جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
معتمد الأصول المجلد الثاني « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>


(الصفحة81)








القول



في أصل الاشتغـال





ويقع ا لكلام في مقامين :


(الصفحة82)






(الصفحة83)





المقام الأوّل

في تردّد المكلّف به بين أمرين متباينين أو اُمور متباينة

وقبل الخوض في ذلك لابدّ من تقديم أمرين:

ملاك حكم العقل لجريان قاعدة الاشتغال

الأوّل: أنّ تمام الملاك لجريان قاعـدة الاشتغال التي يحكم بها العقل هـو أن يكون الشكّ في المكلّف بـه مع العلم بأصل التكليف، وأن يكون الاحتياط ممكناً. وإذا تحقّق هذان الأمران يحكم العقل بالاشتغال ووجوب الاحتياط، بلافرق بين أن يكون التكليف المعلوم الذي شكّ في متعلّقـه تكليفاً وجوبياً أو تحريمياً، وبلا فرق بين أن يكون التكليف المعلوم هو نوع التكليف، كما إذا علم بأنّـه مكلّف بتكليف وجوبي بعد الزوال من يوم الجمعـة وشكّ في أنّ الواجب هل هي الجمعـة أو الظهر، أو جنس التكليف، كما إذا علم أنّـه مكلّف بتكليف إلزامي، ولكنّـه لا يعلم هل هو وجوب هذا أو حرمـة ذاك.


(الصفحة84)

وبلا فرق أيضاً بين أن يكون الشبهـة موضوعيّـة والشكّ مستنداً إلى الاشتباه في الاُمـور الخارجيـة، أو كانت الشبهـة حكميّـة منشؤها فقدان النصّ أو إجمالـه أو تعارضـه.

إمكان الترخيص في أطراف العلم الإجمالي

الثاني: أنّ تـردّد المكلّف بـه قـد يكون مـع العلم الجـازم بالتكليف الواقعـي الفعلي بحيث تعلّقت الإرادة الحتميّـة مـن المولى بذلك، ففي مثل ذلك لا فرق بين الشبهـة المحصورة وغيرها في عدم إمكان الترخيص ولو في بعض الأطراف، ضرورة مناقضـة الترخيص ولو كذلك مع الإرادة الجدّيـة الواقعيـة ولا يمكن اجتماعهما، فالمولى إذا أراد حفظ ولـده جـدّاً بحيث لم يرض بقتلـه أصلا كيف يمكـن لـه حينئذ أن يرخّص في قتل فـرد مشتبـه ولـو كانت الشبهـة غير محصورة، فضلا عمّا إذا كانت الشبهـة محصورة، سيّما إذا رخّص في جميع الأطراف.
وبالجملـة: لا ينبغي الارتياب في أنّ مع العلم بالتكليف الفعلي الواقعي الناشئ عن الإرادة الجدّيـة الحتميّـة لا يعقل الترخيص من المولى أصلا، فيحرم مخالفتـه القطعيـة، كما أنّـه يجب موافقتـه القطعيـة، ولا أظنّ بأن يخالف في ذلك أحد، ومخالفـة العلمين المحقّقين الخوانساري والقمي (قدس سرهما) في حرمـة المخالفـة القطعيـة إنّما هو في غير هذه الصورة، إذ وضوح ما ذكرنا بمكان لا يظنّ بأحد من العلماء فضلا مثلهما أن يتوهّم المخالفـة، كما لايخفى وإن وقع الخلاف والاشتباه في بعض الكلمات، هذا.


(الصفحة85)

وقد يكون تردّد المكلّف بـه مع العلم القطعي لا بالتكليف الفعلي الواقعي، بل بقيام حجّـة معتبرة شرعيّـة عليـه كشمول عموم أو إطلاق أو قيام أمارة كخبر الواحد وشهادة العدلين ونحوهما، فهو على قسمين، فإنّـه قد يعلم بأنّـه مع مصادفـة الحجّـة المعتبرة للواقع يكون الواقع مطلوباً للمولى ومراداً لـه بحيث لم يرفع يده عنـه أصلا، وقد لا يعلم ذلك.

ففـي القسـم الأوّل لا معنـى للتـرخيـص; لأنّ التـرخيص ولـو فـي بعـض الأطراف لا يجتمع مع إرادة المولى الواقع على تقديـر المطابقـة، وإرادة المولى وإن لم تكن معلومة لعدم العلم بالمطابقـة ضرورةً، إلاّ أنّ احتمال المصادفـة مـع العلم بالترخيص مرجعـه إلى احتمال اجتماع النقيضين وهو ـ كالقطع بـه ـ مستحيل بداهـة.

وأمّا القسم الثاني الذي مرجعـه إلى العلم بقيام الحجّـة المعتبرة وعدم العلم بكون الواقع مراداً على تقدير المصادفـة، فهو يمكن أن يقع فيـه الترخيص، ولا تلزم المناقضـة أصلا; ضرورة أنّ مع عدم المصادفـة لا يلزم مناقضـة، لعدم ورود الترخيص على مورد الحكم الواقعي، ومع المصادفـة يكون مرجع الترخيص إلى رفع اليد عن الحكم الواقعي لمصلحـة أهمّ من مصلحـة درك الواقع، كما هو الشأن في الشبهات البدويّـة، فإنّ الترخيص في مطلقها مع ثبوت الحكم الواقعي في بعض مواردها إنّما هو لأجل أنّـه رفع اليد عن الحكم الواقعي لمصلحـة أهمّ.
نعم في المقام قبل ورود الترخيص يحكم العقل بلزوم المشي على طبق

(الصفحة86)

الأمارة ووجوب الاحتياط، ولا فرق في نظره من هذه الحيثيـة بين العلم التفصيلي والعلم الإجمالي، فكما أنّ العالم تفصيلا بحجّـة معتبرة شرعيّـة لا يكون معذوراً لو خالفها وصادف الواقع، فكذلك العالم إجمالا بها لا يكون معذوراً لو خالفها ولو بإتيان بعض الأطراف، ويجب عليـه الاحتياط بإتيان الجميع في الشبهات الوجوبيـة وبتركـه في الشبهات التحريميـة.
وممّا ذكرنا ظهر: أنّ الترخيص والإذن في الارتكاب لا يكون ترخيصاً في المعصيـة التي هي قبيحـة عند العقل، فيلزم من ذلك مضافاً إلى الترخيص فيما هو قبيح عند العقل ـ وهو لا يصدر من الحكيم ـ المناقضـة، لعدم إمكان اجتماع المعصيـة مع الترخيص فيها بعد كونها متوقّفـة على تكليف المولى، كما لايخفى، وذلك لأنّ المعصيـة القبيحـة التي يستحقّ بها العبد العقوبـة هي مخالفـة المولى في بعثـه وزجره، وإلاّ فمن الواضح أنّ مخالفـة الأمارة التي هي طريق إلى الواقع لا تكون معصيـة، والترخيص في جميع الأطراف إنّما يرجع إلى الترخيص في مخالفـة الأمارة وعدم المشي على طبقها، وهي لا تكون بنفسها قبيحـة موجبـة لاستحقاق العقوبـة.
وإن شئت قلت: إنّ القبيح والموجب لاستحقاق العقوبـة هي مخالفـة التكليف الواقعي الذي كان مطلوباً للمولى ولم يرفع يده عنـه لمصلحـة اُخرى أهمّ، وأمّا مخالفـة التكليف الواقعي الذي يكون قد رفع اليد عنـه لها فلا تكون قبيحـة ولا موجبـة لاستحقاق العقوبـة أصلا.
فانقـدح مـن جميع مـا ذكرنـا: الخلـل فيمـا أفـاده بعـض الأعـلام مـن أنّ التـرخيص فـي جميـع الأطـراف يوجب الترخيص فـي المعصيـة وهـو مستلـزم

(الصفحة87)

للتناقض(1). وبالجملـة: فالعقل قبل ورود الترخيص وإن كان يحكم بلزوم العمل على طبق الحجّـة الإجماليـة ووجوب المشي معها بالاحتياط، إلاّ أنّـه لا مانع عنده من ورود الترخيص ولو في جميع الأطراف.
وحينئذ: فلابدّ من ملاحظـة أنّـه هل يكون هنا مانع من جهـة اُخرى، أم لا، وعلى تقدير عدم المانع فهل هنا ما يـدلّ على الترخيص في أطراف العلم الإجمالي أم لا.
وليعلم أنّـه على تقدير عـدم المانـع ووجـود الترخيص لا يكون الأدلّـة المـرخّصـة مقيّـدة للإطـلاق أو الـعمـوم الشـامليـن لحـال العلـم الإجمـالـي بصـورة العلم التفصيلي بالموضـوع أو الحكم، فإنّـه ـ مضافـاً إلى الاستحالـة فـي قسم ـ يكـون مقتضى التقيـيد عدم وجـوب التعليم والتعلّم حينئذ، كمـا لا يخفى.
مـع أنّ مـن الواضح وجوبهما على العالـم والجاهل، وكذا لاندّعي كونها مقيّدة لحجّيـة الأمارة بصورة العلم التفصيلي بقيامها، بل نقول بأنّ في جميع ذلك يكون الإطلاق أو العموم أو الأمارة بحالـه، غايـة الأمر أنّ المولى لمراعاة مصلحـة أهمّ اضطرّ إلى رفع اليد عنـه وجعل الترخيص.





1 ـ أجود التقريرات 2: 241.

(الصفحة88)

الكلام في المخالفة القطعية

الروايات الدالّة على الترخيص في أطراف العلم الإجمالي

إذا عرفت ذلك فاعلم: أنّ ما يدلّ بظاهره من الروايات على الترخيص في أطراف العلم الإجمالي كثير.
منها: مرسلـة معاويـة بن عمّار عن رجل من أصحابنا قال: كنت عند أبيجعفر (عليه السلام) فسألـه رجل عن الجبن، فقال أبوجعفر (عليه السلام): «إنّـه لطعام يعجبني ، سأخبرك عن الجبن وغيره، كلّ شيء فيـه الحلال والحرام فهو لك حلال حتّى تعرف الحرام فتدعـه بعينـه»(1).
وقد وردت هذه الكلّيـة في روايـة عبداللّه بن سنان عن أبيعبداللّه (عليه السلام)قال: «كلّ شيء فيـه حلال وحرام فهو لك حلال أبداً حتّى تعرف الحرام منـه بعينـه فتدعـه»(2).
والاحتمالات الجاريـة في صدر الروايتين مع قطع النظر عن الغايـة المذكورة فيهما ثلاثـة:
أحدها: أن يكون المراد بالشيء هي الطبيعـة الواحدة التي يوجد فيها

1 ـ المحاسن: 496 / 601، وسائل الشيعـة 25: 119، كتاب الأطعمـة والأشربـة، أبواب الأطعمـة المباحـة، الباب61، الحديث7.
2 ـ الفقيـه 3: 216 / 1002، وسائل الشيعـة 17: 87، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب بـه، الباب4، الحديث1.

(الصفحة89)

الحلال باعتبار بعض أنواعـه والحرام باعتبار بعضها الآخر، وحينئذ فيصير المراد أنّ هذه الطبيعـة الواحدة لك حلال حتّى تعرف نوعها الحرام بعينـه، وحينئذ فيختصّ بالشبهات البدويّـة، ولا يشمل صورة العلم الإجمالي والشبهات المحصورة.
ثانيها: أن يكون المراد بالشيء مجموع الشيئين أو الأشياء التي يعلم بوجود الحرام بينهما أو بينها إجمالا، وحينئذ فينحصر موردها بأطراف العلم الإجمالي.
ثالثها: أن يكون المراد بـه أعمّ من القسم الأوّل والثاني، فتشمل الروايتان الشبهات البدويّـة والمحصورة جميعاً، هذا.
وأمّا ذيل الروايتين: فإن كان المراد بالشيء هو الاحتمال الأوّل فيمكن أن يكون المراد بالمعرفـة أعمّ من المعرفـة التفصيليـة والإجماليّـة، لكن هذا الاحتمال أبعد الاحتمالات الثلاثـة.
ولو كان المراد بـه هو الاحتمال الثاني فاللازم أن يكون المراد بالمعرفـة، المعرفـة التفصيليـة.
كما أنّـه بناء على الاحتمال الثالث لابدّ أن يكون المراد بها هذه المعرفـة، لاستهجان جعل الغايـة للشبهـة البدويّـة أعمّ من المعرفـة الإجماليّـة، مع أنّ المغيّى شامل لصورة العلم الإجمالي أيضاً التي لابدّ أن يكون المراد من الغايـة بالنسبـة إليها المعرفـة التفصيليـة، كما هو واضح.
وكيف كان: فالروايتان بناءً على الاحتمالين الأخيرين تدلاّن على جعل الحلّيـة في أطراف الشبهـة المحصورة.
ومثـلهمـا فـي الـدلالـة علـى ذلـك روايـة مسعـدة بـن صـدقـة عـن أبيعبداللّه (عليه السلام)قال: سمعتـه يقول: «كلّ شيء هو لك حلال حتّى تعلم أنّـه حرام

(الصفحة90)

بعينـه فتدعـه من قبل نفسك، وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريتـه وهو سرقـة، والمملوك عندك ولعلّـه حرّ قد باع نفسـه أو خدع فبيع قهراً، أو امرأة تحتك وهي اُختك أو رضيعتك، والأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير ذلك أو تقوم بـه البيّنـة»(1).
فإنّ المراد بالشيء هـو كلّ ما شكّ فـي حلّيتـه وحرمتـه، والغايـة هـو العلم بحرمـة نفس ذلك الشيء المشكوك، فتشمل الشبهـة المحصورة، كما هـو واضح، هذا.
ولكن لا يخفى أنّ روايـة معاويـة بن عمّار مرسلـة لا يجوز الاعتماد عليها. ومثلها في عدم جواز الاعتماد روايـة عبداللّه بن سليمان(2) الواردة في الجبن المشتملـة على هذه القاعدة الكلّيـة، وذلك لأنّ عبداللّه بن سليمان مجهول، مضافاً إلى أنّ موردها الجبن، ومنشأ احتمال التحريم فيـه هو أنّـه قد توضع فيـه الأنفحـة من الميتـة، وصار ذلك موجباً لتقسيم الجبن إلى قسمين حلال وحرام، مع أنّ الجبن بحسب مذهب أهل الحقّ حلال كلّـه حتّى الجبن الذي علم تفصيلا بأنّـه وضعت فيـه الأنفحـة من الميتـة فلا يكون منقسماً على قسمين.
وحينئذ فيقوى في النظر صدور الروايتين تقيـة; للحكم فيهما بجواز أكل الجبن من جهـة الاشتباه لا في نفسـه، مع أنّ الواقع ليس كذلك.


1 ـ الكافي 5: 313 / 40، وسائل الشيعـة 17: 89، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب بـه، الباب4، الحديث4.
2 ـ الكافي 6: 339 / 1، وسائل الشيعـة 25: 117، كتاب الأطعمـة والأشربـة، أبواب الأطعمـة المباحـة، الباب61، الحديث1.

(الصفحة91)

وأمّا روايـة مسعدة فهي أيضاً غير قابلـة للاعتماد، لأنّ الأمثلـة المذكورة فيها لا تكون الحلّيـة فيها مستندة إلى قاعدة الحلّيـة المجعولـة في الصدر، بل الحلّيـة فيها لأجل وجود بعض الأمارات أو الاُصول المتقدّمـة على قاعدة الحلّيـة في موردها مثل اليد وإقرار العقلاء على أنفسهم واستصحاب عدم كونها رضيعـة لـه وكذا استصحاب عدم كونها اُختاً لـه بناءً على جريانـه على خلاف ما هو الحق.
وبالجملـة: فجعل قاعدة كلّيـة ثمّ إيراد أمثلـة لها خارجـة عنها داخلـة في قواعد اُخر مستهجن لا يصدر من مثل الإمام (عليه السلام)، فالروايـة من هذه الجهـة موهونـة جدّاً. فلم يبق في البين إلاّ روايـة عبداللّه بن سنان المتقدّمـة، وهي صحيحـة من حيث السند تامّـة من حيث الدلالـة، خاليـة عن احتمال الصدور تقيـة، لعدم مورد لها.
وقد عرفت: أنّ العقل لا يأبى من الترخيص في جميع أطراف الشبهـة المحصورة، لعدم كون الترخيص فيـه ترخيصاً في المعصيـة بنظره، إلاّ أنّـه حيث يكون المتفاهم من مثل هذه الروايـة عند العرف والعقلاء هو الترخيص في المعصيـة ـ وهو مضافاً إلى قبحـه غير معقول; لاستلزامـه التناقض كما عرفت سابقاً ـ فلابدّ من رفع اليد عنها ولا يجوز الأخذ بمضمونها والحكم بالحلّيـة، ويؤيّده ما حكي عن صاحب الجواهر من ندور العامل بمثل هذه الروايـة والأخذ بمضمونها(1).
فانقدح من جميع ما ذكرنا: أنّ أصالـة الحلّيـة لا تجري في موارد الشبهـة

1 ـ جواهر الكلام 1: 294 ـ 298.

(الصفحة92)

المحصورة، وكذا أدلّـة أصالـة البراءة; لأنّ مفادها هو جعل التوسعـة للناس وعدم التضيـيق عليهم في موارد الجعل وعدم العلم، والحكم في الشبهـة المحصورة معلوم لا خفاء فيـه. وبعبارة اُخرى: لا يجتمع الترخيص في جميع الأطراف مع العلم بعدم الرخصـة في بعضها إجمالا بعد كون مورد الترخيص هو صورة الجهل وعدم العلم، هذا.

مقالة الشيخ في وجه عدم جريان الاُصول في أطراف العلم الإجمالي

وقد اختلفت كلمات الشيخ (قدس سره) في وجـه عدم جريان الاُصول في أطراف العلم الإجمالي، فظاهر كلامـه في مبحث الاشتغال(1) وصريحـه في أواخر الاستصحاب(2) أنّ المانع من جريان الاُصول هو لزوم التناقض من جريانها على فرض الشمول، لأنّ قولـه: «لا تنقض اليقين بالشكّ ولكن تنقضـه بيقين آخر» ـ مثلا يدلّ على حرمـة النقض بالشكّ ووجوب النقض باليقين، فإذا فرض اليقين بارتفاع الحالـة السابقـة في أحد المستصحبين فلا يجوز إبقاء كلّ منهما تحت عموم حرمـة النقض بالشكّ، لأنّـه مستلزم لطرح الحكم بنقض اليقين بمثلـه، فالمانع عنده حينئذ هوجهـة الإثبات وعدم شمول الأدلّـة، ولكنّ الذي يظهر من كلامـه في بحث القطع(3).
وفي بعض المواضع الاُخر أنّ المانع هو لزوم المخالفـة العمليّـة، وحينئذ

1 ـ فرائد الاُصول 2: 404.
2 ـ نفس المصدر 2: 744 ـ 745.
3 ـ نفس المصدر 1: 27.

(الصفحة93)

فالمانع هو عدم إمكان الجعل ثبوتاً.
وكيف كان: فلو كان المانع عنده هـو جهـة الإثبات وقصور الأدلّـة عـن الشمول يرد عليـه: أنّ المراد باليقين المأخوذ في قولـه: «لا تنقض اليقين بالشكّ...» هـل هـو اليقين الوجداني أو الحجّـة المعتبـرة، يقينيّـاً كانت أو غيره؟
فعلى الأوّل نقول: إنّ الحكم بحرمـة نقض اليقين الواجـداني بالشكّ وإن كان قابلا للجعل، إلاّ أنّ الحكم بوجوب نقض اليقين بيقين آخـر مثلـه لايكون قابلا للجعل بعد كون حجّيـة القطع غير قابلـة للإثبات ولا للنفي كما تقدّم في مبحث القطـع. فقولـه: «ولكـن تنقضـه بيقين آخـر» لا يكون بصدد جعل حكم آخـر حتّى يتحقّق التناقض بينـه وبين الحكم الأوّل على تقدير جريانـه فـي أطراف العلم الإجمالي، بل بصدد التحديـد للحكم المجعول أوّلا، وأنّ حرمـة النقض بالشكّ تكون ثابتـة إلى أن يجيء يقين آخر، فظهر أنّـه بناءً على هـذا الاحتمال لاتكون الروايـة مشتملـة علـى حكمين حتّى يتحقّق مـورد التناقض وعدمـه.
ومن هنا ظهر: أنّـه بناءً على الاحتمال الثاني أيضاً لا تكون الروايـة كذلك; لأنّ الحكم بوجوب نقض الحجّـة المعتبرة غير القطع بحجّـة اُخرى وإن كان قابلا للجعل والتشريع، إلاّ أنّـه باعتبار كون القطع أيضاً من أفراد الحجّـة المعتبرة لايمكن هذا التشريع، وجعل الحكم بالنسبـة إلى بعض أفراد الحجّـة وبيان التحديد بالنسبـة إلى بعضها الآخر ممّا لا يكون لهما جامع حتّى يمكن في استعمال واحد، كما هو واضح.
هذا كلّـه مضافاً إلى أنّـه لو سلّم جميع ذلك نقول: ظاهر سياق الروايـة أنّ

(الصفحة94)

المراد باليقين في قولـه: «ولكن تنقضـه بيقين آخر» هو اليقين بما تعلّق بـه اليقين والشكّ في قولـه: «ولا تنقض اليقين بالشكّ» لا اليقين بأمر آخر، ضرورة عدم وجوب النقض باليقين المتعلّق بشيء آخر، كما هو واضح.
وحينئذ نقول: إنّ في موارد العلم الإجمالي لا يكون العلم الإجمالي متعلّقاً بنفس ما تعلّق بـه اليقين السابق، فلا يجب نقضـه بـه.
ألا ترى أنّـه لو علم إجمالا بنجاسـة أحد الإنائين اللذين علم بطهارتهما سابقاً لا يكون العلم الإجمالي متعلّقاً بنفس مـا تعلّق بـه اليقين السابق، ضرورة أنّ اليقين السابق إنّما تعلّق بطهارة هذا الإناء بالخصوص وبطهارة ذاك الإناء كذلك، ولم يتحقّق بعد يقين بنجاسـة واحد معيّن منهما حتّى يجب نقض اليقين السابق باليقين اللاحق، بل الموجود هو اليقين بنجاسـة أحـدهما المردّد، وهـو لم يكن مسبوقاً باليقين بالطهارة، فمتعلّق اليقين السابق واللاحق مختلف، فلا يجب النقض بـه.
فانقدح: أنّ أدلّـة الاستصحاب تجري في المقام ولا يلزم التناقض أصلا، فلو كان هناك مانع فإنّما هـو مـن جهة الثبوت كما اختـاره في مواضع اُخـر، فتأمّل جيّداً.

تفصيل المحقّق النائيني في جريان الاُصول

ثمّ إنّ بعض الأعاظم من المعاصرين فصّل على مـا في التقريرات بين أصالـة الإباحـة وغيرها في دوران الأمر بين المحذورين، وكذا بين الاستصحاب وغيره في المقام، فجعل المحذور في جريان أصالـة الإباحـة هناك غير ما هو

(الصفحة95)

المحذور في جريان غيرها من الاُصول(1). وقد عرفت ذلك الجواب عنـه سابقاً.
وأمّا هنا فحكم بعدم جريان مثل الاستصحاب من الاُصول التنزيليـة في أطراف العلم الإجمالي مطلقاً من غير فرق بين أن يلزم من جريان الاستصحابين مخالفـة عمليّـة أم لا، وبعدم جريان غيرها من الاُصول كأصالـة الإباحـة والطهارة وغيرهما إذا لـزم مـن جريانها مخالفـة عمليـة قطعيـة للتكليف المعلوم فـي البين.
قال في وجـه ذلك ما ملخّصـه: إنّ المجعول في الاُصول التنزيليـة إنّما هو البناء العملي والأخذ بأحد طرفي الشكّ على أنّـه هو الواقع، وإلغاء الطرف الآخر، وجعل الشكّ كالعدم في عالم التشريع، فإنّ ظاهر قولـه (عليه السلام): «لا تنقض اليقين بالشكّ»(2) هو البناء العملي على بقاء المتيقّن وتنزيل حال الشكّ منزلـة حال اليقين، وهذا المعنى لا يمكن جعلـه بالنسبـة إلى جميع الأطراف في العلم الإجمالي، للعلم بانتقاض الحالـة السابقـة في بعض الأطراف، فإنّ الإحراز التعبّدي لا يجتمع مع الإحراز الوجداني بالخلاف، وهذا لا فرق فيـه بين أن يلزم من جريان الاستصحابين مخالفـة عمليّـة أم لا، لعدم إمكان الجعل ثبوتاً، وأمّا الاُصول الغير التنزيليـة فلا مانع من جريانها إلاّ المخالفـة العمليّـة للتكليف المعلوم في البين، فهي لا تجري إن لزم من جريانها ذلك، وتجري إن لم يلزم(3). انتهى ملخّصاً.


1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 3: 445 ـ 449.
2 ـ الكافي 3: 351 / 3، وسائل الشيعـة 8: 216، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب10، الحديث3.
3 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 14 ـ 17.

(الصفحة96)

ويرد عليـه أوّلا: أنّ كون الاستصحاب من الاُصول التنزيليـة بالمعنى الذي أفاده محلّ نظر، بل منع; فإنّ الكبرى المجعولـة في أدلّتـه ليست إلاّ حرمـة نقض اليقين بالشكّ، وظاهرها هو وجوب ترتيب آثار المتيقّن في طرف الشكّ وتطبيق عملـه على عمل المتيقّن.
وأمّا البناء على أنّـه هو الواقع وإلغاء الطرف الآخر وجعل الشكّ كالعدم فلا يستفاد من شيء من الأخبار الواردة في الاستصحاب. كيف واعتبار إلغاء الشكّ وجعلـه كالعدم في عالم التشريع لا يجتمع مع اعتباره في الصغرى بقولـه (عليه السلام): «لأنّك كنت على يقين من طهارتك فشككت»(1) فتأمّل.
وبالجملـة: فلا يظهر من أخبار الاستصحاب إلاّ مجرّد ترتيب آثار الواقع في مقام العمل، لا الأخذ بالطرف الموافق للحالـة السابقـة بما أنّـه هو الواقع، كما لايخفى.
وثانياً: لو سلّم كون الاستصحاب من الاُصول التنزيليـة، فلا نسلّم عدم جريانها في أطراف العلم الإجمالي; فإنّ كلاّ منها مشكوك فيـه مسبوق بالحالـة السابقـة، فلا مانع من جريان الاستصحاب فيـه.
وما أفاده من أنّ الإحراز التعبّدي لا يجتمع مع الإحراز الوجداني بالخلاف محلّ منع; لعدم الدليل على عدم إمكان الاجتماع، فإنّ للشارع في عالم التشريع أن يتعبّدنا بترتيب آثار الوجود على ما ليس بموجود أو بالعكس، كما في المرتدّ الفطري، وبالتفكيك بين المتلازمين.


1 ـ تهذيب الأحكام 1: 421 / 1335، وسائل الشيعـة 3: 466، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب37، الحديث1.

(الصفحة97)

والعجب أنّـه (قدس سره) قد تنبّـه لورود هذا الإشكال عليـه، فذكر في آخر بحث الاستصحاب في مسألـة تعارض الاستصحابين مـا ملخّصـه: إنّـه ربّما يناقش فيما ذكرناه ـ من عـدم جـريان الاُصول المحـرزة في أطـراف العلم الإجمالي مطلقاً وإن لم يلزم منها مخالفـة عمليـة ـ بأنّـه يلزم على هذا عـدم جـواز التفكيك بين المتلازمين الشرعيـين كطهارة البدن وبقاء الحدث عند الوضوء بمائـع مردّد بين البول والماء; لأنّ استصحاب بقاء الحدث وطهارة البدن ينافي العلم الإجمالي بعدم بقاء الواقع في أحدهما، لأنّـه إن كان المائع ماءً فقد ارتفع الحـدث، وإن كان بولا فقد تنجّس البدن، فالتعبّد بالجمع بينهما لا يمكـن. بل يلزم عدم جواز التفكيك بين المتلازمين العقليـين أو العاديـين، فإنّ استصحاب حياة زيد وعدم نبات لحيتـه ينافي العلم العادي بعدم الواقع في أحدهما، للملازمـة بين الحياة والنبات، وكذا التعبّد ببقاء الكلّي وعدم حـدوث الفرد ونحـو ذلك من الأمثلـة.
وأجاب عن هذه الشبهـة بما ملخّصـه: إنّـه تارة يلزم من التعبّد بمؤدّى الأصلين العلم التفصيلي بكذب ما يؤدّيان إليـه; لأنّهما يتّفقان على نفي ما يعلم تفصيلا ثبوتـه، أو على ثبوت ما يعلم تفصيلا نفيـه، كما في استصحاب نجاسـة الإنائين أو طهارتهما مع العلم بطهارة أحدهما أو نجاستـه، فإنّ الاستصحابين يتوافقان في نفي ما يعلم تفصيلا من طهارة أحدهما أو نجاستـه.
واُخرى لا يلزم من التعبّد بمؤدّى الأصلين العلم التفصيلي بكذب ما يؤدّيان إليـه، بل يعلم إجمالا بعدم مطابقـة أحد الأصلين للواقع من دون أن يتوافقا في ثبوت ما علم تفصيلا نفيـه، أو نفى ما علم تفصيلا ثبوتـه. بل لا يحصل من التعبّد بمؤدّى الأصلين إلاّ العلم بمخالفـة أحدهما للواقع، كما في الاُصول الجاريـة في

(الصفحة98)

الموارد التي يلزم منها التفكيك بين المتلازمين الشرعيـين أو العقليـين أو العاديـين. والفرق بين القسمين ممّا لا يكاد يخفى، والذي منعنا عن جريانـه في أطراف العلم الإجمالي هو الأوّل. وأمّا الثاني فلا محذور فيـه أصلا; لأنّ التلازم بحسب الواقع لا يلازم التلازم بحسب الظاهر(1)، انتهى.
ولا يخفى عدم وضوح الفرق بين القسمين; لأنّ جريان الاستصحاب في القسم الأوّل في كلّ واحد من الإنائين لا ينافي العلم بالطهارة أو النجاسـة، ولا يكون المجموع من حيث هو مجموع مورداً لجريان الاستصحاب حتّى يكون منافياً للعلم التفصيلي بالخلاف، بل مورده هو كلّ واحد منهما بالخصوص، ولاينافي شيء من الأصلين للعلم الإجمالي. غايـة الأمـر أنّـه بعد جريانهما يقطع بكذب أحدهما، للعلم الإجمالي بالطهارة أو النجاسـة، فلم يظهر فرق بينـه وبين القسم الثاني، ومجرّد توافق الأصلين في الأوّل وتخالفهما في الثاني لايوجب الفرق بينهما بعد كون الأوّل أيضاً مصداقين لحرمـة النقض بالشكّ لامصداقاً واحداً.
هذا مضافاً إلى أنّ اللازم من ذلك التفصيل في جريان الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي، لأنّـه قد تكون الأصلان متخالفين كما فيما لو علم بجنس التكليف، ودار الأمر بين وجوب شيء وحرمـة شيء آخر، مع كونهما مسبوقين بالعدم، فإنّ أصل عدم الوجوب يخالف مع أصالـة عدم الحرمـة ولا يكون بينهما توافق، كما هو واضح، وحينئذ فيصير من قبيل القسم الثاني، مع أنّـه لا يلتزم بالجريان في هذه الصورة أيضاً.


1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 694 ـ 695.

(الصفحة99)

فانقدح من جميع ما ذكرنا أنّ المانع من جريان الاُصول في أطراف الشبهـة المحصورة ليس إلاّ لزوم المخالفـة العمليّـة للتكليف المعلوم في البين، وحيث إنّ الاستلزام واللزوم إنّما هو فيما لو وقع الترخيص في جميع الأطراف، وأمّا الترخيص في بعضها فلا محذور فيـه من هذه الجهـة، فحينئذ يقع الكلام في أنّـه هل هنا شيء يمكن أن يستفاد منـه الترخيص في بعضها أم لا؟

الكلام في الموافقة القطعيّة

فنقول: لابدّ أوّلا من بيان أنّ العلم الإجمالي هل يكون علّـة تامّـة بالنسبـة إلى وجوب الموافقـة القطعيـة أم لا، بل لا يكون فيـه إلاّ مجرّد الاقتضاء، ثمّ على فرض الاقتضاء لابدّ من ملاحظـة الأدلّـة العامّـة المرخّصـة وأنّـه هل يستفاد منها الترخيص بالنسبـة إلى بعض الأطراف أم لا؟ وأمّا على القول بالعليّـة فلامجال لهذا البحث، لأنّـه لو فرض دلالتها على الترخيص فيـه فلابدّ من رفع اليد عنها، للحكم العقلي القطعي بخلافها.
إذا ظهر لك ذلك نقول: قد عرفت أنّ العلم الإجمالي قد يكون متعلّقـه هو التكليف الفعلي الواقعي الذي لا يرضى المولى بمخالفتـه أصلا، وقد يكون هو التكليف الثابت بإطلاق الدليل أو عمومـه أو بقيام أمارة معتبرة وحجّـة شرعيّـة. ففي الأوّل لا مجال للترخيص ولو كان بالنسبـة إلى بعض الأطراف من غير فرق بين الشبهـة المحصورة وغيرها. وفي الثاني لا محذور في الترخيص أصلا ولو بالنسبـة إلى جميع الأطراف ولا تلزم مناقضتـه أصلا.
أمّا على تقدير عدم مصادفـة الأمارة وعدم كون الإطلاق أو العموم مراداً

(الصفحة100)

جدّاً فواضح، وأمّا على تقدير المطابقـة وتعلّق الإرادة الجدّيـة بالإطلاق أو العموم فلابأس أيضاً; لأنّ مرجع الترخيص إلى رفع اليد عن الحكم الواقعي لمصلحـة أهمّ من مصلحـة درك الواقع، كما أنّـه لابدّ من الالتزام بذلك في الترخيص في مطلق الشبهات البدويّـة مع ثبوت الحكم الواقعي في بعض مواردها. هذا بحسب نظر العقل.
وأمّا العقلاء الذين هم المرجع والمتّبع في فهم الكلمات الصادرة عن الشارع فقد عرفت أنّ الترخيص في جميع الأطراف عندهم يكون ترخيصاً في المعصيـة وإذناً فيها، وهو مع قبحـه غير معقول، فلذا لا يعتمدون على ما ظاهره الترخيص في الجميع ويرفعون اليد عنـه. وأمّا الترخيص في البعض فالظاهر أنّـه لابأس بـه عندهم ولا يعدّونـه ترخيصاً في المعصيـة وإذناً في ارتكاب الخمر فيما إذا تردّد بين المايعين، ولا يكون عندهم المنافاة بين تحريم الخمر مطلقاً والترخيص في محتمل الخمريّـة; لاختلاف متعلّق الحكمين; لأنّ أحدهما الخمر والآخر مشتبـه الخمريّـة.
وحينئذ: فلا يكون عندهم مانع من شمول أدلّـة الحلّ وأصالـة البراءة والاستصحاب وغيرهما لبعض الأطراف لو قيل بعدم خروج أطراف العلم الإجمالي عن مورد أدلّتها; نظراً إلى أنّ موضوعها صورة الشكّ وعدم العلم، وهو يغاير صورة العلم وتردّد المعلوم بين هذا وذاك.
وبالجملـة: فرق بين ما إذا لـم يعلم بالخمريّـة واحتمل عـدمها، وبين مـا إذا علم بها وتـردّد موصوفها بين شيئين، فالصورة الاُولى يكون مـورداً لتلك الأدلّـة قطعاً، وأمّا الصورة الثانيـة فلا تكون عند العرف من موارد الشكّ وعـدم العلم حتّى تشملها تلك الأدلّـة وإن كانت منها بنظر العقل، لأنّ كلّ واحد من
<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>