(الصفحة 41)
المعتبر حصول التغيّر ولو لم يكن ظاهراً لمانع
ثمّ لايخفى أنّ ا لحكم با لنجاسـة عند ا لتغيّر ، أعمّ من أن يكون ا لتغيّر ظاهراً أو غير ظاهر . وبعبارة اُخرى : ا لمناط هو حصول ا لتغيّر ولو لم يكن ظاهراً لمانع ، وهذا بخلاف ما إذا كان ا لمانع مانعاً عن حصول أصل ا لتغيّر ، كالأمثلـة ا لمتقدّمـة .
ونظير هذا طلوع ا لفجر ، فإنّ مقتضى ا لآيـة(1) وا لروايـة(2) : أ نّـه عبارة عن تميّز ا لخيط ا لأبيض من ا لخيط ا لأسود ، وفي ا لليا لي ا لمقمرة ا لتي يكون ضياء ا لقمر باقياً إ لى طلوع ا لفجر ، لايتحقّق ا لتميّز أصلاً ; لمنع بياض ا لقمر وضيائـه عن ا لتميّز ، لا أ نّـه متحقّق وا لبياض يمنع عن رؤيتـه ، ففي تلك ا لليا لي يتأخّر ا لصبح ا لشرعي عن ا لليا لي ا لسابقـة وا للاحقـة بمقدار عشر دقائق ، أو أزيد بيسير ، أو أنقص كذلك .
1 ـ ا لبقرة (2) : 187 . 2 ـ راجع وسائل ا لشيعـة 4 : 209 ، كتاب ا لصلاة ، أبواب ا لمواقيت ، ا لباب27 .
(الصفحة 42)
تطهير الماء الجاري المتغيّر
في كيفيّـة تطهير ا لماء ا لجاري ا لمتغيّر احتمالات أربعـة : زوال ا لتغيّر مطلقاً ، وزوا لـه مع ا لاتّصا ل ، وزوا لـه مع ا لامتزاج بما يخرج من ا لمادّة ، أو مع ا لاستهلاك أيضاً .
قد يقال : ـ كما عن ا لشهيد (قدس سره) ـ : بكفايـة زوال ا لتغيّر بأيّ وجـه اتّفق(1) وربما يوجّـه : بأنّ مقتضى صحيحـة ابن بزيع ا لمتقدّمـة(2) : أنّ ا لطهارة متفرّعـة على طيب ا لطعم وذهاب ا لريح ، وا لأمر با لنزح إنّما هو لأجل كونـه سبباً عاديّاً لزوال ا لتغيّر ، وإلاّ فليس لـه خصوصيّـة ; للعلم بأنّـه لو خرج ماء ا لبئر من غير طريق ا لنزح على وجـه يزول بـه ا لتغيّر ، تترتّب عليـه ا لطهارة .
وبا لجملـة:فا لمستفاد من ا لروايـة : أنّ تمام ا لمؤثّر في حصول ا لطهارة ، إنّما هو طيب ا لطعم وذهاب ا لريح على ما هو مقتضى ا لإطلاق ، فلو كان شيء آخر دخيلاً في ترتّب ا لحكم لوجب على ا لمتكلّم بيانـه ، وحيث لم يبيّن يستكشف عدم مدخليّـة شيء آخر ، وحينئذ فلو حصل طيب ا لطعم وذهاب ا لريح ـ ا لذي هو عبارة عن زوال ا لتغيّر ـ من غير طريق ا لنزح ، يترتّب عليـه ا لحكم با لطهارة(3) .
إشكال المحقّق الهمداني
وأورد عليـه في «ا لمصباح» بما حاصلـه : أنّ ا لتمسّك بالإطلاق لعدم مدخليّـة شيء في ترتّب ا لحكم ا لمعلّق عليـه ، إنّما هو با لنسبـة إ لى ا لقيود ا لتي لو
1 ـ ا للمعـة ا لدمشقيّـة : 23 ، ا لروضـة ا لبهيـة 1 : 252 . 2 ـ تقدّمت في ا لصفحـة 37 . 3 ـ اُنظر مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 1 : 58 ـ 59 .
(الصفحة 43)
لم يبيّنها ا لمولى لكان نقضاً لغرضـه ، وفي أمثا ل ا لمقام ممّا يكون ا لمطلق ملازماً للقيد ; بحيث لايمكن ا لانفكاك بينهما أصلاً ، فلايجوز ا لتمسّك بإطلاقـه لنفي اعتبار ا لقيد ; إذ لايترتّب على عدم ا لبيان نقض للغرض ، كما لايخفى .
وحينئذ فلايجوز ا لتمسّك بإطلاق زوال ا لتغيّر لنفي اعتبار ا لامتزاج ، مع كون زوال ا لتغيّر مسبَّباً عادة عن ا لامتزاج بعد ا لنزح .
وبعبارة اُخرى : ا لنزح مقدّمـة لتحقّق شيئين : طيب ا لطعم وذهاب ا لريح ، وحصول ا لامتزاج ، وفي ا لروايـة قد اكتفى بذكر ا لأوّل ; لكون ا لثاني ملازماً لـه عادة(1) .
ويمكن أن يوجّـه ذلك ا لقول بوجـه لايرد عليـه شيء : وهو أنّ صدر ا لروايـة قد عُلِّق ا لحكم با لنجاسـة فيـه على مجرّد ا لتغيّر ، ثمّ ذكر ما يوجب ارتفاعها ، وهو حصول طيب ا لطعم وذهاب ا لريح ، ا لذي هو عبارة اُخرى عن زوال ا لتغيّر .
فمدلولها دوران ا لطهارة وا لنجاسـة مدار ا لتغيّر وزوا لـه ، فا لمتبادر منها عند أهل ا لعرف ، هو كون ا لتغيّر علّـة تامّـة لحصول ا لنجاسـة ترتفع عند زوا لـه ، وإن كان ا لمحتمل عند ا لعقل أن يكون ا لتغيّر واسطـة في ثبوت ا لنجاسـة ، لا في عروضها حتّى يكون ا لأمر دائراً مدار وجوده وعدمـه ، وحينئذ فلايكون مجرّد زوا لـه موجباً لارتفاع ا لنجاسـة ـ ولكن ا لمتبادر عند ا لعرف من مثل هذا ا لكلام ـ ا لذي عُلِّق ا لحكم فيـه على شيء وارتفاعـه على زوا لـه ، مع احتما ل أن لايكون مجرّد زوا لـه موجباً لارتفاعـه ـ دوران ا لحكم وجوداً وعدماً مدار وجود ذلك ا لشيء وعدمـه .
1 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 1 : 59 .
(الصفحة 44)
وبا لجملـة:فمفاد صدر ا لروايـة ـ بنظر ا لعرف ـ كون ا لتغيّر علّـة تامّـة لثبوت ا لنجاسـة ، فترتفع بمجرّد زوا لها ، ولايتوقّف ارتفاعها على شيء آخر أصلاً .
وهذا بناءً على رجوع ا لتعليل ا لواقع في ذيل ا لروايـة إ لى صدرها أعني قولـه : «واسع لايفسده شيء» واضح لا إشكا ل فيـه .
وأ مّا بناءً على رجوعـه إ لى ا لقضيّـة ا لمتصيَّدة من ذيل ا لروايـة ; أعني ا لطهارة ا لمترتّبـة على طيب ا لطعم وذهاب ا لريح ، فيمكن أن يقا ل باستفادة اعتبار ا لامتزاج في حصول ا لطهارة ; لأ نّـه لو اُلقي هذا ا لكلام ا لمشتمل على هذه ا لعلّـة على ا لعرف ، يفهم منـه أنّ مجرّد كونـه ذا مادّة لايوجب ذلك ، بل حيث إنّ ا لمادّة موجبـة لجريان ا لماء منها بعد ا لنزح تدريجاً ، يصير ا لماء طاهراً ; لحصول ا لامتزاج مع ما يخرج من ا لمادّة .
ومن هنا انقدح فساد ما ذكره في «ا لمصباح» : من أ نّـه لو عاد ا لتعليل إ لى تلك ا لقضيّـة ا لمتصيَّدة من ا لفقرة ا لثانيـة ، يمكن ا لتمسّك بها لإثبات أنّ مجرّد زوال ا لتغير كاف في ارتفاع ا لنجاسـة(1) ، فتدبّر .
ترتب الإشكال على الاستدلال بصحيحة ابن بزيع
ثمّ إنّـه ربما يمكن أن يورد على ا لاستدلال با لصحيحـة ا لمتقدّمـة(2) ـ ا لواردة في حكم ماء ا لبئر ـ لبيان حكم سائر ا لمياه ا لمشتركـة معـه في كونـه ذا مادّة . وتقريبـه أن يقا ل : إنّ ا لتعليل ا لوارد فيها : إمّا أن يكون راجعاً إ لى صدر ا لروايـة ، وهو قولـه (عليه السلام) : «واسع لايُفسده شيء» ، وإمّا أن يكون راجعاً إ لى
1 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 1 : 59 . 2 ـ تقدّمت في ا لصفحـة 37 .
(الصفحة 45)
ا لقضيّـة ا لمطويّـة في ا لذيل ، وهي : حدوث ا لطهارة بعد زوال ا لتغيّر .
فعلى ا لأوّل : يكون مقتضى ا لتعليل اشتراك ما يكون لـه مادّة من ا لمياه مع ا لبئر في ا لحكم ا لمعلَّل فقط ـ وهو عدم ا لانفعا ل ـ فيمكن أن يكون ا لحكم ا لمذكور بعده مختصّاً بماء ا لبئر ; إذ ليس ذلك ا لحكم أيضاً معلّلاً حتّى يدور مدار ا لتعليل ا لذي لايكون منحصراً .
وعلى ا لثاني : لا دليل على جريان ا لحكم ا لمذكور في ا لصدر في غير ماء ا لبئر ، فلايمكن استفادة عدم انفعا ل ا لماء ا لجاري مطلقاً ـ قليلـه وكثيره ـ من هذه ا لروايـة ، كما تقدّم .
ويمكن أن يُختار كلٌّ من شقّي ا لترديد ، ويحكم با لتعدّي عن مورد ا لروايـة ، بالإضافـة إ لى ما تكون متضمّنـة لـه صدراً وذيلاً :
أ مّا بناءً على ا لأوّل : فلأ نّـه وإن كان ا لتعليل إنّما هو لخصوص ا لفقرة ا لاُولى ، إلاّ أنّ ا لأمر با لنزح حتّى يطيب ا لطعم ويذهب ا لريح ، متفرّع على ا لحكم ا لمعلّل بذلك ا لتعليل .
وبعبارة اُخرى : وجوب ا لنزح إ لى ذلك ا لمقدار ، إنّما هو من أحكام ا لماء ا لمتغيّر ا لذي لـه مادّة ، كما يدلّ على ذلك ا لتفريع ، فيجري في جميع ا لمياه ا لمتغيّرة ا لتي لها مادّة ، كما هو واضح .
وأ مّا بناءً على ا لثاني : فلأ نّـه وإن كان ا لتعليل راجعاً إ لى ترتّب ا لطهارة على زوال ا لتغيّر ، إلاّ أنّ ا لمرتكز في أذهان ا لعرف أنّ ما بـه تحصل ا لطهارة لايمكن أن يكون نجساً في نفسـه . ومن ا لمعلوم أنّ امتزاج ا لماء ا لخارج من ا لمادّة مع ا لماء ا لواقع فيـه ، إنّما يحصل تدريجاً ; بمعنى أنّ كلّ ما يخرج منـه با لنزح أو غيره يجري من ا لمادّة بمقداره ، وحينئذ فا لماء ا لخارج من ا لمادّة ـ ا لموجب لزوال ا لتغيّر وارتفاع ا لنجاسـة ـ طاهر ; لعدم إمكان أن يكون ا لنجس مطهّراً على ما هو
(الصفحة 46)
ا لمرتكز عند ا لعرف ; سواء كان قليلاً أو كثيراً ، وا لأوّل هو ا لمتعارف في أكثر ا لآبار ، فتدلّ ا لروايـة على اعتصام ا لماء ا لجاري وعدم انفعا لـه مطلقاً ; ولو كان ا لتعليل راجعاً إ لى ا لذيل كما عرفت .
بل يمكن أن يقال : بجواز ا لتعدّي عن مورد ا لروايـة ولو لم يكن فيها تعليل أصلاً ; لأنّ ا لخصوصيّـة ا لتي بها يمتاز ماء ا لبئر عن ا لماء ا لجاري ، لايمكن أن تكون مؤثّرة في ا لحكم ا لمذكور في ا لروايـة ; لأ نّها ليست إلاّ عبارة عن كون ماء ا لبئر واقعاً في قعر ا لأرض . ومن ا لمعلوم عدم مدخليّـة هذه ا لخصوصيّـة في ا لحكم أصلاً ; ضرورة أ نّـه لو فرض أنّ ماء ا لبئر نبع ; بحيث صار مساوياً لوجـه ا لأرض ، هل يشكّ أحد في ارتفاع حكمـه ا لسابق لخروجـه عن عنوان ا لبئريّـة ، وهل هو إلاّ كاحتما ل دخا لـة ا لرجوليّـة في قولـه : «رجل شكّ بين ا لثلاث وا لأربع» مثلاً ، بل ا لمقام أولى كما لايخفى .
حول اعتبار الاستهلاك في ارتفاع النجاسة
ثمّ إنّـه لو قلنا باعتبار ا لامتزاج ، كما عرفت أ نّـه ا لظاهر من ا لصحيحـة(1) ، فهل يعتبر ا لاستهلاك أم لا ؟
قد يقال : بأنّ ا لمستفاد من ا لصحيحـة عـدم اعتباره(2) ; لأنّ ارتفاع ا لنجاسـة قـد عُلّق فيها على زوال ا لتغيّر . ومـن ا لمعلوم أنّ زوال ا لتغيّر فـي ا لبئر ليس حاصلاً دفعـة ، بل ا لزوال إنّما يتحقّق بإخراج ا لماء منـه تدريجاً مـع ا لجريان
1 ـ ا لاستبصار 1 : 33 / 87 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 141 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب3 ، ا لحديث12 . 2 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 1 : 95 و 101 .
(الصفحة 47)
مـن ا لمادّة بمقداره كذلك .
وحينئذ فا لنجاسـة باقيـة مادام ا لتغيّر باقياً ، فلو فرض أنّ زوال ا لتغيّر يحصل بإخراج ماء قليل مستهلك في ا لبواقي ، كما يكون ا لأمر كذلك في ا لدفعات ا لأخيرة ، فا لمطهّر ـ حينئذ ـ يكون هو ا لمقدار ا لخارج من ا لمادّة با لمقدار ا لقليل ا لخارج من ا لبئر .
فلو كان استهلاك ا لماء ا لمتغيّر شرطاً في حصول ا لطهارة ، يلزم ا لحكم با لنجاسـة مطلقاً ; لأنّ ا لمطهّر يكون مستهلكاً في ا لبواقي دون ا لعكس ، فمفاد ا لروايـة ـ حينئذ ـ عدم اعتباره .
ولكن لايخفى أنّ هذا مبني على كون ا لمياه ا لخارجـة من ا لمادّة ا لممتزجـة با لماء ا لمتغيّر نجسـة ما دام ا لتغيّر باقياً .
وهو في محلّ ا لمنع ; لما عرفت سابقاً : من أنّ ا لمعتبر في انفعا ل ا لماء ا لذي لـه مادّة ـ أعمّ من ا لجاري وماء ا لبئر ـ أن يكون ا لتغيّر مسبَّباً عن ملاقاتـه لشيء من ا لأعيان ا لنجسـة ، ولاتكفي ا لمجاورة ولا حصول أثر ا لنجاسـة في ا لماء بواسطـة ا لمتنجّس أو غيره(1) .
وفي ا لمقام لايكون ا لأمر كذلك ; لأ نّـه لا وجـه للقول بنجاسـة ا لماء ا لخارج من ا لمادّة ، إلاّ ملاقاتـه مع ا لماء ا لمتغيّر ا لمتنجّس بواسطـة ملاقاة ا لنجس ، فا لسبب في نجاستـه هو ا لمتنجّس ، وقد عرفت أ نّـه لايكون ا لمتنجّس سبباً لنجاسـة غيره با لتغيّر(2) .
فا لمياه ا لخارجـة من ا لمادّة ا لواقعـة في موضع ا لمياه ا لخارجـة من ا لبئر ،
1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 33 . 2 ـ تقدّم في ا لصفحـة 33 .
(الصفحة 48)
لا دليل على كونها نجسـة . وحينئذ تُحتمل دخا لـة ا لاستهلاك في حصول ا لطهارة للماء ا لمتغيّر ; إذ ا لمطهِّر على هذا ا لتقدير هو جميع ا لمياه ا لخارجـة من ا لمادّة ، لا خصوص ما يزول بـه ا لتغيّر .
نعم لو تمّ ا لإجماع على أنّ ا لماء ا لواحد لـه حكم واحد ـ كما قد يُدّعى في أكثر ا لكلمات(1) ـ لكان ا لقول بعدم اعتبار ا لاستهلاك مستنداً إ لى ا لوجـه ا لمتقدّم ، لـه وجـه ، وبدونـه لا وجـه لـه أصلاً .
1 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 1 : 102 و 115 و 116 ، مستمسك ا لعروة ا لوثقى 1 : 199 .
(الصفحة 49)
ماء الحمّام
المراد بماء الحمّام
قال ا لمحقّق في «ا لشرائع» : «ويلحق بحكمـه ـ يعني ا لماء ا لجاري ـ ماء ا لحمّام إذا كان لـه مادّة»(1) .
أقول: لاريب في أنّ ا لمراد بماء ا لحمّام : هي ا لحياض ا لصغيرة ا لمعدّة للاستعما ل ، وكذا في أنّ ا لمراد بقولـه : «إذا كان لـه مادّة» هو اتّصا لـه بها ، لا مجرّد كونـه ذا مادّة .
ومستند ا للحوق ا لأخبار ا لكثيرة ا لواردة في ا لباب ، وعمدتها صحيحة داود بن سرحان ا لمتقدّمة في ا لماء ا لجاري ، قا ل : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : ما تقول في ماء ا لحمّام ؟ قا ل : «هو بمنزلـة ا لماء ا لجاري»(2) .وحينئذ فلاينفعل قليلـه وكثيره .
وا لنسبـة بين هذه ا لأدلّـة وأدلّـة انفعا ل ا لماء ا لقليل(3) ; وإن كانت عموماً من وجـه ، إلاّ أنّ ا لظاهر تقديم أدلّـة ماء ا لحمّام عليها ; لكونها حاكمـة عليها ،
1 ـ شرائع ا لإسلام 1 : 4 . 2 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 378 / 1170 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 148 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 7 ، ا لحديث 1 . 3 ـ راجع وسائل ا لشيعـة 1 : 150 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 8 .
(الصفحة 50)
خصوصاً بعد ما عرفت من أنّ ا لمتعارف في تلك ا لحياض ا لصغيرة كون مائها قليلاً غير با لغ حدّ ا لكرّ غا لباً(1) .
في اعتبار كرّيّة المادّة
ثمّ إنّـه هل يعتبر أن يكون ما في ا لمادّة كُرّاً أم لا ؟ وعلى ا لتقدير ا لثاني ، فهل يعتبر بلوغ ا لمجموع من ا لموجود في ا لحياض وما في ا لمادّة كرّاً أم لا ؟ وعلى ا لتقدير ا لأوّل ، فهل يُعتبر ذلك مطلقاً ، أو تشترط ا لكُرّيّـة في رفع ا لنجاسـة ، وأ مّا ا لدفع فيكفي مطلقاً ولو لم يكن كُرّاً ؟ وجوهٌ بل أقوال .
قد يقال باعتبار بلوغ ا لكُرّيّـة مطلقاً(2) ، وربما ينسب هذا ا لقول إ لى ا لمشهور(3) .
ويُوجّـه : بأنّ ا لإطلاق في قولـه (عليه السلام) : «هو بمنزلـة ا لماء ا لجاري»(4) وإن كان موجباً للحكم بعدم انفعا لـه واعتصامـه با لمادّة مطلقاً ـ سواء كانت ا لمادّة با لغـة حدّ ا لكُرّ أو غير با لغـة ـ إلاّ أ نّـه منزّل على ما هو ا لمتعارف ، ومن ا لمعلوم أنّ ا لماء ا لموجود في ا لمادّة في أغلب ا لحمّامات ، ربما يزيد على عشرين كُرّاً ، فضلاً عن كُرّ واحد ، كيف لا ، مع أنّ وضع ا لحمّامات ا لمتعارفـة على وجـه لو اُضيف إ لى ا لماء ا لموجود في ا لمادّة كُرّ أو أزيد ، لايؤثّر في تبريد مائها .
ومن قا ل : إنّ زيادتها على ا لكُرّ إنّما هو في أوائل ا لاستعما ل ، وأ مّا في أواخره فربما ينقص عن ا لكُرّ(5) .
1 ـ تقدّم في ا لصفحـة 25 . 2 ـ قواعد ا لأحكام 1 : 4 / ا لسطر 20 ، مسا لك ا لأفهام 1 : 13 ، مدارك ا لأحكام 1 : 34 . 3 ـ مفتاح ا لكرامـة 1 : 64 / ا لسطر 17 ، جواهر ا لكلام 1 : 95 . 4 ـ تقدّم في ا لصفحـة 49 . 5 ـ جواهر ا لكلام 1 : 97 .
(الصفحة 51)
فكأ نّـه غفل عن وضع ا لحمّامات وبنائها ، خصوصاً في ا لمدينـة وأشباهها ممّا لم تكن ا لحمّامات فيها كثيرة في ا لأزمنـة ا لسابقـة .
وربّما با لغ ا لموجّـه ; بحيث ذكر : أ نّـه لولا ا لإجماع على عدم اعتبار ما زاد على ا لكُرّ في اعتصام ماء ا لحمّام وعدم انفعا لـه وعاصميّـة ا لمادّة ، لأشكل استفادة ا لاكتفاء بها من هذه ا لأخبار(1) .
أقول يرد عليـه أوّلاً : أ نّا لانسلّم أن تكون ا لحمّامات ا لمتعارفـة ـ في ا لمدينـة وأشباهها ـ على ذلك ا لنهج ; لعدم احتياجها إ لى ا لتسخين في أغلب أوقات ا لسنـة ، بل ا لتبريد مطلوب فيها غا لباً ، وادّعاؤه إنّما نشأ من أجل كونـه متوطّناً في بلد كان ا لحمّام فيـه موصوفاً با لوصف ا لذي ذكره ، وذلك لايوجب أن تكون ا لحمّامات ا لمتعارفـة في سائر ا لبلاد على ا لنحو ا لمذكور ; لما عرفت من أنّ ا لحمّامي لايحتاج في ا لمدينـة وأشباهها إلاّ إ لى تحصيل أصل ا لماء في أغلب ا لأوقات ، والاحتياج إ لى ا لتسخين إنّما يتّفق في بعض أشهر ا لسنــة ، وحينئذ يمكن أن يكون ا لماء ا لموجود في مادّة بعض ا لحمّامات أقلّ من ا لكُرّ ، خصوصاً في أواخر ا لاستعما ل ، كما يظهر من صاحب ا لجواهر (قدس سره) (2) .
وثانياً : لو سلّمنا ذلك ـ أي كون ا لوضع في ا لحمّامات ا لمتعارفـة على ا لنحو ا لذي ذكره ـ فلا نسلّم تنزيل ا لإطلاقات عليها ، بل يستفاد من ا لصحيحـة ا لمتقدّمـة(3) ا لتعميم ; وذلك لأنّ تنزيل ماء ا لحمّام منزلـة ا لماء ا لجاري ـ دون ا لكثير ـ وتشبيهـه بـه ، إنّما هو لخصوصيّـة موجودة في ا لماء ا لجاري بها يمتاز عن سائر ا لمياه ، وإلاّ فلو كان ا لمقصود مجرّد اعتصام ماء ا لحمّام وعدم انفعا لـه ،
1 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 1 : 63 ـ 64 . 2 ـ جواهر ا لكلام 1 : 97 . 3 ـ تقدّم في ا لصفحـة 49 .
(الصفحة 52)
لم يكن وجـه لتنزيلـه منزلـة ا لجاري ا لظاهر في مشابهتـه معـه فقط ; إذ يتحقّق ذلك ا لمقصود با لتشبيـه با لكُرّ .
فا لوجـه في انتخاب ا لماء ا لجاري وجعلـه مشبَّهاً بـه ، إنّما هو خصوصيّـة منحصرة با لماء ا لجاري ، وهي : تقوّي ا لماء با لمادّة وتجدّده وخروجـه منها تدريجاً .
وحينئذ فيكون ا لمراد : أ نّـه كما أنّ ا لماء ا لجاري لـه خصوصيّـة موجبـة لعدم انفعا لـه ـ من دون فرق بين أن يكون ما في ا لمادّة كُرّاً أو أنقص ـ كذلك ماء ا لحمّام لاينفعل بمجرّد ا لملاقاة ; لكونـه معتصماً با لمادّة ا لتي يخرج منها ا لماء تدريجاً ، ويمتزج مع ا لماء ا لموجود في ا لحياض ا لصغيرة ، ويصير مانعاً عن كثافتـه .
وبا لجملـة : ا لمستفاد من ا لتنزيل أنّ ا لوجـه في عدم انفعا ل ماء ا لحمّام ، هو تجدّد مائـه وتقوّيـه بمادّتـه نظير ا لماء ا لجاري ، وهذا لا فرق فيـه بين ا لكثير وا لقليل ; إذ قد عرفت أنّ ا لوجـه في عدم ا لانفعا ل ليس كونـه كثيراً ، وإلاّ لما كان وجه لتنزيله منزلة ا لجاري ، بل ا لوجـه ما ذكرناه وهو متحقّق في كلتا ا لصورتين .
بل نقول : إنّـه لو نزّل ا لإمام (عليه السلام) ا لحمّام ا لخاصّ ـ ا لموجود في مادّتـه مائـة كُرّ أو أزيد ـ منزلـة ا لماء ا لجاري ، كان يستفاد منـه ما ذكرنا من عدم اعتبار ا لكرّيّـة في ا لمادّة ; لأنّ ا لوجـه في ذلك ا لتنزيل لايمكن أن يكون هي ا لكثرة ، بل ا لوجـه ما ذكرنا ، فلا فرق بين صورتي ا لكثرة وا لقلّـة .
ثمّ إنّـه لو تنزّلنا عن ظهور ا لصحيحـة فيما ذكرنا ، فلا أقلّ من أن يصير ذلك مانعاً عن رفع ا ليد عن ا لإطلاق ، وتنزيلـه على ما هو ا لمتعارف .
وبا لجملـة:فلا دليل لرفع ا ليد عن ا لإطلاق ، وحملـه على غير ما هو بصدده ، كما هو ظاهر .
(الصفحة 53)
حول اعتبار كرّيّة مجموع ما في الحياض والمادّة
ثمّ إنّـه بعد عدم اعتبار أن يكون ما في ا لمادّة كُرّاً ، فهل يُعتبر أن يكون ا لمجموع منـه ومن ا لحياض ، با لغاً حدّ ا لكُرّ ، أم لا ؟
مقتضى ما ذكرنا ـ ممّا يستفاد من ا لصحيحـة ـ ا لعدم أيضاً كا لماء ا لجاري ، ولكنّ ا لمشهور بين مقاربي عصرنا اعتبار ذلك في ا لرفع ، واعتبار كون ا لمادّة بنفسها كُرّاً في ا لرفع(1) ، فإن ثبت إجماع على كلا ا لأمرين أو أحدهما فهو ، وإلاّ فمقتضى ا لدليل ما ذكرنا .
وكأ نّهم زعموا ا لإجما ل في أدلّـة ماء(2) ا لحمّام ، ولأجلـه تمسّكوا بذيل أدلّـة ا لماء ا لقليل(3) ، ا لدا لّـة بإطلاقها على أنّ كلّ ماء لم يبلغ حدّ ا لكُرّ ، فهو ينجس بمجرّد ا لملاقاة ; نظراً إ لى أنّ ا لمراد با لماء ا لمأخوذ موضوعاً في هذه ا لأدلّـة ، وإن كان هو ا لماء ا لواحد ـ كما هو واضح ـ إلاّ أنّ هذا ا لموضوع متحقّق في ماء ا لحمّام ; إذ ا لماء ا لموجود فيـه بعد فرض اتّصا لـه با لمادّة يعدّ متّحداً معـه .
أو يقا ل : إنّـه لو كان ا لماء ا لمجتمع بقدر ا لكُرّ لايتأثّر بملاقاة ا لنجاسـة ، فا لماء ا لذي يجري بعض أجزائـه على ا لبعض ا لآخر بشدّة وقوّة ، فهو أولى بعدم ا لتأثّر وا لاعتصام .
ولايخفى أنّ ا لأوّل مخا لف لما هو ا لمرتكز في أذهان ا لعرف ، وإلاّ فا للازم ا لحكم بنجاسـة ما في ا لمادّة بمجرّد انفعا ل ماء ا لحمّام .
1 ـ مفتاح ا لكرامـة 1 : 64 / ا لسطر 24 . 2 ـ راجع وسائل ا لشيعـة 1 : 148 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 7 . 3 ـ راجع وسائل ا لشيعـة 1 : 150 ـ 164 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 8 و 9 .
(الصفحة 54)
وا لثاني ا لراجع إ لى دعوى ا لأولويّـة ممنوع ، وإلاّ فا للازم ا لحكم بعدم تأثّر ماء ا لحوض ـ مثلاً ـ إذا كان أقلّ من ا لكُرّ ، وفرض اتّصا لـه با لماء ا لموجود في إبريق خارجاً عنـه ، فتدبّر .
وا لتحقيق أن يقال : إنّ ا لمقام خارج عن أدلّـة ا لماء ا لقليل ـ منطوقاً ومفهوماً ـ وإلاّ فا للازم ا لحكم بانفعا ل ا لماء ا لموجود في ا لإبريق ـ مثلاً ـ بمجرّد اتّصا ل ما يخرج منـه با لنجس ; لعدم كون ا لمجموع با لغاً حدّ ا لكُرّ ، وا لوحدة ا لعرفيّـة فيـه أشدّ من ماء ا لحمّام مع مادّتـه .
وبا لجملـة : ا لانفعا ل في نظر ا لعرف إنّما هو في مقام ا لسرايـة ; بحيث لو وقع قذر في ناحيـة من ا لماء ـ مثلاً ـ استقذروه من ناحيتـه ا لاُخرى ، وفي مثل ا لمقام من موارد عدم تساوي ا لسطوح ; وكون بعض ا لماء في ا لسطح ا لأعلى وا لبعض ا لآخر في ا لسطح ا لأسفل ، لايتحقّق ا لسرايـة أصلاً ، كما أ نّـه لو خرج من ا لأسفل بشدّة ، ولاقى ا لخارج مع ا لقذر ، لايعدّ سرايـة أصلاً .
وحينئذ فلو تنجّس ا لماء ا لموجود في ا لحياض يطهر بمجرّد اتّصا لـه با لمادّة ، وإن كان ا لماء ا لموجود فيها أنقص من ا لكُرّ ; إذ لاينقص ذلك ا لماء ا لموجود في ا لمادّة عن ا لماء ا لموجود في ا لإبريق ، ولاتزيد نجاسـة ا لماء على سائر ا لنجاسات ، كما هو واضح .
فظهر عدم اعتبار ا لكُرّيّـة ـ لا في ا لمادّة ، ولا في ا لمجموع ، لا في ا لدفع ، ولا في ا لرفع ـ لو لم يثبت إجماع على ا لخلاف .
ثمّ إنّ ا لحكم في ماء ا لحمّام ـ سواء قلنا : بأنّ ا لمستفاد من أدلّتـه عدم اعتبار ا لكُرّيّـة ; لا في ا لمادّة ، ولا في ا لمجموع ، كما عرفت أ نّـه ا لأقوى ، أو اعتبارها في ا لمادّة أو في ا لمجموع ـ هل يختصّ بـه أو يعمّ غيره ؟ وا لذي يسدّ باب ا لتعميم ، هو احتما ل أن يكون ا لحكم حكماً تسهيليّاً وارداً في مقام ا لتوسعـة ; إذ ا لظاهر أنّ
(الصفحة 55)
وضع ا لحمّام في محيط صدور ا لروايات ، كان على غير ما هو ا لمتعارف في بلادنا ; لكون ا لماء في تلك ا لبلاد قليلاً في غايـة ا لقلّـة ، فيلزم من ا لحكم بالانفعا ل وعدم ا لاعتصام حرج عظيم وعسر شديد ، ومع هذا ا لاحتما ل ا لذي يمكن ادّعاء قوّتـه ، لا مجا ل لدعوى ا لتعميم ; إذ هو متفرّع على إ لغاء ا لخصوصيّـة بنظر ا لعرف ، ومعـه لاتكون ا لخصوصيّـة مُلغاة أصلاً ، وا لروايات ا لواردة في ماء ا لحمّام(1) لاتُستفاد منها علّـة طهارتـه واعتصامـه ; لكون عُمدتها هي صحيحـة داود بن سرحان ا لمتقدّمـة(2) ، وقد عرفت أنّ مفادها : أنّ ا لتنزيل إنّما هو في خصوصيّـة في ا لجاري بها يمتاز عن غيره(3) ، وأ مّا أنّ تلك ا لخصوصيّـة مناطٌ وعلّـة للحكم ا لمذكور فيها ; حتّى يتعدّى من مورده إ لى سائر ا لموارد ا لتي لم يرد فيها تنزيل ، فلا تدلّ عليـه أصلاً ، وا لاستبعادات ا لتي ذكروها لاختصاص ا لحكم بماء ا لحمّام(4) لاتقاوم هذا ا لاحتما ل ، فراجع .
1 ـ وسائل ا لشيعـة 1 : 148 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 7 . 2 ـ تقدّم في ا لصفحـة 49 . 3 ـ تقدّم في ا لصفحـة 51 . 4 ـ مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 1 : 65 .
(الصفحة 57)
الماء القليل
في انفعال الماء القليل
قد تحقّقت ا لشهرة ا لعظيمـة على انفعا ل ا لماء ا لقليل بمجرّد ا لملاقاة مع ا لنجاسـة(1) بل لم يخا لف فيـه أحد من ا لأصحاب عدا ابن أبي عقيل ـ على ما استثناه ا لبعض(2) ـ وتبعـه بعض من ا لمتأخّرين(3) .
مضافاً إ لى ا لأخبار ا لكثيرة ا لمستفيضـة(4) بل ا لمتواترة ـ على ما قيل(5) ـ ا لدالّـة على انفعا ل ما دون الكُرّ ، بل ربما قيل بأنّها تبلغ مائتين ـ على ما جمعها بعضهم(6) ـ بل حكي أ نّها تبلغ ثلاث مائـة(7) .
1 ـ راجع مفتاح ا لكرامـة 1 : 72 / ا لسطر 20 ، جواهر ا لكلام 1 : 105 . 2 ـ ا لمعتبر 1 : 48 ، مختلف ا لشيعـة 1 : 13 ، جواهر ا لكلام 1 : 105 . 3 ـ ا لوافي 6 : 18 ، مفاتيح ا لشرائع 1 : 81 ، اُنظر مفتاح ا لكرامـة 1 : 73 / ا لسطر 26 . 4 ـ راجع وسائل ا لشيعـة 1 : 150 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 8 . 5 ـ معا لم ا لدين ، قسم ا لفقـه 1 : 126 ، اُنظر مفتاح ا لكرامـة 1 : 73 / ا لسطر 22 ، جواهر ا لكلام 1 : 105 . 6 ـ رياض ا لمسائل 1 : 144 ، اُنظر مصباح ا لفقيـه ، ا لطهارة 1 : 70 . 7 ـ مفتاح ا لكرامـة 1 : 73 ، ا لهامش1 ، ا لطهارة ، ضمن تراث ا لشيخ ا لأعظم 1 : 107 .
(الصفحة 58)
حول الروايات الدالّة على عدم انفعال القليل
ومستند ا لمخا لفين بعض ا لروايات ا لواردة في موارد مختلفـة ، وا لأولى نقل هذه ا لطائفـة من ا لروايات ; ليظهر حا لها من حيث ا لدلالـة على مطلوبهم وعدمها ، ثمّ بيان أ نّـه لو تمّت دلالتها ، فهل ا لترجيح معها أو مع غيرها ؟
فنقول :
1 ـ ما رواه ا لشيخ في «ا لتهذيب» ، عن محمّد بن علي بن محبوب ، عن محمّد بن ا لحسين ، عن علي بن حديد ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قا ل : قلت لـه : راويـة من ماء سقطت فيها فأْرة أو جُرذ أو صَعْوة ميتـة ؟ قا ل : «إذا تفسّخ فيها فلاتشرب من مائها ولاتتوضّأ وصبّها ، وإن كان غير متفسّخ فاشرب منـه وتوضّأ ، واطرح ا لميتـة إذ أخرجتها طريّـة ، وكذلك ا لجرّة وحُبّ ا لماء وا لقِربـة وأشباه ذلك من أوعيـة ا لماء» . قا ل وقا ل أبو جعفر (عليه السلام) : «إذا كان ا لماء أكثر من راويـة لم ينجّسـه شيء ; تفسّخ فيـه أو لم يتفسخ ، إلاّ أن يجيء لـه ريح تغلب على ريح ا لماء»(1) .
وفيـه :ـ مضافاً إ لى ضعف ا لسند ـ أنّ مضمون هذه ا لروايـة لم يكن مفتىً بـه لأحد من ا لأصحاب ; لأ نّـه لم يعهد من أحد منهم ا لتفصيل في مثل ماء ا لراويـة بين صورة ا لتفسّخ وعدمـه ، وتفسير ا لتفسّخ با لتغيّر ا لموجب للنجاسـة ـ حتّى في ا لكُرّ وا لماء ا لجاري وأمثا لهما ـ ينافيـه ذيل ا لروايـة ا لدالّ على عدم ا لانفعا ل إذا كان أكثر من راويـة ; بلا فرق بين ا لتفسّخ وعدمـه ، ثمّ استثناء صورة ا لتغيّر ، فإنّـه
1 ـ تهذيب ا لأحكام 1 : 412 / 1298 ، الاستبصار 1 : 7 / 7 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 139 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 3 ، ا لحديث 8 .
(الصفحة 59)
لو كان ا لتفسّخ بمعنى ا لتغيّر ، لم يكن وجـه للتصريح با لتعميم ، ثمّ استثناء بعض ا لأفراد ، بل لم يكن ـ حينئذ ـ فرق بينـه وبين ماء ا لراويـة وأشباهها من حيث ا لحكم ، فلا وجـه لتفريق صور ا لمسأ لـة ، كما هو واضح .
هذا مضافاً إ لى احتما ل أن يكون ماء ا لراويـة وأشباهها بقدر ا لكُرّ أو أزيد ، كما يظهر من تفسيره في «ا لمنجد» بأ نّها ا لمزادة من ثلاثـة جلود(1) ، وا لاعتبار أيضاً يساعد عليـه بعد ملاحظـة قلّـة ا لماء في ا لحجاز ا لمقتضيـة لتوسعـة أوعيـة ا لماء .
وبا لجملـة : فا لروايـة لاتدلّ على مطلوبهم أصلاً .
2 ـ ما رواه محمّد بن يعقوب ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن ا لهيثم بـن أبي مسـروق ، عـن ا لحكيم بن مسكين ، عـن محمّد بن مـروان ، عـن أبي عبدالله (عليه السلام) : قا ل : «لو أنّ ميزابين سالا : أحدهما ميزاب بول وا لآخر ميزاب ماء ، فاختلطا ثمّ أصابك ، ما كان بـه بأس»(2) .
وفيـه :ـ مضافاً إ لى مجهوليّـة أكثر رواتـه ـ أنّ ا لظاهر أنّ ا لمراد بميزاب ا لماء هو ميزاب ماء ا لمطر ، فتخرج ا لروايـة عمّا نحن فيـه .
ويؤيّده : أ نّـه نقل ا لكليني مثل هذه ا لروايـة عن هشام بن ا لحكم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، مع إضافـة ا لماء إ لى ا لمطر(3) .
3 ـ صحيحـة علي بن جعفر ، عن أخيـه أبي ا لحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) ،
1 ـ ا لمنجد : 289 . 2 ـ ا لكافي 3 : 12 / 2 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 411 / 1296 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 144 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 5 ، ا لحديث 6 . 3 ـ ا لكافي 3 : 12 / 1 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 411 / 1295 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 145 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب6 ، ا لحديث 4 .
(الصفحة 60)
قا ل : سأ لتـه عن رجل رعف فامتخط ، فصار بعض ذلك ا لدم قِطَعاً صغاراً ، فأصاب إناءه ، هل يصلح لـه ا لوضوء منـه ؟ فقا ل :«إن لم يكن شيئاً يستبين في ا لماء فلابأس ، وإن كان شيئاً بيِّناً فلاتتوضّأ منـه » . قا ل :وسأ لتـه عن رجل رَعَفَ وهو يتوضّأ ، فتقطّر قطرة في إنائـه ، هل يصلح ا لوضوء منـه ؟ قا ل :«لا»(1) .
وفيـه :أنّ ا لظاهر من قولـه : «فأصاب إناءه» ، ا لعلم بإصابـة ا لدم ا لإناء ، لا خصوص ا لماء ا لموجود فيـه ، ويؤيّده ـ بل يدلّ عليـه ـ ذيل ا لروايـة ، ووجـه ا لسؤال عن صلاحيّـة ا لوضوء منـه احتما ل إصابتـه ا لماء ، فأجاب (عليه السلام) : «بأ نّـه لو كان ا لدم فيـه مستبيناً فلايصلح ، ولو لم يكن بيِّناً فلا بأس» .
وبا لجملـة : فليس مورد ا لروايـة صورة ا لعلم بملاقاة ا لماء للنجس ، كما هو ا لمفروض في ا لمقام .
ولو فرض كون مورده ذلك فا لروايـة دالّـة على ا لانفعا ل في صورة ا لاستبانـة ، وهو خلاف مدّعاهم ، فا لروايـة إنّما تصلح دليلاً لمثل ا لشيخ (قدس سره) ا لقائل بعدم كون ما لايدركـه ا لطرف من ا لنجس مؤثّراً في ا لانفعا ل ، بخلاف ما تدركـه ا لعين(2) ، لا للقائل باعتصام ا لماء ا لقليل مطلقاً .
4 ـ ما رواه في «ا لكافي» عن علي بن إبراهيم ، عن أبيـه ، عن عبدالله بن ا لمغيرة ، عن ابن مسكان ، قا ل : حدّثني محمّد بن ميسر ، قا ل : سأ لت أباعبدالله (عليه السلام) عن ا لرجل ا لجُنُب ينتهي إ لى ا لماء ا لقليل في ا لطريق ، ويريد أن يغتسل منـه ، وليس معـه إناء يغرف بـه ، ويداه قذرتان ؟ قا ل : «يضع يده ثمّ يتوضّأ ثمّ يغتسل ،
1 ـ ا لكافي 3 : 74 / 16 ، تهذيب ا لأحكام 1 : 412 / 1299 ، الاستبصار 1 : 23 / 57 ، وسائل ا لشيعـة 1 : 150 ، كتاب ا لطهارة ، أبواب ا لماء ا لمطلق ، ا لباب 8 ، ا لحديث 1 . 2 ـ ا لمبسوط 1 : 7 ، ا لاستبصار 1 : 23 ، ذيل ا لحديث 12 .
|