(الصفحة541)
ولو كان الجيب في بطن ثوبه الأعلى فالظاهر القطع ، فالميزان صدق الحرز1.
1 ـ قد وقع عنوان هذه المسألة في كلام المشهور ، منهم المحقّق في الشرائع بأنّه لا يقطع من سرق من جيب إنسان أو كمّه الظاهرين ، ويقطع لو كانا باطنين(1) ، وعن الشيخ(2) وابن زهرة دعوى الإجماع عليه(3) . وقال الشهيد في الروضة : والمراد بالجيب الظاهر ما كان في ظاهر الثوب الأعلى ، والباطن ما كان في باطنه أو في ثوب داخل مطلقاً(4) .
أقول : مقتضى القاعدة ما ذكر من تخصيص الجيب الظاهر بما كان في ظاهر الثوب الأعلى ، غاية الأمر لزوم تقييده بما إذا كان مفتوحاً ، وأمّا إذا لم يكن كذلك كما في زماننا هذا ، حيث يحرز الجيب الظاهر أحياناً بالآلات الحديثة ، فالظاهر ثبوت القطع فيه وعدم التقييد لأجل عدم وجودها في زمانه .
وبالجملة : العرف يحكم بثبوت الاختلاف في الجيب من جهة الظهور وغيره ، ومن جهة المفتوحيّة وغيرها ، ومقتضاه التفصيل المذكور في المتن ، لكن ورد في المسألة روايات لابدّ من ملاحظتها ، فنقول :
طائفة منها تدلّ على عدم القطع مطلقاً في المقام الذي عبّر عنه في الروايات بالطرّار ، الذي هو من يقطع الجيب ونحوه لأخذ ما فيه من الدينار والدرهم وغيرهما ، كرواية عبدالرحمن بن أبي عبدالله ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : ليس على
(1) شرائع الإسلام: 4 / 954.
(2) النهاية: 718، المبسوط: 8 / 45، الخلاف: 5 / 451 مسألة 51.
(3) غنية النزوع: 434.
(4) الروضة ا لبهيّة: 9 / 246.
(الصفحة542)
الذي يستلب قطع ، وليس على الذي يطرُّ الدارهم من ثوب الرجل قطع(1) .
وصحيحة عيسى بن صبيح قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الطرّار والنبّاش والمختلس ؟ قال : لا يقطع(2) .
وبعضها يدلّ على القطع مطلقاً ، وهي صحيحة منصور بن حازم قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : يقطع النبّاش والطرّار ، ولا يقطع المختلس(3) .
وبعضها يدلّ على التفصيل ، وهي رواية السكوني عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : أُتي أمير المؤمنين (عليه السلام) بطرّار قد طرّ دراهم من كمّ رجل ، قال : إن كان طرّ من قميصه الأعلى لم أقطعه ، وإن كان طرّ من قميصه السافل (الداخل خ ل) قطعته . ورواية مسمع أبي سيّار ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) مثلها(4) .
ورواية مسمع أبي سيّار ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) أُتي بطرّار قد طرّ من رجل من ردنه دراهم ، قال : إن كان طرّ من قميصه الأعلى لم أقطعه وإن كان طرّ من قميصه الأسفل قطعناه(5) .
ومقتضى القاعدة جعل ما يدلّ على التفصيل شاهداً للجمع بين الطائفتين ، إنّما الكلام في مفاد دليل التفصيل ، فنقول : ظاهره بلحاظ كون الأعلى والسافل الواردين فيها وصفين للقميص أنّ السرقة إن كانت من القميص الواقع في أعلى البدن وفوق الثياب لا توجب القطع ، بخلاف ما لو كانت من القميص الواقع في الداخل وتحت القميص الأعلى فتوجب القطع ، ولكن هذا المعنى ـ مع أنّه لم يقل به المشهور ; لأنّ مقتضاه أنّ السرقة من القميص الأعلى لا توجب القطع ولو كانت
(1 ـ 4) وسائل الشيعة: 18/ 504 ـ 505، أبواب حدّ السرقة ب13 ح1 ـ 4.
(5) الكافي: 7 / 226 ح8، التهذيب: 10 / 115 ح456، الإستبصار: 4 / 244 ح923.
(الصفحة543)
مسألة 11 : لا إشكال في ثبوت القطع في أثمار الأشجار بعد قطفها وحرزها ، ولا في عدم القطع إذا كانت على الأشجار إن لم تكن الأشجار محرزة ، وأمّا إذا كانت محرزة كأن كانت في بستان مقفل ، فهل يقطع بسرقة ثمرتها أو لا؟ الأحوط بل الأقوى عدم القطع 1.
من الجيب الداخل الذي يعبّر عنه بالجيب الباطن ـ يستلزم فرض وجود قميصين ، مع أنّ المتعارف خصوصاً في زمان صدور الرواية لم يكن كذلك ، وعليه فيحتمل ما في الجواهر من أنّ معنى الخبرين : إن طرّ الأعلى من قميصه فلا قطع ، وإن طرّ الأسفل من قميصه قطع على جعل «من الأعلى والأسفل» مفعولين لطرّ(1) .
وكيف كان ، فلو كان مفاد دليل التفصيل هو المعنى الأخير فهو ينطبق على ما ذكرنا من المعنى العرفي للحرز ، وإلاّ فيتحقّق الإشكال من جهة ضعف السند ، وعدم تحقّق الانجبار لعدم موافقته للشهرة ، كما مرّ .
1 ـ ثبوت القطع في الفرض الأوّل ظاهر ، كعدم ثبوته في الفرض الثاني ، إنّما الإشكال في الفرض الثالث ، مقتضى الروايات المتكثّرة العدم .
منها : رواية السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قضى النبيّ(صلى الله عليه وآله) فيمن سرق الثمار في كمّه ، فما أكلوا منه فلا شيء عليه ، وما حمل فيعزّر ويغرم قيمته مرّتين(2) .
ومنها : رواية اُخرى للسكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : لا قطع في ثمر ولا كثر ، والكثر : شحم النخل(3) .
ومنها : رواية الأصبغ ، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال : لا يقطع من سرق شيئاً من
(1) جواهر الكلام: 41 / 506.
(2، 3) وسائل الشيعة: 18/ 516، أبواب حدّ السرقة ب23 ح2 و3.
(الصفحة544)
الفاكهة ، وإذا مرّ بها فليأكل ولا يفسد(1) .
ومنها : صحيحة الفضيل بن يسار ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال إذا أخذ الرجل من النخل والزرع قبل أن يصرم فليس عليه قطع ، فإذا صرم النخل وحصد الزرع فأخذ قطع(2) .
ومنها : غير ذلك من الروايات الدالّة عليه .
لكن في مقابلها رواية إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل سرق من بستان عذقاً قيمته درهمان ، قال : يقطع به(3) .
بناءً على كون الدرهمين ربع دينار ، وعلى كون العذق واقعاً في حرز كما هو الظاهر .
والظاهر أنّ هذه الرواية لا ترتبط بالمقام ; لأنّ موردها سرقة العذق الذي هي النخلة بحملها، والبحث إنّما هو في سرقة الثمرة على الشجرة دون الشجرة ، ولا ملازمة بين الأمرين ، ومن المحتمل ثبوت الخصوصيّة للثمرة عليها ، وأمّا الشجرة فهي كسائر الأشياء مشمولة لضابطة اعتبار الحرز ، فالرواية غير مرتبطة بما نحن فيه .
وأمّا سائر الروايات ، فإنّه وإن كان فيها ما ظاهره عدم ثبوت الحرز ، كرواية الأصبغ بقرينة ذيلها ، الظاهر في كون المرور بالفاكهة إنّما هو بنحو عاديّ ، وبدون أن يكون لها حرز ، إلاّ أنّ كثيراً منها مطلقة ظاهرة في ثبوت الخصوصيّة للثمرة على الشجرة وإن كانت محرزة ، ودعوى إنصرافها إلى ما هو الغالب من عدم الحرز
(1) وسائل الشيعة: 18/ 517، أبواب حدّ السرقة ب23 ح5.
(2) وسائل الشيعة: 18/ 517، أبواب حدّ السرقة ب23 ح4.
(3) وسائل الشيعة: 18/ 517، أبواب حدّ السرقة ب23 ح7.
(الصفحة545)
مسألة 12 : لا قطع على السارق في عام مجاعة إذا كان المسروق مأكولا ولو بالقوّة كالحبوب ، وكان السارق مضطرّاً إليه ، وفي غير المأكول وفي المأكول في غير مورد الإضطرار محلّ إشكال ، والأحوط عدم القطع ، بل في المحتاج إذا سرق غير المأكول لا يخلو من قوّة 1.
ممنوعة كبرىً ، بل وصغرىً أيضاً ; لعدم كون مثل هذه الغلبة على تقديرها موجباً للإنصراف بوجه ، كما أنّ دعوى ضعف إسناد جميع الروايات المتقدّمة كما في الجواهر(1) ممنوعة ; لوجود مثل رواية فضيل الصحيحة على ما عرفت ، مع أنّه على تقدير الضعف تكون الشهرة الجابرة محقّقة ، ومخالفة جمع كالعلاّمة(2) وولده(3)والشهيد الثاني(4) لا يقدح في تحقّق الشهرة ، فالإنصاف أنّ الأقوى كما هو الأحوط عدم القطع .
1 ـ في الجواهر عقيب قول المحقّق : ولا على من سرق مأكولا في عام مجاعة(5) : بلا خلاف أجده ، كما عن بعضهم الاعتراف به (6)، بل عن الغنية(7) والسرائر(8)نسبته إلى روايات الأصحاب ، وهو كذلك(9) .
(1) جواهر الكلام: 41 / 507.
(2) قواعد الأحكام: 2 / 268.
(3) إيضاح الفوائد: 4 / 531.
(4) مسالك الأفهام: 14 / 500، الروضة البهيّة: 9 / 250.
(5) شرائع الإسلام: 4 / 954.
(6) رياض المسائل: 10 / 174.
(7) غنية النزوع: 434.
(8) السرائر: 3 / 495.
(9) جواهر الكلام: 41 / 507.
(الصفحة546)
والروايات عبارة عن مرسلة زياد القندي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لايقطع السارق في سنة المحلّ (المحقّ خ ل) في شيء ممّا يؤكل ، مثل الخبز واللحم وأشباه ذلك(1) .
ورواية الكسوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال : لا يقطع السارق في عام سنة ، يعني : عام مجاعة(2) .
ومرسلة عاصم بن حميد ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : كان أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يقطع السارق في أيّام المجاعة(3) .
وما رواه الصدوق بإسناده عن السكوني ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه (عليهما السلام) ، قال : لا يقطع السارق في عام سنة مجدبة . يعني : في المأكول دون غيره(4) . ويحتمل قويّاً أن يكون التفسير من الصدوق .
أقول : أمّا أصل المسألة بنحو الإجمال فلا حاجة في إثباته إلى هذه الروايات بعد ما عرفت من أنّ من جملة الامور المعتبرة في السارق أن لا يكون مضطرّاً إلى السرقة ، وعليه فالتقييد بالمأكول في عام المجاعة إنّما هو لأجل أنّ الإضطرار في تلك العام إنّما يتحقّق بالإضافة إلى المأكول دون غيره .
وبعد ذلك يقع البحث في أمرين :
أحدهما : أنّ مورد الروايات المتقدّمة الدالّة على عدم القطع في مجاعة ، هل هو خصوص صورة الاضطرار؟ أو يعمّ صورة العدم أيضاً؟ ربّما يقال : بالإنصراف إلى
(1) وسائل الشيعة: 18/ 520، أبواب حدّ السرقة ب25 ح1.
(2) وسائل الشيعة: 18/ 520، أبواب حدّ السرقة ب25 ح2.
(3) وسائل الشيعة: 18/ 520، أبواب حدّ السرقة ب25 ح3.
(4) وسائل الشيعة: 18/ 521، أبواب حدّ السرقة ب25 ح4.
(الصفحة547)
خصوص الصورة الأولى ، وعليه فلا دلالة للروايات على أزيد ممّا يدلّ عليه حديث الرفع بالإضافة إلى فقرة «ما اضطرّوا إليه» ، وهذا هو الذي يظهر من المبسوط ، حيث قال على ما حكي : إن سرق في عام المجاعة والقحط ، فإن كان الطعام موجوداً والقوت مقدوراً عليه ولكن بالأثمان الغالية فعليه القطع ، وإن كان القوت متعذّراً لا يقدر عليه فسرق سارق فأخذ الطعام فلا قطع عليه(1) .
ولكنّه قال في محكيّ الخلاف : روى أصحابنا أنّ السارق إذا سرق في عام المجاعة لا قطع عليه ولم يفصّلوا . وقال الشافعي : إذا كان الطعام موجوداً مقدوراً عليه ولكن بالثمن الغالي فعليه القطع ، وإن كان القوت متعذّراً لا يقدر عليه فسرق سارق طعاماً فلا قطع عليه(2) . دليلنا ما رواه أصحابنا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) لا قطع في عام مجاعة(3) .
والظاهر الشمول لصورة العدم أيضاً ، وأنّ خصوصيّة عام المجاعة إنّما هي كونه مظنّة الاضطرار المسوغ ، ومقتضى إطلاق الفتاوى أيضاً ذلك .
ثانيهما : أنّ مورد الروايات هل يختصّ بالمأكول بالفعل ، أو يعمّ المأكول بالقوّة؟ أو يعمّ غير المأكول أيضاً ، منشأ توهّم الاختصاص بالمأكول رواية زياد القندي المتقدّمة ، ورواية السكوني على نقل الصدوق المتقدّمة أيضاً ، ولكنّك عرفت أنّ التفسير في رواية الصدوق يحتمل قويّاً أن يكون منه من دون أن يكون مرتبطاً بالرواية ، وأمّا رواية زياد فلا دلالة لها على الاختصاص بالمأكول ; لعدم ثبوت المفهوم لها حتّى يقيّد بسببه إطلاق باقي الروايات ، وإن حكي التقييد
(1) المبسوط: 8 / 33 ـ 34.
(2) المجموع: 21 / 416، المغني لابن قدامة: 10 / 289، الشرح الكبير: 10 / 285.
(3) الخلاف: 5 / 432 مسألة 27.
(الصفحة548)
مسألة 13 : لو سرق حرّاً ، كبيراً أو صغيراً ، ذكراً أو أنثى ، لم يقطع حدّاً ، وهل يقطع دفعاً للفساد؟ قيل : نعم ، وبه رواية ، والأحوط ترك القطع وتعزيره بما يراه الحاكم 1.
عن المسالك(1) .
ثمّ على تقدير الاختصاص بالمأكول فالظاهر الشمول للمأكول بالقوّة ; لاشتمال رواية زياد على التمثيل باللحم ، ومقتضى إطلاقه أنّه لا فرق بين المطبوخ منه وبين غيره الذي هو المأكول بالقوّة ، كما لا يخفى .
ثمّ إنّ المراد من المحتاج المذكور في ذيل المسألة إن كان هو المضطرّ فلا خفاء في عدم ثبوت القطع فيه ، وعليه فالتعبير بقوله : لا يخلو من قوّة الظاهر في الترديد في الحكم وثبوت مرتبة من القوّة فيه ممّا لا يناسب .
وإن كان المراد غير المضطرّ ، بل من كان له حاجة غير بالغة حدّ الاضطرار ، فمقتضى قاعدة الترقّي الذي تفيده كلمة «بل» تعميم الحكم لما إذا كان المحتاج قد سرق المأكول الذي هو مورد الرواية لا التعميم لغير المأكول ، خصوصاً بعد جعل الاضطرار في غير المأكول محلّ إشكال ، فتدبّر .
1 ـ أمّا عدم القطع حدّاً ; فلعدم كونه مالا يبلغ النصاب ، ومن الظاهر اعتبار ماليّة المسروق في معنى السرقة لغةً وعرفاً ، وإن حكي عن الشيخ في المبسوط الاستدلال للمقام بآية السرقة(2) ، ولكنّه صرّح في الخلاف بأنّه «لا قطع عليه ; للإجماع على أنّه لا قطع إلاّ فيما قيمته ربع دينار فصاعداً ، والحرّ لا قيمة له ، وقال
(1) مسالك الأفهام: 14 / 501.
(2) المبسوط: 8 / 31.
(الصفحة549)
مالك : عليه القطع(1) . وقد روى ذلك أصحابنا»(2) . كما أنّه ربّما يقال : بأنّ الوجه في القطع في سرقة المال إنّما هو حراسته ، وحراسة النفس أولى ، ومن الواضح بطلانه وأنّه لا يوافق مذهبنا كما في الجواهر(3) .
وأمّا القطع دفعاً للفساد فقد حكي عن الشيخ(قدس سره) في النهاية(4) وجماعة(5) ، بل في محكيّ التنقيح أنّه المشهور(6) ، ولكنّ المفروض في كلماتهم ما إذا سرق الحرّ فباعه ، والمستند في ذلك روايات متعدّدة ظاهرة في ذلك ، مثل :
رواية السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) اتي برجل قد باع حرّاً فقطع يده(7) .
ورواية عبدالله بن طلحة قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يبيع الرجل وهما حرّان يبيع هذا هذا ، وهذا هذا ، ويفرّان من بلد إلى بلد فيبيعان أنفسهما ، ويفرّان بأموال الناس ، قال : تقطع أيديهما ; لأنّهما سارقا أنفسهما وأموال الناس (المسلمين خ ل)(8) .
(1) المغني لابن قدامة: 10 / 245، المدوّنة الكبرى: 6 / 281، بداية المجتهد: 2 / 446، المحلّى بالآثار: 12/325.
(2) الخلاف: 5 / 428 مسألة 19.
(3) جواهر الكلام: 41 / 511.
(4) النهاية: 772.
(5) إصباح الشيعة: 525، فقه القرآن للراوندي: 2 / 388.
(6) التنقيح الرائع: 4 / 380.
(7) وسائل الشيعة: 18/ 514، أبواب حدّ السرقة ب20 ح2.
(8) وسائل الشيعة: 18/ 515، أبواب حدّ السرقة ب20 ح3.
(الصفحة550)
ورواية معاوية بن طريف بن سنان الثوري على نقل الكليني(1) وطريف بن سنان على نقل الصدوق(2) ، قال : سألت جعفر بن محمّد (عليهما السلام) عن رجل سرق حرّة فباعها ، قال : فقال : فيها أربعة حدود : أمّا أوّلها فسارق تقطع يده ، والثانية إن كان وطأها جلد الحدّ ، وعلى الذي اشترى إن كان وطأها إن كان محصناً رجم ، وإن كان غير محصن جلد الحدّ ، وإن كان لم يعلم فلا شيء عليه ، وعليها هي إن كان استكرهها فلا شيء عليها ، وإن كانت أطاعته جلد الحدّ(3) .
ولا يخفى أنّ صاحب الوسائل حكى في الباب الثامن والعشرين من أبواب حدّ الزنا روايتين عن الشيخ ، إحداهما عن طريف بن سنان ، والأُخرى عن سنان بن طريف ، مشتملتين على مثل هذه الرواية الأخيرة ، والظاهر اتّحاد الروايات الثلاثة وعدم كونها متعدّدة ، غاية الأمر وقوع الاشتباه في الراوي كما لا يخفى .
وكيف كان ، البحث في هذه الروايات يقع من جهات :
الأولى : في أنّه هل بملاحظتها يثبت حكم القطع أو لا يثبت؟ ربّما يقال : بأنّ الروايات المذكورة ضعيفة ولم تثبت شهرة جابرة لضعفها ; لأنّ أصل الشهرة هو فتوى الشيخ في النهاية ، وقد عدل عنها في كتاب الخلاف ، الذي ألّف بعد النهاية التي هي أوّل مصنّفاته ، وقد مرّت عبارة الخلاف في أوّل المسألة .
ويمكن الجواب عنه ـ مضافاً إلى أنّ مجرّد عدول الشيخ لا يقدح في ثبوت الشهرة وتحقّقها ـ أنّ عبارة الخلاف لا يستفاد منها نفي القطع مطلقاً ، بل غاية مفادها عدم ثبوت القطع من جهة السرقة التي يعتبر فيها الماليّة بمقدار النصاب ،
(1) كذا في الوسائل، ولكن في الكافي: 7 / 229 ح1، عن معاوية بن طريف، عن سفيان الثوري.
(2) من لا يحضره الفقيه: 4 / 69 ح5126.
(3) وسائل الشيعة: 18/ 514، أبواب حدّ السرقة ب20 ح1.
(الصفحة551)
وقوله في الذيل : «وقد روى ذلك أصحابنا» وإن كان يستفاد منه أنّ الشيخ حمل الروايات على القطع بعنوان السرقة ; لكنّه لا يمنع عن استفادة القطع ولو بعنوان آخر ، والكلام إنّما هو في أصل ثبوت القطع لا في جهته .
الثانية : أنّه هل القطع على تقدير ثبوته إنّما هو لأجل السرقة أو لجهة اُخرى غيرها كالفساد؟ ربّما يقال : بأنّ ظاهر الروايات بلحاظ التعبير بالسرقة في أكثرها خصوصاًالتعليل بها ـ كمافي رواية عبدالله بن طلحة ـ هو كون القطع لأجل السرقة ، وعليه فاللازم الحكم بثبوت السرقة تعبّداً ; لوضوح اعتبار الماليّة في معنى السرقة .
ولكنّ الظاهر خلاف ذلك ، نظراً إلى أنّ التعليل بالسرقة لا يلائم مع الحكم بثبوتها تعبّداً ; لأنّ ظاهر التعليل هو كون العلّة أمراً مقبولا عند المخاطب ، بحيث لو توجّه إليه لكان الحكم ثابتاً عنده ، وهذا لا يناسب مع التعبّد بوجه .
ويدلّ على ماذكرنا من عدم كون القطع لأجل السرقة أنّ ظاهرالروايات أنّ القطع المذكور فيها إنّما هو لأجل البيع الواقع عقيب السرقة لا نفسها ، ومن الظاهر أنّه لو كانت السرقة بعنوانها موجبة للقطع هنا لكان اللازم تحقّق القطع بمجرّدها من دون توقّف على البيع ، ويؤيّده أنّه لم يقع التعرّض للسرقة في رواية السكوني لمسألة السرقة أصلا ، بل المفروض فيها مجرّد بيع الحرّ ، كما أنّ الرواية الأخيرة أيضاً لا تعرّض فيها لهذه المسألة ، بل ظاهرها تباني الرجلين على أن يبيعا أنفسهما ثمّ يفرّا .
فالإنصاف أنّه وإن وقع التعبير بالسرقة في أكثر الروايات ، إلاّ أنّ القطع المذكور فيها لا يكون مستنداً إلى السرقة ، بل الظاهر أنّ الوجه فيه هو الفساد والمفسديّة .
ويمكن أن يقال ، بل لعلّه الظاهر : إنّ نفس عنوان بيع الحرّ يترتّب عليه الحكم بقطع اليد في الشريعة في رديف السرقة ، من دون أن يكون من مصاديق الفساد
(الصفحة552)
الذي رتّب عليه في الآية الشريفة(1) أحكام أربعة على سبيل التخيير ، ومنها قطع الأيدي والأرجل من خلاف ، وعليه فلا مجال للمناقشة في المقام بأنّه لو كان من مصاديق الفساد لكان اللازم ترتّب جميع تلك الأحكام ، لا خصوص قطع الأيدي من دون إضافة الأرجل أيضاً ، مع أنّه على تقدير كونه من مصاديقه لا مانع من ثبوت خصوصيّة للمقام مقتضية لثبوت قطع الأيدي فقط .
وممّا ذكرنا ظهر أنّ حكم القطع ينحصر بما إذا تحقّق البيع ، وأمّا إذا كان هناك مجرّدالسرقة من دون البيع، فالظاهر خروجه عن مورد الروايات، ومقتضى القاعدة فيه ثبوت التعزير فقط ، وإن حكي عن ظاهر المبسوط(2) والسرائر(3) خلافه .
الثالثة : الظاهر أنّه لا فرق في الحكم المذكور بين الذكر والأنثى ; لورود كليهما في الروايات المتقدّمة ، كما أنّ الظاهر أنّه لا فرق بين الصغير والكبير ; لثبوت الإطلاق في بعضها وورود بعضها في الكبير ، فما حكي عن الشيخ من تقييد ذلك بالصغير(4) . بل في المسالك(5) تبعه على ذلك الأكثر(6) معلّلين له بأنّ الكبير غالباً متحفّظ على نفسه لا يمكن بيعه ، يرد عليه : أنّه لا مجال لذلك مع صراحة بعض الروايات ووروده في الكبير ، خصوصاً مع ملاحظة بعضها الوارد في مورد ثبوت التباني والتوافق على البيع كما في رواية ابن طلحة ، مع أنّ عدم إمكان البيع في
(1) سورة المائدة 5: 33.
(2) المبسوط: 8 / 31.
(3) السرائر: 3 / 499.
(4) الخلاف: 5 / 426 مسألة 19، المبسوط: 8 / 31.
(5) مسالك الأفهام: 14 / 502.
(6) السرائر: 3 / 499، قواعد الأحكام: 2 / 265، المؤتلف من المختلف: 2 / 408 مسألة 19.
(الصفحة553)
مسألة 14 : لو أعار بيتاً مثلا فهتك المعير حرزه فسرق منه مالا للمستعير قطع ، ولو آجر بيتاً مثلا وسرق منه مالا للمستأجر قطع ، ولو كان الحرز مغصوباً لم يقطع بسرقة مالكه ، ولو كان ماله في حرز فهتكه وأخرج ماله لم يقطع ، وإن كان ماله مخلوطاً بمال الغاصب فأخذ بمقدار ماله أو أزيد بما دون النصاب 1.
الكبير لا يكون على نحو العموم ، فيمكن فرض ثبوت الكبر وعدم التحفّظ على نفسه ، كما لا يخفى .
1 ـ في هذه المسألة فروع :
الأوّل : ما لو أعار بيتاً مثلا ، فهتك المعير حرزه فسرق من مال المستعير ، ومقتضى القاعدة فيه ثبوت القطع ، وربّما يتوهّم أنّ جواز العارية وثبوت حقّ الرجوع فيها للمالك متى أراد يقتضي عدم ثبوت الحرز بالإضافة إليه ، فلا يتحقّق هتك الحرز ، ولكنّه مندفع بأنّ المفروض صورة كون الهتك لا بقصد الرجوع في العارية المقتضي لعدم جواز انتفاع المستعير به بعده ، بل بقصد السرقة فقط ، مع أنّ عليه حينئذ أن يمهل المستعير بقدر نقل أمتعته كما في الجواهر(1) .
وبالجملة : مجرّد الجواز وثبوت حقّ الرجوع لا يجوز هتك الحرز بقصد السرقة كما هو ظاهر .
الثاني : هذا الفرض بعينه ، غاية الأمر ثبوت الإجارة مكان العارية ، والحكم في هذا الفرض أوضح ، للزوم الإجارة وإن حكي عن بعض أهل الخلاف خلافه(2) .
(1) جواهر الكلام: 41 / 512.
(2) وهو أبو يوسف والشيباني، راجع المبسوط: 9 / 179 ـ 180، بدائع الصنائع: 6 / 21، المغني لابن قدامة: 10/256.
(الصفحة554)
الثالث : ما لو كان الحرز مغصوباً ، كما إذا غصبت الدار فسكن فيها الغاصب ، فتارة يتحقّق هتك الحرز من المالك فيدخل فيها ويسرق من أموال الغاصب بمقدار النصاب ، وأُخرى من الشخص الثالث .
أمّا الأوّل : فالظاهر عدم ثبوت القطع فيه ; لأنّه وإن تحقّقت السرقة من أموال الغاصب ، إلاّ أنّه لم يكن هتك الحرز للمالك غير مشروع ; لأنّ المفروض أنّ الدار ملكه وله التصرّف فيها كيف شاء ، ولم يكن في البين مثل الإعارة والإجارة ، بل كان استيلاء الغاصب عليها عدواناً وغير مشروع ، فلا معنى لتحقّق الحرز بالإضافة إلى المالك .
وأمّا الثاني : فالمتن يشعر بثبوت القطع فيه ، لكن حكي عن المبسوط(1)والقواعد(2) والمسالك(3) أنّ الدار المغصوبة ليست حرزاً عن غير المالك ، نظراً إلى أنّ التصرّفات الصادرة من الغاصب الموجبة لتحقّق الحرز كسدّ الباب وقفله ومثلهما كلّها غير مشروعة ، فكأنّه لم يتحقّق الحرز أصلا .
ولكنّ الظاهر أنّ الحرز معنى عرفيّ ، ومجرّد عدم مشروعيّة تصرّفات الغاصب لايوجب عدم تحقّقه ، وعدم ثبوته بالإضافة إلى المالك ليس لأجل عدم مشروعيّة تلك التصرّفات ، بل لأجل جواز الهتك للمالك ، فمقتضى القاعدة ثبوت القطع .
الرابع : ما لو كان ماله في حرز فهتكه وأخرج ماله المعيّن فقط ، فلا يكون حينئذ قطع قطعاً ; لعدم تحقّق معنى السرقة الذي هو أخذ مال الغير ، وهذا من دون فرق فيه بين أن يكون الهتك مشروعاً له ومرخّصاً فيه ، كما إذا كان طريق الوصول إلى
(1) المبسوط: 8 / 33.
(2) قواعد الأحكام: 2 / 270.
(3) مسالك الأفهام: 14 / 504.
(الصفحة555)
مسألة 15 : لو كان المسروق وقفاً يقطع لو قلنا بأنّه ملك للواقف ، كما في بعض الصور ، أو للموقوف عليه ، ولو قلنا : إنّه فكّ ملك لدرّ المنفعة على الموقوف عليه لم يقطع ، ولو سرق ما يكون مصرفه أشخاصاً كالزكاة بناءً على عدم الملك لأحد لم يقطع ، ولو سرق مالاً يكون للإمام(عليه السلام) كنصف الخمس بناءً
ماله منحصراً بالهتك ، وبين أن لا يكون كذلك ، كما في غير هذه الصورة ; لأنّ منشأ عدم القطع ليس يرجع إلى الهتك بوجه ، بل إلى عدم كون المسروق مال الغير كما هو المفروض .
ولو كان ماله في هذا الفرض مختلطاً بمال الغاصب بحيث لا يتميّز ، سواء كان الاختلاط ثابتاً من الأوّل أو متحقّقاً بيد الغاصب وفعله ، فإن أخذ مقدار ماله أو أزيد بما لا يبلغ النصاب فالظاهر عدم تحقّق القطع أيضاً ; لما عرفت من دلالة روايات سرقة الغنيمة على ذلك ، وإن كان مقتضى القاعدة مع قطع النظر عن تلك الروايات ثبوت القطع لو كان سهم الشريك في المال المشترك المأخوذ بقدر النصاب ، وإن لم يكن مجموع المالين زائداً على سهم الآخذ في مجموع المال المشترك.
ولو سرق في هذا الفرض من مال الغاصب بما يبلغ النصاب ، سواء أخذ مال نفسه أيضاً ، أم لم يأخذ ، فعن إطلاق المبسوط ثبوت القطع(1) ، ولكنّ الظاهر هو التفصيل بين ما لو كان الهتك بقصد إخراج مال نفسه وكان الطريق منحصراً به ، ثمّ بدا له بعد الدخول أن يخرج مال الغاصب فقط ، أو مع مال نفسه ، فالظاهر عدم ثبوت القطع ; لأنّ المفروض مشروعيّة الهتك في هذه الصورة ، ومعها لا يترتّب القطع ، وبين غير هذه الصورة الذي لا يكون الهتك فيه مشروعاً ، فإنّ
(1) المبسوط: 8 / 32.
(الصفحة556)
على كونه ملكاً له(عليه السلام) ، فهل يقطع بمطالبة الفقيه الجامع للشرائط أو لا؟ فيه تردّد ، وبناءً على عدم الملك وكونه(عليه السلام) وليّ الأمر لا يقطع على الأحوط 1.
مقتضى القاعدة ثبوت القطع ; لاجتماع عدم مشروعيّة الهتك وإخراج مال الغير بمقدار النصاب ، كما لا يخفى .
1 ـ أمّا في الوقف ، ففيما إذا كان ملكاً إمّا للواقف كما في الحبس على ما تقدّم في كتاب الوقف ، أو للموقوف عليه ، كما في الوقف الخاصّ أو العامّ على العناوين العامّة ، كالفقراء والعلماء ونحوهما احتمالا يتحقّق السرقة الموجبة لقطع اليد ; لتعلّقها بالمال المضاف إلى الغير بالإضافة الملكيّة .
وأمّا إذا لم يكن ملكاً لأحد ، بل كان فكّ ملك لدرّ المنفعة كما في الوقف على الجهات العامّة ، كالمساجد والمشاهد قطعاً وفي غيره احتمالا ، لا مجال للقطع ; لعدم سرقة مال الغير .
ومنه يظهر أنّه لو قلنافي مثل الزكاة بثبوت المالك لها ولو على نحو الإشاعة يترتّب على سرقتها القطع ، ولو قلنا : بأنّ الأصناف الثمانية المذكورين في مثل الآية(1) إنّما هم مصارف للزكاة من دون أن تكون ملكاً أصلا ، فلا مجال حينئذ للقطع أيضاً .
وأمّا سهم الإمام (عليه السلام) ، فعلى القول بكونه ملكاً له (عليه السلام) يرتفع إشكال القطع من هذه الجهة ، لكن حيث يكون تحقّقه إنّما هو بعد مطالبة المسروق منه ، والمفروض غيبته (عليه السلام) في زماننا وعدم إمكان الوصول إليه عادةً ، فهل الفقيه الجامع لشرائط الفتوى يقوم مقامه في هذه الجهة أم لا؟ فيه تردّد ينشأ من الجهل بشمول دائرة النيابة العامّة لمثل ذلك ، فإنّه وإن جاز للفقيه في عصر الغيبة بناءً على ذلك
(1) سورة التوبة 9: 60.
(الصفحة557)
مسألة 16 : باب الحرز وكذا ما بني على الباب والجدار من الخارج ليس محرزاً ، فلا قطع بها . نعم ، الظاهر كون الباب الداخل وراء باب الحرز محرزاً بباب الحرز ، فيقطع به ، وكذا ما على الجدار داخلا ، فإذا كسر الباب ودخل الحرز وأخرج شيئاً من أجزاء الجدار الداخل يقطع 1.
أخذه وصرفه فيما يكون مرضيّاً له (عليه السلام) قطعاً ، إلاّ أنّه لم يعلم قيامه مقامه في جواز المطالبة ليتحقّق بعدها القطع ، فتدبّر .
وأمّا على القول بعدم كونه ملكاً له (عليه السلام) ، بل الإستيلاء عليه إنّما هو من جهة كونه (عليه السلام) وليّ الأمر ، فمقتضى القاعدة حينئذ عدم القطع ، إلاّ أنّ مقتضى صحيحة محمّد بن قيس خلافه ، حيث روى عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قضى أمير المؤمنين (عليه السلام)في رجلين قد سرقا من مال الله ، أحدهما عبد مال الله ، والآخر من عرض الناس ، فقال : أمّا هذا فمن مال الله ليس عليه شيء ، مال الله أكل بعضه بعضاً . وأمّا الآخر فقدّمه وقطع يده ، ثمّ أمر أن يطعم اللحم والسمن حتّى برئت يده(1) . نظراً إلى أنّ سهم الإمام (عليه السلام) من مصاديق مال الله قطعاً ، فتدلّ على القطع في سرقته ، ولكن مقتضى الاحتياط العدم على ما هو مقتضى درء الحدود بالشّبهات ، خصوصاً مع أنّ الاستناد إلى مثل ذلك لأجل إثبات حكم على خلاف القاعدة مشكل ، فتدبّر .
1 ـ والمحكيّ عن الشيخ(قدس سره) في المبسوط(2) وتبعه بعض أخر(3) أنّه لو سرق باب الحرز أو شيئاً من الأبنية المثبتة فيه أنّه يقطع ، معلّلا بأنّه محرز بالعمارة ، ولكنّ
(1) وسائل الشيعة: 18/ 527، أبواب حدّ السرقة ب29 ح4.
(2) المبسوط: 8 / 25.
(3) السرائر: 3 / 501، قواعد الأحكام: 2 / 269.
(الصفحة558)
الظاهر بملاحظة ما عرفت من أنّ الحرز له معنى عرفيّ ويعتبر الرجوع في معناه إليه عدم كون مثل باب الحرز حرزاً ، وإن كان مثبتاً في العمارة ; لأنّه عبارة عن الشيء المعدّ لحفظ مال آخر ولا يشمل نفسه ، إلاّ أن يكون مثل الباب الداخل الذي يكون محرزاً بالباب الخارج ، وبالجملة فالظاهر عدم كون مثل الباب الخارج عند العرف محرزاً ، فلا قطع بسرقته .
ثمّ أنّه لو شكّ في ذلك ، فربّما يقال : بأنّ الشُّبهة مفهوميّة ، والتقييد منفصل ، والمرجع هو الإطلاق بعد صدق السارق عليه حقيقة ، فلا مجال حينئذ للرجوع إلى قاعدة درء الحدود بالشّبهات ، كما يستفاد من الجواهر(1) ; لأنّه لا معنى للرجوع إليها بعد شمول إطلاق دليل القطع له ، كما لا يخفى .
هذا، ولكنّ الظاهرأنّ جواز الرجوع إلى الإطلاق إنّما يبتني على أن يكون اعتبار الحرز مستنداً إلى دليل شرعي آخر ، مثل الروايات المتقدّمة في هذا الباب ، وأمّا لو قلنا: بأنّ الحرزإنّمايكون معتبراًفي حقيقة السرقة ومعناها، نظراًإلى أنّ العرف لايطلق عنوانها على إخراج المال من غير حرز ، فلا مجال للرجوع إلى الإطلاق حينئذ .
ويمكن الاستشهاد لهذا القول ببعض الروايات المتقدّمة في مسألة اعتبار الحرز مثل :
صحيحة محمّد بن مسلم المشتملة على قوله (عليه السلام) : كلّ من سرق من مسلم شيئاً قد حواه وأحرزه فهو يقع عليه اسم السارق ، وهو عند الله سارق . . .(2) .
فإنّ ظاهرها وقوع إسم السارق عليه عرفاً ، وعليه فتدلّ على أنّ الوقوع الكذائي متوقّف على كون المسروق منه قد حواه وأحرزه ، فتدبّر .
(1) جواهر الكلام: 41 / 515.
(2) وسائل الشيعة: 18/ 482، أبواب حدّ السرقة ب2 ح1.
(الصفحة559)
مسألة 17 : يقطع سارق الكفن إذا نبش القبر وسرقه ولو بعض أجزائه المندوبة بشرط بلوغه حدّ النصاب ، ولو نبش ولم يسرق الكفن لم يقطع ويعزّر ، وليس القبر حرزاً لغير الكفن ، فلو جعل مع الميّت شيء في القبر فنبش وأخرجه لم يقطع به على الأحوط ، ولو تكرّر منه النبش من غير أخذ الكفن وهرب من السلطان قيل : يقتل ، وفيه تردّد 1.
1 ـ في هذه المسألة فروع :
الأوّل : ما إذا نبش القبر وسرق الكفن ولو بعض أجزائه المندوبة ، وكان المسروق بقدر النصاب ، والمشهور فيه ثبوت القطع ، بل المحكيّ عن جماعة الإجماع عليه ، كصاحبي الغنية(1) والسرائر(2) ، والمحكيّ عن الصدوق في المقنع(3)والفقيه(4) أنّه لا يقطع النبَّاش إلاّ أن يؤخذ وقد نبش مراراً ، والظاهر أنّه ليس مراده مجرّد تكرر النبش ولو لم يكن بعده سرقة الكفن ، بل النبش والسرقة بعده ، وحمله على النباش غير السارق كما في الجواهر(5) بعيد جدّاً .
وكيف كان ، فيدلّ على القطع الذي هو المشهور صحيحة حفص بن البختري قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : حدّ النبّاش حدّ السارق(6) .
والظاهر أنّ المراد هو النبّاش السارق ; لكون النبش بنفسه لا يتعلّق به غرض
(1) غنية النزوع: 434.
(2) السرائر: 3 / 514 ـ 515.
(3) المُقنع: 447.
(4) من لا يحضره الفقيه: 4 / 67.
(5) جواهر الكلام: 41 / 515.
(6) وسائل الشيعة: 18/ 510، أبواب حدّ السرقة ب19 ح1.
(الصفحة560)
عقلائيّ نوعاً ، والغرض المترتّب عليه كذلك إنّما هو سرقة الكفن ، وإن كان قد يتحقّق لبعض الأغراض الأخر أحياناً كالزنا مع المرأة الميّتة وغيره من الأغراض .
هذا ، مضافاً إلى عدم ملائمة ثبوت حدّ السرقة في مجرّد النبش ; لعدم المناسبة بينهما ، وإلى شهادة بعض الروايات الآتية بكون المراد من النبّاش في صورة الإطلاق هو النبّاش السارق ، مع أنّ إطلاقه وشموله لغير السارق لا يقدح فيما هو الغرض في هذا الفرع من ثبوت القطع ; لأنّ المقام من المصاديق المتيقّنة كما لا يخفى ، وإن كان قادحاً في الحكم بعدم القطع في الفرع الآتي .
وموثّقة إسحاق بن عمّار ، أنّ عليّاً (عليه السلام) قطع نبّاش القبر ، فقيل له : أتقطع في الموتى؟ فقال : إنّا نقطع لأمواتنا كما نقطع لأحيائنا(1) .
وظهور ذيلها في السرقة لا ينبغي أن ينكر ، كما أنّه يستفاد منها أنّ المراد بالنبّاش هو النبّاش السارق لا مجرّد من يتحقّق منه النبش فقط .
ورواية عبدالله بن محمّد الجعفي قال : كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) وجاءه كتاب هشام ابن عبدالملك في رجل نبش امرأة فسلبها ثيابها ثمّ نكحها ، فإنّ الناس قد اختلفوا علينا ، طائفة قالوا : اقتلوه ، وطائفة قالوا : أحرقوه ، فكتب إليه أبو جعفر (عليه السلام) : إنّ حرمة الميّت كحرمة الحيّ ، تقطع يده لنبشه وسلبه الثياب ، ويقام عليه الحدّ في الزنا ، إن اُحصن رجم ، وإن لم يكن اُحصن جلد مائة(2) .
ورواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : يقطع سارق الموتى كما يقطع سارق الأحياء(3) .
(1) وسائل الشيعة: 18/ 513، أبواب حدّ السرقة ب19 ح12.
(2) وسائل الشيعة: 18/ 510، أبواب حدّ السرقة ب19 ح2.
(3) وسائل الشيعة: 18/ 511، أبواب حدّ السرقة ب19 ح4.
|