(الصفحة501)
مسألة 2 : لو اشتركا في الهتك وانفرد أحدهما بالسرقة يقطع السارق دون الهاتك ، ولو انفرد أحدهما بالهتك واشتركا في السرقة قطع الهاتك السارق ، ولو اشتركا فيهما قطعا مع تحقّق سائر الشرائط 1 .
مسألة 3 : يعتبر في السرقة وغيرها ممّا فيه حدّ ارتفاع الشبهة ـ حكماً وموضوعاً ـ فلو أخذ الشريك المال المشترك بظنّ جواز ذلك بدون إذن الشريك
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل اختلس ثوباً من السوق ، فقالوا : قد سرق هذا الرجل ، فقال : إنّي لا أقطع في الدغارة المعلنة ، ولكن أقطع من يأخذ ثمّ يخفي(1) . وفي النهاية في حديث عليّ (عليه السلام) : لا قطع في الدغرة ، قيل : هي الخلسة وهي الدفع ; لأنّ المختلس يدفع نفسه على الشيء ليختلسه(2) .
ورواية السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ (عليهم السلام) قال : ليس على الطرّار والمختلس قطع ; لأنّها دغارة معلنة ، ولكن يقطع من يأخذ ويخفي(3) .
1 ـ هذه المسألة تفصيل لما ذكره في الأمر الخامس من اعتبار أن يكون السارق هاتكاً للحرز ، إمّا منفرداً وإمّا مع المشاركة ومتفرّع عليه ، وليس فيها أمر زائد .
نعم ، فيما إذا كانت السرقة بالاشتراك يقع الكلام في أنّ النصاب المعتبر هل يعتبر في المجموع أو في نصيب كلّ واحد من الشريكين ؟ ولعلّه يأتي البحث في هذه الجهة في مسألة اعتبار النصاب .
(1) وسائل الشيعة 18/ 503، أبواب حدّ السرقة ب12 ح2.
(2) النهاية لابن الأثير: 2 / 123.
(3) وسائل الشيعة 18/ 504، أبواب حدّ السرقة ب12 ح7.
(الصفحة502)
لا قطع فيه ، ولو زاد ما أخذ على نصيبه بما يبلغ نصاب القطع ، وكذا لو أخذ مع علمه بالحرمة ، لكن لا للسرقة ، بل للتقسيم والإذن بعده لم يقطع . نعم ، لو أخذ بقصد السرقة مع علمه بالحكم يقطع ، وكذا لا يقطع لو أخذ مال الغير بتوهّم ماله ، فإنّه لا يكون سرقة ، ولو سرق من المال المشترك بمقدار نصيبه لم يقطع ، وإن زاد عليه بمقدار النصاب يقطع1.
1 ـ لا خلاف ولا إشكال في أنّ حدّ السرقة كسائر الحدود يدرأ بالشّبهة ، سواء كانت من ناحية الحكم أو من ناحية الموضوع .
أمّا الأوّل : فكما لو أخذ الشريك المال المشترك باعتقاد جوازه وعدم التوقّف على إذن الشريك ، فإنّه لا قطع فيه ، من دون فرق بين ما إذا أخذ بمقدار نصيبه ، وبين ما إذا أخذ زائداً على مقداره ، وكذا لا فرق في الثاني بين ما إذا كان الزائد بمقدار يبلغ نصاب القطع ، وبين ما إذا لم يكن كذلك ، بل لو كان أخذه مع العلم بالحرمة ، لكنّه يتخيّل أنّ الحرمة لا ترتبط بالسرقة ، بل إنّما يكون موضوعها التقسيم والإذن من الشريك بعد التقسيم ، لا يتحقّق القطع .
وأمّا الثاني : فكما لو أخذ مال الغير باعتقاد أنّه مال نفسه لا مال الغير ، فإنّه لا يتحقّق عنوان السرقة هنا ; لاعتقاده أنّه أخذ مال نفسه ، فلا يكون هناك قطع ، هذا بالإضافة إلى جانب النفي ، وأمّا بالإضافة إلى جانب الإثبات فمقتضى قوله : «نعم لو أخذ بقصد السرقة مع علمه بالحكم يقطع» ، أنّه مع العلم بذلك والأخذ بقصد السرقة يثبت القطع مطلقاً . ومقتضى قوله في آخر المسألة : «ولو سرق من المال المشترك . . .» التفصيل بين ما إذا كان بمقدار النصيب فلا يقطع ، وبين ما إذا كان زائداً عليه بمقدار النصاب فيقطع .
ويرد عليه ـ مضافاً إلى عدم معهوديّة الإطلاق والتقييد في المتون الفقهيّة ـ أنّه ما
(الصفحة503)
الدليل على التفصيل المذكور؟ فإن كان المستند هي القاعدة فالظاهر أنّها لا تقتضي ما أفاده ، بل مقتضاها الحكم بأنّ المال المشترك المأخوذ بقصد السرقة ، المفروض كون ملكيّتها على نحو الإشاعة ، إن كان سهم الشريك المتحقّق فيه بقدر نصاب القطع يوجب ثبوت القطع ـ ولو كان المال المأخوذ أقلّ من نصيبه في مجموع المال المشترك ـ لتحقّق جميع الشرائط المعتبرة في القطع في هذه الصورة ; لأنّ المفروض ارتفاع الشّبهة بالكليّة وبلوغ مال الغير حدّ النصاب ، وعدم كون الشركة بما هي شركة مانعة عن تحقّق السرقة .
وبالجملة : إذا كان المستند هي القاعدة بعد فرض اعتبار ارتفاع الشبهة ، فالظاهر أنّ القاعدة لا تساعد التفصيل المذكور في المتن بوجه أصلا .
وإن كان المستند هي الرواية فنقول : إنّ الرواية الواردة في المقام هي روايات السرقة من المغنم ، الآتية في شرح المسألة الآتية إن شاء الله تعالى .
ويرد على المتن على هذا التقدير ـ مضافاً إلى أنّ ظاهر المتن في المسألة الآتية الترديد في الأخذ برواية عدم القطع مطلقاً ، أو برواية القطع بنحو هذا التفصيل ، فمع الترديد هناك كيف حكم هنا بتعيّن الأخذ بالرواية الدالّة على التفصيل ـ أنّ ظاهره هنا أنّ التفصيل المذكور ممّا تقتضيه القاعدة ، ولا يرتبط بالروايات الواردة في سرقة المغنم ، وأنّ مورده من فروع مسألة اعتبار ارتفاع الشبهة حكماً وموضوعاً ، مع أنّ الظاهر عدم الارتباط بهذه المسألة ، وعلى تقديره فمقتضى القاعدة ما ذكرنا أوّلا من ثبوت القطع مع بلوغ سهم الشريك من المال المأخوذ المشترك حدَّ النصاب ، وإن لم يكن المجموع بالغاً قدر نصيب الآخذ السارق ، فضلا عن الزيادة عليه بمقدار النصاب .
(الصفحة504)
مسألة 4 : في السرقة من المغنم روايتان : إحداهما لا يقطع ، والأُخرى يقطع إن زاد ما سرقه على نصيبه بقدر نصاب القطع1.
ولأجل ما ذكر صرّح بعض الأعاظم من الفقهاء كالمحقّق في الشرائع(1) : بأنّه يعتبر هنا أمران :
أحدهما : ارتفاع الشّبهة ، والدليل عليه هي القاعدة .
وثانيهما : ارتفاع الشركة ، والدليل عليه ما يستفاد من روايات سرقة المغنم .
وكيف كان فالجمع بين الحكم بالتفصيل وبين الترديد في روايات المغنم كما في المتن ممّا لم يظهر لنا وجهه أصلا .
فاللاّزم في مورد التفصيل ملاحظة روايات المغنم ، وأنّ مقتضى مجموعها ماذا؟ ثمّ ملاحظة جريانها في مطلق المال المشترك ، أو عدم جريانها إلاّ في خصوص المغنم ، فانتظر لذلك في شرح المسألة الآتية إن شاء الله تعالى .
1 ـ يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين :
الأوّل : في حكم السرقة من الغنيمة بعنوانها ، وظاهر المتن التردّد فيه من جهة وجود روايتين مختلفتين ، وعن المفيد(2) وسلاّر(3) وفخر الدين(4) والمقداد(5) وبعض آخر العمل بالرواية الاُولى الدالّة على أنّه لا يقطع ، وعن الإسكافي(6)
(1) شرائع الإسلام: 4 / 952.
(2) المقنعة: 803.
(3) المراسم: 260.
(4) إيضاح الفوائد: 4 / 525.
(5) التنقيح الرائع: 4 / 374.
(6) حكى عنه في مختلف الشيعة: 9 / 216 مسألة 75.
(الصفحة505)
والشيخ(1) والقاضي(2) والعلاّمة في التحرير(3) وبعض آخر(4) . بل في محكيّ المسالك نسبته إلى الأكثر العمل بالرواية الثانية الدالّة على التفصيل(5) . واستحسنه المحقّق في الشرائع(6) ، ولابدّ من ملاحظة الروايتين ، فنقول :
أمّا ما يدلّ على عدم القطع ، فهي صحيحة محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، أنّ عليّاً (عليه السلام) قال في رجل أخذ بيضة من المقسم (المغنم خ ل) ، فقالوا : قد سرق إقطعه ، فقال : إنّي لم أقطع أحداً له فيما أخذ شرك(7) .
والظاهر أنّ المراد هي البيضة من الحديد ، كما وقع تفسيرها بها في بعض الروايات الآتية ، وهي التي يعبّر عنها في الفارسية بـ «كلاه خود» والرواية في أحد طريقي النقل صحيحة ، فلا مجال للمناقشة فيها من حيث السند .
ويؤيّدها رواية السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : أربعة لا قطع عليهم : المختلس ، والغلول ، ومن سرق من الغنيمة ، وسرقة الأجير ، فإنّها خيانة(8) .
وأمّا الرواية الثانية الدالّة على التفصيل ، فهي صحيحة عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قلت : رجل سرق من المغنم ايش الذي يجب عليه أيقطع؟
(1) النهاية: 715.
(2) المهذّب: 2 / 542.
(3) تحرير الأحكام: 2 / 228.
(4) كالشهيد في الروضة البهيّة: 9 / 227 ـ 229، والسيّد الطباطبائي في رياض المسائل: 10/156.
(5) مسالك الأفهام: 14 / 483.
(6) شرائع الإسلام: 4 / 952.
(7) وسائل الشيعة 18/ 518، أبواب حدّ السرقة ب24 ح1.
(8) وسائل الشيعة: 18/ 503، أبواب حدّ السرقة ب12 ح3.
(الصفحة506)
(الشيء الذي يجب عليه القطع خ ل) قال : ينظر كم نصيبه (الذي يصيبه خ ل) فإن كان الذي أخذ أقلّ من نصيبه عُزّر ودفع إليه تمام ماله ، وإن كان أخذ مثل الذي له فلا شيء عليه ، وإن كان أخذ فضلا بقدر ثمن مجن ـ وهو ربع دينار ـ قطع(1) . ورواها في الوسائل بعد هذه الرواية بعنوان رواية اُخرى لابن سنان(2) ، لكن الظاهر الاتّحاد وعدم التعدّد .
وربّما يقال كما قيل : بأنّ اللازم تقييد إطلاق ما دلّ على عدم القطع ، وحمله على ما إذا لم يكن المأخوذ زائداً على نصيبه بقدر نصاب القطع بقرينة الرواية الدالّة على التفصيل(3) ، كما هو الشأن في جميع موارد حمل المطلق على المقيّد ، وعليه فلا وجه للترديد في المسألة كما في المتن وغيره .
ولكنّ الظاهر أنّ الحمل المذكور ليس بذلك الوضوح ، كما في الموارد المذكورة ; وذلك لاشتمال دليل المطلق على التعليل الآبي عن التقييد ، فإنّ قوله (عليه السلام) «لم أقطع أحداً له فيما أخذ شرك» بمنزلة التعليل بأنّ الشركة ووجود النصيب للآخذ يمنع عن انطباق عنوان السرقة الموجبة للقطع على أخذه ، ولا مجال لتقييده بما إذا لم يكن المأخوذ زائداً على سهمه بالمقدار المذكور لإبائه عنه وعدم ملائمته معه .
والحقّ أنّ هنا ظهورين : ظهور دليل القيد في تقييد المطلق ، وظهور التعليل الوارد في دليل المطلق في عدم التقييد ، فإن كان هناك ترجيح لأحد الظهورين ، وإلاّ يتحقّق التعارض .
والظاهر أنّ الرجحان مع دليل القيد ; لأنّ قوله (عليه السلام) : «لم أقطع . . .» ليس صريحاً
(1، 2) وسائل الشيعة: 18/ 519، أبواب حدّ السرقة ب24 ح4 و6.
(3) مباني تكملة المنهاج: 1 / 284.
(الصفحة507)
في وقوعه في مقام التعليل ; لأنّه يحتمل فيه أن يكون ضابطة كليّة تعبديّة مرجعها إلى أنّه لا يجوز القطع في الآخذ من المال المشترك ، ومن المعلوم صلاحيّة ذلك لوقوع التقييد فيه ، وهذا بخلاف دليل القيد ، فإنّه لا يجري فيه احتمال غيره ، وعليه فالظاهر حمل المطلق على المقيّد في المقام أيضاً ، والحكم بالتفصيل الوارد في صحيحة ابن سنان وإن كان فيها وهن من جهة ظهورها في عدم التعزير فيما أخذ بقدر نصيبه ، مع أنّ الظاهر أنّه لا فرق بينه وبين ما إذا أخذ أقلّ من نصيبه ، حيث حكم فيه بثبوت التعزير ، فتدبّر .
ثمّ إنّه ورد في المقام بعض الروايات الاُخر أيضاً ، مثل :
صحيحة عبدالرحمن بن أبي عبدالله قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن البيضة التي قطع فيها أميرالمؤمنين (عليه السلام)؟ فقال:كانت بيضة حديدسرقها رجل من المغنم، فقطعه(1).
ولكنّها محمولة على ما إذا لم يكن للرجل نصيب في المغنم ، وكان أخذه واجداً لشرائط السرقة الموجبة للقطع ، أو على ما إذا كان له نصيب وقد أخذ زائداً على سهمه بقدر النصاب ، فلا تنافي ما تقدّم .
وصحيحة يزيد بن عبدالملك ، عن أبي جعفر وأبي عبدالله وأبي الحسن (عليهم السلام) ، والمفضّل بن صالح ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا سرق السارق من البيدر من إمام جائر فلا قطع عليه ، إنّما أخذ حقّه ، فإذا كان من إمام عادل عليه القتل(2) . ولكنّها مطروحة ; لدلالتها على القتل في السرقة ، وهو ممّا لم يقل به أحد .
المقام الثاني : في حكم الآخذ من المال المشترك ، قال في المسالك : ووجه عدم
(1) وسائل الشيعة: 18/ 518، أبواب حدّ السرقة ب24 ح3.
(2) وسائل الشيعة: 18/ 519، أبواب حدّ السرقة ب24 ح5.
(الصفحة508)
القطع مع أخذه بقدر حقّه ، وثبوته مع الزيادة بقدر النصاب يظهر من الروايات المذكورة في السرقة من الغنيمة ; لأنّ شركة الغانم أضعف من شركة المالك الحقيقي للخلاف في ملكه ، فإذا قيل بعدم قطع الغانم فالشريك أولى(1) .
وأورد عليه في الجواهر بمنع الأولويّة المزبورة بالنسبة إلى المسروق منه في عدم القطع مع سرقته قدر النصيب ، مع فرض بلوغ حصّة الشريك فيه نصاب القطع(2) .
والوجه فيه أنّ عدم القطع في هذا الفرض في الغنيمة مع ضعف شركة الغانم لا يقتضي العدم مع قوّة الشركة ، كما في الشركة الحقيقيّة المفروضة في المقام ، والحقّ أنّه لا حاجة في استفادة حكم المقام من أخبار السرقة من الغنيمة إلى التشبّث بالأولويّة أصلا ; وذلك لدلالة قول عليّ (عليه السلام) في صحيحة محمّد بن قيس المتقدّمة : «إنّي لم أقطع أحداً له فيما أخذ شرك» مع كون موردها هي السرقة من الغنيمة ، على أنّ الغنيمة لا يكون لها موضوعيّة ، بل هي من مصاديق المال المشترك ، ولا ينافي ذلك تقييدها بصحيحة ابن سنان الدالّة على التفصيل ، فإنّ التقييد إنّما ينافي الإطلاق ، ولا دلالة له على عدم كون العنوان هو مطلق المال المشترك ، فيصير محصّل مجموع الروايتين أنّه لا يجوز القطع في الأخذ من المال المشترك ، إلاّ إذا كان المأخوذ زائداً على السهم بقدر نصاب القطع ، ومن المعلوم جريان هذا الحكم في بيت المال ومطلق المال المشترك ، ولا اختصاص له بالغنيمة أصلا .
وبذلك يتحقّق الجمع بين الروايتين المختلفتين الواردتين في السرقة من بيت المال ، الدالّة إحداهما على عدم القطع والاُخرى على ثبوته ، وهما :
(1) مسالك الأفهام: 14 / 484.
(2) جواهر الكلام: 41 / 486.
(الصفحة509)
رواية مسمع بن عبدالملك ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّ عليّاً (عليه السلام) أُتي برجل سرق من بيت المال ، فقال : لا يقطع ، فإنّ له فيه نصيباً(1) .
ورواية محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجلين قد سرقا من مال الله أحدهما عبد مال الله ، والآخر من عرض الناس ، فقال : أمّا هذا فمن مال الله ليس عليه شيء ، مال الله أكل بعضه بعضاً ، وأمّا الآخر فقدّمه وقطع يده ، ثمّ أمر أن يطعم اللحم والسمن حتّى برئت يده(2) .
فإنّ الاُولى محمولة على صورة عدم كون السرقة زائدة على النصيب بمقدار نصاب القطع ، والثانية على خلافها .
ثمّ إنّه حكى في الوسائل عن عليّ بن أبي رافع قصّةً مفصّلةً مشتملةً على استعارة بنت أمير المؤمنين (عليه السلام) عقد لؤلؤ كان أصابه يوم البصرة ، وكان في بيت المال بصورة العارية المضمونة ، المردودة بعد ثلاثة أيّام ، وقول عليّ (عليه السلام) بعد ما رآه عليها واستفساره من حاله وتوبيخ الخازن عليّ بن أبي رافع : ثمّ أولي لابنتي لو كانت أخذت العقد على غير عارية مضمونة مردودة ; لكانت إذاً أوّل هاشمية قطعت يدها في سرقة(3) .
ولكنّ الرواية مضافاً إلى ضعف السند لابدّ من ردّ علمها إلى أهلها ; لأنّ الأخذ من الخازن ولو لم يكن بصورة العارية المضمونة لا ينطبق عليه عنوان السرقة بوجه بعد اعتبار هتك الحرز والإخراج منه في معنى السرقة . ثمّ إنّه لا يظهر لنا الفرق بين صورة العارية المضمونة وغيرها من جهة السرقة أصلا .
(1) وسائل الشيعة: 18/ 518، أبواب حدّ السرقة ب24 ح2.
(2) وسائل الشيعة: 18/ 527، أبواب حدّ السرقة ب29 ح4.
(3) وسائل الشيعة: 18/ 521، أبواب حدّ السرقة ب26 ح1.
(الصفحة510)
مسألة 5 : لا فرق بين الذكر والاُنثى ، فتقطع الأنثى فيما يقطع الذكر ، وكذا المسلم والذمّي ، فيقطع المسلم وإن سرق من الذمّي ، والذمّي كذلك ، سرق من المسلم أو الذمّي 1 .
مسألة 6 : لو خان الأمين لم يقطع ولم يكن سارقاً ، ولو سرق الراهن الرهن لم يقطع ، وكذا لو سرق المؤجر العين المستأجرة2.
1 ـ أمّا عدم الفرق بين الذكر والانثى فلتصريح الكتاب بذلك في قوله تعالى : {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا . . .} الآية(1) ولم يخالف فيه أحد .
وأمّا قطع المسلم فيما إذا سرق من الذمّي ; فلاحترام مال الذمّي وكونه مالكاً له في نظر الشارع ، وعليه فيشمله إطلاق أدلّة السرقة ، وعدم جريان القصاص في حقّ المسلم إذا قتل الذمّي لا يقتضي عدم جريان القطع فيه فيما إذا سرق منه ; لعدم الملازمة بين الأمرين ، وقيام الدليل هناك على اعتبار التساوي في الدين وعدم قيامه في المقام ، بل مقتضى الإطلاق عدمه ، مضافاً إلى أنّ القطع من حقوق الله تبارك وتعالى ، بخلاف القصاص الذي هو حقّ الناس .
وأمّا قطع الذمّي إذا سرق من الذمّي أو المسلم ; فلشمول أدلّة القطع له ، وعدم اختصاصها بما إذا تحقّقت السرقة من المسلم ، ولا مجال فيه للإرجاع إلى حكّامهم فيما لو كان المسروق منه ذمّيّاً مثله .
ويمكن أن يكون مراد المتن هو القطع فيما إذا تحاكما إلينا واخترنا الحكم ، وإلاّ فيجوز لنا الإعراض والإرجاع إلى حكّامهم كما في بعض المقامات ، فتدبّر .
2 ـ أمّا عدم قطع الأمين مع الخيانة ; فلعدم تحقّق الشرائط المعتبرة في السرقة
(1) سورة المائدة 5: 38.
(الصفحة511)
مسألة 7 : إذا سرق الأجير من مال المستأجر فإن استأمنه عليه فلا يقطع ، وإن أحرز المال من دونه فهتك الحرز وسرق يقطع ، وكذا يقطع كلّ من الزوج والزوجة بسرقة مال الآخر إذا أحرز عنه ، ومع عدم الإحراز فلا . نعم ، إذا أخذت الزوجة من مال الرجل سرقة عوضاً من النفقة الواجبة التي منعها عنها فلا قطع عليها ، إذا لم يزد على النفقة بمقدار النصاب ، وكذا الضيف يقطع إن أحرز المال عنه ، وإلاّ لا يقطع 1.
الموجبة للقطع بالإضافة إليه ; لعدم تحقّق الحرز بالنسبة إليه ; لأنّ المفروض استئمانه فيه وجعله أميناً عليه ، وعنوان الخيانة لا يلازم السرقة بوجه .
وأمّا عدم قطع الراهن وكذا المؤجر ; فلأنّ المال المأخوذ ملك لهما ، وإن كان متعلّقاً لحقّ المرتهن أو المستأجر ، بل وكون منفعة العين المستأجرة ملكاً للمستأجر ، إلاّ أنّ ذلك لا يقتضي تحقّق عنوان السرقة عند العرف ; لأنّ المعتبر عنده كون المال المسروق ملكاً للمسروق منه .
هذا ، مضافاً إلى ظهور أدلّة اعتبار النصاب في كون مقداره مأخوذاً من مال المسروق منه ، لا أن يكون مقدار ماليّته كذلك وإن لم يكن ملكاً للمسروق منه ، كما لا يخفى .
1 ـ أمّا سرقة الأجير ، فمقتضى القاعدة فيها هو التفصيل المذكور في المتن ، وهو الفرق بين ما إذا أحرز المال من دونه ، فهتك الحرز وسرق ، وبين غيره ، فيقطع في الصورة الاُولى دون الثانية .
ولكن ورد في سرقة الأجير روايات ربما يتوهّم دلالتها على عدم القطع مطلقاً ، ولابدّ من ملاحظتها ، فنقول :
(الصفحة512)
منها : صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه قال في رجل استأجر أجيراً وأقعده على متاعه فسرقه ، قال : هو مؤتمن(1) .
ومن الظاهر أنّ موردها صورة عدم إحراز المال من دون الأجير ; لأنّ المفروض استيجاره لحفظ المتاع ، فلا دلالة لها على عدم القطع مطلقاً .
ومنها : صحيحة سليمان بن خالد قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يستأجر أجيراً فيسرق من بيته هل تقطع يده؟ فقال: هذا مؤتمن ليس بسارق، هذا خائن(2).
والظاهر أنّ المراد بقوله (عليه السلام) : «هذا مؤتمن» ليس الحكم بتحقّق الائتمان تعبّداً ، بل الحكم بأنّه مع تحقّق الائتمان من المستأجر لا يتحقّق عنوان السرقة بل الخيانة ، وعليه فلا دلالة لها على ما يخالف القاعدة .
ومنها : موثّقة سماعة قال : سألته عن رجل استأجر أجيراً فأخذ الأجير متاعه فسرقه؟فقال:هومؤتمن،ثمّ قال: الأجيروالضيف اُمناءليس يقع عليهم حدّ السرقة(3).
والظاهر أنّ موردها أيضاً صورة الاستيجار للحفظ كما في صحيحة الحلبي وإن لم يكن بتلك المرتبة من الظهور ، وعلى تقدير العدم فيجري فيه ما ذكرنا في صحيحة سليمان .
فانقدح أنّه لم ينهض شيء من الروايات للدلالة على خلاف التفصيل الذي ذكرنا أنّه مقتضى القاعدة .
وأمّا سرقة كلّ من الزوج والزوجة من مال الآخر ، فمقتضى القاعدة فيها أيضاً هو التفصيل المذكور في المتن ، ولا خلاف فيها أيضاً .
(1) وسائل الشيعة: 18/ 505، أبواب حدّ السرقة ب14 ح1.
(2) وسائل الشيعة: 18/ 505، أبواب حدّ السرقة ب14 ح3.
(3) وسائل الشيعة: 18/ 506، أبواب حدّ السرقة ب14 ح4.
(الصفحة513)
نعم ، يقع الكلام في مورد الاستثناء المذكور فيه أيضاً ، وهو ما إذا سرق مال الزوج من ناحية الزوجة بمقدار النفقة الواجبة فيما إذا تحقّق المنع عنها من طرف الزوج ، أو زائداً على ذلك المقدار بما لا يبلغ نصاب القطع ، والوجه فيه ـ مضافاً إلى أنّه من مصاديق التقاصّ ; لأنّ نفقة الزوجة دين على الزوج ، فإذا منع من أدائها مع القدرة والمطالبة ، فيجوز للزوجة الأخذ بمقدارها بهذا العنوان ـ ما يرشد إليه خبر هند حين قالت للنبي(صلى الله عليه وآله) : إنّ أبا سفيان رجل شحيح وإنّه لا يعطينى وولدي إلاّ ما آخذ منه سرّاً وهو لا يعلم، فهل عليّ فيه شيء؟ فقال: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف(1).
والمحكيّ عن القواعد أنّ كلّ مستحقّ للنفقة إذا سرق من المستحقّ عليه مع الحاجة لم يقطع ، ويقطع بدونها إلاّ مع الشُّبهة(2) .
ولكنّ الظاهر عدم كون ذلك في الزوجة مقيّداً بالحاجة كما يقتضيه إطلاق الفتوى ، والرواية المذكورة أيضاً مطلقة غير مقيّدة بالحاجة ، كما أنّ الظاهر عدم كون النفقة في غير الزوجة بنحو الدين ، وعليه فما في القواعد محلّ نظر إلاّ أن تكون الحاجة بالغة حدّ الاضطرار ، كما لا يخفى .
وأمّا سرقة الضيف ففيها قولان :
أحدهما : عدم القطع مطلقاً من غير فرق بين المحرز دونه وغيره ; حكي ذلك عن الشيخ في النهاية(3) وابن الجنيد الإسكافي(4) والصدوق(5) وإبن إدريس ، بل في
(1) سنن البيهقي: 7 / 466.
(2) قواعد الأحكام: 2 / 266.
(3) النهاية: 717.
(4) حكى عنه في مختلف الشيعة: 9 / 219 مسألة 77.
(5) من لا يحضره الفقيه: 4 / 65، المقنع: 447.
(الصفحة514)
السرائر الإجماع على ذلك(1) .
لكن عبارة الإسكافي تنافي النسبة ; لصراحتها في التفصيل كالأجير والزوجة بين صورة الائتمان وعدمه ، وكذلك عبارة الصدوق في الفقيه والمقنع ظاهرة في التفصيل المذكور ; لتعليله الحكم بعدم قطع الأجير والضيف بكونهما مؤتمنين ، وأمّا السرائر فكما في الجواهر يكون في كمال الاضطراب ومشتملا على التناقض الصريح في الضيف ، فتارة يقول : بأنّ التخصيص بالمحرز لابدّ له من دليل ، وأنّه إن اُريد ذلك لم يكن للخبر يعني الرواية الآتية ولا لإجماعهم على وفقه معنى ; لأنّ غير الضيف مثله في ذلك ، واُخرى يقول : بأنّه إذا سرق من حرز قطع ومن غيره لم يقطع ; للدخول في عموم الآية ، ومن أسقط الحدّ عنه فقد أسقط حدّاً من حدود الله تعالى لغير دليل من كتاب ولا سنّة مقطوع بها ولا إجماع(2) .
وكيف كان فالظاهر انحصار القائل بهذا القول بالشيخ في كتاب النهاية المعدّة لنقل فتاوى الأئمة (عليهم السلام) بعين الألفاظ الصادرة عنهم .
وثانيهما : ما هو المشهور من أنّه يقطع إذا أحرز من دونه ، ولا يقطع مع عدم الإحراز .
وقد ورد في المسألة صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : الضيف إذا سرق لم يقطع ، وإذا أضاف الضيف ضيفاً فسرق قطع ضيف الضيف(3) .
وقد ادّعى ابن إدريس تواترها(4) . ومقتضى إطلاقها وإن كان هو عدم الفرق
(1) السرائر: 3 / 488.
(2) جواهر الكلام: 41 / 493 ـ 494.
(3) وسائل الشيعة: 18/ 508، أبواب حدّ السرقة ب14 ح1.
(4) السرائر: 3 / 487.
(الصفحة515)
مسألة 8 : لو أخرج متاعاً من حرز وادّعى صاحب الحرز أنّه سرقه ، وقال المخرج : «وهبني» أو «أذن لي في إخراجه» سقط الحدّ إلاّ أن تقوم البيّنة بالسرقة ، وكذا لو قال : «المال لي» وأنكر صاحب المنزل ، فالقول وإن كان قول صاحب المنزل بيمينه وأخذ المال من المخرج بعد اليمين ، لكن لا يقطع 1.
بين ما إذا أحرز دونه وبين ما إذا لم يحرز ، وعليه فيثبت للضيف مزيّة موجبة لاستثنائه من الحكم بالحدّ في باب السرقة ، إلاّ أنّ ذيل رواية سماعة المتقدّمة في الأجيرـ وهو قوله (عليه السلام) : «الأجير والضيف أُمناء ، ليس يقع عليهم حدّ السرقة» الظاهر في كون العلّة لعدم القطع هو الائتمان المتحقّق في الضيف ـ يقتضي تقييد إطلاق الصحيحة ورفع اليد عنه كما لا يخفى ، فاللاّزم هو الحكم بالتفصيل كما عليه المشهور .
1 ـ وعن الصدوق : إذا دخل السارق بيت رجل فجمع الثياب فيوجد في الدار ومعه المتاع فيقول : دفعه اليّ ربّ الدار ، فليس عليه قطع ، فإذا خرج بالمتاع من باب الدار فعليه القطع ، أو يجيء بالمخرج منه(1) .
وظاهره ثبوت القطع في صورة الإخراج التي هي مفروض المسألة ، وإن لم يتحقّق اليمين من صاحب الدار ، ولكنّ الظاهر أنّه مع ثبوت اليمين أيضاً لا مجال للقطع .
ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى أنّ اليمين لا تقطع الشبهة الدارئة للحدّ ; لعدم كونها من طرق إثبات السرقة ، بل غايتها الحكم بكون المال لصاحب اليمين ، فيؤخذ من المخرج ويدفع إليه والشّبهة باقية بحالها ـ صحيحة الحلبي قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام)
(1) المقنع: 445، من لا يحضره الفقيه: 4 / 64.
(الصفحة516)
عن رجل نقب بيتاً فاُخذ قبل أن يصل إلى شيء ؟ قال : يعاقب ، فإن اُخذ وقد أخرج متاعاً فعليه القطع . قال : وسألته عن رجل أخذوه (أُخذ خل) وقد حمل كارة من ثياب ، وقال : صاحب البيت أعطانيها ؟ قال : يدرأ عنه القطع إلاّ أن تقوم عليه بيّنة ، فإن قامت البيّنة عليه قطع ، الحديث(1) .
ومقتضى إطلاق الجواب درء القطع وإن تحقّقت اليمين من صاحب البيت على عدم إعطائه الثياب إيّاه ، ثمّ إنّ قوله في السؤال : وقال : «صاحب البيت أعطانيها» لا إشكال في إلغاء الخصوصيّة منه من جهة الإعطاء ، وعليه فيشمل الفروض الثلاثة المذكورة في المتن ; لعدم الفرق بينها من هذه الجهة أصلا .
وهل لإدّعاء المخرج بنحو من الأنحاء المذكورة خصوصيّة بحيث كان درء القطع مستنداً إلى الادّعاء المذكور ، أم يجري الحكم المذكور فيما إذا لم يتحقّق الادّعاء من المخرج بوجه ، بل كان هناك مجرّد احتمال كون إخراجه بنحو لا ينطبق عليه عنوان السرقة؟ وجهان ، لا يبعد الوجه الثاني ، خصوصاً مع حصر القطع في الجواب بصورة قيام البيّنة على السرقة ، فإنّه يشعر بل يدلّ على أنّه مع عدم قيامها لا مجال للقطع أصلا ، ويمكن أن يقال : إنّ تقييد صورة المسألة في مثل المتن بصورة دعوى المخرج إنّما يكون تبعاً لما هو المفروض في الرواية ، من دون أن يكون له خصوصيّة في الحكم بعدم القطع .
(1) وسائل الشيعة: 18/ 498، أبواب حدّ السرقة ب8 ح1.
(الصفحة517)
القول في المسروق
مسألة 1 : نصاب القطع ما بلغ ربع دينار ذهباً خالصاً مضروباً عليه السكّة ، أو ما بلغ قيمته ربع دينار كذائيّ من الألبسة والمعادن والفواكه والأطعمة ، رطبة كانت أو لا ، كان أصله الإباحة لجميع الناس أو لا ، كان ممّا يسرع إليه الفساد كالخضروات والفواكه الرطبة ونحوها أو لا ، وبالجملة كلّ ما يملكه المسلم إذا بلغ الحدّ ففيه القطع حتّى الطير وحجارة الرخام1.
1 ـ لاخلاف بين فقهاء المسلمين إلاّ من شذّ من أهل الخلاف على اعتبار النصاب في المال المسروق ، ويدلّ عليه السنّة القطعيّة الآتية ذكرها ، إنّما الخلاف في مقدار النصاب، قال الشيخ(قدس سره) في كتاب الخلاف في المسألة الأولى من كتاب السرقة: النصاب الذي يقطع به ربع دينار فصاعداً ، أو ما قيمته ربع دينار ، سواء كان درهماً أو غيره من المتاع، وبه قال في الصحابة عليّ (عليه السلام) وأبوبكر وعمروعثمان وابن عمر وعائشة(1)،
(1) الجامع لأحكام القرآن: 6 / 160، المغني لابن قدامة: 10 / 242، نيل الأوطار: 7 / 124.
(الصفحة518)
وفي الفقهاء الأوزاعي وأحمد وإسحاق ، وهو مذهب الشافعي(1) ، وقال داود وأهل الظاهر : يقطع بقليل الشيء وكثيره وليس لأقلّه حدّ ، وبه قال الخوارج(2) ، وقال الحسن البصري : القطع في نصف دينار فصاعداً ، وبه قال ابن الزبير(3) . وقال عثمان البتّي : القطع في درهم واحد فصاعداً(4) ، وقال زياد بن أبي زياد : القطع في درهمين فصاعداً(5) ، وقال مالك : النصاب الذي يُقطع به أصلان الذهب والفضّة ; فنصاب الذهب ربع دينار ، ونصاب الفضّة ثلاثة دراهم ، أيّهما سرق قطع من غير تقويم ، وإن سرق غيرهما قوّم بالدراهم ، فإن بلغ ثلاثة دراهم قطع(6) فخالفنا في فصلين ، جعل أصلين وقوّم بالدراهم ، وقال أبو هريرة وأبو سعيد الخدري : القطع في أربعة دراهم فصاعداً(7) ، وقال النخعي : القطع في خمسة دراهم فصاعداً ، وهو إحدى الروايتين عن عمر(8) ، وقال أبو حنيفة وأصحابه : القطع في عشرة دراهم فصاعداً ، فإن سرق من غيرها قوّم بها(9) فخالفنا في فصلين في أصل النصاب وفيما
(1) الأمّ: 7 / 151، مختصر المزني: 263، المجموع: 21 / 373، المبسوط للسرخسي: 9/ 137، بداية المجتهد: 2/442 ـ 443.
(2) نيل الأوطار: 7 / 126، بدائع الصنائع: 6 / 23 ـ 25، شرح فتح القدير: 5 / 122، المغني لابن قدامة: 10/241ـ 242.
(3) المغني لابن قدامة: 10 / 242، الشرح الكبير في ذيل المغني: 10 / 250، الجامع لأحكام القرآن: 6/161.
(4) المغني لابن قدامة: 10 / 242، الجامع لأحكام القرآن: 6 / 161.
(5) نيل الأوطار: 7 / 126، الجامع لأحكام القرآن: 6 / 161.
(6) المدوّنة الكبرى: 6 / 265 ـ 266، أسهل المدارك: 2 / 268، الجامع لأحكام القرآن: 6/160، شرح فتح القدير: 5 / 122.
(7) المبسوط للسرخسي: 9 / 137، المغني لابن قدامة: 10 / 242، الجامع لأحكام القرآن: 6/161.
(8) المغني لابن قدامة: 10 / 242، الشرح الكبير في ذيل المغني: 10 / 250، نيل الأوطار: 7/126.
(9) المبسوط للسرخسي: 9 / 137، بدائع الصنائع: 6 / 24، الجامع لأحكام القرآن: 6 / 161، شرح فتح القدير: 5/121.
(الصفحة519)
يقوّم به(1) .
وكيف كان ، فالمشهور بين الفريقين أنّ مقدار النصاب ربع دينار ، والمحكيّ عن الصدوق القطع بخُمس دينار فصاعداً(2) ، وعن العماني اعتبار الدينار(3) ، ونسب إلى القيل اعتبار ثلث الدينار(4) ، ولابدّ من ملاحظة الروايات الواردة في المقام فنقول : إنّها على طوائف :
فطائفة منها تدلّ على الربع الذي اختاره المشهور ، وهي كثيرة :
منها : ما رواه العامّة عن النبي(صلى الله عليه وآله) من قوله : لا قطع إلاّ في ربع دينار(5) . وقد ذكروا أنّ هذا القول متّفق عليه .
ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : في كم يقطع السارق؟ قال : في ربع دينار ، قال : قلت له : في درهمين؟ قال : في ربع دينار بلغ الدينار ما بلغ ، قال : قلت له : أرأيت من سرق أقلّ من ربع دينار هل يقع عليه حين سرق اسم السارق؟ وهل هو عندالله سارق؟ فقال : كلّ من سرق من مسلم شيئاً قد حواه وأحرزه فهو يقع عليه إسم السارق ، وهو عند الله سارق ، ولكن لا يقطع إلاّ في ربع دينار أو أكثر ، ولو قطعت أيدي السرّاق فيما أقلّ هو من ربع دينار لألفيت عامّة الناس مقطّعين(6) .
(1) الخلاف: 5 / 411 ـ 413 مسألة 1.
(2) المقنع: 444، من لا يحضره الفقيه: 4 / 64، ولكن نقل فيهما روايات اُخر أيضاً.
(3) حكى عنه في مختلف الشيعة: 9 / 227 مسألة 83.
(4) لم نجد لهذا القول قائلاً من فقهائنا، وإن ورد في الروايات. نعم، لا يبعد حملها على التقيّة، باعتبار أنّ ثلث الدينار يساوي ثلاثة دراهم تقريباً، وقد ذهب جماعة من العامّة إلى اعتبار ذلك.
(5) سنن البيهقي: 8 / 254.
(6) وسائل الشيعة: 18/ 482، أبواب حدّ السرقة ب2 ح1.
(الصفحة520)
ومنها : صحيحة عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا يقطع يد السارق إلاّ في شيء تبلغ قيمته مجنّاً ، وهو ربع دينار(1) .
ومنها : موثّقة سماعة بن مهران ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قطع أمير المؤمنين (عليه السلام)في بيضة ، قلت : وما بيضة؟ قال : بيضة قيمتها ربع دينار ، قلت : هو أدنى حدّ السارق؟ فسكت(2) .
ومنها : صحيحة أُخرى لعبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قلت : رجل سرق من المغنم ايش الذي يجب عليه ، أيقطع؟ (الشيء الذي يجب عليه القطع خ ل) قال : ينظر كم نصيبه (الذي يصيبه خ ل) فإن كان الذي أخذ أقل من نصيبه عزِّر ودفع إليه تمام ماله ، وإن كان أخذ مثل الذي له فلا شيء عليه ، وإن كان أخذ فضلا بقدر ثمن مجنّ ـ وهو ربع دينار ـ قطع(3) .
وطائفة اُخرى تدلّ على اعتبار خُمس دينار ، وهي أيضاً كثيرة :
منها : صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : أدنى ما يقطع فيه يد السارق خُمس دينار(4) . ورواها في الوسائل في هذا الباب بعنوان رواية اُخرى مع إضافة قوله (عليه السلام) : والخُمس آخر الحدّ الذي لا يكون القطع في دونه ، ويقطع فيه وفيما فوقه(5) . ولكن من الواضح اتّحاد الروايتين وعدم تعدّدهما .
ومنها : صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : يقطع السارق في كلّ شيء بلغ
(1) وسائل الشيعة: 18/ 483، أبواب حدّ السرقة ب2 ح2.
(2) وسائل الشيعة: 18/ 483، أبواب حدّ السرقة ب2 ح4.
(3) وسائل الشيعة: 18/ 519، أبواب حدّ السرقة ب24 ح4.
(4) وسائل الشيعة: 18/ 483، أبواب حدّ السرقة ب2 ح3.
(5) وسائل الشيعة: 18/ 485، أبواب حدّ السرقة ب2 ح13.
|