(الصفحة481)
مسألة 3 : لو تاب الشارب عنه قبل قيام البيّنة عليه بشربه سقط عنه الحدّ ، ولو تاب بعد قيامها لم يسقط وعليه الحدّ ، ولو تاب بعد الإقرار فلا يبعد تخيير الإمام في الإقامة والعفو ، والأحوط له الإقامة 1.
فإن كانت المسألة إجماعيّة فاللاّزم الالتزام بها ، وإلاّ فمقتضى القواعد التفصيل بين المستحلّ والمحرّم ، والحكم بثوت التعزير في الثاني وبثبوت الحدّ أي القتل في الأوّل ، مع رجوع استحلاله إلى تكذيب النبي(صلى الله عليه وآله) وإن لم يكن ضروريّاً ; لأنّ الملاك في الارتداد هو تكذيب النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، فكلّ ما رجع إليه يترتّب عليه ذلك مع الالتفات إليه والالتزام به ، من دون فرق بين أن يكون ضروريّاً وبين غيره ، ومن هنا يحكم بكفر من سمع عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) شيئاً مع العلم بمراده فكذّبه في ذلك ، وإن لم يكن ذلك الأمر من ضروريّات الإسلام .
الفرع الرابع : من باع غير الخمر من سائر المسكرات ، وقد حكم فيه في المتن بأنّه لم يقتل وإن كان مستحلاًّ ولم يتب ، والوجه فيه واضح بملاحظة ما ذكرنا في الفرع الثاني .
1 ـ أمّا التوبة فيما إذا ثبت الشرب بالبيّنة فالتفصيل في حكمها من جهة وقوعها قبل قيامها ، فيسقط عنه الحدّ ، ووقوعها بعده فلا يسقط ، فقد تقدّم البحث فيه في باب الزنا ولا حاجة إلى الإعادة(1) .
وأمّا التوبة بعد الإقرار ، فالمشهور كما في المسالك أنّ الإمام مخيّر فيها بين العفو والاستيفاء(2) كما في بابي الزنا واللواط ، والمحكيّ عن ابن إدريس(3)
(1) تقدّم في ص109 ـ 113 و135 ـ 138.
(2) مسالك الأفهام: 14 / 470.
(3) السرائر: 3 / 478.
(الصفحة482)
مسألة 4 : من استحلّ شيئاً من المحرّمات المجمع على تحريمها بين المسلمين كالميتة والدم ولحم الخنزير والربا ، فإن ولد على الفطرة يقتل إن رجع
بل عن المبسوط(1) والخلاف تحتّم الإستيفاء هنا وعدم ثبوت التخيير(2) ، وقال المحقّق في الشرائع بعد نقل هذا القول : وهو الأظهر(3) . وعن التحرير أنّه قويّ(4) ، والوجه في الترديد في المقام عدم ورود نصّ فيه يقتضي التخيير أو التعيين .
نعم ، مقتضى أدلّة حدَّ الشرب في نفسها تعيّن الاستيفاء ، ومن حكم بالتخيير في المقام فقد استند إلى الأولويّة المتحقّقة هنا بالإضافة إلى الزنا ، فإنّه إذا لم يكن هناك الاستيفاء متعيّناً مع كونه أعظم فهنا أولى ، ومن حكم بتعيّن الإجراء فقد استند أوّلا إلى عدم ثبوت التخيير هناك إلاّ في خصوص الرجم دون الجلد ، وثانياً إلى بطلان القياس ، ولكنّ الظاهر كما مرّ ثبوت التخيير في الجلد أيضاً ، واستفادة حكم المقام تنشأ من الأولويّة ولا تبتني على القياس ، إلاّ أن يناقش فيها بمنعها ، نظراً إلى أنّ الزنا أمر يكون مقتضى القوّة الشهوية والغريزة الجنسيّة الباعثة على ارتكابه ، ومن الممكن وقوع تسهيل فيه من هذه الجهة ، بخلاف شرب المسكر الذي لا يكون في النفس داع قويّ وباعث محرّك على ارتكابه ، ولعلّه لأجل ما ذكر احتاط في المتن الإجراء في المقام ، فتدبّر .
(1) المبسوط: 8 / 4.
(2) لم نجده فيه، وحكاه عنه الشهيد الثاني في المسالك: 14 / 471 والعلاّمة في المختلف: 9 / 206 في ذيل مسألة 65.
(3) شرائع الإسلام: 4 / 951.
(4) تحرير الأحكام: 2 / 227.
(الصفحة483)
إنكاره إلى تكذيب النبيّ (صلى الله عليه وآله) أو إنكار الشرع ، وإلاّ فيعزّر ، ولو كان انكاره لشبهة ممّن صحّت في حقّه فلا يعزّر . نعم ، لو رفعت شبهته فأصرّ على الإستحلال قتل ; لرجوعه إلى تكذيب النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، ولو ارتكب شيئاً من المحرّمات غير ما قرّر الشارع فيه حدّاً عالماً بتحريمها لا مستحلاًّ عزّر ، سواء كانت المحرّمات من الكبائر أو الصغائر 1.
1 ـ الغرض من هذه المسألة أنّه لا يختصّ الارتداد الموجب للقتل في المرتدّ الفطري إذا كان ذكراً جامعاً لشرائط الحدّ بما إذا أنكر شيئاً من ضروريّات الإسلام ، بل يجري فيما إذا استحلّ شيئاً من المحرّمات التي أجمع فقهاء المسلمين من العامّة والخاصّة على تحريمها كالمحرّمات المذكورة في المتن ، فإنّه إذا رجع استحلاله في شيء منها إلى تكذيب الرسالة أو إنكار الشريعة ، كما إذا حصل له القطع من الإجماع المذكور بكون الحكم في الشريعة هي الحرمة ومع ذلك استحلّها ، يتحقّق الارتداد الذي يترتّب عليه الحكم المذكور ; لما عرفت من أنّ الملاك في الارتداد ليس إنكار الضروريّ ، بل الملاك هو التكذيب المذكور ، ومن الظاهر رجوع الاستحلال في هذا الفرض إلى التكذيب .
ومنه يظهر جريان الحكم فيما إذا استحلّ ما أجمع فقهاء الشيعة على تحريمه مع القطع بموافقة رأي المعصوم (عليه السلام) له ، فإنّ الاستحلال في هذه الصورة يرجع إلى تكذيب الإمام (عليه السلام) ، وتكذيبه من الشيعي القائل بإمامته والمعتقد بموافقة رأيه لرأي النبيّ(صلى الله عليه وآله) يرجع إلى تكذيب النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، فيتحقّق الارتداد .
ولكن استشكل في المسالك في تحقّق الارتداد باستحلال ما اُجمع على تحريمه بقوله : ويشكل بأنّ حجيّة الإجماع ظنيّة لا قطعيّة ، ومن ثَمّ اختلف فيها وفي جهتها ، ونحن لا نكفّر من ردّ أصل الإجماع فكيف نكفّر من ردّ مدلوله؟! فالأصحّ
(الصفحة484)
اعتبار قيد الآخر ، وأمّا مخالف ما أجمع عليه الأصحاب خاصّة فلا يكفّر قطعاً وإن كان ذلك عندهم حجّة ، فما كلّ من خالف حجّة يكفّر ، خصوصاً الحجّة الاجتهادية الخفيّة جدّاً كهذه ، وقد أغرب الشيخ حيث حكم في بعض المسائل بكفر مستحلّ ما أجمع عليه الأصحاب(1) . وقد تقدّم بعضه في باب الأطعمة والأشربة(2) ، ولا شبهة في فساده(3) .
والظاهر أنّ مورد استشكاله ما إذا لم يكن استحلاله موجباً لتكذيب النبيّ(صلى الله عليه وآله)أو إنكار الرسالة ، كما إذا لم يحصل له القطع بأنّ مدلوله هو حكم الإسلام وما بيَّنه النبيّ(صلى الله عليه وآله) أو الإمام (عليه السلام) ، وأمّا إذا حصل له القطع من الإجماع بنظر النبيّ(صلى الله عليه وآله) أو الإمام ثمّ حكم بخلافه كما هو مورد البحث ، فلا مجال فيه للإشكال أصلا .
وبالجملة : فالضابط ما ذكرنا من رجوع الاستحلال إلى التكذيب أو الإنكار ، ولا موضوعيّة لخصوص الضروريّ في ذلك .
ثمّ إنّ قوله في المتن : «وإلاّ فيعزّر» ظاهره أنّه مع الاستحلال بمجرّده يعزّر وإن لم يكن هناك ارتكاب إذا لم يرجع إلى تكذيب النبيّ(صلى الله عليه وآله)، مع أنّ التعزيرإنّمايكون مترتّباً على الارتكاب لا نفس الاستحلال ، ولو حمل هذا القول على صورة الارتكاب كما لعلّه الظاهر ، يرد عليه أيضاً : أنّه مع الاعتقاد بالحلّية والارتكاب مع هذا الاعتقاد لا يبقى مجال للتعزير بعد كون مورده الارتكاب مع عدم الجهل بالحرمة ، فتدبّر .
وأمّا الحكم بالتعزير في المرتكب غير المستحلّ فقد تقدّم البحث فيه في الفرع الخامس من فروع حدّ القذف ، كما أنّه مرّ هناك البحث في التفصيل بين الكبيرة
(1) النهاية: 364 ـ 365 و 576 و713.
(2) أي في المسالك: 12 / 14.
(3) مسالك الأفهام: 14 / 472.
(الصفحة485)
مسألة 5 : من قتله الحدّ أو التعزير فلا دية له إذا لم يتجاوزه1.
والصغيرة ، وما أفاده هنا من التصريح بالتعميم يغاير ما أفاده هناك من اشتراط كونه من الكبائر ، فراجع .
1 ـ هذا موافق لما عليه المشهور ، والمحكيّ عن الإستبصار أنّ ذلك في حدود الله تعالى ، وأمّا في الحدّ للناس فتجب على بيت المال(1) ، وعن المبسوط : من مات بالتعزير فديته على بيت المال لأنّه ليس حدّاً ، ولأنّه ربّما زاد خطأً ، بخلاف الحدّ(2) .
ويدلّ على المشهور صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : أيّما رجل قتله الحدّ أو القصاص فلا دية له(3) .
ورواية أبي الصبّاح الكناني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث ، قال : سألته عن رجل قتله القصاص له دية؟ فقال : لو كان ذلك لم يقتصّ من أحد ، وقال : من قتله الحدّ فلا دية له(4) .
ومقتضى إطلاق الحدّ في الروايتين أنّه لا فرق بين حدود الله تعالى وبين الحدّ للناس ، كحدّ القذف ونحوه ، كما أنّ مقتضى قوله (عليه السلام) : «فلا دية له» أنّه لا دية له لا على القاتل ولا على بيت مال المسلمين ، والظاهر أنّه ليس الحدّ في الروايتين ما يقابل التعزير بل أعمّ منه ، كما في الموارد الكثيرة التي استعمل فيها الحدّ في المعنى الأعمّ في الروايات ، خصوصاً مع ظهور ثبوت الملاك في التعزير ، ولا يتصوّر
(1) الإستبصار: 4 / 279.
(2) المبسوط: 8 / 63.
(3) وسائل الشيعة: 19 / 47، أبواب قصاص النفس ب24 ح9.
(4) وسائل الشيعة: 19/ 46، أبواب قصاص النفس ب24 ح1.
(الصفحة486)
مسألة 6 : لو أقام الحاكم الحدّ بالقتل ، فظهر بعد ذلك فسق الشاهدين أو الشهود كانت الدية في بيت المال ، ولا يضمنها الحاكم ولا عاقلته ، ولو أنفذ الحاكم إلى حامل لإقامة الحدّ عليها أو ذكرت بما يوجب الحدّ فأحضرها للتحقيق فخافت فسقط حملها ، فالأقوى أنّ دية الجنين على بيت المال 1.
فيه الزيادة بعد كونه بنظر الحاكم . نعم ، لو تحقّق التجاوز عن المقدار الذي عيّنه الحاكم يتحقّق الضمان فيه كما في الحدّ أيضاً .
ومستند الإستبصار رواية الحسن بن صالح الثوري ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سمعته يقول : من ضربناه حدّاً من حدود الله فمات فلا دية له علينا ، ومن ضربناه حدّاً من حدود الناس فمات فإنّ ديته علينا(1) .
والظاهر ضعف سند الرواية بالحسن بن صالح ، قال الشيخ في محكيّ التهذيب : هو زيديّ بتريّ متروك العمل بما يختصّ بروايته(2) . والبتريّة هم الذين دعوا إلىولاية عليّ (عليه السلام) ثمّ خلطوها بولاية أبي بكر وعمر ويثبتون لهما إمامتهما ، ويبغضون عثمان وطلحة والزبير وعائشة ، ويرون الخروج مع بطون ولد عليّ (عليه السلام)ويثبتون لكلّ من خرج منهم عند خروجه الإمامة(3) ، مع أنّه ليست الرواية ظاهرة في ثبوت الدية على بيت المال ، فاللاّزم طرحها والأخذ بالأوّلين كما في المتن ، وإن كان مقتضى القاعدة ـ لولا ضعف السند ـ تقييدهما بها ، كما لا يخفى .
1 ـ أمّا الفرع الأوّل : ففي الجواهر : بلا خلاف أجده فيه إلاّ ما يحكى عن ظاهر
(1) وسائل الشيعة: 19/ 46، أبواب قصاص النفس ب24 ح3.
(2) تهذيب الأحكام: 1 / 408 ح1282.
(3) إختيار معرفة الرجال، المعروف برجال الكشّي: 232 رقم 422.
(الصفحة487)
الحلبي (الحلّي خ ل)(1) من الضمان في ماله وهو واضح الضعف(2) ، ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى ذلك وإلى أنّه لا وجه لثبوت الضمان في مال الحاكم أو عاقلته بعد تصدّيه للحكم لحفظ النظام ورعاية مصالح المسلمين و { مَا عَلى المحْسِنِيْنَ مِن سَبِيْل}(3)ـ ما رواه الصدوق بإسناده عن الأصبغ بن نباتة قال : قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّ ما أخطأت القضاة في دم أو قطع فهو على بيت مال المسلمين(4) .
وأمّا الفرع الثاني : فما في المتن فيه هو الموافق للأكثر كما في المسالك(5) والوجه فيه ما مرّ في الفرع الأوّل من كون خطأ الحاكم في بيت مال المسلمين ، ولكن ذهب ابن إدريس إلى كون الدية في المقام على عاقلة الحاكم(6) . ويدلّ عليه بعض ما ورد في قضية عمر مع عليّ (عليه السلام) ، وهي ما رواه المفيد في الإرشاد ، قال : كانت امرأة تؤتى ، فبلغ ذلك عمر ، فبعث إليها فروّعها ، وأمر أن يجاء بها إليه ، ففزعت المرأة فأخذها الطلق ، فذهبت إلى بعض الدور فولدت غلاماً ، فاستهلّ الغلام ثمّ مات ، فدخل عليه من روعة المرأة ومن موت الغلام ما شاء الله ، فقال له بعض جلسائه : يا أمير المؤمنين ما عليك من هذا شيء؟ وقال بعضهم : وما هذا؟ قال : سلوا أبا الحسن (عليه السلام) ، فقال علي (عليه السلام) : الدية على عاقلتك ; لأنّ قتل الصبي خطأ تعلّق بك ، فقال : أنت نصحتني من بينهم لا تبرح حتّى تجري الدية على بني عدي ، ففعل ذلك
(1) الكافي في الفقه: 448، السرائر: 3 / 479.
(2) جواهر الكلام: 41 / 472.
(3) سورة التوبة 9: 91.
(4) وسائل الشيعة: 18 / 165، أبواب آداب القاضي ب10 ح1.
(5) مسالك الأفهام: 14 / 474.
(6) السرائر: 3 / 480.
(الصفحة488)
أمير المؤمنين (عليه السلام)(1) .
ولكنّها ـ مضافاً إلى ضعف سندها ، ومعارضتها مع الرواية الأُخرى ، الحاكية لهذه القصّة ، الدالّة على ثبوت الدية على نفس الحاكم ـ لا تنافي ما عليه الأكثر ; لأنّ عمر لم يكن حاكم حقّ حتّى يكون خطأُه في بيت المال ، والكلام إنّما هو في الحاكم الصالح للحكومة شرعاً .
(1) وسائل الشيعة: 19 / 200، كتاب الديات، أبواب موجبات الضمان ب30 ح2.
(الصفحة489)
الفصل الخامس
في
حدّ السرقة
والنظر فيه في السّارق ، والمسروق ، وما يثبت به ، والحدّ ، واللواحق
القول في السّارق
مسألة 1 : يشترط في وجوب الحدّ عليه أُمور :
الأوّل : البلوغ ، فلو سرق الطفل لم يحدّ ويؤدَّب بما يراه الحاكم ولو تكرّرت السرقة منه إلى الخامسة فما فوق ، وقيل : يعفى عنه أوّلا ، فإن عاد أُدِّب ، فإن عاد حكّت أنامله حتى تدمى ، فإن عاد قطعت أنامله ، فإن عاد قطع كما يقطع الرجل ، وفي سرقته روايات ، وفيها : «لم يصنعه إلاّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)وأنا» أي : أمير المؤمنين(عليه السلام) ، فالأشبه ما ذكرنا 1.
1 ـ ما جعله في المتن أشبه هو الموافق للمشهور والموافق لسائر الحدود ولحديث رفع القلم . والقول الآخر هو الذي اختاره الشيخ في محكيّ النهاية(1)
(1) النهاية: 716.
(الصفحة490)
وتبعه عليه القاضي(1) والعلاّمة في المختلف ناسباً له إلى الأكثر(2) ، وقال في الجواهر بعد ذلك : وإن كنّا لم نتحقّقه(3) .
وكيف كان ، فقد ورد في المسألة روايات كثيرة مستفيضة فيها الصحاح ، بل لا يبعد دعوى تواترها إجمالا ، للعلم بصدور بعضها كذلك ، لكن ليس في شيء منها ما ينطبق على تفصيل الشيخ بتمامه ، كما أنّ كلّها مخالف لما عليه المشهور في المسألة ، ولا بأس بنقل جملة من الروايات والتعرّض لبعض الجهات ، مثل :
صحيحة عبدالله بن سنان قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الصبيّ يسرق ؟ قال : يعفى عنه مرّة ومرّتين ويعزّر في الثالثة ، فإن عاد قطعت أطراف أصابعه ، فإن عاد قطع أسفل من ذلك(4) . والمراد من الجملة الاُولى إن كان هو العفو مرّتين كما هو الظاهر ، فلا وجه لذكر كلمة المرّة حينئذ ، ويحتمل على بعد أن يكون المراد هو تخيير الحاكم بين العفو مرّة وبينه مرّتين .
وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال : إذا سرق الصبيّ عفي عنه ، فإن عاد عزّر ، فإن عاد قطع أطراف الأصابع ، فإن عاد قطع أسفل من ذلك(5) .
وقال المحقّق في نكت النهاية : فالشيخ ربّما يكون عوّل على هذه الرواية(6) ، مع أنّ الظاهر عدم انطباقها على قول الشيخ . وحكي عن ابن سعيد في الجامع
(1) لم نعثر عليه في مهذّب القاضي وجواهره، ونسبه إليه فخر المحقّقين في إيضاح الفوائد: 4/519. نعم، نسبه في المختلف إلى ابن حمزة، الوسيلة: 418.
(2) مختلف الشيعة: 9 / 217 ـ 218 مسألة 76.
(3) جواهر الكلام: 41 / 476.
(4، 5) وسائل الشيعة: 18 / 522 و 523، أبواب حدّ السرقة ب28 ح1 و2.
(6) نكت النهاية: 3 / 324.
(الصفحة491)
العمل بها(1) .
وصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما (عليهما السلام) قال : سألته عن الصبي يسرق ؟ فقال : إذا سرق مرّة وهو صغير عفي عنه ، فإن عاد عفي عنه ، فإن عاد قطع بنانه ، فإن عاد قطع أسفل من ذلك . ورواه الشيخ بإسناده عن أبي عليّ الأشعري ، إلاّ أنّه قال : فإن عاد قطع أسفل من بنانه ، فإن عاد قطع أسفل من ذلك(2) .
وصحيحة عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الصبي يسرق ، قال : يعفى عنه مرّة ، فإن عاد قطعت أنامله أو حكّت حتّى تدمى ، فإن عاد قطعت أصابعه ، فإن عاد قطع أسفل من ذلك(3) . ويبعد أن تكون رواية اُخرى غير روايته المتقدّمة ، وحكي عن الصدوق في المقنع العمل بها(4) .
ورواية إسحاق بن عمّار ، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : قلت : الصبيّ يسرق ؟ قال : يعفى عنه مرّتين ، فإن عاد الثالثة قطعت أنامله ، فإن عاد قطع المفصل الثاني ، فإن عاد قطع المفصل الثالث وتركت راحته وإبهامه(5) .
ورواية زرارة قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : أُتي عليّ (عليه السلام) بغلام قد سرق فطرَّف أصابعه ، ثمَّ قال : أما لئن عدت لأقطعنّها ، ثمّ قال : أما أنّه ما عمله إلاّ رسول الله(صلى الله عليه وآله)وأنا(6) . والتطريف هو خضب الأصابع بإدمائها .
ورواية عبدالرحمن بن أبي عبدالله ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا سرق الصبيّ
(1) الجامع للشرائع: 563.
(2، 3) وسائل الشيعة: 18/ 523 و 524، أبواب حدّ السرقة ب28 ح4 و7.
(4) المقنع: 446.
(5) وسائل الشيعة: 18/ 526، أبواب حدّ السرقة ب28 ح15.
(6) وسائل الشيعة: 18/ 524، أبواب حدّ السرقة ب28 ح8.
(الصفحة492)
ولم يحتلم قطعت أطراف أصابعه ، قال : وقال علي (عليه السلام) : ولم يصنعه إلاّ رسول الله(صلى الله عليه وآله)وأنا(1) .
وإلى هاتين الروايتين أُشير في المتن ، لكنّ الإشارة مشعرة بأنّ إجراء ذلك من خصائص الإمام (عليه السلام) ، مع أنّ الرواية الثانية الدالّة على أنّ الحكم هو قطع أطراف الأصابع كما هو المذكور أوّلا ظاهرة في خلافه ، وأنّه لا يختصّ بالإمام بل هو وظيفة الحاكم ، كما لا يخفى .
ومضمرة سماعة قال : إذا سرق الصبيّ ولم يبلغ الحلم قطعت أنامله ، وقال أبو عبدالله (عليه السلام) : أُتي أمير المؤمنين (عليه السلام) بغلام قد سرق ولم يبلغ الحلم فقطع من لحم أطراف أصابعه ، ثمّ قال : إن عدت قطعت يدك(2) .
ورواية إسحاق بن عمّار قال : قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام) : الصبيان إذا أُتي بهم عليّ (عليه السلام)(عليّاً ـ خ ل) قطع أناملهم ، من أين قطع؟ فقال : من المفصل مفصل الأنامل(3) .
ورواية السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : أُتي عليّ (عليه السلام) بجارية لم تحض قد سرقت ، فضربها أسواطاً ولم يقطعها(4) .
ورواية محمّد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الصبيّ يسرق ؟ قال : إن كان له تسع سنين قطعت يده ، ولا يضيّع حدّ من حدود الله تعالى(5) .
وروايته الأُخرى قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الصبيّ يسرق ؟ فقال : إن كان له سبع سنين أو أقلّ رفع عنه ، فإن عاد بعد سبع سنين قطعت بنانه أو حكّت حتّى
(1، 2) وسائل الشيعة: 18/ 524 و 526، أبواب حدّ السرقة ب28 ح9 و14.
(3 ـ 5) وسائل الشيعة: 18/ 523 ـ 525، أبواب حدّ السرقة ب28 ح5 و 6 و 10.
(الصفحة493)
تدمى ، فإن عاد قطع منه أسفل من بنانه ، فإن عاد بعد ذلك وقد بلغ تسع سنين قطع يده ، ولا يضيّع حدّ من حدود الله عزّ وجل(1) .
والظاهر اتّحادها مع الرواية الأولى وإن جعلهما في الوسائل روايتين .
ورواية محمّد بن خالد بن عبدالله القسري قال : كنت على المدينة فأتيت بغلام قد سرق ، فسألت أبا عبدالله (عليه السلام) عنه ، فقال : سله حيث سرق هل كان يعلم أنّ عليه في السرقة عقوبة؟ فإن قال : نعم ، قيل له : أيّ شيء تلك العقوبة؟ فإن لم يعلم أنّ عليه في السرقة قطعاً فخلِّ عنه . فأخذت الغلام وسألته فقلت له : أكنت تعلم أنّ في السرقة عقوبة؟ قال : نعم . قلت : أي شيء هو؟ قال : (الضرب خ ل) اضرب فخلّيت عنه(2) .
وأنت خبيرٌ بثبوت الاختلاف بين هذه الروايات ، وعدم إمكان الجمع بينها ، كما اعترف به غير واحد من الأصحاب ، وإن كان ربّما يقال بإمكان الجمع بينها بنحو سيأتي الإشارة إليه ، لكنّ الظاهر هو العدم .
قال المحقّق في نكت النهاية : وقد اختلفت الأخبار في كيفيّة حدّه ، فيسقط حكمها ; لاختلافها وعدم الوثوق بإرادة بعضها دون بعض(3) .
ويظهر من الرياض(4) تبعاً للمسالك حمل الروايات على كون الواقع تأديباً منوطاً بنظر الحاكم لا حدّاً ، وإن استشكل المسالك(5) في جواز بلوغ التعزير الحدّ
(1) وسائل الشيعة: 18/ 525، أبواب حدّ السرقة ب28 ح12.
(2) وسائل الشيعة: 18/ 525، أبواب حدّ السرقة ب28 ح11.
(3) نكت النهاية: 3 / 324.
(4) رياض المسائل: 10 / 154.
(5) مسالك الأفهام: 14 / 478 ـ 479.
(الصفحة494)
كما في المرتبة الخامسة ، بناءً على كون حكمها قطع الأصابع من أصولها .
والظاهر أنّ إعراض المشهور عن هذه الروايات بناءً على كونه قادحاً ومانعاً عن العمل بها ـ كما هو المختار ـ يوجب رفع اليد عنها والحكم بما تقتضيه القواعد في الصبيّ في جميع موارد الحدود .
نعم ، لو أريد الأخذ بالاحتياط لكان ينبغي أن يكون التعزير بنحو حكّ الأصابع حتّى تدمى ، أو قطع لحم أطراف الأصابع ، بناءً على ما اخترناه سابقاً من عدم اختصاص عنوان التعزير بخصوص الضرب بالسوط ، وأمّا قطع الأنامل من المفصل الأوّل أو الثاني فلا يقتضي الإحتياط إجراءه فضلا عن القطع من الاُصول .
وممّا يوجب عدم الإعتماد بالروايات أنّه قد حكم في بعضها كما في الرواية الثانية لمحمّد بن مسلم المتقدّمة بالتخيير بين قطع البنان والحكّ حتّى تُدمى ، والظاهر أنّ المراد من قطع البنان فيها هو القطع من المفصل الأوّل لا قطع لحم أطراف الأصابع ، والشاهد الحكم فيها في المرتبة المتأخّرة عن هذه المرتبة بالقطع من أسفل من بنانه ، مع أنّه من المستبعد جدّاً ثبوت هذا التخيير ; لأنّ حكّ الأصابع بالأرض حتّى تُدمى عقوبة جزئيّة ، وقطع البنان من المفصل عقوبة مهمّة باقية ، ولا تناسب بين هاتين العقوبتين ، فكيف يكون الحكم هو التخيير بينهما؟
وأمّا ما أشرنا إليه من الجمع ، فهو ما ربما يقال : من أنّ مقتضاه حمل إطلاق ما دلّ على ثبوت العفو مرّة واحدة على ما يدلّ على ثبوت العفو مرّتين ; نظراً إلى حمل العود في صحيحة الحلبي المتقدّمة قال : «إذا سرق الصبيّ عفي عنه فإن عاد عزّر . . .» على العود في المرّة الثالثة ، وكذا في صحيحة عبدالله بن سنان المتقدّمة أيضاً في الصبيّ يسرق ، قال : «يعفى عنه مرّة ، فإن عاد قطعت أنامله . . .» .
مع أنّه من الواضح عدم إمكان الحمل ، فإنّ قوله (عليه السلام) : «فإن عاد» بعد الحكم
(الصفحة495)
الثاني : العقل ، فلا يقطع المجنون ولو أدواراً إذا سرق حال أدواره وإن تكرّرت منه ، ويؤدّب إذا استشعر بالتأديب وأمكن التأثير فيه 1 .
الثالث : الإختيار ، فلا يقطع المكره 2 .
الرابع : عدم الإضطرار ، فلا يقطع المضطرّ إذا سرق لدفع اضطراره3.
بالعفو عنه مرّة صريح في العود بعد المرّة ، ولا مجال لحمله على العود بعد المرّة الثانية ، وإلاّ يصير الكلام مختلاًّ ; لاستلزامه عدم التعرّض لحكم المرّة الثانية ، فالإنصاف أنّه لا يمكن الجمع بين الروايات أصلا .
1 ـ والدليل على عدم قطع المجنون ولو أدواراً إذا سرق حال أدواره ، سواء كان في المرتبة الاُولى أو المراتب المتأخّرة ولو كانت هي المرتبة الخامسة ـ مضافاً إلى انّه لاخلاف فيه، بل عليه الإجماع كما عن بعض(1) ـ هو حديث رفع القلم ، وبطلان قياسه بالصبيّ على تقدير القول بثبوت القطع فيه ، ولكنّ اللازم تأديبه إذا استشعر بالتأديب وكان مؤثّراً فيه ، نظراً إلى حسم مادّة الفساد ونظم أمور العباد ، ومع عدم الاستشعار لا مجال له ; لعدم إدراكه الارتباط بينه وبين عمله بوجه حتّى يرتدع بذلك .
2 و 3 ـ الدليل فيهما هو حديث الرفع(2) باعتبار اشتماله على رفع ما استكرهوا عليه ، وما اضطرّوا إليه ، وقد مرّ تقريب الاستدلال به في مثلهما(3) ، لكن يقع
(1) راجع جواهر الكلام: 41 / 481 وكشف اللثام: 2 / 420.
(2) وسائل الشيعة: 11 / 295، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس ب56.
(3) مرّ في ص27 ـ 30.
(الصفحة496)
الخامس : أن يكون السارق هاتكاً للحرز منفرداً أو مشاركاً ، فلو هتك غير السارق وسرق هو من غير حرز لا يقطع واحد منهما ، وإن جاءا معاً للسرقة والتعاون فيها ، ويضمن الهاتك ما أتلفه والسارق ما سرقه 1.
الكلام فيهما فيما إذا سرق زائداً على المقدار المكره عليه أو المضطرّ إليه ، وكان الزائد بالغاًحدّ النصاب المعتبر في السرقة ، وأنّه هل يثبت هنا قطع نظراً إلى عدم كون هذا المقدار ممّا تعلّق به الإكراه أو الاضطرار والمفروض بلوغه حدّ النصاب ، أو لا يكون هنا قطع؟ لعدم كون هتك الحرز محرّماً عليه بلحاظ أحد الأمرين ، وأخذ الزائد لا ينطبق عليه عنوان السرقة حينئذ ، بل غايته أنّه محرّم ويترتّب عليه الضمان ، وجهان ، ولا يبعد أن يكون قوله : «إذا سرق لدفع اضطراره» مشعراً بالوجه الأوّل ، فتدبّر .
1 ـ مقتضى قاعدة الترتيب ذكر اعتبار هذا الأمر بعد ذكر اعتبار كون المال المسروق في حرز الذي تعرّض له بعد ذلك ; لتفرّعه عليه ، وعليه فلابدّ من البحث في هذا الأمر بعد مفروغيّة اعتبار ذلك الأمر ، فنقول : بعد اعتبار كون المال في حرز ـ كما سيأتي التعرّض له تبعاً للمتن ـ لابدّ أن يكون السارق بنفسه موجباً لهتك الحرز ، إمّا بالإنفراد وإمّا بالاشتراك ; لأنّه مع استناد الهتك إلى غيره وعدم مدخليّته فيه بوجه لا تتحقّق السرقة من المال المحرز أصلا ، وعليه فلو كان الهاتك والسارق مختلفين لا يكون هناك قطع في البين ، وإن كان من نيّتهما أوّلا السرقة والتعاون فيها ، إلاّ أنّ مجرّد النيّة لا يترتّب عليها الأثر ، بل اللازم ملاحظة العمل ، والمفروض كونه بالإضافة إلى كلّ منهما فاقداً لخصوصيّة معتبرة . نعم ، لا ينبغي الإشكال في ضمان الهاتك لما أتلفه وأفسده ، نظراً إلى قاعدة الإتلاف
(الصفحة497)
السادس : أن يخرج المتاع من الحرز بنفسه أو بمشاركة غيره ، ويتحقّق الإخراج بالمباشرة كما لو جعله على عاتقه وأخرجه ، أو بالتسبيب كما لو شدّه بحبل ثمّ يجذبه من خارج الحرز ، أو يضعه على دابّة من الحرز ويخرجها ، أو على جناح طائر من شأنه العود إليه ، أو أمر مجنوناً أو صبيّاً غير مميّز بالإخرج ، وأمّا إن كان مميّزاً ففي القطع إشكال بل منع1.
غير المشروطة بمثل هذه الخصوصيّات ، وكذا في ضمان السارق ما سرقه ، لقاعدة اليد الحاكمة بالضمان .
1 ـ الظاهر اعتبار هذا الأمر في مفهوم السرقة ; لأنّه مع عدم الإخراج لا يتحقّق مفهومها أصلا ، ولو كان هاتكاً للحرز فاللاّزم استناد الإخراج إليه ، سواء كان بنفسه أو بمشاركة غيره ، وسواء كان بالمباشرة أو بالتسبيب كما في الأمثلة المذكورة في المتن . فإنّه إذا وضعه على دابّة من الحرز وأخرجها مثلا يصدق أنّه أخرج المال ، كما لو وضع في زماننا هذا في سيّارة ثمّ ساقها إلى خارج الحرز . نعم ، لو وضعها على دابّة ثمّ سارت بنفسها حتّى خرجت من دون أن يكون هو المخرج لها ـ بأن ساقها أو قادها ـ يمكن الاستشكال كما عن التحرير(1) ، ولكنّ الظاهر هو الصدق فيما إذا كان من عادتها السير كذلك إلى محلّها الأصلي ، بل يمكن أن يقال بالصدق مع العلم بخروجها عن الحرز ، وإن لم يكن من عادتها ما ذكر .
وبهذا يمكن الاستشكال في تقييد الطائر بما إذا كان من شأنه العود إليه ، فإنّه إذا لم يكن من شأنه ذلك ولكن علم بخروجه عن الحرز يتحقّق معه الإخراج ، ويصدق الإستناد إليه ، ولا يعتبر أن يكون من شأنه ذلك .
(1) تحرير الأحكام: 2 / 232.
(الصفحة498)
السابع : أن لا يكون السارق والد المسروق منه ، فلا يقطع الوالد لمال ولده ، ويقطع الولد إن سرق من والده ، والاُمّ إن سرقت من ولدها ، والأقرباء إن سرق بعضهم من بعض 1.
وأمّا الإستشكال في الصبيّ أو المجنون المميّز بل المنع ، فالوجه فيه أنّه مع التمييز يكون الإخراج مستنداً إليهما لا إلى الآمر . نعم ، لو فرض كونهما مع ذلك مقهورين عند إرادته وأمره ـ بحيث كأنّه لا يكون هناك اختيار منهما أصلا ـ لكان مقتضى القاعدة ثبوت القطع هنا بالإضافة إلى الآمر ; للاستناد إليه مع هذا الفرض .
1 ـ لا خلاف في اعتبار هذا الأمر ، ويدلّ عليه مضافاً إلى ذلك قوله(صلى الله عليه وآله) : «أنت ومالك لأبيك»(1) فإنّه وإن لم يمكن الالتزام بظاهره وهو ثبوت الملكيّة ; لعدم قابلية الحرّ لها ، وعدم كون مال الولد ملكاً لأبيه قطعاً ، وكذا لم نلتزم بثبوت إباحة التصرّف للوالد مطلقاً ، إلاّ أنّه يستفاد منه عدم قطع يد الوالد إذا سرق من مال الولد كما هو ظاهر .
وصحيحة محمّد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل قذف ابنه بالزنا ، قال : لو قتله ما قتل به ، وإن قذفه لم يجلد له ، الحديث(2) .
فإنّ استشهاد الإمام (عليه السلام) لعدم ثبوت حدّ القذف له بعدم ثبوت القصاص في حقّه يدلّ على عدم ثبوت القطع في المقام ، بل بطريق أولى ، لأولويّة القطع من الجلد كما لا يخفى .
(1) وسائل الشيعة: 12 / 194، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب78 ح1.
(2) وسائل الشيعة: 18 / 447، أبواب حدّ القذف ب14 ح1.
(الصفحة499)
ثمّ الظاهر أنّ المراد من الأب ليس خصوص الأب بلا واسطة ، بل هو وإن علا ، وعن المسالك الإجماع عليه(1) .
وأمّا الأمّ إذا سرقت من مال ولدها ، فالمحكيّ عن أبي الصلاح إلحاقها بالأب (2)، بل عن المختلف نفي البأس عنه ; لأنّه أحد الأبوين ، ولاشتراكهما في وجوب الإعظام(3) .
وأنت خبير بما في الدليلين من عدم الاقتضاء لنفي القطع في مورد السرقة ، وتوقّف القطع على مطالبة المسروق منه لا ينافي مثل قوله تعالى : {فَلاَ تَقُل لَهُمَا أُفٍّ}(4) فإنّ الاحترام والتعظيم أمر ، ومطالبة القطع لأجل حفظ النظام ورعاية المصالح العامّة أمر آخر .
وأمّا غيرهما ، فلا ينبغي الإشكال في ثبوت القطع بالإضافة إليه مع اجتماع سائر الأمور والشرائط ; لإطلاق أدلّة السرقة ، ونفي الجناح في الآية الشريفة عن الأكل من بيوت الآباء والأبناء وغيرهم من العناوين المتعدّدة المذكورة فيها(5) ، مضافاً إلى اختصاصه بما إذا لم يعلم عدم الرضى ، وإن كان يشمل صورة الشكّ في الرضى ، وبهذه الصورة يتحقّق لهذه العناوين الامتياز والخصوصيّة لاشتراط التصرّف في ملك غيرهم بما إذا علم الرضى ولو بشهادة الحال ، فيكون مورده ما إذا لم يتحقّق الحجب عندهم ولا يكون حرز بالإضافة إليهم .
(1) مسالك الأفهام: 14 / 487.
(2) الكافي في الفقه: 411.
(3) مختلف الشيعة: 9 / 254 مسألة 96.
(4) سورة الإسراء 17: 23.
(5) سورة النور 24: 61.
(الصفحة500)
الثامن : أن يأخذ سرّاً ، فلو هتك الحرز قهراً ظاهراً وأخذ لا يقطع ، بل لو هتك سرّاً وأخذ ظاهراً قهراً فكذلك 1.
ويدلّ عليه وعلى أصل الحكم أيضاً رواية أبي بصير قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام)عن قوم اصطحبوا في سفر رفقاء فسرق بعضهم متاع بعض ؟ فقال : هذا خائن لا يقطع ، ولكن يتبع بسرقته وخيانته ، قيل له : فإن سرق من أبيه؟ فقال : لا يقطع ; لأنّ ابن الرجل لا يحجب عن الدخول إلى منزل أبيه هذا خائن ، وكذلك إن أخذ من منزل أخيه أو اُخته إن كان يدخل عليهم لا يحجبانه عن الدخول(1) .
فإنّ مقتضاها أنّه مع ثبوت الحجب بالإضافة إلى الابن والأخ يتحقّق عنوان السارق الموضوع لحدّ القطع ، وبدونه لا يتحقّق إلاّ عنوان الخائن الذي لا يترتّب عليه إلاّ الحرمة والضمان .
1 ـ اعتبار هذا الأمر إنّما هو بلحاظ مفهوم السرقة ، فإنّ معناها لدى العرف يعتبر فيه الأخذ سرّاً ، فلو كان الهتك والأخذ ظاهرين فلا يكون هناك قطع ; لأنّه غاصب عند العرف لا سارق ، والسرقة وإن كانت نوعاً من الغصب لأنّها نوع استيلاء على مال الغير عدواناً ، إلاّ أنّه باعتبار كونه غصباً خاصّاً يترتّب عليه آثار وأحكام خاصّة غير جارية في مطلق الغصب ، وخصوصيّة كون الأخذ سرّاً ممّا يعتبر فيه لدى العرف ، وعليه فلو كان الهتك سرّاً دون الأخذ فالظاهر عدم ثبوت القطع ; لعدم تحقّقها عند العرف . نعم ، لو كان الهتك ظاهراً والأخذ سرّاً فالظاهر تحقّقها ; لأنّ هذه الخصوصيّة معتبرة في خصوص الأخذ لا فيه وفي الهتك أيضاً .
ويدلّ على أصل اعتبار هذا الأمر ـ مضافاً إلى ما ذكر ـ صحيحة محمّد بن قيس
(1) وسائل الشيعة 18/ 508، أبواب حدّ السرقة ب18 ح1.
|