قرآن، حديث، دعا |
زندگينامه |
کتابخانه |
احكام و فتاوا |
دروس |
معرفى و اخبار دفاتر |
ديدارها و ملاقات ها |
پيامها |
فعاليتهاى فرهنگى |
کتابخانه تخصصى فقهى |
نگارخانه |
اخبار |
مناسبتها |
صفحه ويژه |
|
(الصفحة261)
أمّا تقرير النبيّ(صلى الله عليه وآله) فهو مسبوق بأمر النبي(صلى الله عليه وآله) بقسامة اليهود ، وهو صريح في مشروعية قسامتهم مع كونهم كافرين بل مشركين ، وعليه فلابدّ من توجيهه بنحو ، لأنّه لا مجال لجعل الوجه فيه هو عدم المشروعية بعد صراحة القول فيها .
ويمكن أن يكون الوجه فيه هو علم النبي(صلى الله عليه وآله) بصدور القسامة من اليهود بعد أمرهم بها ، وعليه فكان يترتّب عليها براءتهم ولزوم أداء الدية من بيت المال ، ويبقى في نفوس الأنصار الاعتراض على قبول قسامتهم ، فرأى(صلى الله عليه وآله)المصلحة في صرف النظر عن قسامتهم وأداء الدية من بيت المال ابتداءً ، وعليه فالوجه في التقرير خصوصيّة المورد لا عدم مشروعيّة القسامة ، ولو سلّمنا عدم تبين وجه التقرير لنا لكن ذلك لا يستلزم رفع اليد عن القول الصريح في المشروعية .
نعم مقتضاها مشروعية القسامة من الكافر في جانب المدّعى عليه ، وهو وإن لم يكن ملازماً للمشروعية في ناحية المدّعي ، خصوصاً بملاحظة بعض الأدلّة المذكورة مثل نفي السبيل ، إلاّ أنّ الظاهر عدم الفرق بين القسامتين من هذه الجهة عند الأصحاب (قدس سرهم) فالإنصاف أنّ الرواية دليل قويّ على المشروعية مطلقاً .
وأمّا نفي السبيل فيمكن المناقشة في الاستدلال به بعد وضوح أنّ ثبوت دعوى الكافر بسبب قسامته لا يستتبع القصاص بوجه ، لأنّ المفروض كون المدّعي كافراً وهو يستلزم كون المقتول كذلك ، لعدم إرث الكافر من المسلم ، وقد سبق أنّ من شرائط القصاص التساوي في الدين ، وأنّه لا يقتل مسلم بذمّي ، وعليه فثبوت دعوى الكافر بالقسامة في المقام لا يترتّب عليه إلاّ الدية التي هي حقّ مالي ، ومن الواضح أنّ ثبوت مال للكافر على المسلم لا يكون سبيلاً له عليه ، وإلاّ يلزم عدم جواز افتراض المسلم من الذمّي ، ويلزم أن لا يثبت القتل ولو بالبيّنة ، لأنّ مقتضاها ثبوت الدية على القاتل المسلم ، مع أنّ صريح النصّ والفتوى خلافه .
(الصفحة262)
مسألة 10 ـ لابدّ في اليمين من ذكر قيود يخرج الموضوع ومورد الحلف عن الإبهام والاحتمال ، من ذكر القاتل والمقتول ونسبهما ووصفهما بما يزيل الابهام والاحتمال ، وذكر نوع القتل من كونه عمداً أو خطأً أو شبه عمد ، وذكر الانفراد أو الشركة ونحو ذلك من القيود1.
ومنه يظهر الجواب عن الدليل المتقدّم على هذا الدليل ، خصوصاً مع ملاحظة أنّ الشاهد واليمين الابتدائية من الكافر يكفي في إثبات المال على المسلم .
وأمّا ما ورد في مشروعية القسامة فلا دلالة فيها على الحصر ، بل ولا مفهوم له إلاّ مفهوم اللّقب الذي قد حقّق في الأصول عدم ثبوت المفهوم له . نعم لا يستفاد منه المشروعية في غير المسلمين ، لكن هنا بعض ما تدلّ على المشروعية ، مثل قوله (عليه السلام) في بعض الروايات: هي (القسامة) حقّ ، ولولا ذلك لقتل الناس بعضهم بعضاً(1) . وفي البعض الآخر: وإنّما القسامة نجاة للناس(2) .
ولا منافاة بين الطائفتين حتى بالإطلاق والتقييد ، بل الطائفة الثانية متعرّضة لما لم تتعرّض له الأولى ، كما لا يخفى .
ومنه يظهر أنّه لا مجال للأخذ بالقدر المتيقّن بعد وجود الروايات المطلقة ، خصوصاً مع صراحة الرواية الواردة في قصة الأنصار في مشروعية قسامة الكفّار كما مرّ ، وعليه فالوجه هو القبول خلافاً للمتن .
1 ـ لا شبهة في أنّه لابدّ في اليمين من أن يكون منطبقة على الدعوى في جانب المدّعي ، وعلى ما أنكره في جانب المدّعى عليه ، وحيث إنّ الظاهر أنّه يعتبر في
(1) وسائل الشيعة: 19 / 116 ، كتاب القصاص ، أبواب دعوى القتل ب 9 ح8 .
(2) وسائل الشيعة: 19 / 114 ، كتاب القصاص ، أبواب دعوى القتل ب 9 ح2 .
(الصفحة263)
سماع الدّعوى أن لا تكون مطلقة مجرّدة بل مشتملة على بيان الخصوصيات ، بنحو يزيل الإبهام والاحتمال من جهة القاتل والمقتول ونوع القتل والانفراد أو الشركة وغير ذلك ، فالظاهر حينئذ كفاية اليمين على طبق الدعوى من دون اعتبار ذكر الخصوصيات في اليمين أيضاً ، إلاّ أنّه حكي عن مبسوط الشيخ أنّه تحتاج يمين المدّعي إلى تربعة أشياء ، وهي المذكورة في المتن ، ويمين المدّعى عليه إلى ستّة أشياء يقول: ما قتل فلاناً ، ولا أعان على قتله ، ولا ناله من فعله ، ولا بسبب فعله شيء ، ولا وصل بشيء إلى بدنه ، ولا أحدث شيئاً مات منه(1) .
وظاهره لزوم التعرّض في اليمين لهذه الخصوصيات وعدم الاكتفاء بالفاقدة لذكر بعضها ، وإن كان يظهر من ذيل كلامه أنّ هذا فيما إذا كانت الدعوى مطلقة وقلنا بسماعها . وقد وقع التصريح باعتبار الأمور الأربعة في يمين المدّعي في عبارة الشرائع(2) ، وحكي عن بعض كتب العلاّمة(3) وبعض متأخّري المتأخّرين(4) .
وكيف كان فالظاهر أنّه لا دليل على خصوص اليمين في قسامة القتل من هذه الجهة ، بل الظاهر أنّ حكمها حكم اليمين في سائر المقامات ، وإن اختلف معها من حيث الكمّية . نعم ورد في بعض روايات المقام التعبير بأنّ فلاناً قتل فلاناً .
كما أنّه ورد في بعضها في ناحية المدّعى عليه التعبير بأنّه «ما قتلنا ولا علمنا له قاتلاً» ، مع أنّه لم يقع التعرّض لهذه الجهة الأخيرة في شيء من الكلمات حتّى عبارة المبسوط ، فإنّ مرجع الأمور الستّة المذكورة فيه إلى عدم دخالة المدّعى عليه في
(1) المبسوط: 7 / 237 ـ 239 .
(2) شرائع الإسلام: 4 / 999 .
(3) تحرير الأحكام: 2 / 253 ، إرشاد الأذهان: 2 / 219 .
(4) كالمحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان: 14 / 198 .
(الصفحة264)
المقصد الثالث : في أحكامها
مسألة 1 ـ يثبت القصاص بالقسامة في قتل العمد ، والدية على القاتل في الخطأ شبيه العمد ، وعلى العاقلة في الخطأ المحض ، وقيل: تثبت في الخطأ المحض على القاتل لا العاقلة وهو غير مرضيّ1.
القتل بوجه . وأمّا عدم علمه بالقاتل ولو كان هو غير المدّعى عليه فليس فيها التعرّض له أصلاً .
هذا ، ومقتضى القاعدة وإن كان ما ذكرنا من كفاية الانطباق على الدعوى ، وبعد اشتمالها على الخصوصيات لا يكون ذكرها في اليمين ثانياً وثالثاً وهكذا بلازم ، إلاّ أنّ رعاية الاحتياط في الدماء من ناحية ، وظواهر الروايات الواردة في كيفية يمين المدّعي والمدّعى عليه مثل ما عرفت من ناحية أخرى تقتضي التعرّض في اليمين لتلك الخصوصيات أيضاً ، كما أنّه ينبغي التعرّض لعدم العلم بالقاتل في ناحية المدّعى عليه أيضاً .
1 ـ لا شبهة ولا خلاف عندنا نصّاً وفتوى في أنّه يترتّب على القسامة في قتل العمد ثبوت قتل العمد وترتّب القصاص عليه ، كما فيما إذا ثبت بالإقرار أو بالبيّنة . وحكي عن أبي حنيفة(1) والشافعي في الجديد(2) ثبوت الدية مغلظة في مال الجاني دون القصاص، وفي الجواهر بعد نقله: وهو اجتهاد في مقابلة النصّ النبوي وغيره(3).
ويدلّ على ما ذكرنا صريح جملة من الروايات المتقدّمة مثل صحيحة بريد بن
(1) الخلاف: 5 / 306 مسألة 2 ، المبسوط للسرخسي: 26 / 108 ، بدائع الصنائع: 6/352 .
(2) الخلاف: 5 / 306 مسألة 2 ، مغني المحتاج: 4 / 117 ، الأم: 6 / 96 ـ 97 .
(3) جواهر الكلام: 42 / 265 .
(الصفحة265)
معاوية المتقدّمة المشتملة على قوله(صلى الله عليه وآله) : لكي إذا رأى الفاجر الفاسق فرصة من عدوّه حجزه مخافة القسامة أن يقتل به فكفّ عن قتله(1) . ورواية ابن سنان المتقدّمة أيضاً المشتملة على قوله (عليه السلام) : لكي إذا رأى الفاجر عدوّه فرّ منه مخافة القصاص(2) ورواية زرارة المتقدّمة أيضاً المشتملة على قوله(صلى الله عليه وآله) : فليقسم خمسون رجلاً منكم على رجل ندفعه إليكم(3) . وغير ذلك من الروايات .
مع أنّ ظاهر الروايات الواردة في مشروعية القسامة أنّها بحكم البيّنة والإقرار في ترتّب القصاص ، وإلاّ لكان اللاّزم التصريح بالاختلاف وعدم ثبوت القصاص هنا . ولا شبهة أيضاً في ثبوت الدية على القاتل في الخطأ شبه العمد هنا ; وأمّا الخطأ المحض فالمشهور فيه ثبوت الدية على العاقلة(4) ، كما إذا ثبت بالبيّنة ، ولكنّ المحكيّ عن تحرير العلاّمة(5) وحواشي الشهيد(6) ثبوت الدية على القاتل في الخطأ أيضاً ، ولعلّ مستندهما رواية زيد بن عليّ ، عن آبائه (عليهم السلام) قال: لا تعقل العاقلة إلاّ ما قامت عليه البيّنة . قال: وأتاه رجل فاعترف عنده ، فجعله في ماله خاصّة ولم يجعل على العاقلة شيئاً(7) . ولكن الرواية مضافاً إلى ضعف السند قاصرة من حيث الدلالة ، لأنّ الظاهر بقرينة الذيل أنّ الحصر فيها إضافي في مقابل الإقرار لا حقيقي ، شامل للقسامة أيضاً ، خصوصاً مع ظهور روايات القسامة في خلافه .
(1) تقدّمت في ص219 .
(2) تقدّمت في ص223 .
(3) تقدّمت في ص221 .
(4) كشف اللثام: 2 / 464 .
(5) تحرير الأحكام: 2 / 254 .
(6) حكى عنه في مفتاح الكرامة: 11 / 79 .
(7) وسائل الشيعة: 19 / 306 ، كتاب الديات ، أبواب العاقلة ب 9 ح1 .
(الصفحة266)
مسألة 2 ـ لو ادّعى على اثنين وله على أحدهما لوث فبالنسبة إلى ذي اللّوث كان الحكم كما تقدّم من إثباته بخمسين قسامة ، وبالنسبة إلى غيره كانت الدعوى كسائر الدّعاوي ، اليمين على المدّعى عليه ولا قسامة . فلو حلف سقطت دعواه بالنسبة إليه ، وإن ردّ اليمين على المدّعي حلف ، وهذا الحلف لا يدخل في الخمسين ، بل لابدّ في اللوث من خمسين غير هذا الحلف على الأقوى1.
مسألة 3 ـ لو أراد قتل ذي اللّوث بعد الثبوت عليه بالقسامة يردّ عليه نصف
1 ـ مورد هذه المسألة ما إذا ادّعى القتل على اثنين بنحو الشركة ، وكان اللّوث متحقّقاً بالإضافة إلى أحدهما فقط ، وعليه فالحكم فيها هو ما في المتن من ملاحظة اللّوث وعدمه ، فبالنسبة إلى ذي اللّوث يتوقّف إثبات دعوى القتل على القسامة ، ويترتّب عليها شركة المدّعى عليه في القتل ، وأمّا بالنسبة إلى غير ذي اللّوث فلا مجال للقسامة ; لعدم وجود شرطها الذي هو اللّوث كما عرفت . وعليه فتجري الضابطة الجارية في سائر الموارد ، وهي أنّه مع عدم البيّنة للمدّعي تصل النوبة إلى يمين المدّعى عليه ، فإذا حلف سقطت دعواه بالإضافة إليه ، وإن ردّ اليمين على المدّعي حلف وتثبت دعواه على الآخر أيضاً ، وهي شركته في القتل .
والظاهر أنّ هذا الحلف لا يرتبط بالقسامة ولا يدخل في الخمسين ; لأنّه مضافاً إلى مغايرة طرفه مع طرفها يكون مقتضاهما مختلفاً ، فإنّ القسامة إنّما تثبت شركة ذي اللّوث في القتل ، ولا تثبت بها شركة غيره بوجه . وعليه فلابدّ في إثباتها من حلف مربوط به ، ولا يبتني الدخول وعدمه على القولين فيما إذا تعدّد المدّعى عليه ، وكان لوث بالإضافة إلى الجميع ، فإنّ المفروض في المقام عدم اللّوث بالإضافة إلى الثاني ، وكون اليمين هي اليمين المردودة ، ولا ربط له بتلك المسألة .
(الصفحة267)
ديته ، وكذا لو ثبت على الآخر باليمين المردودة وأراد قتله يردّ عليه نصف الدية1.
مسألة 4 ـ لو كان لوث وبعض الأولياء غائب ورفع الحاضر الدّعوى إلى الحاكم تسمع دعواه ويطالبه خمسين قسامة ، ومع الفقد يحلفه خمسين يميناً في العمد ، وفي غيره نصفها حسب ما عرفت ، ويثبت حقّه ولم يجب انتظار سائر الأولياء ، وله الاستيفاء ولو قوداً ، ثم لو حضر الغائب وأراد استيفاء حقّه قالوا: حلف بقدر نصيبه ، فإذا كان واحداً ففي العمد خمس وعشرون ، وإن كان اثنين فلكلّ ثلث وهكذا ، وفي الكسور يجبر بواحدة ، ويحتمل ثبوت حقّ الغائب بقسامة الحاضر أو يمينه . ويحتمل التفصيل بين قسامة الحاضر ، فيقال بثبوت حقّ الغائب بها ويمينه خمسين يميناً مع فقد القسامة . فيقال بعدم ثبوته بها . ويحتمل ثبوت حقّ الغائب بضمّ يمين واحدة إلى عدد القسامة ومع فقدها ويمين الحاضر ضمّ حصّته من الأيمان . ويحتمل عدم ثبوت دعوى الغائب إلاّ بخمسين
1 ـ الظاهر أنّ المفروض في هذه المسألة ما إذا أثبت المدّعي دعواه بالإضافة إلى واحد منهما فقط ، أمّا الأوّل من طريق القسامة ، وأمّا الثاني من طريق اليمين المردودة ، فإنّه حينئذ إذا أراد القتل لابدّ له أن يردّ نصف الدية من نفسه ، لعدم التمكّن من إثبات دعواه على غيره ، والمفروض أنّ ما أثبته كان هو القتل لا بنحو الانفراد بل بنحو الشركة ، فمع الاعتراف بالشركة بنحو التنصيف لابدّ له من ردّ نصف الدية من نفسه . وأمّا لو فرض ثبوت الدّعوى على كليهما وأراد قتل أحدهما فاللاّزم أن يردّ الآخر النصف لاوليّ المقتول ، كما في موارد ثبوت الشركة في القتل بالإقرار أو بالبيّنة ، كما لا يخفى .
(الصفحة268)
قسامة ومع فقدها يحلف خمسين يميناً كالحاضر ، ولو كان الغائب أزيد منواحد وادّعى الجميع كفاهم خمسون قسامة أو خمسون يميناً من جميعهم . أقوى الاحتمالات الأخير ، سيّما إذا ثبت حقّه بخمسين يميناً منه . ويأتي الاحتمالات مع قصور بعض الأولياء1.
1 ـ يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين:
الأوّل: في جواز رفع الوليّ الحاضر الدّعوى إلى الحاكم وما يترتّب عليه ، والوجه في الجواز إطلاق الأدلّة الدالّ على عدم مانعية غيبة بعض الأولياء عن رفع الحاضر الذي هو لأجل إثبات حقّه واستيفائه ، خصوصاً مع أنّه ربّما يحتمل عدم عود الغائب ، وعدم تبدّل غيبته إلى الحضور ، أو عدم كونه مدّعياً بعد الحضور ، فمجرّد الغيبة لا يتّصف بالمانعية ، وعليه فيجوز للحاضر رفع دعواه ، وتكون هذه الدعوى مسموعة عند الحاكم .
غاية الأمر حيث قام الدليل على أنّه إذا لم يكن لمدّعي القتل بيّنة ولم يكن هناك إقرار من القاتل فالطريق منحصر في القسامة ، فاللاّزم في إثبات دعواه في المقام إقامة خمسين قسامة ، أو خمسين يميناً في العمد ، ونصفه في غيره ، وإن كان على تقدير حضور الغائب يكون سهمه من اليمين هو النصف ، إلاّ أنّه بالغيبة لا يتغيّر الحكم ولا يوجب ثبوت القتل بالنصف ، فاللاّزم خمسون يميناً حتّى يثبت حقّه ، ومع الإثبات يجوز له الاستيفاء من دون انتظار ، ولو كان بنحو الاقتصاص ، لما سيأتي في مسائل كيفيّة استيفاء القصاص من جواز التصدّي له من بعض الأولياء .
الثاني: في أنّه إذا حضر الغائب وأراد استيفاء حقّه فبأيّ طريق يمكن له إثبات حقّه ، والمذكور في كلماتهم بنحو يوجب شبهة تحقّق الإجماع ـ كما في
(الصفحة269)
الجواهر(1) ، حيث أرسل من تعرّض له من الشيخ(2) والفاضلين(3) والشهيدين(4)وغيرهم من الشارحين(5) له إرسال المسلّمات ـ هو أنّه يحلف الغائب بقدر نصيبه ، فإذا كان واحداً يحلف خمساً وعشرين في العمد ، وإن كان اثنين يحلف كلّ واحد منهما سبع عشرة لعدم تكسّر اليمين ، والوجه في هذا أنّ الغائب لو كان حاضراً عند رفع الحاضر لم يجب عليه أزيد من هذا ، بل كان اللاّزم عليه الحلف بقدر نصيبه ، فإذا حضر بعد الغيبة لا يتغيّر الحكم .
وتجري المناقشة في هذا الوجه لأنّه على تقدير الحضور ربّما لا يكون الحلف عليه لازماً ، لوجود خمسين رجلاً يحلفون ، كما أنّه على هذا التقدير ربّما لا يكون الحلف بقدر النصيب بلازم ، لامكان حلف الحاضر أزيد ، وقد مرّ جوازه .
وفي المتن بعد نقل هذا الحكم منسوباً إلى الأصحاب احتمل فيه احتمالات أُخر:
أحدها: أنّه كما ثبت حقّ الحاضر بخمسين رجلاً أو يميناً كذلك ثبت حقّ الغائب بها ، ولا يحتاج إثبات دعواه إلى دليل آخر ، لأنّ المفروض عدم كون دعواه مغايرة مع دعوى الحاضر ، والمفروض أنّه قد أثبت دعواه ، فيبقى للغائب مجرّد الاستيفاء ، ولا حاجة إلى الإثبات ثانياً .
ثانيها: أنّه إذا أثبت الحاضر حقّه بخمسين رجلاً فبذلك يثبت حق الغائب
(1) جواهر الكلام: 42 / 269 .
(2) المبسوط: 7 / 233 ـ 234 .
(3) شرائع الإسلام: 4 / 1000 ، قواعد الأحكام: 2 / 298 ، إرشاد الأذهان: 2 / 220 .
(4) مسالك الأفهام: 15 / 215 ـ 216 ، وامّا الشهيد الأوّل فحكاه عن كتابه «الروض» السيد العاملي في مفتاح الكرامة: 11 / 80 .
(5) كشف اللثام: 2 / 464 .
(الصفحة270)
أيضاً ، نظراً إلى أنّ قسامة خمسين بمنزلة البيّنة التي يكفي لإثبات الحقّ مطلقاً ، ضرورة أنّه لو كان الحاضر أثبت حقّه بالبيّنة لكان ذلك كافياً في إثبات حقّ الغائب أيضاً ، فقسامة خمسين بمنزلة البيّنة في ذلك ، وهذا بخلاف خمسين يميناً التي يحلفه الحاضر ، فإنّه لا دليل على أزيد من إثبات حقّه بها ، وأمّا ثبوت حقّ الغائب أيضاً فلا يستفاد من الأدلّة ، بل لابدّ للغائب من إقامة الدليل ، والظاهر في هذا الاحتمال أيضاً أنّ دليله هو الحلف بقدر نصيبه .
ثالثها: هو الاحتمال الثاني مع الفرق في أنّه يلزم بعد تحقّق قسامة خمسين رجلاً في إثبات دعوى الحاضر يمين واحدة من الغائب إذا حضر ، والوجه فيه لزوم كون المدّعي من جملة الخمسين ، فكما أنّه كان الحاضر أحدهم يلزم أن يحلف الغائب بعد حضوره ليكون أحدهم أيضاً .
رابعها: ما قوّاه في المتن وهو أنّه يحتاج الغائب في إثبات دعواه إلى قسامة خمسين رجلاً أو خمسين يميناً ثانياً كالحاضر ، نعم لو كان الغائب أزيد من واحد كفى الجميع ذلك ، كما إذا كانوا حاضرين . والوجه فيه إطلاق أدلّة القسامة الدالّ على أنّ مدّعي القتل يحتاج في إثبات دعواه ـ مع عدم البيّنة والإقرار ـ إلى القسامة ، ومن الواضح أن الغائب مدّع للقتل ، والمفروض تمامية دعوى الحاضر وفصل الخصومة بالإضافة إليه ، وهذه دعوى جديدة .
نعم لو كان الغائب حاضراً لا يحتاج إلى تعدّد القسامة ، لأنّ الخصومة واحدة . وقد عرفت أنّ ظاهر أدلّة القسامة عدم كون تعدّد المدّعي موجباً لتعدّدها ، لكن هذا مع حضورهم . وأمّا مع الافتراق فالظاهر التعدّد ، كما إذا كانوا جميعاً حاضرين . ولكن صدر الادعاء من واحد منهم لعدم ثبوت القاتل عند غيره ، فبعد إثبات المدّعي دعواه بالقسامة وتمامية الخصومة ، إذا صدر الادعاء من غيره أيضاً
(الصفحة271)
يحتاج إلى قسامة جديدة، لأنّه دعوى جديدة وهو مدّع جديد ، واللاّزم عليه ذلك.
وهذا الاحتمال مضافاً إلى أنّه أقوى ، سيّما إذا أثبت الحاضر حقّه بخمسين يميناً من نفسه دون خمسين رجلاً ، الذي يحتمل فيه كونه كالبيّنة المثبتة للدّعوى مطلقاً موافق للاحتياط أيضاً، خصوصاً بعدكون القسامة على خلاف القاعدة ، كما عرفت.
ثمّ إنّه إذا استوفى الحاضر حقّه بالدية فتارة يريد الغائب بعد حضوره وإثبات حقّه بنحو عرفت استيفاء حقّه بالدية أيضاً ، وأُخرى يريد استيفاءه بالقصاص ، ففي الصورة الأولى يأخذ نصف الدّية مثل الحاضر ، ولا إشكال حينئذ ، وفي الصورة الثانية يجوز له الاقتصاص ، غاية الأمر بعد أداء نصف الدية ، لأنّ المفروض أنّه قد أدّى المقتصّ منه نصف الدية إلى الحاضر أوّلاً ، فاللاّزم الأخذ من الغائب الذي ليس له من الحقّ إلاّ النصف .
وأمّا إذا استوفى الحاضر حقّه بالقصاص ـ ولازمه أداء نصف الدية إلى المقتصّ منه أو ورثته ، لعدم جواز الاقتصاص بعد كون حقّه بمقدار النصف إلاّ بعد الأداء المذكور ـ فتارة يريد الغائب الاستيفاء بالدية وأُخرى بالقصاص ، ففي الصورة الأُولى يأخذ نصف الدية من الورثة ، وفي الصورة الثانية وإن كان لا يترتّب على إثبات دعواه بالقسامة من جهة القصاص شيء ، لأنّ المفروض تحقّقه ، ولأجله ربّما يحتمل عدم القسامة عليه للورثة ، إلاّ أنّه حيث يترتّب على دعواه لزوم دفع الورثة النصف الذي أخذ من الحاضر إليه ، لأنّه لا يقع في مقابل النفس أزيد من نفس واحدة ، فإلزامه بذلك يتوقّف على إثبات دعواه بالقسامة ، وفي الحقيقة لا تكون مطالبة القسامة حينئذ بنفع الورثة بل بضررهم ، لأنّه مع عدم المطالبة يكون نصف الدية بأيديهم ، بل تكون القسامة مؤثِّرة في حصول نفع إلى الوليّ الحاضر ، ولأجله يمكن أن يقال بعدم سماع دعوى الغائب في هذه الصورة ، لأنّه بعد إرادة القصاص
(الصفحة272)
مسألة 5 ـ لو كذّب أحد الوليّين صاحبه لم يقدح في اللوث فيما إذا كانت أمارات على القتل ، نعم لايبعد القدح إذا كان اللّوث بشاهد واحد مثلاً ، والمقامات مختلفة1.
لا نفع في هذه الدعوى بالإضافة إليه أصلاً .
ثمّ إنّه ذكر في ذيل المتن أنّه يجري الاحتمالات مع قصور بعض الأولياء ، ومراده من القاصر الصبي والمجنون ، ومراده أنّه لو كان أحد الوليّين صبيّاً أو مجنوناً يجري فيه حكم الولي الغائب ، فيأتي فيه جميع الاحتمالات المذكورة فيه . ولكن اللاّزم تقييده بما إذا لم يدّع الوليّ عنهما مع المدّعين ، وإلاّ فيجري فيه حكم تعدّد المدّعي الذي قد عرفت عدم تعدّد القسامة فيه ، بخلاف تعدّد المدّعى عليه .
1 ـ قد وقع عنوان المسألة بهذه الكيفية في المتن تبعاً للشرائع(1) ومحكي الخلاف(2) والمبسوط(3) والقواعد(4) وبعض آخر(5) ، ولكنّ الظاهر أنّه بهذه الكيفية لا يرتبط بالفقيه ، إذ ليس من شأنه بيان موارد وجود اللّوث وموارد عدمه بعد بيان مفهومه ومعناه ، وأنّه هي الأمارة المفيدة للظنّ الشخصي للحاكم بصدق المدعي ، لأنّه لا مجال لأن يتعرّض الفقه في أيّ مورد يتحقّق الظن الشخصي ، وفي أيّ مورد لا يتحقّق ، بعد ملاحظة اختلاف المقامات واختلاف الأشخاص واختلاف الأمارات .
(1) شرائع الإسلام: 4 / 1000 .
(2) الخلاف: 5 / 315 مسألة 15 .
(3) المبسوط: 7 / 233 .
(4) قواعد الأحكام: 2 / 296 .
(5) إيضاح الفوائد: 4 / 612 ـ 613 ، مسالك الأفهام: 15 / 217 .
(الصفحة273)
ويرد على المتن ـ مضافاً إلى ذلك ـ نفي البعد عن القدح مع كون اللّوث بشاهد واحد ، ولعلّ نظره إلى تعارض شهادته مع تكذيب الوليّ الآخر . والوجه في الإيراد أنّه ربّما يكون الولي الآخر متّهماً بالخطأ أو السهو أو العداوة أو الغرض ، ولا يقدح تكذيبه في حصول الظنّ من الشاهد الواحد بعد فرض عدالته ، كما لايخفى .
والذي ينبغي أن يقع محلاًّ للبحث في هذه المسألة ، أنّه كما أنّ مشروعية القسامة مشروطة بوجود اللّوث ، فهل تكون في صورة وجود وليّين مثلاً مشروطة بعدم تكذيب الوليّ الآخر أم لا تكون مشروطة به بوجه ؟ وربّما يقال بالاشتراط نظراً إلى الاقتصار على القدر المتيقّن بعد كون القسامة مخالفة للقاعدة من جهات .
ولكن يدفعه أنّ لازم الاشتراط المذكور عدم صحّة القسامة إذا كان بعض الورثة غائباً أو صغيراً حتّى يحضر أو يبلغ ، فلا يكذب خصوصاً مع عدم كون سائر الدعاوي ساقطة بتكذيب أحد الوارثين حق الآخر ، فلو ادّعى أحد الوارثين ديناً للمورِّث وأقام عليه شاهداً واحداً مع يمينه; لا يمنع تكذيب الآخر من صحّة يمينه وثبوت حقّه بوجه .
ثمّ إنّه قد تعرّض صاحب الجواهر (قدس سره) في ذيل هذه المسألة لفروع لا بأس بالتعرّض لاثنين مهمّين منها:
الأوّل: لو قال أحدهما : قتل أبانا زيد ، وقال الآخر : بل عمرو ، ففي الجواهر أقسم كلّ واحد على من عيّنه بعد ثبوت اللّوث ولو بالبيّنة على أنّ القاتل أحدهما وأخذ نصف الدية(1) ومبنى هذا عدم بطلان القسامة بالتكاذب والتعارض .
(1) جواهر الكلام: 42 / 271 .
(الصفحة274)
ويرد عليه منع هذا المبنى ، فإنّ الظاهر ـ بعد عدم إمكان الجمع بين القسامتين لاقتضاء كلّ واحدة منهما كون القاتل غير الذي يدّعيه الآخر ، والمفروض توافقهما على عدم الشركة وصدور القتل بنحو الانفراد ـ تساقطهما وعدم صلاحية شيء منهما لإثبات الدعوى ، وهذا من دون فرق بين أن يكون اعتبارها لأجل الأمارية والكاشفية كما لا يبعد ، وبين أن يكون لا لأجل ذلك ، ضرورة أنّ اعتبارها إنّما هو مع عدم العلم بالخلاف ، وهو غير متحقّق في المقام ، فتدبّر .
هذا ، مع أنّ تحقّق اللّوث في مثل المقام ممنوع ، ومجرّد قيام البيّنة على أنّ القاتل أحدهما إنّما يوجب الظنّ بكون أحدهما القاتل في مقابل غيرهما ، وأمّا كون كلّ واحد قاتلاً فلا ظنّ بالإضافة إليه بل لا يعقل ; لأنّ الظنّ بالمتخالفين غير ممكن ، فلا يوجب مشروعية القسامة المشروطة بوجود اللّوث بالنسبة إلى كلّ واحد منهما ، كما لا يخفى .
الثاني: لو قال أحدهما: قتله هذا وحده ، وقال الثاني: بل هذا مع آخر . ففي الجواهر: «فعلى المختار من عدم الإبطال حلف الأوّل على الذي عيّنه واستحق نصف الدية ، وحلف الثاني عليهما واستحق النصف على كلّ واحد الربع ، نعم بناء على الإبطال بالتكاذب يحتمل أن يقال: إنّه حصل في النصف فلا يستحقّانه بالقسامة ، فيحلف الأوّل على الذي عيّنه ويأخذ الربع ، ويحلف الآخر عليه ويأخذ الربع ، ولا يحلف على الآخر لتكذيب الأخ له في شركته»(1) .
أقول: الظاهر أنّه بناء على الإبطال بالتكاذب كما هو الظاهر على ما عرفت ،
(1) جواهر الكلام: 42 / 271 ـ 272 .
(الصفحة275)
مسألة 6 ـ لو مات الوليّ قبل إقامة القسامة أو قبل حلفه قام وارثه مقامه في الدعوى ، فعليه إذا أراد إثبات حقّه القسامة ، ومع فقدها خمسون أو خمس وعشرون يميناً ، وإن مات الولي في أثناء الأيمان فالظاهر لزوم استئناف الأيمان ، ولو مات بعد كمال العدد ثبت للوارث حقّه من غير يمين1.
يكون مقتضاه التساقط مطلقاً وعدم ثبوت شيء من الدعويين بوجه ، كما في الفرع المتقدّم ، وأمّا احتمال حصول التكاذب في النصف وجواز رجوع كلّ منهما إلى الذي عيّنه الأوّل بالربع فيدفعه ـ مضافاً إلى كونه مخالفاً للظاهر ـ أنّ لازمه ليس جواز الرجوع المزبور ، بل يمكن القول بثبوت القصاص حينئذ لتوافقهما على كون زيد مثلاً قاتلاً وعدم ثبوت دعوى الانفراد ، وكذا دعوى الاشتراك لا يمنع من ثبوت القصاص لجوازه على كلا التقديرين ، غاية الأمر عدم توقّفه على الردّ بناء على الانفراد وتوقّفه عليه على الاشتراك .
1 ـ في هذه المسألة فروض ثلاثة:
الأوّل:ما إذا مات الولي قبل إقامة القسامة أو قبل حلفه ، ولا شبهة في أنّه يقوم وارثه مقامه في الدعوى وإقامة القسامة أو الحلف ، وفي الحقيقة ما ينتقل في هذا الفرض بالموت إلى الوارث إنّما هو حقّ الدعوى وصلاحية دعواه للسماع ، بعد أن لم تكن كذلك في حياة المورّث ، وبعد ذلك يحتاج بمقتضى أدلّة القسامة إثبات دعواه إليها أو إلى الحلف ، ضرورة أنّه لا مجال للثبوت بدونها .
الثاني:ما إذا مات الولي في أثناء الأيمان ، وفي المتن الظاهر لزوم استئناف الأيمان ، والمحكي عن الشيخ (قدس سره)(1) التعليل له بأنّه لو أتمّ لأثبت حقّه بيمين غيره ،
(1) المبسوط : 7 / 234 .
(الصفحة276)
وبأنّ الخمسين كيمين واحدة ، ولو مات في أثنائها لزم الوارث استئنافها .
ويرد على الأوّل أنّ إثبات الحقّ بيمين الغير من خصوصيات القسامة ، فلا يكون ذلك من التوالي الفاسدة ، وتنزيل الخمسين منزلة يمين واحدة لا دليل على إطلاقه ، بل غايته التنزيل في إثبات الدعوى به وتوقف ثبوتها عليه ، وأمّا كونها مثلها في جميع الآثار والخواص فلم يقم دليل عليه .
والتحقيق أنّ الدّليل على هذا القول ـ مضافاً إلى أنّ كون القسامة على خلاف القاعدة يقتضي الاقتصار على القدر المتيقّن وهو الاستئناف في المقام ـ أنّ مقتضى إطلاق أدلّة القسامة أنّ دعوى القتل تحتاج في إثباتها إلى القسامة ، ومن الواضح أنّ دعوى الوارث بعد الولي دعوى جديدة ، وهو مدّع جديد يفتقر إثباتها إلى القسامة بعد طرح الدعوى وسماعها .
والدليل على كونه مدّعياً جديداً أنّه لم يكن له مجال مع وجود الولي ، مع أنّه يمكن أن لا يكون له ادّعاء بعده ، وعليه فلا وجه لإتمام القسامة ولا لإقامتها ، فاحتياج ذلك إلى دعواه يكشف عن كونها دعوى جديدة . ومن الظاهر توقّف إثباتها على القسامة بعدها ، مع أنّك عرفت في المسألة الرابعة أنّ حضور الولي الغائب بعد إقامة القسامة من الولي الحاضر يوجب توقّف إثبات دعواه أيضاً على قسامة جديدة ، كما قوّيناه ، ففي المقام الذي لا يكون الوارث في عرض الولي بل في طوله يكون التوقّف المذكور أوضح بل أولى ، فتدبّر .
الثالث:ما إذا مات الولي بعد تمامية الأيمان ، ولا إشكال حينئذ في أنّه لا يجب على الوارث إقامة القسامة أو الحلف ، لأنّ ما ينتقل إلى الوارث حينئذ ليس هو طرح الدعوى ، لأنّ المفروض إثباتها من ناحية الولي ، بل هو حق الاقتصاص من القاتل أو أخذ الدية منه ، كما لا يخفى .
(الصفحة277)
مسألة 7 ـ لو حلف المدّعي مع اللّوث واستوفى الدية ثم شهد اثنان أنّه كان غائباً غيبة لا يقدر معها على القتل أو محبوساً كذلك ، فهل تبطل القسامة بذلك واستعيدت الدية أم لا مجال للبيّنة بعد فصل الخصومة باليمين؟ فيه تردّد ، والأرجح الثاني ، نعم لو علم بذلك وجداناً بطلت القسامة واستعيدت الدية . ولو اقتصّ بالقسامة أو الحلف أخذت منه الدية لو لم يعترف بتعمّد الكذب ، وإلاّ اقتصّ منه1.
1 ـ الظاهر كما في المتن أنّه بعد تمامية فصل الخصومة بالقسامة ، واستيفاء المدّعي الدية لا يبقى مجال لطرحها ثانياً ، وإقامة البيّنة من طرف القاتل على كونه مسافراً حال القتل سفراً لا يجتمع مع القتل بوجه ، أو مريضاً كذلك أو محبوساً كذلك ، كما في سائر الدعاوي ، فإنّه بعد الحكم على طبق يمين المنكر فيها وفصل الخصومة بها لا مجال للمدّعي لإقامة البيّنة على دعواه ، ولكن في الشرائع(1)ومحكيّ القواعد(2) وغيرهما(3) بطلان القسامة بذلك ولزوم ردّ الدية إلى القاتل ، ولم يعرف له وجه يعتمد عليه .
نعم في المسالك: لو قال الشهود لم يقتله هذا واقتصروا عليه لم تقبل شهادتهم(4)ولعلّ وجهه عدم حجّية الشهادة على النفي; لعدم كونه قابلاً للمشاهدة أولاً ، وعدم إحرازه نوعاً ثانياً ، لافتقاره إلى مراقبة تامّة ومعاشرة كاملة ، كما لايخفى .
وكيف كان فالظاهر عدم بطلان القسامة بالبيّنة بعدها ، نعم لو تحقّق العلم
(1) شرائع الإسلام: 4 / 1000 .
(2) قواعد الأحكام: 2 / 296 .
(3) المبسوط : 7 / 242 ، إرشاد الأذهان: 2 / 218 ، مجمع الفائدة والبرهان: 14 / 190 ، كشف اللثام: 2/461 .
(4) مسالك الأفهام: 15 / 220 .
(الصفحة278)
مسألة 8 ـ لو استوفى حقّه بالقسامة ، فقال آخر : أنا قتلته منفرداً ، فإن كان المدّعي حلف وحده أو مع القسامة فليس له الرجوع إلى المقرّ إلاّ إذا كذّب نفسه وصدّق المقِّر ، وحينئذ ليس له العمل بمقتضى القسامة ولابدّ من ردّ ما استوفاه ، وإن لم يحلف وقلنا بعدم لزوم حلفه وكفى حلف قومه ، فإذا ادّعى جزماً فكذلك ليس له الرجوع إلى المقرّ إلاّ مع تكذيب نفسه ، وإن ادّعى ظنّاً وقلنا بسماع دعواه كذلك جاز له الرجوع إلى المقِرّ وجاز العمل بمقتضى القسامة ، والظاهر ثبوت الخيار لو لم يكذّب نفسه ورجع عن جزمه إلى الترديد أو الظنّ1.
الوجداني على خلافها يكشف ذلك عن بطلان حكم الحاكم ، وعليه فاللاّزم ردّ الدية إلى من أخذها منه ، هذا فيما لو استوفى الدية . ومثله ما لو استوفى حقّه بالاقتصاص فلا تبطل القسامة بالبيّنة وتبطل بالعلم الوجداني بالخلاف ، واللاّزم حينئذ أخذ الدية من المقتصّ وأداؤها إلى ورثة المقتصّ منه لو لم يعترف بتعمّد الكذب وإلاّ يقتصّ من المقتصّ ، كما لا يخفى .
وممّا ذكرنا تظهر المسامحة في المتن في بيان حكم الاستيفاء بالقصاص ، فتدبّر .
1 ـ المحكيّ عن الشيخ في الخلاف فيما لو استوفى حقّه بالقسامة فقال آخر: أنا قتلته منفرداً ، أنّ الولي بالخيار(1) . والظاهر أنّ مراده من الخيار هو خيار الولي بين البقاء على مقتضى القسامة وبين الرجوع إلى المقِرّ واستيفاء الحقّ منه ، ولكنّه في محكي المبسوط(2) استكشل في ذلك بأنّه ليس له ذلك لأنّه لا يقسم إلاّ مع العلم فهو مكذِّب للمقِرّ ، ومرجعه إلى أنّه مع تكذيبه للمقِرّ كيف يجوز له الرجوع إليه .
(1) الخلاف: 5 / 315 ، مسألة 16 .
(2) المبسوط: 7 / 242 .
(الصفحة279)
مسألة 9 ـ لو اتّهم رجل بالقتل والتمس الولي من الحاكم حبسه حتّى يحضر البيّنة ، فالظاهر جواز إجابته إلاّ إذا كان الرجل ممّن يوثق بعدم فراره ، ولو أخّر
ولذاحكي عن كاشف اللثام(1) أنّ المراد من الخيار هو التخيير بين أن يصدِّقه ويكذِّب نفسه ، وبين أن يكذِّبه ويثبت على ما كان عليه .
والتحقيق ـ بعد ظهور كون المراد من الخيار هو التخيير بين البقاء على مقتضى القسامة وبين الرجوع إلى المقِرّ ـ هو التفصيل في ذلك كما في المتن ، بأن يقال: إنّ الدّعوى إن كانت جزماً ـ ومرجعها إلى علم المدّعي بكون القاتل هو زيداً مثلاً ـ لا مجال له للرّجوع إلى المِقرّ بوجه إلاّ مع تكذيب نفسه ، سواء قلنا بلزوم حلفه مع القسامة وحلف معهم ، أم لم نقل بذلك وقلنا بكفاية حلف القوم . وأمّا إذا كانت دعواه ظنّاً وقلنا بسماع هذا النحو من الدّعوى جاز له الرجوع إلى زيد بمقتضى القسامة ، وجاز له الرّجوع إلى عمرو المقِرّ بمقتضى إقراره ، كما أنّه إذا كانت دعواه جزماً ولكنّه رجع بعد الإقرار عن جزمه إلى الترديد أو الظنّ فإنّه حينئذ يكون له الخيار أيضاً ، لأنّه بالرجوع عن الجزم لا يتحقّق تكذيب المقِرّ .
لكن يظهر من الجواهر بطلان القسامة في هذه الصورة ، حيث قال: وعروض الشك له بعد الإقرار والإتيان بالقسامة يقتضي عدم الرجوع على الأوّل أيضاً ، لأنّ الثابت من صحّة القسامة الأخذ بها لمن هو باق على مقتضاها(2) . ويرد عليه أنّ الحكم بتوقّف صحّة القسامة على البقاء على مقتضاها يوجب عدم جريانها أصلاً لعدم إحرازه نوعاً ، كما لايخفى .
(1) كشف اللثام: 2 / 464 .
(2) جواهر الكلام: 42 / 275 .
(الصفحة280)
المدّعي إقامة البيّنة إلى ستّة أيّام يخلّى سبيله1.
1 ـ قد وقع الإشكال والخلاف في جواز حبس المتّهم في الدّم ، فالمحكيّ عن الشيخ(1) وأتباعه(2) والصهرشتي(3) والطبرسي(4) والعلاّمة في التحرير(5) وبعض آخر(6) الجواز ، وعن الحلّي(7) والفخر(8) وجدّه(9) وبعض آخر(10) العدم ، وعن المختلف التفصيل ، حيث إنّه قال فيما حكي عنه: التحقيق أن نقول : إن حصلت التهمة للحاكم بسبب لزم الحبس ستّة أيّام ، عملاً بالرواية وتحفّظاً للنفوس عن الإتلاف ، وإن حصلت لغيره فلا ، عملاً بالأصل(11) .
والمستند الوحيد في المسألة ـ بعد وضوح كون الحبس على خلاف القاعدة لأنّه عقوبة مع عدم ثبوت الجناية بعد ; لأنّ المفروض تحقّق مجرّد الاتهام ـ ما رواه الشيخ باسانيده عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إنّ النبي(صلى الله عليه وآله) كان يحبس في تهمة الدم ستّة أيّام ، فإن جاء أولياء
(1) النهاية: 744 .
(2) المهذّب: 2 / 503 ، الوسيلة: 461 ، لكن قيّده بثلاثة أيام .
(3 و 4) حكى عنهما في مفتاح الكرامة: 11 / 84 .
(5) تحرير الأحكام: 2 / 254 .
(6) كابن الجنيد على ما حكاه عنه ابن فهد الحلي في المهذّب البارع: 5 / 210 ، قال: «الخامس : قال أبو علي: إن ادّعى الولي أنّ له بيّنة حبس سنة» .
(7) السرائر: 3 / 343 .
(8) إيضاح الفوائد: 4 / 619 .
(9) حكاه عنه فخر المحققين في إيضاح الفوائد: 4 / 619 .
(10) كالشهيد الثاني في الروضة البهيّة: 10 / 76 والمسالك: 15 / 223 .
(11) مختلف الشيعة: 9 / 318 مسألة 24 .
|
|