جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
معتمد الأصول المجلد الثاني « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>


(الصفحة41)

هـو ما ذكرنا مـن أنّ النهي ليس بمعنى طلب الترك حتّى يلزم على المكلّف تحصيل المطلوب وهو ترك المنهي عنـه جـزماً، كيف والترك الذي هـو العدم كيف يعقل أن يكون متعلّقاً للطلب ومورداً للاشتياق؟! لأنّـه ليس شيئاً حتّى يمكن أن يصير مطلوباً ومشتاقاً إليـه، وهذا لا فرق فيـه بين العدم المطلق والعدم المضاف.
وأمّا ما في بعض الكتب العقليّـة من أنّ العدم المضاف وأعدام الملكات لها حظّ من الوجود ونصيب من التحقّق(1) فلا ينبغي الاغترار بما يدلّ عليـه ظاهر عبائرهم، فإنّ مراد أساطين الفنّ هو تقريب أذهان المتعلّمين، وإلاّ فمن الواضح أنّ العدم لا يمكن أن يصير وجوداً.
وأمّا الإتيان بالفرد الذي يشكّ في تحقّق المأمور بـه فلا يجب في العامّ الاستغراقي ولا يكتفى بـه في امتثال الأمر المتعلّق بنفس الطبيعـة أو بصرف الوجود ويجب الإتيان بما يشكّ في تحقّق المجموع بـه في العامّ المجموعي كما عرفت.
ثمّ إنّـه يقع الكلام بعد ذلك في الأصل المحرز للموضوع فنقول: لو كان المتعلّق مأخوذاً بنحو العامّ الاستغراقي، وكان هنا فرد داخل في العامّ سابقاً، والآن شكّ في بقائـه فيـه، فالظاهر جريان الاستصحاب، ويترتّب عليـه كون إكرامـه أيضاً مأموراً بـه; لما عرفت من أنّ الحكم في العامّ الاستغراقي إنّما تعلّق بعنوان الكلّ، لا بما أنّـه عنوان واحد كسائر العناوين، بل بما أنّـه عنوان إجمالي

1 ـ الحكمـة المتعاليـة 1: 345 ـ 352، شرح المنظومـة، قسم الحكمـة: 47 ـ 48.

(الصفحة42)

مرآة لجميع الأفراد، ولذا ذكرنا أنّ الأمر فيـه ينحلّ إلى أوامر متعدّدة، وحينئذ فبالاستصحاب يثبت فرد آخر، فيترتّب عليـه حكم العامّ.
وأمّا لو كان المتعلّق مأخوذاً بنحو العامّ المجموعي الذي قد عرفت أنّـه أمر واحد وشيء فارد وهو عنوان المجموع، فالظاهر عدم جريان الاستصحاب في الفرد الذي يشكّ في كونـه عالماً بعد كونـه عالماً سابقاً قطعاً، أو غير عالـم كذلك، لأنّ استصحاب بقاء عالميّـة فرد لا يترتّب عليـه أثر شرعي، إذ الأثر الشرعي إنّما ترتّب على المجموع، والاستصحاب لا يثبت أنّ المجموع لا يتحقّق إلاّ بذاك، كما أنّ استصحاب عدم العالميّـة لا يثبت تحقّق عنوان المجموع بماعداه، كما لا يخفى.
نعم لو جرى الاستصحاب في نفس عنوان المجموع كما لو كان إكرام مائـة من العلماء متّصفاً بأنّـه إكرام مجموع العلماء سابقاً، والآن شكّ في بقائـه لأجل احتمال كون الزائد على المائـة أيضاً عالماً، فيترتّب عليـه الأثر الشرعي ولا يكون مثبتاً.
مسألتان لم يتعرّض لهما المحقّق الخراساني في الكفايـة:


(الصفحة43)

المسألة الاُولى

في دوران الأمر بين التعيين والتخيير

إذا دار الأمر بين التعيـين والتخيـير فهل الأصل الجاري هي البراءة أو الاشتغال، ولابدّ قبل الخوض في ذلك من تقديم اُمور:

الأوّل: حقيقة الواجب التخييري

قد عرفت في تصوير الواجب التخيـيري أنّ الالتزام بثبوت الواجب التخيـيري في مقابل الواجب التعيـيني ممّا لا يرد عليـه شيء من المحذورات المتوهّمـة من كونـه مستلزماً لتعلّق الإرادة بأحد الشيئين أو الأشياء على سبيل الترديد الواقعي، بأن يكون التعلّق بحسب الواقع ونفس الأمر مردّداً، وكذا تعلّق البعث بأحدهما أو بأحدها على سبيل الإبهام النفس الأمري.
وكذا عرفت أنّ ما أفاده في الكفايـة(1)، من أنّـه لو كان هناك غرض واحد مترتّب على الشيئين أو الأشياء فلا محالـة يكون الواجب هو الجامع والقدر المشترك بينهما أو بينها; لأنّـه لا يمكن صدور الغرض الواحد من المتعدّد بما هو متعدّد، فحيث إنّ الغرض يترتّب على الجامع فلا محالـة يكون الجامع واجباً.
محلّ نظر، بل منع; فإنّـه ـ مضافاً إلى منع ما ذكره من عدم إمكان صدور الواحد من المتعدّد، فإنّ ذلك إنّما هو في موارد مخصوصـة كما حقّق في

1 ـ كفاية الاُصول: 174.

(الصفحة44)

محلّـه(1) يرد عليـه: أنّـه لـو سلّم ترتّب الغرض على الجامـع فذلك لا يوجب أن يكون هو الواجب، فإنّ الجامع قد يكون جامعاً غريباً بحيث لا يغني توجيـه البعث إليـه من بيان أفراده ومصاديقـه، بل يحتاج المولى إلى تعريف المصاديق أيضاً، فإنّـه حينئذ يكون البعث إلى كلّ واحد من المصاديق على سبيل التخيـير أسهل وأوفق، كما لايخفى.
مضافاً إلى أنّ الكلام ليس فيما يترتّب عليـه الغرض وأنّـه هل هو واحد أو متعدّد، وليس التقسيم أيضاً ناظراً إليـه، بل التقسيم إنّما هو للوجوب باعتبار الواجب، وهو في لسان الدليل متعدّد وإن كان المؤثّر في حصول الغرض هو الجامـع والقدر المشترك بين الأفـراد، وإلى أنّـه لا ينحصر الـواجب التخيـيري بما إذا كان هناك غرض واحد، بل ربّما يكون للمولى غرضان يترتّب أحدهما على أحد الشيئين والآخر على الآخر، ولا يمكن مع حصول أحدهما تحصيل الآخر، أو لا يكون تحصيلـه لازماً، وحينئذ فلابدّ من أن يبعث العبد نحوهما بحيث يخلّل بين البعثين كلمـة «أو» ونحوها الدالّـة على عدم إمكان تحصيل الغرضين أو عدم لزومـه. وبالجملـة: فتصوير الواجب التخيـيري ممّا لا محذور فيـه أصلا، وحينئذ فيمكن أن يدور الأمر بينـه وبين الواجب التعيـيني.

الثاني: أقسام الواجب التخييري

أفاد المحقّق النائيني على ما في التقريرات أنّ الواجب التخيـيري على ثلاثـة أقسام:


1 ـ راجع الحكمـة المتعاليـة 2: 210 ـ 212، و7: 192 ـ 258.

(الصفحة45)

الأوّل: الواجب التخيـيري بحسب الجعل الابتدائي الشرعي ـ أي كان الخطاب من أوّل الأمر خطاباً تخيـيريّاً ذا أفراد في مقابل الخطاب التعيـيني ـ كخصال الكفّارات.
الثاني: هو التخيـير الناشئ عن تزاحم الحكمين وتمانع الخطابين في مقام الامتثال إذا لم يكن أحد الحكمين أهمّ وأولى بالرعايـة، وهذا التخيـير يعرض للخطابين بعدما كانا عينيّين، وبذلك يمتاز عن القسم الأوّل بناءً على ما قوّيناه في باب التزاحم من أنّ منشأ التزاحم هو إطلاق الخطابين دون وجودهما، فهو الساقط دونهما، وأمّا بناءً على سقوطهما من رأس واستكشاف العقل خطاباً تخيـيراً آخر يكون الخطاب التخيـيري المستكشف كالخطاب التخيـيري المجعول ابتداءً بحسب أصل التشريع.
الثالث: التخيـير الناشئ عن تعارض الحجّتين وتنافي الطريقين بناءً على المختار من أنّ المجعول في باب الأمارات نفس الحجّيـة والطريقيـة، وأمّا بناءً على ما ينسب إلى المشهور من القدماء من القول بالسببيـة فهذا التخيـير يكون من صغريات التخيـير في باب المتزاحمين(1)، انتهى ملخّصاً.
وأنت خبير بأنّ التخيـير في باب التزاحم وكذا في باب تعارض الطريقين ليس قسماً آخر من التخيـير بحيث يكون حقيقـة التخيـير في تلك الموارد الثلاثـة مختلفـة، فإنّـه ليس بينها اختلاف من هذه الجهـة، فإنّ ذات التخيـير فيها على نسق واحد بلا اختلاف فيـه أصلا، والاختلاف إنّما هو في المخيّر فيـه، وهو لا يصحّح التقسيم لنفس التخيـير، كيف وإلاّ يلزم تكثّر الأقسام لأجل تكثّر المتعلّقات.


1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 3: 417 ـ 421.

(الصفحة46)

الثالث: حكم الشكّ في اشتراط التكليف في مرحلة البقاء

لا يخفى أنّ تمام الملاك في باب جريان البراءة العقليّـة هو انتهاء الشكّ إلى الشكّ في أصل التكليف من دون أن يعتبر فيـه شيء آخر.
وبعبارة اُخرى: تمام الملاك هو عدم تماميّـة الحجّـة على العبد من ناحيـة المولى بحيث كان العقاب على مخالفتـه عقاباً بلا بيان ومؤاخذة بلا برهان، كما أنّ تمام الملاك في باب جريان قاعدة الاشتغال هو أن يكون الشكّ في سقوط التكليف بعد تماميّـة الحجّـة من ناحيـة المولى.
إذا عرفت ذلك فاعلم: أنّـه أفاد المحقّق النائيني على ما في التقريرات أنّـه كما يمكـن أن يكون التكيف في عالـم الجعل والثبوت ومرحلـة التشريع والحدوث مشروطاً كاشتراط وجوب الحجّ بالاستطاعـة والصلاة بالوقت، كذلك يمكن أن يحدث للتكليف الاشتراط في مرحلـة البقاء والاستمرار، بعدما كان مطلقاً في مرحلـة الحدوث والثبوت، كما لو فرض اشتراط بقاء التكليف بالصلاة بعدم الصيام، وهذان الفرضان متعاكسان في جريان البراءة والاشتغال عند الشكّ فيهما، فلو شكّ في إطلاق التكليف واشتراطـه في عالم الجعل والحـدوث فالأصل يقتضي البراءة عند عدم وجود ما شكّ في شرطيّتـه للتكليف، وإن شكّ فـي الإطـلاق والاشتـراط في مرحلـة البقاء والاستمـرار فالأصل يقتضي الاشتغال، لأنّ حقيقـة الشكّ يرجع إلى أنّ الصيام في المثال المتقدّم هل يكون مسقطاً للتكليف بالصلاة أو لا، وكلّما رجع الشكّ إلى الشكّ في المسقط فالأصل يقتضي عدم السقوط، بخلاف ما إذا رجع إلى الشكّ في أصل التكليف، فإنّـه

(الصفحة47)

مجرى البراءة كما في الفرض الأوّل(1) ، انتهى.
وأنت خبير بأنّ مراده بما إذا كان التكليف مشروطاً بحسب البقاء والاستمرار إن كان هو اشتراط التكليف المجعول مطلقاً ابتداء، بحيث صار التكليف المطلق مشروطاً، فمن الواضح أنّـه من البداء المستحيل في حقّـه تعالى، وإن كان مراده أنّ التكليف الأوّل بحسب الحدوث والثبوت كان مطلقاً إلى حدّ مخصوص، وبعد حصول ذلك الحدّ يشكّ في جعلـه مشروطاً بوجود شيء آخر أو بعدمـه، أو أنّـه باق على إطلاقـه، فمرجع الشكّ حينئذ إلى الشكّ في أصل التكليف بعد ذلك الحدّ مادام لم يحصل الشرط، وهو مورد لجريان البراءة، كما لايخفى. فلا فرق حينئذ بين الفرضين.
وبالجملـة: فكون التكليف المطلق حدوثاً مشروطاً بقاءً ممّا لا يتصوّر على أحد الوجهين، وعلى الوجـه الآخر مورد لجريان البراءة، لا قاعدة الاشتغال.

الرابع: وجوه الشكّ في التعيين والتخيير

الشكّ في التعيـين والتخيـير يتصوّر على وجوه:
أحدها: أنّـه يعلم بتعلّق التكليف بأحد الشيئين بخصوصـه ويشكّ في أنّ الشيء الآخر هل هو عدلـه بحيث يكون ما تعلّق بـه التكليف قطعاً أحد فردي الواجب التخيـيري، أو لا يكون عدلا لـه، فيكون التكليف المتعلّق بالشيء الأوّل تكليفاً تعيـينيّاً ولا يقوم مقام متعلّقـه شيء آخر.
ثانيها: أنّـه يعلم بتعلّق التكليف بكلّ من الشيئين، ولكن يشكّ في أنّ كلاّ

1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 3: 421 ـ 422.

(الصفحة48)

منهما واجب عيناً فيجب الإتيان بكليهما، أو أنّهما واجبان تخيـيراً يسقط كلّ منهما بفعل الآخر.
ثالثها: أنّـه يعلم بتعلّق الوجوب بأحد من الشيئين معيّـناً، ويعلم أيضاً بأنّ الإتيان بالشيء الآخر يوجب سقوط الوجوب المتعلّق بالشيء الأوّل، لكن يشكّ في أنّ إسقاطـه للوجوب هل هو لمكان كونـه أحد فردي الواجب التخيـيري بحيث تعلّق بـه الوجوب أيضاً، أو أنّـه لم يتعلّق بـه الوجوب، بل هو إمّا مباح أو مستحبّ موجب لسقوط الواجب.
إذا عرفت ذلك فاعلم: أنّـه يقع الكلام فيما يقتضيـه الأصل العملي، وأنّ الأصل الجاري في المقام هو البراءة مطلقاً، أو الاشتغال مطلقاً، أو التفصيل بين أقسام الشكّ في التعيـين والتخيـير أو أنحاء الواجب التخيـيري، ونحن وإن أنكرنا تقسيم الواجب التخيـيري إلى الأقسام الثلاثـة المتقدّمـة، إلاّ أنّـه يمكن أن يكون الأقسام مختلفـة في الحكم وإن كانت بحسب الحقيقـة أقساماً للمخيّر فيـه، لا لأصل التخيـير.
وحينئذ: فلابدّ من التكلّم في كلّ من أقسام الشكّ في التعيـين والتخيـير، وكذا في كلّ من أنحاء الواجب التخيـيري ولنمحّض الكلام فعلا في خصوص البراءة العقليّـة.

مقتضى الأصل في الوجوه المذكورة

الوجه الأوّل:

فنقول: إذا شكّ في التعيـين والتخيـير على الوجـه الأوّل من الوجوه الثلاثـة المتصوّرة، وكان الواجب التخيـيري الذي هو طرف الشكّ من الواجبات

(الصفحة49)

التخيـيريّـة الابتدائيـة في عالم التشريع فهل الأصل العملي الجاري فيـه هي البراءة أو الاشتغال؟ التحقيق أن يقال: إنّ ذلك يبتني على كيفيـة إنشاء الخطاب التخيـيري وتصويره:
فتارة يقال: بأنّ الخطاب التخيـيري عبارة عن تقيـيد إطلاق الخطاب المتعلّق بكلّ من الفردين أو الأفراد بما إذا لم يأت المكلّف بعدلـه، فيكون وجوب العتق في الخصال مقيّداً بعدم الإطعام والصيام، وكذا وجوب الإطعام مقيّد بعدم الخصلتين الاُخريـين، وحينئذ فكلّ واجب تخيـيري يكون واجباً مشروطاً بعدم الإتيان بعدلـه.
واُخرى يقال: برجوع جميع الواجبات التخيـيريّـة إلى الواجب التعيـيني، نظراً إلى أنّ الغرض يكون مترتّباً على الجامع، فهو الواجب تعييناً والتخيـير بين أفراده تخيـير عقلي، وهذا الوجـه هو الذي اختاره المحقّق الخراساني(1) وتبعـه بعض من تلاميذه(2)، كما أنّ الوجـه الأوّل هو الذي قوّاه المحقّق النائيني على ما في التقريرات(3).
وثالثـة يقال: بأنّ الواجب التخيـيري سنخ آخر من الخطاب في مقابل الخطاب التعيـيني، وهذا هو الذي اخترناه وحقّقناه(4).
ورابعـة يقال: بأنّ مرجع كون الشيء واجباً تعيـينيّاً إنّما هو إلى كونـه

1 ـ كفايـة الاُصول: 174.
2 ـ درر الفوائد، المحقّق الحائري: 481.
3 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 3: 417.
4 ـ تقدّم في الجزء الأوّل: 155.

(الصفحة50)

مطلوباً بطلب تامّ قائم بـه بشراشر وجوده الموجب بمقتضى النهي عن النقيض للمنع عن جميع أنحاء عدمـه حتّى العدم في حال وجود غيره، في قبال الواجب التخيـيري الذي مرجعـه إلى كونـه متعلّقاً لطلب ناقص على نحو لا يقتضي إلاّ المنع عن بعض أنحاء عدمـه، وهو العدم في حال عدم العدل، وهذا الوجـه هو الذي اختاره المحقّق العراقي على ما في التقريرات(1). ولكن لا يخفى أنّـه لا يكون تصويراً للواجب التخيـيري بحيث يندفع بـه ما أورد عليـه، بل إنّما هو تقرير لـه وبيان للمراد منـه، فتدبّر.
إذا عرفت ذلك فاعلم: أنّـه لو قيل في تصوير الواجب التخيـيري بالوجـه الأوّل الذي مرجعـه إلى اشتراطـه بعدم الإتيان بالعدل، فالأصل الجاري في المورد المفروض هي البراءة، لأنّ مرجع الشكّ في التعيـينيـة والتخيـيريّـة إلى الشكّ في الإطلاق والتقيـيد، وهو مرجـع البراءة فيما لو لـم يحصل القيد، فإذا أتى ببعض الأطراف يشكّ في أصل التكليف، لعدم تحقّق الشرط على تقدير الاشتـراط، لأنّ الشـرط عبـارة عـن عـدم الإتيـان بالعـدل، والمفـروض أنّـه أتـى بـه، هذا.
ولو قيل في تصوير الواجب التخيـيري بالوجـه الثاني الذي مرجعـه إلى كون التخيـير تخيـيراً عقليّاً كشف عنـه الشارع، والواجب الشرعي هو الجامع والقدر المشترك بين الأطراف ففي جريان البراءة أو الاشتغال وجهان، ذكرهما في كتاب الدرر(2).


1 ـ نهايـة الأفكار 3: 288.
2 ـ درر الفوائد، المحقّق الحائري: 481.

(الصفحة51)

وجـه جريان قاعدة الاشتغال أنّ تعلّق التكليف بالخاصّ معلوم يجب الخروج عن عهدتـه ويشكّ في أنّـه هل يسقط بإتيان شيء آخر أو لا، فمقتضى الاشتغال بالحكم الثابت فراغـه عن عهدة التكليف يقيناً.
ووجـه جريان البراءة أنّ الشكّ في المقام يرجع إلى الشكّ في الإطلاق والتقيـيد، لدوران الأمر بين وجوب قدر الجامع وبين وجوب الفرد الخاصّ بخصوصيّتـه والمرجع فيـه هي البراءة، هذا.
والأقوى هو الوجـه الأوّل، لثبوت الفرق بين المقام وبين الشكّ في الإطلاق والتقيـيد، لأنّ الجامع بما هو جامع لا يكون معلوم الوجوب والقيد مشكوكاً فيـه، لأنّـه لو كان الوجوب تعيـينيّاً لا يكون متعلّقـه الجامع أصلا، بخلاف المطلق والمقيّد، فإنّ المطلق معلوم الوجوب والقيد مشكوك فيـه.
نعم هنا شيء، وهو أنّـه لو كان الوجوب تخيـيريّاً يكون الأمر المتعلّق ببعض الأطراف إرشاداً إلى وجوب الجامع والقدر المشترك، لعدم إمكان تعلّق الوجوب بجميعها بناءً على هذا القول، ولو كان الوجوب تعيـينيّاً يكون الأمر المتعلّق بالبعض أمراً مولويّاً، فمرجع الشكّ في التعيـينيّـة والتخيـيريّـة إلى الشكّ في كون الأمر المعلوم هل يكون إرشادياً لا يترتّب على مخالفتـه عقاب، أو مولويّاً يترتّب على مخالفتـه العقاب فلا يكون الحجّـة على خصوصيـة الفرد تامّـة بحيث يستحقّ العبد العقاب على مخالفتها، فتجري البراءة، فتدبّر.
هذا، ولو قيل في كيفيـة تصوير الواجب التخيـيري بالوجـه الرابع الذي اختاره المحقّق العراقي على ما في التقريرات فهل الأصل الجاري هي البراءة أو الاشتغال؟
قال فيها ـ بعد تفسير الواجب التخيـيري بذلك والإشكال بالوجـه الأوّل

(الصفحة52)

بأنّ لازمـه هو عدم تحقّق الامتثال بالواجب التخيـيري عند الإتيان بهما معاً، وهو كما ترى لا يمكن الالتزام بـه ـ ما لفظـه: وعلى ذلك ـ يعني على مختاره في تصوير الواجب التخيـيري ـ نقول: إنّ مرجع الشكّ في كون الشيء واجباً تعيـينيّاً أو تخيـيريّاً حينئذ إلى العلم الإجمالي إمّا بوجوب الإتيان بخصوص الذي علم بوجوبـه في الجملـة وحرمـة تركـه مطلقاً حتّى في ظرف الإتيان بما احتمل كونـه عدلا لـه، وإمّا بحرمـة ترك الآخر المحتمل كونـه عدلا لـه في ظرف عدم الإتيان بذلك، ولازم هذا العلم الإجمالي إنّما هو الاحتياط بتحصيل الفراغ اليقيني بإتيان خصوص ما علم وجوبـه في الجملـة ووجوب الإتيان بما احتمل كونـه عدلا لـه عند عدم التمكّن من الإتيان بما علم وجوبـه لاضطرار ونحوه(1)، انتهى.
ويرد على مجموع ما ذكره في هذا المقام اُمور:
الأوّل: أنّ ما أفاده في تصوير الواجب التخيـيري هو بعينـه ما اختاره المحقّق النائيني(2) من الوجـه الأوّل الذي عرفت بلا فرق بينهما في الحقيقـة أصلا، فإنّ كون الواجب التخيـيري عبارة عن الشيء الذي كان متعلّقاً لطلب ناقص على نحو لا يقتضي إلاّ المنع عن بعض أنحاء عدمـه وهو العدم في حال عدم العدل عبارة اُخرى عن اشتراط مطلوبيّتـه بحال عدم وجود العدل، فإنّ تضيـيق دائرة النهي وتخصيصـه بخصوص العدم في حال عدم العدل يوجب التضيـيق في ناحيـة الأمر الذي تولّد منـه النهي وتخصيصاً لـه بحال عدم وجود العدل، ضرورة عدم إمكان التوسعـة في الأمر مع التضيـيق في ناحيـة النهي

1 ـ نهايـة الأفكار 3: 288 ـ 289.
2 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 3: 417.

(الصفحة53)

المتولّد منـه، فرجع الكلام إلى اشتراط الطلب إلى حال عدم وجود العدل وهو بعينـه ما ذكره المحقّق النائيني، فالإشكال الذي أورده عليـه وهو عدم تحقّق الامتثال عند الإتيان بهما معاً وارد على نفسـه أيضاً، فتدبّر.
الثاني: أنّ ما ذكره من إيجاب الطلب المتعلّق بالشيء للنهي عن النقيض ممّا لا يتمّ، فإنّ مقتضى ظاهره هو استلزام الأمر بالشيء للنهي عن نقيضـه، بحيث لو خالف الأمر ولم يأت بمتعلّقـه فقد خالف الأمر والنهي معاً، فاستحقّ على ذلك عقوبتين. ومن الواضح عدم إمكان الالتزام بـه، وقد عرفت ذلك في مبحثـه في باب مباحث الألفاظ، فراجع.
الثالث: إنّ التمسّك للاحتياط بالعلم الإجمالي المذكور في كلامـه مصادرة واضحـة، فإنّ هذا العلم الإجمالي عبارة اُخرى عن العلم الإجمالي بكون الشيء واجباً تعيـينيّاً أو تخيـيراً فالاستدلال لوجوب الاحتياط في صورة العلم الإجمالي بكون الشيء إمّا واجباً تعيـيناً وإمّا واجباً تخيـيراً بنفس هذا العلم الإجمالي ممّا لا سبيل إليـه، كما هو واضح.
الرابع: أنّ ما ذكره في تقرير العلم الإجمالي محلّ نظر; فإنّ مرجع العلم الإجمالي بكون الشيء إمّا واجباً تعيـيناً وإمّا واجباً تخيـيراً إلى العلم الإجمالي إمّا بوجوب الإتيان بخصوص الطرف الذي علم بوجوبـه في الجملـة وحرمـة تركـه مطلقاً حتّى في ظرف الإتيان بما احتمل كونـه عدلا لـه، وإمّا بوجوبـه وحرمـة تركـه في حال عدم العدل ووجوب الشيء الآخر المحتمل كونـه عدلا لـه، وحرمـة تركـه في ظرف عدم الإتيان بما علم وجوبـه في الجملـة، وقد أسقط احتمال وجوبـه وحرمـة تركـه في حال عدم الإتيان بالعدل، مع أنّـه هو العمدة; لأنّـه بعد الإتيان بالشيء الذي يحتمل كونـه عدلا لا يبقى مجال للعلم

(الصفحة54)

بوجوب ما علم وجوبـه في الجملـة لا تفصيلا ولا إجمالا، ولأجلـه تجري البراءة كما عرفت بناءً على الوجـه الأوّل، هذا.
ولكن الإنصاف: عدم ورود هذا الإيراد عليـه، لأنّ وجوب خصوص الذي علم بوجوبـه في ظرف عدم الإتيان بالشيء المحتمل كونـه عدلا لـه معلوم تفصيلا، لأنّـه لو كان واجباً تعيـيناً يكون واجباً في هذا الظرف لا محالـة، ولو كان واجباً تخيـيراً يكون واجباً في ذاك الظرف أيضاً بناءً على هذا القول، فوجوبـه في ظرف عدم الإتيان بالعدل معلوم تفصيلا وخارج عن أطراف العلم الإجمالي، وما هو معلوم إجمالا إنّما هو وجوبـه مطلقاً حتّى في ظرف الإتيان بالآخر ووجوب الآخر وحرمـة تركـه في خصوص صورة عدم الإتيان بذلك، فمقتضى قاعدة العلم الإجمالي الاحتياط بالنحو الذي أفاده، ومن هذا يظهر عدم ورود الإيراد الثالث عليـه أيضاً فتدبّر، هذا.
ولو قيل في كيفيـة تصوير الواجب التخيـيري بالوجـه الثالث الذي اخترناه، ومرجعـه إلى كون الواجب التخيـيري سنخاً آخر من الوجوب، فهل المرجع هي قاعدة البراءة أو أصالـة الاشتغال؟ فيـه وجهان:
من جهـة أنّ الحجّـة من قبل المولى لم تـتمّ بالنسبـة إلى الخصوصيّـة، بل ما قامت بـه الحجّـة هو التكليف المردّد بين التعيـينيّـة والتخيـيريّـة، فتعلّق الطلب بصلاة الجمعـة مثلا معلوم، إلاّ أن كيفيتـه وأنّـه هل على نحو التعيـين المقتضي للإتيان بخصوصها وعدم جواز الاجتزاء بصلاة الظهر أو على نحو التخيـير المقتضي لجواز الاجتزاء بها مجهول، فترك الصلاتين معاً ممّا لا يجوز قطعاً، وأمّا ترك صلاة الجمعـة والإتيان بصلاة الظهر فلم يعلم عدم جوازه، فالعقل

(الصفحة55)

يحكم بالبراءة، نظراً إلى عدم تماميـة الحجّـة بالنسبـة إليـه، كما لايخفى.
ومن جهـة أنّ الملاك في جريان قاعدة الاشتغال ـ على ما عرفت في بعض المقدّمات ـ هو ما إذا كان الشكّ في سقوط التكليف الذي علم ثبوتـه، وهو هنا موجود، ضرورة أنّ تعلّق الطلب بصلاة الجمعـة معلوم وإن كان كيفيّتـه وخصوصيّتـه مجهولـة. ومع الإتيان بصلاة الظهر يشكّ في سقوط التكليف المتعلّق بصلاة الجمعـة، فلا مجال للاكتفاء بها عنها، لعدم كونـه معذوراً بحكم العقل. والظاهر هو الوجـه الثاني كما لايخفى.
هذا كلّـه فيما لو كان الشكّ في التعيـين والتخيـير على الوجـه الأوّل من الوجوه الثلاثـة المتقدّمـة المتصوّرة في الشكّ فيهما.

الوجه الثاني:

وأمّا لو كان على الوجـه الثاني الذي مرجعـه إلى أنّـه يعلم بتعلّق التكليف بكلّ من الشيئين، ولكن يشكّ في أنّ كلاّ منهما واجب عيناً فيجب الإتيان بكليهما، أو تخيـيراً فلا يجب إلاّ الإتيان بواحد منهما، فالكلام فيـه هو الكلام في الوجـه الأوّل بعينـه من جريان البراءة على القول برجوع الواجب التخيـيري إلى الواجب المشروط، وكذا على القول بوجوب الجامع تعيـيناً، لما عرفت من دوران الأمر المتعلّق بكلّ منهما بين أن يكون مولويّاً أو إرشاديّاً وجريان قاعدة الاشتغال بناءً على المختار في معنى الواجب التخيـيري(1).


1 ـ تقدّم في الجزء الأوّل: 153.

(الصفحة56)

الوجه الثالث:

وأمّا لو كان الشكّ في التعيـين والتخيـير على الوجـه الأخير وهو ما إذا علم تعلّق الوجوب بواحد معيّن من الشيئين، ويعلم بأنّ الإتيان بالشيء الآخر مسقط للوجوب المتعلّق بالشيء الأوّل، ولكن يشكّ في أنّ إسقاطـه لـه هل هو لكونـه عدلا لـه فيحصل الغرض من الإتيان بـه أيضاً، أو أنّـه يوجب تفويت موضوعـه، إمّا لكونـه مانعاً عن استيفاء الملاك، أو لكون عدمـه شرطاً في حصول أصل الملاك، وعلى كلا التقديرين يكون عدمـه شرطاً لوجوب الواجب، ولا يمكن أن يكون أحد فردي الواجب المخيّر.
فقد أفاد المحقّق النائيني على ما في التقريرات: أنّـه مع التمكّن من الإتيان بما علم تعلّق التكليف بـه لا يترتّب على الوجهين أثر حتّى يبحث عن الوظيفـة في حال الشكّ، إلاّ من حيث العصيان وعدمـه، فإنّـه عند ترك المكلّف ما علم تعلّق التكليف بـه والاكتفاء بالشيء الآخر مع أنّـه يمكن أن يكون في الواقع ممّا لم يتعلّق بـه التكليف وكان مسقطيّتـه لمكان كونـه مفوّتاً لملاك الآخر ومانعاً عن استيفائـه، يستحقّ العقوبـة، وأمّا مع عدم التمكّن من الإتيان بما علم تعلّق التكليف بـه فيظهر بين الوجهين أثر عملي، فإنّـه لو كان الشيء الآخر من أفراد الواجب التخيـيري يتعيّن الإتيان بـه بعد تعذّر الآخر، وإن لم يكن من أفراد الواجب التخيـيري فلا يجب الإتيان بـه، فتجري البراءة عن التكليف بـه، للشكّ في تعلّقـه بـه، كما هو واضح(1)، انتهى ملخّصاً، هذا.


1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 3: 430.

(الصفحة57)

ولا يخفى: أنّـه بناءً على ما ذكره من رجوع الواجب التخيـيري إلى الواجب المشروط يصير احتمال الوجوب المشروط أيضاً أحد الاحتمالات. ومن الواضح أنّـه لو دار الأمر بين كون الوجوب مطلقاً أو مشروطاً تجري البراءة من الوجوب عند عدم حصول الشرط، فإذا أتى بالشيء الآخر الذي يكون عدم الإتيان بـه شرطاً على تقدير كون الواجب الآخر واجباً تخيـيريّاً يشكّ في أصل ثبوت التكليف بالنسبـة إلى الشيء الأوّل، كما لايخفى، وهو مجرى البراءة. ومجرّد احتمال كون مسقطيتـه للتكليف المتعلّق بالشيء الأوّل من جهـة كونـه مانعاً عن استيفاء ملاكـه أو كون عدمـه شرطاً في حصول أصل الملاك لا يوجب استحقاق العقوبـة بعد عدم ثبوت كون الوجوب مطلقاً غير مشروط، فلا وجـه لاستحقاق العقوبـة أصلا كما في صورة عدم التمكّن من الإتيان بـه، فلا فرق بين الصورتين.
نعم بناءً على المذهب المختار في كيفيّـة الواجب التخيـيري وأنّـه سنخ آخر من الوجوب تجري قاعدة الاشتغال، لأنّ تعلّق التكليف بالشيء الأوّل معلوم وإن كان كيفيتـه وخصوصيتـه مجهولـة، وسقوطـه بالإتيان بالشيء الثاني مجهول، فيجب الفراغ عن عهدة التكليف المعلوم بالإتيان بمتعلّقـه، كما لايخفى.
هذا كلّـه فيما يتعلّق بالقسم الأوّل من الأقسام الثلاثـة المتقدّمـة للواجب التخيـيري.
وأمّا إذا كان الشكّ في التعيـين والتخيـير في القسم الثاني من تلك الأقسام وهو ما كان التخيـير فيـه لأجل التزاحم بأن احتمل كون الملاك في أحدهما أقوى، كما لو فرض كونـه مأموراً بإنقاذ الغريقين اللذين أحدهما هاشمي، واحتمل اهمّيـة إنقاذه لأجل أقوائيـة ملاكـه، فهل الأصل يقتضي البراءة أو الاشتغال؟


(الصفحة58)

قال المحقّق النائيني على ما في التقريرات: إنّـه بناءً على المسلك المختار في باب التزاحم ـ وهو كون التخيـير لأجل تقيـيد الإطلاق ـ يرجع الشكّ إلى الشكّ في تقيـيد إطلاق محتمل الأهمّيـة في مرحلـة البقاء والامتثال مع العلم بتقيـيد الإطلاق في الطرف الآخر، ولا إشكال في أنّ الأصل عند الشكّ في تقيـيد الإطلاق في مرحلـة البقاء يقتضي الاشتغال لا البراءة للشكّ في سقوط التكليف عن محتمل الأهمّيـة بعد العلم بتعلّق التكليف بـه(1)، انتهى.
وفيـه ـ مضافاً إلى ما عرفت من عدم معقوليّـة التقيـيد في مرحلـة البقاء، فإنّ التكليف إمّا أن يكون من أوّل حدوثـه مشروطاً أو مطلقاً، ولا يعقل استحالـة التكليف المطلق مشروطاً وكذا العكس ـ أنّـه لا معنى للشكّ في السقوط هنا، فإنّ الشكّ فيـه إمّا أن يكون قبل إنقاذ واحد منهما، وإمّا أن يكون بعد إنقاذ غير الهاشمي، ففي الأوّل نعلم ببقاء التكليف قطعاً، كما أنّـه في الثاني نعلم بارتفاعـه يقيناً، إذ لا معنى حينئذ للشكّ في سقوط التكليف عن محتمل الأهمّيـة بعد فرض كونهما متزاحمين ولا يقدر المكلّف على الإتيان بهما معاً، كما لايخفى.
فالإنصاف أنّـه بناءً على هذا المسلك لابدّ من الالتزام بجريان البراءة، للشكّ في كون محتمل الأهمّيـة هل يكون واجباً مطلقاً أو مشروطاً، وقد مرّ غير مرّة أنّـه إذا دار الأمر بينهما فالأصل الجاري هي البراءة، هذا.
وأمّا بناءً على المسلك المختار في باب التزاحم من كون التكليف المتعلّق بكلّ واحد من المتزاحمين باقياً على إطلاقـه وفعليّـتـه، لأنّ التكليف والحكم المتوجّـه إليهما ليس ناظراً إلى حال الامتثال، فضلا عن حال الاجتماع

1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 3: 433.

(الصفحة59)

والمعارضـة، فضلا عن علاجـه، غايـة الأمر أنّـه حيث لا يكون المكلّف قادراً على امتثالهما يكون معذوراً بحكم العقل لعدم القدرة من دون أن يوجب ذلك تقيـيد الحكم بصورة القدرة، فإنّ الحكم مطلق والعجز عذر عقلي، وحينئذ فإن كان المتزاحمان متساويـين يحكم العقل بالتخيـير، وإن كان الملاك في أحدهما أقوى من الآخر يحكم بتعيّنـه، وإن احتمل الأقوائيـة ـ كما هو المفروض في المقام ـ فالظاهر أنّ مجرّد الاحتمال لا يعيّن محتمل الأقوائيـة بحيث لو أتى بالمهمّ يكون مستحقّاً للعقوبـة لأجل ترك محتمل الأهمّيـة، مع أنّـه لم يقم حجّـة من المولى على تعيّنـه، فتدبّر جيّداً.
هذا كلّـه لو كان الشكّ في التعيـين والتخيـير في القسم الثاني من أقسام الواجب التخيـيري.
وأمّا لو كان الشكّ فيهما في القسم الثالث من أقسامـه، وهو ما لو كان التخيـير ناش عن تعارض الحجّتين، فبناء على الطريقيـة ـ كما هو الحقّ ـ يكون مقتضى القاعدة هو الاشتغال والأخذ بخصوص ما لـه مزيّـة محتملـة، لأنّـه بعد التعارض والتساقط يجب الرجوع إلى الأدلّـة الشرعيّـة في الأخذ بالمرجّحات، ومع عدمها فالتخيـير، وحينئذ فالشكّ في التعيـين والتخيـير الذي يكون ناشئاً من احتمال المزيّـة في أحدهما المعيّن يوجب الشكّ في حجّيـة الحجّـة التي ليس فيها احتمال المزيّـة، لأنّ حجّيتها إنّما هو على تقدير عدم المزيّـة في الآخر، وإلاّ فعلى تقدير وجودها لا تكون حجّـة، فحجّيـة محتمل المزيّـة معلومـة على التقديرين، وحجّيـة غيرها مشكوكـة، وقد عرفت أنّ مقتضى الأدلّـة عدم حجّيـة الأمارة التي شكّ في حجّيتها كما لايخفى.


(الصفحة60)

المسألة الثانية

في دوران الواجب بين أن يكون عينيّاً أو كفائيّاً

فهل الأصل يقتضي الأوّل، فلا يسقط الوجوب بفعل الغير، أو يقتضي الثاني فيسقط بفعلـه؟
وليعلم أنّـه ليس المقصود إثبات كونـه عينيّاً أو كفائياً بعنوانهما، بل المقصود مجرّد إحراز وظيفـة المكلّف وأنّـه هل يجب عليـه الإتيان بالواجب بعد إتيان الغير بـه من باب حكم العقل بالاحتياط أم لا؟ كما أنّـه لم يكن المقصود في المسألـة الاُولى إثبات عنوان التعيـينيّـة أو التخيـيريّـة.

تصويرات الواجب الكفائي

وكيف كان فجريان البراءة أو الاشتغال مبني على كيفيّـة تشريع الواجب الكفائي وتصويره، فاعلم أنّ في تصويره وجوهاً:
الأوّل: أن يكون التكليف متوجّهاً إلى جميع المكلّفين كما في الواجبات العينيّـة. غايـة الأمر أنّـه هنا مشروط بعدم سبق الغير بالفعل، فينحلّ الخطاب إلى خطابات عديدة حسب تعدّد المكلّفين، كلّ واحد منها مشروط بعدم سبق الغير بالفعل.
الثاني: أن يكون المخاطب هو النوع، ولمكان انطباق النوع على الآحاد يكون كلّ فرد من أفراد المكلّفين مخاطباً بذلك الخطاب الواحد، فلو أشغل أحد
<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>