قرآن، حديث، دعا |
زندگينامه |
کتابخانه |
احكام و فتاوا |
دروس |
معرفى و اخبار دفاتر |
ديدارها و ملاقات ها |
پيامها |
فعاليتهاى فرهنگى |
کتابخانه تخصصى فقهى |
نگارخانه |
اخبار |
مناسبتها |
صفحه ويژه |
|
(الصفحة181)
ويرد عليـه مضافاً إلى ما وقع في كلامـه من سوء التعبير، لأنّ الموصوف باللا بشرطيـة والبشرط شيئيـة ليس إلاّ متعلّق التكليف وهو الأقلّ، فإنّـه على تقدير تعلّق التكليف بـه فقط يكون ملحوظاً لا بشرط، وعلى تقدير تعلّقـه بالأكثر يكون ملحوظاً بشرط شيء، وأمّا التكليف الذي هو عبارة عن البعث إلى المكلّف بـه أو الزجر عن المتعلّق فلا يكون موصوفاً لهذين الوصفين. ثمّ إنّ اتّصاف المتعلّق بهما أيضاً محلّ نظر; لأنّ مركز البحث هو ما إذا كان الأقلّ والأكثر من قبيل الجزء والكلّ لا الشرط والمشروط، فالأكثر على تقدير كونـه متعلّقاً للتكليف يكون بجميع أجزائـه كذلك، لا أنّ المتعلّق هو الأقلّ بشرط الزيادة على أن يكون الزائد شرطاً.
وبالجملـة: فمورد النزاع هنا أنّ الزائد على تقدير ثبوتـه كان جزءً للمركّب المأمور بـه والتعبير بشرط شيء ظاهر في أنّ الزائد شرط لا جزء.
وكيف كان فيرد عليـه ـ بعد الغضّ عمّا ذكر ـ منع ما نفى الإشكال عنـه مـن مباينـة الماهيّـة بشرط شيء للماهيّـة اللابشرط، فإنّ ما يباين الماهيّـة بشرط شيء هو الماهيّـة اللابشرط القسمي، وهي التي اعتبر معها عدم الاشتراط بوجود شيء أو نفيـه، وأمّا الماهيّـة اللابشرط المقسمي ـ وهي الماهيّـة بذاتها مـن دون لحاظ شيء معها حتّى لحاظ عدم لحاظ شيء الذي يحتاج إلى لحاظ آخر غير لحاظ الماهيّـة ـ فلا تباين الماهيّـة بشرط شيء. كيف وهي قسم لها، ولا يعقل التنافي بين المقسم والقسم، والمقام من هذا القبيل، فإنّ الأقلّ على تقدير تعلّق التكليف بـه كان الملحوظ هو نفسـه من دون لحاظ شيء آخر حتّى لحاظ عـدم لحاظ شيء آخر. وقـد عرفت أنّـه لا تنافي بينـه وبين الماهيّـة بشرط شيء.
(الصفحة182)
ثمّ لو فرض التنافي فاللازم الجمع بينهما فـي مقام الامتثال والإتيان بالأقلّ من دون زيادة مرّة وبـه معها اُخرى، ولا يظنّ بالقائل الالتزام بـه، كما لايخفى.
ثمّ إنّـه أجاب المحقّق النائيني (قدس سره)
عن هذه الشبهـة بما حاصلـه: إنّ الماهيّـة لا بشرط والماهيّـة بشرط شيء ليسا من المتباينين الذين لا جامع بينهما، لأنّ التقابل بينهما تقابل العدم والملكـة لا التضادّ، فإنّ الماهيّـة لا بشرط ليس معناها لحاظ عدم انضمام شيء معها بحيث يؤخذ العدم قيداً في الماهيّـة، وإلاّ ترجع إلى الماهيّـة بشرط لا، ويلزم تداخل أقسام الماهيّـة، بل الماهيّـة لابشرط معناها عدم لحاظ شيء معها، ومن هنا قلنا: إنّ الإطلاق ليس أمراً وجودياً، بل هو عبارة عن عدم ذكر القيد، خلافاً لما ينسب إلى المشهور، فالماهيّـة لابشرط ليست مباينـة للماهيّـة بشرط شيء بحيث لا يوجد بينهما جامع، بل يجمعهما نفس الماهيّـة، والتقابل بينهما إنّما يكون بمجرّد الاعتبار واللحاظ، وفي المقام يكون الأقلّ متيقّن الاعتبار على كلّ حال، سواء لوحظ الواجب لا بشرط أو بشرط شيء، والتغاير الاعتباري لا يوجب خروج الأقلّ عن كونـه متيقّن الاعتبار(1)، انتهى.
ويرد عليـه أوّلا: أنّ الماهيّـة اللابشرط كما اعترف بـه هو نفس الماهيّـة من دون أن يلحظ معها شيء آخر بنحو السلب البسيط لا الإيجاب العدولي، وحينئذ فلا وجـه لما ذكره من أنّ الجامع بينها وبين الماهيّـة بشرط شيء هو نفس الماهيّـة، لأنّ نفس الماهيّـة عبارة اُخرى عن الماهيّـة اللابشرط، إذ المراد بها
1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 154.
(الصفحة183)
هي الماهيّـة اللا بشرط المقسمي، ولا يعقل الجامع بين القسم والمقسم هنا، كما هو واضح.
نعم نفس الماهيّـة جامعـة للماهيّـة بشرط شيء والماهيّـة اللابشرط القسمي وهي التي لوحظت متقيّدة باللا بشرطيـة.
ثمّ إنّ تسليم عدم ثبوت الجامع لو كان بين الماهيّـة لا بشرط والماهيّـة بشرط شيء نسبـة التضادّ، لا تقابل العدم والملكـة محلّ منع، فإنّ المتقابلين بالتضادّ أيضاً بينهما جامع جنسي كالسواد والبياض، فإنّـه يجمعهما جنسهما الذي هو اللون، كما هو واضح.
ثمّ إنّ كون التقابل بين الماهيّـة اللا بشرط والماهيّـة البشرط شيء تقابل العدم والملكـة لا يوجب نفي وجوب الاحتياط، ألا ترى أنّـه لو دار الأمر بين إكرام بصير أو أعمى أو بين إكرام كوسج أو ملتح يجب الاحتياط بإكرام كليهما، مع أنّ التقابل بينهما تقابل العدم والملكـة، كما هو واضح.
ومنها: أنّ وجوب الأقلّ دائر بين كونـه نفسيّاً يترتّب على مخالفـة الأمر المتعلّق بـه العقاب، وبين كونـه غيريّاً لا يترتّب على مخالفتـه شيء، لأنّ العقاب إنّما هو على ترك الواجب النفسي لا الغيري. وحينئذ فلا يعلم بلزوم الإتيان بالأقلّ على أيّ تقدير حتّى ينحلّ بـه العلم الإجمالي بوجوب الأقلّ أو الأكثر، فالعلم الإجمالي باق على حالـه، ومقتضاه وجوب الاحتياط بإتيان الأكثر.
ويرد عليـه أوّلا: أنّ المركّب كما أنّـه ليس لـه إلاّ وجود واحد هو عين وجود الأجزاء، كذلك لا يكون لـه إلاّ عدم واحد; لأنّ نقيض الواحد لا يكون إلاّ واحداً، وإلاّ يلزم ارتفاع النقيضين، وحينئذ فنقيض المركّب إنّما هو عدم ذلك الوجود الواحد، غايـة الأمر أنّ عدمـه تارة بعدم جميع أجزائها، واُخرى بعدم
(الصفحة184)
بعضها، لوضوح اشتراك تارك الصلاة رأساً مع تارك ركوعها ـ مثلا ـ في عدم إتيان واحد منهما بالمركّب الذي هو الصلاة.
وحينئذ نقول: ترك الأقلّ يعلم بترتّب العقاب عليـه; إمّا من جهـة كونـه هو تمام المأمور بـه، وإمّا من جهـة كون تركـه هو عين ترك المأمور بـه الذي يترتّب عليـه العقاب، فيترتّب العقاب على تركـه قطعاً، وبـه ينحلّ العلم الإجمالي.
نعم لو كان الواجب في الواقع هو الأكثر ولم يأت المكلّف إلاّ بالأقلّ اعتماداً على حكم العقل بالبراءة فهو وإن كان تاركاً للمأمور بـه، لأنّ تركـه بعين ترك الجزء الزائد أيضاً إلاّ أنّ ترك المأمور بـه هنا إنّما هو لعذر، بخلاف تركـه بعدم الإتيان بالأقلّ، فإنّـه لا يكون لعذر، فهما مشتركان في عـدم إتيانهما بالمأمور بـه، لكن بينهما فرق من حيث العذر وعدمـه، نظير ما لو علم المكلّف بوجوب إنقاذ أحد الغريقين على سبيل التخيـير مع كـون الواجب في الواقـع واحداً معيّناً منهما، فإنّـه تارة يعصي المولى بعدم إنقاذ واحد منهما واُخرى ينقذ غير من يجب إنقاذه بحسب الواقع. ففي الصورتين وإن كان المأمور بـه قد ترك ولم يأت المكلّف بـه، إلاّ أنّـه في الصورة الثانيـة معذور في المخالفـة دون الصورة الاُولى.
وثانياً: لو سلّم دوران أمر الأقلّ بين كونـه نفسيّاً يترتّب على مخالفتـه العقاب أو غيريّاً لا يترتّب عليـه، كدوران شيء بين الواجب والمستحبّ، إلاّ أنّا نقول: إنّ الملاك في جريان حكم العقل بالبراءة المستند إلى قبح العقاب بلا بيان هل هو عدم البيان على التكليف، أو عدم البيان على العقوبـة؟ لا سبيل إلى الثاني; لأنّـه تصحّ العقوبـة فيما لو بيّن المولى التكليف، وإن لم يبيّن العقوبـة عليـه. ألا ترى أنّـه لو ارتكب المكلّف واحداً من المحرّمات بتخيّل ضعف العقاب
(الصفحة185)
المترتّب على ارتكابـه لا إشكال في صحّـة عقوبتـه المترتّبـة عليـه في الواقع وإن كان من الشدّة بمكان.
وبالجملـة: فمستند حكم العقل بالبراءة ليس عدم البيان على العقاب، بل عدم البيان على التكليف، والبيان عليـه موجود بالنسبـة إلى الأقلّ قطعاً، ولذا لايجوز تركـه. وحينئذ فدوران أمر الأقلّ بين ترتّب العقاب عليـه لو كان نفسيّاً وعدم ترتّبـه لو كان غيريّاً لا يوجب أن لا يكون وجوبـه معلوماً، ومع العلم بالوجوب لا يحكم العقل بالبراءة قطعاً، فلزوم الإتيان بـه معلوم على أيّ تقدير، وبـه ينحلّ العلم الإجمالي، كما لايخفى.
ومنها: ما ذكره المحقّق النائيني ـ على ما في التقريرات المنسوبـة إليـه ـ وهو ينحلّ إلى وجهين:
أحدهما: ما ذكره في صدر كلامـه وملخّصـه: إنّ العقل يستقلّ بعدم كفايـة الامتثال الاحتمالي للتكليف القطعي، ضرورة أنّ الامتثال الاحتمالي إنّما يقتضيـه التكليف الاحتمالي، وأمّا التكليف القطعي فمقتضاه الامتثال القطعي، لأنّ العلم باشتغال الذمّـة يستدعي العلم بالفراغ عقلا، ولا يكفي احتمال الفراغ، ففي المقام لا يجوز الاقتصار على الأقلّ عقلا، لأنّـه يشكّ في الامتثال والخروج عن عهدة التكليف المعلوم في البين، ولايحصل العلم بالامتثال إلاّ بعد ضمّ الخصوصيّـة الزائدة المشكوكـة. والعلم التفصيلي بوجوب الأقلّ المردّد بين كونـه لا بشرط أو بشرط شيء هو عين العلم الإجمالي بالتكليف المردّد بين الأقلّ والأكثر، ومثل هذا العلم التفصيلي لا يعقل أن يوجب الانحلال، لأنّـه يلزم أن يكون العلم الإجمالي موجباً لانحلال نفسـه.
ثانيهما: ما ذكره في ذيل كلامـه وحاصلـه: إنّ الشكّ في تعلّق التكليف
(الصفحة186)
بالخصوصيـة الزائدة المشكوكـة من الجزء أو الشرط وإن كان عقلا لا يقتضي التنجّز واستحقاق العقاب على مخالفتـه من حيث هو، للجهل بتعلّق التكليف بـه، إلاّ أنّ هناك جهـة اُخرى تقتضي التنجيز والاستحقاق على تقدير تعلّق التكليف بها، وهي احتمال الارتباطيّـة وقيديّـة الزائد للأقل، فإنّ هذا الاحتمال بضميمـة العلم الإجمالي يقتضي التنجيز واستحقاق العقاب عقلا. فإنّـه لا رافع لهذا الاحتمال، وليس من وظيفـة العقل وضع القيديّـة أو رفعها، بل ذلك من وظيفـة الشارع، ولا حكم للعقل من هذه الجهـة فيبقى حكمـه بلزوم الخروج عن عهدة التكليف المعلوم على حالـه، فلابدّ من ضمّ الخصوصيّـة الزائدة(1).
هذا، ويرد على التقريب الأوّل: أنّ الاشتغال اليقيني وإن كان مستدعياً للبراءة اليقينيّـة، إلاّ أنّ ذلك بمقدار ثبت الاشتغال بـه وقامت الحجّـة عليـه، وأمّا ما لم تقم الحجّـة عليـه فلم يثبت الاشتغال بـه حتّى يستدعي البراءة اليقينيّـة عنـه، كما لايخفى.
وما ذكره من أنّ العلم التفصيلي بوجوب الأقلّ المردّد بين كونـه لا بشرط أو بشرط شيء هو عين العلم الإجمالي محلّ منع، لما عرفت من أنّ المراد باللابشرط في المقام هو اللا بشرط المقسمي الذي هو عبارة عن نفس الماهيّـة من دون أن يلحظ معها شيء على نحو السلب البسيط لا الإيجاب العدولي. ومن المعلوم أنّ اللابشرط المقسمي لا يغاير مع البشرط شيء أصلا، لأنّ اللا بشرط يجتمع مع ألف شرط.
وحينئذ فالأقلّ المردّد بين كونـه لا بشرط أو بشرط شيء يعلم تفصيلا
1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 159 ـ 161.
(الصفحة187)
بوجوبـه بحيث لا إجمال في ذلك عند العقل ولا يكون متردّداً فيـه أصلا، والخصوصيّـة الزائدة مشكوكـة بالشكّ البدوي.
وبالجملـة، فالعلم الإجمالي إذا لوحظ طرفاه أو أطرافـه يكون كلّ واحد منهما أو منها مشكوكاً من حيث هو، وفي المقام لا يكون كذلك، لأنّ العقل لا يرى إجمالا بالنسبـة إلى وجوب الأقلّ أصلا، والأمر الزائد لا يكون إلاّ مشكوكاً بالشكّ البدوي.
والعجب أنّـه (قدس سره)
أجاب عن الإشكال الذي نسبـه إلى صاحب الحاشيـة كما عرفت بعدم مباينـة الماهيّـة اللابشرط مع الماهيّـة بشرط شيء وقال: إنّ الأقلّ متيقّن الاعتبار على كلّ حال، سواء لوحظ لا بشرط أو بشرط الجزء الزائد(1)، وهنا أنكر الانحلال الذي مرجعـه إلى العلم التفصيلي بوجوب الأقلّ على كلّ حال والشكّ البدوي في الزائد، ولعمري أنّـه تنافر واضح وتهافت فاحش، هذا.
ويرد على التقريب الثاني: أنّـه كما أنّ تعلّق التكليف بالخصوصيّـة الزائدة مشكوك وهو لا يقتضي التنجيز واستحقاق العقاب على مخالفتـه من حيث هو، كذلك احتمال الارتباطيّـة وقيديّـة الزائد مورد لجريان البراءة بعد عدم قيام الحجّـة عليها، لعدم الفرق بين نفس الجزء الزائد وحيثيتـه الارتباطيـة أصلا، لوجود ملاك جريان البراءة العقليّـة وهو الجهل وعدم ثبوت البيان فيهما، ولا يكون مقتضى جريانها هو رفع القيديّـة حتّى يقال بأنّـه ليس من وظيفـة العقل وضع القيديّـة ولا رفعها، بل معنى جريانها هو قبح العقاب على ترك المأمور بـه
1 ـ تقدّم في الصفحـة 182.
(الصفحة188)
من جهـة الإخلال بالخصوصيّـة الزائدة المشكوكـة بعد عدم ورود بيان على ثبوتها وكونها دخيلا في المأمور بـه.
ومن جميع ما ذكرنا يظهر الجواب عن تقريب آخر للاحتياط، وهو أنّ تعلّق التكليف بالأقلّ معلوم ضرورة، والاشتغال اليقيني بذلك يقتضي البراءة اليقينيّـة، وهي لا تحصل إلاّ بضمّ الجزء الزائد المشكوك، ضرورة أنّـه مع دخالتـه في المأمور بـه لا يكون الإتيان بالأقلّ بمجد أصلا.
والجواب: أنّ الشكّ في حصول البراءة إنّما هو من جهـة مدخليّـة الخصوصيّـة الزائدة، وحيث إنّ دخالتها مشكوكـة ولم يرد من المولى بيان بالنسبـة إليها فالعقاب على ترك المأمور بـه من جهـة الإخلال بتلك الخصوصيـة لا يكون إلاّ عقاباً من دون بيان ومؤاخذة بلا برهان.
وبالجملـة: ما علم الاشتغال بـه يقيناً يحصل البراءة بالإتيان بـه كذلك، وما لم يعلم الاشتغال بـه تجري البراءة العقليّـة بالنسبـة إليـه، كما عرفت.
ومنها: ما أفاده الشيخ المحقّق صاحب الحاشيـة الكبيرة على المعالم، وملخّصـه: أنّ الأمر دائر بين تعلّق الوجوب بالأقلّ أو بالأكثر، وعلى تقدير تعلّقـه بالأكثر لا يكون الأقلّ بواجب; لأنّ ما هو في ضمن الأكثر إنّما هو الأجزاء التي ينحلّ إليها الأقلّ لا نفس الأقلّ، فإنّـه لا يكون في ضمن الأكثر أصلا; لأنّ لـه صورة مغايرة لصورة الأكثر. ومع هذا التغاير لو كان الأقلّ والأكثر غير ارتباطيـين لكنّا نحكم بالبراءة بالنسبـة إلى الزائد المشكوك، لعدم توقّف حصول الغرض على ضمّ الزائد، بل الأقلّ يترتّب عليـه الغرض في الجملـة ولو لم يكن متعلّقاً للتكليف. وهذا بخلاف المقام، فإنّـه لو كان الأمر متعلّقاً في نفس الأمر بالأكثر لكان وجود الأقلّ كعدمـه في عدم ترتّب شيء عليـه وعدم تأثيره في حصول
(الصفحة189)
الغرض أصلا. وحينئذ فمقتضى العلم الإجمالي بوجود التكليف في البين هو لزوم الإتيان بالأكثر تحصيلا للبراءة اليقينيّـة(1)، انتهى.
ويرد عليـه ما أجبنا بـه عن الإشكال الأوّل المتقدّم(2) من أنّ المركّب من الأقلّ لا يكون لـه صورة مغايرة للمركّب من الأكثر، لأنّ التركيب الاعتباري ليس إلاّ ملاحظـة أشياء متعدّدة شيئاً واحداً، بحيث تكون الأجزاء فانيـة غير ملحوظـة بنفسها، ولا يكون هنا صورة اُخرى ماعدا الأجزاء حتّى يقال بأنّها مغايرة للصورة الحاصلـة من المركّب من الأكثر.
وبالجملـة: فليس هنا إلاّ نفس الأجزاء التي دار أمرها بين القلّـة والكثرة، وحينئذ فيظهر أنّ تعلّق الوجوب بالأقلّ معلوم تفصيلا، لما عرفت من أنّ الأمر المتعلّق بالمركّب يدعو إلى أجزائـه بعين داعويّتـه إلى المركّب، وحينئذ فلو كان الأكثر متعلّقاً للتكليف يكون الأقلّ أيضاً واجباً، بمعنى أنّ الأمر يدعو إليـه، كما أنّـه لو كان الأقلّ كذلك يكون واجباً حينئذ، فوجوب الأقلّ معلوم تفصيلا، والشكّ بالنسبـة إلى الزائد شكّ بدوي يجري فيـه البراءة، كما عرفت.
ومنها: ما أفاده المحقّق الخراساني (قدس سره)
في الكفايـة من أنّ الانحلال مستلزم للخلف أو المحال الذي هو عبارة عن استلزام وجود الشيء لعدمـه(3).
أمّا الخلف، فلأنّـه يتوقّف لزوم الأقلّ فعلا إمّا لنفسـه أو لغيره على تنجّز التكليف مطلقاً ولو كان متعلّقاً بالأكثر، ضرورة أنّه لو لم يتنجّز على تقدير تعلّقه به
1 ـ هداية المسترشدين: 441.
2 ـ تقدّم في الصفحـة 179.
3 ـ كفايـة الاُصول: 413.
(الصفحة190)
لم يكن الأقلّ واجباً بالوجوب الغيري، لأنّـه تابع لوجوب ذي المقدّمـة، ومع عدمـه لا مجال لـه، كما أنّـه لو لم يتنجّز على تقدير تعلّقـه بالأقلّ لم يكن واجباً بالوجوب النفسي، فوجوبـه الأعمّ من النفسي والغيري يتوقّف على تنجّز التكليف على أيّ تقدير، فلو كان لزومـه كذلك موجباً لعدم تنجّز التكليف إلاّ على تقدير تعلّقـه بالأقلّ يلزم الخلف.
وأمّا استلزام وجوده للعدم، فلأنّ لزوم الأقلّ على الفرض يستلزم عدم تنجّز التكليف على كلّ حال، وهو يستلزم لعدم لزوم الأقلّ مطلقاً، وهو يستلزم عدم الانحلال، فلزم من وجود الإنحلال عدمـه، وما يلزم من وجوده عدمـه فهو محال، هذا.
ويمكن هنا تقريب ثالث زائد على التقريبين المذكورين في كلام المحقّق الخراساني، وهو أنّ العلم التفصيلي لو تولّد من العلم الإجمالي بحيث كان معلولا لـه ومسبّباً عنـه لا يعقل أن يوجب انحلال ذاك العلم الإجمالي، وهل يمكن أن يؤثّر المعلول في عدم علّتـه؟
والمقام من هذا القبيل، فإنّ العلم التفصيلي بوجوب الأقلّ إمّا لنفسـه أو لغيره إنّما نشأ من العلم الإجمالي بوجوب الأقلّ أو الأكثر، كما هو واضح، نظير ما إذا تردّد أمر الوضوء مثلا بين كون وجوبـه نفسيّاً أو غيريّاً ناشئاً من الوجوب المتعلّق بما يكون الوضوء مقدّمـة لـه، ولكن كان وجوب ذي المقدّمـة مشكوكاً، فإنّـه لا يعقل أن يصير العلم التفصيلي بوجوب الوضوء على أيّ تقدير موجباً لانحلال العلم الإجمالي بوجوب الوضوء نفسيّاً أو بوجوب ما يكون هو مقدّمـة لـه، لأنّ مع الانحلال وإجراء البراءة بالنسبـة إلى وجوب ذي المقدّمـة لا يكون العلم التفصيلي باقياً على حالـه، فالعلم التفصيلي المسبّب عن العلم الإجمالي
(الصفحة191)
يستحيل أن يؤثّر في انحلالـه، هذا.
ولكن هذه التقريبات الثلاثـة إنّما يتمّ بناءً على مبنى فاسد، وهو القول بكون الأجزاء في المركّبات واجبـة بالوجوب الغيري كالمقدّمات الخارجيّـة، ونحن وإن أنكرنا وجوب المقدّمـة والملازمـة بينـه وبين وجوب ذيها رأساً، كما مرّ تحقيقـه في مبحث مقدّمـة الواجب من مباحث الألفاظ(1)، إلاّ أنّـه لو سلّمنا ذلك في المقدّمات الخارجيّـة فلا نسلّم في المقدّمات الداخليـة أصلا، بل قد عرفت أنّ الأجزاء واجبـة بعين وجوب الكلّ، والأمر المتعلّق بـه يدعو إليها بعين دعوتـه إليـه، إذ لا مغايرة بينها وبينـه أصلا، لأنّ المركّب ليس أمراً وراءها بل هو نفسها. وحينئذ فالأقلّ واجب بالوجوب الأصلي النفسي تفصيلا ولا يكون هذا العلم التفصيلي مسبّباً عن العلم الإجمالي، فلا مانع من التأثير في الانحلال، بل قد عرفت أنّـه ليس هنا إلاّ علم تفصيلي وشكّ بدوي، كما لايخفى.
ومنها: ما أورده على نفسـه الشيخ المحقّق الأنصاري في الرسالـة(2)بقولـه: «إن قلت» وتقريره: أنّ الأوامر والنواهي الشرعيّـة تابعـة للمصالح والمفاسد النفس الأمريّـة، كما اشتهر ذلك بين العدليّـة، حيث يقولون: إنّ الواجبات الشرعيّـة إنّما وجبت لكونها ألطافاً في الواجبات العقليّـة، فاللطف والمصلحـة النفس الأمريّـة إمّا هو المأمور بـه حقيقةً، والأوامر المتعلّقة بمثل الصلاة والصوم ونظائرهما أوامر إرشاديّـة والغرض منها الإرشاد إلى عدم حصول المأمور بـه حقيقـة إلاّ بمثلها، وإمّا أنّـه غرض للآمر. وعلى كلا التقديرين فيجب
1 ـ تقدّم في الجزء الأوّل: 16 ـ 17.
2 ـ فرائد الاُصول 2: 461.
(الصفحة192)
تحصيل العلم بحصول اللطف لعدم العلم بإتيان المأمور بـه على الأوّل وبحصول الغرض على الثاني مع الاقتصار على الأقلّ في مقام الامتثال. ومن الواضح عند العقول لزوم العلم بإتيان المأمور بـه وبحصول الغرض، أمّا الأوّل فبديهي، وأمّا الثاني فلأنّ الغرض إنّما هو العلّـة والداعي للأمر، ومع الشكّ في حصولـه يشكّ في سقوط الأمر. فمرجع الشكّ فيـه إلى الشكّ في الإتيان بالمأمور بـه المسقط للأمر، وقد عرفت أنّ لزوم العلم بإتيانـه من الواضحات عند العقول، هذا.
ولا يخفى أنّ المحقّق الخراساني (قدس سره)
اعتمد في الكفايـة(1) على هذا الكلام وردّ ما أجاب بـه عنـه الشيخ (قدس سره)
في الرسالـة، هذا.
والتحقيق في الجواب عن هذا الإشكال أن يقال: إنّ هذه المسألـة ـ وهي أنّ الأوامر والنواهي الشرعيّـة هل هي تابعـة للمصالح والمفاسد النفس الأمريّـة أم لا ـ مسألـة كلاميّـة، ومنشأ البحث فيها مسألـة اُخرى كلاميّـة أيضاً، وهي أنّـه هل يمتنع على اللّه الإرادة الجزافيّـة، فلا يجوز عليـه الفعل من دون غرض كما عليـه العدليّـة، أو أنّـه لا يمتنع عليـه تعالى ذلك، بل يجوز منـه الإرادة الجزافيّـة والفعل من دون غرض ومصلحـة، كما عليـه الأشاعرة.
فظهر أنّـه بناءً على مذهب العدليّـة لابدّ من الالتزام بعدم كون الأفعال الاختياريّـة الصادرة من اللّه تعالى خالياً من الغرض والمصلحـة، أمّا أنّـه لابدّ من أن يكون المأمور بـه حقيقـة هو نفس تلك المصلحـة والغرض، أو يكون الغرض أمـراً آخـر مترتّباً على المأمـور بـه فلا يستفاد مـن ذلك، بل اللازم هـو أن يقال بعدم كون إرادتـه تعالى المتعلّقـة بإتيان المأمور بـه إرادة جزافيّـة غير
1 ـ كفاية الاُصول: 414.
(الصفحة193)
ناشئـة من المصلحـة في المراد. وهو كما يتحقّق بأحد الأمرين المذكورين، كذلك يتحقّق بأن يكون المأمور بـه الذي هو عبارة عن مثل الصلاة والصوم والحجّ بنفسـه مصلحةً ومحبوباً; لأنّـه لا فرق في عدم كون الإرادة جزافيّـة بين أن تكون الصلاة مؤثِّرة في حصول غرض ومصلحـة وهي معراج المؤمن كما قيل، أو أن تكون بنفسها محبوبـة ومصلحـة، لاشتمالها على التهليل والتكبير والتسبيح مثلا، كما أنّـه يتحقّق ذلك بأن تكون المصلحـة في نفس الأمر لا في المأمور بـه.
وبالجملـة: فمقتضى مذهب العدليّـة أنّـه لابدّ أن يكون في البين غرض وغايـة ومصلحـة ولطف، أمّا لزوم أن يكون هو متعلّق الأمر بحيث كانت الأوامر المتعلّقـة بمثل الصلاة والصوم إرشاداً إليـه أو أن يكون أمراً آخر وراء المأمور بـه فلا، فمن المحتمل أن يكون نفس المأمور بـه محبوباً بذاتـه وغايـة بنفسـه، أو يكون الغرض في نفس الأمر، وعلى هذين التقديرين لا وجـه للاحتياط بالإتيان بالأكثر.
أمّا على التقدير الأوّل: فلأنّ محبوبيـة الأقلّ معلومـة، ولم يقم دليل على محبوبيـة الخصوصيّـة الزائدة، والعقل يحكم بعدم جواز العقوبـة عليها مع عدم قيام الحجّـة عليها، كما أنّـه على التقدير الثاني حصل الغرض بمجرّد الأمر والبعث ولا يكون المكلّف مأخوذاً بأزيد ممّا قام الدليل على لزوم الإتيان بـه.
هذا كلّـه مضافاً إلى أنّـه لو فرض كون الغرض مترتّباً على المأمور بـه نمنع لزوم العلم بحصولـه، لأنّ المكلّف إنّما هو مأخوذ بالمقدار الذي ورد البيان من قبل المولى على دخالتـه في المأمور بـه، ومع الإتيان بـه لا معنى لعقوبتـه وإن كان شاكّاً في حصول الغرض، لأنّ الأمر لم يتعلّق بتحصيل الغرض بل تعلّق بالأجزاء التي يعلم بانحلال المركّب إليها، وتعلّقـه بالزائد مشكوك يحكم العقل
(الصفحة194)
بالبراءة عنـه. كيف ولو كان اللازم العلم بحصول الغرض لم يحصل العلم بامتثال كثير من المركّبات الشرعيّـة، إذ ما من مركّب إلاّ ونحتمل دخالـة أمر آخر فيـه شطراً أو شرطاً واقعاً وإن لم يصل إلينا دليلـه، كما هو واضح، فاللازم بحسب نظر العقل هو العلم بإتيان المأمور بـه الذي قامت الحجّـة عليـه وهو يحصل بإتيان الأقلّ، فتدبّر.
ومنها: ما يختصّ بالواجبات التعبّديـة ولا يجري في التوصّليات، وهو أنّـه لابدّ فيها من قصد التقرّب، وهو لا يكون إلاّ بالواجب النفسي، لأنّ الواجب الغيري لا يكون مقرّباً، وحينئذ فمع الاقتصار على الأقلّ لا يكاد يمكن قصد التقرّب، لأنّـه يحتمل أن يكون الواجب في الواقع هو الأكثر وكان الأقلّ واجباً غيريّاً، وهذا بخلاف ما إذا أتى بالأكثر، فإنّـه يقطع بكونـه مقرّباً إمّا بنفسـه، وإمّا بالأقلّ المتحقّق في ضمنـه.
والتحقيق في الجواب أن يقال: أمّا أوّلا، فلأنّ المعتبر في العبادات أن لا يكون الإتيان بها بداع نفساني، بل بداع إلهي اُخروي. ومن المعلوم أنّـه لافرق في ذلك بين الإتيان بالأقلّ أو بالأكثر، ضرورة أنّ الآتي بالأقلّ لا يكون الداعي لـه إلى الإتيان بـه إلاّ أمر إلهي. نعم لا يعلم بكون المأتي بـه هو المأمور بـه، كما أنّ الآتي بالأكثر أيضاً لا يعلم بذلك.
وبالجملـة: لا فرق بين الإتيان بالأقلّ أو بالأكثر في إمكان قصد التقرّب الذي مرجعـه إلى الإتيان بالعمل لا لداع نفساني من رياء وغيره، وكذا في عدم العلم بكون ما يأتي بـه هو المأمور بـه.
وأمّا ثانياً: فلأنّ مبنى الإشكال على كون الأقلّ واجباً بالوجوب الغيري على تقدير كون متعلّق التكليف هو الأكثر، وقد عرفت غير مرّة منع ذلك وأنّ
(الصفحة195)
الأجزاء واجبـة بعين وجوب المركّب، والأمر المتعلّق بـه يدعو إلى الأجزاء بعين دعوتـه إليـه، وحينئذ فالأقلّ واجب بالوجوب النفسي على التقديرين.
وبالجملـة: لا فرق في الداعي بين القائل بالبراءة والقائل بالاشتغال، فإنّ الداعي بالنسبـة إليهما هو الأمر المتعلّق بإقامـة الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل. غايـة الأمر أنّـه لا يصلح للداعويّـة في نظر القائل بالبراءة إلاّ بالنسبـة إلى ما علم انحلال الصلاة إليـه من الأجزاء، كما أنّـه في نظر القائل بالاشتغال يدعو إلى جميع ما تنحلّ إليـه واقعاً ولو كان هو الأكثر، ولذا لا يتحقّق العلم بامتثالـه إلاّ بالإتيان بـه. فلا اختلاف للداعي بالنسبـة إليهما، فيجوز الإتيان بالأقلّ بداعي الأمر المتعلّق بالصلاة بلاريب ولا يوجب ذلك قدحاً في عباديّتها أصلا، كما هو واضح لا يخفى.
هذا كلّـه في البراءة العقليّـة، وقد عرفت جريانها وعدم ورود شيء من الإشكالات الثمانيـة المتقدّمـة عليها.
في جريان البراءة الشرعيّة في المقام
وأمّا البراءة الشرعيّـة: فالظاهر أنّـه لا مانع من جريانها بناءً على ما هو مقتضى التحقيق من انحلال العلم الإجمالي إلى العلم التفصيلي بوجوب الأقلّ والشكّ في وجوب الأكثر، كما عرفت. وذلك لأنّ الأقلّ معلوم وجوبـه النفسي تفصيلا والأكثر مشكوك، فيكون مرفوعاً بمثل حديث الرفع(1)، ولا فرق في ذلك
1 ـ الخصال: 417 / 9، وسائل الشيعـة 15: 369، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، الباب56، الحديث1.
(الصفحة196)
بين أن يقال بدلالـة الحديث على رفع الجزئيّـة المجهولـة بناءً على إمكان رفعها لكونها قابلـة للوضع، أو يقال بدلالتـه على رفع الوجوب النفسي المتعلّق بالأكثر بناءً على عدم إمكان رفع الجزئيـة. وكيف كان فلا مانع من جريانها بالنسبـة إلى الأكثر بناءً على الانحلال.
وأمّا بناءً على عدم الانحلال الموجب لعدم جريان البراءة العقليّـة فهل تجري البراءة الشرعيّـة مطلقاً، أو لا تجري كذلك، أو يفصّل بين ما إذا كان العلم الإجمالي مقتضياً لوجوب الموافقـة القطعيّـة فتجري، وبين ما إذا قيل بكونـه علّـة تامّـة لـه فلا تجري؟ وجوه بل أقوال ذهب إلى الأوّل المحقّق الخراساني(1)وإلى الأخير المحقّق العراقي على ما في تقريرات بحثـه(2).
والحقّ هو الوجـه الثاني، لأنّـه لو كان مجرى البراءة هو الوجوب النفسي المتعلّق بالأكثر المجهول فالأصل وإن كان يجري بالنسبـة إليـه لكونـه مشكوكاً، إلاّ أنّـه معارض بالأصل الجاري في الأقلّ، لأنّ وجوبـه النفسي أيضاً مشكوك بناءً على ما هو المفروض من عدم انحلال العلم الإجمالي، لأنّـه يلزم من جريانهما مخالفـة عمليّـة للتكليف المعلوم المتحقّق في البين المردّد بين الأقلّ والأكثر.
ودعوى: أنّ طبيعـة الوجوب بالنسبـة إلى الأقلّ معلومـة بالتفصيل، فلا تجري أصالـة البراءة بالنسبـة إليـه، وأمّا الأكثر فأصل تعلّق الوجوب بـه مشكوك، فلا مانع من جريان الأصل فيـه.
1 ـ كفايـة الاُصول: 416.
2 ـ نهايـة الأفكار 3: 389.
(الصفحة197)
مدفوعـة: بأنّ الأمر المشترك بين الوجوب النفسي والغيري أمر انتزاعي لايكون قابلا للجعل، ضرورة أنّ المجعول إمّا هو الوجوب النفسي، وإمّا هو الوجوب الغيري، غايـة الأمر أنّ العقل بعد ملاحظتهما ينتزع منهما أمراً واحداً وهو أصل الوجوب والإلزام.
كما أنّ دعوى عدم جريان الأصل في الأقلّ بالنسبـة إلى وجوبـه النفسي، لعدم ترتّب أثر عليـه بعد لزوم الإتيان بـه على أيّ تقدير كان واجباً نفسيّاً أو غيريّاً فلا معارض للأصل الجاري في الأكثر.
تندفع بأنّـه يكفي في جريان الأصل ترتّب الأثر عليـه ولو في بعض الموارد، وهنا يكون كذلك، فإنّ جريان أصل البراءة عن الوجوب النفسي المجهول المتعلّق بالأقلّ يترتّب عليـه الأثر فيما لو سقط الجزء المشكوك عن الجزئيـة لتعذّر وغيره، فإنّ مقتضى أصالـة البراءة عن وجوب الأقلّ عدم لزوم الإتيان بـه أصلا.
وبالجملـة: فلو كان مجرى البراءة هو الوجوب النفسي المتعلّق بالأكثر لكان الأصل الجاري فيـه معارضاً بالأصل الجاري في الأقلّ. وأمّا لو كان مجراها هي جزئيّـة الجزء المشكوك فعلى مختار الأعاظم من عدم كون الجزئيّـة قابلـة للوضع ولا للرفع، بل كلّ واحد منهما يتعلّق بمنشأ انتزاعـه وهو الوجوب النفسي المتعلّق بالمركّب من الجزء المشكوك وسائر الأجزاء فيقع التعارض حينئذ بين الأصل الجاري في منشأ انتزاعـه وبين الأصل الجاري في الأقلّ كما في الصورة السابقـة.
ومن هنا ينقدح الخلل فيما أفاده المحقّق العراقي بعد تسليم ثبوت التعارض بين الأصل الجاري في الأكثر في وجوبـه النفسي والأصل الجاري في الأقلّ، من
(الصفحة198)
أنّـه يكفي في جريان الأصل في جزئيّـة المشكوك مجرّد كونها ممّا أمر رفعـه ووضعـه بيد الشارع ولو بتوسّط منشائـه وهو التكليف، فإنّ للشارع رفع الجزئيّـة عن المشكوك برفع اليد عن فعليّـة التكليف المتعلّق بالأكثر(1).
وجـه الخلل ما عرفت من أنّ منشأ انتزاع الجزئيّـة هو الوجوب النفسي المتعلّق بالمركّب، والأصل الجاري في المركّب من الجزء المشكوك معارض بالأصل الجاري في المركّب من غيره، كما اعترف بـه.
وأمّا لو كان مجرى البراءة هو الوجوب المتعلّق بالجزء المشكوك فالظاهر أيضاً عدم جريان الأصل فيـه للمعارضـة، لأنّ الوجوب المتعلّق بالجزء المشكوك وإن كان وجوباً شرعياً بناءً على القول بوجوب المقدّمـة على خلاف ما هو الحقّ والمحقّق في محلّـه(2)، إلاّ أنّ الملازمـة بينـه وبين وجوب ذي المقدّمـة ملازمـة عقليّـة، فالشكّ فيـه وإن كان مسبّباً عن الشكّ في وجوب الأكثر، إلاّ أنّـه لا يرتفع بالأصل الجاري في السبب بعد عدم كون المسبّب من الآثار الشرعيّـة المترتّبـة عليـه، فكما أنّـه يجري الأصل في السبب يجري في المسبّب أيضاً. وحينئذ فيقع التعارض بين الأصل الجاري فيهما والجاري في الأقلّ.
نعم لو قلنا بكون وجوب المقدّمـة من الآثار الشرعيّـة المترتّبـة على وجوب ذيها لكان الأصل الجاري في السبب معارضاً بالأصل الجاري في الأقلّ، ويبقى الأصل الجاري في المسبّب سليماً عن المعارض، ولكن هذا بمكان من البطلان، لأنّ مسألـة وجوب المقدّمـة مسألـة عقليّـة، كما هو المسلّم بينهم.
1 ـ نهايـة الأفكار 3: 390.
2 ـ تقدّم في الجزء الأوّل: 15.
(الصفحة199)
فانقدح من جميع ما ذكرنا: أنّـه بناءً على عدم انحلال العلم الإجمالي لا يجـري أصالـة البراءة بالنسبـة إلى الأكثر لا فـي وجوبـه النفسي المتعلّق بـه، ولا في جزئيـة الجزء المشكوك، ولا في الوجوب المتعلّق بـه.
وهذا لا فرق فيـه بين أن نقول باقتضاء العلم الإجمالي لوجوب الموافقـة القطعيـة، وبين أن نقول بكونـه علّـة تامّـة لـه، فالتفكيك بين البراءة الشرعيّـة والعقليّـة ممّا لا وجـه لـه أصلا.
ثمّ إنّ المحقّق العراقي المفصّل بين القـول بالاقتضاء والعلّيـة أفـاد في وجـه عدم جريان الأصل النافي ـ بناءً على العلّيـة ولو في بعض أطرافـه بلامعارض ـ أنّـه بعد انتهاء الأمر إلى حكم العقل بوجوب الاحتياط ولزوم تحصيل الجـزم بالفراغ ولو جعليّاً لا مجال لجـريان الاُصول النافيـة ولو في فرض كونها بلا معارض، إلاّ على فرض اقتضاء جريانها لإثبات أنّ الواجب الفعلي هو الأقلّ ولو ظاهراً، كي ببركـة إثباتـه ذلك يكون الإتيان بـه فراغـاً جعلياً عمّا ثبت في العهدة. وهو أيضاً في محلّ المنع; لمنع اقتضاء مجرّد نفي وجوب الأكثر والخصوصيّـة الزائدة لإثبات هذه الجهـة إلاّ على القول بالمثبت الذي لا نقول بـه.
نعم قد يتوهّم تكفّل مثل حديث الرفع لإثبات ذلك بتقريبات ثلاثـة:
أحدها: أنّ الحديث ناظر إلى إطلاقات أدلّـة الجزئيـة واقعاً بتقيـيد مفاد فعليّتها بحال العلم بها، وأنّـه برفع فعليّـة التكليف عن المشكوك واقعاً مع ضميمـة ظهور بقيـة الأجزاء في الفعليـة يرتفع الإجمال من البين ويتعيّن كون متعلّق التكليف الفعلي هو الأقلّ، وبالإتيان بـه يتحقّق الفراغ والخروج عن عهدة التكليف.
(الصفحة200)
وأجاب عن هذا التقريب بما ملخّصـه: منع صلاحيّـة حديث الرفع لأن يكون ناظراً إلى نفي فعليّـة التكليف عن المشكوك واقعاً، إذ مفاد الرفع فيـه إنّما هو مجرّد الرفع الظاهري الثابت في المرتبـة المتأخّرة عـن الجهل بالواقـع، ومثلـه غير صالح لتقيـيد إطلاق الجزئيّـة الواقعيّـة المحفوظـة حتّى بمرتبـة فعليّتها في المرتبـة السابقـة عن تعلّق الجهل بها; لاستحالـة ورود الرفع في ظرف الجهل بشيء على الشيء الملحوظ كونـه فـي المرتبـة السابقـة على الجهل بنفسـه، ولأنّ رفـع كلّ شيء عبارة عـن نقيضـه وبديلـه، فلا يمكن أن يكون الرفع في هذه المرتبـة نقيضاً لما هو في المرتبـة السابقـة; لأنّ وحدة الرتبـة بين النقيضين من الوحدات الثمان التي تعتبر في التناقض والتضادّ. وحينئذ فلو كانت مقتضيات الفعليّـة في المرتبـة السابقـة على الجهل متحقّقـة لا يكاد يصلح مثل هذا الحـديث للمانعيّـة عنها، ومعـه يبقى العلم الإجمالي علـى حالـه.
وتوهّم: أنّ الحكم الظاهري وإن لم يكن في مرتبـة الحكم الواقعي، إلاّ أنّ الحكم الواقعي ولو بنتيجـة الإطلاق يكون في مرتبـة الحكم الظاهري، وبذلك أمكن تعلّق الرفع في تلك المرتبـة بفعليّـة الحكم الواقعي.
مدفوع: بأنّـه مع الاعتراف بكون الحكم الظاهري في طول الحكم الواقعي كيف يمكن توهّم كون الحكم الواقعي في عرض الحكم الظاهري وفي مرتبتـه. نعم الحكم الواقعي يجتمع مع الحكم الظاهري زماناً، ولكنّـه لا يقتضي اجتماعهما رتبـة(1)، انتهى.
1 ـ نهاية الأفكار 3: 390 ـ 392.
|
|