جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
معتمد الأصول المجلد الثاني « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>


(الصفحة101)

المايعين مشكوك الخمريّـة حقيقـة، كما هو واضح.
وحينئذ فلو قلنا بخروج العلم الإجمالي عن مورد تلك الأدلّـة لم يبق مجال للبحث في دلالتها على الترخيص بالنسبـة إلى بعض الأطراف، وأمّا لو قلنا بعدم خروجـه، كما هو الظاهر فيقع الكلام في دلالتها على ذلك وعدمها.
فنقول: قد عرفت أنّ ما يمكن الاستدلال بـه للترخيص هي خصوص صحيحـة عبداللّه بن سنان المتقدّمـة(1)، وأمّا غيرها من الروايات فلا يجوز الاعتماد عليها بعد وجود الخلل في متنها أو في سندها، وأمّا صحيحـة عبداللّه بن سنان فهي صحيحـة من حيث السند، تامّـة من حيث الدلالـة، وقد عرفت أنّها تشمل صورة العلم الإجمالي قطعاً، وأنّ شمولها مبني على أن يكون المراد من الشيء المأخوذ فيها هو مجموع الشيئين اللذين أحدهما حلال والآخر حرام، فهي تدلّ على حلّيـة ذلك الشيء; أي المجموع. وحيث إنّـه غير قابل للأخذ بمضمونـه، لدلالتـه على الإذن في المعصيـة بحسب متفاهم العرف والعقلاء فلابدّ من رفع اليد عنـه، وليس هنا شيء آخر يدلّ على حلّيـة بعض الأطراف.
نعم لو كان الدليل دالاّ على حلّيـة كلّ مشتبـه لكان للبحث في دلالتـه على الترخيص في بعض الأطراف مجال، ولكنّـه لم يدلّ دليل معتبر على ذلك عدا روايـة مسعدة بن صدقـة المتقدّمـة(2) التي عرفت عدم جواز الاعتماد عليها، لاغتشاشها وعدم تطابق القاعدة مع الأمثلـة المذكورة فيها.
ثمّ إنّـه لو فرض دلالـة الدليل على حلّيـة كلّ مشتبـه لكان الظاهر منها هو

1 ـ تقدّمت في الصفحة 88.
2 ـ تقدّمت في الصفحة 89.

(الصفحة102)

حلّيـة كلّ مشتبـه معيّن، ولا يمكن الأخذ بـه في المقام، لأنّ إجراء هذه القاعدة في المجموع مستلزم للإذن في المعصيـة، وفي البعض المعيّن ترجيح من غير مرجّح، وفي البعض الغير المعيّن موجب للخروج عن الدليل الدالّ على اعتبارها، لأنّـه لم يدلّ إلاّ على حلّيـة كلّ مشتبـه معيّن. وإن شئت قلت: إنّ البعض الغير المعيّن لا يكون من أفراد العامّ أصلا، والدليل يتضمّن حلّيـة جميع أفراد العامّ.
ويمكن الذبّ عنـه بوجوه:
منها: أن يقال: إنّ الدليل اللفظي وإن لم يدلّ على الترخيص في البعض الغير المعيّن، إلاّ أنّـه يمكن استكشاف هذا الترخيص من الدليل اللفظي بضميمـة حكم العقل، لأنّ القضيـة المشتملـة على حكم متعلّق بعنوان على سبيل الإطلاق أو العموم يفهم منها أمران:
أحدهما: ثبوت ذلك الحكم لتمام أفراد عنوان الموضوع.
ثانيهما: وجود الملاك في كلّ فرد منها، ثمّ إن ثبت قيد يرجع إلى مادّة القضيـة فمقتضاه التضيـيق في ناحيـة الحكم والملاك معاً، فإذا ورد أكـرم العلماء، ثمّ ورد قولـه: لا تكرم الفسّاق من العلماء، يفهم من ذلك التقيـيد والتخصيص اختصاص الحكم والملاك بماعدا مورد المخصّص، وإن ثبت قيد يرجع إلى الإطلاق الهيئـة دون المادّة فلابدّ من رفع اليد عن إطلاق الطلب دون المادّة.
كما إذا ورد خطاب دالّ على وجوب إنقاذ الغريق، ثمّ وجد الغريقان، فإنّ ذلك الخطاب وإن كان غير شامل لهما بحكم العقل; لقبح التكليف بما لا يطاق، إلاّ أنّـه يحكم بإطلاق المادّة بوجود ملاك الوجوب في كليهما، ولهذا يستكشف العقل وجوباً تخيـيريّاً مع عدم وجود الأهمّ في البين.


(الصفحة103)

وفي المقام نقول: إنّ الأدلّـة المرخّصـة وإن اختصّ حكمها بغير صورة العلم الإجمالي بحكم العقل الحاكم بقبح الإذن في المعصيـة، إلاّ أنّ وجود ملاك الإباحـة في كلّ مشتبـه يستكشف من إطلاق المادّة، وبعد تعذّر الجري على طبق الملاك في كلّ من الأطراف يستكشف أنّ البعض على سبيل التخيـير مرخّص فيـه حيث لا ترجيح للبعض المعيّن(1)، انتهى.
ويرد عليـه ما أورد عليـه المحقّق المعاصر في كتاب الدرر من أنّ حكم العقل بذلك إنّما يكون فيما يقطع بأنّ الجري على طبق أحد الاقتضائين لا مانع منـه، كما في مثال الغريقين، وأمّا فيما نحن فيـه فكما أنّ الشكّ يقتضي الترخيص كذلك العلم الإجمالي يوجب مراعاة الواقع ويقتضي الاحتياط، ولعلّ اقتضاء العلم يكون أقوى في نظر الشارع، فلا يقطع العقل بالترخيص، كما هو واضح(2).
ومنها: ما أورده على نفسـه المحقّق النائيني بعد الحكم بسقوط الاُصول بالنسبـة إلى جميع الأطراف بقولـه: «إن قلت» وملخّصـه: أنّ نسبـة الاُصول إلى كلّ واحد من الأطراف وإن كانت على حدّ سواء إلاّ أنّ ذلك لا يقتضي سقوطها جميعاً، بل غايـة ما يقتضيـه هو التخيـير في إجراء أحد الأصلين المتعارضين، لأنّـه بناءً على شمول أدلّـة الاُصول لأطراف العلم الإجمالي يكون حال الاُصول العمليـة حال الأمارات على القول بالسببيّـة، والتخيـير في باب الأمارات المتعارضـة إنّما هو كالتخيـير في باب المتزاحمين.
وحينئذ: لابدّ إمّا من تقيـيد إطلاق الأمر بالعمل بمؤدّى كلّ من الأمارتين

1 ـ درر الفوائد، المحقّق الحائري: 458 ـ 459.
2 ـ نفس المصدر: 459.

(الصفحة104)

بحال عدم العمل بالاُخرى إن لم يكن أحد المؤدّيـين أهمّ، وإمّا من سقوط الأمرين واستكشاف العقل حكماً تخيـيريّاً لأجل وجود الملاك التامّ في متعلّق كلّ من الأمارتين على المسلكين في باب التزاحم، والظاهر هو المسلك الأوّل، لأنّ منشأ التزاحم إنّما هو عدم القدرة على الجمع بينهما، والمقتضي لإيجاب الجمع إنّما هو إطلاق كلّ من الخطابين، فلابدّ من رفع اليد عنـه، لأنّـه الذي أوجب التزاحم، والضرورات تـتقدّر بقدرها.
ونقول في المقام: إنّ حجّيـة كلّ أصل عملي إنّما تكون مطلقـة بالنسبـة إلى ماعداه من سائر الاُصول، لإطلاق دليل اعتباره، وهذا الإطلاق محفوظ في الشبهات البدويّـة والمقرونـة بالعلم الإجمالي إذا لم يلزم من جريان الاُصول في الأطراف مخالفـة عمليـة.
وأمّا إذا لزم فلا يمكن بقاء إطلاق الحجّيـة لكلّ من الاُصول الجاريـة في جميع الأطراف، لأنّ بقاء الإطلاق يقتضي صحّـة جريانها في جميع الأطراف والمفروض أنّـه يستلزم المخالفـة العمليّـة فلابدّ من رفع اليد عن إطلاق الحجّيـة، ولا يلزم أن تسقط الحجّيـة، ونتيجـة التقيـيد هو التخيـير في إجراء أحد الأصلين لا سقوطهما رأساً كما لايخفى(1).
أقول: قد عرفت أنّ ما يمكن الاستدلال بـه للترخيص في الشبهات المقرونـة بالعلم الإجمالي هي صحيحـة عبداللّه بن سنان المتقدّمـة(2) الدالّـة على أنّ «كلّ شيء فيـه حلال وحرام فهو لك حلال أبداً حتّى تعرف الحرام منـه

1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 25 ـ 27.
2 ـ تقدّمت في الصفحة 88.

(الصفحة105)

بعينـه» وعرفت أنّ التمسّك بها للمقام مبني على أن يكون المراد من الشيء هو المجموع من الحلال والحرام والمختلط منهما، إذ ليس كلّ واحد من الأطراف فيـه الحلال والحرام، بل ما فيـه الحلال والحرام هو مجموع المشتبهين أو المشتبهات والمختلط منهما أو منها، فأصالـة الحلّيـة الجاريـة بمقتضى هذه الصحيحـة إنّما تجري في مجموع الأطراف، لا في كلّ واحد منها، لعدم كون كلّ واحد منها مصداقاً ومورداً لها، كما لايخفى.
وحينئذ فلا دليل على جريانها في كلّ واحد من الأطراف حتّى يقيّد إطلاق حجّيتها بما إذا لم تجر في الطرف الآخر، لاستلزام بقاء الإطلاق المحذور المتقدّم.
وإن شئت قلت: إنّ المحذور ـ وهو لزوم المخالفـة العمليـة ـ إنّما يلزم من جريانها مطلقاً، سواء كان إطلاقها بالنسبـة إلى الأفراد الاُخر التي هي عبارة عن الشبهات الاُخر المقرونـة بالعلم الإجمالي محفوظاً أم غير محفوظ، ضرورة أنّ جريانها ولو في شبهـة واحدة مقرونـة بالعلم الإجمالي يوجب المخالفـة العمليـة والإذن في المعصيـة، كما هو واضح.
وبالجملـة: موارد جريان أصل الحلّيـة هو كلّ مشتبـه بالشبهـة المقرونـة بالعلم الإجمالي، أي المختلط من الحلال والحرام، ولابدّ من أن يلاحظ الإطلاق بالنسبـة إليـه، وقـد عرفت أنّ تقيـيد الإطـلاق أيضاً لايوجب رفـع المحذور، كما لا يخفى، هذا.
وأمّا أدلّـة الاستصحاب فهي وإن كانت مقتضاها جريانـه في كلّ واحد من الأطراف، لوجود اليقين السابق والشكّ اللاحق فيـه، إلاّ أنّ ذلك مبني على أن يكون المراد من اليقين المأخوذ في أدلّتـه وكذا الشكّ هو اليقين والشكّ

(الصفحة106)

الوجدانيـين، مع أنّا سنمنع ذلك في بحث الاستصحاب ونقول: إنّ ظاهرها هو كون المراد باليقين هي الحجّـة المعتبرة، وبالشكّ هو عدم الحجّـة، ومن الواضح وجود الحجّـة في أطراف العلم الإجمالي، فلا يكون من نقض الحجّـة بغيرها، كما لايخفى.
ثمّ إنّـه أجاب المحقّق النائيني عن هذا الوجـه الذي أورده على نفسـه بكلام طويل، وملخّصـه: أنّ الموارد التي يحكم فيها بالتخيـير مع عدم قيام دليل عليـه بالخصوص لا تخلو عن أحد أمرين:
أحدهما: اقتضاء الكاشف والدليل الدالّ على الحكم التخيـير في العمل.
وثانيهما: اقتضاء المنكشف والمدلول ذلك وإن كان الدليل يقتضي التعيـينيّـة.
فمن الأوّل: ما إذا ورد عامّ كقولـه: «أكرم العلماء»، وعلم بخروج زيد وعمرو عن العامّ، ولكن شكّ في أنّ خروجهما هل هو على نحو الإطلاق، أو أنّ خروج كلّ منهما مشروط بحال عدم إكرام الآخر.
وبعبارة اُخرى: دار الأمر بين أن يكون التخصيص أفراديّاً وأحواليّاً معاً أو أحواليّاً فقط، والوظيفـة في هذا الفرض هو التخيـير في إكرام أحدهما، لأنّ مرجع الشكّ إلى الشكّ في مقدار الخارج عن عموم وجوب إكرام العلماء، ولابدّ من الاقتصار على المتيقّن خروجـه وهو التخصيص الأحوالي فقط، فلا محيص عن القول بالتخيـير، إلاّ أنّ منشأه هو اجتماع دليل العامّ وإجمال دليل الخاصّ بضميمـة وجوب الاقتصار على القدر المتيقّن، وليس التخيـير فيـه لأجل اقتضاء المجعول لـه، بل المجعول في كلّ من العامّ والخاصّ هو الحكم التعيـيني، فالتخيـير إنّما نشأ من ناحيـة الدليل.


(الصفحة107)

ومن الثاني: المتزاحمان في مقام الامتثال; فإنّ التخيـير فيهما إنّما هو لأجل أنّ المجعول في باب التكاليف معنى يقتضي التخيـير في امتثال أحد المتزاحمين، لأنّـه يعتبر عقلا فيها القدرة على الامتثال، وحيث لا تكون القدرة محفوظـة في كليهما فالعقل يستقلّ بالتخيـير، والفرق بين التخيـير في هذا القسم والتخيـير في القسم الأوّل أنّ التخيـير هناك ظاهري وهنا واقعي.
إذا عرفت ذلك نقول: إنّ القول بالتخيـير في باب الاُصول لا شاهد عليـه لا من ناحيـة الدليل والكاشف، ولا من ناحيـة المدلول والمنكشف.
أمّا انتفاء الأوّل: فواضح، فإنّ دليل اعتبار كلّ أصل من الاُصول العمليّـه إنّما يقتضي جريانـه عيناً، سواء عارضـه أصل آخر أو لم يعارضـه.
وأمّا انتفاء الثاني: فلأنّ المجعول فـي باب الاُصول العمليـة ليس إلاّ الحكم بتطبيق العمل على مؤدّى الأصل بما أنّـه الواقـع أولا بما أنّـه كـذلك على اختلاف الاُصول، ولكنّ الحكم بذلك ليس على إطلاقـه، بل مع انحفاظ رتبـة الحكم الظاهري باجتماع القيود الثلاثـة، وهي الجهل بالواقع، وإمكان الحكم على المـؤدّى بما أنّـه الواقـع، وعـدم لـزوم المخالفـة العمليـة، وحيث إنّـه يلزم من جريان الاُصول في أطراف العلم الإجمالي مخالفـة عمليّـة فلا يمكن جعلها جمعاً، وكون المجعول أحدها تخيـيراً وإن كان بمكان من الإمكـان، إلاّ أنّـه لادليل عليـه لا من ناحيـة أدلّـة الاُصول ولا من ناحيـة المجعول فيها(1)، انتهى.
وفي هذا الكلام وجوه من النظر:
منها: أنّ ما ذكره ـ من أنّ التخيـير في القسم الأوّل إنّما هو من ناحيـة

1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 28 ـ 31.

(الصفحة108)

الدليل والكاشف لا المجعول والمنكشف، لأنّ المجعول في كلّ من العامّ والخاصّ هو الحكم التعيـيني ـ محلّ نظر، بل منع. ضرورة أنّـه لو كان الحكم المجعول في الخاصّ حكماً تعيـينيّاً وعلم ذلك لم يكن مجال للتخيـير، لأنّـه مساوق للعلم بكون التخصيص أفراديّاً وأحواليّاً معاً، لوضوح أنّـه لو كان التخصيص أحواليّاً فقط وكان خروج كلّ من الفردين مشروطاً بدخول الآخر يكون الحكم المجعول حكماً تخيـيريّاً.
وبالجملـة: فالذي أوجب الحكم بالتخيـير هو تردّد المجعول في الخاصّ بين كونـه تعيـينيّاً أو تخيـيريّاً بضميمـة وجوب الاقتصار في التخصيص على القـدر المتيقّن، فالتخيـير إنّما هـو مقتضى تـردّد المجعول بضميمـة مـا ذكـر، كما لا يخفى، ولا يكون ناشئاً من الدليل.
ومنها: أنّ ما ذكره من أنّ التخيـير في القسم الثاني إنّما هو من ناحيـة المدلول والمنكشف، محلّ منع، بل التخيـير فيـه إنّما هو كالتخيـير في القسم الأوّل; لأنّ التخيـير فيـه إنّما يكون منشؤه إطلاق مثل قولـه: «انقذ كلّ غريق» بضميمـة التخصيص بالنسبـة إلى صورة العجز عن الإنقاذ بالإضافـة إلى الغريقين، مع لزوم الاقتصار في مقام التخصيص على القدر المتيقّن، وهو خروج الأحوالي فقط الذي مرجعـه إلى رفع اليد عن الإطلاق، لا الأفرادي والأحوالي معاً الذي مرجعـه إلى رفع اليد عن العموم.
وبالجملـة: فلا فرق بين القسمين إلاّ في أنّ الحاكم بالتخصيص في القسم الأوّل هو الدليل اللفظي، وفي القسم الثاني هو الدليل العقلي، وهو لا يوجب الفرق بين التخيـيرين من حيث المقتضي، كما لايخفى.
ومنها: أنّـه لو سلّم جميع ما ذكر فنمنع ما ذكره من عدم كون التخيـير في

(الصفحة109)

باب الاُصول العمليـة من ناحيـة الدليل والكاشف، لأنّ لنا أن نقول بكون التخيـير فيها من جهـة الدليل والكاشف، لأنّ أدلّـة أصالـة الحلّ تشمل بعمومها لأطراف العلم الإجمالي أيضاً.
غايـة الأمر: أنّها خصّصت بالنسبـة إليها قطعاً، ولكن أمر المخصّص دائر بين أن يكون مقتضاه خروج الأطراف مطلقاً حتّى يلزم الخروج الأفرادي والأحوالي معاً، وبين أن يكون مقتضياً لخروج كلّ واحد منها مشروطاً بدخول الآخر، فهذا الإجمال بضميمـة لزوم الاقتصار على القدر المتيقّن في مقام التخصيص أوجب التخيـير، كما هو واضح.
ومنها: وهو العمدة، أنّ ما ذكره من عدم كون التخيـير في باب الاُصول من مقتضيات المجعول والمنكشف ممنوع جدّاً، ضرورة أنّ المقام إنّما هو من قبيل المتزاحمين، كما أنّ فيهما يكون الملاك في كلّ فرد موجوداً، فكذلك الملاك لجريان أصل الإباحـة في كلّ من الأطراف موجود قطعاً، وكما أنّ المانع العقلي هناك بضميمـة اقتضاء كلّ من المتزاحمين صرف القدرة إلى نفسـه يوجب الحكم بالتخيـير إمّا لتقيـيد الإطلاق، وإمّا لسقوط الخطابين واستكشاف العقل حكماً تخيـيريّاً، كذلك المانع العقلي هنا وهو لزوم المخالفـة القطعيـة بضميمـة اقتضاء كلّ من الأصلين لإثبات حكم متعلّقـه يوجب التخيـير قطعاً.
فالعمدة في الجـواب ما ذكرنا مـن أنّـه ليس هنا مـا يدلّ على جـريان أصل الحلّيـة في كلّ واحد من الأطراف، بل مجراه هو مجموعها الذي هو المختلـط مـن الحـلال والحـرام، وجريانـه فيـه مستلزم للمخالفـة القطعيـة كما مـرّ، فتأمّل فـي المقام فإنّـه مـن مـزالّ الأقـدام كما يظهر بمراجعـة كلمات الأعلام.


(الصفحة110)

تبصرة

وهي أنّ المحقّق النائيني (قدس سره) بعد الحكم بعدم جواز الإذن في جميع الأطراف; لأنّـه إذن في المعصيـة والعقل يستقلّ بقبحها، قال على ما في التقريرات: وأمّا الإذن في البعض فهو ممّا لا مانع عنـه، فإنّ ذلك يرجع في الحقيقـة إلى جعل الشارع الطرف الغير المأذون فيـه بدلا عن الواقع والاكتفاء بتركـه عنـه لو فرض أنّـه صادف المأذون فيـه للواقع، وكان هو الحرام المعلوم في البين، ودعوى أنّـه ليس للشارع الاكتفاء عن الواقع ببدلـه ممّا لا شاهد عليـه، وإلى ذلك يرجع ما تكرّر في كلمات الشيخ (قدس سره) من إمكان جعل بعض الأطراف بدلا عن الواقع، فإنّـه ليس المراد تنصيص الشارع بالبدليّـة، بل نفس الإذن في البعض يستلزم بدليّـة الآخر قهراً(1)، انتهى.
وأنت خبير بأنّ جعل البدليّـة يتوقّف على كون المجعول بدلا ممّا يصلح لأن يكون بدلا، بأن يكون واجداً لملاك البدليّـة وصالحاً لأن يقوم مقام المبدل، وفي المقام لا يكون كذلك; لأنّ المفروض هنا هو دوران الأمر بين الحرمـة وغير الوجوب من الأحكام الثلاثـة الاُخر.
ومن المعلوم أنّ المستحبّ ـ مثلا ـ الذي تكون فيـه مصلحـة راجحـة كيف يعقل أن يكون بدلا عن المحرّم الذي لا يكون فيـه إلاّ مفسدة تامّـة، فالإذن في ارتكاب المحرّم وجعل المستحبّ ـ مثلا ـ بدلا عنـه والاكتفاء بتركـه عن ترك المحرّم ممّا لا نتصوّره أصلا بعد كون المستحبّ ذا مصلحـة راجحـة والمحرّم ذا

1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 35.

(الصفحة111)

مفسدة ملزمـة. وكذا الحكم في المكروه والمباح، فإنّـه لا يعقل جعل شيء منهما بدلا عن الحرام بعد خلوّ المباح عن المفسدة وعدم بلوغ مفسدة المكروه إلى حدّ التمام الموجب للإلزام. فإذن ينقدح بطلان ما ذكره من أنّ «دعوى أنّـه ليس للشارع...» إلى آخره; لما عرفت من عدم معقوليّـة البدليّـة المقتضيـة لكون البدل واجداً لملاكها، كما لايخفى.
فلو ثبت الإذن في بعض الأطراف فاللازم أن يقال بأنّ في صورة مصادفـة المأذون فيـه للمحرّم الواقعي أنّ الشارع قد رفع اليد عن حكمـه الموجود في البين لمصلحـة أهمّ من مصلحـة الواقع، وهي مصلحـة التسهيل ومفسدة التضيـيق الموجبـة لأن تكون الشريعـة سمحـة سهلـة حتّى يرغب الناس فيها، كما هو الشأن في الترخيص في مطلق الشبهات البدويّـة مع ثبوت الحكم الواقعي في بعض مواردها كما مرّ مراراً فتدبّر.
ولابدّ من التنبيـه على اُمور:


(الصفحة112)

الأمر الأوّل

تنجيز العلم الإجمالي في التدريجيات

لو كان أطراف العلم الإجمالي ممّا يوجـد تدريجاً فهل يجب الاحتياط أيضاً بالإتيان بجميعها في الشبهات الوجوبيّـة وبتركـه فـي الشبهات التحريميّـة أم لا؟
الظاهر الوجوب; لأنّ التكليف ولو كان مشروطاً بأمر استقبالي بحيث لم يكن متحقّقاً قبل تحقّق الشرط، كما هو الشأن في جميع الواجبات المشروطـة، إلاّ أنّـه لو فرض كونـه معلوماً بالتفصيل لكان اللازم على المكلّف الإتيان بمقدّمات المكلّف بـه التي لا يقدر عليها بعد ثبوت التكليف. ولا يكون المكلّف معذوراً لو لم يفعلها; نظراً إلى أنّ التكليف لم يكن ثابتاً قبل تحقّق الشرط، فكيف يجب على المكلّف تحصيل مقدّماتـه. وبعده وإن تحقّق التكليف إلاّ أنّـه معذور في المخالفـة، لأجل عدم القدرة على فعل متعلّقـه، لأنّ المفروض عدم القدرة على المقدّمات بعد تحقّق الشرط.
وجـه عدم المعذوريّـة: أنّ العقل يحكم بلزوم تحصيل هذه المقدّمات مع العلم بعدم القدرة عليها بعد ثبوت التكليف وإن لم يكن التكليف متحقّقاً بعد، فإذا كان الأمر كذلك فيما لو كان الواجب المشروط معلوماً بالتفصيل فكيف إذا دار الأمر بين كون الوجوب مطلقاً أو مشروطاً؟
وبالجملـة: لا ينبغي الإشكال في وجوب الاحتياط في التدريجيات من

(الصفحة113)

دون فرق بين أن يكون الأمر دائراً بين المعلّق والمنجّز، وبين أن يكون دائراً بين المطلق والمشروط.
أمّا في الأوّل: فواضح بعدما عرفت من كون التكليف في الواجب المعلّق يكون ثابتـاً قبل وجـود المعلّق عليـه أيضاً، فهو عالـم إجمـالا بتعلّق تكليف فعلي حالي.
غايـة الأمر أنّ المكلّف بـه مردّد بين أن يكون حاليّاً أو استقبالياً، والعقل يحكم بلزوم الاحتياط، لعدم الفرق بينـه وبين الموجودات فعلا.
وأمّا في الثاني: فلما عرفت من أنّ حكم العقل بلزوم تحصيل غرض المولى لا يتوقّف على صدور أمر فعلي من ناحيتـه، بل يحكم بذلك ولو كان التكليف استقباليّاً، بل قد عرفت في بعض المباحث السابقـة أنّ العقل يحكم بلزوم تحصيل الغرض ولو لم يكن في البين أمر أصلا، كما لايخفى.


(الصفحة114)

الأمر الثاني

حكم الاضطرار إلى أحد أطراف العلم الإجمالي

لو اضطرّ إلى أحد الأطراف فتارة يكون الاضطرار إلى طرف معيّن، واُخرى يكون إلى واحد من الأطراف غير معيّن، وعلى التقديرين قد يكون الاضطرار قبل تعلّق التكليف والعلم بـه، وقد يكون بعدهما، وقد يكون بعد واحد منهما وقبل الآخر، وقد يكون مقارناً لهما أو لأحدهما، فهاهنا صور:
فنقول: أمّا لو كان الاضطرار إلى طرف معيّن وكان الاضطرار قبل تعلّق التكليف أو بعده وقبل العلم فالظاهر عدم وجوب الاجتناب عن الطرف الآخر، سواء قلنا بأنّ الاضطرار من حدود التكليف وقيوده بحيث لا يكون فعليّاً مع الاضطرار ويكون مشروطاً بعدمـه، أو قلنا بأنّ الاضطرار وكذا سائر الأعذار أعذار عقليّـة والتكليف ثابت فعلي مطلقاً. غايـة الأمر أنّـه لا يصحّ للمولى الاحتجاج بـه مع وجود مثل الجهل والعجز والاضطرار ونحوها من الأعذار، كما هو الحقّ وقد مرّ تحقيقـه في مواضع متعدّدة ولعلّـه يأتي أيضاً فيما بعد.
أمّا على القول الأوّل: فلأنّـه يشترط في منجزيّـة العلم الإجمالي أن يكون متعلّقـه التكليف الفعلي الثابت على أيّ تقدير، بحيث لو تبدّل إلى العلم التفصيلي بثبوتـه في كلّ واحد من الأطراف لكان منجّزاً، وهنا ليس كذلك، لأنّـه يحتمل أن يكون المضطرّ إليـه هو الشيء الذي تعلّق بـه التكليف فلم يكن حينئذ فعليّاً، لاشتراط فعليّتـه على الفرض بعدم عروض الاضطرار بالنسبـة إلى المكلّف بـه. وحينئذ فلا يعلم بثبوت التكليف الفعلي على أيّ تقدير، كما هو واضح.


(الصفحة115)

وأمّا على القول الثاني: فلأنّ الاضطرار وإن لم يكن من قيود التكليف الفعلي، إلاّ أنّـه من قيود التكليف الفعلي الصالح للاحتجاج، ولابدّ في تأثير العلم الإجمالي من أن يكون متعلّقـه هو التكليف الفعلي الصالح للاحتجاج على أيّ تقدير، ومن الواضح أنّـه ليس هنا كذلك; لأنّـه يحتمل أن يكون المضطرّ إليـه هو المكلّف بـه، فلا يكون التكليف حينئذ صالحاً للاحتجاج وإن كان باقياً على الفعليّـة. ومجرّد البقاء على الفعليّـة لا يجدي ما لم ينضمّ إليـه القابليّـة، ولذا لايكون العلم الإجمالي مؤثّراً لو حصل لـه الاضطرار إلى جميع الأطراف، كما هو واضح.
إن قلت: لازم ما ذكرت هو جواز القعود عن تكليف المولى فيما لو شكّ في كونـه قادراً على إتيان متعلّقـه; لأنّ مقتضى ما ذكرت هو كفايـة مجرّد احتمال كون المضطرّ إليـه هو المكلّف بـه، فإذا كان مجرّد احتمال الاضطرار بالنسبـة إلى متعلّق التكليف كافياً في عدم قابليّتـه للاحتجاج، فكذلك مجرّد احتمال عدم القدرة والعجز عن إتيان المكلّف بـه يكون كافياً، ضرورة أنّـه لا فرق بين الاضطرار والعجز من هذه الحيثيّـة أصلا، وبطلان اللازم واضح كما يظهر بمراجعـة العقل والعقلاء، لأنّـه لا يكون العبد الشاكّ في القدرة معذوراً عندهم في المخالفـة، وحينئذ فلابدّ من الالتزام بذلك في الاضطرار كما في المقام.
قلت: الفرق بين المقام وبين مسألـة الشكّ في القدرة التي لا يكون العبد فيها معذوراً في المخالفـة هو أنّ في المقام يكون الاضطرار معلوماً ولا يكون المكلّف المضطرّ شاكّاً فيـه أصلا، غايـة الأمر أنّـه يشكّ في انطباقـه على مورد التكليف، ويحتمل أن يكون المضطرّ إليـه هو المكلّف بـه، أو أن يكون غيره، وحينئذ فأمره دائر بين أن يكون عروض الاضطرار بالنسبـة إلى المكلّف بـه، فلا

(الصفحة116)

يكون التكليف بالنسبـة إليـه صالحاً للاحتجاج، وبين أن يكون المضطرّ إليـه هو غير المكلّف بـه، فيكون التكليف بالنسبـة إليـه قابلا لـه، فلا يعلم بثبوت التكليف الفعلي الصالح للاحتجاج على أيّ تقدير، وقد عرفت أنّـه شرط في تأثير العلم الإجمالي، فتأمّل، هذا.
وأمّا لو كان الاضطرار إلى المعيّن بعد تعلّق التكليف والعلم بـه، فالظاهر هنا وجوب الاجتناب عن الطرف الآخر، لأنّ مقتضى العلم الإجمالي بالتكليف الفعلي الصالح للاحتجاج على أيّ تقدير هو لزوم الاحتياط وتحصيل الموافقـة القطعيّـة، فإذا عرض لـه الاضطرار المانع عن ذلك فلا يرى العقل المكلّف معذوراً في ترك الموافقـة الاحتماليـة، كما لايخفى.
هذا كلّـه فيما لو كان الاضطرار إلى واحد معيّن من الأطراف.
وأمّا لو كان إلى واحد غير معيّن منها فالظاهر وجوب الاجتناب عن الطرف الآخر مطلقاً; لعدم كون الاضطرار عارضاً للمكلّف بـه حتّى يخرج التكليف الفعلي المتعلّق بـه عن الصالحيّـة للاحتجاج; لأنّ الاضطرار إنّما عرض بالنسبـة إلى واحد غير معيّن من الأطراف، فالعلم بالتكليف الفعلي الصالح للاحتجاج على أيّ تقدير موجود، ضرورة أنّـه لو تبدّل إلى العلم التفصيلي بثبوتـه في كلّ واحد من الأطراف لكان اللازم رفع الاضطرار بارتكاب الطرف الآخر، واحتمال كون ما يختاره المكلّف هو المكلّف بـه لا يضرّ بذلك بعد كون ذلك ناشئاً عن جهل المكلّف بالواقع.
وبالجملـة: لا مزاحمـة بين ثبوت التكليف بالوصف المذكور وبين الاضطرار إلى بعض الأطراف بحسب الواقع، ولذا لو علم المكلّف بـه تفصيلا لكان اللازم عليـه امتثالـه ورفع الاضطرار بالطرف الآخر، وإنّما المزاحمـة بينهما

(الصفحة117)

وقع في بعض الأوقات في مقام العمل، لجهل المكلّف بالواقع، وهذا هو الفارق بين الاضطرار إلى المعيّن والاضطرار إلى غيره، لأنّـه في الأوّل لا تكون المزاحمـة مستندة إلى الجهل، بل المزاحمـة على تقدير كون المضطرّ إليـه هو المكلّف بـه ثابتـة مطلقاً مع العلم والجهل، بخلاف الثاني.
وإن شئت قلت: إنّ الاضطرار لم يعرّض المكلّف بـه هنا لـه أصلا، بخلاف الاضطرار إلى المعيّن، فإنّـه في أحد الوجهين يكون عارضاً للمكلّف بـه، كما لايخفى.
ودعوى: أنّ بعد اختيار بعض الأطراف لا يكون العلم بالتكليف موجوداً، فلا وجـه للاحتياط.
مدفوعـة: بأنّ مقتضى ذلك عدم وجوب الاحتياط فيما لو فقد بعض الأطراف أيضاً، ولا يقول بـه أحد.
ومن جميع ما ذكرنا يظهر: الخلل فيما أفاده المحقّق الخراساني في الكفايـة، حيث إنّـه (قدس سره) ذهب إلى عدم الفرق بين الاضطرار إلى واحد معيّن وبين الاضطرار إلى واحد غير معيّن، وكذا نفي الفرق بين أن يكون الاضطرار سابقاً على حدوث العلم أو لاحقاً; واختار الفرق بين الاضطرار وفقد بعض الأطراف، نظراً إلى أنّ الاضطرار من حدود التكليف بخلاف الفقدان.
وقال في هامش الكفايـة ما هذا لفظـه: لايخفى أنّ ذلك إنّما يتمّ فيما كان الاضطرار إلى أحدهما لا بعينـه، وأمّا لو كان إلى أحدهما المعيّن فلا يكون بمانع عن تأثير العلم للتنجّز، لعدم منعـه عن العلم بفعليّـة التكليف المعلوم إجمالا المردّد بين أن يكون التكليف المحدود في هذا الطرف أو المطلق في الطرف الآخر، ضرورة عدم ما يوجب عدم فعليّـة مثل هذا المعلوم أصلا، وعروض

(الصفحة118)

الاضطرار إنّما يمنع عن فعليّـة التكليف لو كان في طرف معروضـه بعد عروضـه، لا عن فعليّـة المعلوم بالإجمال المردّد بين التكليف المحدود في طرف المعروض والمطلق في الآخر بعد العروض، وهذا بخلاف ما إذا عرض الاضطرار إلى أحدهما لا بعينـه، فإنّـه يمنع عن فعليّـة التكليف في البين مطلقاً، فافهم وتأمّل(1)، انتهى.
والخلل في مجموع ما ذكره من وجوه:
أحدها: أنّ الاضطرار لا يكون من قيود التكليف الفعلي وحدوده، بل التكليف فعلي أيضاً مع وجود الاضطرار، غايـة الأمر أنّـه لا يكون صالحاً للاحتجاج، كما مرّ ويأتي.
ثانيها: أنّ الحكم بعدم الفرق بين صورتي الاضطرار كما في المتن، أو بالفرق بالقول بتأثير العلم إجمالي في الاضطرار إلى غير المعيّن دون الاضطرار إلى المعيّن كما في الهامش ممنوع; لما عرفت من ثبوت الفرق بينهما بعكس ما ذكره في الهامش، كما أنّ نفي الفرق بين سبق العلم ولحوقـه قد عرفت منعـه في الاضطرار إلى المعيّن.
ثالثها: منع الفرق بين الاضطرار وفقدان بعض الأطراف، لأنّـه كما لا يكون التكليف الواقعي مؤثّراً مع وجود الاضطرار إلى متعلّقـه، كذلك لا يكون بمؤثّر مع فقد المتعلّق، نعم فرق بين ما إذا كان الفقدان قبل تعلّق التكليف والعلم بـه، وبين ما إذا كان بعدهما، كما أنّ هذا الفرق ثابت في الاضطرار أيضاً، فتدبّر.


1 ـ كفايـة الاُصول: 409، الهامش1.

(الصفحة119)

الأمر الثالث

في شرطية الابتلاء لتنجيز العلم الإجمالي

ربّما يقال ـ كما هو المعروف بين المتأخّرين ـ بأنّـه يشترط فـي تنجيز العلم الإجمالي أيضاً أن تكون الأطراف ممّا يمكن ابتلاء المكلّف بها عادةً، نظراً إلى أنّ النهي عمّا لا يكون مورداً لابتلاء المكلّف بحسب العادة مستهجن عرفاً; لأنّـه كما يعتبر في عدم كون النهي قبيحاً عند العقل أن يكون المكلّف قادراً بالقدرة العقليّـة على إتيان متعلّقـه، كذلك يعتبر في عدم كونـه مستهجناً عند العرف أن يكون متعلّقـه مقدوراً للمكلّف بالقدرة العاديّـة، وهي مفقودة مع عدم الابتلاء بها عادةً.
والوجـه في هذا الاعتبار أنّ الغرض من النهي إنّما هو إيجاد الداعي للمكلّف إلى ترك المنهي عنـه لاشتمالـه على المفسدة، وهذا الغرض حاصل بدون النهي فيما لو كان المنهي عنـه متروكاً عادةً، كما أنّ الغرض من الأمر هو إيجاد الداعي لـه إلى فعل المأمور بـه لاشتمالـه على المصلحـة الملزمـة، ومع ثبوتـه للمكلّف بدونـه لا مجال للأمر أصلا، لكونـه مستهجناً عرفاً.
وممّا ذكر يظهر: أنّ الرافع للاستهجان هو إمكان ثبوت الداعي إلى الفعل في النهي وإلى الترك في الأمر بحسب العادة، فلو فرض عدم هذا الداعي إمّا لعدم القدرة العاديّـة على الفعل في الأوّل، وعلى الترك في الثاني، وإمّا لعدم حصول الداعي اتّفاقاً وإن كان مقدوراً عادة يستهجن التكليف.
هذا غايـة ما يمكن أن يقال في توجيـه هذا المقال.


(الصفحة120)

الفرق بين الخطابات القانونية والخطابات الشخصية

ولا يخفى أنّ ذلك مبني على القول بانحلال الخطابات الشرعيّـة إلى الخطابات المتعدّدة حسب تعدّد المكلّفين، فإنّـه حينئذ لابدّ من ملاحظـة المكلّف المتوجّـه إليـه الخطاب الشخصي وأنّـه هل يكون مستهجناً بالنسبـة إليـه، لأجل الاضطرار أو عدم القدرة العقليّـة أو العاديّـة أو عدم انصراف إرادتـه، أو لا يكون كذلك، لفقدان هذه الاُمور، ولايخفى أنّ الالتزام بذلك يوجب محذورات كثيرة:
منها: أنّ لازمـه عدم صحّـة تكليف العاصي الذي لا يحتمل المولى الآمر أن يؤثّر أمره فيـه، فيخرج عن كونـه عاصياً، وكذا الكافر بطريق أولى.
ومنها: أنّ لازمـه تعميم ذلك بالنسبـة إلى الأحكام الوضعيـة أيضاً، فإنّـه كما يستهجن التكليف بحرمـة الخمر الموجود في البلاد البعيدة والنهي عن شربـه، كذلك يكون جعل النجاسـة لـه أيضاً مستهجناً بعد وضوح أنّ مثل هذا الجعل إنّما هو لغرض ترتيب الآثار، ولا معنى لـه بعد عدم الابتلاء بـه عادةً. وحينئذ فيلزم أن يكون الخمر الواحد نجساً بالنسبـة إلى من كان مبتلى بـه، وغيرنجس بالنسبـة إلى غير المبتلى، وهذا ممّا لا يمكن أن يلتزم بـه فقيـه.
وبالجملـة: فلا فرق في الاستهجان بين كون المكلّف غير قادر على إتيان متعلّقـه بالقدرة العاديّـة، وبين كونـه عاصياً لا يحتمل أن يتأثّر من الأمر.
ودعوى: أنّ المصحّح للبعث والتحريك إنّما هو إمكان الانبعاث من المكلّف، وهو متحقّق في العاصي وإن علم بعدم تأثير الأمر فيـه، لأنّـه لا ينافي العلم بعدم التأثير خارجاً مع إمكان الانبعاث ذاتاً.
<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>