قرآن، حديث، دعا |
زندگينامه |
کتابخانه |
احكام و فتاوا |
دروس |
معرفى و اخبار دفاتر |
ديدارها و ملاقات ها |
پيامها |
فعاليتهاى فرهنگى |
کتابخانه تخصصى فقهى |
نگارخانه |
اخبار |
مناسبتها |
صفحه ويژه |
|
(الصفحة141)
الشبهات الغير المحصورة; لإمكان جمعها في الاستعمال تدريجاً، كما هو واضح.
الثاني: أنّك عرفت فيما تقدّم مراراً أنّ التكاليف الفعليـة ثابتـة بالنسبـة إلى جميع المخاطبين، ولا تكون مشروطـة بالعلم والقدرة ونظائرهما، غايـة الأمر أنّ الجاهل والعاجز معذوران في المخالفـة; لأنّ الملاك في حسن الخطاب بنحو العموم واستهجانـه غير ما هو المناط فيهما بالنسبـة إلى الخطاب الشخصي، فلو لم يكن الشخص قادراً على ترك المنهي عنـه يكون معذوراً، كما أنّـه لو لم يكن قادراً على إتيان المأمور بـه يكون كذلك. فالموجب للمعذوريّـة إنّما هو عدم القدرة على الترك في الأوّل، وعلى الفعل في الثاني لتحقّق المخالفـة، وأمّا لو لم يكن قادراً على الفعل في الأوّل وعلى الترك في الثاني فلا معنى للعذر هنا، لعدم حصول المخالفـة منـه أصلا، كما لايخفى.
وحينئذ: فما أفاده من أنّ عدم التمكّن العادي من المخالفـة القطعيـة يوجب أن لا تكون محرّمـة، ممنوع; لأنّ عدم التمكّن لا يوجب تحقّق المنهي عنـه حتّى يرتفع حكمـه أو يصير معذوراً، فتدبّر.
الثالث: أنّـه لو سلّم ما ذكر فنقول: إنّ ما تعلّق بـه التكليف التحريمي هو الخمر الموجود في البين، فلابدّ من ملاحظـة عدم التمكّن بالنسبـة إليـه، وأمّا الجمع بين الأطراف الذي هو عبارة اُخرى عن المخالفـة القطعيّـة فلا يكون مورداً لتعلّق التكليف حتّى يكون عدم التمكّن العادي من المكلّف بـه موجباً لرفع التكليف المتعلّق بـه.
وبالجملـة: ما هو مورد لتعلّق التكليف ـ وهو الخمر الموجود بين الأطراف المتكثّرة ـ يكون متمكّناً من استعمالـه في نفسـه; لأنّـه لا يكون إلاّ في إناء واحد مثلا، وما لا يتمكّن من استعمالـه ـ وهو الجمع بين الأطراف ـ لا يكون متعلّقاً
(الصفحة142)
لحكم تحريمي أصلا. نعم يحكم العقل بلزوم تركـه في أطراف الشبهـة المحصورة أو غيرها أيضاً بناءً على بعض الوجوه، كما عرفت.
مقتضى القاعدة عند الشكّ في كون شبهة محصورة أو غير محصورة
ثمّ إنّـه لو شكّ في كون شبهـة محصورة أو غيرها من جهـة المفهوم أو المصداق فهل القاعدة تقتضي الاحتياط أم لا؟
ولنتكلّم في ذلك بناءً على الوجهين الأخيرين اللذين يمكن الاستدلال بهما لنفي وجوب الاجتناب في الشبهـة الغير المحصورة، وإن كان الاستناد إلى كلّ واحد مستقلاّ، لا يخلو عن الإيراد; لعدم وفاء الروايات بتمام المقصود، لأنّها لا تشمل الشبهـة الغير المحصورة الوجوبيـة، بل يختصّ بالتحريميـة منها، وعدم خلوّ الوجـه الأخير من المناقشـة; لأنّـه لو فرض بعد العلم الإجمالي بوجود الحرام بين الأطراف الغير المحصورة أنّـه ظنّ بالظنّ الغير المعتبر أنّ الحرام إنّما هو بين أطراف محصورة منها، كما لو ظنّ بوجود الحرام بين عشرة معيّنـة من الألف الذي يعلم إجمالا بأنّ واحداً منـه حرام واقعاً، لم يكن حينئذ أمارة عقلائيّـة على عدم كون كلّ واحد من الأطراف هو الحرام الواقعي بالقياس إلى غيره; لعدم اجتماع الظنّ بوجوده بينها مع الأمارة العقلائيـة على الخلاف في كلّ واحد منها، كما لايخفى.
هذا، ولكنّ الاستناد إلى مجموع الوجهين وجعلهما دليلا واحداً خال عن المناقشـة والإيراد.
وكيف كان: فبناءً على كون الدليل في المقام هي الروايات الدالّـة على
(الصفحة143)
حلّيـة المختلط من الحلال والحرام مطلقاً، فإن قلنا: بأنّها قد خصّصت بالإجماع على وجوب الاجتناب في الشبهـة المحصورة بعنوانها، فإن كانت الشبهـة مفهوميّـة دائرة بين الأقلّ والأكثر، يجب الرجوع في مورد الشكّ إلى الروايات الدالّـة على الحلّيـة، كما هو الشأن في نظائر المقام ممّا كان الشكّ من جهـة المفهوم وتردّده بين الأقلّ والأكثر.
وإن كانت الشبهـة مصداقيّـة كما إذا علم بأنّ الألف يكون من الشبهـة الغير المحصورة ونصفـه من المحصورة، ولكن شكّ في أنّ أطراف هذه الشبهـة الخارجيّـة هل تبلغ الألف أو لا تـتجاوز عن نصفـه فلا مجال من الرجوع إلى الإجماع بعد عدم إحراز موضوعـه، ولا من الرجوع إلى الروايات; لأنّـه من قبيل التمسّك بالعامّ في الشبهـة المصداقيـة للمخصّص، وقد حقّق سابقاً عدم الجواز، بل اللازم الرجوع إلى أدلّـة التكاليف الأوّليـة والحكم بوجوب الاجتناب; لعدم ثبوت المرخّص، كما هو واضح.
هذا كلّـه لو كان المخصّص للروايات هو الإجماع على خروج عنوان الشبهـة المحصورة، وأمّا لو كان المخصّص هو حكم عقل العرف بلزوم رفع اليد عن العموم في ما يوجب الإذن في المعصيـة فاللازم بناءً على ما ذكرنا سابقاً من أنّ الدليل العقلي إنّما يكون كالمخصّص المتّصل ضروريّاً كان أو نظريّاً، يكون العامّ من أوّل الأمر مقيّداً بغير صورة يستلزم الإذن في المعصيـة الذي هو قبيح، فلا يجوز التمسّك بـه في مورد الشكّ; لأنّـه من قبيل التمسّك بالعامّ في الشبهـة المصداقيـة لنفسـه، وهو لا يجوز اتّفاقاً، هذا.
وأمّا لو كان الدليل هو الوجـه الأخير، فإن كانت الشبهـة مصداقيّـة فالظاهر أنّـه لا يجب الاجتناب; لأنّ العلم الإجمالي بوجود الحرام الواقعي في
(الصفحة144)
البين وإن كان موجباً للاحتياط، إلاّ أنّـه إذا خرج من ذلك ما إذا قامت الأمارة العقلائيـة على عدم كون كلّ واحد من الأطراف هو الحرام الواقعي بالقياس إلى غيره فهو نظير ما إذا دلّ الدليل الشرعي على ذلك، فالتمسّك بدليل التكليف الواقعي في مورد الشكّ من قبيل التمسّك بالعامّ في الشبهـة المصداقيّـة، وحينئذ فلا يبقى وجـه لوجوب الاجتناب.
وأمّا لو كانت الشبهـة مفهوميّـة فالواجب الرجوع إلى دليل التكليف الواقعي والحكم بوجوب الاجتناب; لعدم ثبوت كون مورد الشكّ خارجاً، نظير ما إذا كان المخصّص اللفظي مجملا مفهوماً مردّداً بين الأقلّ والأكثر، كما لايخفى.
تنبيهان:
الأوّل: أنّـه بعد الحكم بعدم تأثير العلم الإجمالي في الشبهـة الغير المحصورة هل تكون الأطراف محكومـة بالحكم المترتّب على الشكّ البدوي، فلا يجوز التوضّي بالمائع المشتبـه بين الماء والبول بالشبهـة الغير المحصورة ـ كما هو الشأن في المشتبـه بالشبهـة البدويّـة ـ ضرورة لزوم إحراز كون ما يتوضّى بـه ماءً مطلقاً، أو تسقط الأطراف عن حكم الشكّ البدوي أيضاً، فيجوز الوضوء بالمائع المردّد بين الماء والبول في المثال؟
وجهان: مبنيّان على الوجهين السابقين اللذين استند إليهما لنفي وجوب الاحتياط في الشبهـة الغير المحصورة.
فإن كان المستند في ذلك هي روايات الحلّ فلايجوزالتوضّي بـه في المثال; لأنّ مدلولها مجرّد الحلّيـة في مقابل الحرمـة، وأمّا إثبات الموضوع وأنّ
(الصفحة145)
الحلال هو الماء فلا تدلّ عليـه أصلا، كما هو الشأن في الشكّ البدوي، كما لايخفى.
وأمّا لو كان المستند هو الوجـه الأخير الذي مرجعـه إلى وجود أمارة عقلائيّـة في كلّ واحد من الأطراف فتسقط عن حكم الشكّ البدوي أيضاً; لأنّ الأمارة قائمـة على عدم كون كلّ واحد منها هو البول والمفروض اعتبار هذه الأمارة شرعاً، فكلّ واحد من الأطراف محكوم شرعاً بعدم كونـه بولا، فيجوز التوضّي بـه، هذا.
ولا يخفى: أنّـه بناءً على ما أفاده المحقّق النائيني(1) من الوجـه لعدم وجوب الاحتياط في الشبهـة الغير المحصورة ـ وهو أنّـه لا تكون المخالفـة القطعيـة بمحرّمـة، لعدم القدرة عليها، ووجوب الموافقـة القطعيّـة فرع حرمـة المخالفـة، فإذا فرض عدمها لا تكون الموافقـة أيضاً واجبـة ـ لابدّ من الالتزام بكون حكم كلّ واحد من الأطراف هو حكم الشكّ البدوي، كما هو واضح، مع أنّـه ذكر الفاضل المقرّر أنّـه كان شيخـه الاُستاذ مائلا إلى سقوط حكم الشبهـة أيضاً(2) فتدبّر.
الثاني: أنّك عرفت(3) أنّ روايات الحلّ لا تشمل الشبهـة الغير المحصورة الوجوبيّـة، لانحصار موضوعها بالمختلط من الحلال والحرام. نعم الوجـه الأخير يشمل الصورتين معاً. وحينئذ فلو نذر أن يشرب من إناء معيّن واشتبـه بين
1 ـ تقدّم في الصفحـة 140.
2 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 119.
3 ـ تقدّم في الصفحـة 88 ـ 89.
(الصفحة146)
الأواني الغير المحصورة وخرج جميع الأطراف عن محلّ الابتلاء وبقي واحد منها فقط فلا يجب الشرب من الإناء الذي هو محلّ للابتلاء; لقيام الأمارة العقلائيـة على عدم كونـه هو الإناء الذي نذر أن يشرب منـه، بعد كون احتمال أنّـه هو ذلك الإناء ضعيفاً لا يعتنى بـه عند العقلاء.
نعم لو كان متمكّناً من الشرب من الأواني الكثيرة التي نسبتها إلى مجموع الأواني الغير المحصورة نسبـة المحصور يجب الاحتياط بالشرب من جميع ما يتمكّن من شربـه، والسرّ أنّ ترك الشرب من مجموع ما يتمكّن مـن شربـه لابدّ وأن يكون مستنداً إلى الأمارة العقلائيّـة، ضرورة أنّ العلم الإجمالي يقتضي الموافقـة القطعيـة مع القدرة، والاحتماليّـة مع عدمها، والمفروض أنّ الأمارة العقلائيّـة لا تكون قائمـة على عدم كون الإناء المعيّن الذي نذر الشرب منـه في جملـة الأواني التي يتمكّن من شربها; لأنّ نسبـة هذه الأواني إلى الجميع نسبـة المحصور، والأمارة لا تكون قائمـة إلاّ في غير المحصور، كما لايخفى.
(الصفحة147)
الأمر الخامس
في حكم الملاقي لأحد أطراف العلم الإجمالي بوجود النجس
وتنقيح الكلام في هذا المقام يتمّ برسم اُمور:
في صور العلم بالملاقاة
الأوّل: أنّ العلم بالملاقاة قد يكون متقدّماً على العلم الإجمالي بوجود النجس في البين، وقد يكون متأخّراً عنـه، وقد يكون مقارناً معـه، وعلى أيّ تقدير فقد يكون الملاقى ـ بالفتح ـ مورداً للابتلاء، وقد يكون خارجاً عنـه مطلقاً أو حين العلم الإجمالي بالنجس.
ثمّ إنّـه قد يعلم أوّلا بنجاسـة الملاقى والطرف، وقد يعلم أوّلا نجاسـة الملاقي والطرف، وقد يعلم نجاسـة الملاقى والملاقي أو الطرف.
في أنّ ملاقي النجس نجس بعنوانه
الثاني: أنّ الظاهر أنّ نجاسـة ملاقي النجس إنّما هي حكم وضعي تعبّدي ثابت لموضوعـه، ولا تكون من آثار النجس بحيث كان معنى الاجتناب عن النجس راجعاً إلى الاجتناب عنـه وعمّا يلاقيـه.
نعم يمكن أن يقال بأنّ تنجيس النجس الراجع إلى سببيّتـه لنجاسـة الملاقي يكون مجعولا شرعاً، بناءً على ما هو الحقّ من إمكان جعل السببيّـة، وأمّا السرايـة التكوينـيّـة فقد لا تكون متحقّقـة، كما لايخفى.
(الصفحة148)
وبالجملـة: فظاهر مثل قولـه: «الماء إذا بلغ قدر كرّ لم ينجّسـه شيء»(1)هو كون النجس منجّساً للماء الغير البالغ حدّ الكرّ وموجباً لنجاستـه، ومرجع ذلك إلى تأثيره شرعاً في نجاسـة ملاقيـه، وأمّا الحكم بأنّ معنى الاجتناب عن النجس هو الاجتناب عنـه وعمّا يلاقيـه فلا وجـه لـه وإن كان قد يستدلّ لذلك بقولـه تعالى: (وَالرُّجزَ فَاهجُر )(2) لأنّ التهجر عن النجاسات لا يتحقّق إلاّ بالتهجّر عن ملاقيها، وبروايـة جابر الجعفي عن أبيجعفر (عليه السلام) أنّـه أتاه رجل فقال لـه: وقعت فأرة في خابيـة فيها سمن أو زيت، فما ترى في أكلـه؟ فقال أبوجعفر (عليه السلام): «لا تأكلـه»، فقال الرجل: الفأرة أهون علي من أن أترك طعامي من أجلها، فقال أبوجعفر (عليه السلام): «إنّك لم تستخفّ بالفأرة، وإنّما استخففت بدينك، إنّ اللّه حرّم الميتـة من كلّ شيء»(3).
وجـه الدلالـة أنّـه (عليه السلام) جعل ترك الاجتناب عن الطعام استخفافاً بتحريم الميتـة، ولولا استلزامـه لتحريم ملاقيـه لم يكن أكل الطعام استخفافاً بتحريم الميتـة، فوجوب الاجتناب عن شيء يستلزم وجوب الاجتناب عن ملاقيـه.
أقول : أمّا قولـه تعالى: (وَالرُّجزَ فَاهجُر ) فنمنع أوّلا أن يكون المراد بالرجز هي الأعيان النجسـة، وثانياً كون المراد بالتهجّر هو التهجّر عنـه وعمّا يلاقيـه.
1 ـ راجع وسائل الشيعـة 1: 158 ـ 159، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب9، الحديث1 و2 و5 و6.
2 ـ المدثّر (74): 5.
3 ـ تهذيب الأحكام 1: 420 / 1327، وسائل الشيعـة 1: 206، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب5، الحديث2.
(الصفحة149)
وأمّا الروايـة ـ فمضافاً إلى ضعف سندها ـ يرد على الاستدلال بها أنّـه يحتمل قويّاً أن يكون مورد السؤال هو وقوع الفأرة في الطعام بحيث تفسّخت فيـه وانبثّت أجزاؤها، فحرمـة أكل الطعام إنّما هو من حيث إنّـه مستلزم لأكل الميتـة، والدليل على ذلك التعليل الواقع في الذيل الدالّ على أنّ ترك الاجتناب عن الطعام استخفاف بتحريم الميتـة، ضرورة أنّـه لم يقل أحد بأنّ حرمـة شيء تستلزم حرمـة ما يلاقيـه. وحمل الحرمـة في الروايـة على النجاسـة مضافاً إلى أنّـه خلاف الظاهر لا بينـة عليـه أصلا.
ودعوى أنّ الطباع تـتنفّر من أكل الطعام الكذائي الذي صارت أجزاء الميتـة مخلوطـة بأجزائـه فلا ينبغي حمل مورد السؤال عليـه، مدفوعـة بقول السائل: «الفأرة أهون علي من أن أترك طعامي من أجلها» خصوصاً بعد ملاحظـة حال الأعراب في صدر الإسلام، بل في الأزمنـة المتأخّرة، كما لايخفى.
فانقدح ممّا ذكرنا: أنّـه ما لم يقم الدليل على نجاسـة ملاقي النجس لم يفهم أحد من نفس الأدلّـة الدالّـة على نجاسـة الأعيان النجسـة نجاسـة ما يلاقيها من سائر الأشياء أيضاً، بل لابدّ من قيام الدليل على ذلك، وقد عرفت أنّ ظاهره جعل السببيّـة الشرعيّـة الراجعـة إلى تأثير النجس شرعاً في نجاسـة ملاقيـه، فتدبّر.
مقتضى الأصل العقلي في صور الملاقاة
الثالث: يعتبر في تأثير العلم وكذا غيره من الأمارات المعتبرة أن يكون متّصفاً بالكاشفيّـة الفعليّـة ومؤثراً في التنجيز فعلا وصالحاً للاحتجاج بـه كـذلك، فلو حصل لـه من طريق أمارة معتبرة الحكم الواقعي ثمّ قامت أمارة
(الصفحة150)
اُخـرى على وفق الأمارة الاُولى فلا تكون الأمـارة الاُخـرى بمؤثّرة أصلا، ويكون وجودها بمنزلـة العدم، لعدم اتّصافها بالكاشفيّـة الفعليّـة بعد حصول الكشف بسبب الأمارة الاُولى، وعدم إمكان تحقّق الكشفين بالنسبـة إلى شيء واحد، وكذا لاتكون مؤثّرة في التنجيز وقابلـة للاحتجاج بـه فعلا، لعدم إمكان التنجّز مرّتين واستحالـة تماميّـة الحجّـة ثانياً بعد إتمامها أوّلا، وكـذا بالنسبـة إلى العلم.
إذا عرفت ذلك فنقول: إنّ العلم الإجمالي بالنجس المردّد بين الملاقى والطرف قد أثّر في التنجّز بمجرّد تحقّقـه، بمعنى أنّـه صار موجباً للاجتناب على أيّ تقدير، فالواقع صار مكشوفاً بهذا النحو من الكشف، وبعد ذلك نقول: إنّ العلم الإجمالي بنجاسـة الملاقي ـ بالكسر ـ أو الطرف لا يكون كاشفاً فعليّاً على تقدير كون النجس هو الطرف الآخر; لأنّـه صار مكشوفاً بالعلم الإجمالي الأوّل، وقد عرفت أنّـه لا يعقل عروض الكشف على الكشف وتحقّقـه مرّتين، كما أنّـه لا يكون هذا العلم الإجمالي مؤثّراً في التنجّز فعلا بعد كونـه مسبوقاً بما أثّر فيـه، وحينئذ فلا أثر لـه أصلا، فالشكّ في نجاسـة الملاقي شكّ بدوي. هذا إذا كان العلم الإجمالي بالنجس متقدّماً على العلم بالملاقاة.
وأ مّا لو علم أوّلا بنجاسـة الملاقي ـ بالكسر ـ أو الطرف، ثمّ حصل العلم بالملاقاة والعلم بنجاسـة الملاقى ـ بالفتح ـ أو الطرف فذهب المحقّق الخراساني في الكفايـة إلى عدم وجوب الاجتناب حينئذ عن الملاقى ـ بالفتح ـ لأنّ حكم الملاقى في هذه الصورة حكم الملاقي في الصورة السابقـة بلا فرق بينهما أصلا، فكما أنّ الملاقي هناك لم يكن طرفاً للعلم الإجمالي بالنجاسـة، كذلك الملاقى هنا لا يكون طرفاً لـه، كما هو المفروض.
(الصفحة151)
وذهب أيضاً إلى عدم وجوب الاجتناب عـن الملاقى ـ بالفتح ـ فيما إذا علم بالملاقاة ثمّ حدث العلم الإجمالي، ولكن كان الملاقى خارجاً عـن محلّ الابتلاء في حال حدوثـه وصار مبتلى بـه بعده، وإلى وجوب الاجتناب عن الملاقى والملاقي معاً فيما لو حصل العلم الإجمالي بعد العلم بالملاقاة مستدلاّ بقولـه: ضرورة أنّـه حينئذ نعلم إجمالا إمّا بنجاسـة الملاقي والملاقـى أو بنجاسـة الآخر، فيتنجّز التكليف بالاجتناب عن النجس في البين وهـو الواحـد أو الاثنين(1)، انتهى.
أقول: والتحقيق أيضاً يوافق هذا التفصيل، لما مرّ من الوجـه في الصورة الاولى، فإنّـه بعد ما علم إجمالا بنجاسـة الملاقي ـ بالكسر ـ أو الطرف صار مقتضى هذا العلم تنجّز التكليف بوجوب الاجتناب على أيّ تقدير، فلو كان النجس هو الطرف لكان منكشفاً بهذا العلم وتنجّز التكليف المتعلّق بـه بسببـه، وبعد ذلك لا معنى لتأثير العلم الإجمالي بنجاسـة الملاقى ـ بالفتح ـ أو الطرف، إذ لا يعقل الانكشاف مرّتين وتنجّز التكليف مرّة بعد اُخرى، كما لايخفى. فهذا العلم الإجمالي لا يكون واجداً لشرط التأثير وهو التنجيز على أيّ تقدير، فالشكّ في نجاسـة الملاقى ـ بالفتح ـ شكّ بدوي كالملاقي في الصورة السابقـة.
وممّا ذكرنا ظهر: أنّ الإشكال إنّما هو من ناحيـة الطرف لا الملاقي والملاقى، لعدم إمكان انكشافـه مرّتين وتنجّز التكليف بـه كذلك، وحينئذ فلا وقـع لما أورده المحقّق النائيني(2) على هذا التفصيل من أنّـه لابدّ مـن
1 ـ كفايـة الاُصول: 412.
2 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 86.
(الصفحة152)
ملاحظـة حال المعلوم والمنكشف من حيث التقدّم والتأخّر بحسب الرتبـة، وفـي الصورة الثانيـة يكون رتبـة العلم الإجمالي بنجاسـة الملاقى ـ بالفتح ـ أو الطرف متقدّمـة على العلم الإجمالي بنجاسـة الملاقي ـ بالكسر ـ أو الطـرف وإن كان حدوثـه متأخّراً عن حدوثـه، لأنّ التكليف بالملاقي إنّما جاء من قبل التكليف بالملاقى. وذلك ـ أي وجـه عدم الورود ـ ما عرفت من أنّ الإشكال إنّما هو من ناحيـة الطرف، لا من ناحيـة تقدّم أحد العلمين على الآخر حدوثاً حتّى يورد عليـه بما ذكر.
هذا مضافاً إلى أنّ هـذا الإيراد فاسد مـن أصلـه، والمثال الـذي ذكـره لايرتبط بالمقام أصلا، حيث قال: لو علم بوقوع قطرة من الدم في أحد الإنائين، ثمّ بعد ذلك علم بوقوع قطرة اُخرى من الدم في أحد هذين الإنائين أو في الإناء الثالث، ولكن ظرف وقوع القطرة المعلومـة ثانياً أسبق من ظرف وقوع القطرة المعلومـة أوّلا، فلاينبغي التأمّل في أنّ العلم الإجمالي الثاني يوجب انحلال الأوّل لسبق معلومـه عليـه(1)، انتهى.
وجـه عدم الارتباط أنّ في المثال بعد العلم الإجمالي بوقوع القطرة في أحدهما أو في الإناء الثالث يعلم أنّ العلم الإجمالي الحادث أوّلا لم يكن واجداً لشرط التنجيز، لأنّـه لم يكن متعلّقاً بالتكليف، لثبوتـه قبلـه المنكشف بالعلم الإجمالي الثاني.
وبـالجملـة: فالعلم الإجمالي الأوّل وإن كان حين حدوثـه متعلّقاً بالتكليف ومؤثّراً في تنجيزه بنظر العالم، إلاّ أنّـه بعد استكشاف ثبوتـه قبلـه
1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 87.
(الصفحة153)
بالعلم الثاني يعلم عدم تعلّقـه بالتكليف وعدم كونـه مؤثّراً في تنجيزه، كما لايخفى.
وهذا بخلاف المقام، فإنّ العلمين حيث تعلّق أحدهما بوجوب الاجتناب عن الملاقي أو الطرف، والآخر بوجوب الاجتناب عن الملاقى أو الطرف لاإشكال في تأثيرهما في تنجيز متعلّقهما من حيث هو. نعم قد عرفت الإشكال في تأثير العلم الثاني من ناحيـة الطرف لا المتلاقيـين، فمن حيث التقدّم والتأخّر من جهـة الرتبـة لا إشكال في تأثيرهما أصلا، كما لايخفى.
فانقدح بذلك وضوح الفرق بين المثال والمقام، فإنّ هنا لا يكون شيء من العلمين فاقداً لشرط التأثير في التنجيز، لأنّ كلاّ منهما تعلّق بتكليف فعلي، والتقدّم والتأخّر من جهـة الرتبـة لا يمنع من ذلك، وهناك لا يكون العلم الإجمالي الحادث أوّلا متعلّقاً بتكليف فعلي بحسب الواقع وإن كان كذلك بنظر العالم ما لم يحدث لـه العلم الإجمالي الثاني.
والسرّ فيما ذكرنا من عدم مدخليّـة التقدّم والتأخّر بحسب الرتبـة أنّ المنجزيّـة من آثار العلم بوجوده الخارجي، لأنّـه ما لم يوجد في الخارج لا يؤثّر في التنجيز كما هو واضح، والتقدّم والتأخّر إنّما هو من أوصاف العلمين عند العقل، ضرورة أنّ العلّـة والمعلول مقارنان بحسب الوجود الخارجي، وتقدّمها عليـه وتأخّره عنها إنّما هو بحسب الرتبـة وفي نظر العقل، ففي ظرف ثبوت وصف التقدّم والتأخّر لا يكون العلم بمنجّز، وفي وعاء التنجيز لا معنى للتقدّم والتأخّر. والمفروض في المقام في الصورة الثانيـة حدوث العلم الإجمالي بنجاسـة الملاقي ـ بالكسر ـ أو الطرف قبل العلم بنجاسـة الملاقى ـ بالفتح ـ أو الطرف. فهو ـ أي الحادث ـ أوّلا يؤثّـر في التنجيز بمجرّد حدوثـه، لأنّ التنجيز من آثـار
(الصفحة154)
وجوده الخارجي كما عرفت. ومع التأثير في التنجيز لا مجال لتأثير العلم الثاني بعد عدم كونـه واجداً لشرطـه، لعدم إمكان التأثير بالنسبـة إلى الطرف، لأنّـه لو كان التكليف متعلّقاً بـه لتنجّز بالعلم الأوّل، ولا معنى للتنجّز مرّتين كما مرّ.
وممّا ذكرنا يظهر الوجـه في وجوب الاجتناب عن المتلاقيـين والطرف في الصورة الثالثـة المفروضـة في كلام المحقّق الخراساني (قدس سره)
(1) لأنّـه علم إجمالا بنجاستهما أو الطرف، ولم يكن هذا العلم مسبوقاً بالعلم بنجاسـة الملاقى ـ بالفتح أو الطرف حتّى لا يجب الاجتناب عن الملاقي، ولا بالعلم بنجاسـة الملاقي ـ بالكسر ـ أو الطرف حتّى لا يجب الاجتناب عن الملاقى، بل حدث من حين حدوثـه هكذا ـ أي مردّداً بين المتلاقيـين والطرف ـ فيؤثّر في التنجيز على أيّ تقدير، فافهم واغتنم.
إزاحة شبهة
ربما يقال: بأنّـه ما المانع من أن يؤثّر العلمين بجامعهما في تنجيز التكليف بالنسبـة إلى الطرف، ويستقلّ أحدهما بالتأثير في التنجيز بالنسبـة إلى الملاقى ـ بالفتح ـ والآخر بالنسبـة إلى الملاقي ـ بالكسر ـ وحينئذ فيجب الاجتناب عن الجميع في الصورتين الاُوليـين أيضاً، فإنّ العلم الإجمالي الحادث أوّلا وإن أثّر في التنجيز بالنسبـة إلى الطرف، إلاّ أنّ استقلالـه في هذا التأثير مادام لم يحدث العلم الآخر، فإذا حدث يؤثّران بجامعهما في التنجّز بالنسبـة إلى الطرف، كما هو الشأن في أمثال ذلك.
1 ـ كفايـة الاُصول: 412.
(الصفحة155)
فإنّ الماء الواقع في محاذاة الشمس تكون العلّـة المؤثّرة في الحرارة الحادثـة فيـه هي الشمس، فإذا انضمّ إليـه النار أيضاً تكون العلّـة حينئذ هو الجامع بين العلّتين، لاستحالـة تأثير علّتين مستقلّتين في معلول واحد، لأنّ الواحد لا يصدر إلاّ من الواحد، فلا يعقل أن يكون شيء واحد معلولا لعلّتين مع وصف التعدّد، هذا.
ولكن لا يخفى أنّ استعمال هذه القاعدة ـ أي قاعدة الواحد لا يصدر إلاّ من الواحد ـ وكذا العكس في مثل المقام، استعمال للشيء في غير محلّـه، وقد صدر ممّن لا يكون لـه كثير اطّلاع من العلوم العقليّـة والقواعد الحِكَميـة، فإنّ مورد هذه القاعدة كما قد حقّق في محلّـه هو ما إذا كانت العلّـة التي هي المصدر علّـة إلهيّـة، وكان هناك مصدر وصادر حقيقـة، فلا تشمل القاعدة الفواعل الطبيعيـة التي لا تكون مصدراً حقيقـة ومؤثّراً واقعاً، وقد وقع هذا الخلط والاشتباه في كثير من الموارد كما يظهر بالتـتبّع.
وحينئذ: فالعلم الإجمالي الحادث أوّلا يؤثّر في التنجيز مستقلاّ، وبعد حدوث الثاني لا مجال لـه للتأثير في ذلك، لعدم معقوليّـة التنجّز مرّتين، كما عرفت. هذا كلّـه فيما يقتضيـه حكم العقل.
مقتضى الأصل الشرعي في صور الملاقاة
وأمّا مقتضى الاُصول الشرعيّـة فقد يقال ـ كما قيل ـ بأنّـه لا مانع من جريان أصالـة الطهارة في الملاقي; لأنّ طهارة الملاقي ونجاستـه مسبّبـة عن طهارة الملاقى ونجاستـه، والأصل الجاري في السبب وإن كان حاكماً على
(الصفحة156)
الأصل الجاري في المسبّب، إلاّ أنّـه حيث لا يجري الأصل في السبب، لأنّـه يسقط بالمعارضـة مع الأصل الجاري في الطرف الآخر، فلا مانع من جريان الأصل في المسبّب، فيكون الملاقي ـ بالكسر ـ محكوماً شرعاً بالطهارة والحلّيـة، هذا.
ولا يخفى أنّـه لم يرد آيـة ولا روايـة على ما ذكروه من أنّ مع جريان الأصل في السبب لا مجال لجريانـه في المسبّب، بل المستند في ذلك هو أنّـه مع جريان الأصل في السبب يرتفع الشكّ في ناحيـة المسبّب تعبّداً، ومع ارتفاعـه في عالم التشريع لا مجال لجريان الأصل فيـه أيضاً.
ولكـن لا يخفـى أنّ هـذا لا يتـمّ بإطـلاقـه، بـل إنّما يصـحّ فيمـا إذا كـان الشكّ في ناحيـة المسبّب في الأثر الشرعي المترتّب على السبب شرعـاً، كالشكّ في نجاسـة الثوب المغسول بالماء المشكوك الكرّيـة، فإنّ مقتضى استصحاب الكرّيـة تحقّق موضوع الدليل الشرعي الـذي يـدلّ على أنّ الكـرّ مطهّر مثلا.
والسرّ في ذلك: أنّ معنى الاستصحاب الجاري في الموضوعات هو الحكم بإبقاء الموضوع تعبّداً في زمان الشكّ، وحيث إنّـه لا معنى لذلك فيما لو لم يكن الموضوع مترتّباً عليـه أثر شرعي فلابدّ من أن يكون الموضوع المستصحب موضوعاً لأثر شرعي، ومن هنا يكون الاستصحاب الجاري في الموضوعات حاكماً على الأدلّـة الواقعيّـة، لأنّـه ينقّح بـه موضوعاتها، وتفصيل الكلام يأتي في مبحث الاستصحاب إن شاء اللّه تعالى.
إذا عرفت ذلك: فاعلم أنّ نجاسـة الملاقي وإن كانت من الآثار الشرعيّـة لنجاسـة الملاقى، إلاّ أنّ طهارة الملاقي لم تجعل في شيء من الأدلّـة الشرعيّـة
(الصفحة157)
من آثار طهارة الملاقى، وإنّما هو حكم عقلي، كما هو واضح، فما أفادوه من أنّ الشكّ في طهارة الملاقي مسبّب عن الشكّ في طهارة الملاقى، ومع جريان الأصل فيها لا يبقى مجال لجريانـه في المسبّب، ممنوع جدّاً.
شبهة المحقّق الحائري في المقام وجوابها
ثمّ إنّ هنا شبهـة لبعض المحقّقين من المعاصرين، وهي أنّـه لا إشكال في أنّ الحلّيـة مترتّبـة على الطهارة، بمعنى أنّ الشكّ في الاُولى مسبّب عن الشكّ في الثانيـة، كما أنّ الشكّ في طهارة الملاقي مسبّب عن الشكّ في طهارة الملاقى، فالشكّ في طهارة الملاقي يكون في مرتبـة الشكّ في حلّيـة الملاقى، بمعنى أنّ كليهما مسبّبان عن الشكّ في طهارتـه.
وحينئذ نقول: هنا ستـة اُصول في الأطراف الثلاثـة، ثلاثـة منها أصالـة الطهارة وثلاثـة أصالـة الحلّيـة، والاثنان منها وهي أصالـة الطهارة في الملاقى وأصالـة الطهارة في الطرف يسقطان أوّلا، لأنّهما في رتبـة واحدة، وثلاث منها وهي أصالـة الحلّيـة فيهما وأصالـة الطهارة في الملاقي في رتبـة ثانيـة، فمع سقوط أصالتي الحلّيـة، كما هو المفروض يسقط أصالـة طهارة الملاقي أيضاً، ولم يبق في البين إلاّ أصالـة الحلّيـة في الملاقي، وهي واقعـة في رتبـة ثالثـة، ولا وجـه لسقوطها، لسلامتها عن المعارض، والمفروض أنّـه لا يكون أصل حاكم عليها، لأنّ الأصل الحاكم غير جار، لأجل المعارضـة.
وحينئذ فلا يجب الاجتناب عن الملاقي بالنسبـة إلى الأكل ونظائره، ولا يكون محكوماً بالطهارة شرعاً، فلا يجوز التوضّي بـه، هذا.
(الصفحة158)
ويمكن الجواب عن الشبهـة مضافاً إلى ما عرفت سابقاً(1) بأنّ أصالـة الحلّيـة في مطلق الشبهات ممّا لم يدلّ عليها دليل، لأنّ ما يتوهّم أن يكون مستنداً لها هي روايـة مسعدة بن صدقـة المتقدّمـة(2) وقد عرفت الإشكال فيها بحيث لايجوز الاعتماد عليها، وأمّا مثل قولـه (عليه السلام): «كلّ شيء فيـه حلال وحرام...» إلى آخره، كما في صحيحـة عبداللّه بن سنان(3) فقد ظهر لك أنّ ذلك يختصّ بالشبهات المقرونـة بالعلم الإجمالي، ومقتضى عمومها وإن كان الشمول للشبهـة المحصورة أيضاً، إلاّ أنّ الدليل العقلي أو العقلائي قد خصّصـه، فانحصر مورده بالشبهـة الغير المحصورة.
وأمّا التمسّك في نفي الحرمـة المجهولـة بأدلّـة البراءة فهو وإن كان صحيحاً، إلاّ أنّك عرفت عدم شمول أدلّـة البراءة لأطراف العلم الإجمالي. وبالجملـة: فليس هنا ما يحكم بالحلّيـة وعدم الحرمـة أصلا.
وكيف كان: فلو سلّم ذلك فيمكن الجـواب بما عرفت مـن أنّ الأصل الجاري في السبب إنّما يكون حاكماً على الأصل الجاري في المسبّب إذا كان المسبّب من الآثار الشرعيّـة المترتّبـة على السبب، والمقام لا يكون كذلك، فإنّ حلّيـة كلّ واحد من الأطراف لا تكون من الآثار الشرعيّـة لطهارتـه; لأنّـه لم يدلّ دليل على أنّ كلّ طاهر حلال، بل الحلّيـة الواقعيـة إنّما تكون موضوعها الأشياء التي هي حلال بعناوينها الواقعيّـة، كما هـو واضح.
1 ـ تقدّم في الصفحـة 91.
2 ـ تقدّمت في الصفحة 89.
3 ـ تقدّمت في الصفحـة 88.
(الصفحة159)
كما أنّك عرفت أنّ طهارة الملاقي أيضاً لا تكون من الآثار الشرعيّـة المترتّبـة على طهارة الملاقى.
وحينئذ: فلابـدّ من ملاحظـة طرفي العلم الإجمالي الحادث أوّلا المؤثّر فـي التنجيز، والحكم بعدم جريان الاُصول في طرفيـه; للزوم المخالفـة العمليّـة.
وأمّا مـا هـو خارج عنهما فلا مانـع مـن جريان أصالتي الطهارة والحلّيـة فيـه أصلا. وحينئذ فيصير مقتضى الأصل الشرعي موافقاً مع حكم العقل الحاكم بالتفصيل بين الصور الثلاثـة المتقدّمـة في كـلام المحقّق الخـراساني (قدس سره)
(1)فتأمّل جيّداً.
هذا كلّـه بناءً على ما هو مقتضى التحقيق.
وأمّا بناءً على مسلك القوم من اعتبار أصالـة الحلّيـة في مطلق الشبهات وترتّب الحلّيـة على الطهارة، وكذا ترتّب طهارة الملاقي ـ بالكسر ـ على طهارة الملاقى ـ بالفتح ـ وكون الشكّ في الأوّل مسبّباً عن الشكّ في الثاني بحيث لم يكن مجال لجريان الأصل فيـه بعد جريانـه في السبب، فلابدّ من التفصيل بين الصور الثلاثـة من حيث ورود الشبهـة وعدمـه.
فنقول في توضيح ذلك: إنّ عدم جريان الاُصول في أطراف العلم الإجمالي إنّما هو فيما إذا لزم من جريانها مخالفـة عمليّـة للتكليف المنجّز، وأمّا إذا لم يلزم من ذلك مخالفـة عمليّـة أصلا أو لزم ولكن لم يكن مخالفـة عمليّـة للتكليف المنجّز فلا مانع من جريان الاُصول; لأنّ التعارض بينهما تعارض عرضي حاصل
1 ـ تقدّم في الصفحـة 150 ـ 151.
(الصفحة160)
بسبب العلم الإجمالي بكذب أحدها، لا ذاتي ناش عن عدم إمكان اجتماع مؤدّاها، ضرورة عدم المنافاة حقيقـة بين حلّيـة هذا الإناء وحلّيـة ذاك الإناء ولو علم إجمالا بحرمـة واحد منهما، كما لايخفى.
وحينئذ: فلو علم إجمالا بنجاسـة هذا الإناء أو ذاك الإناء، ثمّ علم إجمالا بنجاسـة الإناء الثاني أو إناء ثالث فقد عرفت أنّ العلم الإجمالي الحادث ثانياً لا يعقل أن يكون منجّزاً بعد اشتراكـه مع العلم الإجمالي الأوّل في بعض الأطراف، وحينئذ فلا مانع من جريان أصالـة الطهارة في طرفي العلم الثاني; لأنّـه وإن يلزم من جريانها مخالفـة عمليّـة للمعلوم الإجمالي، إلاّ أنّ المحذور في المخالفـة العمليّـة للتكليف المنجّز، لا في مطلق المخالفـة العمليّـة، والمفروض أنّ العلم الثاني لم يؤثّر في التنجيز أصلا.
إذا عرفت ذلك فاعلم: أنّ في الصورة الاُولى من الصور الثلاثـة المفروضـة في كلام المحقّق الخراساني (قدس سره)
(1) لابدّ من الالتزام بجريان أصالتي الطهارة والحلّيـة معاً في الملاقي ـ بالكسر ـ لأنّ طهارتـه وإن كانت مترتّبـة على طهارة الملاقى ـ بالفتح ـ وواقعـة في عرض أصالتي الحلّيـة الجاريتين في الملاقى والطرف، إلاّ أنّ الملاقي خارج من طرفي العلم الإجمالي الأوّل، والعلم الإجمالي الثاني لا يكون مؤثّراً في التنجيز حتّى يلزم من جريان الأصل فيـه أيضاً مخالفـة عمليّـة للتكليف المنجّز، كما هو واضح.
وأمّا الصورة الثالثـة فالظاهر ورود الشبهـة فيها بناءً على مبنى القوم، كما هو المفروض; لما ذكروه في وجهـه ممّا تقدّم.
1 ـ كفايـة الاُصول: 411 ـ 412.
|
|