جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
معتمد الأصول المجلد الثاني « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>


(الصفحة201)

وأنت خبير بعدم تماميّـة هذا الجواب، لأنّـه ـ مضافاً إلى منع كون الجهل بشيء والشكّ فيـه متأخّراً عن نفس ذلك الشيء وإلاّ لزم انقلابـه علماً، كما هو واضح ـ يرد عليـه أنّ معنى الإطلاق ليس هو لحاظ السريان والشمول حتّى يقتصر فيـه على الحالات التي كانت في عرض الواقع من حيث الرتبـة، بل هو عبارة عن مجرّد عدم أخذ القيد في نفس الحكم أو متعلّقـه مع كونـه بصدد البيان، وحينئذ فلا مانع من شمول إطلاق الواقع لمرتبـة الجهل بـه، فلا استحالـة في ورود الرفع في ظرف الجهل على الواقع الشامل لمرتبـة الجهل أيضاً.
ومن هنا يظهر: أنّ الحكم الواقعي يكون في مرتبـة الحكم الظاهري ومحفوظاً معـه، كما تقدّم تحقيقـه في مبحث اجتماع الحكم الظاهري مع الواقعي.
هذا تمام الكلام فيما لو كان الأقلّ والأكثر من قبيل الأجزاء.


(الصفحة202)

المطلب الثاني

فيما لو كان الأقلّ والأكثر من قبيل

المطلق والمشروط أو الجنس والنوع ، أو الطبيعي والفرد

كما إذا دار الأمر بين كون الواجب مطلق الصلاة أو هي مشروطـة بالطهارة مثلا، أو دار الأمر بين وجوب إطعام مطلق الحيوان أو الإنسان، أو وجوب إكرام الإنسان أو خصوص زيد، ففي جريان البراءة العقليّـة مطلقاً أو عدمـه كذلك، أو التفصيل بين المطلق والمشروط وغيره بالجريان في الأوّل دون غيره وجوه، بل أقوال.
وليعلم: أنّ الشرط قد يكون متّحداً مع المشروط في الوجود الخارجي، كالإيمان في الرقبـة، وقد يكون مغايراً معـه في الوجود كالطهارة بالنسبـة إلى الصلاة، ولا فرق بينهما في المقام. كما أنّـه لا فـرق في المركّبات التحليليـة بين أن تكون بسائط في الخارج أم لم تكن، كذلك لا فرق بين أن تكون الخصوصيّـة الزائدة محتاجـة إلى مؤونـة زائدة في مقام الإثبات، كبعض الألوان التي لم يوضع بإزائها لفظ مستقلّ، بل تعرف بإضافـة لفظ اللون إلى شيء آخر، أو لم تكن كذلك.
وكيف كان: فذهب المحقّق الخراساني في الكفايـة إلى عدم جريان البراءة العقليّـة هنا مطلقاً، وأنّـه أظهر من عدم الجريان في الأقلّ والأكثر في الأجزاء.
قال في وجهـه ما نصّـه: فإنّ الانحلال المتوهّم في الأقلّ والأكثر لا يكاد يتوهّم هاهنا، بداهـة أنّ الأجزاء التحليليّـة لا تكاد تتّصف باللزوم من باب المقدّمـة عقلا، فالصلاة ـ مثلا ـ في ضمن الصلاة المشروطـة أو الخاصّـة

(الصفحة203)

موجودة بعين وجودها وفي ضمن صلاة اُخرى فاقدة لشرطها أو خصوصيّتها تكون متباينـة للمأمور بها، كما لايخفى(1)، انتهى.
وتوضيح عدم جريان البراءة في المقام يتوقّف على بيان مقدّمتين:
الاُولى: أنّـه لابدّ في الانحلال الموجب لجريان البراءة في المشكوك أن يرجع العلم الإجمالي إلى العلم التفصيلي بأحد الطرفين والشكّ البدوي في الآخر. وبعبارة اُخرى: كان في البين قدر متيقّن تفصيلا ووقع الشكّ في الزائد على ذلك المقدار، ضرورة أنّ بدون ذلك لا وجـه للإنحلال.
الثانيـة: أنّ الطبيعي في المتواطيات يتحصّص إلى حصص متعدّدة وآباء كذلك بعدد الأفراد، بحيث كان المتحقّق في ضمن كلّ فـرد حصّـة وأب خاصّ مـن الطبيعي المطلق غير الحصّـة والأب المتحقّق في ضمن فرد آخر، كالحيوانيّـة الموجودة في ضمن الإنسان بالإضافـة إلى الحيوانيـة الموجودة في ضمن نوع آخر كالبقر والغنم، وكالإنسانيـة المتحقّقـة في ضمن زيد بالقياس إلى الإنسانيـة المتحقّقـة في ضمن بكر وخالـد. فلا محالـة في مفروض المقام لا يكاد يكون الطبيعي المطلق بما هو جامع الحصص والآباء القابل للانطباق على حصّـة اُخرى محفوظاً في ضمن زيد; لأنّ ما هو محفوظ في ضمنـه إنّما هي الحصّـة الخاصّـة من الطبيعي، ومع تغاير هذه الحصّـة مع الحصّـة الاُخرى المحفوظـة في ضمن فرد آخر كيف يمكن دعوى اندراج البحث في الأقلّ والأكثر ولو بحسب التحليل.
بل الأمر في مثل المقام ينتهي إلى العلم الإجمالي بتعلّق التكليف إمّا

1 ـ كفايـة الاُصول: 417.

(الصفحة204)

بخصوص حصّـة خاصـة، أو بجامع الحصص والطبيعي على الإطلاق بما هو قابل الانطباق على حصّـة اُخرى غيرها، فيرجع الأمر إلى الدوران بين المتباينين، فيجب فيـه الاحتياط بإطعام خصوص زيد مثلا، هذا.
ويرد على هذه المقدّمـة: أنّ التحقيق في باب الكلّي الطبيعي هو كونـه موجوداً في الخارج بوصف الكثرة، فإنّ زيداً إنسان وعمراً أيضاً إنسان، وزيد وعمرو إنسانان; لأنّ الكلّي الطبيعي ليس إلاّ نفس الماهيّـة، وهي بذاتها لا تكون واحدة ولا كثيرة. وحيث إنّها لا تكون بنفسها كذلك يجتمع مع الواحد ومع الكثير; لأنّها لو كانت واحدة لم يكن يمكن أن تجتمع مع الكثير، ولو كانت كثيرة لا يكاد يمكن أن تجتمع مع الواحد، فحيث لا تكون كثيرة بذاتها ولا واحدة بنفسها لا يأبى من الاجتماع معهما.
وبالجملـة: كلّ فرد من أفراد الإنسان ـ مثلا ـ هو نفس ماهيّتـه مع خصوصيّـة زائدة، فزيد حيوان ناطق، كما أنّ عمراً أيضاً كذلك، ولا تكون الماهيّـة المتحقّقـة في ضمن زيد مغايرة للماهيّـة المتحقّقـة في ضمن عمرو أصلا، فجميع أفراد الإنسان يشترك في هذه الجهـة، ولا مباينـة بينها من هذه الحيثيـة أصلا، والطبيعي الجامع بينها يتّحد في الخارج مع كلّ واحد منها، ولا يكون واحداً بالوحدة العدديّـة كما زعمـه الرجل الهمداني الذي صادفـه الشيخ الرئيس في بلدة همدان، حيث إنّـه تخيّل أنّ الطبيعي الجامع موجود في الخارج بوصف الوحدة(1)، كما أنّ ما ذكر في المقدّمـة الثانيـة من تحصّصـه بحصص متباينـة

1 ـ راجع رسائل ابن سينا: 463، الحكمـة المتعاليـة 1: 273 ـ 274، شرح المنظومـة، قسم الحكمـة: 99.

(الصفحة205)

وكونها آباء متعدّدة ممّا لا يكاد يتصوّر وإن أذعن بـه بعض الأعلام(1)، مضافاً إلى أنّـه خلاف ما صرّح بـه الفلاسفـة العظام، وتعبيرهم بأنّ الطبيعي مع الأفراد كالآباء مع الأولاد إنّما يريدون بـه نفي ما زعمـه الرجل الهمداني من كونـه أباً واحداً خارجاً ولـه أولاد متكثّرة، لا كونـه ذا حصص متباينـة.
إذا عرفت ذلك يظهر لك وجود القدر المتيقّن في مثل المقام، فإنّـه لو دار الأمر بين وجوب إكرام مطلق الإنسان أو خصوص زيد، يكون إكرام طبيعـة الإنسان التي هي عبارة عن الحيوان الناطق مع قطع النظر عن الخصوصيّات المقارنـة معـه في الوجود الخارجي معلوماً تفصيلا، والشكّ إنّما هو في الخصوصيّـة الزائدة. كما أنّـه لو دار الأمر بين عتق مطلق الرقبـة أو خصوص الرقبـة المؤمنـة يكون وجوب عتق مطلق الرقبـة معلوماً تفصيلا، والشكّ إنّما هو في وجوب الخصوصيّـة الزائدة وهي كونها مؤمنـة، ضرورة أنّ الرقبـة الكافرة تشترك مع الرقبـة المؤمنـة في أصل المصداقيـة لمطلق الرقبـة. نعم بينهما افتراق من جهات اُخرى لا ترتبط بالطبيعي.
وحينئذ: فلا فرق بين هذه الموارد وبين الأقلّ والأكثر أصلا. نعم بين تلك الموارد فرق من جهـة وضوح ذلك وخفائـه، فإنّ الدوران بين المطلق والمشروط مع كون الشرط مغايراً في الوجود الخارجي مع المشروط كالوضوء بالنسبـة إلى الصلاة من أوضح تلك الموارد من جهـة احتياجـه في عالم الجعل والثبوت إلى لحاظ آخر، كاحتياجـه في عالم الايصال والإثبات إلى مؤونـة زائدة، بخلاف غيره من سائر الموارد.


1 ـ نهايـة الأفكار 3: 397.

(الصفحة206)

وأمّا من جهـة أصل وجود ما هو المناط في جريان البراءة من ثبوت القدر المتيقّن فلا فرق بينها أصلا.
وأمّا ما أفاده المحقّق النائيني من وجوب الاحتياط فيما إذا كان الأقلّ والأكثر من قبيل الجنس والنوع، لأنّ الترديد بينهما وإن كان يرجع بالتحليل العقلي إلى الأقلّ والأكثر، إلاّ أنّـه خارجاً بنظر العرف يكون من الترديد بين المتباينين; لأنّ الإنسان بما لـه من المعنى المرتكز في الذهن مباين للحيوان عرفاً، فلو علم إجمالا بوجوب إطعام الإنسان أو الحيوان فاللازم هو الاحتياط بإطعام خصوص الإنسان;لأنّ ذلك جمع بين الأمرين، فإنّ إطعام الإنسان يستلزم إطعام الحيوان أيضاً(1).
فيرد عليـه أوّلا: أنّ التنافي بين الحيوان والإنسان بنظر العرف لو سلّم لا يوجب تعميم الحكم لمطلق ما إذا دار الأمر بين الجنس والنوع، فمن الممكن أن لا يكون بعض الأنواع منافياً لجنسـه بنظر العرف أيضاً.
وثانياً: لو سلّم التنافي فمقتضى القاعدة الحاكمـة بوجوب الاحتياط الجمع بين الجنس والنوع بإطعام الحيوان والإنسان معاً في المثال، لا الاقتصار على إطعام الإنسان فقط. وما أفاده من أنّ إطعام الإنسان يستلزم إطعام الحيوان أيضاً رجوع عمّا ذكره أوّلا من المباينـة بينهما بنظر العرف، فإنّ استلزامـه لذلك إنّما هو بملاحظـة التحليل العقلي لا النظر العرفي، كما لايخفى.
ثمّ إنّك عرفت ممّا تقدّم أنّ تمام المناط لجريان البراءة هو وجود القدر المتيقّن في البين، بلا فرق بين أن تكون الخصوصيّـة المشكوكـة من قبيل

1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 208.

(الصفحة207)

الخصوصيّات المنوّعـة أو المفرّدة، أو من الخصوصيّات العرضيّـة، بل قد عرفت أوضحيّـة الجريان في القسم الثاني.
كما أنّـه لا فرق فيـه ـ أي في القسم الثاني ـ بين أن يكون القيد المشكوك فيـه بحيث يمكن اتّصاف كلّ فرد من أفراد الطبيعي بـه كالقيام والقعود والإيمان والعدالـة، وبين ما لم يكن كذلك كالهاشميّـة ونحوها.
كما أنّـه لا فرق أيضاً بين أن يكون النوع المأخوذ متعلّقاً للتكليف بنحو كان الجنس مأخوذاً في ضمنـه أيضاً كالحيوان الناطق أو لم يكن كذلك كالإنسان. والسرّ في الجريان في الجميع اشتراكـه فيما هو المناط.
وأمّا ما أفاده المحقّق العراقي من التفصيل في الخصوصيّات العرضيّـة بين قسميها لجريان البراءة في القسم الأوّل دون الثاني(1)، فإنّما هو مبني على الأصل الذي زعمـه من الاختلاف بين الحصص وكون الحصّـة الواجدة لخصوصيّـة الهاشميّـة مغايرة للحصّـة الفاقدة لها، فدوران الأمر بين خصوص تلك الحصّـة والجامع بينها وبين الفاقد من قبيل الدوران بين التعيـين والتخيـير، ولكن عرفت أنّ ذلك بمكان من البطلان.
فتحصّل من جميع ما ذكرناه في المطلبين أنّ الحقّ جريان البراءة في جميع موارد الدوران بين الأقلّ والأكثر.


1 ـ نهايـة الأفكار 3: 399.

(الصفحة208)

المطلب الثالث

في دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الأسباب والمحصّلات

وفي جريان البراءة فيها مطلقاً، وعدم جريانها كذلك، والتفصيل بين ما لو كانت الأسباب عاديّـة أو عقليّـة، وبين ما لو كانت شرعيّـة، أو بين ما لو قيل بكون العلم الإجمالي مقتضياً فتجري، أو علّـة تامّـة فلا تجري، أو بين أن يكون العنوان البسيط الذي هو المأمور بـه ذا مراتب متفاوتـة متدرّج الحصول والتحقّق، وبين ما إذا كان دفعي الحصول والتحقّق عند تحقّق الجزء الأخير من علّتـه، بالجريان في الصورة الاُولى وعدمـه في الصورة الثانيـة، وجوه بل أقوال خمسـة.
وليعلم أوّلا: أنّ مركز البحث ومورد النزاع بينهم هو ما إذا كان المسبّب الذي هو مورد تعلّق الأمر معلوماً بجميع خصوصيّاتـه بحيث لم يكن فيـه ترديد أصلا، بل كان الترديد في السبب المحقّق لـه من حيث مدخليّـة جزء أو شرط في سببيّتـه وترتّب المسبّب عليـه. وأمّا لو كان المسبّب أيضاً مشكوكاً بحيث دار أمره بين السعـة والضيق فهو خارج عن البحث في هذا المقام وداخل في المباحث المتقدّمـة.
وحينئذ فيظهر أنّ الوجـه الأخير الذي اختاره المحقّق العراقي ـ على ما في تقريرات بعض تلامذتـه(1) الراجع إلى التفصيل بين ما لو كان المسبّب عنواناً بسيطاً ذا مراتب متفاوتـة ومتدرّج الحصول وبين ما إذا كان دفعي الحصول، خارج

1 ـ نهايـة الأفكار 3: 401.

(الصفحة209)

عن مورد البحث. فإنّـه لو كان العنوان البسيط ذا مراتب متفاوتـة، فتارة يكون الشكّ في مدخليّـة خصوصيّـة في تحقّق ذلك الأمر البسيط، كما لو فرض الشكّ في اعتبار النيّـة في غسل البدن الذي يؤثّر في حصول الطهارة المأمور بها، واُخرى يكون الشكّ في نفس ذلك الأمر البسيط وأنّـه بأيّـة مرتبـة تعلّق بـه الأمر، فعلى الأوّل لا فرق بينـه وبين ما إذا كان دفعي الحصول أصلا. وعلى الثاني وإن كان بين الصورتين فرق من حيث جريان البراءة وعدمـه، إلاّ أنّ الصورة الاُولى بناءً على هذا لا تكون داخلـة في محلّ البحث، كما عرفت.
إذا ظهر لك ذلك فاعلم: أنّ الأقوى وجوب الاحتياط مطلقاً; لأنّـه بعد تنجّز التكليف وعدم كون المكلّف معذوراً في مخالفتـه من جهـة العلم بـه وبمتعلّقـه يحكم العقل حكماً بتّياً بلزوم العلم بالفراغ عن عهدتـه بالإتيان بكلّ ما يحتمل دخلـه في سببيّـة السبب وترتّب المسبّب عليـه جزءً أو شرطاً، وليس الاقتصار على الأقلّ ـ الذي لا يوجب الإتيان بـه إلاّ مجرّد احتمال تحقّق الامتثال والإتيان بالمأمور بـه ـ إلاّ كالاقتصار على احتمال الإتيان بالمأمور بـه فيما لو احتمل أنّـه لم يأت بشيء من أجزائـه وشرائطـه أصلا.
ومن المعلوم أنّ مقتضى حكم العقل فيـه لزوم إحراز الامتثال، ألا ترى أنّـه لا يكفي لمن احتمل أنّـه لم يصلّ أصلا مجرّد احتمال أنّـه صلّى. نعم بعد خروج الوقت دلّ الدليل النقلي على عدم الاعتناء بهذا الاحتمال في خصوص الصلاة.
ودعوى: أنّـه بعد الإتيان بما علم مدخليّتـه في السبب لا يعلم ببقاء الأمر حينئذ حتّى يجب عليـه الإتيان بالقيد المشكوك، ضرورة أنّـه يحتمل أن يكون المأتي بـه تمام السبب.
مدفوعـة بأنّ هذا الاحتمال متحقّق في جميع موارد قاعدة الاشتغال، كما

(الصفحة210)

هو واضح. والمناط في جريانها هو العلم بتعلّق الأمر وكون المتعلّق معلوماً أيضاً وشكّ في فراغ ذمّتـه عنـه.
وبالجملـة: بعدما علّق الأمر مخلبـه وقامت الحجّـة من المولى على ثبوتـه وعلى تعيـين المكلّف بـه، لا يكون مفرّ من لزوم العلم بتحقّقـه وحصول الامتثال، وهو يقتضي وجوب الاحتياط; بلا فرق بين أن تكون الأسباب عاديّـة أو عقليّـة أو شرعيّـة، وكذا بين أن نقول باقتضاء العلم الإجمالي لوجوب الموافقـة القطعيـة أو بكونـه علّـة تامّـة، ولا بين أن نقول بإمكان جعل السببيّـة وكذا الجزئيـة والشرطيـة، أو لا نقول بذلك.
ولا فرق أيضاً فيما ذكرنا بين أن نقول بأنّ عدم المأمور بـه المنهي عنـه حسب اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن النقيض متكثّر حسب تكثّر أجزاء محقّقـة، لأنّـه ينعدم بانعدام كلّ واحد منها، أو نقول بأنّـه ليس للمأمور بـه إلاّ عدم واحد، إذ كما أنّـه لا يكون لـه إلاّ وجود واحد كذلك لا يكون لـه إلاّ عدم واحد، وقد مرّت الإشارة إلى ذلك في بعض المقدّمات التي مهّدناها لجريان البراءة في الأقلّ والأكثر في الأجزاء، فراجع(1).
أمّا على القول الثاني: فواضح، لأنّ المنهي عنـه إنّما هو عدم واحد، ولايعلم بتركـه وحصول الامتثال إلاّ بالإتيان بكلّ ما يحتمل دخلـه في المحقّق ـ بالكسر ـ شطراً أو شرطاً، إذ مع الاقتصار على المقدار المعلوم لا يعلم بتحقّق المأمور بـه حتّى يعلم بامتثال النهي بترك المنهي عنـه.
وأمّا على القول الأوّل: فقد يقال بأنّـه لا مانع حينئذ من جريان البراءة،

1 ـ تقدّم في الصفحـة 176.

(الصفحة211)

لأنّ الأمر ينتهي في ظرف حرمـة الترك إلى الأقلّ والأكثر، حيث إنّ ترك المأمور بـه الناشئ من قبل ترك الأقلّ ممّا يعلم تفصيلا حرمتـه واستحقاق العقوبـة عليـه، للعلم بافضائـه إلى ترك المأمور بـه، وأمّا الترك الناشئ من قبل الجزء أو الشرط المشكوك فلا يعلم حرمتـه، لعدم العلم بأدائـه إلى ترك المأمور بـه، فيشكّ في تعلّق النهي عنـه فتجري فيـه أدلّـة البراءة العقليّـة والنقليّـة.
ولكنّـه لا يخفى: أنّـه بناءً على ذلك أيضاً لا مجال لجريان البراءة، لأنّ هذه النواهي المتعلّقـة بأعدام المأمور بـه حيث إنّها لا تكون إلاّ ناشئـة من الأمر المتعلّق بـه، ضرورة أنّها لا تكون نواهي مستقلّـة، لأنّ مباديها إنّما هي المبادئ الموجبـة للأمر فلا محالـة تكون في السعـة والضيق تابعـة للأمر، فلا مجال لإجراء البراءة فيها مع عدم جريانها فيـه، مضافاً إلى أنّـه لو فرض كونها نواهي مستقلّـة فجريان البراءة فيها لا يوجب جواز الاقتصار على الأقلّ بعد كون الأمر حجّـة تامّـة والاشتغال بـه يقيني، ومقتضى حكم العقل لزوم إحراز الامتثال والعلم بإتيان المأمور بـه، وهو لا يحصل إلاّ بضمّ القيد المشكوك إلى السبب.
وممّا ذكرنا ينقدح الخلل فيما أفاده المحقّق العراقي من تسليم جريان البراءة لو كان إضافـة أجزاء المحقّق ـ بالكسر ـ إلى المحقّق ـ بالفتح ـ من قبيل الجهات التقيـيديّـة الموجبـة لتكثّر أعدام المأمور بـه بالإضافـة إليها، حيث إنّـه بتعدّد أجزاء المحقّق حينئذ يتعدّد الإضافات والتقيّدات، وبذلك يتكثّر الأعدام أيضاً، فينتهي الأمر من جهـة حرمـة الترك إلى الأقلّ والأكثر(1)، هذا.
ولكنّك عرفت: عدم الفرق بين المسلكين هنا وعدم ترتّب أثر عليهما في هذا المقام، فتدبّر.


1 ـ نهايـة الأفكار 3: 403.

(الصفحة212)

ثمّ إنّك عرفت أنّـه لا فرق في عدم جريان البراءة في الأسباب والمحقّقات بين كونها عقليّـة، كما إذا أمر بقتل زيد مثلا وتردّد محقّقـه بين أن يكون ضربـة أو ضربتين، أو عاديّـة، كما إذا أمر بتنظيف المسجد وتردّد محصّلـه بين أن يكون مجرّد الكنس أو مع إضافـة رشّ الماء، وبين كونها شرعيّـة كما إذا فرض أنّ المأمور بـه حقيقـة في باب الغسل ـ مثلا ـ هي الطهارة الحاصلـة منـه، وتردّد أمر الغسل بين أن يكون الترتيب بين الأجزاء أو بين الجانبين ـ مثلا ـ معتبراً فيـه أم لا.
ولتوضيح عدم الجريان في الأسباب والمحصّلات الشرعيّـة نقول: إنّ جعل الأسباب والمحصّلات الشرعيّـة وكذا الاُمور الاعتباريـة العقلائيـة كالبيع ونحوه لا يكون معناه كون الأسباب مؤثّرة في حصول المسبّبات تكويناً، بحيث لم يكن قبل تحقّق الأسباب شيء منها، وبعد تحقّقها صارت موجودة في عالم التكوين، وهذا واضح جدّاً.
وكذلك ليس معناه كون الأسباب بعد حصولها مؤثّرة في تحقّق الاعتبار إمّا من الشرع أو من العقلاء، بحيث كان إيجاد «بعتُ» مثلا والتكلّم بهذه اللفظـة بقصد إنشاء البيع علّـة مؤثّرة في تحقّق اعتبار العقلاء، ضرورة أنّ لاعتبارهم مبادئ مخصوصـة وأسباب معيّنـة، ولا يعقل أن يكون قول «بعت» مؤثّراً في نفوس العقلاء بحيث كانوا مجبورين بمجرّد صدوره من المنشئ في اعتبار البيع، كما هو أوضح من أن يخفى.
بل التحقيق: أنّ العقلاء في الأزمنـة المتقدّمـة بعدما رأوا توقّف معاشهم على مثل البيع وأحرزوا الاحتياج إليـه اعتبروا ذلك على سبيل الكلّيـة، فإذا تحقّق في الخارج بيع، يتحقّق حينئذ موضوع اعتبار العقلاء بخروج المبيع عن ملك البائع وانتقالـه إلى ملك المشتري، وكذا الثمن، لا أن يكون تحقّق البيع في الخارج

(الصفحة213)

مؤثّراً في أصل اعتبار العقلاء; لما عرفت من أنّ الاعتبار لأسباب ومبادئ خاصّـة، بل تحقّقـه يوجب تحقّق الموضوع لاعتبارهم، هذا في الاُمور الاعتباريّـة العقلائيّـة.
وأمّا في المجعولات الشرعيّـة فهي على قسمين:
أحدهما: أن يكون المسبّب من الاُمور الاعتباريـة العقلائيـة المتعارفـة عندهم. غايـة الأمر أنّ الشارع يتصرّف في الأسباب فيردع عن بعضها وإن كان عند العقلاء موضوعاً للاعتبار، أو يزيد عليها سبباً آخر في عرض سائر الأسباب.
وبالجملـة: فتصرّفـه حينئذ مقصور على الأسباب إمّا بخلع بعضها عن السببيّـة، وإمّـا بتوسعـة دائـرتها بإضافـة بعض ما لم يكـن عند العقلاء سببـاً. مثلا حقيقـة النكاح والطلاق من الاُمـور المعتبرة عند العقلاء، والشارع أيضاً تبعهم فـي ذلك ولكـن تصرّف في أسباب حصولهما، فردع عـن بعضها ولم يرتّب الأثر عليـه.
ثانيهما: أن يكون المسبّب أيضاً ممّا لم يكن معتبراً عند العقلاء، بل كان من المجعولات الشرعيّـة والمخترعات التي لم تكن لها سابقـة عند العقلاء. وفي هذا القسم لابدّ وأن يكون السبب أيضاً مجعولا كالمسبّب; لأنّ المفروض أنّ المسبّب من المخترعات الشرعيّـة، ولا يعقل أن يكون لمثل ذلك أسباب عقليّـة أو عاديّـة، بل أسبابها لابدّ وأن تكون مجعولـة شرعاً، ولا يغني جعل واحد منهما عن الآخر، أمّا جعل المسبّب فلما عرفت من أنّ المفروض كونـه من المجعولات الشرعيّـة وأسبابها لابدّ وأن تكون شرعيّـة. فمجرّد كون الطهارة المأمور بها أمراً اعتبارياً شرعياً لا يغني عن جعل الوضوء والغسل سبباً لحصولها، كما أنّ جعل السبب بالجعل البسيط لا بالجعل المركّب الذي مرجعـه إلى جعل السبب سبباً لا يغني عن جعل المسبّب.


(الصفحة214)

وبالجملـة: لابدّ في المجعولات الشرعيّـة من أن يتعلّق الجعل بالأسباب والمسبّبات معاً ولا يغني جعل واحد منهما عن الآخر.
إذا عرفت ذلك فاعلم: أنّـه لا مجال لجريان البراءة العقليّـة في الأسباب والمحصّلات الشرعيّـة; لأنّ اعتبارها وإن كان بيد الشارع، إلاّ أنّـه حيث يكون المأمور بـه هو المسبّبات وهي مبيّـنـة لا خفاء فيها فمقتضى اشتغال اليقيني بها لزوم العلم بتحقّقها، وهو يتوقّف على ضمّ القيد المشكوك أيضاً.
وأمّا البراءة الشرعيّـة فقد يقال بجريانها، لأنّ الشكّ في حصول المسبّب وهي الطهارة أو النقل والانتقال ـ مثلا ـ مسبّب عن الشكّ في الأسباب، وأنّـه هل الترتيب بين الأجزاء ـ مثلا ـ معتبر في الوضوء، أو العربيّـة والماضويّـة معتبرة في الصيغـة عند الشارع أم لا؟ وبعد كون الأسباب من المجعولات الشرعيّـة لا مانع من جريان حديث الرفع(1) ونفي القيد الزائد المشكوك بـه، وإذا ارتفع الشكّ عن السبب بسبب حديث الرفع يرتفع الشكّ عن المسبّب أيضاً، ولا يلزم أن يكون الأصل مثبتاً بعد كون المفروض أنّ المسبّب من الآثار الشرعيّـة المترتّبـة على السبب.
ولكن لا يخفى: أنّ مثل حديث الرفع وإن كان يرفع اعتبار الزيادة المشكوكـة لكونها مجهولـة غير مبيّنـة، إلاّ أنّ رفعها لا يستلزم رفع الشكّ عن حصول المسبّب، لأنّـه يتوقّف على أن يكون ماعدا الزيادة تمام السبب وتمام المؤثّر، إذ بدونـه لا يرتفع الشكّ عن المسبّب، وكونـه تمام السبب لا يثبت برفع اعتبار الزيادة المشكوكـة إلاّ على القول بالأصل المثبت، ونحن لا نقول بـه.


1 ـ الخصال: 417 / 9، وسائل الشيعـة 15: 369، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، الباب56، الحديث1.

(الصفحة215)

المطلب الرابع

في دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر الارتباطي

من جهة الاشتباه في الاُمور الخارجية وكون الشبهة موضوعيّة

ولابدّ قبل الخوض في المقصود من بيان المراد من دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر الارتباطي في الشبهـة الموضوعيـة والفرق بينـه وبين الشكّ في الأسباب والمحصّلات، فنقول:
قد عرفت أنّ المراد بالشكّ في المحصّل أنّ الأمر قد تعلّق بشيء مبيّن معلوم، غايـة الأمر أنّ تحقّقـه في الواقع أو في عالم الاعتبار يحتاج إلى مسبّب ومحصّل، وهو قد يكون عقليّاً أو عاديّاً وقد يكون شرعيّاً، فذاك السبب والمحصّل لا يكون مأموراً بـه بوجـه، بل المأمور بـه إنّما هو الأمر المتحصّل منـه. فإنّ الضربـة أو الضربتين اللتين تؤثّران في قتل من اُمر بقتلـه لا تكونان مأموراً بهما أصلا، وهذا واضح لا يخفى.
وأمّا الشبهـة الموضوعيـة في دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر الارتباطي فالشكّ فيها إنّما هو في نفس تحقّق المأمور بـه وكون المأتي بـه مصداقاً لـه، لا في سبب تحقّقـه وعلّـة تحصّلـه كما في الشكّ في المحصّل، فلو أمر المولى بإكرام العلماء على سبيل العامّ المجموعي، ودار أمرهم بين مائـة أو أزيد للشكّ في عالميـة زيد ـ مثلا ـ فمرجع الشكّ حقيقةً إلى الشكّ في كون إكرام مجموع العلماء الذي أمر بـه هل يتحقّق في الخارج بالاقتصار على إكرام المائـة، أو لابدّ من ضمّ

(الصفحة216)

إكرام زيد المشكوك كونـه عالماً، وليس إكرام مجموع العلماء أمراً آخر متحصّلا من إكرام المائـة أو مـع إضافـة الفرد المشكوك، بل هـو عينـه، فالشكّ في الشبهـة الموضوعيـة إنّما هو في نفس تحقّق المأمور بـه وانطباق عنوانـه على المأتي بـه في الخارج، غايـة الأمر أنّ منشأ الشكّ هو الاشتباه في الاُمور الخارجيـة.
وممّا ذكرنا من الفرق بين الشكّ في المحصّل والشبهـة الموضوعيـة يظهر أنّ المثالين اللذين أوردهما الشيخ المحقّق الأنصاري (قدس سره) مثالا للشبهـة الموضوعيـة لا غبار عليهما أصلا حيث قال: ومنـه ـ يعني من جملـة ما إذا أمر بمفهوم مبيّن مردّد مصداقـه بين الأقلّ والأكثر ـ ما إذا وجب صوم شهر هلالي ـ وهو ما بين الهلالين ـ فشكّ في أنّـه ثلاثون أو ناقص، ومثل ما أمر بالطهور لأجل الصلاة ـ أعني الفعل الرافع للحدث أو المبيح للصلاة ـ فشكّ في جزئيـة شيء للوضوء أو الغسل الرافعين(1)، انتهى.
ضرورة أنّ دوران الأمر بين كون الشهر تامّاً أو ناقصاً لا يكون من قبيل الترديد في سبب المأمور بـه ومحصّلـه، بل إنّما يكون الترديد في نفس تحقّق المأمور بـه ـ وهو صوم شهر هلالي ـ وأنّـه هل يتحقّق بالاقتصار على الأقلّ أم لا ومنشأ الشكّ فيـه إنّما هو الاشتباه في الاُمور الخارجيـة.
وأمّا المثال الثاني فالمراد منـه كما يقتضيـه التدبّر في العبارة ليس أن يكون المأمور بـه هو الطهور الذي هو ضدّ الحدث ويتحقّق بالوضوء أو الغسل

1 ـ فرائد الاُصول 2: 478.

(الصفحة217)

حتّى يقال بأنّـه من قبيل الشكّ في المحصّل، كما في تقريرات العَلمين النائيني(1)والعراقي (قدس سرهما)(2) بل المراد بـه هو كون المأمور بـه نفس الوضوء أو الغسل بما أنّهما رافعان للحدث أو مبيحان للصلاة، والشكّ إنّما هـو في نفس تحقّق المأمور بـه في الخارج لا في سببـه ومحصّلـه، لأنّ الوضوء وكذا الغسل لا يكون لـه سبب ومحصّل.
نظير ذلك ما إذا أمر المولى بالضرب القاتل لزيد، فتردّد الضرب الواقع في الخارج بين أن يكون متّصفاً بهذا الوصف أم لم يكن، فإنّ هذا الترديد لا يكون راجعاً إلاّ إلى نفس تحقّق المأمور بـه في الخارج، لا إلى سببـه، ضرورة أنّـه لا يكون لـه سبب، بل الذي لـه سبب إنّما هو القتل، والمفروض أنّـه لايكون مأمـوراً بـه، بل المأمور بـه هـو الضرب القاتل، وتحقّقـه بنفسـه مردّد فـي الخارج.
فالإنصاف أنّ المناقشـة في هذا المثال ناشئـة من عدم ملاحظـة العبارة بتمامها وقصر النظر على كلمـة الطهور وتخيّل كون المراد بـه هو الأمر المتحقّق بسبب الوضوء أو الغسل مع الغفلـة عن أنّـه (قدس سره) فسّره بالفعل الرافع أو المبيح، وهو الوضوء أو الغسل.
إذا تقرّر ما ذكرنا من عدم رجوع الشبهـة الموضوعيـة إلى الشكّ في المحصّل فنقول بعد توسعـة دائرة البحث في مطلق الشبهات الموضوعيـة أعمّ مـن الاستقلالي والارتباطي: إنّ متعلّق التكليف قد لا يكون لـه ارتباط

1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 200.
2 ـ نهايـة الأفكار 3: 408.

(الصفحة218)

بالموضوعات الخارجيـة كالصلاة ونحوها، وقد يكون لـه ارتباط بها بأن كان لـه أيضاً متعلّق كإكرام العلماء حيث إنّـه أمر يرتبط بهم، وعلى التقديرين قد يكون التكليف أمراً، وقد يكون نهياً وعلى التقادير قد يكون متعلّق التكليف أو متعلّقـه العموم بنحو الاستغراق أو بنحو العامّ المجموعي أو نفس الطبيعـة أو صرف وجودها.
وعلى أيّ تقدير قد تكون الشبهـة حكميّـة أو موضوعيـة، وعلى أيّ حال قد يكون الشكّ في أصل التكليف وقد يكون في الجزء أو في الشرط أو في المانع أو في القاطع. والظاهر إمكان تصوير الشبهـة الموضوعيّـة في الجميع حتّى في الأجزاء، فإنّـه يمكن الشكّ بعد تعلّق الأمر بالصلاة مع السورة في كون السورة الفلانيّـة من القرآن أم لا؟
وكيف كان فقد عرفت حكم الشبهـة الحكميـة.
وأمّا الشبهـة الموضوعيّـة فهل تجري فيها البراءة مطلقاً، أو لا تجري مطلقاً، أو يفصّل بين الموارد؟ وجوه.
ذهب المحقّق العراقي على ما في التقريرات(1) إلى جريان البراءة فيها، سواء كانت الشبهـة من الأقلّ والأكثر الاستقلالي، أو من الأقلّ والأكثر الارتباطي، نظراً إلى أنّـه على كلّ تقدير يرجع الشكّ في الموضوع الخارجي في اتّصافـه بعنوان موضوع الكبرى إلى الشكّ في سعـة الحكم وضيقـه من ناحيـة الخطاب، والمرجع في مثلـه هي البراءة.
وقد يقال بعدم جريانها مطلقاً، نظراً إلى أنّ وظيفـة الشارع ليس إلاّ بيان

1 ـ نهايـة الأفكار 3: 409.

(الصفحة219)

الكبريات فقط لا الصغريات أيضاً، مثلا إذا قال: أكرم العلماء، أو لا تشرب الخمر فقد تمّ بيانـه بالنسبـة إلى وجوب إكرام كلّ عالم واقعي وبالنسبـة إلى حرمـة شرب جميع أفراد الخمر الواقعي. ولا يلزم مع ذلك أن يبيّن للمكلّفين أفراد طبيعـة العالم وأنّ زيداً ـ مثلا ـ عالم أم لا، وكذا لا يلزم عليـه تعيـين الأفراد الواقعيّـة للخمر، كما هو واضح.
وحينئذ: فبيان المولى قد تمّ بالنسبـة إلى جميع الأفراد الواقعيّـة لموضوع الكبرى، ففي موارد الشكّ يلزم الاحتياط بحكم العقل، خروجاً من المخالفـة الاحتماليـة الغير الجائزة بعد تماميـة الحجّـة ووصول البيان بالنسبـة إلى ما كان على المولى بيانـه، هذا.
والتحقيق: التفصيل بين الاستقلالي والارتباطي، فتجري البراءة في مثل أكرم العلماء، إذا أخذ العامّ على سبيل العام الاُصولي أي الاستغراقي، ولا تجري إذا أخذ بنحو العامّ المجموعي.
والسرّ فيـه: أنّ المأمور بـه في مثل أكرم كلّ عالم إنّما هو إكرام كلّ واحد من أفراد طبيعـة العالم بحيث كان إكرام كلّ واحد منها مأموراً بـه مستقلاّ، فهو بمنزلـة أكرم زيداً العالم وأكرم عمراً العالم وأكرم بكراً العالم وهكذا. غايـة الأمر أنّ الأمر توصّل إلى إفادة ذلك بأخذ مثل كلمـة «كلّ» في خطابـه، وإلاّ فعنوان الكلّ لا يكون مطلوباً ومترتّباً عليـه الغرض، بل هو عنوان مشير إلى أفراد ما يليـه من العالم وغيره، وقد حقّقنا ذلك في مبحث العموم والخصوص من مباحث الألفاظ(1).


1 ـ تقدّم في الجزء الأوّل: 263.

(الصفحة220)

وحينئذ: فلو شكّ في فرد أنّـه عالم أم لا، يكون مرجع هذا الشكّ إلى الشكّ في أنّـه هل يجب إكرامـه أم لا؟ ووظيفـة المولى وإن لم تكن إلاّ بيان الكبريات، إلاّ أنّها بمجرّدها لا تكون حجّـة ما لم ينضمّ إليـه العلم بالصغرى وجداناً أو بطريق معتبر شرعي أو عقلي، فقولـه: أكرم كلّ عالم، وإن كان مفيداً لوجوب إكرام كلّ عالم واقعي، إلاّ أنّـه لا يكون حجّـة بالنسبـة إلى الفرد المشكوك، والمفروض أيضاً أنّ المأمور بـه لا يكون لـه عنوان شكّ في تحقّقـه مع الإخلال بإكرام الفرد المشكوك، لما عرفت من أنّ عنوان الكلّ عنوان مشير إلى أفراد ما يليـه من غير أن يجب علينا تحصيلـه.
وهذا بخلاف العامّ المجموعي، فإنّ المأمور بـه فيـه إنّما هو المجموع بما هو مجموع، لكون الغرض مترتّباً عليـه، ومع عدم إكرام الفرد المشكوك، يشكّ في تحقّق عنوان المأمور بـه; لعدم العلم حينئذ بإكرام المجموع. والمفروض أنّ هذا العنوان مورد تعلّق الغرض والأمر، وبعد العلم بأصل الاشتغال لا يكون مفرّ من إحراز حصول المأمور بـه، وهو لا يتحقّق إلاّ بضمّ الفرد المشكوك، والإخلال بـه إنّما هو كالاقتصار على مجرّد احتمال إكرام بعض من كان عالماً قطعاً، فكما أنّ هذا الاحتمال لا يجدي في نظر العقل بعد إحراز كونـه عالماً، كذلك مجرّد احتمال عدم كونـه عالماً لا ينفع في عدم لزوم إكرامـه.
وممّا ذكرنا يظهر: أنّ الأقوى في المثالين المتقدّمين(1) اللذين أوردهما الشيخ (قدس سره) هو لزوم الاحتياط; لأنّـه إذا كان الواجب على المكلّف هو عنوان صوم بين الهلالين فاللازم عليـه تحصيلـه وعدم الاقتصار على الأقلّ باحتمال كـون

1 ـ تقدّم في الصفحـة 216.
<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>