جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
معتمد الأصول المجلد الثاني « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>


(الصفحة121)

مدفوعـة: بأنّ البعث لا يمكن أن يصدر إلاّ مع تحقّق مباديـه التي منها ترتّب الغايـة والغرض عليـه، وبعد العلم بعدم ترتّب هذه الغايـة عليـه لأجل العلم بعدم انبعاث المكلّف وعدم تأثير البعث فيـه لا تكون المبادئ بأجمعها متحقّقـة، وبدونها لا يعقل أن ينقدح في نفس المولى إرادة البعث، كما هو واضح.
والتحقيق في المقام أن يقال: إنّ الخطابات الشرعيّـة خطابات كلّيـة متوجّهـة إلى عامّـة المكلّفين، بحيث يكون الخطاب في كلّ واحد منها واحداً والمخاطب متعدّداً حسب تعدّد المكلّفين، والمصحّح لهذا النحو من الخطاب العامّ إنّما هو ملاحظـة حال نوع المخاطبين دون كلّ واحد منهم، فإن كانوا بحسب النوع قادرين بالقدرة العقليّـة والعاديّـة يصحّ الخطاب إلى الجميع بخطاب واحد، ولا يكون عجز البعض عقلا أو عادةً موجباً لاستهجان الخطاب العامّ بعد عدم خصوصيـة مميّزة للعاجز، وهكذا بالنسبـة إلى العاصي والكافر، فإنّ المصحّح لتوجيـه الخطاب العامّ الشامل للعاصي والكافر أيضاً إنّما هو احتمال التأثير بالنسبـة إلى النوع وإن علم بعدم تأثيره بالنسبـة إلى بعض المخاطبين.
وبالجملـة: لا وجـه للقول بانحلال الخطابات الشرعيّـة إلى خطابات متعدّدة حسب تعدّد المخاطبين المكلّفين، خصوصاً بعد كون مقتضى ظواهرها هو وحدة الخطاب وتعدّد المخاطب، بل اللازم إبقائها على ظاهرها، وبـه يندفع الإشكالات المتقدّمـة، كما أنّـه بـه يظهر الوجـه في وجوب الاحتياط في صورة الشكّ في القدرة الذي هو مورد للاتّفاق.
وهذا بخلاف القول بالانحلال، فإنّـه حينئذ يشكل الوجـه في ذلك، لأنّـه بعد اختصاص الخطاب والتكليف بالقادرين يكون مرجع الشكّ في القدرة إلى الشكّ في أصل التكليف وهو مجرى البراءة، كما هو واضح.


(الصفحة122)

إذا ظهر لك ذلك: تعرف أنّـه لو كان بعض الأطراف في الشبهـة المحصورة خارجاً عن محلّ الابتلاء غير مقدور بالقدرة العاديّـة لا يكون ذلك موجباً لعدم تنجّز التكليف المعلوم إجمالا، لأنّ التكليف يكون ثابتاً ولو كان متعلّقـه خارجاً عن محلّ الابتلاء، لأنّ الخروج عن محلّ ابتلاء بعض المكلّفين لا يوجب استهجان الخطاب العامّ والتكليف بنحو العموم، بل الملاك في الاستهجان ما عرفت من خروجـه عن محلّ ابتلاء عامّـة المكلّفين أو أكثرهم. وحينئذ فلابدّ من الاحتياط بترك ما هو محلّ للابتلاء أيضاً، هذا مع العلم بالخروج عن محلّ الابتلاء. وأمّا مع الشكّ في ذلك فالأمر أوضح.

كلام المحقّق النائيني فيما لو شكّ في الخروج عن محلّ الابتلاء

ثمّ إنّ المحقّق المعاصر (قدس سره) بعد ذهابـه إلى جريان البراءة فيما لو كان بعض الأطراف خارجاً عن محلّ الابتلاء، اختار الاحتياط فيما لو شكّ في ذلك، لا من جهـة الاُمور الخارجيّـة، بل من جهـة إجمال ما هو خارج عن موارد التكليف الفعلي، حيث قال في كتاب الدرر في وجهـه ما لفظـه:
إنّ البيان المصحّح للعقاب عند العقل ـ وهو العلم بوجود مبغوض المولى بين أمور ـ حاصل، وإن شكّ في الخطاب الفعلي من جهـة الشكّ في حسن التكليف وعدمـه.
وهذا المقدار يكفي حجّـة عليـه، نظير ما إذا شكّ في قدرتـه على إتيان المأمور بـه وعدمها بعد إحراز كون ذلك الفعل موافقاً لغرض المولى ومطلوباً لـه ذاتاً، وهل لـه أن لا يقدم على الفعل بمجرّد الشكّ في الخطاب الفعلي الناشئ من

(الصفحة123)

الشكّ في قدرتـه؟ والحاصل أنّ العقل بعد إحراز المطلوب الواقعي للمولى أو مبغوضـه لا يرى عذراً للعبد في ترك الامتثال(1)، انتهى.
والمحقّق النائيني أيضاً تمسّك بهذا الوجـه لوجوب الاحتياط على ما في التقريرات(2)، ولكن الفاضل المقرّر ذكر في الحاشيـة أنّـه أورد على شيخـه الاُستاذ النقض بما لو علم بخروج بعض الأطراف عن محلّ الابتلاء، لأنّ المفروض أنّـه لا دخل للابتلاء وعدمـه في الملاك، فلو كان العلم بثبوت الملاك يقتضي وجوب الاجتناب عن أحد الطرفين مع الشكّ في خروج الآخر عن مورد الابتلاء فليقتض ذلك أيضاً مع العلم بخروج أحدهما عن مورد الابتلاء، وذكر أنّـه بعد النقض عليـه: أسقط هذا الوجـه عن الاعتبار(3).
وكيف كان: فبناء على مبناهم من كون الاضطرار والعجز ونحوهما من حدود التكليف الفعلي وقيده لا مجال للقول بوجوب الاحتياط مع الشكّ في الخروج عن مورد الابتلاء; لأنّ كشف الملاك إنّما هو من طريق تعلّق التكليف بناءً على مذهب العدليّـة من تبعيّـة الأحكام للمصالح والمفاسد النفس الأمريّـة، وإلاّ فمع عدمـه كيف يستكشف الملاك؟
وحينئذ: فمع العلم بالخروج عن محلّ الابتلاء لا يكون العلم الإجمالي بمنجّز أصلا; لأنّـه لو كان الخارج عن محلّ الابتلاء هو متعلّق التكليف لم يكن التكليف المتعلّق إليـه فعليّاً، لأنّ المفروض أنّـه من حدود التكليف الفعلي، وأمّا

1 ـ درر الفوائد، المحقّق الحائري: 465.
2 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 55.
3 ـ نفس المصدر: 57، الهامش1.

(الصفحة124)

مع الشكّ في ذلك فالأمر أيضاً كذلك، لأنّ مرجع الشكّ في الخروج إلى الشكّ في ثبوت التكليف الفعلي وهو مجرى البراءة. وقد عرفت أنّ مقتضى كلامهم جريان البراءة في صورة الشكّ في القدرة، مع أنّهم لا يلتزمون بـه.
وبالجملـة: لو علم بثبوت الملاك من غير طريق الخطاب لكان لما ذكروه وجـه، ولكنّ الظاهر أنّ مرادهم استكشافـه من طريق التكليف، ومع تقيـيد إطلاق الهيئـة على ما هو المفروض يكون إطلاق المادّة أيضاً المستكشف منـه الملاك في كلّ مورد أيضاً مقيّداً، لأنّ الخطاب المتوجّـه إلى صنف خاصّ إنّما يستفاد منـه ثبوت الملاك في متعلّقـه بالنسبـة إلى ذلك الصنف فقط، ولا يكون طريقاً إلى ثبوتـه مطلقاً كما هو واضح، فلا وجـه للاحتياط مع الشكّ فضلا عن صورة العلم.
وأمّا بناءً على ما هو التحقيق فقد عرفت أنّ اللازم هو الاجتناب عن الطرف الآخر الذي هو مورد للابتلاء مطلقاً، فتأمّل جيّداً.
ثمّ إنّـه استدلّ المحقّق النائيني (قدس سره) لوجوب الاحتياط مـع الشكّ في الخروج عن مورد الابتلاء بوجـه آخر أفاده الشيخ (قدس سره) وهو التمسّك بإطلاقات أدلّـة المحرّمات، فقال في تقريب الاستدلال بـه ما ملخّصـه: أنّـه لا إشكال في إطلاق ما دلّ على حرمـة الخمر مثلا وشمولـه لكلتا صورتي الابتلاء وعدمـه، والقدر الثابت من التقيـيد عقلا هو ما إذا كان الخمر خارجاً عن مورد الابتلاء بحيث يلزم استهجان النهي عنـه بنظر العرف، فإذا شكّ فـي استهجان النهي وعدمـه لأجل الشكّ في إمكان الابتلاء وعدمـه فالمرجع هو الإطلاق، لأنّ التخصيص بالمجمل مفهوماً المردّد بين الأقلّ والأكثر لا يمنع عن التمسّك بالعامّ فيماعدا القدر المتيقّن، بل الجواز في المقام أولى من غيره، لأنّ المقيّد فيما نحن فيـه هو حكم العقل، وفي المقيّدات اللبيّـة يجوز التمسّك بالعامّ في الشبهات

(الصفحة125)

المصداقيّـة فضلا عن الشبهات المفهوميـة إذا كان الترديد بين الأقلّ والأكثر، كما في المقام.
وبالجملـة: لا ينبغي التأمّل في جواز التمسّك بإطلاق أدلّـة المحرّمات الواردة في الكتاب والسنّـة.
فإن قلت: المخصّص المجمل المتّصل بالعامّ يسري إجمالـه إلى العامّ ولا ينعقد لـه ظهور في جميع ما يحتمل انطباق مفهوم المخصّص عليـه إذا كان المخصّص لفظياً أو عقلياً ضرورياً، سواء كان إجمالـه لأجل تردّده بين المتباينين أو بين الأقلّ والأكثر، والتفصيل بينهما إنّما هو في المخصّص اللفظي المنفصل أو ما بحكمـه من العقل النظري، وأمّا العقل الضروري فحكمـه حكم المتّصل، لأنّ المخصّص إذا كان ضروريّاً فبمجرّد صدور العامّ من المتكلّم ينتقل الذهن إليـه ويكون كالقرينـة المحتفّـة بالكلام يسري إجمالـه إليـه. وهذا بخلاف العقل النظري، فإنّـه لا ينتقل الذهن إليـه إلاّ بعد الالتفات إلى المبادئ التي أوجبت حكم العقل، وقد لا تكون المبادئ حاضرة، فلا يمنع عن انعقاد الظهور للعامّ ولا يسري إجمالـه إليـه، ومن المعلوم أنّ المخصّص في المقام إنّما يكون من الأحكام العقليّـة الضروريّـة، لأنّ ضرورة العقل قاضيـة باستهجان النهي عمّا لا يمكن الابتلاء بـه، كما لايخفى.
قلت أوّلا: يمكننا منع كون المخصّص في المقام من الضروريات العقليّـة المرتكزة في أذهان العرف والعقلاء.
وثانياً: أنّ سرايـة إجمال المخصّص اللفظي المتّصل أو العقلي الضروري إلى العامّ إنّما هو فيما إذا كان الخارج عن العموم عنواناً واقعيّاً غير مختلف المراتب وتردّد مفهومـه بين الأقلّ والأكثر، كما لو تردّد مفهوم «الفاسق» الخارج

(الصفحة126)

عن عموم «أكرم العلماء» بين أن يكون خصوص مرتكب الكبيرة أو الأعمّ منـه ومن مرتكب الصغيرة، وأمّا إذا كان الخارج عنواناً ذا مراتب مختلفـة وعلم بخروج بعض مراتبـه عن العامّ وشكّ في خروج بعض آخر فإجمالـه لا يسري إلى العامّ، لأنّ الشكّ في مثل هذا يرجع إلى الشكّ في ورود مخصّص آخر للعامّ غير ما علم التخصيص بـه فتأمّل(1). انتهى ملخّص موضع الحاجـة من كلامـه على ما في التقريرات.
ويرد عليـه وجوه:
منها: أنّ ما أفاده من جواز التمسّك بالعامّ في الشبهات المصداقيّـة للمقيّدات اللبّـيّـة محلّ نظر، بل منع; لأنّ مبنى ذلك إنّما هو دعوى أنّ العقل يخرج الأفراد والخصوصيات، فمرجع الشكّ في كون شيء مصداقاً للمخصّص إلى الشكّ في التخصيص الزائد، وهذا المبنى بمكان من البطلان. ضرورة أنّ حكم العقل عبارة عن الكبريات الكلّيـة الثابتـة في مواردها، وحكم العقل بخروج الأفراد إنّما هو لملاك واحد مشترك بينهما، فلا فرق بين قيام الدليل اللفظي على التخصيص وحكم العقل بذلك أصلا، فكما لا يجوز التمسّك بالعامّ في الشبهـة المصداقيّـة للمخصّص في المخصّصات اللفظيـة فكذلك لا يجوز في اللبّـيّات أيضاً.
ومنها: أنّ الفرق بين العقل الضروري والنظري محلّ منع، بل الظاهر عدم الفرق بينهما مـن حيث كونهما كالمخصّص المتّصل; لأنّ العقل النظري وإن كان لاينتقل الذهـن إليـه إلاّ بعـد الالتفات إلـى المبادئ الموجبـة لـذلك، إلاّ أنّـه

1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 57 ـ 60.

(الصفحة127)

بعد الانتقال يعلم بعدم كون الظهور المنعقد للعامّ قبل الالتفات إلى تلك المبادئ ظهوراً حقيقيّاً وأنّـه أخطـأ فـي توهّمـه انعقاد الظهور للعامّ; لأنّـه بعد الانتقال يعلم بكون دائرة العامّ من أوّل صدوره من المولى كانت أضيق ممّا كان يتوهّمـه سابقاً.
وهذا بخلاف المخصّص اللفظي المنفصل، فإنّ العامّ كان منعقداً ظهوره في العموم ولا يجوز رفع اليد عنـه إلاّ بالمقدار الذي يكون المخصّص فيـه حجّـة، وهو الأقلّ، ضرورة أنّ رفع اليد بالنسبـة إلى الأكثر يكون من قبيل رفع اليد عن الحجّـة بغير الحجّـة.
وأمّا في المقام فبعد استكشاف حكم العقل يعلم بعدم انعقاد ظهور لـه في العموم أصلا كالعقل الضروري. وتوهّم الانعقاد لايوجب التفكيك، فكما يسري الإجمال إلى العامّ فـي العقل الضروري فكذلك يسري إليـه في العقل النظري، فلا يجوز التمسّك بـه في كلتا الصورتين فتدبّر.
ومنها: أنّ ما أفاده من الجواب الثاني عن الإشكال الذي أورده على نفسـه يرد عليـه: ـ مضافاً إلى عدم الفرق بين مثال الفاسق وبين المقام; لأنّ الفاسق أيضاً ذومراتب، للفرق بين الفسق الناشئ من التصرّف في مال الغير مثلا وبين الفسق الناشئ من قتل النفس المحترمـة عمداً، كما هو واضح.
وحينئذ فلو ثبت أنّ عنوان الفاسق يصدق أيضاً على مرتكب الصغيرة تكون هذه المرتبـة من الفسق من المراتب النازلـة لعنوان الفسق ـ أنّ الفرق بين ما إذا كان عنوان المخصّص عنواناً واقعيّاً غير مختلف المراتب، وما إذا كان عنواناً ذا مراتب مختلفـة في عدم جواز التمسّك بالعامّ في الأوّل دون الثاني، ممّا لا يكون لـه وجـه; لأنّ المخصّص ولو كان عنواناً ذا مراتب إذا كان متّصلا بالعامّ سواء كان

(الصفحة128)

لفظياً أو عقلياً ضروريّاً يسري إجمالـه إلى العامّ لا محالـة ويمنع عن انعقاد ظهور للعامّ في العموم، وليس هنا حجّـة على العموم حتّى يتمسّك بها في المقدار الذي لا يكون المخصّص حجّـة بالنسبـة إليـه.
وبالجملـة: اتّصال المخصّص بالعامّ مانع عن كون ظهوره متّبعاً وقابلا للاحتجاج; لأنّ الكلام مادام كون المتكلِّم مشتغلا بـه لا ينعقد لـه ظهور متّبع حتّى إذا فرغ المتكلّم منـه، وهذا واضح جدّاً.
وحينئذ: فلا فرق من هذه الحيثيّـة بين كون المخصّص ذا مراتب أو غيره، فمرجع التمسّك بالعامّ حينئذ إلى التمسّك بـه في الشبهـة المصداقيّـة لنفس العامّ، وهو ممّا لا يجوز قطعاً.
وما ذكره من أنّ الشكّ في مثل هذا يرجع إلى الشكّ في ورود مخصّص آخر خروج عن محلّ النزاع; لأنّ الكلام في الشبهـة المفهوميّـة التي هي عبارة عن كون مفهوم المخصّص مجملا ولا يعلم انطباقـه على بعض المصاديق.
وحينئذ فلا يلزم من دخول بعض المراتب أو خروجـه تخصيص زائد أصلا. نعم لو علم بكون المفهوم ذا مراتب وشكّ مع ذلك في خروج بعض المراتب وعـدمـه يكون ذلك مـن قبيل إجمال المراد، ولا يكون مـن قبيل الشبهـة المفهوميّـة أصلا.
ثمّ إنّـه أورد المحقّق الخراساني (قدس سره) في الكفايـة على هذا الوجـه الذي أفاده الشيخ وتابعـه المحقّق النائيني بما لفظـه: إنّـه لو شكّ في ذلك ـ يعني في صحّـة انقداح الداعي إلى الفعل في نفس العبد ـ كان المرجع هو البراءة، لعدم القطع بالاشتغال، لا إطلاق الخطاب، ضرورة أنّـه لا مجال للتشبّث بـه إلاّ فيما إذا شكّ في التقيـيد بشيء بعد الفراغ عن صحّـة الإطلاق بدونـه، لا فيما شكّ في

(الصفحة129)

اعتباره في صحّتـه(1). وقال في هامشها: نعم لو كان الإطلاق في مقام يقتضي بيـان التقيـيد بالابتلاء ـ لو لم يكن هناك ابتلاء مصحّح للتكليف ـ كان الإطلاق وعدم بيان التقيـيد دالاّ على فعليتـه ووجود الابتلاء المصحّح لها، كما لايخفى فافهم(2)، انتهى.
وأجاب عنـه المحقّق النائيني ـ على ما في التقريرات ـ بما ملخّصـه: إنّ إطلاق الكاشف بنفسـه يكشف عن إمكان إطلاق النفس الأمري، ولو كان التمسّك بالمطلقات مشروطاً بإحراز إمكان الإطلاق لانسدّ باب التمسّك بالمطلقات بالكلّيـة، إذ ما من مورد يشكّ في التقيـيد إلاّ ويرجع إلى الشكّ في إمكان الإطلاق، خصوصاً على مذهب العدليّـة من تبعيّـة الأحكام للمصالح والمفاسد النفس الأمريّـة، لأنّ الشكّ في كلّ قيد يلازم الشكّ في ثبوت المصلحـة الموجبـة للتقيـيد.
وبالجملـة: الإطلاق اللفظي يكشف عن ثبوت الإطلاق النفس الأمري، كما أنّ الخطاب اللفظي يكشف عن ثبوت الملاك والمناط، وحينئذ فيؤخذ بظاهر الإطلاق في الموارد المشكوكـة ويستكشف منـه إنّاً عدم استهجان التكليف في مورد الشكّ، كما يستكشف من إطلاق قولـه (عليه السلام): «اللهمّ العن بني اُميّـة قاطبـة» عدم إيمان من شكّ في إيمانـه من هذه الطائفـة الخبيثـة، مع أنّ حكم العقل بقبح لعن المؤمن لا ينقص عن حكمـه بقبح تكليف من لا يتمكّن عادة(3)، انتهى.


1 ـ كفايـة الاُصول: 410.
2 ـ نفس ا لمصدر: 410، الهامش4.
3 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 61 ـ 62.

(الصفحة130)

وفيـه: وضوح الفرق بين المقام وبين المقيّدات الاُخر; لأنّ استهجان الخطاب مع عدم الابتلاء ممّا يكون بديهيّاً عند العامّـة، بخلاف قضيّـة المصلحـة والمفسدة التي ذهب إليها جمع من العلماء لنهوض الدليل عليها وتكون مغفولا عنها عند العرف والعقلاء، فإذا ورد «أكـرم العلماء» مثلا، يكون المتفاهم منـه بنظر العرف هو وجوب إكرام الجميع من غير توجّـه إلى ثبوت المصلحـة فـي إكرام الجميع، ويكون العموم حجّـة لا يرفعون اليد عنها في موارد الشكّ في التخصيص. وهذا بخلاف المقام الذي لا يكون الخطاب مطلقاً بنظرهم وشاملا لكلتا صورتي الابتلاء وعدمـه، بل يكون مقيّداً من أوّل الأمر بصورة الابتلاء. وحينئذ فلا يجوز التمسّك بـه مع الشكّ في الابتلاء وعدمـه، كما هو واضح.


(الصفحة131)


الأمر الرابع

في الشبهة الغير المحصورة

ولابدّ من جعل البحث فيها فيما إذا كان الحكم الموجود بين الأطراف الغير المحصورة ثابتاً من إطلاق أو عموم أو قيام أمارة، ضرورة أنّـه لو كان معلوماً بالعلم الوجداني فقد عرفت في أوّل مبحث الاشتغال أنّـه يحرم مخالفتـه، ويجب موافقتـه قطعاً، ولا يعقل الترخيص ولو في بعض الأطراف لعدم اجتماع الفعليّـة على أيّ تقدير مع الإذن في البعض فضلا عن الكلّ.
كما أنّـه لابدّ من تمحيض الكلام في خصوص الشبهـة الغير المحصورة وأنّ كثرة الأطراف بنفسها هل يوجب الاجتناب عن الجميع أم لا؟ مع قطع النظر عن العسر أو الاضطرار أو عدم الابتلاء، فإنّ هذه الاُمور نافيـة للاحتياط حتّى في الشبهـة المحصورة.
فمحلّ النزاع في الشبهـة الغير المحصوره هو ما لو كانت الشبهـة محصورة لوجب الاحتياط فيها.
وممّا ذكرنا يظهر أنّـه لا وجـه للتمسّك في المقام بالعسر أو عدم الابتلاء، كما صنعـه الشيخ في الرسالـة(1) وغيره في غيرها فتدبّر.


1 ـ فرائد الاُصول 2: 430 ـ 431.

(الصفحة132)

فيما يدلّ على عدم وجوب الاحتياط في الشبهة غير المحصورة

ثمّ إنّـه تدلّ على عدم وجوب الاحتياط فيها وجوه:
منها: دعوى الإجماع بل الضرورة من غير واحد من الأعلام (قدس سرهم)(1).
ومنها: الأخبار الكثيرة الدالّـة على عدم وجوب الاحتياط في مطلق الشبهات المقرونـة بالعلم الإجمالي أو خصوص الغير المحصورة منها، كصحيحـة عبداللّه بن سنان المتقدّمـة(2) عن أبيعبداللّه (عليه السلام) قال: «كلّ شيء فيـه حلال وحرام فهو لك حلال أبداً حتّى تعرف الحرام منـه بعينـه».
وقد عرفت ظهورها في الشبهـة المقرونـة بالعلم الإجمالي، وهي وإن كانت شاملـة للمحصورة أيضاً، إلاّ أنّـه لابدّ من تقيـيدها وحملها على غير المحصور.
ودعوى أنّ ذلك حمل على الفرد النادر مدفوعـة جدّاً; لمنع كون الشبهـة الغير المحصورة قليلـة نادرة بالنسبـة إلى المحصورة لو لم نقل بكونها أكثر، كما يظهر لمن تدبّر في أحوال العرف.
ومنـه يظهر الخلل فيما أفاده الشيخ الأنصاري في الرسالـة في مقام الجواب عن الاستدلال بالأخبار الدالّـة على حلّيـة كلّ ما لم يعلم حرمتـه من أنّ هذه الأخبار نصّ في الشبهـة البدويّـة، وأخبار الاجتناب نصّ في الشبهـة المحصورة، وكلا الطرفين ظاهران في الشبهـة الغير المحصورة، فإخراجها عن

1 ـ جامع المقاصد 2: 166، روض الجنان: 224 / السطر21، الفوائد الحائريـة: 247.
2 ـ تقدّمت في الصفحة 88.

(الصفحة133)

أحدهما وإدخالها في الآخر ليس جمعاً بل ترجيحاً بلا مرجّح(1).
وجـه الخلل: ما عرفت من ظهور مثل الصحيحـة في خصوص الشبهـة المقرونـة بالعلم الإجمالي، لأنّ الشيء الذي فيـه الحلال والحرام هو عبارة عن المختلط بهما والشبهـة البدويّـة لا تكون كذلك.
وحينئذ: فبعد إخراج الشبهـة المحصورة ـ لحكم العقلاء باستلزام الإذن في الارتكاب فيها للإذن في المعصيـة، وهو مضافاً إلى قبحـه غير معقول كما عرفت ـ تبقى الشبهـة الغير المحصورة باقيـة تحتها. هذا مضافاً إلى أنّـه لو سلّمنا الشمول للشبهـة البدويّـة فكونها نصّاً فيها وظاهراً في الشبهـة الغير المحصورة محلّ نظر، بل منع، كما لايخفى.
ويدلّ على ما ذكرنا أيضاً ما رواه البرقي في محكي المحاسن عن أبيالجارود قال: سألت أباجعفر (عليه السلام) عن الجبن فقلت: أخبرني من رأى أنّـه يجعل فيـه الميتـة، فقال: «أمن أجل مكان واحد يجعل فيـه الميتـة حـرم جميع ما في الأرض؟! إذا علمت أنّـه ميتـة فلا تأكلـه، وما لم تعلم فاشتر وبِع وكُل، واللّه إنّي لأعترض السوق فأشتري اللحم والسمن والجبن، واللّه ما أظنّ كلّهم يسمّون، هذه البربر وهذه السودان»(2). فإنّـه لو اُغمض النظر عن المناقشـة في السند وكذا في المضمون من جهـة صدورها تقيّـة ـ لما عرفت سابقاً من عدم حرمـة الجبن الذي علم تفصيلا بوضع الأنفحـة من الميتـة فيـه عند علمائنا

1 ـ فرائد الاُصول 2: 432.
2 ـ المحاسن: 495 / 597، وسائل الشيعـة 25: 119، كتاب الأطعمـة والأشربـة، أبواب الأطعمـة المباحـة، الباب61، الحديث5.

(الصفحة134)

الإماميّـة رضوان اللّه عليهم، خلافـاً للعامّـة العمياء، والروايـة مقـرّرة لهذا الحكم ـ تكون دلالتها على عدم وجوب الاجتناب فـي الشبهـة الغير المحصورة واضحـة.
وما ادّعاه الشيخ (قدس سره) في الرسالـة من أنّ المراد أنّ جعل الميتـة في الجبن في مكان واحد لايوجب الاجتناب عن جبن غيره من الأماكن، ولا كلام في ذلك، لا أنّـه لا يوجب الاجتناب عن كلّ جبن يحتمل أن يكون من ذلك المكان، فلا دخل لـه بالمدّعي(1) فيـه نظر واضح; لأنّ الحكم بعدم وجوب الاجتناب عن الجبن في مكان مع العلم بعدم كونـه من الأمكنـة التي توضع فيها الميتـة في الجبن ممّا لا ينبغي أن يصدر من الإمام (عليه السلام)، ولا أن يقع مورداً للشكّ، كما هو واضح.
بل الظاهر أنّ المراد أنّ مجرّد احتمال كون الجبن موضوعاً فيـه الميتـة وأنّـه من الجبن المنقولـة من الأمكنـة التي يوضع فيها الميتـة في الجبن لا يوجب الاجتناب عن كلّ جبن، وهذا هو المطلوب في باب الشبهـة الغير المحصـورة، كما أنّ قولـه (عليه السلام): «ما أظنّ كلّهم يسمّون»، ظاهـر فـي أنّ العلم بعدم تسميـة جماعـة حين الذبح كالبربر والسودان لا يوجب الاجتناب عـن جميع اللحوم. ودعوى أنّ المراد منـه عدم وجوب الظنّ أو القطع بالحلّيـة، بل يكفي أخذها من سوق المسلمين ـ كما في الرسالـة(2) غريبـة جدّاً ومخالفـة للظاهر قطعاً.


1 ـ فرائد الاُصول 2: 433.
2 ـ نفس المصدر.

(الصفحة135)

ثمّ إنّـه يدلّ على عدم وجوب الاجتناب في الشبهـة الغير المحصورة الروايات الكثيرة الاُخر التي جمعها المحقّق الطباطبائي في حاشيتـه على المتاجر في باب جوائز السلطان، مثل صحيحـة الحلبي عن أبيعبداللّه (عليه السلام) قال: «أتى رجل أبي (عليه السلام) فقال: إنّي ورثت مالا وقد علمت أنّ صاحبـه الذي ورثتـه منـه قد كان يربى، وقد أعرف أنّ فيـه رباً وأستيقن ذلك وليس يطيب لي حلالـه، لحال علمي فيـه... إلى أن قال: فقال أبوجعفر (عليه السلام): إن كنت تعلم بأنّ فيـه مالا معروفاً رباً وتعرف أهلـه فخذ رأس مالك وردّ ما سوى ذلك، وإن كان مختلطاً فكلـه هنيئاً، فإنّ المال مالك»(1). وغيرها من الروايات الاُخر من أراد الاطّلاع عليها فليراجع الحاشيـة(2).
ومنها: ما أفاده المحقّق المعاصر في كتاب الدرر(3)، وتوضيحـه: أنّ تنجّز التكليف عند العقلاء عبارة عن كونـه بحيث يصحّ للمولى الاحتجاج بـه على العبد والمؤاخذة على مخالفتـه، وهذا المعنى غير متحقّق في الشبهـة الغير المحصورة، لأنّ احتمال الحرام قد بلغ من الضعف إلى حدّ لا يكون مورداً لاعتناء العقلاء واعتمادهم عليـه، بل ربّما يعدّون من ترتّب الأثر على هذا النحو من الاحتمال سفيهاً خارجاً عن الطريقـة العقلائيّـة، ألا ترى أنّ من كان لـه ولد في بلد عظيم كثير الأهل، فسمع وقوع حادثـة في ذلك البلد منتهيـة إلى قتل واحد من أهلـه، لو

1 ـ الكافي 5: 145 / 5، وسائل الشيعـة 18: 129، كتاب التجارة، أبواب الربا، الباب5، الحديث3.
2 ـ حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 33.
3 ـ درر الفوائد، المحقّق الحائري: 471.

(الصفحة136)

ترتّب الأثر على مجرّد احتمال كون المقتول هو ولده فأقام بالتعزيـة والتضرّع يعدّ مذموماً عند العقلاء مورداً لطعنهم، بل لو كان مثل هذا الاحتمال سبباً لترتيب الأثر عليـه لانسدّ باب المعيشـة وسائر الأعمال، كما هو واضح.
وبالجملـة: فالتكليف وإن كان معلوماً لدلالـة الإطلاق عليـه أو نهوض أمارة شرعيّـة على ثبوتـه، إلاّ أنّ في كل واحد من الأطراف أمارة عقلائيـة على عدم كونـه هو المحرّم الواقعي، لأنّ احتمالـه مستهلك في ضمن الاحتمالات الكثيرة على حسب كثرة الأطراف، ومع بلوغـه إلى هذا الحدّ يكون عند العقلاء بحيث لا يكون قابلا للاعتناء أصلا. وحينئذ فيجوز ارتكاب جميع الأطراف مع وجود هذه الأمارة العقلائيّـة بالنسبـة إلى الجميع، هذا.
ولكنّ المحقّق المزبور بعد توجيهـه جواز الارتكاب بما يرجع إلى ذلك قال: ولكن فيما ذكرنا أيضاً تأمّل، فإنّ الاطمئنان بعدم الحرام في كلّ واحد واحد بالخصوص كيف يجتمع مع العلم بوجود الحرام بينها وعدم خروجـه عنها، وهل يمكن اجتماع العلم بالموجبـة الجزئيـة مع الظنّ بالسلب الكلّي؟(1) انتهى.
ولكن لا يخفى أنّ هذه الشبهـة إنّما تـتمّ لو كان متعلّق الاطمئنان متّحداً مع متعلّق العلم، ولكنّـه ليس كذلك، لأنّ المعلوم هو وجود الحرام بين هذه الأطراف، ومتعلّق الاطمئنان هو خروج كلّ واحد منها بالقياس إلى غيرها، فحصل الاختلاف بين المتعلّقين. كيف ولو لم يمكن اجتماعهما لأجل التنافي يلزم ذلك في الشبهـة المحصورة أيضاً، فإنّـه كيف يجتمع العلم بوجود الحرام بين الإنائين مع الشكّ في كلّ واحد منهما أنّـه هو المحرّم، ومن المعلوم ثبوت التنافي بين العلم

1 ـ درر الفوائد، المحقّق الحائري: 471.

(الصفحة137)

بالموجبـة الجزئيـة والشكّ في السلب الكلّي، والسرّ في ذلك ما عرفت من اختلاف المتعلّقين، فتدبّر، هذا.
ويمكن إبداء شبهـة اُخرى، وهو أنّ الأمارة مطلقاً عقليّـة كانت أو شرعيّـة إنّما تكون معتبرة مع عدم العلم بكونها مخالفـة للواقع، سواء كان العلم تفصيليّاً أو إجماليّاً، وفي المقام نعلم إجمالا بأنّ واحداً من هذه الأمارات العقليّـة المتكثّرة القائمـة على خروج كلّ واحد من الأطراف بالقياس إلى غيرها مخالف للواقع قطعاً، للعلم الإجمالي بوجود الحرام بينها.
ولكن يدفع الشبهـة: أنّـه كما كانت الأمارة قائمـة على عدم كون كلّ واحد من الأطراف بالقياس إلى غيره هو المحرّم الواقعي، كذلك هنا أمارة عقلائيّـة على عدم كون كلّ أمارة بالقياس إلى غيرها هي الأمارة المخالفـة للواقع، لأنّ الشبهـة فيـه أيضاً غيرمحصورة، فتأمّل.

ضابط الشبهة الغير المحصورة

ثمّ إنّ ضابط الشبهـة الغير المحصورة يختلف حسب اختلاف الوجوه التي استدلّ بها لعدم الوجوب; أي الاحتياط فيها، فلو تمسّك فيها بالإجماع فالواجب الرجوع إلى العرف في تعيـين مفهومها. وقد اختلف كلماتهم في تحديد المعنى العرفي، فعن الشهيد والمحقّق الثانيـين(1) وبعض آخر(2) أنّـه عبارة عمّا يعسر

1 ـ اُنظر فرائد الاُصول 2: 436، جامع المقاصد 2: 166، روض الجنان: 224 / السطر20.
2 ـ مدارك الأحكام 3: 253.

(الصفحة138)

عدّه مطلقاً، أو في زمان قصير كما عن المحقّق الثاني، وحكي عن غيرهم اُمور اُخر لعلّـه يأتي بعضها.
ولكن حيث إنّ الإجماع ممّا لا يجوز التمسّك بـه، لاختلاف العلل الموجبـة للحكم بعدم وجوب الاحتياط، كما هو المحتمل قويّاً فلا يكشف عن رأي المعصوم (عليه السلام) فلا طائل تحت النزاع في موضوعـه وتحقيق ما هو الحقّ. ولكنّـه على تقدير ثبوتـه لا يقتضي إلاّ عدم وجوب الموافقـة القطعيـة، لأنّـه القدر المتيقّن منـه، وأمّا جواز المخالفـة القطعيـة بارتكاب الجميع فلا يستفيد منـه بعد عدم تيقّن كونـه معقد الإجماع أيضاً، هذا.
وأمّا لو استند في الحكم إلى الروايات المتقدّمـة ونظائرها فليس هنا عنوان الشبهـة الغير المحصورة حتّى ينازع في تعيـين معناها وبيان مفهومها; لأنّها لا تدلّ إلاّ على حلّيـة الشيء المختلط من الحلال والحرام، وهي وإن كانت مخصّصـة بالنسبـة إلى الشبهـة المحصورة، إلاّ أنّ عنوان المخصّص ليس أيضاً هو عنوانها، بل مورد المخصّص هو ما إذا كان الترخيص في ارتكاب الجميع مستلزماً للإذن في المعصيـة بنظر العقل أو العقلاء، ففي غير هذا المورد يتمسّك بالعموم ويحكم بالترخيص.
وممّا ذكرنا يظهر أيضاً أنّـه بناءً على هذا الوجـه كما لا تكون الموافقـة القطعيـة واجبـة، كذلك لا تكون المخالفـة القطعيـة بمحرّمـة أصلا; لدلالـة الروايات على حلّيـة مجموع الشيء المختلط من الحلال والحرام. وقد عرفت فيما سبق أنّ مرجع ذلك إلى رفع اليد عن التكليف التحريمي الموجود في البين لمصلحـة أقوى، وحينئذ فلو كان من أوّل الأمر قاصداً لارتكاب الجميع لوجود الخمر بين الأطراف ولا يتحقّق العلم بارتكابـه إلاّ بعد ارتكاب الجميع لا يكون

(الصفحة139)

عاصياً، بل ولا متجرّياً; لعدم كون الخمر الموجود بينها بمحرّم أصلا بعد حصول الاختلاط، هذا.
ولو استند في الباب إلى الوجـه الأخير(1) الذي أفاده في كتاب الدرر فالضابط هو بلوغ كثرة الأطراف إلى حدّ يكون احتمال كون كلّ واحد منها هو المحرّم الواقعي ضعيفاً، بحيث لم يكن معتنى بـه عند العقلاء أصلا، فكلّما بلغت الكثرة إلى هذا الحدّ تصير الشبهـة غير محصورة.
ومقتضى هذا الوجـه أيضاً جواز ارتكاب الجميع; لأنّ المفروض أنّ في كلّ واحد من الأطراف أمارة عقلائيّـة على عدم كونـه هو المحرّم الواقعي حتّى فيما إذا بقي طرف واحد، فإنّ الأمارة أيضاً قائمـة على عدم كونـه هو المحرّم، بل المحرّم كان في ضمن ما ارتكبـه.
نعم لو كان قصده من أوّل الأمر ارتكاب المحرّم الواقعي بارتكاب الجميع وارتكب واحداً منها واتّفق مصادفتـه للمحرّم الواقعي تصحّ عقوبتـه عليـه، كما لايخفى.

بيان المحقّق النائيني في ضابط الشبهة الغير المحصورة

ثمّ إنّ المحقّق النائيني (قدس سره) أفاد في بيان ضابط الشبهـة الغير المحصورة ما ملخّصـه: إنّ ضابط الشبهـة الغير المحصورة هو أن تبلغ أطراف الشبهـة حدّاً لا يمكن عادةً جمعها في الاستعمال من أكل أو شرب أو نحوهما لأجل الكثرة. فلابدّ في الشبهـة الغير المحصورة من اجتماع كلا الأمرين: كثرة العدد، وعدم التمكّن

1 ـ تقدّم في الصفحـة 135.

(الصفحة140)

من جمعـه في الاستعمال، فالعلم بنجاسـة حبّـة من الحنطـة في ضمن حقّـة منها لا يكون من قبيل الشبهـة الغير المحصورة، لإمكان استعمال الحقّـة من الحنطـة بطحن وخبز وأكل، مع أنّ نسبـة الحبّـة إلى الحقّـة تزيد عن نسبـة الواحد إلى الألف، كما أنّ مجرّد عدم التمكّن العادي من جمع الأطراف في الاستعمال فقط لا يوجب أن تكون الشبهـة غير محصورة، إذ ربّما لا يتمكّن عادة من ذلك مع كون الشبهـة فيـه أيضاً محصورة، كما لو كان بعض الأطراف في أقصى بلاد المغرب، فلابدّ فيها من اجتماع كلا الأمرين.
ومنـه يظهر عدم حرمـة المخالفـة القطعيّـة; لأنّ المفروض عدم التمكّن العادي منها، وكذا عدم وجوب الموافقـة القطعيـة; لأنّ وجوبها فرع حرمـة المخالفـة القطعيّـة، لأنّ الوجوب يتوقّف على تعارض الاُصول في الأطراف، وتعارضها يتوقّف على حرمـة المخالفـة القطعيـة، ليلزم من جريانها مخالفـة عمليـة للتكليف المعلوم في البين، فإذا لم تحرم ـ كما هو المفروض ـ لم يقع التعارض، ومع عدمـه لايجب الموافقـة القطعيـة(1)، انتهى.
وفيـه وجوه من النظر:
الأوّل: أنّ المراد بالتمكّن العادي من الجمع في الاستعمال إن كان هو الإمكان دفعةً; أي في أكل واحد أو شرب واحد أو لبس كذلك وهكذا، فهذا يوجب دخول أكثر الشبهات المحصورة في هذا الضابط، لأنّ كثيراً منها ممّا لا يمكن عادةً جمعها في استعمال واحد، لأجل كثرة أطرافـه المحصورة. وإن كان المراد هو الإمكان ولو تدريجاً بحسب مرور الأيّام والشهور والسنين فلازمـه خروج أكثر

1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 117 ـ 119.
<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>