(الصفحة521)
قيمته خُمس دينار إن سرق من سوق أو زرع أو ضرع أو غير ذلك(1) .
ومنها : موثّقة إسحاق بن عمار ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل سرق من بستان عذقاً قيمته درهمان ، قال : يقطع به(2) . بناءً على أن يكون الدرهمان خُمس دينار كما هو المتعارف في ذلك الزمان .
ومنها : صحيحة عليّ بن جعفر ، عن أخيه قال : سألته عن حدّ ما يقطع فيه السارق ؟ فقال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : بيضة حديد بدرهمين أو ثلاثة(3) .
وأمّا ما يدلّ على اعتبار الدينار فصحيحة أبي حمزة الثمالي قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) في كم يقطع السارق؟ فجمع كفّيه ثمّ قال : في عددها من الدراهم(4) .
وأمّا ما يدلّ على اعتبار ثلث الدينار فموثّقة سماعة قال : سألته عن كم يقطع السارق؟ قال : أدناه على ثلث دينار(5) .
وموثّقة أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قطع أمير المؤمنين (عليه السلام) رجلا في بيضة ، قلت : وأيّ بيضة؟ قال : بيضة حديد قيمتها ثلث دينار ، فقلت : هذا أدنى حدّ السارق ؟ فسكت(6) .
هذه هي الروايات المختلفة الواردة في المقام ، وقد حمل الشيخ روايات الخُمس ، وكذا رواية عشرة دراهم التي هي دينار على التقيّة(7) . والعجب منه(قدس سره) أنّه مع عدم
(1) وسائل الشيعة: 18/ 485، أبواب حدّ السرقة ب2 ح12.
(2) وسائل الشيعة: 18/ 486، أبواب حدّ السرقة ب2 ح14.
(3) وسائل الشيعة: 18/ 487، أبواب حدّ السرقة ب2 ح22.
(4) وسائل الشيعة: 18/ 485، أبواب حدّ السرقة ب2 ح9.
(5) وسائل الشيعة: 18/ 485، أبواب حدّ السرقة ب2 ح11.
(6) وسائل الشيعة: 18/ 485، أبواب حدّ السرقة ب2 ح10.
(7) الإستبصار: 4 / 239 و 240، التهذيب: 10 / 102.
(الصفحة522)
حكايته القول باعتبار الخُمس عن أحد من فقهاء العامّة في عبارته المتقدّمة المحكيّة عن الخلاف ، كيف حمل روايات الخمس على التقيّة؟! نعم ، حكى فيها عن زياد بن أبي زياد القطع في درهمين فصاعداً ، ولم يعلم أنّ مراده هو الخُمس وإن كان المتعارف كون درهمين خمس دينار ; لأنّه جعل الشيخ(قدس سره) في تلك العبارة القول بالقطع في نصف دينار قولا للحسن البصري ، والقول بالقطع في خمسة دراهم قولا آخر للنخعي(1) ، فيستفاد منه عدم كون المراد بخمسة دراهم هو نصف الدينار ، ثمّ على تقدير كون المراد من الدرهمين هو الخمس لا يكون قول زياد بن أبي زياد موجباً للتقيّة بوجه ; لعدم كون قائله من الفقهاء المعروفين عند العامّة بوجه ، وعليه فحمل روايات الخمس على التقيّة ممّا لا وجه له أصلا .
ثمّ إنّه بناءً على ما هو المختار من كون أوّل المرجّحات في باب تعارض الروايات هي الشهرة الفتوائيّة ، المطابقة لإحداها لا تصل النوبة إلى مسألة الحمل على التقيّة ; لوضوح أنّ الشهرة الفتوائيّة إنّما هي على وفق روايات الربع ، وبذلك يتعيّن الأخذ بها والفتوى على طبقها ، وطرح الروايات المعارضة لها بأنحائها .
ولكنّه ذكر بعض الأعلام في هذا المقام ما ملخّصه : إنّه لا مناص من حمل ما دلّ على اعتبار عشرة دراهم على التقيّة ; لأنّها خلاف المقطوع به بين فقهائنا إلاّ العماني ومخالفة لظاهر الكتاب ، وكذا ما دلّ على اعتبار الثلث ، فإنّه أيضاً خلاف المقطوع به بين الأصحاب ومخالف لظاهر الكتاب ، ولا يبعد حمله على التقيّة ، باعتبار أنّ ثلث الدينار يساوي ثلاثة دراهم تقريباً ، وقد ذهب جماعة من العامّة إلى ذلك ، فيبقى الأمر دائراً بين الربع والخمس ، ولا وجه لحمل روايات الخمس على التقيّة ،
(1) الخلاف: 5 / 411 ـ 412 مسألة 1.
(الصفحة523)
وإن كان قد حملها الشيخ(قدس سره) عليها ، فاللاّزم حمل ما دلّ على اعتبار الربع على التقيّة وهو الأقرب ، ومع الإغماض وتعارض الروايات يكون الترجيح مع روايات الخمس ; لموافقتها لظاهر الكتاب ، وهي أوّل مرجّح في مقام التعارض ، وبيانه أنّ مقتضى إطلاق الكتاب وجوب القطع في السرقة مطلقاً ، ولكنّا علمنا من الخارج أنّه لا قطع في أقلّ من خُمس ، فترفع اليد عن الإطلاق بهذا المقدار ، وأمّا التخصيص الزائد فلم يثبت ، للمعارضة ، فتطرح من جهة المخالفة لظاهر الكتاب(1) .
ويرد عليه :
أوّلا : أنّ طرح رواية عشرة دراهم ـ مع أنّ العماني قد أفتى على طبقها ـ إنّما يتمّ على مبنى من يقول بأنّ إعراض المشهور يخرج الرواية عن الحجيّة ، وهو غير قائل بهذا المبنى ، ثمّ إنّ التعبير عن المشهور بالمقطوع به ممّا لا مجال له أصلا .
وثانياً : إنّا نعلم إجمالا بورود التقييد على إطلاق الآية الشريفة ، ولكنّه مردّد بين أن يكون دليل التقييد هو روايات الربع أو روايات الخُمس ، وليس الأمر دائراً بين تقييد واحد أو أزيد حتّى يرجع في الزائد المشكوك إلى أصالة الإطلاق ، ومجرّد كون الخُمس أقرب إلى الإطلاق من جهة الأفراد والمصاديق لا يوجب ثبوت الرجحان بالإضافة إليه أصلا ، والعلم من الخارج بأنّه لا قطع في أقلّ من الخُمس لا يوجب كونه هو القدر المتيقّن ; لأنّ عنوان الخمس إنّما يكون ملحوظاً في جانبي النفي والإثبات ، بمعنى عدم القطع في الأقلّ وثبوته فيه وفيما فوقه ، ولهذه الجهة لا يكون له رجحان على عنوان الربع .
وبالجملة : لم يظهر وجه كون روايات الخُمس موافقة لظاهر الكتاب بعد كون
(1) مباني تكملة المنهاج: 1 / 295 ـ 296.
(الصفحة524)
ظاهره الإطلاق لو لم يناقش في الإطلاق ، فلا محيص عمّا ذكرنا ، فتدبّر .
وكيف كان ، فقد عرفت أنّه بناءاً على المختار لا محيص عن ترجيح روايات الربع والفتوى على طبقها ، هذا بالنسبة إلى أصل الحكم .
وأمّا تعميمه لما كان أصله الإباحة أو يسرع إليه الفساد ، فهو في قبال أبي حنيفة القائل بالخلاف(1) .
نعم ، روى الأصبغ ، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال : لا يقطع من سرق شيئاً من الفاكهة ، وإذا مرّ بها فليأكل ولا يفسد(2) .
ولكن ذيلها قرينة على كون المفروض في الصدر عدم كون الفاكهة في حرز ، فلا دلالة لها على استثناء الفاكهة من القطع في السرقة .
وروى السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : لا قطع في ثمر ولا كثر ، والكثر شحم النخل . وفيما رواه الصدوق بإسناده ، عن السكوني مثله ، إلاّ أنّه قال : والكثر الجمار(3) ، ودلالتها على عدم القطع في الثمر ولو كان في حرز ظاهرة . وسيأتي البحث في سرقة الثمرة على الشجرة فيما يأتي إن شاء الله تعالى .
بقي الكلام في الطير وحجارة الرخام ، وقد ورد في استثناء حجارة الرخام ; رواية السكوني أيضاً ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا قطع على من سرق الحجارة ـ يعني الرخام ـ وأشباه ذلك(4) .
ويرد عليه ما عرفت من تفرّد السكوني بهذه الرواية ، ولا حجيّة فيما يتفرّد به ،
(1) شرح فتح القدير: 5 / 128 ـ 135، بدائع الصنائع: 6 / 10 ـ 12، المغني لابن قدامة: 10 / 243ـ 244.
(2) وسائل الشيعة: 18/ 517، أبواب حدّ السرقة ب23 ح5.
(3) من لا يحضره الفقيه: 4 / 62 ح5107، وسائل الشيعة: 18/ 517، أبواب حدّ السرقة ب23 ح3.
(4) وسائل الشيعة: 18/ 516، أبواب حدّ السرقة ب23 ح1.
(الصفحة525)
مسألة 2 : لا فرق في الذهب بين المسكوك وغيره ، فلو بلغ الذهب غير المسكوك قيمة ربع دينار مسكوك قطع ، ولو بلغ وزنه وزن ربع دينار مسكوك لكن لم تبلغ قيمته قيمة الربع لم يقطع ، ولو انعكس وبلغ قيمته قيمته وكان وزنه أقّل يقطع1.
وأمّا الطير فقد ورد في استثنائه روايتان :
إحداهما : رواية السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أيضاً ، قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : لا قطع في ريش ، يعني الطير كلّه(1) .
ثانيتهما : رواية غياث بن إبراهيم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّ عليّاً (عليه السلام) أُتي بالكوفة برجل سرق حماماً فلم يقطعه ، وقال : لا أقطع في الطير(2) .
وقد وصف المحقّق في الشرائع الرواية بالضعف(3) ، وظاهره أنّ الطرح إنّما هو لأجله ، ووافقه عليه صاحب الجواهر(4) ، مع أنّ غياث بن إبراهيم قد وثّقه النجاشي والعلاّمة في الخلاصة ، ولأجله ربما يشكل الحكم في الطير ; لأنّه إن لم يكن وجه الإعراض مبيّناً لكان نفس الإعراض كافياً في عدم الاعتماد على الرواية ، وأمّا مع تبيّن الوجه وعدم التمامية عندنا يشكل الإعراض عن الرواية التامّة من حيث السند والدلالة ، كما لا يخفى .
1 ـ قد مرّ أنّ النصاب هو ربع الدينار أو ما بلغ قيمته ذلك ، وقد وقع التصريح
(1) وسائل الشيعة: 18/ 516، أبواب حدّ السرقة ب22 ح2.
(2) وسائل الشيعة: 18/ 516، أبواب حدّ السرقة ب22 ح1.
(3) شرائع الإسلام: 4 / 954.
(4) جواهر الكلام: 41 / 498.
(الصفحة526)
مسألة 3 : لو فرض رواج دينارين مسكوكين بسكّتين ، وكانت قيمتهما مختلفة لا لأجل النقص أو الغش في أحدهما بل لأجل السكّة ، فالأحوط عدم القطع إلاّ ببلوغه ربع قيمة الأكثر ، وإن كان الأشبه كفاية بلوغ الأقل2.
بكلا الأمرين في روايات الربع المتقدّمة ، والدينار حقيقة في المسكوك من الذهب ، كما صرّح به صاحب الجواهر(1) . وإن حكي عن الشيخ(قدس سره) في الخلاف(2)والمبسوط(3) عدم اعتبار السكّة ، ولكنّه وصفه بالشذوذ ، والدينار عبارة عن المثقال الشرعي الذي هو ثماني عشر حمصة ، والمثقال الشرعي ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي ، وعلى ما ذكرنا فاللازم إمّاكون المال المسروق نفس الربع أو أزيد ، وإمّا بلوغ قيمته ذلك ، وعليه فيظهر حكم الفروع الثلاثة المذكورة في المسألة ; لأنّ القطع في الفرع الأوّل إنّما هو لأجل بلوغ قيمة الذهب غير المسكوك مقدار قيمة ربع دينار مسكوك ، وعدم القطع في الفرع الثاني إنّما هو لأجل عدم تحقّق النصاب المعتبر ، والوزن لا دخالة له فيه ، فلا فائدة في تساوي وزنه مع وزن الربع وهو أربع حمصات ونصف ، كما أنّ القطع في الفرع الثالث يكون مستنداً إلى بلوغ قيمته قيمة الربع وإن كان وزنه أقلّ ; لما مرّ من عدم مدخلية الوزن في النصاب أصلا .
2 ـ وجه كون الأشبه كفاية بلوغ الأقلّ صدق عنوان النصاب المأخوذ في الروايات وهو ربع الدينار ; لأنّ المفروض تحقّقه واشتراكه مع الآخر في الرواج ، وإن كانت قيمته أقلّ لأجل سكّته، وأمّا وجه كون الاحتياط ملاحظة الأكثر فواضح.
(1) جواهر الكلام: 41 / 499.
(2) الخلاف: 5 / 414 مسألة 2.
(3) المبسوط: 8 / 19.
(الصفحة527)
مسألة 4 : المراد بالمسكوك هو المسكوك الرائج ، فلو فرض وجود مسكوك غير رائج فلا اعتبار في ربع قيمته ، فلو بلغ ربع قيمته ولم تكن قيمة ربعه بمقدار قيمة ربع الدارج لم يقطع1 .
مسألة 5 : لو سرق شيئاً وتخيّل عدم وصوله إلى حدّ النصاب ، كأن سرق ديناراً بتخيّل أنّه درهم فالظاهر القطع ، ولو انعكس وسرق ما دون النصاب بتخيّل النصاب لم يقطع2.
1 ـ الوجه في تخصيص المسكوك بالرائج ـ مع عدم كون الرواج كالمسكوكيّة دخيلا في حقيقة الدينار ومفهومه ـ هو انصراف إطلاق الأدلّة إليه ، ولا يبعد دعوى الإنصراف فيما إذا كان الدينار ملحوظاً في المعاملات بعنوان الثمنيّة ، كما هو كذلك في زمان صدور الروايات ; لأنّه كان المتعارف في ذلك الزمان بدل الأسكناس ومثله المتعارف في زماننا هو الدراهم والدنانير ، ففي مثل ذلك تتمّ دعوى انصراف الإطلاق إلى ما هو الرائج في السوق الشائع بين الناس . وأمّا لو فرض كونه ملحوظاً بعنوان المثمنيّة كما هو كذلك في زماننا ـ ضرورة أنّ الذهب المسكوك إنّما يقع مبيعاً ومثله ، ولو فرض جعله ثمناً فإنّما هو بعد تقويمه بالإسكناس وشبهه ـ فالظاهر أنّه لا مجال لدعوى الإنصراف حينئذ ، بل لا معنى للرواج ، ودعوى كون المراد بالرواج في مثله ما كان أكثر مشترياً وما تقع المعاملة عليه أكثر من غيره مدفوعة بعدم كون ذلك موجباً لتحقّق عنوان الرواج ، فتدبّر .
2 ـ لعدم كون السرقة من العناوين القصديّة ، وعدم ورود التقييد بعدم العلم بالخلاف في شيء من الأدلّة ، فإذا وصل إلى حدّ النصاب يقطع مطلقاً ، وإذا لم يصل لا يقطع كذلك ، وإن كان في البين تخيّل الخلاف في كلا الفرضين .
(الصفحة528)
مسألة 6 : ربع الدينار أو ما بلغ قيمة الربع هو أقلّ ما يقطع به ، فلو سرق أكثر منه يقطع كقطعه بالربع بلغ ما بلغ ، وليس في الزيادة شيء غير القطع1 .
مسألة 7 : يشترط في المسروق أن يكون في حرز ، ككونه في مكان مقفل أو مغلق ، أو كان مدفوناً ، أو أخفاه المالك عن الأنظار تحت فرش أو جوف كتاب أو نحو ذلك ممّا يعدّ عرفاً محرزاً ، وما لا يكون كذلك لا يقطع به وإن لا يجوز الدخول إلاّ بإذن مالكه ، فلو سرق شيئاً من الأشياء الظاهرة في دكّان مفتوح لم يقطع وإن لا يجوز دخوله فيه إلاّ بإذنه2.
1 ـ لظهور الأدلّة في أنّ التحديد بالربع أو ما بلغ قيمة الربع إنّما هو بلحاظ الحدّ الأقلّ ، ومقتضى الإطلاق عدم ثبوت الزائد على القطع في الزائد ، كما لا يخفى .
2 ـ هذا هو الأمر الثاني من الأمور المعتبرة في المسروق ، والكلام فيه يقع في مقامين :
الأوّل : في أصل اعتبار هذا الأمر وهو الحرز ، وقد ذكر في الجواهر : أنّه يعتبر في القطع نصّاً وفتوى بل إجماعاً بقسميه(1) .
ويدلّ عليه من النصوص صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة في النصاب ، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : في كم يقطع السارق؟ قال : في ربع دينار ، قال : قلت له : في درهمين؟ قال : في ربع دينار بلغ الدينار ما بلغ ، قال : قلت له : أرأيت من سرق أقلّ من ربع دينار هل يقع عليه حين سرق إسم السارق؟ وهل هو عند الله تعالى سارق في تلك الحال؟ فقال : كلّ من سرق من مسلم شيئاً قد حواه وأحرزه فهو يقع عليه
(1) جواهر الكلام: 41 / 499.
(الصفحة529)
إسم السارق ، وهو عند الله سارق ، ولكن لا يقطع إلاّ في ربع دينار أو أكثر ، الحديث(1) .
بناءً على رجوع ضمير الفاعل في قوله (عليه السلام) : «قد حواه وأحرزه» إلى المسلم المسروق منه كما هو الظاهر لا إلى السارق ، وعليه فالتقييد يدلّ على اعتبار الإحراز .
ورواية السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا يقطع إلاّ من نقب بيتاً أو كسر قفلا(2) . وروى مثله الجميل مرسلا عن أحدهما (عليهما السلام)(3) .
ورواية طلحة بن زيد ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ (عليهم السلام) قال : ليس على السارق قطع حتّى يخرج بالسرقة من البيت(4) .
وغير ذلك من الروايات الدالّة عليه .
لكن في مقابلها روايات صحيحة متعدّدة ربما يستظهر منها عدم اعتبار الحرز في السرقة الموجبة للقطع :
منها : صحيحة جميل بن درّاج قال : اشتريت أنا والمعلّى بن خنيس طعاماً بالمدينة ، وأدركنا المساء قبل أن ننقله ، فتركناه في السوق في جواليقه وانصرفنا ، فلمّا كان من الغد غدونا إلى السوق ، فإذا أهل السوق مجتمعون على أسود قد أخذوه ، وقد سرق جوالقاً من طعامنا ، وقالوا : إنّ هذا قد سرق جوالقاً من طعامكم فارفعوه إلى الوالي ، فكرهنا أن نتقدّم على ذلك حتّى نعرف رأي أبي
(1) وسائل الشيعة: 18/ 482، أبواب حدّ السرقة ب2 ح1، وتقدّمت بتمامها في ص519.
(2) وسائل الشيعة: 18/ 509، أبواب حدّ السرقة ب18 ح3.
(3) وسائل الشيعة: 18/ 510، أبواب حدّ السرقة ب18 ح5.
(4) وسائل الشيعة: 18/ 499، أبواب حدّ السرقة ب8 ح4.
(الصفحة530)
عبدالله (عليه السلام) ، فدخل المعلّى على أبي عبدالله (عليه السلام) وذكر ذلك له ، فأمرنا أن نرفعه فرفعناه فقطع(1) . بناءً على أنّ المراد من الترك في السوق هو الترك في المحلّ الذي هو معبر العموم لا في دكّان من السوق .
هذا ، ولكنّ الظاهر أنّ أمر الإمام (عليه السلام) بالرفع إلى الوالي لا يستلزم كون القطع الذي هو رأيه موافقاً لرأي الإمام (عليه السلام) ; لاحتمال أن لا يكون موافقاً له ، والعلّة في الأمر بالرفع هي التقيّة ، خصوصاً بعد ما كانت القضيّة منتشرة في السوق وظاهرة لأهله ، ويمكن أن تكون العلّة هي حفظ نظام العباد ; لاستلزام عدم الرفع الهرج والمرج والتحريك إلى السرقة حتّى ما كانت منها موجبة للقطع .
وبالجملة : لا دلالة لمجرّد الأمر بالرفع على كون الحكم هو القطع ولو مع علم الإمام بترتّب القطع عليه في الخارج ، كما لا يخفى .
ومنها : صحيحة الفضيل بن يسار ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا أخذ الرجل من النخل والزرع قبل أن يصرم فليس عليه قطع ، فإذا صرم النخل وحصد الزرع فأخذ قطع(2) . بناءً على أنّ ظاهرها أنّ الفرق بين صورتي الصرم الذي هو بمعنى القطع وعدمه مجرّد كون الأخذ في الصورة الأولى قبل أن يصرم وفي الصورة الثانية بعده ، ومن الظاهر عدم ثبوت الحرز في تلك الأزمنة بالنسبة إلى النخل والزرع ، كما هو كذلك في زماننا هذا بالإضافة إلى الزرع وإلى بعض الأشجار خصوصاً في بعض الأمكنة .
هذا ، ولكنّ الظاهر أنّ الفرق بين الصورتين : أنّه في الصورة الاُولى لا يكون
(1) وسائل الشيعة: 18/ 531، أبواب حدّ السرقة ب33 ح1.
(2) وسائل الشيعة: 18/ 517، أبواب حدّ السرقة ب23 ح4.
(الصفحة531)
المال المأخوذ في محلّ الحرز بخلاف الصورة الثانية ، نظراً إلى أنّه بعد صرم النخل وحصاد الزرع يجعلان في الحرز نوعاً ، تحفّظاً عليهما ، غاية الأمر أنّ حرز كلّ شيء بحسبه ، كما سيأتي البحث في معنى الحرز في المقام الثاني إن شاء الله تعالى .
ومنها : صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يأخذ اللّص يرفعه؟ أو يتركه؟ فقال : إنّ صفوان بن اُميّة كان مضطجعاً في المسجد الحرام ، فوضع رداءه وخرج يهريق الماء ، فوجد رداءه قد سرق حين رجع إليه ، فقال : من ذهب بردائي؟ فذهب يطلبه ، فأخذ صاحبه فرفعه إلى النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، فقال النبيّ(صلى الله عليه وآله) : اقطعوا يده ، فقال الرجل : تقطع يده من أجل ردائي يا رسول الله؟ قال : نعم ، قال : فأنا أهبه له ، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : فهلاّ كان هذا قبل أن ترفعه إليَّ؟ قلت : فالإمام بمنزلته إذا رفع إليه؟ قال : نعم . قال : وسألته عن العفو قبل أن ينتهي إلى الإمام؟ فقال : حسن(1) .
وقد رواه الصدوق مرسلا مع الاختلاف ، ثمّ قال : لا قطع على من سرق من المساجد والمواضع التي يدخل إليها بغير إذن ، مثل الحمّامات والأرحية والخانات ، وإنّما قطعه النبيّ(صلى الله عليه وآله) لأنّه سرق الرداء وأخفاه ، فلإخفائه قطعه ، ولو لم يخفه يعزّره ولم يقطعه(2) . قال صاحب الوسائل بعد ذلك : أقول : الظاهر أنّ مراده أنّ صفوان كان قد أخفى الرداء وأحرزه ولم يتركه ظاهراً في المسجد .
والظاهر أنّ هذا التوجيه مخالف لرواية الحلبي ; لأنّ ظاهرها بقرينة التعرّض للاضطجاع أنّ صفوان كان قد وضع رداءه تحته واضطجع عليه ، ثمّ قام من دون أن
(1) وسائل الشيعة: 18/ 329، أبواب مقدّمات الحدود ب17 ح2.
(2) وسائل الشيعة: 18/ 509، أبواب حدّ السرقة ب18 ح4.
(الصفحة532)
يخفيه ، ولو كان الإخفاء محقّقاً لكان اللازم على الإمام (عليه السلام) بيانه خصوصاً مع دخالته في الحكم ، وعدم مدخليّة بعض الخصوصيّات المذكورة .
وربما يقال : بأنّه لا يبعد ثبوت الحدّ على السارق من المسجد الحرام بخصوصه الذي جعله الله مثابة للناس وأمناً(1) وإن لم يكن في حرز ، ولم يثبت إجماع على اشتراك المسجد الحرام مع غيره من المساجد ، ويؤيّده بعض الروايات :
كصحيحة عبدالسلام بن صالح الهروي ، عن الرضا (عليه السلام) في حديث ، قال : قلت له : بأيّ شيء يبدأ القائم منكم إذا قام؟ قال : يبدأ ببني شيبة فيقطع أيديهم ; لأنّهم سرّاق بيت الله تعالى(2) .
بناءً على أنّ قطع القائم (عليه السلام) أيديهم ليس لأجل قيام حدّ السرقة عليهم ; لعدم ثبوت شرائط القطع فيهم ، بل لأجل أنّهم من الخائنين لبيت الله ، فيكون هذا من أحكام بيت الله الحرام دون غيره .
ثمّ إنّه على تقدير عدم إمكان توجيه شيء من هذه الروايات ، وثبوت المعارضة لها مع ما يدلّ على اعتبار الحرز ; لكان مقتضى إعمال قواعد التعارض ترجيح روايات الحرز ; لكونها موافقة للشهرة الفتوائيّة المحقّقة ، إذ لم ينقل الفتوى بالخلاف إلاّ من ابن أبي عقيل ، حيث حكم بلزوم قطع السارق في أيّ موضع سرق ، من بيت ، أو سوق ، أو مسجد ، أو غير ذلك(3) . فانقدح من جميع ما ذكرنا أنّه لا محيص عن اعتبار الحرز .
(1) اقتباس من سورة البقرة 2: 125.
(2) وسائل الشيعة: 9/356، كتاب الحجّ، أبواب مقدّمات الطواف ب22 ح13.
(3) حكى عنه في مختلف الشيعة: 9 / 246 مسألة 98.
(الصفحة533)
المقام الثاني : في معنى الحرز ، والظاهر أنّ المشهور هو المعنى المذكور في المتن ، والمحكيّ عن الشيخ(قدس سره) في النهاية أنّ المراد به هو كلّ موضع ليس لغير مالكه الدخول إليه إلاّ بإذنه(1) .
وعن بعض الكتب نسبته إلى أصحابنا(2) ، بل دعوى الإجماع عليه صريحاً(3) ، وعن الشيخ في المبسوط(4) والخلاف(5) التعميم لما إذا كان المالك مراعياً له ، ولابدّ من ملاحظة الروايات .
فنقول : يدلّ على المعنى المشهور خبر السكوني المتقدّم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال : لا يقطع إلاّ من نقب بيتاً أو كسر قفلا ، بناءً على أنّه لا خصوصيّة للنقب والكسر بل يعمّ مثلهما ، كما إذا فتح القفل او رفع على الجدار ونحوهما ، ومقتضى الحصر عدم جريان القطع في غير ذلك ، فإذا كان الدار لا باب لها أو غير مغلقة ولا مقفّلة فلا يجري فيه القطع وإن كان لا يجوز الدخول إليها إلاّ بإذن مالكها .
ويدلّ عليه خبر طلحة بن زيد المتقدّم أيضاً ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ (عليهم السلام)قال : ليس على السارق قطع حتّى يخرج بالسرقة من البيت .
فإنّ مفاده أيضاً انحصار القطع فيما إذا كانت السرقة من مثل البيت الذي يكون بحسب المتعارف ذا باب مغلق أو مقفّل .
وبالجملة : فظاهر الخبرين إفادة انحصار القطع فيما إذا كان الحرز بالمعنى
(1) النهاية: 714.
(2) كنز العرفان: 2 / 350، التبيان: 3 / 513.
(3) غنية النزوع: 430.
(4) المبسوط: 8 / 22.
(5) الخلاف: 5 / 419 مسألة 6.
(الصفحة534)
المشهور الموافق للعرف متحقّقاً .
وأمّا ما عن الشيخ(قدس سره) في النهاية فربما يقال : بأنّه يدلّ عليه رواية أُخرى للسكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : كلّ مدخل يدخل فيه بغير إذن فسرق منه السارق فلا قطع فيه ، يعني الحمّامات والخانات والأرحية(1) .
وصحيحة أبي بصير قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قوم اصطحبوا في سفر رفقاء ، فسرق بعضهم متاع بعض ؟ فقال : هذا خائن لا يقطع ، ولكن يتبع بسرقته وخيانته . قيل له : فإن سرق من أبيه ؟ فقال : لا يقطع ; لأنّ ابن الرجل لا يحجب عن الدخول إلى منزل أبيه ، هذا خائن ، وكذلك إن أخذ من منزل أخيه أو اُخته إن كان يدخل عليهم لا يحجبانه عن الدخول(2) .
هذا ، ولكن من الواضح أنّ رواية السكوني لا دلالة لها على المفهوم ، وعدم القطع في المورد المذكور فيها لا ينافي ما هو مفاد الروايتين المتقدّمتين ; لأنّ مقتضاهما أيضاً أنّه لا قطع في هذا المورد .
وبعبارة اُخرى لا دلالة لهذه الرواية على أنّ العلّة لعدم القطع هو عدم الافتقار إلى الإذن ، بل غايتها عدم القطع في هذا المورد ، ومن الممكن أن تكون العلّة هو عدم ثبوت الحرز كما هو مقتضى الروايتين ، فلا منافاة بينها وبينهما .
وأمّا صحيحة أبي بصير ، فالظاهر أنّ المراد من عدم الحجب فيها بالإضافة إلى الابن أو الأخ أحياناً ليس مجرّد الإذن في الدخول ، بمعنى أنّ العلّة في عدم تحقّق
(1) وسائل الشيعة: 18/ 509، أبواب حدّ السرقة ب18 ح2.
(2) وسائل الشيعة: 18/ 508، أبواب حدّ السرقة ب18 ح1.
(الصفحة535)
السرقة في الابن هو كونه مأذوناً في الدخول إلى منزل الأب ، بل المراد ما هو الذي يعبّر عنه العرف بعدم كون الباب مسدوداً عليه ، ومرجعه إلى عدم إيجاد الحرز بالإضافة إليه ، وعليه فلا تنافي ما تقدّم بوجه .
وأمّا التعميم لما إذا كان المالك مراعياً له وناظراً إليه ، فإن كان مستنده هو العرف فالظاهر خلافه ; لعدم كون المراقبة والنظارة بمجرّدها موجبة لتحقّقه عند العرف ، خصوصاً مع ملاحظة أنّ السرقة إن كانت فى حال النظر والمراقبة فالظاهر عدم تحقّقها لاعتبار الخفاء في معناها كما تقدّم ، وإن لم تكن في تلك الحال ، بل في حال الغفلة ولو آناً ما فاللاّزم أيضاً عدم تحقّقها ; لعدم ثبوت المراقبة المحقّقة للحرز حينها ، والمراقبة القبلية لا توجب تحقّقه مع عدمها حين السرقة ، كما لا يخفى .
وإن كان مستنده هي قصّة صفوان بن أميّة المتقدّمة ، فهي وإن كانت مرويّة بطرق عديدة ، إلاّ أنّ الطريق الصحيح هو ما تقدّم ممّا رواه الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، وفي هذا الطريق لا دلالة للرواية على كون صفوان مراعياً لردائه ، بل ظاهره أنّه جعله في المسجد وخرج عنه يهريق الماء ، ثمّ رجع إليه فرأى أنّه قد سرق .
هذا ، مضافاً إلى ما في الجواهر من أنّ الحرز هو الشيء المعدّ لحفظ الشيء في نفسه ، والمراقبة ونحوها إنّما هي حراسة للشيء لا حرز له عرفاً(1) .
وقد انقدح من جميع ما دكرنا أنّ معنى الحرز هو المعنى العرفيّ الذي هو المشهور ، ومفاد الروايات يرجع إلى ذلك .
(1) جواهر الكلام: 41 / 503.
(الصفحة536)
مسألة 8 : لما كان (نت ظـ) الأشياء مختلفة في الحرز في تعارف الناس ، فلو كان موضع حرزاً لشيء من الأشياء ، فهل يكون حرزاً لكلّ شيء ـ فلو سقط من جيب المالك دينار في الإصطبل ، والسارق كسَّر القفل ودخل لسرقة الفرس مثلا فعثر على الدينار فسرقه كفى في لزوم القطع أو لا لعدم إخراجه من حرزه ـ ؟ الأشبه والأحوط هو الثاني . نعم ، لو أخفى المالك ديناره في الإصطبل فأخرجه السارق يقطع 1.
1 ـ قد تقدّم أن الحرز لا بدّ وأن يلحظ بنظر العرف ، خصوصاً بعد كونه بعنوانه مأخوذاً في صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة في أدلّة اعتبار الحرز في قوله (عليه السلام) : «كلّ من سرق من مسلم شيئاً قد حواه وأحرزه فهو يقع عليه اسم السارق . . .» بناءً على رجوع ضمير الفاعل في قوله : «قد حواه وأحرزه» إلى المسلم المسروق منه ، كما هو الظاهر لا إلى السارق ، فإنّه حينئذ يدلّ على اعتبار الحرز بعنوانه ، ولابدّ في تشخيص معناه من الرجوع إلى العرف ، كما هو الشأن في جميع العناوين المأخوذة في أدلّة الأحكام موضوعاً أو قيداً .
ومن الواضح اختلاف الأشياء عندهم في الحرز ، بمعنى أنّ كلّ شيء له حرز خاصّ . نعم ، يمكن أن لا يكون لبعض الأشياء عندهم حرز كما في مثل الماشية عند الرعي في المرعى ، وأمّا ما كان له حرز عندهم فالحرز مختلف ، ضرورة أنّ الإصطبل لا يكون حرزاً إلاّ لمثل الفرس ، فلا يكون حرزاً لمثل الفرش ونحوه ، وعلى ما ذكرنا ففي المورد المفروض في المتن حيث لا يكون الاصطبل بمجرّده حرزاً للدينار الساقط من جيب المالك ، فالظاهر عدم تحقّق السرقة الموجبة للقطع بالإضافة إليه . نعم ، لو أخفى المالك ديناره في بعض مواضع الاصطبل يصير بالإخفاء فيه محرزاً ، لا بمجرّد كونه في الإصطبل .
(الصفحة537)
مسألة 9 : ما ليس بمحرز لا يقطع سارقه ، كالسرقة من الخانات والحمّامات والبيوت التي كانت أبوابها مفتوحة على العموم أو على طائفة ، ونحو المساجد والمدارس والمشاهد المشرّفة والمؤسّسات العامّة ، وبالجملة كلّ موضع أُذن للعموم أو لطائفة . وهل مراعاة المالك ونحوه ومراقبته للمال حرز ، فلو كانت دابّته في الصحراء وكان لها مراعياً يقطع بسرقته أو لا؟ الأقوى الثاني ، وهل يقطع سارق ستارة الكعبة؟ قيل : نعم ، والأقوى عدمه ، وكذا سارق ما في
وقد ذكر صاحب الرياض بعد تفسير الحرز بما ذكر : وعليه يختلف الحرز باختلاف الأموال وفاقاً للأكثر ، فحرز الأثمان والجواهر الصناديق المقفَّلة والأغلاف الوثيقة في العمران ، وحرز الثياب وما خفّ من المتاع وآلات النحاس الدكاكين والبيوت المقفّلة في العمران وخزائنها المقفّلة وإن كانت هي مفتوحة ، والاصطبل حرز للدوابّ مع الغلق ، وحرز الماشية في المرعى عين الراعي على ما تقرّر ، ومثله متاع البائع في الأسواق والطرقات(1) .
ولكن قد عرفت عدم كون العين والمراعاة موجبة لتحقّق الحرز ، ولم يقم دليل على ثبوت الحرز لكلّ شيء ، فما أفاده في الماشية ومثلها محلّ نظر بل منع ، وممّا ذكرنا ظهر خلاف ما حكي عن الخلاف من أنّ كلّ موضع حرز لشيء من الأشياء فهو حرز لجميع الأشياء(2) وإن حكي عن الحلّي(3) والعلاّمة في التحرير(4) اختياره .
(1) رياض المسائل: 10 / 169.
(2) الخلاف: 5 / 419 مسألة 6.
(3) السرائر: 3 / 483.
(4) تحرير الأحكام: 2 / 229.
(الصفحة538)
المشاهد المشرّفة من الحرم المطهّر أو الرواق والصحن 1.
1 ـ مقتضى ما تقدّم من اعتبار الحرز في السرقة الموجبة للقطع عدم قطع السارق فيما إذا أخذ ما ليس بمحرز كالمواضع المذكورة في المتن ، ويدلّ عليه أيضاً خبر السكوني المتقدّم في المسألة السابقة ، الحاكي لقول أمير المؤمنين (عليه السلام) : «كلّ مدخل يدخل فيه بغير إذن فسرق منه السارق فلا قطع فيه» وقد مثّل له من قبل الإمام الصادق (عليه السلام) أو من قبل الراوي بالحمّاماتوالخانات والأرحية ، ومن الواضح عدم الاختصاص بهذه الموارد ، لجريانه في المساجد والمدارس والمشاهد المشرّفة وأشباهها ، حتّى البيوت التي كانت أبوابها مفتوحة على العموم أو على طائفة .
والظاهر أنّ المفتوحيّة على طائفة أيضاً تكفي في عدم تحقّق عنوان الحرز ولو بالإضافة إلى من لم يكن من تلك الطائفة ; لأنّ مجرّد المفتوحيّة يخرجه عن كونه محرزاً ، وعدم جواز الدخول لغير تلك الطائفة لا يوجب تحقّق الحرز بعد ما عرفت من أنّ الحرز له معنى عرفيّ ، ولا يبتنى على عدم جواز الدخول أصلا ، فإذا كان باب البيت مفتوحاً ولو غفلة لا يكون ذلك البيت محرزاً ولو لم يجز الدخول إلاّ بإذنه .
وأمّا مراعاة المالك ونحوه فقد مرّ البحث فيها في المسألة السابقة ، وأنّه لا يكون حرزاً بوجه ، ولا دليل على كونه كذلك .
وأمّا سرقة ستارة الكعبة فالمحكيّ عن الشيخ في المبسوط(1) والخلاف(2) كونها موجبة للقطع ، بل عن ظاهر المبسوط الإجماع عليه ، واستشكل فيه المحقّق في
(1) المبسوط: 8 / 33.
(2) الخلاف: 5 / 429 مسألة 22.
(الصفحة539)
الشرائع(1) مستنداً إلى أنّ الناس في غشيانها شرع سواء .
وهذا الدليل يكفي جواباً عن الشيخ لو كان مستنده في ذلك إطلاق الأدلّة والضوابط المتقدّمة في السرقة الموجبة للقطع ، وذلك لعدم تحقّق الحرز في ستارة الكعبة بوجه ، وكون المسجد الحرام من المواضع التي يجوز الدخول فيها للعموم ، وتكون أبوابها مفتوحة عليهم دائماً ، فلا تكون ستارة الكعبة حينئذ بمحرزة أصلا .
وأمّا لو كان مستنده الروايات الواردة في بني شيبة الحاجبين للمسجد الحرام الدالّة على أنّ القائم(عج) إذا قام يقطع أيديهم ويطوف بهم ويقول : هؤلاء سرّاق الله(2) وفي بعضها قال الإمام أبو جعفر (عليه السلام) بعد أن قال بنو شيبة في حقّه : إنّه ضالّ مبتدع ليس يؤخذ عنه ولا علم له . . . إنّ من علمي أن لو ولِّيت شيئاً من أمر المسلمين لقطعت أيديهم ، ثمّ علّقتها في أستار الكعبة ، ثمّ أقمتهم على المصطبة ، ثمّ أمرت منادياً ينادي ألا إنّ هؤلاء سرّاق الله فاعرفوهم(3) .
وقد تقدّمت صحيحة عبدالسلام بن صالح الهروي ، عن الرضا (عليه السلام) في حديث ، قال : قلت له : بأيّ شيء يبدأ القائم منكم إذا قام؟ قال : يبدأ ببني شيبة فيقطع أيديهم ; لأنّهم سرّاق بيت الله تعالى(4) .
والظاهر أنّه مع التصريح بأنّ العلّة هي السرقة ، غاية الأمر الإضافة إلى بيت الله أو إلى الله لا مجال لما في الجواهر من احتمال كون القطع لفسادهم لا للسرقة(5) ، وإن
(1) شرائع الإسلام: 4 / 954.
(2) بحار الأنوار: 52 / 317 ح14 وص373 ح168.
(3) وسائل الشيعة: 9 / 353، كتاب الحجّ، أبواب مقدّمات الطواف ب22 ح6.
(4) وسائل الشيعة: 9 / 586، كتاب الحجّ، أبواب مقدّمات الطواف ب22 ح13.
(5) جواهر الكلام: 41 / 504.
(الصفحة540)
مسألة 10 : لو سرق من جيب إنسان ، فإن كان المسروق محرزاً كأن كان في الجيب الذي تحت الثوب ، أو كان على درب جيبه آلة كالآلات الحديثة تحرزه فالظاهر ثبوت القطع ، وإن كان في جيبه المفتوح فوق ثيابه لا يقطع ،
كان ربّما يؤيّده ملاحظة المورد في بعضها ، وهو إقدامهم على أخذ ما أوصي به للكعبة من ألف درهم أو جارية كانت لرجل أو غيرهما ، وإنكار الإمام (عليه السلام) ذلك ومنعه عن التسليم إلى بني شيبة الحاجبين لبيت الله الحرام ، فإنّه لا يتحقّق عنوان السرقة في مثل ذلك وإن لم يجز الأخذ بوجه .
وكيف كان ، لو لم نقل بثبوت الخصوصيّة للمسجد الحرام ، وقلنا بعدم الفرق بينه وبين سائر المواضع من هذه الجهة ، كما ربّما يؤيّده التعليل بأنّهم سرّاق بيت الله تعالى ; لظهوره في عدم كونه أمراً تعبديّاً خاصّاً بالمسجد ، فالظاهر أنّه لا مجال للقطع بعدعدم ثبوت الحرزفيه بوجه،خصوصاًللحاجبينوالمتصدّين لأمور المسجد.
وإن قلنا بثبوت الخصوصيّة كما نقلناه عن بعض ، ويؤيّده قصّة صفوان المتقدّمة المحكيّة بطريق صحيح ، عن الصادق (عليه السلام) ، الظاهرة في ثبوت القطع على من سرق الرداء منه ، وإن لم يكن في حرز حتّى مثل المراقبة والنظر ، فاللاّزم الالتزام بثبوت القطع في مثل ستارة الكعبة إذا سرقت .
وبعد ذلك كلّه فالمسألة مشكلة جدّاً ; لأنّه لا مساغ للإعراض عن هذه الروايات بعد وجود الروايات الصحيحة في ضمنها من جهة ، ولا مجال لتوجيه التعليل الواقع فيها صريحاً أو ظاهراً من جهة اُخرى .
ثمّ إنّ الحكم في المشاهد المشرّفة إنّما هو على طبق القاعدة ، وهي تقتضي عدم ثبوت القطع مع الأخذ من مواضع عدم الحرز . نعم ، لو كان هناك حرز ولو بالإضافة إلى بعض الأشياء لكان اللازم القطع فيه .
|