قرآن، حديث، دعا |
زندگينامه |
کتابخانه |
احكام و فتاوا |
دروس |
معرفى و اخبار دفاتر |
ديدارها و ملاقات ها |
پيامها |
فعاليتهاى فرهنگى |
کتابخانه تخصصى فقهى |
نگارخانه |
اخبار |
مناسبتها |
صفحه ويژه |
|
(الصفحة61)
المكلّفين صفحـة الوجود بالفعل سقط الخطاب عن الباقي، لأنّ الخطاب الواحد لا يكون لـه إلاّ امتثال واحد، وهذان الوجهان ذكرهما المحقّق النائيني على ما في التقريرات(1).
الثالث: أن يكون التكليف متوجّهاً إلى كلّ واحد من المكلّفين كما في الواجب العيني، والاختلاف بينهما إنّما هو في المكلّف بـه، فالتكليف في الواجب العيني إنّما تعلّق بالطبيعـة المتقيّدة بصدورها من كلّ فرد من أفراد المكلّفين، وفي الواجب الكفائي إنّما تعلّق بنفس الطبيعـة لترتّب الغرض على مجرّد حصولها، فإذا أوجدها بعض من المكلّفين يحصل الغرض، فيسقط التكليف عن الباقين.
الرابع: أن يقال بثبوت الاختلاف بينهما في المكلّف بـه فقط، كما في الوجـه الثالث، غايـة الأمر أنّ المكلّف بـه في الواجب الكفائي هو صرف الوجود وناقض العدم الذي لا يعرض لـه التكرار، وفي الواجب العيني هي الطبيعـة القابلـة للتكرار.
الخامس: أن يقال بأنّ المكلّف في الواجب الكفائي هو واحد من المكلّفين وفي الواجب العيني هو كلّ فرد من الأفراد، فالاختلاف بينهما إنّما هو في المكلّف.
السادس: أن يقال بثبوت التخيـير في الواجب الكفائي بين المكلّفين كثبوتـه في الواجب التخيـيري بين متعلّق الوجوب والتكليف، وثبوت التعيـين في الواجب العيني بالنسبـة إلى الجميع كما في الواجب التعيـيني بالنسبـة إلى متعلّق التكليف.
1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 3: 437.
(الصفحة62)
اختلاف الأصل باختلاف الوجوه في الكفائي
إذا عرفت ذلك فاعلم: أنّـه بناءً على الوجـه الأوّل لابدّ من القول بجريان البراءة; لما مرّ من أنّـه إذا دار الأمر بين كون التكليف مشروطاً أو مطلقاً تجري البراءة عن التكليف مادام لم يحصل شرطـه. والمفروض في المقام هو عدم حصول الشرط، لأنّ الشرط عبارة عن عدم سبق الغير بالفعل، وليس المراد بـه هو عدم سبقـه بـه في الجملـة ولو في بعض الوقت. كيف ولازمـه صيرورة جميع الواجبات الكفائيـة عينيّـة بعد مضي مقدار من الوقت يمكن الإتيان بها فيـه، كما أنّـه ليس المراد عدم سبقـه بـه إلى آخر الوقت، كيف ولازمـه ثبوت التكليف بعد خروج وقتـه، وهـو لا يجتمع مـع التوقيت، كما لايخفى، بل المراد بـه هـو عـدم سبق الغير بالفعل إلى زمان صيرورة وقت الواجب مضيّقاً بحيث يفوت لو لم يشتغل بـه.
وحينئذ: فإذا سبق الغير بذلك قبل تضيّق الوقت يشكّ في ثبوت التكليف لاحتمال كونـه مشروطاً بشرط فرض انتفائـه، وهو مجرى البراءة.
وأمّا ما أفاده المحقّق النائيني من أنّ الشكّ في ذلك يرجع إلى الشكّ في تقيـيد الإطلاق في مرحلـة البقاء والامتثال وهو يقتضي الاشتغال لا البراءة(1)، فقد عرفت ما فيـه من عدم معقوليـة الاشتراط في مرحلـة البقاء إلاّ على وجـه، وذلك الوجـه أيضاً مجرى البراءة كما عرفت.
هذا كلّـه بناءً على الوجـه الأوّل.
1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 3: 437.
(الصفحة63)
وأمّا بناءً على الوجـه الثاني: فالظاهر أنّـه يجب الاحتياط بالإتيان بـه ولو بعد سبق الغير بـه; لأنّ الشكّ في كون الواجب عينيّاً أو كفائيّاً وإن كان مرجعـه إلى الشكّ في تعلّق التكليف بالجامع أو الأفراد بناءً على هـذا الوجـه، إلاّ أنّ كون كلّ واحد من المكلّفين مكلّفاً بذلك معلوم إمّا لأجل انطباق الجامع عليـه، وإمّا لأجل كونـه مكلّفاً بخصوصـه، وحينئذ يشكّ في سقوط هذا التكليف بإتيان الغير بـه، والشكّ في السقوط هو تمام المناط لجريان قاعدة الاشتغال كما عرفت.
وأمّا بناءً على الوجـه الثالث: فالظاهر أيضاً وجوب الاحتياط; لأنّـه وإن كان شاكّاً في كون الواجب هل هي نفس الطبيعـة حتّى يسقط الوجوب بإيجاد الغير أو الطبيعـة المتقيّدة بصدورها عن كلّ فرد من المكلّفين، إلاّ أنّـه يعلم إجمالا بكونـه مكلّفاً بذلك ويشكّ بعد إيجاد الغير في سقوط التكليف المتوجّـه إليـه قطعاً، وهو مجرى قاعدة الاشتغال.
ومنـه يظهر الفرق بين المقام وبين ما إذا شكّ في كونـه قادراً على امتثال التكليف المتوجّـه إليـه، فإنّـه لو قلنا بأنّ القدرة من شرائط التكليف ـ خلافاً لما هو الحقّ والمحقّق من عدم كون القدرة شرطاً، بل العجز عذر عقلي كما مرّ في بعض المباحث السابقـة ـ يكون الشكّ فيها راجعاً إلى الشكّ في حصول شرط الوجوب ومع الشكّ في الشرط يشكّ في أصل ثبوت المشروط، فمرجع الشكّ في القدرة إلى الشكّ في أصل ثبوت التكليف، وهو مجرى البراءة. وهذا بخلاف المقام، فإنّ الشكّ في خصوصيّـة التكليف من حيث المتعلّق لا يوجب الشكّ في أصل ثبوتـه، كما هو واضح.
(الصفحة64)
نعم، ما ذكرنا من اقتضاء العلم الإجمالي للاحتياط إنّما هو فيما إذا حصل العلم قبل سبق الغير بإيجـاد الطبيعـة، وأمّا إذا حصل بعده فمرجـع الشكّ في كونـه عينيّاً أو كفائيّاً حينئذ إلى الشكّ في أصل ثبوت التكليف; لأنّـه لو كان متعلّقـه هـو نفس الطبيعـة لسقط بإيجـاد الغير قطعاً، هـذا.
وأمّا بناءً على الوجـه الرابع: فمقتضى القاعدة أيضاً وجوب الاحتياط; لعين ما ذكر في الوجـه الثالث، كما أنّـه في الوجـه الخامس يجري عين ما ذكر في الوجـه الثاني.
وأمّا بناءً على الوجـه السادس فيبتني الحكم على ما ذكر في كيفيّـة تصوير الواجب التخيـيري، فإن قلنا: بأنّ مرجع الواجبات التخيـيريّـة إلى الاشتراط الذي مرجعـه في المقام إلى كون ثبوت التكليف بالنسبـة إلى كلّ مكلّف مشروطاً بعدم سبق الغير بفعل متعلّق التكليف، فالمرجع هي أصالـة البراءة، وإن قلنا بغير ذلك وأنّها سنخ آخر فالمرجع هي أصالـة الاشتغال، فتدبّر.
(الصفحة65)
القول
في أصل التخيـير
(الصفحة66)
(الصفحة67)
دوران الأمر
بين المحذورين
فصل في دوران التكليف بين الوجوب والحرمـة بأن علم إجمالا بوجوب شيء معيّن أو حرمتـه.
وليعلم أنّ دوران التكليف بينهما في فعل واحد تارة يكون مع وحدة الواقعـة، كما لو فرض العلم الإجمالي بوجوب صوم يوم معيّن أو حرمتـه، واُخرى مع تعدّد الواقعـة، كما لو فرض دوران الأمر في صلاة الجمعـة في حال الغيبـة بين الوجوب والحرمـة، فلو كانت الواقعـة واحدة لا يمكن المخالفـة القطعيـة كما لا يمكن الموافقـة القطعيـة.
نعم لو كان شيء من الوجوب والحرمـة تعبّدياً يتمكّن المكلّف من المخالفـة القطعيـة، كما أنّـه لو كانت الواقعـة متعدّدة يتمكّن أيضاً من المخالفـة القطعيـة، كما لايخفى.
وعلى أيّ تقدير فقد يكون الفعل أو الترك معلوم الأهمّيـة في نظر العقل، كما لو تردّد أمر الشخص بين أن يكون نبيّاً يجب حفظـه أو سابّ نبي مهدور الدم، وإمّا أن يكون محتمل الأهمّيـة، وإمّا أن يعلم تساويهما.
(الصفحة68)
تساوي المحذورين من حيث الأهمّية مع وحدة الواقعة
إذا عرفت ذلك فاعلم: أنّـه لو كانت الواقعـة واحدة، ولم يتمكّن المكلّف من المخالفة القطعية، ولم يكن شيء من الفعل أو الترك معلوم الأهمّية أو محتملها في نظر العقل، فهل يحكم العقل بالتخيـير وأنّ المكلّف مخيّر في تعيـين أيّهما شاء؟
في جريان الأصل العقلي
الظاهر نعم; لأنّ معنى حكم العقل بذلك عبارة عن مجرّد إدراكه هذا المعنى لا جعلـه التخيـير. ومن الواضح ثبوت حكمه في المقام، فإنّـه بعد ملاحظة استواء العلم الإجمالي بالنسبـة إلى الطرفين، وعدم كون المكلّف قادراً على الامتثال بالنسبـة إلى كلا التكليفين، وعدم ثبوت مزيّـة محقّقـة أو محتملة لأحد الطرفين، يدرك أنّ المكلّف مخيّر في الفعل والترك، وهذا هو معنى التخيـير العقلي، ولا ينافي ذلك عدم خلوّ المكلّف بحسب الخلقـة من الفعل أو الترك، كما لا يخفى.
وأمّا ما أفاده المحقّق النائيني (قدس سره)
ـ على ما في التقريرات ـ من عدم ثبوت الوظيفـة العقليّـة هنا، لأنّ التخيـير العقلي إنّما هو فيما إذا كان في طرفي التخيـير ملاك يلزم استيفائـه، ولم يتمكّن المكلّف من الجمع بين الطرفين كالتخيـير الذي يحكم بـه في باب التزاحم، وفي دوران الأمر بين المحذورين ليس كذلك، لعدم ثبوت الملاك في كلّ من طرفي الفعل والترك(1).
ففيـه ـ مضافاً إلى أنّ ذلك مجرّد دعوى لا يساعده بيّنـة ولا برهان، لعدم
1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 3: 444.
(الصفحة69)
نهوض دليل على اختصاص مورد التخيـير العقلي بذلك ـ أنّ هذا منقوض بما إذا اضطرّ المكلّف إلى طرف غير معيّن من أطراف العلم الإجمالي بخمريّـة هذا المائع أو مائع آخر مورد للابتلاء مثلا، فإنّـه لا خفاء في أنّ العقل يحكم بالتخيـير لرفع الاضطرار مع عدم ثبوت الملاك في جميع الأطراف، فتدبّر.
وممّا ذكرنا يظهر الخلل فيما أفاده المحقّق العراقي ـ على ما في التقريرات ـ من أنّ الحكم التخيـيري شرعيّاً كان كما في باب الخصال، أو عقليّاً كما في المتزاحمين إنّما يكون في مورد يكون المكلّف قادراً على المخالفـة بترك كلا طرفي التخيـير فكان الأمر التخيـيري باعثاً على الإتيان بأحدهما وعدم تركهما معاً، لا في مثل المقام الذي هو من التخيـير بين النقيضين(1).
وجـه ذلك: أنّ مرجع هذا الكلام إلى دعوى كون مورد التخيـير هو غير مورد دوران الأمر بين المحذورين، وهو مصادرة واضحـة، كما لايخفى.
هذا كلّـه بالنسبـة إلى أصالـة التخيـير، وقد عرفت جريانها في المقام.
وأمّا البراءة العقليّـة: فالظاهر أيضاً جريانها، لأنّ جنس التكليف وهو الإلزام وإن كان معلوماً تفصيلا، إلاّ أنّ خصوصيّـة الوجوب والتحريم مجهولـة، فيقبح العقاب عليها بعد عدم ثبوت حجّـة على الخصوصيـة من قبل المولى، فالعقاب على نوع التكليف قبيح; لحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان، وعلى جنسـه أيضاً قبيح; لعدم القدرة على الامتثال، هذا.
ويظهر من جماعـة من المحقّقين عدم جريان البراءة العقليّـة لوجوه:
منها: ما أفادة المحقّق الخراساني في الكفايـة من أنّـه لا مجال هاهنا
1 ـ نهايـة الأفكار 3: 293.
(الصفحة70)
لقاعدة قبح العقاب بلا بيان، فإنّـه لا قصور فيـه هاهنا، وإنّما يكون عدم تنجّز التكليف لعدم التمكّن من الموافقـة القطعيـة كمخالفتها، والموافقـة الاحتماليـة حاصلـة لا محالـة، كما لايخفى(1).
ومنها: ما في التقريرات المنسوبـة إلى المحقّق النائيني (قدس سره)
من أنّ مدرك البراءة العقليّـة قبح العقاب بلا بيان، وفي باب دوران الأمر بين المحذورين يقطع بعدم العقاب لأنّ وجود العلم الإجمالي كعدمـه لا يقتضي التنجيز والتأثير، فالقطع بالمؤمّن حاصل بنفسـه بلا حاجـة إلى حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان(2).
ومنها: ما أفاده المحقّق العراقي على ما في تقريراتـه ممّا ملخّصـه: أنّ مع حصول الترخيص في الرتبـة السابقـة عن جريان البراءة بحكم العقل بالتخيـير بين الفعل والترك لا يبقى مجال لجريان أدلّـة البراءة العقليّـة والشرعيّـة، هذا(3).
ولا يخفى ما في جميع هذه الوجوه من الخلل والضعف.
أمّا الوجـه الأوّل: فلأنّ المراد بعدم قصور في البيان إن كان هو عدم القصور بالنسبـة إلى جنس التكليف فواضح، ونحن أيضاً نقول بـه، ولكن ذلك لا ينافي قصوره بالنسبـة إلى نوع التكليف. وإن كان المراد بـه هو عدم القصور بملاحظـة النوع أيضاً فنحن نمنع ذلك، كيف وخصوصيّـة الوجوب والحرمـة مجهولـة، فالحكم بنفي العقاب عليها متوقّف على إجراء قاعدة قبح العقاب بلا بيان، وبدونها لا مجال لهذا الحكم أصلا، كما لايخفى.
1 ـ كفايـة الاُصول: 405.
2 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 3: 448.
3 ـ نهايـة الأفكار 3: 293.
(الصفحة71)
وأمّا الوجـه الثاني: فلأنّ القطع بعدم العقاب وبوجود المؤمّن ممّا لا يحصل لو اُغمض النظر عن حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان، ومجرّد سقوط العلم الإجمالي عن التنجيز والتأثير وصيرورة وجوده كعدمـه لا يجدي ما لم ينضمّ إليـه القاعدة، كيف ولو فرض جواز العقوبـة على خصوصيّـة الوجوب مثلا ولو كانت مجهولـة فمن أين يقطع بعدم العقاب ووجود المؤمّن حينئذ، فهذا القطع إنّما هو بملاحظـة هذه القاعدة.
وأمّا الوجـه الثالث: فلأنّ الحكم بتأخّر رتبـة أدلّـة البراءة عن حكم العقل بالتخيـير بين الفعل والترك ممنوع جدّاً، فإنّ الحكم بالتخيـير إنّما هو بعد ثبوت قبح العقاب على خصوصيّـة الوجوب والحرمـة، لأنّـه لو فرض إمكان العقوبـة على التكليف الوجوبي مثلا وإن كان مجهولا لا يحكم العقل بالتخيـير، فحكمـه بـه إنّما هو بعد ملاحظـة عدم ثبوت البيان على الخصوصيـة وعدم جواز العقوبـة عليها كما عرفت، هذا.
في جريان الأصل الشرعي
وأمّا البراءة الشرعيّـة: فالظاهر بملاحظـة ما ذكرنا في وجـه جريان البراءة العقليّـة جريانها أيضاً، لأنّ التكليف بنوعـه مجهول، فيشملـه مثل حديث الرفع.
ولكن المحقّق النائيني نفى جريانها، نظراً إلى أنّ مدركها قولـه (صلى الله عليه وآله وسلم): «رفع ما لا يعلمون»(1). والرفع فرع إمكان الوضع، وفي المقام لا يمكن وضع
1 ـ التوحيد: 353 / 24، الخصال: 417 / 9، وسائل الشيعـة 5: 369، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، الباب56، الحديث1.
(الصفحة72)
الوجوب والحرمة كليهما لا على سبيل التعيـين ولا على سبيل التخيـير، ومع عدم إمكان الوضع لا يعقل الرفع، فأدلّـة البراءة الشرعيّـة لا تعمّ المقام أيضاً(1)، هذا.
ويرد عليـه: أنّ في مورد دوران الأمر بين المحذورين يتمسّك بحديث الرفع مرّتين، تارة لرفع الوجوب المجهول، واُخرى لرفع الحرمـة المجهولـة، ومن الواضح أنّ وضع الوجوب بنفسـه ممّا يمكن، كما أنّ وضع الحرمـة لا استحالـة فيـه. نعم ما لا يمكن وضعـه هو مجموع الوجوب والحرمـة، وهو لا يكون مفاد حديث الرفع، فما يمكن وضعـه يشملـه الحديث، وما لا يشملـه لا يمكن وضعـه.
وأمّا أصالـة الإباحـة فمحصّل ما أفاده في وجـه عدم جريانها اُمور:
الأوّل: عدم شمول دليلها لصورة دوران الأمر بين المحذورين، فإنّـه يختصّ بما إذا كان طرف الحرمـة الحلّ، كما هو الظاهر من قولـه (عليه السلام): «كلّ شيء فيـه حلال وحرام فهو لك حلال»(2). وليس في هذا الباب احتمال الإباحـة والحلّ، بل الطرف هو الوجوب.
الثاني: أنّ دليل أصالـة الحلّ يختصّ بالشبهات الموضوعيـة ولا يعمّ الشبهات الحكميّـة.
الثالث: أنّ جعل الإباحـة الظاهريّـة مع العلم بجنس الإلزام لا يمكن، فإنّ أصالـة الإباحـة بمدلولها المطابقي تنافي المعلوم بالإجمال، لأنّ مفاد أصالـة
1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 3: 448.
2 ـ الفقيـه 3: 216 / 1002، وسائل الشيعـة 17: 87، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب بـه، الباب4، الحديث1.
(الصفحة73)
الإباحـة الرخصـة في الفعل والترك، وهذا يناقض العلم بالإلزام وإن لم يكن لهذا العلم أثر عملي وكان وجوده كعدمـه لا يقتضي التنجيز، إلاّ أنّـه حاصل بالوجدان ولا يجتمع مع جعل الإباحـة ولو ظاهراً(1)، انتهى.
ويرد عليـه اُمور:
الأوّل: منع ما ذكره في الأمر الثاني من اختصاص دليل أصالـة الحلّ بالشبهات الموضوعيـة، فإنّـه قد مرّ عدم الاختصاص.
الثاني: أنّ ظاهر كلامـه هو كون أصالـة الحلّ متّحداً مع أصالـة الإباحـة، مع أنّ معنى الإباحـة هو تساوي الفعل والترك، ومعنى الحلّيـة هو عدم كون فعلـه محرّماً وممنوعاً، فالحلّيـة تغاير الإباحـة، وما دلّ عليـه النصوص والروايات(2)هي أصالـة الحلّيـة لا الإباحـة، فإنّـه لم يرد في شيء منها الحكم بإباحـة مشكوك الحرمـة أصلا كما لايخفى.
الثالث: أنّ مقتضى ما ذكره أوّلا من عدم شمول دليل أصالـة الإباحـة لصورة دوران الأمر بين المحذورين ينافي ما ذكره أخيراً من أنّ مفاد أصالـة الإباحـة هو الترخيص في الفعل والترك. بيان ذلك: أنّ الترخيص في الفعل لا يعقل بعد كون الترخيص فيـه معلوماً، فإذا شكّ في وجوب الدعاء عند رؤيـة الهلال ـ مثلا ـ فما يمكن أن يدلّ عليـه أدلّـة البراءة بالنسبـة إلى الدعاء عندها هو الترخيص في تركـه، وأمّا الترخيص في الفعل فلا يدلّ عليـه أدلّـة البراءة; لكونـه
1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 3: 445.
2 ـ وسائل الشيعـة 17: 87، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب بـه، الباب4، الحديث1 و3، و25: 117، كتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأطعمة المباحة، الباب61، الحديث1 و7.
(الصفحة74)
معلوماً، فالترخيص في الفعل إنّما يعقل إذا كان الفعل مشكوك الحرمـة، كما أنّ الترخيص في الترك إنّما يمكن إذا كان الفعل مشكوك الوجوب، ولا يعقل الترخيص في الترك في الأوّل وفي الفعل في الثاني. وحينئذ: فمقتضى ما ذكره أخيراً من أنّ مفاد أصالـة الإباحـة هو الترخيص في الفعل والترك هو أن يكون الفعل مشكوك الحرمـة والوجوب، إذ لا يعقل الترخيص في الفعل مع العلم بعدم الحرمـة ولا في الترك مع العلم بعدم الوجوب، فالترخيص فيهما معاً إنّما هو إذا لم يعلم عدم الحرمـة ولا عدم الوجوب، بل دار الأمر بينهما، كما في المقام، فمفاد كلامـه الأخير هو اختصاص مورد أصالـة الإباحـة التي مرجعها إلى الترخيص في الفعل والترك بصورة دوران الأمر بين المحذورين، إذ لا يعقل الترخيص فيهما معاً في غيرها، ومقتضى كلامـه الأوّل هو اختصاص موردها بغير صورة الدوران بين المحذورين، وهذا تهافت فاحش، فتدبّر.
الرابع: أنّ ما ذكره من منافاة أصالـة الإباحـة بمدلولها المطابقي مع المعلوم بالإجمال محلّ نظر، بل منع; لأنّ ذلك مبني على أن يكون مفاده هو الرخصـة في الفعل والترك معاً، مع أنّ مثل قولـه: «كلّ شيء حلال حتّى تعرف أنّـه حرام» إنّما يدلّ على مجرّد الترخيص في الفعل في مقابل الحرمـة، ولا يدلّ على الترخيص في الفعل والترك معاً حتّى ينافي المعلوم بالإجمال. فمفاد أصالـة الإباحـة بمقتضى دليلها هو مجرّد نفي الحرمـة وجعل الترخيص الظاهري بالنسبـة إلى الفعل، وهذا لا ينافي الوجوب، كما هو واضح.
هذا مضافاً إلى أنّـه على فرض التنافي والمناقضـة لابأس بذلك، لأنّـه كالمناقضـة بين الأحكام الظاهريّـة والأحكام الواقعيـة، فما قيل في الجمع بينهما يقال هنا أيضاً. هذا كلّـه في أصالـة الإباحـة.
(الصفحة75)
وأمّا الاستصحاب: فمحصّل ما أفاده (قدس سره)
في وجـه عدم جريانـه أيضاً أنّـه لمّا كان الاستصحاب من الاُصول التنزيليـة فلا يمكن الجمع بين مؤدّاه والعلم الإجمالي، فإنّ البناء على عدم وجوب الفعل وعدم حرمتـه واقعاً ـ كما هو مفاد الاستصحابين ـ لا يجتمع مع العلم بوجوب الفعل أو حرمتـه.
وإن شئت قلت: إنّ البناء على مؤدّى الاستصحابين ينافي الموافقـة الإلتزاميـة فإنّ التصديق بأنّ للّه تعالى في هذه الواقعـة حكماً إلزامياً لا يجتمع مع البناء على عدم الوجوب والحرمـة واقعاً(1)، انتهى.
وفيـه: منع كون الاستصحاب من الاُصول التنزيليـة بهذا المعنى، فإنّـه ليس في شيء من أدلّتـه ما يدلّ أو يشعر بذلك إلاّ ما في صحيحـة زرارة الثالثـة من قولـه (عليه السلام): «فيبني عليـه»(2) ولكن لا يخفى أنّ المراد بالبناء على المتيقّن هو البناء العملي لا البناء القلبي على أنّ الواقع أيضاً كذلك حتّى ينافي الموافقـة الالتزاميـة على تقدير تسليم لزومها فلابأس بجريان الاستصحابين والبناء العملي على طبقهما، ولا منافاة بينهما وبين العلم الإجمالي بالوجوب أو الحرمـة أصلا، لما مرّ في أصالـة الإباحـة فراجع. إلاّ أن يكون الوجـه في عدم جريان الاُصول في أطراف العلم الإجمالي هو التناقض في أدلّـة الاُصول، فإنّـه حينئذ لا مجال لجريان الاستصحابين، كما لايخفى.
هذا كلّـه مع كون الطرفين مساويـين من حيث المزيّـة والترجيح.
1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 3: 449.
2 ـ الكافي 3: 351 / 3، وسائل الشيعـة 8: 216، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب10، الحديث3.
(الصفحة76)
اختلاف المحذورين من حيث الأهمّية مع وحدة الواقعة
أمّا لو كان لأحد الطرفين مزيّـة محتملـة أو محقّقـة فلا إشكال في وجوب الأخذ بـه لو كانت المزيّـة والأهمّيـة بمثابـة تمنع من جريان البراءة حتّى في الشبهات البدويّـة، كما في المثال المتقدّم من دوران الأمر بين كون الشخص الموجود في البين نبيّاً أو شخصاً آخر يجب قتلـه، وكما في دوران امرأتـه بين زوجتـه التي حلف على وطئها أو اُمّـه، وكما في غيرها من الموارد.
وأمّا لو لم تكن المزيّـة بهذه المثابـة فهل يستقلّ العقل بتعيّنـه، كما هو الحال في دوران الأمر بين التعيـين والتخيـير في غير المقام ـ كما نفى عنـه البعد في الكفايـة(1) أو لا يستقلّ بذلك، بل يحكم بالتخيـير أيضاً؟ الظاهر هو الثاني، لأنّ مورد دوران الأمر بين التعيـين والتخيـير هو ما إذا كان التكليف بنوعـه معلوماً. غايـة الأمر أنّـه شكّ في خصوصياتـه وأنّـه على نحو التعيـين أو على سبيل التخيـير، وحينئذ فيمكن أن يقال: بأنّ مقتضى الشكّ في السقوط بعد الإتيان بالعدل هو وجوب الاحتياط بالإتيان بما يحتمل تعيّنـه.
وأمّا في المقام فلا يكون التكليف بمنجّز أصلا، فليس هنا تكليف شكّ في سقوطـه حتّى يكون مقتضى قاعدة الاشتغال بقائـه ووجوب الخروج عن عهدتـه ومع عدم التكليف لا يبقى مجال لوجوب الأخذ بذي المزيّـة المحتملـة أو المحقّقـة، كما لايخفى.
هذا كلّـه إذا كانت الواقعـة واحدة.
1 ـ كفاية الاُصول: 406.
(الصفحة77)
في تعدّد الوقائع المقتضي لتعدّد التكليف
وأمّا إذا كانت متعدّدة فلا إشكال فيها أيضاً في ثبوت التخيـير، لكن هل التخيـير بدوي أو استمراري؟
ومنشأ الخلاف: أنّ العلم الإجمالي في كلّ واقعـة من الوقائع المتعدّدة وإن لم يمكن مخالفتـه قطعاً ولا موافقتـه كذلك، ولذا يحكم العقل بالتخيـير، إلاّ أنّ هنا علمين إجماليـين آخرين لهما موافقـة قطعيـة ومخالفـة كذلك، فإنّ العلم الإجمالي بوجوب صلاة الجمعـة أو حرمتها وإن لم يكن في خصوص يوم واحد لـه موافقـة ولا مخالفـة، إلاّ أنّـه يتولّد منـه علم إجمالي بوجوب صلاة الجمعـة في هذه الجمعـة أو حرمتها في جمعـة اُخرى، وكذا علم إجمالي بحرمتها في هذه الجمعـة ووجوبها في اُخرى، فإنّ من يعلم إجمالا بوجوب صلاة الجمعـة في كلّ جمعـة أو حرمتها فيـه يعلم أيضاً إجمالا بوجوبها في هذه الجمعـة أو حرمتها في الاُخرى، وكذا بحرمتها فيها أو وجوبها في الاُخرى، وهذان العلمان لهما موافقـة قطعيـة ومخالفـة قطعيـة.
غايـة الأمر: أنّ الموافقـة القطعيـة في إحداهما هي عين المخالفـة القطعيـة بالنسبـة إلى الآخر، فإنّ من يصلّي الجمعـة في جمعـة ويتركها في جمعـة اُخرى وافق العلم الإجمالي الأوّل قطعاً، وخالف الثاني أيضاً كذلك.
وحينئذ: فإن قلنا بثبوت الترجيح وأنّ المخالفـة القطعيـة لها مزيّـة على الموافقـة القطعيـة يكون التخيـير بدويّاً; لئلاّ يلزم المخالفـة القطعيـة بالنسبـة إلى العلمين الإجماليـين الآخرين، وإن قلنا بعدم ثبوت الترجيح وأنّـه لا فرق
(الصفحة78)
بينهما، يكون التخيـير استمراريّاً، وهذا هو الظاهر; لعدم الدليل على ترجيحها. وما حكى من كون المخالفـة القطعيـة علّـة تامّـة للحرمـة والموافقـة القطعيـة مقتضيـة للوجوب فليس إلاّ مجرّد دعوى بلا بيّنـة وبرهان.
وممّا ذكرنا ينقدح الخلل فيما أفاده المحقّق النائيني (قدس سره)
ممّا ملخّصـه: أنّ المخالفـة القطعيّـة لم يتعلّق بها التكليف التحريمي شرعاً، بل قبحها كحسن الطاعـة من المستقلاّت التي لا تستـتبع الخطاب المولوي، وحكم العقل بقبح المخالفـة القطعيـة فرع تنجّز التكليف، وإلاّ فنفس المخالفـة بما هي مخالفـة لا يحكم العقل بقبحها ما لم يتنجّز التكليف، فمخالفـة التكليف المنجّز قبيحـة عقلا. وأمّا مخالفـة التكليف الغير المنجّز فلا قبح فيها، وفي المقام يكون الأمر كذلك; لأنّـه في كلّ واقعـة يدور الأمر بين المحذورين فكون الواقعـة ممّا تـتكرّر لايوجب تبدّل المعلوم بالإجمال ولا خروج المورد عن كونـه من دوران الأمر بين المحذورين(1)، انتهى.
وجـه الخلل: أنّ المراد بالمخالفـة القطعيـة إن كان هي المخالفـة القطعيـة بالنسبـة إلى العلم الإجمالي الأوّل ـ وهو العلم الإجمالي بوجوب صلاة الجمعـة مطلقاً أو حرمتها كذلك ـ فمن الواضح أنّـه لا يكون لـه مخالفـة قطعيـة بعد كون التكليف في كلّ واقعـة تكليفاً مستقلاّ، ولا فرق من هذه الجهـة بين وحدة الواقعـة وتعدّدها، فكما أنّـه لا يكون لـه مخالفـة قطعيـة في صورة الوحدة، كذلك لايكون لـه تلك في صورة التعدّد.
وإن كان المراد بها هي المخالفـة القطعيـة بالنسبـة إلى العلمين
1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 3: 453 ـ 454.
(الصفحة79)
الإجماليـين الآخرين فلا وجـه للحكم بعدم قبحها بعد تنجّز التكليف. غايـة الأمر أنّك عرفت أنّـه حيث تكون المخالفـة القطعيـة بالنسبـة إلى أحدهما ملازمـة للموافقـة القطعيـة بالنسبـة إلى الآخـر ولا دليل على ترجيح الاُولى على الثانيـة، يحكم العقل بالتخيـير مستمرّاً. فالوجـه فـي ذلك مـا ذكرنا، لاما أفاده (قدس سره)
.
تنبيه : في دوران الأمر بين المحذورين في التعبديّات
قد مرّت الإشارة إلى أنّ دوران الأمر بين الوجوب والحرمـة إنّما يكون من قبيل دوران الأمر بين المحذورين إذا كان كلّ من الوجوب والحرمـة توصّلياً. وأمّا إذا كان كلاهما تعبّديـين فلا إشكال في عدم كون الدوران بينهما من ذلك القبيل لإمكان المخالفـة القطعيـة بالفعل مع عـدم قصد التقرّب، أو بالترك كـذلك وإن لـم يكن الموافقـة القطعيـة، وحينئذ فيجب عليـه الموافقـة الاحتماليـة بالإتيان بأحد الطرفين من الفعل أو الترك بقصد التقرّب، هذا.
ولو كان أحدهما المعيّن تعبّدياً فيمكن المخالفـة القطعيـة بالإتيان بالطرف التعبّدي لا مع قصد التقرّب، ولا يمكن الموافقـة القطعيـة، فيجب عليـه ترك المخالفـة القطعيـة إمّا بالإتيان بالطرف التعبّدي مع قصد التقرّب، وإمّا الإتيان بالطرف الآخر، هذا.
ولـو كان أحدهما الغير المعيّن تعبّدياً والآخـر الغير المعيّن توصّلياً فلايمكن المخالفـة القطعيـة، فيصير أيضاً مـن قبيل الـدوران بين المحذورين، كما هـو واضح.
(الصفحة80)
|
|