلى ما تدلّ على أنّ الحدّ هو الضرب بالسيف ، فيصير مفاد المجموع لزوم إيقاع الضربة بالسيف على العنق ، وبعد ذلك يقع الكلام في المراد من هذا المعنى ، وفيه وجوه بل أقوال ثلاثة :
أحدها: ما يظهر من الجواهر من كون المراد من ذلك مجرّد القتل ، سواء كان بضرب السيف أو غيره ، وبالضربة الواحدة أو غيرها ، نظراً إلى أنّ المنساق من ضرب العنق هو القتل(1) .
ويؤيّده ما رواه في المستدرك ، عن دعائم الإسلام ، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، أنّه


(1) جواهر الكلام: 41/311 .

(الصفحة144)



قال: من أتى ذات محرم يقتل(1) . وما رواه فيه عن العوالي ، عن النبي(صلى الله عليه وآله) ، أنّه قال: من أتى ذات محرم فاقتلوه(2) . وما رواه ابن ماجة في سننه عن ابن عباس ، عن النبي(صلى الله عليه وآله) قال: من وقع على ذات محرم فاقتلوه(3) .
ولكن يبعّده ثبوت الفرق بين التعبير بضرب العنق ، الذي يكون المتفاهم منه عند العرف هو القتل ، وبين التعبير بكون محلّ الضربة المعتبرة هو السيف ، كما في رواية جميل ، حيث وقع تعيين العنق جواباً عن سؤال محلّ الضربة ومكانها ، وقد عرفت أنّه لا تعدّد في رواياته ، بل كلّها رواية واحدة .
ثانيها: ما يظهر من بعض(4) من كون المراد القتل بالضرب بالسيف في رقبته ، نظراً إلى أنّ ترتّب القتل على ضرب السيف بالعنق أمر عاديّ لا يتخلّف عنه عادة ، وليس المراد من قوله (عليه السلام): «أخذت منه ما أخذت» في صحيحة أبي أيّوب هو وجوب ضربة واحدة بالسيف بلغت ما بلغت ، سواء ترتّب عليه القتل أم لم يترتّب ، بل المراد أنّه لا يعتبر مقدار خاصّ في بلوغ السيف ، وأمّا ترتّب القتل عليه فهو أمر عادي ، ولا موجب لرفع اليد عن الظهور في كون القتل بسبب الضربة بالسيف .
ويؤيّده رواية سليمان بن هلال ، عن أبي عبدالله (عليه السلام): في الرجل يفعل بالرجل ، قال: فقال: إن كان دون الثقب فالجلد ، وإن كان ثقب اُقيم قائماً ثمّ ضرب بالسيف


(1) دعائم الإسلام: 2 / 456 ح1605 ، مستدرك الوسائل: 18 / 58 ، أبواب حدّ الزنا ب17 ح1 .
(2) عوالي اللآلي: 1 / 190 ح275 ، مستدرك الوسائل: 18 / 59 ، أبواب حدّ الزنا ب17 ح7 .
(3) سنن ابن ماجة: 2 / 856 ح2564 .
(4) مباني تكملة المنهاج: 1/189 مسألة 151 .

(الصفحة145)



ضربة أخذ السيف منه ما أخذ ، فقلت له: هو القتل؟ قال: هو ذاك(1) .
ثالثها: ما يظهر من بعض آخر ، من أنّ مقتضى ظواهر الأخبار لزوم إيقاع ضربة واحدة بالسيف على الرقبة ، وإن لم ينجرّ إلى القتل ; لأنّ قوله (عليه السلام): «أخذت ما أخذت أو بلغت ما بلغت» يدلّ على عدم تحتّم القتل ; لعدم كون إيقاع الضربة بالسيف على العنق ملازماً لتحقّق القتل ، بل ربّما يتخلّف عنه ، فمفاد الأخبار غير عنوان القتل ، وقد صرّح به صاحب الرياض ، حيث قال: ظاهر أكثر النصوص المزبورة الاكتفاء بالضربة الواحدة مطلقاً ، أو في الرقبة ، وهي لا تستلزم القتل(2) .
ويؤيّده أنّ مرسلة ابن مهران ، ورواية عامر المتقدّمتين ، وإن كانتا فاقدتين للاعتبار كما عرفت ، إلاّ أنّ فرض بقاء الحياة بعد وقوع الضربة المعتبرة فيهما شاهد على عدم كون المتفاهم من الضربة هو القتل ، وإلاّ فكيف يجمع بينه وبين فرض بقاء الحياة ، كما لا يخفى .
ولكن يبعّده أنّ الأصحاب قد فهموا من هذه الروايات القتل ; لأنّ جلّهم بين من عبّر بالقتل ، وبين من عبّر بضرب العنق الذي عرفت أنّه ظاهر فيه ، مضافاً إلى ما عرفت من تفسيره بالقتل في الرواية الواردة في اللواط ، وإلى استبعاد أن يكون الحدّ بحيث كان موجباً للقتل تارة ، وغير موجب له اُخرى ، فإنّ الجناية الصادرة من الزاني بذات محرم إن كانت موجبة لنفي الموضوع وإعدام الجاني فلا وجه للاقتصار بما دونه ، وإن لم تكن موجبة لذلك فلا مجال للقتل ، فجعل الحدّ أمراً كذلك بعيد جدّاً . فالقول الثالث لا سبيل إليه ، بل لابدّ من الالتزام بالقتل .


(1) وسائل الشيعة: 18 / 416 ، أبواب حدّ اللواط ب1 ح2 .
(2) رياض المسائل: 10/40 .

(الصفحة146)



وأمّا القولان الأوّلان ، فالأقرب منهما هو القول الثاني ; لأنّه لو كان المراد مجرّد تحقّق القتل بأيّ نحو حصل وبأيّة كيفية تحقّقت ، لما كانت حاجة إلى التعبير الواقع في الروايات ، بل كان الأولى هو التعبير بالقتل ، كما قد وقع في بعضها ، ومع عدمه كما في أكثرها يظهر تعيّن كون القتل من طريق ضرب السيف في الرقبة ، ومن الممكن أن يكون له خصوصيّة ، ولا يجوز إلغاؤها بعد عدم الدليل عليه واحتمال ثبوتها .
نعم ، بعد ما اخترنا من كون المراد هو القتل تلغى خصوصيّة الضربة ، فإذا لم يتحقّق القتل بها لابدّ من التكرار حتّى يتحقّق ، فالظاهر بمقتضى ما ذكرنا هو القول الثاني .
ثمّ إنّ القدر المتيقّن من النصوص والفتاوى هو المحرم النسبي ، وأمّا غيرها كالمحرم الرضاعي أو السببي ، فإلحاقه بالمحرم النسبي محلّ كلام وإشكال . قال في محكيّ كشف اللثام: لمّا كان التهجّم على الدماء مشكلا قصّر الحكم على ذات محرم نسباً لا سبباً أو رضاعاً ، إلاّ ما سيأتي من امرأة الأب ، وفاقاً للمحقّق(1) وبني إدريس وزهرة وحمزة(2) بناءً على أنّها المتبادر إلى الفهم ، ولا نصّ ولا إجماع على غيرها ، وفي المبسوط(3) والخلاف(4) والجامع(5) إلحاق الرضاع بالنسب دون


(1) شرائع الإسلام: 4/936 .
(2) السرائر: 3 / 437 ، غنية النزوع: 421 ، الوسيلة: 410 .
(3) المبسوط: 8/8 .
(4) الخلاف: 5/386 مسألة 29 .
(5) الجامع للشرائع: 549 .

(الصفحة147)



السبب إلاّ امرأة الأب(1) .
وفي الرياض ما ملخّصه: إنّ النصوص وإن كانت خالية من تخصيص النسبي ، إلاّ أنّ سند أكثرها ضعيفة ، والحسن منها قاصر عن الصحّة ، والصحيح منها رواية واحدة لا يجسر بمثلها على التهجّم على النفوس المحترمة ، سيّما مع عدم الصراحة في الدلالة لو لم نقل بكونها ضعيفة ; لأنّ المتبادر منها النسبيّات خاصّة(2) .
وقد وافقه صاحب الجواهر في دعوى كون المنساق والمتبادر من ذات المحرم هو النسبي ، قال: وإن قال في الصحاح وغيره: «يقال: هو ذو محرم منها إذا لم يحلّ له نكاحها»(3) لكن مراده من حيث النسب لا مطلق حرمة النكاح ، واشتمال الآية على الحرمة بالسبب والنسب لا ظهور فيه في تحقّق صدق ذات المحرم حقيقة على السببيّة ، فضلا عن الرضاعيّة التي نصّ على تحريمها في الكتاب(4) أيضاً ، والإطلاق في بعض الأحيان لبعض القرائن أعمّ من الحقيقة ومن الإنسياق ـ إلى أن قال: ـ وأمّا ما دلّ على أنّ الرضاع لحمة كلحمة النسب(5) ونحوه ، ممّا يقتضي ثبوت حكم النسب له إلاّ ما خرج ، فيضعّفه عدم عمل معظم الأصحاب به في أكثر المقامات ، كالمواريث والولايات وغيرها ممّا يفهم منه إرادة خصوص النكاح في  ذلك(6) .


(1) كشف اللثام: 2/398 .
(2) رياض المسائل: 10/39 .
(3) الصحاح: 2 / 1405 .
(4) سورة النساء: 4 / 23 .
(5) روضة المتّقين: 8 / 236 .
(6) جواهر الكلام: 41/312 ـ 313 .

(الصفحة148)



أقول: الوجه في عدم الإلحاق إمّا تبادر خصوص النسبي من عنوان ذات المحرم الواقع في كثير من الروايات ، كما يظهر من الكلمات التي نقلناها خصوصاً صاحب الجواهر ، حيث صرّح بأنّ إطلاقه على غير النسبي يحتاج إلى القرينة ، وظاهرها هي قرينة المجاز . وإمّا إنصراف إطلاق عنوانه إلى خصوص النسبي .
أمّا الوجه الأوّل : فيردّه وضوح خلافه ، ضرورة أنّ المراد من ذات المحرم هو من يحرم نكاحها ، كما عرفت في عبارة الصحاح وغيرها ، وحملها على خصوص النسب بلا وجه ، مضافاً إلى أنّ عرف المتشرّعة لا يفرّق في تطبيق هذا العنوان بين أنواع المحارم أصلا ، كما يظهر بمراجعتهم ، فإذا قال أحدهم: إنّ فلانة محرم لي ، لا يتبادر إلى أذهانهم خصوص تحقّق النسبة ، بل يسألون عن وجه المحرميّة وأنّه هو النسب أو غيره .
وأمّا الوجه الثاني : فيتوقّف صحّته على أن يكون قيد النسبي بحيث كان كالمذكور في الكلام ، وإلاّ يصير الإنصراف بدويّاً لا اعتبار به أصلا ، ومن الظاهر عدم كونه كذلك ، ضرورة أنّ إضافة هذا القيد إلى عنوان ذات المحرم لا تكون بمثابة إضافة أمر زائد هو بمنزلة قيد توضيحي للكلام ، بل يكون القيد قيداً احترازياً لا يتحقّق الإحتراز بدونه ، فكيف يدّعى الإنصراف .
وأمّا الفتاوى ، فهي كالنصوص خالية عن التعرّض لغير عنوان ذات المحرم ، واشتمال بعضها على المثال بالمحارم النسبية لا يقتضي التخصيص ، خصوصاً مع احتمال أن يكون المراد بالأمّ والبنت والأخت المذكورات فيها أعمّ من الرضاعي .
وأمّا ما ذكره صاحب الرياض من أنّه لا يجسر برواية واحدة صحيحة على التهجّم على النفوس المحترمة ، فيرد عليه أنّ مقتضى ذلك عدم الحكم بالقتل في

(الصفحة149)



المحرم النسبي أيضاً ، ومع عدم الالتزام به وثبوت الإطلاق وحجّيّته كما قرّر في الأصول لا يبقى فرق بينه وبين غيره من المحارم أصلا .
وأمّا ما ذكره صاحب الجواهر من اختصاص ما ورد في الرضاع بباب النكاح ، فالجواب عنه ، أنّ الحرمة في باب النكاح موضوع للمقام ، والحكم بثبوت القتل فيما إذا زنى بها ، فهو كما لو نذر التصدّق لو صارت فلانة محرّمة عليه نكاحها ، فإنّه إذا تحقّق الرضاع المحرِّم يتحقّق الموضوع ، فيجب عليه الوفاء بالنذر ، فلا منافاة بين المقام وبين ما ورد في الرضاع .
وكيف كان لا مجال لدعوى التبادر أو الإنصراف ، بل مقتضى الإطلاق الشمول ، خصوصاً مع ملاحظة الجمع بين المحارم النسبيّة والرضاعيّة والسببيّة في الآية الكريمة في سورة النساء(1) . ولا يظهر من الأصحاب خلافه ، والتعرّض لحكم زوجة الأب بالخصوص إنّما هو لورود الرواية فيه ، فلا إشعار فيه على الاستثناء ، ولكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط ; لعدم وجود التصريح به من الأصحاب عدا الشيخ(2) وابن سعيد(3) في المحرم الرضاعي ، ويظهر من الشهيد الثاني(قدس سره) في الروضة الميل إليه ، حيث جعله وجهاً وقال: مأخذه إلحاقه به في كثير من الأحكام للخبر(4) .
نعم ، لا يبعد دعوى إنصراف عنوان «ذات المحرم» الواقع في النصوص والفتاوى عمّن تكون حرمة نكاحها لأجل تأديب من حرمت عليه ، كما في المطلّقة


(1) سورة النساء4: 23 .
(2) الخلاف: 5/386 مسألة 29 ، المبسوط: 8/8 .
(3) الجامع للشرائع: 549 .
(4) الروضة البهيّة: 9/63 .

(الصفحة150)



تسعاً التي يحرم نكاحها أبداً ، وكما فيمن يحرم نكاحها بسبب اللواط ونحو ذلك من الموارد .
وأمّا المحرم من النسب غير الشرعي كالمحرم من الزنا ، فقد قال في الجواهر: فلا يثبت له فيها الحدّ المزبور للأصل وغيره(1) .
ويمكن المناقشة فيه أيضاً ، نظراً إلى أنّ عنوان ذات المحرم يشمله بإطلاقه ، فإنّ البنت المتولّدة من الزنا محرم بالاضافة إلى الزاني ، والأم محرم بالنسبة إلى الإبن المتولّد من الزنا ، ضرورة أنّ الامّهات الواقعة في آية التحريم يكون المراد منها هو المعنى العرفي منها ، كسائر العناوين الواقعة في أدلّة الأحكام ، وبالجملة بعد فرض ثبوت حرمة النكاح في مورد النسب غير الشرعي ، وعدم جواز التزويج فيه لا وجه لدعوى عدم شمول النصوص ، ولا مجال للرجوع إلى الأصل أصلا .
بقي الكلام في حكم من زنى بامرأة أبيه ، فالمحكيّ عن الشيخ(2) والحلبي(3)وبني زهرة(4) وإدريس(5) وحمزة(6) والبرّاج(7) وسعيد(8) هو ثبوت القتل فيه ، بل في الجواهر: نسبه بعض إلى كثير ، وآخر إلى الشهرة ، بل عن الغنية(9)


(1) جواهر الكلام: 41/313 .
(2) النهاية: 693 .
(3) الكافي في الفقه: 405 .
(4) غنية النزوع: 421 .
(5) السرائر: 3/438 .
(6) الوسيلة: 410 .
(7) المهذّب: 2/519 .
(8) الجامع للشرائع: 550 .
(9) غنية النزوع: 421 .

(الصفحة151)



الإجماع  عليه(1) .
ومستنده النصوص المتقدّمة الواردة فيمن زنى بذات محرم إن قلنا بشمول العنوان للمحارم السببيّة أيضاً ، كما نفينا البعد عنه آنفاً ، وعليه فكما يستفاد منها ثبوت أصل القتل فيه كذلك يستفاد كيفيّة القتل ، وهي الكيفيّة المعتبرة في الزنا بذات المحارم النسبيّة ، وإن لم نقل بشمول العنوان لها أيضاً ، فالمستند هي رواية إسماعيل بن أبي زياد السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) أنّه رفع إليه رجل وقع على امرأة أبيه فرجمه ، وكان غير محصن(2) . وقد ورد من طرق العامّة رواية عن البراء بن عازب بطرق مختلفة وألفاظ متعدّدة ، وفي إحداها قال: لقيت عمّي ومعه راية ، فقلت: أين تريد؟ قال: بعثني رسول الله(صلى الله عليه وآله) إلى رجل نكح امرأة أبيه ، فأمرني أن أضرب عنقه وآخذ ماله(3) .
وكيف كان فيرد على المستدلّين برواية السكوني عدم انطباق فتواهم على الرواية ; لأنّ فتواهم إنّما هي بالقتل المتحقّق من أيّة وسيلة ، والرواية ظاهرة في اعتبار خصوص الرجم ، ولا مجال لدعوى التبعيض في الحجيّة ، خصوصاً بعد عدم وجود ما يدلّ على نفي الرجم ، ومن هنا يمكن أن يقال: بأنّ الرواية معرض عنها ; لعدم الفتوى على طبقها ، فتبقى النصوص المتقدّمة دليلا في المسألة فتدبّر . هذا تمام الكلام في المورد الأوّل .
المورد الثاني: زنا الذمّي بالمسلمة ، من دون فرق بين أن تكون مطاوعة ، أو مكرهة ، وكذا بين أن يكون الذمّي بشرائط الذمّة أو لا ، فإنّ حدّه القتل بلا خلاف


(1) جواهر الكلام: 41/316 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 386 ، أبواب حدّ الزنا ب19 ح9 .
(3) مسند أحمد: 6 / 419 ح18581 ، جامع المسانيد والسنن: 2/71 .

(الصفحة152)



أجده ، بل الإجماع بقسميه عليه كما في الجواهر(1) . والدليل موثّقة حنّان بن سدير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن يهوديّ فجر بمسلمة ، قال: يقتل(2) . فلا إشكال في أصل الحكم .
إنّما الكلام في سقوط الحدّ عنه بالإسلام ، فنقول: إن كان إسلامه للفرار عن القتل وبقصد التخلّص عن الحدّ ، فالظاهر عدم كونه مسقطاً ، ويدلّ عليه إطلاق الموثّقة وعدم الاستفصال فيها ، ويؤيّده رواية جعفر بن رزق الله قال: قدِّم إلى المتوكّل رجل نصرانيّ فجر بإمرأة مسلمة وأراد أن يقيم عليه الحدّ فأسلم ، فقال يحيى بن أكثم: قد هدم إيمانه شركه وفعله ، وقال بعضهم: يضرب ثلاثة حدود ، وقال بعضهم: يفعل به كذا وكذا ، فأمر المتوكّل بالكتاب إلى أبي الحسن الثالث (عليه السلام)وسؤاله عن ذلك ، فلمّا قدم الكتاب كتب أبو الحسن (عليه السلام): يضرب حتّى يموت ، فأنكر يحيى بن أكثم وأنكر فقهاء العسكر ذلك ، وقالوا: يا أمير المؤمنين سله عن هذا ، فإنّه شيء لم ينطق به كتاب ولم تجىء به السنّة ، فكتب: إنّ فقهاء المسلمين قد أنكروا هذا وقالوا: لم تجىء به سنّة ولم ينطق به كتاب ، فبيِّن لنا بما أوجبت عليه الضرب حتّى يموت؟ فكتب (عليه السلام): بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللهِ الَّتِى قَدْ خَلَتْ فِى عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ}(3) قال: فأمر به المتوكّل فضرب حتّى مات(4) . وظاهرها كما يشهد به الاستدلال بالآية الكريمة أنّ


(1) جواهر الكلام: 41/313 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 407 ، أبواب حدّ الزنا ب36 ح1 .
(3) سورة غافر40: 84 ، 85 .
(4) وسائل الشيعة: 18 / 407 ، أبواب حدّ الزنا ب36 ح2 .

(الصفحة153)



إسلامه كان للفرار عن القتل بعد ما رأى أنّه يراد أن يقام عليه الحدّ ، كما لا يخفى .
وأمّا إذا كان إسلامه لا للفرار عن القتل ، بل كان حقيقة ، فقد احتمل في محكيّ كشف اللثام سقوط الحدّ عنه ; لأنّ الإسلام يجبُّ ما قبله(1) وللاحتياط في الدماء ، وزاد فيه قوله: وحينئذ يسقط عنه الحدّ رأساً ولا ينتقل إلى الجلد للأصل(2) .
لكن في محكي الرياض: «هو ضعيف في الغاية ، لكونه اجتهاداً في مقابلة الرواية المعتبرة بفتوى هؤلاء الجماعة ، المؤيّدة باستصحاب الحالة السابقة ، وأضعف منه قوله فيما بعد: وحينئذ يسقط عنه الحدّ إلى آخره ، لفحوى ما دلّ على عدم سقوط الحدّ مطلقاً عن المسلم بتوبته إذا ثبت عليه بالبيّنة ، وغاية الإسلام أن يكون توبة»(3) .
وفي الجواهر بعد نقل ما في الرياض: «ولا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرنا من الخبر المزبور المشهور بين العامّة والخاصّة ، بل لا حاصل لقوله: «وأضعف منه» إلى آخره ، ضرورة أنّه المتّجه مع فرض سقوط الحدّ عنه للأصل وغيره ، والقياس على التوبة ليس من مذهبنا ، مع ظهور الفرق بينهما ، على أنّه لا يقتضي ثبوت الجلد كما هو واضح»(4) .
أقول: العمدة في هذه المسألة هو حديث الجبّ ، لأنّه على تقدير ثبوته يكون مفاده السقوط ، ويكون حاكماً على الموثّقة المزبورة ، وغير مناف لرواية جعفر بن


(1) تفسير القمّي: 2/27 ، مسند أحمد: 6/232 ح17792 وص243 ح17829 ، السيرة الحلبية: 3/37 ، مجمع البحرين: 1 / 264 ، مادّة «جبب» .
(2) كشف اللثام: 2/398 .
(3) رياض المسائل: 10/41 ـ 42 .
(4) جواهر الكلام: 41/315 .

(الصفحة154)



رزق الله ; لعدم دلالتها على عدم السقوط في هذا الفرض ، بل غايتها الإشعار الذي لا حجيّة فيه ، مضافاً إلى عدم ثبوت وثاقة جعفر أصلا ، ولكنّه ربّما يقال: إنّ حديث الجبّ لم يثبت من طرقنا ، وإنّما الثابت سقوطه بالإسلام هو ما دلّت عليه الرواية المعتبرة ، أو ما قامت عليه السيرة القطعيّة ، ومن المعلوم أنّ محلّ الكلام ليس كذلك ، بل المشهور بين الفقهاء عدم السقوط على ما هو مقتضى إطلاق كلماتهم .
ويدفعه ـ مضافاً إلى أنّه مرويّ في بعض كتب علمائنا الأخيار ، ففي تفسير نور الثقلين نقلا عن تفسير عليّ بن إبراهيم في ذيل قوله تعالى في سورة الإسراء: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الاَْرْضِ يَنْبُوعاً}(1) ذكر نزولها في شأن عبدالله بن أبي اميّة أخي أمّ سلمة زوجة الرسول(صلى الله عليه وآله) ، وأنّه بعد امتناع الرسول عن قبول إسلامه معلّلاً بأنّه كذّب الرسول تكذيباً لم يكذّبه أحد من الناس; لأنّه الذي قال: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ . . .} قالت أمّ سلمة لرسول الله(صلى الله عليه وآله): بأبي أنت وأمي يا رسول الله ألم تقل إنّ الإسلام يجبُّ ما قبله؟ قال: نعم ، فقبل رسول الله(صلى الله عليه وآله)إسلامه(2)ـ أنّ الظّاهر اعتماد الفريقين على هذا الحديث ، والاستدلال به في الموارد المختلفة ، ولا حاجة في ما يراد سقوطه بالإسلام إلى دلالة رواية أو قيام سيرة ؟
وأمّا دعوى كون المشهور بين الفقهاء عدم السقوط ، فيدفعها عدم تعرّض كثير منهم لفرض الإسلام في المسألة . نعم ، لا ينبغي إنكار أنّ المشهور بين المتعرّضين هو العدم ، على ما هو مقتضى إطلاق كلماتهم ، وعلى ما ذكرنا فلا تبعد دعوى


(1) سورة الإسراء 17: 90 .
(2) تفسير القمّي: 2 / 26 ـ 27 ، تفسير نور الثقلين: 3/226 .

(الصفحة155)



السقوط في هذا الفرض من الإسلام .
ثمّ إنّ الروايتين وإن كانتا واردتين في مورد الذمّي ، إلاّ أنّ الظاهر جريان الحكم في مطلق الكفّار ، والتقييد به في جملة من الفتاوى إنّما هو لأجل أنّ الذمّي لا يجوز قتله في نفسه مع قطع النظر عن الزنا بالمسلمة ، بخلاف الكافر الحربي الذي يجوز قتله مع قطع النظر عنه أيضاً ، فليس التقييد به لأجل كون الحكم مقصوراً عليه ، خصوصاً مع ملاحظة أنّ الكفر ملّة واحدة ، وأولويّة غير الذمّي منه في الحكم المزبور .
المورد الثالث: الزنا بإمرأة مكرهاً لها ، وفي الجواهر: بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل المحكيّ منهما مستفيض كالنصوص المعتبرة(1) .
وقد وردت في هذا المورد طائفتان من الأخبار:
الاُولى: ما تدلّ على القتل بعنوانه ، كصحيحة بريد العجلي قال: سئل أبو جعفر (عليه السلام) عن رجل اغتصب امرأة فرجها ؟ قال: يقتل محصناً كان أو غير محصن(2) .
وصحيحة زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): الرجل يغصب المرأة نفسها ، قال:  يقتل(3) .
وصحيحته الاُخرى، عن أحدهما (عليهما السلام) في رجل غصب امرأة نفسها، قال: يقتل(4).
ورواها الصدوق مثلها ، إلاّ أنّه قال: يقتل محصناً كان أو غير محصن(5) .


(1) جواهر الكلام: 41/315 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 381 ، أبواب حدّ الزنا ب17 ح1 .
(3) وسائل الشيعة: 18 / 381 ، أبواب حدّ الزنا ب17 ح2 .
(4) وسائل الشيعة: 18 / 382 ، أبواب حدّ الزنا ب17 ح4 .
(5) وسائل الشيعة: 18 / 382 ، أبواب حدّ الزنا ب17 ح5 .

(الصفحة156)



ولكنّ الظاهر كما أشرنا مراراً عدم كونها روايات متعدّدة ، بل رواية واحدة ، ويؤيّدها أنّ الراوي عن زرارة في جميعها هو جميل .
الثانية: ما تدلّ على الضرب بالسيف ، كرواية زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في رجل غصب امرأة فرجها ، قال: يضرب ضربة بالسيف بالغة منه ما بلغت(1) .
ورواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا كابر الرجل المرأة على نفسها ضرب ضربة بالسيف مات منها أو عاش(2) .
والظاهر أنّ رواية زرارة ـ مضافاً إلى احتمال عدم كونها رواية أُخرى ، بل هي متّحدة مع الرواية الاُولى بشهادة التأييد الذي ذكرنا ـ لا تنافي الطائفة الأُولى ; لظهورها في القتل كما مرّ ، وأمّا رواية أبي بصير ، فهي مطروحة بالإعراض عنها وعدم العمل بهاولو من واحد، وكون الشهرة في مقابلها، فلامناقشة في أصل الحكم.
وأمّا الموضوع ، فالمذكور في المتن تبعاً للشرائع(3) وبعض الكتب الاخر هو عنوان الإكراه ، وقد ذكر المحقّق في المختصر النافع(4) عنوان الزنا قهراً ، ولكنّ العنوان المذكور في الروايات التي اعتمدنا عليها في هذا الحكم هو عنوان الغصب أو الإغتصاب ، ومن الظاهر مغايرة عنوان الإكراه الاصطلاحي لعنوان الغصب ; لأنّ المراد بالأوّل هو العمل الصادر عن اختيار المكرَه ـ بالفتح ـ . غاية الأمر أنّ الباعث له على إيجاد العمل المكره عليه ، هو خوف وقوع الضرر الذي توعّد به عليه ، وأمّا الغصب فهو عبارة عن إستيلاء الغاصب وقهره ، بحيث لا يكون للمغصوب اختيار


(1) وسائل الشيعة: 18 / 382 ، أبواب حدّ الزنا ب17 ح3 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 382 ، أبواب حدّ الزنا ب17 ح6 .
(3) شرائع الإسلام: 4/936 .
(4) المختصر النافع: 294 .

(الصفحة157)

مسألة 1 : لا يعتبر في المواضع المتقدّمة الإحصان ، بل يقتل محصناً كان أو غير محصن ، ويتساوى الشيخ والشاب ، والمسلم والكافر ، والحرّ والعبد ، وهل يجلد الزاني المحكوم بقتله في الموارد المتقدّمة ثمّ يقتل فيجمع فيها بين الجلد والقتل؟ الأوجه عدم الجمع ، وإن كان في النفس تردّد في بعض الصور1.


في مقابل الغاصب أصلا ، ويكون وقوع العمل في مثل المقام صادراً لا عن اختيار المزنيّ بها ، فبين العنوانين تغاير .
ولكن لا محيص عن تخصيص الحكم بما في الروايات ، وما في محكيّ كتب القدماء من عنوان الغصب ، وحمل الإكراه في عبارة المتن ومثلها على الإكراه بالمعنى اللغوي المساوق للقهر وسلب الاختيار ، وعليه فلا يشمل الحكم المذكور في الروايات لمورد الإكراه الاصطلاحي ، وإن كان موجباً لرفع الحرمة بالإضافة إلى المكرَه بالفتح ، كما أنّه لا يشمل صورة الاضطرار أصلا ، كما إذا اضطرّت المرأة لحفظ النفس من الجوع أو العطش إلى أن تبذل نفسها وترتضى بالزنا ، فإنّه لا يكون حدّ الزاني في هذه الصورة القتل ، والله أعلم .

1 ـ أمّا عدم اعتبار الإحصان في الحكم بالقتل في الموارد الثلاثة المتقدّمة ـ فمضافاً إلى أنّه لاخلاف فيه أصلا عدا ما سيأتي من السرائر، حيث حكم بالرجم في مورد الإحصان ـ يدلّ عليه إطلاق الروايات الواردة فيها، وترك الاستفصال في بعضها ، والتصريح في بعض آخر بعدم ثبوت الفرق ، مثل صحيحة بريد العجلي المتقدّمة الواردة في الزنا مكرهاً لها ، وصحيحة زرارة الواردة فيها أيضاً على بعض طرق نقلها ، وما ورد فيمن زنى بإمرأة أبيه ممّا تقدّم(1) ، وكذا


(1) في ص151 .

(الصفحة158)



لا فرق بين الشيخ والشاب ، وبين المسلم والكافر ، وكذا بين الحرّ والعبد ، نعم المورد الثاني يختصّ موضوعه بالكافر كما مرّ ، ولا دليل على عدم مساواة العبد للحرّ في جميع الموارد ، فمقتضى الإطلاقات في هذه الموارد عدم الفرق .
وأمّا الجمع بين الجلد والقتل ، فالظّاهر أنّه إشارة إلى قول ابن إدريس في هذا المقام ، ولكنّه قال بذلك في مورد عدم الإحصان ، وأمّا في مورد الإحصان فحكم بالجمع بين الجلد والرجم ، ولم يعلم وجه عدم التعرّض لهذه الجهة في المتن .
وكيف كان ، فقد قال في السرائر: «والذي يجب تحصيله في هذا القسم ـ وهو الذي يجب عليه القتل على كلّ حال ـ أن يقال: إن كان محصناً فيجب عليه الجلد أوّلا ثمّ الرجم ، فيحصل امتثال الأمر في الحدّين معاً ، ولا يسقط واحد منهما ، ويحصل أيضاً المبتغي الذي هو القتل ; لأجل عموم أقوال أصحابنا وأخبارهم ; لأنّ الرجم يأتي على القتل ويحصل الأمر بالرجم . وإن كان غير محصن فيجب عليه الجلد لأنّه زان ، ثمّ القتل بغير الرجم»(1) .
وقد أيّده في محكيّ كشف اللثام بقوله: «يؤيّده قول الصادق (عليه السلام)في ما مرّ من خبر أبي بصير: إذا زنى الرجل بذات محرم حدّ حدّ الزّاني إلاّ أنّه أعظم ذنباً»(2) . ولعلّه لأنّه ساواه مع الزاني أوّلا ثمّ زاده عظماً ، ومن المعلوم أنّ الرجم لا يجب على كلّ زان ، فلو رجمناه خاصّة كما مرّ عن الشيخ(3) لم يكن قد سويّناه ببعض الزناة ، بخلاف ما إذا جلّدناه أوّلا إذا لم يكن محصناً ثمّ قتلناه بالسيف ، فإنّ الجلد وجب عليه بقوله (عليه السلام): «حُدَّ حدَّ الزّاني» ، والقتل بقوله (عليه السلام): «أعظم ذنباً» ، وأيضاً فإنّه قد


(1) السرائر: 3/438 .
(2) وسائل الشيعة: 18 / 386 ، أبواب حدّ الزنا ب19 ح8 ، كشف اللثام: 2/398 .
(3) في ص142 .

(الصفحة159)



يكون محصناً وهو شيخ ، وأعظم ما يتوجّه إليه على قول الشيخ الرجم ، فيكون أحسن حالا منه إذا زنى بالأجنبية المطاوعة ; لأنّه يجمع عليه بينهما إجماعاً ، فلا تتحقّق الأعظمية(1) .
أقول: أمّا ما ذكره ابن إدريس في ثبوت الجلد في تلك الموارد ، من أنّه يحصل به امتثال الأمر في الحدّين معاً ، فيرد عليه ظهور الروايات الواردة في الموارد المتقدّمة في إنحصار الحدّ بالقتل ، أو الضرب بالسيف ، لعدم ذكر شيء آخر زائد عليه ، ولو كان الجلد واجباً يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ، وهو غير جائز قطعاً ، كما أنّ ظاهر الفتاوى أيضاً ذلك ، خصوصاً مع التصريح بالجمع في بعض أقسام حدّ الزنا ، كالجمع بين الجلد والرجم في الشيخ أو الشيخة إذا كانا محصنين ، فالإقتصار على القتل في مقابله ظاهر في عدم ثبوت غيره ، وبالجملة لا ينبغي الإشكال في ظهور النصوص والفتاوى في الإنحصار ، ومعه لا مجال لدعوى انضمام الجلد أيضاً .
وأمّا دعواه ثبوت الرجم في صورة الإحصان ، فغاية ما يمكن الاستدلال لها ثبوت التعارض بين أدلّة الرجم ، وبين دليل مثل الزنا بذات المحرم الحاكم بالقتل ، لأنّ النسبة هي العموم من وجه ، والتعارض في خصوص مادّة الاجتماع ، وهو الزنا مع الإحصان بذات المحرم .
ويدفعها ـ مضافاً إلى أنّ التعارض بالنحو المذكور لا يثبت دعواه ; لابتنائها على ترجيح أدلّة الرجم في مورد التعارض ، ولم يقم دليل عليه ، بل الدّليل على خلافه ، وهي الموافقة لفتاوى الأصحاب والشهرة المحقّقة بينهم ، فالترجيح لأدلّة المقام ـ أنّ الظاهر عدم ثبوت المعارضة بين الدليلين ; لأنّ أدلّة المقام حاكمة


(1) جواهر الكلام: 41/317 .

(الصفحة160)



على دليل الرجم ، كحكومتها على دليل الجلد أيضاً ، ومرجعه إلى أنّ الدليلين ناظران إلى جعل الحكم في مورد طبيعة الزنا ، وأدلّة المقام متعرّضة لحكم الزنا الخاصّ مع النظارة إلى الدليلين والتوجّه إليهما ، فتكون كسائر الأدلّة الحاكمة ، ومن المعلوم أنّه لا تلاحظ النسبة بين دليل الحاكم ودليل المحكوم ، بل يقدّم الأوّل ، وعليه فلا محيص عن الأخذ بأدلّة المقام والحكم بثبوت القتل ولو كان الزنا مقروناً مع الإحصان .
وأمّا ما جعله كاشف اللثام مؤيّداً له ، فيرد عليه أنّ رواية أبي بصير مفادها مجرّد ثبوت حدّ الزنا الطبيعي في مورد الزنا بذات المحرم ، وليس قوله (عليه السلام): «إلاّ أنّه أعظم ذنباً» دالاًّ على ثبوت عقوبة زائدة على الحدّ المذكور ، بل معناه مجرّد كون الذنب أعظم ، ويترتّب عليه العذاب الأخروي ، وقد ذكرنا أنّ الرواية معرض عنها ويجب أن تطرح ، كما عرفت أنّه لا وجه لحمل الشيخ لها على خصوص المحصن ، والجمع بينها وبين غيرها بالحكم بالتخيير بين القتل وبين الرجم .
نعم ، يبقى النقض المذكور في كشف اللثام ، وهو أنّه يلزم أن يكون زنا الشيخ المحصن بذات المحرم أخفّ مجازاة من زناه بغيرها ، حيث يجمع فيه بين الجلد والرجم .
ويدفعه ـ مضافاً إلى أنّ هذه الأحكام أمور تعبّدية صرفة ، ولم يقم دليل كلّي على كون المجازاة الدنيوية تابعة في الشدّة والضعف لمراتب الذنب من هذه الجهة ـ أنّه يمكن أن تكون الأشدّية مقتضية لإيكال بعض مراتب عقوبته إلى الآخرة ، وعدم الاكتفاء بالمجازاة الدنيوية ، كما في مثل تكرار الصيد في الحج وغيره من الموارد ، ولعلّ مورد النقض هو المراد من بعض الصور الذي قال في المتن أنّ في النفس فيه تردّداً .
<<التالي الفهرس السابق>>