في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة461)

مسألة 7 : يثبت شرب المسكر بالإقرار مرّتين ، ويشترط في المقرّ البلوغ والعقل والحريّة والإختيار والقصد ، ويعتبر في الإقرار أن لا يقرن بشيء يحتمل معه جواز شربه كقوله : شربت للتداوي أو مكرهاً ، ولو أقرّ بنحو الإطلاق وقامت قرينة على أنّه شربه معذوراً لم يثبت الحدّ ، ولو أقرّ بنحو الإطلاق ثمّ ادّعى عذراً قبل منه ويدرأ عنه الحدّ لو احتمل في حقّه ذلك ، ولا يكفي في ثبوته الرائحة أو النكهة مع احتمال العذر 1.


وعليه فالحكم بثبوت الحدّ في الأوّل من دون إشعار بالترديد ، وبثبوته في الأخير مع الإشعار به ـ كما يستفاد من التعبير بكلمة «الظاهر» ـ ممّا لا يجتمعان ، فتدبّر .

1 ـ قد مرّ الكلام مكرّراً في أنّه هل اللازم في مثل المقام مجرّد الإقرار ولو مرّة ، أو أنّه لا يكتفى بذلك ، بل لابدّ من تعدّده ، إلاّ أنّه يمكن الإيراد على المتن بأنّه لا خصوصيّة للمقام ، حيث حكم فيه باعتبار التعدّد صريحاً مع الحكم في مثل القذف بأنّ التعدّد مقتضى الاحتياط ، بل لا يخلو عن وجه ، مع أنّ الظاهر أنّه لا فرق بينهما من هذه الجهة أصلا ، إلاّ أن يكون النظر إلى ما حكي عن ظاهر المبسوط من دعوى الإجماع في المقام(1) ، ومن الواضح عدم حجّية الإجماع المنقول . وأمّا الخصوصيّات المعتبرة في المقرّ فقد عرفت الكلام فيها أيضاً ، ولا حاجة إلى الإعادة أصلا .
ثمّ إنّه يعتبر في الإقرار أن لا يكون مقترناً بشيء يحتمل معه الجواز ، كقوله : «شربت للتداوي» أو «مكرهاً» ، والوجه فيه أنّه حينئذ لا يكون إقراراً على النفس ، بل إقرار على تحقّق الفعل الجائز وصدور الأمر غير المحرّم ، فلم يتحقّق منه إقرار بالمعصية الموجبة لترتّب الحدّ .


(1) المبسوط: 8 / 61.

(الصفحة462)

مسألة 8 : ويثبت بشاهدين عادلين ، ولا تقبل شهادة النساء منفردات ولا منضمّات ، ولو شهد العدلان بنحو الإطلاق كفى في الثبوت ، ولو اختلفا في الخصوصيّات كأن يقول أحدهما : «إنّه شرب الفقاع» والآخر : «إنّه شرب الخمر» أو قال أحدهما : «إنّه شرب في السوق» والآخر : «إنّه شرب في البيت» لم يثبت الشرب ، فلا حدّ ، وكذا لو شهد أحدهما بأنّه شرب عالماً


ولو أقرّ بنحو الإطلاق وقامت قرينة معتبرة يعتمد عليها عند العقلاء على تحقّق الشرب معذوراً وبنحو غير محرّم لا يثبت الحدّ ; لأنّ الإقرار مع تلك القرينة لا يكون إقراراً على النفس ، ومجرّد كون الإقرار بنحو الإطلاق لا يوجب الأخذ به وقطع النظر عن القرينة كما هو ظاهر .
ولو أقرّ بنحو الإطلاق ثمّ ادّعى عذراً ولو مع الفصل يقبل منه ويدرأ عنه الحدّ إذا كان العذر المدّعى محتملا في حقّه وممكناً بالإضافة إليه ; لما مرّ سابقاً من قبول دعوى العذر من المدّعي خصوصاً إذا كان موجب الحدّ ثابتاً بإقراره .
ولا يكفي في الثبوت مجرّد سكره ، خلافاً لما حكي عن المفيد(قدس سره) من قوله : وسكره بيّنة عليه بشرب المحظور ، ولا يرتقب بذلك إقرار منه في حال صحوه به ، ولا شهادة من غيره عليه(1) . فإنّ السكر وإن كان كاشفاً عن الشرب ، إلاّ أنّه ليس بيّنة على الشرب المحرّم ، فإنّه من المحتمل ثبوت العذر له في ذلك ، ولأجله لا يكفي في الثبوت الرائحة أو النكهة ، وإن حكي عن أبي حنيفة الاكتفاء بمجرّد الرائحة(2) ، ولكنّه في غاية الضعف لما ذكرنا .


(1) المقنعة: 801.
(2) المغني لابن قدامة: 10 / 331، المبسوط للسرخسي: 32 / 24، شرح فتح القدير: 5 / 76.

(الصفحة463)

بالحكم ، والآخر بأنّه شرب جاهلا ، وغيره من الاختلافات ، ولو أطلق أحدهما وقال: «شرب المسكر» وقيّد الثاني وقال: «شرب الخمر» فالظاهر ثبوت الحدّ1.


1 ـ أمّا أصل الثبوت بشاهدين عادلين ; فلعموم ما دلّ على اعتبارهما وحجيّتهما في الموضوعات ، ولم يرد في المقام دليل على خلافه . وأمّا عدم قبول شهادة النساء مطلقاً ، فقد تقدّم الكلام فيه مفصّلا ، وعرفت أنّ مقتضى التحقيق هو القبول في صورة الإنضمام لا مطلقاً ، بل خصوص القدر المتيقّن منه(1) ، ولازمه في المقام الاكتفاء بشهادة رجل وامرأتين .
ولو شهد العدلان بنحو الإطلاق ، ولم تكن شهادتهما مقرونة بذكر الخصوصيّات من حيث الجنس والزمان والمكان وغيرها ، يكفي في الثبوت لو لم يتحقّق ادّعاء العذر من المشهود عليه ادّعاءً محتملا في حقّه ، وإلاّ فالظاهر قبول الادّعاء ودرء الحدّ ، كما عرفت في صورة الإقرار .
ولو اختلفا في الخصوصيّات ، سواء كان راجعاً إلى جنس ما شربه ، أو إلى محلّ الشرب ، أو إلى حال المكلّف من حيث العلم والجهل ، أو إلى غيرها من الخصوصيّات الاخر فالظاهر عدم الثبوت ، فإنّه وإن كان التعرّض للخصوصيّات غير معتبر في الشهادة ، ولا يلزم على الشاهد الإشارة إليها ، إلاّ أنّه مع التعرّض وثبوت الاختلاف يتحقّق هنا موضوعان قام على كلّ واحد منهما شهادة واحد ، وهي لا تكفي في مقام الإثبات ، ضرورة أنّ الشرب في السوق أمر والشرب في البيت أمر آخر ، ومجرّد اشتراكهما في أصل الشرب لا يوجب انطباق الشهادة عليه كما في سائر الموارد ، مثل ما إذا شهد شاهد بأنّ زيداً قتل عمرواً ، والآخر بأنّه قتل


(1) تقدّم في ص116 ـ 120.

(الصفحة464)

مسألة 9 : الحدّ في الشرب ثمانون جلدة ، كان الشارب رجلا أو امرأة ، والكافر إذا تظاهر بشربه يحدّ ، وإذا استتر لم يحدّ ، وإذا شرب في كنائسهم وبيعهم لم يحدّ 1.


بكراً ، فإنّ هذا النحو من الشهادة لايكفي للإثبات .
نعم ، لو لم يكن بينهما اختلاف ، كما إذا تعرّض أحدهما لبعض الخصوصيّات ولم يتعرّض الآخر له ، فالظاهر ثبوت الحدّ كما في المثال المذكور في المتن ، ضرورة أنّه لا مغايرة بين المطلق والمقيّد ; ولذا يحمل الأوّل على الثاني في مثل الروايات ، نظراً إلى خروجهما عن عنوان التعارض والاختلاف بالكليّة .

1 ـ أمّا كون الحدّ ثمانين جلدة ، فقد قال في الجواهر : بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل المحكيّ منهما مستفيض أو متواتر كالنصوص(1) . لكن في صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قلت له : أرأيت النبي(صلى الله عليه وآله) كيف كان يضرب في الخمر؟ قال : كان يضرب بالنعال ويزداد إذا اُتي بالشارب ، ثمّ لم يزل الناس يزيدون حتّى وقف ذلك على ثمانين ، أشار بذلك عليّ (عليه السلام) على عمر فرضي بها(2) . ومثلها رواية أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام)(3) .
وفي رواية زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قال : إنّ عليّاً (عليه السلام) كان يقول : إنّ الرجل إذا شرب الخمر سكر ، وإذا سكر هذى ، وإذا هذى افترى ، فاجلدوه حدّ المفتري(4) .


(1) جواهر الكلام: 41 / 456.
(2) وسائل الشيعة: 18 / 467، أبواب حدّ المسكر ب3 ح3.
(3) وسائل الشيعة: 18 / 466، أبواب حدّ المسكر ب3 ح1.
(4) وسائل الشيعة: 18 / 467، أبواب حدّ المسكر ب3 ح4.

(الصفحة465)



وظاهرها عدم تحقّق الحدّ مع عدم صدور الافتراء منه ، إلاّ أن يحمل ذلك على بيان الحكمة بملاحظة تحقّقها غالباً .
وقال في الجواهر : بل في المسالك روى العامّة(1) والخاصّة(2) أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله)كان يضرب الشارب بالأيدي والنعال ولم يقدّره بعدد ، فلمّا كان في زمن عمر استشار أمير المؤمنين (عليه السلام) في حدّه ، فأشار عليه بأن يضرب ثمانين ، وعلّله بأنّه إذا شرب سكر ، وإذا سكر هذى ، وإذا هذى افترى . فجلده عمر ثمانين ، وعمل بمضمونه أكثر العامّة(3) . وذهب بعضهم إلى أربعين مطلقاً(4) ، لما روي أنّ الصحابة قدّروا ما فعل في زمانه(صلى الله عليه وآله) بأربعين(5) (6).
وكان التقدير المزبور عن أمير المؤمنين (عليه السلام) من التفويض الجائز لهم . ومن الغريب ما في كتاب الاستغاثة في بدع الثلاثة من أنّ جلد الشارب الثمانين من بدع الثاني ، وأنّ الرسول(صلى الله عليه وآله) جعل حدّه أربعين بالنعال العربيّة وجرائد النخل بإجماع أهل الرواية ، وأنّ الثاني قال : إذا سكر افترى ، وإذا افترى حدّ حدّ المفتري(7) .
وكيف كان ، فلا خلاف ولا إشكال بمقتضى النصّ والفتوى في كون الحدّ ثمانين جلدة ، من دون فرق بين أن يكون الشارب رجلا أو امرأة ، وأمّا الكافر فقد فصّل


(1) سنن البيهقي: 8 / 320 ـ 321.
(2) وسائل الشيعة: 18 / 466 ـ 467، أبواب حدّ المسكر ب3 ح1 و3.
(3) المغني لابن قدامة: 10 / 326، المبسوط للسرخسي: 24 / 30، المدوّنة الكبرى: 6 / 261، بداية المجتهد: 2 / 439، أسهل المدارك: 2 / 266، شرح فتح القدير: 5 / 83 ـ 84.
(4) مختصر المزني: 266، مغني المحتاج: 4/189، المحلّى بالآثار: 12 / 367، الحاوي الكبير: 17/317ـ 318.
(5) سنن البيهقي: 8 / 318.
(6) مسالك الأفهام: 14 / 463.
(7) جواهر الكلام: 41 / 457.

(الصفحة466)



فيه في المتن بين صورة التظاهر وصورة الاستتار بثبوت الحدّ في الاُولى دون الثانية ، والوجه فيه دلالة الروايات عليه .
منها : موثّقة أبي بصير ، عن أحدهما (عليهما السلام) قال : كان عليّ (عليه السلام) يضرب في الخمر والنبيذ ثمانين الحرّ والعبد واليهوديّ والنصرانيّ ، قلت : وما شأن اليهوديّ والنصرانيّ؟ قال : ليس لهما أن يظهروا شربه ، يكون ذلك في بيوتهم(1) .
وروى في الوسائل بعد هذه الرواية رواية اُخرى لأبي بصير ، ولكنّ الظاهر عدم كونها رواية اُخرى ، كما أشرنا في مثل ذلك مراراً .
ومنها : رواية محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يجلد اليهوديّ والنصرانيّ في الخمر والنبيذ المسكر ثمانين جلدة إذا أظهروا شربه في مصر من أمصار المسلمين ، وكذلك المجوس ، ولم يعرض لهم إذا شربوها في منازلهم وكنائسهم حتّى يصيروا بين المسلمين(2) .
وبمثلهما يقيّد إطلاق بعض الروايات ، مثل :
رواية أبي المغرا ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : كان عليّ (عليه السلام) يجلد الحرّ والعبد واليهوديّ والنصرانيّ في الخمر ثمانين(3) . وإن لا يبعد اتّحادها مع روايتي أبي بصير المتقدّمتين .
ثمّ الظاهر أنّ هذا التفصيل إنّما هو في مورد الذمّي ; لأنّ رفع اليد عن الحدّ في صورة الاستتار إنّما هو بمقتضى المصالحة معهم على أن يشربوها في مثل بيوتهم .


(1) وسائل الشيعة: 18 / 471، أبواب حدّ المسكر ب6 ح1 و2.
(2) وسائل الشيعة: 18 / 471، أبواب حدّ المسكر ب6 ح3.
(3) وسائل الشيعة: 18 / 472، أبواب حدّ المسكر ب6 ح4.

(الصفحة467)

مسألة 10 : يضرب الشارب على ظهره وكتفيه وسائر جسده ، ويتّقى وجهه ورأسه وفرجه ، والرجل يضرب عرياناً ما عدا العورة قائماً ، والمرأة تضرب قاعدة مربوطة في ثيابها ، ولا يقام عليهما الحدّ حتى يفيقا 1.


وأمّا الحربي ، فالظاهر ثبوت الحدّ عليه مطلقاً ، وإن حكي عن القواعد(1) وكشف اللثام(2) أنّه لا حدّ على الحربي وإن تظاهر بشربها ; لأنّ الكفر أعظم منه .
نعم ، إن أفسد بذلك اُدِّب بما يراه الحاكم ، ولكنّه مندفع بعموم الأدلّة الواردة في الحدّ ، وكونهم مكلّفين بتمام الأحكام .

1 ـ كيفيّة ضرب الشارب للمسكر على ما هو مقتضى المتن هي كيفيّة ضرب الزاني المتقدّمة ، مع أنّ المستند الوحيد في المقام هي صحيحة أبي بصير في حديث ، قال : سألته عن السكران والزاني ؟ قال : يجلدان بالسياط مجرّدين بين الكتفين ، فأمّا الحدّ في القذف فيجلد على ما به ضرباً بين الضربين(3) .
ومقتضاها بحسب الظاهر اشتراكهما في التجريد ، وكون الضرب بين الكتفين ، فإن استفيد منهما الاشتراك في جميع الخصوصيّات يحمل «بين الكتفين» على كونه أحد المواضع وأنّه لا خصوصيّة فيه أصلا .
واللازم حينئذ الالتزام بكون الضرب في الشرب يجب أن يكون أشدّ مراتب الضرب كما في باب الزنا ، مع أنّه لم يقع التصريح بهذه الجهة في الكلمات ، وإن كانت المقابلة مع القذف في الرواية والحكم بأنّ الضرب فيه هو ما بين الضربين تقتضي


(1) قواعد الأحكام: 2 / 263.
(2) كشف اللثام: 2 / 417.
(3) وسائل الشيعة: 18 / 474، أبواب حدّ المسكر ب8 ح1.

(الصفحة468)

مسألة 11 : لا يسقط الحدّ بعروض الجنون ولا بالإرتداد ، فيحدّ حال جنونه وارتداده 1.


ذلك ، وإن لم يستفد من الرواية الاشتراك في جميع الخصوصيّات فاللاّزم حينئذ الاقتصار على خصوص بين الكتفين ، وقيام الدليل في باب الزنا على جواز الضرب على جميع المواضع عدا ما استثني لا يقتضي الحكم به في المقام أيضاً .
وبالجملة : استفادة الاشتراك المطلق من الرواية مشكلة . نعم ، تدلّ الرواية على خلاف ما حكي عن المبسوط من أنّه لا يجرّد عن ثيابه ; لأنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) أمر بالضرب ولم يأمر بالتجريد(1) . فإنّ دلالة الرواية الصحيحة على لزوم التجريد تكفي لإثباته .
ثمّ إنّه ذكر في الجواهر بعد نقل الرواية : وينبغي أن يفرّق على سائر بدنه ; ليذوق العقوبة ما سرى فيه المشروب ، كما روي عن عليّ (عليه السلام) من قوله للجلاّد : إعط كلّ عضو حقّه(2) (3) ، والتعبير بـ «ينبغي» ثمّ الاستدلال بالرواية ظاهر في عدم استفادة الوجوب منها ، أو عدم شمولها لغير موردها بالدلالة اللفظية ، مع أنّ ظاهر مثل المتن وجوب التفريق . وأمّا إجراء الحدّ بعد الإفاقة فلتوقّف حصول فائدته ; وهي الإنزجار عنه ثانياً عليها ، كما لا يخفى .

1 ـ الوجه في عدم السقوط واضحٌ ; لأنّ مقتضى إطلاق أدلّة الحدود ذلك ، وقياس المجنون على السكران الذي لا يحدّ حتّى يفيق مع الفارق .


(1) المبسوط: 8 / 69.
(2) المصنّف لعبد الرزّاق الصنعاني: 7 / 370 ح13517.
(3) جواهر الكلام: 41 / 461.

(الصفحة469)

مسألة 12 : لو شرب كراراً ولم يحدّ خلالها ، كفى عن الجميع حدّ واحد . ولو شرب فحدّ قتل في الثالثة ، وقيل : في الرابعة 1.


1 ـ في هذه المسألة فرعان :
أحدهما : أنّه لو تحقّق الشرب مراراً ولم يتخلّل حدّ بينها يكفي حدّ واحد عن الجميع من دون فرق بين اتّحاد جنس المشروب واختلافه ، والظاهر أنّه لا خلاف فيه كما في الجواهر(1) . والوجه فيه أنّ التعدّد لا يوجب تحقّق موضوع آخر ، بل الموضوع وهو شرب المسكر مثلا محفوظ مع التعدّد ، فكما أنّه لا فرق بين القليل والكثير كذلك لا فرق بين الواحد والمتعدّد ، وهذا من دون فرق بين أن يكون ثبوت الجميع قبل الحدّ ، أو كان ثبوت بعضها بعد الحدّ ولكن كان وقوعه وتحقّقه قبل الحدّ ; كما إذا قامت البيّنة يوم الخميس على أنّه شرب المسكر يوم السبت فأجري عليه الحدّ ، ثمّ قامت البيّنة على أنّه شربه يوم الأحد أيضاً ، فإنّ الظاهر عدم ترتّب الحدّ على هذه البيّنة ; لأنّ مقتضاها تحقّق الشرب قبل الحدّ كما لا يخفى .
ثانيهما : أنّه إذا حدّ مرّتين قتل في الثالثة ولا تنتظر الرابعة ، وفاقاً للمشهور شهرة عظيمة ، بل عن الغنية الإجماع عليه(2) . ولكن حكي عن الشيخ(قدس سره) في الخلاف(3) والمبسوط(4) والصدوق في المقنع(5) أنّه يقتل في الرابعة ، ومال إليه


(1) جواهر الكلام: 41 / 462.
(2) غنية النزوع: 429.
(3) الخلاف: 5 / 473 مسألة 1.
(4) المبسوط: 8 / 59.
(5) في المقنع: 455 حكم بقتل العبد الشارب للخمر في الثامنة، وهو يعطي قتل الحرّ في الرابعة، وحكي في المختلف: 9 / 203 المسألة 62، والمسالك: 14 / 466 عنه أنّه يقتل في الرابعة.

(الصفحة470)



العلاّمة(1) وولده(2) والشهيد(3) .
ومستند الرابعة يرجع إلى أنّ الزنا أعظم من شرب المسكر ، ولذا يجلد الزاني مائة جلدة مع أنّ القتل فيه إنّما هو في الرابعة كما عرفت ، فمن البعيد أن يكون في الشرب في المرّة الثالثة .
وإلى النبوي الذي حكي عن الخلاف الاستدلال(4) به من قوله(صلى الله عليه وآله) : من شرب الخمر فاجلدوه ، ثمّ إن شرب فاجلدوه ، ثمّ إن شرب فاجلدوه ، ثمّ إن شرب فاقتلوه(5) .
وإلى الرواية المرسلة التي رواها الصدوق في الفقيه من قوله : وروي أنّه يقتل في الرابعة(6) .
ولكن الروايتين مرسلتان ، والمقايسة مع الزنا لا تنهض في مقابل الروايات المستفيضة ، بل المتجاوزة عن حدّ الاستفاضة ، الدالّة على ثبوت القتل في الثالثة ، إمّا بالعموم وإمّا في الخمر وإمّا في سائر المسكرات ، ولا بأس بنقل بعضها ، فنقول : أمّا ما يدلّ بنحو العموم ، فمثل :
صحيحة يونس ، عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) قال : أصحاب الكبائر كلّها إذا اُقيم عليهم الحدود مرّتين قتلوا في الثالثة(7) .


(1) إرشاد الأذهان: 2 / 180.
(2) إيضاح الفوائد: 4 / 515.
(3) اللمعة الدمشقية: 169.
(4) الخلاف: 5 / 474 في ذيل مسألة 1.
(5) سنن البيهقي: 8 / 314.
(6) من لا يحضره الفقيه: 4 / 56، وسائل الشيعة: 18 / 477، أبواب حدّ المسكر ب11 ح9.
(7) وسائل الشيعة: 18 / 476، أبواب حدّ المسكر ب11 ح2.

(الصفحة471)



وأمّا ما ورد في الخمر ، فمثل :
صحيحة سليمان بن خالد ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : من شرب الخمر فاجلدوه ، فإن عاد فاجلدوه ، فإن عاد الثالثة فاقتلوه(1) .
وصحيحة أبي عبيدة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : من شرب الخمر فاجلدوه ، فإن عاد فاجلدوه ، فإن عاد فاقتلوه(2) .
وموثّقة أبي بصير ، عن أحدهما (عليهما السلام) قال : من شرب الخمر فاجلدوه ، فإن عاد فاجلدوه ، فإن عاد فاقتلوه(3) .
وصحيحة جميل بن درّاج ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه قال في شارب الخمر : إذا شرب ضرب ، فإن عاد ضرب ، فإن عاد قتل في الثالثة(4) .
قال الكليني بعد نقل الرواية : قال جميل : وروى بعض أصحابنا أنّه يقتل في الرابعة ، قال ابن أبي عمير : كأنّ المعنى أن يقتل في الثالثة ، ومن كان إنّما يؤتى به يقتل في الرابعة(5) .
وقال المجلسي(قدس سره) في المرآة في شرح قول ابن أبي عمير : لعلّ المعنى إن لم يؤت به إلى الإمام واُتي به في الرابعة ، أو فرّ في الثالثة فاُتي به في الرابعة ، يقتل في الرابعة ، فقوله : «في الرابعة» متعلّق بـ «يؤتى به» ويقتل على التنازع(6) .


(1) وسائل الشيعة: 18 / 476، أبواب حدّ المسكر ب11 ح1.
(2) وسائل الشيعة: 18 / 476، أبواب حدّ المسكر ب11 ح3.
(3) وسائل الشيعة: 18 / 477، أبواب حدّ المسكر ب11 ح5.
(4) وسائل الشيعة: 18 / 477، أبواب حدّ المسكر ب11 ح6.
(5) الكافي: 7 / 218 ح4، وسائل الشيعة: 18 / 477، أبواب حدّ المسكر ب11 ح7.
(6) مرآة العقول: 23 / 338.

(الصفحة472)



وأمّا ما ورد في سائر المسكرات .
فصحيحة أبي الصباح الكناني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : كلّ مسكر من الأشربة يجب فيه كما يجب في الخمر من الحدّ(1) .
فإنّ إطلاق الحدّ يشمل الجلد في المرّتين والقتل في الثالثة ، كما لا يخفى .
ورواية اُخرى لأبي الصباح الكناني قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : كان النبيّ(صلى الله عليه وآله) إذا اُتي بشارب الخمر ضربه ، فإن أُتي به ثانية ضربه ، فإن اُتي به ثالثة ضرب عنقه ، قلت : النبيذ؟ قال : إذا أُخذ شاربه قد انتشى ضرب ثمانين ، قلت : أرأيت إن أخذته ثانية؟ قال : أضربه ، قلت : فإن أخذته ثالثة ؟ قال : يقتل كما يقتل شارب الخمر(2) .
ورواية سليمان بن خالد قال : كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يجلد في النبيذ المسكر ثمانين كما يضرب في الخمر ، ويقتل في الثالثة كما يقتل صاحب الخمر(3) . وغير ذلك من الروايات الدالّة عليه .


(1) وسائل الشيعة: 18 / 473، أبواب حدّ المسكر ب7 ح1.
(2) وسائل الشيعة: 18 / 478، أبواب حدّ المسكر ب11 ح11.
(3) وسائل الشيعة: 18 / 478، أبواب حدّ المسكر ب11 ح13.

(الصفحة473)







القول في أحكامه وبعض اللواحق


مسألة 1 : لو شهد عدل بشربه والآخر بقيئه وجب الحدّ ، سواء شهدا من غير تاريخ أو بتاريخ يمكن الإتّحاد ، ومع عدم إمكانه لا يحدّ ، وهل يحدّ إذا شهدا بقيئه؟ فيه إشكال 1.


1 ـ الحكم بوجوب الحدّ في الفرع الأوّل هو المشهور ، بل لم ينقل الخلاف فيه أصلا ، بل عن السرائر(1) والتنقيح(2) وظاهر الخلاف الإجماع عليه(3) .
والأصل فيه رواية الحسين بن يزيد ، عن أبي عبدالله ، عن أبيه (عليهما السلام) قال : أُتي عمر بن الخطّاب بقدامة بن مظعون وقد شرب الخمر ، فشهد عليه رجلان ، أحدهما : خصيّ وهو عمرو التميمي ، والآخر : المعلّى بن الجارود ، فشهد أحدهما أنّه رآه يشرب ، وشهد الآخر أنّه رآه يقيء الخمر ، فأرسل عمر إلى ناس من


(1) السرائر: 3 / 475.
(2) التنقيح الرائع: 4 / 370.
(3) الخلاف: 5 / 493 ذ مسألة 8.

(الصفحة474)



أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله) فيهم أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فقال لأمير المؤمنين (عليه السلام) : ما تقول يا أبا الحسن؟ فإنّك الذي قال له رسول الله(صلى الله عليه وآله) : أنت أعلم هذه الأمّة وأقضاها بالحقّ ، فإنّ هذين قد اختلفا في شهادتهما ، قال : ما اختلفا في شهادتهما ، وما قاءها حتّى شربها ، الحديث(1) .
وضعف السند على تقديره منجبر بالفتوى على طبقها والإستناد إليها ، وهي الأصل في هذه المسألة ، فلا إشكال في هذا الفرع .
وأمّا إذا شهدا بقيئة ، فقد استشكل في ثبوت الحدّ فيه في المتن تبعاً للفاضل(2)وابن طاووس(3) ، وهو ينشأ من جريان التعليل المذكور في الرواية ، وهو كشف القيء عن الشرب في هذه الصورة ، فكأنّهما شهدا بشربه ، وحكي عن الشيخ التصريح بذلك(4) ، بل عن بعض دعوى الشهرة عليه . ومن أنّ القيء وإن كان إنّما يكشف عن الشرب ; لكنّه لا دلالة له على وقوعه محرّماً ; لاحتمال الإكراه ولو على بعد ، فيدرأ الحدّ للشبهة ، وقد دفع هذا الاحتمال المحقّق في الشرائع بقوله : ولعلّ هذا الاحتمال يندفع بأنّه لو كان واقعاً لدفع به عن نفسه(5) .
والظاهر أنّه لا فرق بين الشهادة بالقيء وبين الشهادة بالشرب، فكما أنّ الشهادة بالشرب إنّما يعتمد عليها في الحكم بوجوب الحدّ إذا لم يقع من المشهود عليه إدّعاء العذر المحتمل في حقّه ، كالإكراه والإضطرار والتداوي ، فكذلك الشهادة


(1) وسائل الشيعة: 18 / 480، أبواب حدّ المسكر ب14 ح1.
(2) قواعد الأحكام: 2 / 264.
(3) حكى عنه في غاية المراد في شرح نكت الإرشاد: 346 ومسالك الأفهام: 14 / 467.
(4) النهاية: 711.
(5) شرائع الإسلام: 4 / 950.

(الصفحة475)

مسألة 2 : من شرب الخمر مستحلاًّ لشربها أصلا وهو مسلم استتيب ، فإن تاب اُقيم عليه الحدّ ، وإن لم يتب ورجع انكاره إلى تكذيب النبيّ (صلى الله عليه وآله) قتل ، من غير فرق بين كونه ملّياً أو فطرياً ، وقيل : حكمه حكم المرتدّ لا يستتاب إذا ولد على الفطرة ، بل يقتل من غير استتابة ، والأوّل أشبه ، ولا يقتل مستحلّ شرب غير الخمر من المسكرات مطلقاً ، بل يحدّ بشربه خاصّة مستحلاًّ كان له أو محرّماً، وبائع الخمر يستتاب مطلقاً، فإن تاب قبل منه، وإن لم يتب ورجع استحلاله إلى تكذيب النبيّ (صلى الله عليه وآله) قتل ، وبائع ما سواها لا يقتل وإن باعها مستحلاًّ ولم يتب1.


بالقيء إنّما يترتّب عليها الأثر في هذه الصورة ، ولا يكون الحكم في الرواية على خلاف القاعدة حتّى لا يجوز التعدّي من موردها إلى غيره .

1 ـ تشتمل هذه المسألة على فروع متعدّدة :
الأوّل : من شرب الخمر مستحلاًّ لشربها وهو مسلم ، وفيه قولان كما في المتن ، الأوّل : محكيّ عن المقنعة(1) والنهاية(2) والجامع(3) بل عن أتباع الشيخين(4) . بل عن العلاّمة في المختلف الميل إليه(5) والثاني : عن التقي(6) بل المتأخّرين كما في المسالك(7) . والمحقّق في الشرائع اختار القول الأوّل ، ولكنّه بعد نقل القول الثاني


(1 ـ 3) المقنعة: 799، النهاية: 711، الجامع للشرائع: 558.
(4) المهذّب: 2 / 535، الوسيلة: 416، فقه القرآن للراوندي: 2 / 379.
(5) انظر جواهر الكلام: 41 / 464، لكن يستفاد من عبارة العلاّمة في المختلف: 9 / 205 في ذيل مسألة 63 الميل إلى القول الثاني بقوله: «ولا بأس به» أي بقول التّقي (أبو الصلاح الحلبي)، كما نسب إليه في المهذّب البارع: 5 / 84 ـ 85 إختيار قول الثاني.
(6) الكافي في الفقه: 413.
(7) مسالك الأفهام: 14 / 469.

(الصفحة476)



قال : وهو قويّ(1) .
والعمدة في هذا الفرع وجود روايتين :
إحداهما : ما رواه المفيد في الإرشاد قال : روت العامّة والخاصّة أنّ قدامة بن مظعون شرب الخمر فأراد عمر أن يحدّه ، فقال : لا يجب عليّ الحدّ ، إنّ الله يقول : {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوا وَآمَنُوا}(2) فدرأ عنه عمر الحدّ ، فبلغ ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) فمشى إلى عمر فقال : ليس قدامة من أهل هذه الآية ، ولا من سلك سبيله في ارتكاب ما حرّم الله ; إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات لا يستحلّون حراماً ، فاردد قدامة فاستتبه ممّا قال ، فإن تاب فأقم عليه الحدّ ، وإن لم يتب فاقتله ، فقد خرج من الملّة ، فاستيقظ عمر لذلك وعرف قدامة الخبر ، فأظهر التوبة والإقلاع ، فدرأ عنه القتل ولم يدر كيف يحدّه ، فقال لعليّ (عليه السلام) : أشر علَيَّ ; فقال : حدّه ثمانين جلدة ، إنّ شارب الخمر إذا شربها سكر ، وإذا سكر هذى ، وإذا هذى افترى ، فجلده عمر ثمانين جلدة(3) .
ثانيتهما : صحيحة عبدالله بن سنان قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : الحدّ في الخمر أن يشرب منها قليلاً أو كثيراً ، ثمّ قال : اُتي عمر بقدامة بن مظعون وقد شرب الخمر وقامت عليه البيّنة ، فسأل عليّاً (عليه السلام) فأمره أن يجلده ثمانين ، فقال قدامة : يا أمير المؤمنين ليس عليّ حدّ ، أنا من أهل هذه الآية : {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا . . .} فقال عليّ (عليه السلام) : لست من أهلها ، إنّ طعام أهلها


(1) شرائع الإسلام: 4 / 950.
(2) سورة المائدة 5: 93.
(3) وسائل الشيعة: 18 / 465، أبواب حدّ المسكر ب2 ح1.

(الصفحة477)



لهم حلال ، ليس يأكلون ولا يشربون إلاّ ما أحلّ الله لهم ، ثمّ قال (عليه السلام) : إنّ الشارب إذا شرب لم يدر ما يأكل ولا ما يشرب ، فاجلدوه ثمانين جلدة(1) .
وغير خفيّ أنّ قصّة قدامة كانت قصّة واحدة ، والمستفاد من الرواية الثانية التي هي صحيحة أنّ استدلال قدامة بالآية المذكورة فيها إنّما كان لنفي وجوب الحدّ عن مثله ، من دون أن يكون مستحلاًّ للشرب ، وجواب الإمام (عليه السلام) يرجع إلى أنّ الطعام الذي نفى الجناح فيه هو الطعام الحلال ، ففي الحقيقة كان منشأ توهّم قدامة راجعاً إلى أنّ الآية تنفي ترتّب الحدّ وإن كان الطعام محرّماً ، ومن الظاهر أنّ الحكم في مثله هو وجوب الحدّ دون القتل ، وقد مرّ في بعض المسائل المتقدّمة أنّه لا يشترط في الحكم بوجوب الحدّ علم الشارب بذلك ، بل المعتبر هو العلم بثبوت الحرمة في الشريعة ، ويدلّ على ما ذكرنا عدم وقوع التعرّض للاستتابة في هذه الرواية ، ففي الحقيقة لا ترتبط الرواية بمسألة الاستحلال أصلا .
وأمّا الرواية الاُولى ، فهي صريحة في تحقّق الارتداد بسبب الاستحلال ، ولزوم الاستتابة والقتل بعدها إذا لم يتب ، وحينئذ يقع الكلام بعد اختلاف الروايتين في نقل قصّة واحدة في لزوم الأخذ بالرواية الاُولى مع كونها مرسلة وإن لم يبلغ مرتبة الإرسال فيها إلى مثل قوله : روي ، وعدم ثبوت الشهرة الجابرة للضعف ، أو لزوم الأخذ بالرواية الثانية مع كونها صحيحة معتبرة ، وعدم كونها مخالفة للأصول والقواعد .
والظاهر أنّه لا يبقى مجال مع هذا الوصف للاتّكاء على الرواية الاُولى ، المخالفة للقاعدة من جهة الحكم بالاستتابة في المرتد الفطري أيضاً ، مع أنّه يقتل من دون


(1) وسائل الشيعة: 18 / 467، أبواب حدّ المسكر ب3 ح5.

(الصفحة478)



استتابة . هذا ، مع أنّ اللازم أن يكون الحكم فيمن استحلّ الخمر من دون شرب أشدّ ممّن شربها مستحلاًّ إذا كان مرتدّاً فطريّاً ; لأنّ الظاهر عدم التعدّي عن مورد الرواية إلى المستحلّ من دون شرب ، والرجوع فيه إلى القاعدة المقتضية للقتل من دون استتابة ، فيلزم أن يكون أشدّ .
هذا ، مضافاً إلى أنّ الاستناد إليها لإطلاق الحكم في الفطريّ محلّ نظر ; لإمكان أن يكون ارتداده في مورد الرواية عن ملّة ، وإلى أنّ الظاهر أنّ الاستحلال الموجب للارتداد والخروج عن الملّة هو ما كان راجعاً إلى تكذيب النبي(صلى الله عليه وآله) وإنكار الرسالة ، ومن المعلوم أنّ استحلال قدامة على فرضه لم يكن كذلك .
وبالجملة : إذا كان مدرك المسألة هي الرواية ، فقد عرفت حالها وأنّه لا يثبت بها ما أفتى به الشيخان ومن تبعهما ، وإذا كان المدرك هو إمكان الشبهة ، فما الفرق بين المقام وبين سائر موارد إنكار الضروري الذي لا يحكم فيه بالاستتابة في المرتدّ الفطري . نعم ، لو كان منشأ الشبهة هو قرب العهد بالإسلام أو بعد بلده عن بلاد الإسلام يقبل مطلقاً ولو في غير المقام .
ويدلّ عليه في المقام رواية ابن بكير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : شرب رجل الخمر على عهد أبي بكر ، فرفع إلى أبي بكر ، فقال له : أشربت خمراً؟ قال : نعم ، قال : ولِمَ وهي محرّمة؟ قال : فقال له الرجل : إنّي أسلمت وحسن إسلامي ، ومنزلي بين ظهرانيّ قوم يشربون الخمر ويستحلّون ، ولو علمت أنّها حرام اجتنبتها ، فالتفت أبو بكر إلى عمر ، فقال : ما تقول في أمر هذا الرجل؟ فقال عمر : معضلة وليس لها إلاّ أبو الحسن ، فقال أبو بكر : اُدع لنا عليّاً ، فقال عمر : يؤتى الحكم في بيته ، فقام والرجل معهما ومن حضرهما من الناس حتّى أتوا أمير المؤمنين (عليه السلام)فأخبراه بقصّة الرجل وقصّ الرجل قصّته ، فقال : ابعثوا معه من يدور به على

(الصفحة479)



مجالس المهاجرين والأنصار من كان تلا عليه آية التحريم فليشهد عليه ، ففعلوا ذلك به فلم يشهد عليه أحد بأنّه قرأ عليه آية التحريم ، فخلّى سبيله ، فقال له : إن شربت بعدها أقمنا عليك الحدّ(1) .
الفرع الثاني : من شرب غير الخمر من سائر المسكرات مع الاستحلال ، وقد حكم فيه في المتن بأنّه لا يقتل ، وأشار بقوله : مطلقاً إلى عدم الفرق بين سائر المسكرات ، خلافاً لما حكي عن الحلبي من الحكم بكفر مستحلّ الفقّاع ووجوب قتله(2) ، والوجه في عدم القتل في هذا الفرع وضوح ثبوت الاختلاف بين فقهاء المسلمين في حرمة غير الخمر من سائر المسكرات ، وعدم كون حرمته ضروريّة حتّى يكون إنكارها إنكاراً للضروري ، فترى الحنفي يعتقد إباحة شرب النبيذ ويستحلّه(3) ، وفي محكيّ المسالك فالحنفيّ المعتقد إباحتها يحدّ على شربها ولا يكفّر ; لأنّ الكفر مختصّ بما وقع عليه الإجماع ، وثبت حكمه ضرورة من دين الإسلام ، وهو منتف في غير الخمر(4) .
ولكن يشكل الحكم بثبوت الحدّ عليه في صورة الاستحلال ; لأنّه مع العلم بعدم الحرمة ـ والفرض معذوريّته لكون المسألة غير ضروريّة ـ لا تكون الحرمة بالإضافة إليه فعليّة ، ولا تتحقّق بنظره معصية ، فلا مجال لإجراء الحدّ عليه . نعم ، لو كان الاستحلال مقروناً بالقطع بالحرمة وقيام الحجّة عليها يثبت الحدّ .
الفرع الثالث : من باع الخمر مستحلاًّ ، ويظهر من المتن أنّه يجري عليه حكم


(1) وسائل الشيعة: 18 / 475، أبواب حدّ المسكر ب10 ح1.
(2) الكافي في الفقه: 413.
(3) المغني لابن قدامة: 10 / 327، بداية المجتهد: 1 / 496.
(4) مسالك الأفهام: 14 / 469.

(الصفحة480)



شرب الخمر مستحلاًّ من دون فرق ، إلاّ في عدم ثبوت الحدّ هنا بعد التوبة ; لعدم ترتّب الحدّ على بيع الخمر ، وإلاّ في إطلاق الحكم بالاستتابة هنا الظاهر في الاستتابة مع عدم الاستحلال أيضاً وكونه محرّماً له ، كما أنّ الظاهر أنّه لا فرق بنظر المتن هنا أيضاً بين الملّي والفطري .
والذي يقتضيه النظر بعد عدم وجود نصّ في المقام استفادة حكمه ممّا ورد في الشرب مستحلاًّ من الرواية المتقدّمة ، نظراً إلى أنّه إذا لم يكن الشرب مع الاستحلال موجباً للحكم بالقتل قبل الاستتابة وعدم التوبة ، فالبيع كذلك يكون بطريق أولى ; لأنّ حرمة الشرب ضروريّة كما عرفت ، وليست حرمة البيع  كذلك .
ولكن يرد عليه حينئذ : أنّه لا مجال بناءً على ذلك لإجراء الاستتابة فيما إذا كان محرّماً له ; لأنّ حكمه حينئذ التعزير كما في ارتكاب مثله من المحرّمات .
والعمدة ما ذكرنا من عدم نهوض الرواية لإثبات الحكم في مسألة الشرب حتّى يحكم بثبوته في البيع بطريق أولى ، بل اللازم استفادة حكمه من القواعد وإن كان يظهر من المسالك أنّه موضع وفاق ، حيث قال : بيع الخمر ليس حكمه كشربه ، فإنّ الشرب هو المعلوم تحريمه من دين الإسلام كما ذكر ، وأمّا مجرّد البيع فليس تحريمه معلوماً ضرورة ، وقد يقع فيه الشبهة من حيث إنّه يسوغ تناوله على بعض وجوه الضرورات كما سلف ، فيعزّر فاعله ويستتاب إن فعله مستحلاًّ ، فإن تاب قبل منه ، وإن أصرّ على استحلاله قتل حدّاً ، وكأنّه موضع وفاق ، وما وقفت على نصّ يقتضيه(1) .


(1) مسالك الأفهام: 14 / 470.
<<التالي الفهرس السابق>>