جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
معتمد الأصول المجلد الثاني « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>


(الصفحة261)

النسبة بين حديثي «لاتعاد» و«من زاد»

إذا عرفت ذلك فاعلم: أنّ النسبـة بين حديث «لاتعاد» ـ بناءً على ما ذكرنا في بيان مدلولـه ـ وبين قولـه (عليه السلام) في روايـة أبيبصير المتقدّمـة: «من زاد في صلاتـه فعليـه الإعادة»(1) هي العموم من وجـه، لو قلنا بأنّ المستثنى والمستثنى منـه في الحديث جملتان مستقلّتان لابدّ من ملاحظـة كلّ واحد منهما مع غيره، لأنّـه يصير المستثنى منـه بعد ورود الاستثناء عليـه مختصّاً بغير الاُمور الخمسـة المذكورة في المستثنى، فمقتضاه حينئذ عدم الإعادة من ناحيـة غير تلك الاُمور، بلا فرق بين الزيادة والنقصان. وقولـه: «من زاد في صلاتـه» وإن كان منحصراً بخصوص الزيادة، إلاّ أنّـه يشمل زيادة الركن وغيره عمداً أو سهواً، ويجتمعان في زيادة غير الركن سهواً أو جهلا مركّباً ويفترقان في نقيصـة غير الركن وفي زيادة غير الركن عمداً أو زيادة الركن سهواً، هذا.
ولو قلنا بأنّ المستثنى والمستثنى منـه مرجعهما إلى جملـة واحدة وقضيّـة مـردّدة المحمول أو ذات محمولين فيصير النسبـة بيـن الحـديث وبين قولـه: «مـن زاد» العموم من وجـه أيضاً، لأنّ «من زاد» يشمل العمد والسهو معاً ويختصّ بالزيادة، والحديث يختصّ بصورة السهو ونحوه، ويشمل الزيادة والنقيصـة معاً، فيجتمعان في الزيادة السهويّـة ويفترقان في الزيادة العمديّـة وفي النقيصـة السهويّـة.
هذا بناءً على شمول «من زاد» لصورة العمد أيضاً.


1 ـ تقدّمت في الصفحـة 253.

(الصفحة262)

وأمّا لو قلنا بعدم شمولـه لها، إمّا للإنصراف، وإمّا لعدم تعقّل الزيادة التي يعتبر فيها أن يؤتى بالزائد بعنوان كونـه من المكتوبـة مع العلم والالتفات بعدم كونـه منها، كما لايخفى تصير النسبـة بينهما العموم مطلقاً، لأنّ «من زاد» يختص بالزيادة السهويّـة، والحديث يشمل النقيصـة السهويّـة أيضاً، ومقتضى القاعدة حينئذ تخصيص «لاتعاد» بصورة النقيصـة والالتزام بأنّ الزيادة توجب الإعادة.
وكيف كان فبناءً على أحد الوجهين الأوّلين اللذين تكون النسبـة بينهما هو العموم من وجـه فهل اللازم إعمال قواعد التعارض، أو أنّ أحدهما أرجح في شمول مورد التعارض.
فنقول: ذكر الشيخ المحقّق الأنصاري (قدس سره) : أنّ الظاهر حكومـة قولـه: «لاتعاد» على أخبار الزيادة، لأنّها كأدلّـة سائر ما يخلّ فعلـه أو تركـه بالصلاة، كالحدث والتكلّم وترك الفاتحـة. وقولـه: «لاتعاد» يفيد أنّ الإخلال بما دلّ الدليل على عدم جواز الإخلال بـه إذا وقع سهواً لا يوجب الإعادة وإن كان من حقّـه أن يوجبها(1)، انتهى.
وتبعـه علـى ذلك جمـع مـن المحقّقين المتأخّرين عنـه(2)، ولكـن قال شيـخ اُستاذنـا المحقّق المعاصر فـي كتاب صلاتـه: إنّ حكومـة الدليل الـدالّ على نفي الإعادة على الدليل الدالّ على وجوب الإعادة لا يتصوّر لها وجـه. نعم

1 ـ فرائد الاُصول 2: 495.
2 ـ أوثق الوسائل: 384 / السطر35، نهايـة الدرايـة 4: 374 ـ 375، فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 238 ـ 239، نهايـة الأفكار 3: 442.

(الصفحة263)

لو كـان الدليل الـدالّ على مبطليّـة الـزيادة دالاّ علـى النهي عنها كالتكلّم مثلا صحّت الحكومـة(1)، انتهى.
وما أفاده في غايـة المتانـة.
وتوضيحـه: أنّ قوام الحكومـة إنّما هو بأن يكون الدليل بلسانـه متعرّضاً لحال الدليل الآخر بحيث تصرّف في الدليل المحكوم بنحو من التصرّف إمّا في موضوعـه، وإمّا في محمولـه، وإمّا في سلسلـة عللـه، وإمّا في معلولاتـه. وأمّا لو كان الدليلان بحيث أثبت أحدهما ما ينفيـه الآخر ووضع أحدهما ما رفعـه الآخر فلا يكون بينهما حكومـة أصلا. وفي المقام يكون الأمر كذلك، فإنّ قولـه: «من زاد» مثبت لوجوب الإعادة، وقولـه: «لاتعاد» رافع لـه.
نعم النسبـة بين حديث «لاتعاد» وبين أدلّـة سائر الأجزاء والشرائط هو الحكومـة، لأنّها تدلّ على الجزئيّـة والشرطيّـة اللتين لازمهما وجوب الإعادة مع الإخلال بهما، وحديث «لاتعاد» يرفع هذا التلازم من دون أن ينفي أصل الجزئيّـة والشرطيـة، فقياس أخبار الزيادة بأدلّـة سائر ما يخلّ فعلـه أو تركـه بالصلاة كما عرفت في كلام الشيخ قياس مع الفارق.
نعم يمكن أن يقال: بأنّ حديث «لاتعاد» أقوى ظهوراً من قولـه: «من زاد»، إمّا لاشتمالـه على الاستثناء الذي يوجب قوّة الظهور بالنسبـة إلى المستثنى منـه، وإمّا لاشتمالـه على التعليل المذكور في ذيلـه بأنّ «القراءة سنّـة، والتشهّد سنّـة، ولا تنقض السنّـة الفريضـة» فإنّ التعليل يكون آبياً عن التقيـيد، ويمنع عن تقيـيد الحكم المعلّل بـه، بل يمكن أن يقال: بأنّ قولـه: «ولا تنقض

1 ـ الصلاة، المحقّق الحائري: 320.

(الصفحة264)

السنّـة الفريضـة» لـه حكومـة على دليل الزيادة من جهـة أنّـه يتصرّف في علّـة وجوب الإعادة ويحكم بعدم انتقاض الفريضـة بسبب السنّـة، ودليل الزيادة متعرّض للحكم وهو وجوب الإعادة.
فانقدح أنّ مقتضى القواعد تقديم حديث «لاتعاد» في مورد الاجتماع، ولكن يبقى في البين إشكال، وهو: أنّـه يلزم من تقديم حديث «لاتعاد» اختصاص مورد دليل الزيادة بالزيادة العمديّـة، ومن المعلوم ندرتها بل قد عرفت(1) أنّـه يمكن أن يقال بعدم تعقّلها، وحينئذ فيصير الدليل لغواً، فاللازم إدخال مورد الاجتماع تحتـه والحكم بأنّ الزيادة مطلقاً توجب الإعادة، خصوصاً مع أنّ شمول حديث «لاتعاد» لصورة الزيادة لا يخلو عن خفاء، ولذا أنكره بعض من المحقّقين(2)، هذا.
ويمكن أن يقال باختصاص دليل الزيادة بزيادة الركعـة بالتقريب الذي أفاده المحقّق المعاصر وقد مرّ سابقاً(3). وحينئذ فلا معارضـة بينـه وبين الحديث، كما هو واضح، هذا.
ويمكن أيضاً منع ندرة الزيادة العمديّـة كما نراه بالوجدان من المتشرّعين الغير المبالين بالأحكام الشرعيّـة المتسامحين بالنسبـة إليها.
هذا كلّـه فيما يتعلّق بملاحظـة الحديث مع روايـة أبيبصير.

1 ـ تقدّم في الصفحـة 260.
2 ـ درر الفوائد، المحقّق الحائري: 495.
3 ـ تقدّم في الصفحـة 254.

(الصفحة265)

النسبة بين «لاتعاد» وقوله (عليه السلام): «إذا استيقن...»
وأمّا النسبـة بينـه وبين قول أبيجعفر (عليه السلام): «إذا استيقن أنّـه زاد في صلاتـه المكتوبـة...»(1) إلى آخره.
فاعلم أوّلا: أنّ هذه الروايـة رواها في الكافي في موضعين: أحدهما باب السهو في الركوع، وقد أنهى فيـه السند إلى زرارة فقط، ويكون المتن مشتملا على كلمـة «ركعـة»(2)، والآخر باب من سهى في الأربع والخمس ولم يدر زاد أو نقص أو استيقن أنّـه زاد، مع انتهاء السند فيـه إلى زرارة وبكير ابني أعين مع حذف كلمـة «ركعـة»(3).
وكيف كان: فالروايتان ظاهرتان في كونهما روايـة واحدة، وحينئذ فلا يعلم بأنّ الصادر من الإمام (عليه السلام) هل هو المشتمل على كلمـة الركعـة أو الخالي عنها، فلا يجوز الاستناد إليها بالنسبـة إلى زيادة غير الركعـة، خصوصاً مع ترجيح احتمال النقيصـة على احتمال الزيادة لو دار الأمر بينهما.
وكيف كان: فلو كانت الروايـة مشتملـة على كلمة «الركعـة» فلا معارضـة بينها وبين عقد المستثنى منـه في حديث «لاتعاد»(4)، وأمّا لو فرض خلوّها عنها

1 ـ وسائل الشيعـة 8: 231، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب19، الحديث1.
2 ـ الكافي 3: 348 / 3.
3 ـ الكافي 3: 354 / 2.
4 ـ تهذيب الأحكام 2: 152 / 597، وسائل الشيعـة 7: 234، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب1، الحديث4.

(الصفحة266)

فالنسبـة بينها وبينـه نسبـة العموم من وجـه، ومورد الاجتماع هو زيادة غير الأركان سهواً، فالروايـة تدلّ على عدم الاعتداد بتلك الصلاة التي وقعت فيها هـذه الزيـادة، والحـديث يدلّ على عـدم الإعادة بسببها، ومـورد الافتراق مـن جانب الروايـة هو زيادة الأركان سهواً، لأنّها لا تشمل صـورة العمد باعتبار قولـه: «إذا استيقن» الظاهـر في أنّ الزيـادة وقعت لعذر، ومـن جانب الحديث هـو النقيصـة السهويّـة، ولابدّ من تقديم الحديث في مورد الاجتماع والحكم بعدم وجوب الإعادة فيـه، لأنّـه لو قدّمت الروايـة وحكم في مورد الاجتماع بوجـوب الإعـادة لكان الـلازم بملاحظـة الإجمـاع على أنّ زيادة الشيء إذا كانت موجبـة للإعادة فنقيصتها أيضاً كـذلك، الحكم بوجوب الإعـادة في النقيصـة أيضاً.
وحينئذ يبقى الحديث بلا مورد، وهذا بخلاف ما لو قدّم الحديث في مورد الاجتماع وحكم بعدم وجوب الإعادة فيـه، فإنّـه يبقى زيادة الركن سهواً تحت الروايـة ولا تصير بلا مورد، كما هو واضح.

تنبيه: في تحقّق معنى الزيادة

لا يخفى أنّ المحقّق النائيني (قدس سره) أفاد في مقام بيان النسبـة بين حديث «لاتعاد» وبين قولـه (عليه السلام): «إذا استيقن» كلاماً فساده بيّن لكلّ من لاحظـه، فراجع. وأعجب منـه ما قرّره الفاضل المقرّر في ذيل التكملـة.
ومحصّل ما أفاده فيـه: أنّـه لا إشكال في عدم تحقّق معنى الزيادة بفعل ما لا يكون من سنخ أجزاء المركّب قولا وفعلا كحركـة اليد في الصلاة إذا لم يؤت بها

(الصفحة267)

بقصد الجزئيّـة. وأمّا لو قصد بها الجزئيّـة فالأقوى البطلان، لصدق الزيادة على ذلك. هذا إذا لم تكن الزيادة من سنخ الأجزاء، وإن كانت من سنخها فإن كانت من سنخ الأقوال فيعتبر في صدق الزيادة عليها قصد الجزئيـة بها، وإلاّ كان ذلك من الذكر والقرآن الغير المبطل، وإن كان من سنخ الأفعال فالظاهر أنّـه لا يعتبر في صدق الزيادة عليها قصد الجزئيّـة، فإنّ السجود الثالث يكون زيادة في العدد المعتبر من السجود في الصلاة في كلّ ركعـة ولو لم يقصد بالسجود الثالث الجزئيّـة.
نعم لايبعد عدم صدق الزيادة مع قصد الخلاف، كما إذا قصد بـه سجدة العزيمـة أو الشكر.
هذا، ولكن يظهر من التعليل الوارد في بعض الأخبار الناهيـة عن قراءة العزيمـة في الصلاة من أنّ السجود زيادة في المكتوبـة(1) أنّـه لا يعتبر في صدق الزيادة عدم قصد الخلاف، بل الإتيان بمطلق ما كان من سنخ أفعال الصلاة يكون زيادة في المكتوبـة، فيكون المنهي عنـه في باب الزيادة معنى أعمّ من الزيادة العرفيّـة.
ولكن يمكن أن يقال: إنّ المقدار الذي يستفاد من التعليل هو صدق الزيادة على الفعل الذي لا يكون لـه حافظ وحدة ولم يكن بنفسـه من العناوين المستقلّـة، وأمّا إذا كان من العناوين المستقلّـة ـ كما إذا أتى المكلّف بصلاة اُخرى في أثناء صلاة الظهر ـ فالظاهر أنّـه لا يندرج في التعليل، لأنّ السجود والركوع المأتي بهما لصلاة اُخرى لا دخل لهما بصلاة الظهر، ويؤيّد ذلك بل يدلّ عليـه ما

1 ـ راجع وسائل الشيعة 6: 107، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب41.

(الصفحة268)

ورد في بعض الأخبار من أنّـه لو ضاق وقت صلاة الآيات وخاف المكلّف أنّـه لو أخّرها إلى أن يفرغ من الصلاة اليوميّـة يفوت وقتها، صلّى الآيات في أثناء صلاة اليوميـة، وبعد الفراغ يبني عليها ويتمّها(1)، وليس ذلك إلاّ من جهـة عدم كون ذلك زيادة في الصلاة اليوميـة.
وحينئذ: يمكن التعدّي عن مورد النصّ إلى عكس المسألـة، وهو ما إذا تضيّق وقت صلاة اليوميّـة في أثناء صلاة الآيات. فيمكن أن يقال: أنّـه يأتي باليوميـة في أثناء صلاة الآيات ولا تبطل بذلك، فإنّ بطلان صلاة الآيات إمّا أن يكون لأجل الزيادة، وإمّا لأجل فوات الموالاة. أمّا الزيادة: فالمفروض عدم صدقها على مـا كان لـه عنوان مستقلّ. وأمّـا فـوات الموالاة: فلا ضير فيـه إذا كان ذلك لأجل تحصيل واجب أهمّ. وعلى ذلك يبتني جواز الإتيان بسجدتي السهو مـن صلاة في أثناء صلاة اُخرى إذا سهى المكلّف عنهما في محلّهما وتذكّر بعدما شرع في صلاة اُخرى بناءً على وجوب سجود السهو فوراً(2)، انتهى.
ويرد عليـه أوّلا: أنّ ما ذكره من توقّف صدق عنوان الزيادة على أن لا يكون الزائد بنفسـه من العناوين المستقلّـة مجرّد ادّعاء بلا بيّنـة وبرهان، لأنّـه لا فرق في نظر العرف في صدق هذا العنوان بين الإتيان في أثناء صلاة بسجدة ثالثـة، أو بصلاة اُخرى مستقلّـة ومشتملـة على أربع سجدات لا محالـة لو لم نقل بأوضحيّـة الصدق في الثاني، كما هو واضح.


1 ـ راجـع وسائـل الشيعـة 7: 490، كتاب الصلاة، أبـواب صلاة الكسوف والآيـات، الباب5.
2 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 240 ـ 243.

(الصفحة269)

نعم قد عرفت(1) أنّـه يعتبر في صدق الزيادة أن يكون الإتيان بالزائد بقصد الجزئيّـة، وأنّ التعليل الوارد في بعض الأخبار الناهيـة عن قراءة العزيمـة في الصلاة الدالّ على أنّ السجود زيادة مع أنّـه لم يقصد بـه الجزئيّـة، لابدّ من تأويلـه.
وثانياً: سلّمنا اعتبار كون عدم الزائد من العناوين المستقلّـة، ولكن نقول بأنّ سجدة العزيمـة أيضاً لها عنوان مستقلّ غير مرتبط بالصلاة التي هي فيـه، ولا فرق بينها وبين الإتيان بصلاة اُخرى مستقلّـة أصلا.
نعم لا ننكر أنّها وجبت بسبب قراءة آيـة السجدة التي هي جزء من السورة التي هي جزء للصلاة.
ولكن نقول: إنّ قراءة آيـة السجدة سبب لوجوبها والمسبّب مغاير للسبب ولـه عنوان مستقلّ، كما هو واضح.
وثالثاً: أنّـه لو سلّمنا الفرق بين سجدة العزيمـة وبين صلاة اُخرى مستقلّـة فلا نسلّم الفرق بينها وبين سجدتي السهو، حيث يجوز الإتيان بهما في أثناء صلاة اُخرى دونها مستنداً إلى عدم كونهما من الزيادة بخلاف السجدة.
ورابعاً: أنّ ما أفاده من أنّـه ورد في بعض الأخبار... إلى آخره، فهو اشتباه محض، لأنّ بعض الأخبار إنّما ورد في عكس المسألـة الذي احتمل إمكان التعدّي عن مورد النصّ إليـه، وهو ما إذا تضيّق وقت صلاة اليوميـة في أثناء صلاة الآيات، فإنّـه قد ورد أنّـه يجوز رفع اليد عن صلاة الآيات والإتيان باليوميّـة في

1 ـ تقدّم في الصفحـة 254.

(الصفحة270)

أثنائها، ثمّ البناء على ما مضى من صلاة الآيات. ولكن لا يخفى أنّـه لا يجوز التعدّي عن مورد النصّ بعد احتمال أن يكون لصلاة الآيات خصوصيّـة موجبـة لجواز الإتيان بالفريضـة اليوميّـة في أثنائها.
وكيف كان: فهذه الاشتباهات التي يترتّب عليها اُمور عظيمـة إنّما منشؤها الاعتماد على الحافظـة الموجب لعدم المراجعـة إلى كتب الأخبار ومثلها.
ومن هنا ترى أنّ حديثاً واحداً صار منقولا في الكتب الفقهيّـة بوجوه مختلفـة وعبارات متشتّتـة، وليس منشؤها إلاّ مجرّد الاعتماد على الحفظ، مع أنّـه منشأ لفهم حكم اللّه، فيختلف الفتاوى بسببـه ويقع جمع كثير في الخطأ والاشتباه، فاللازم على المحصّل الطالب للوصول إلى الحقّ أن لا يعتمد في استنباط الحكم الشرعي على خلفـه، بل يراجع مظانّـه كرّة بعد كرّة حتّى لا يقع في الخطأ والنسيان الذي لا يخلو منـه الإنسان، ونسأل اللّه أن لا يؤاخذنا بما أخطأنا أو نسينا.


(الصفحة271)

الأمر الثاني

في تعذّر الجزء والشرط

لو علم بجزئيّـة شيء أو شرطيّتـه أو مانعيّـتـه أو قاطعيّـتـه في الجملـة، وشكّ في أنّ اعتباره في المأمور بـه وجوداً أو عدماً هل يختصّ بصورة التمكّن من فعلـه أو تركـه، أو أنّـه يعتبر فيـه مطلقاً، ويترتّب على ذلك وجوب الإتيان بالباقي على الأوّل وسقوط الأمر بالمركّب على الثاني في صورة الاضطرار، فهل القاعدة تقتضي أيّاً منهما؟

تحرير محلّ النزاع

وليعلم: أنّ محلّ الكلام ما إذا لم يكن لدليل اعتبار ذلك الشيء جزءً أو شرطاً إطلاق، وإلاّ فلا إشكال في أنّ مقتضاه سقوط الأمر بالمركّب مع الاضطرار إلى ترك ذلك الشيء، وكذا ما إذا لم يكن لدليل المركّب إطلاق، وإلاّ فلا إشكال في أنّـه يقتضي الإتيان بـه ولو مع الاضطرار إلى ترك بعض أجزائـه أو شرائطـه بناءً على ما هو التحقيق من كون الماهيات المأمور بها موضوعـة للأعمّ من الصحيح، كما تقدّم في مبحث الصحيح والأعمّ(1).
وأمّا لو كان لكلا الدليلين إطلاق، فتارةً يكون لأحدهما تحكيم على الآخر، واُخرى يكونان متعارضين، فعلى الأوّل إن كان التقدّم لإطلاق دليل المركّب

1 ـ راجع مناهج الوصول 1: 140 ـ 174.

(الصفحة272)

فحكمـه حكم ما إذا كان لـه إطلاق، دون دليل الجزء والشرط، وإن كان التقدّم لإطلاق دليل الجزء والشرط فحكمـه حكم ما إذا كان لـه إطلاق دون دليل المركّب.
ولا يخفى: أنّـه لا يكون التقدّم من أحد الجانبين كلّياً، لما عرفت وستعرف من أنّ الحكومـة متقوّمـة بلسان الدليل، ولسان دليل المركّب قد يكون متعرّضاً لحال دليل الجزء أو الشرط كما إذا كان دليل المركّب مثل قولـه: «لا تـترك الصلاة بحال» مثلا، ودليل اعتبار الجزء أو الشرط مثل قولـه: «اركع في الصلاة» أو «اسجد فيها».
وقد يكون دليل اعتبار الجزء متعرّضاً لحال دليل المركّب وحاكماً عليـه كما إذا كان دليل الجزء مثل قولـه: «لا صلاة إلاّ بفاتحـة الكتاب»(1)، أو «لاصلاة إلاّ بطهور»(2)، ودليل المركّب مثل قولـه: «أقيموا الصلاة» فإنّـه حينئذ لا إشكال في تقدّم دليل الجزء في هذه الصورة; لأنّـه إنّما يدلّ بظاهره على عدم تحقّق عنوان الصلاة مع كونها فاقدة لفاتحـة الكتاب، ودليل المركّب إنّما يدلّ على وجوب إقامـة الصلاة، كما أنّـه في الصورة الاُولى يكون الترجيح مع دليل المركّب، لأنّ مقتضاه أنّـه لا يجوز تركـه بحال، ومقتضى دليل الجزء مجرّد الأمر بالركوع والسجود في الصلاة مثلا.


1 ـ عوالي اللآلي 1: 196 / 2، مستدرك الوسائل 4: 158، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب1، الحديث5.
2 ـ تهذيب الأحكام 1: 49 / 144، وسائل الشيعـة 1: 365، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب1، الحديث1.

(الصفحة273)

وبالجملـة: لابدّ من ملاحظـة الدليلين، فقد يكون التقدّم لإطلاق دليل المركّب وقد يكون لإطلاق دليل الجزء.
وأمّا ما أفاده المحقّق النائيني على ما في التقريرات من أنّ إطلاق دليل القيد حاكم على إطلاق دليل المقيّد كحكومـة إطلاق القرينـة على ذيها(1).
فيرد عليـه أوّلا: أنّ ترجيح القرينـة على ذيها ليس لحكومتها عليـه، وإلاّ فيمكن ادّعاء العكس وأنّ ذا القرينـة حاكم عليها، بل ترجيحها عليـه إنّما هو من باب ترجيح الأظهر على الظاهر.
وثانياً: ما عرفت(2) من منع حكومـة إطلاق دليل القيد على إطلاق دليل المقيّد مطلقاً، بل قد عرفت أنّـه قد يكون الأمر بالعكس.
وثالثاً: وضوح الفرق بين المقام وبين باب القرينـة، فإنّ هنا يكون في البين دليلان مستقلاّن، بخلاف باب القرينـة.
وكيف كان: فقد نسب إلى الوحيد البهبهاني (قدس سره) التفصيل فيما لو كان لدليل القيد إطلاق بين ما إذا كانت القيود مستفادة من مثل قولـه: «لا صلاة إلاّ بفاتحـة الكتاب»، و«لا صلاة إلاّ بطهور»، وبين القيود المستفادة من مثل قولـه: «اسجد في الصلاة» أو «اركع فيها»، أو «لا تلبس الحرير فيها» مثلا وأمثال ذلك من الأوامر والنواهي الغيريّـة، فحكم بسقوط الأمر بالمقيّد عند تعذّر القيد في الأوّل دون الثاني(3)، هذا.


1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 250.
2 ـ تقدّم في الجزء الأوّل: 356 ـ 366.
3 ـ اُنظر فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 251.

(الصفحة274)

ولعلّ مرجع هذا الكلام إلى ما ذكرنا من أنّ لسان دليل الجزء أو الشرط قد يكون بنحو الحكومـة على دليل المركّب كما في الصورة الاُولى، وقد يكون الأمر بالعكس كما في الصورة الثانيـة.
ولكن وجّهـه المحقّق النائيني بما ملخّصـه: أنّ الأمر الغيري المتعلّق بالجزء أو الشرط مقصورة بصورة التمكّن لاشتراط كلّ خطاب بالقدرة على متعلّقـه، فلابدّ من سقوط الأمر بالقيد عند تعذّره، ويبقى الأمر بالباقي. وهذا بخلاف ما لو كان القيد مستفاداً من مثل قولـه: «لا صلاة إلاّ بفاتحـة الكتاب»، فإنّـه لم يتعلّق أمر بالفاتحـة حتّى يشترط فيـه القدرة عليها، بل إنّما اُفيد ذلك بلسان الوضع لا التكليف، ولازم ذلك سقوط الأمر بالصلاة عند تعذّر الفاتحـة، لعدم التمكّن من إيجاد الصلاة الصحيحـة عند عدم تمكّنـه من الفاتحـة.
وأجاب عنـه بأنّ القدرة إنّما تعتبر في متعلّقات التكاليف النفسيّـة، لكونها طلباً مولويّاً وبعثاً فعليّاً نحو المتعلّق، والعقل يستقلّ بقبح تكليف العاجز، وهذا بخلاف الخطابات الغيريّـة، فإنّـه يمكن أن يقال: إنّ مفادها ليس إلاّ الإرشاد وبيان دخل متعلّقاتها في متعلّقات الخطابات النفسيـة، وفي الحقيقـة الخطابات الغيريّـة في باب التكاليف وفي باب الوضع تكون بمنزلـة الإخبار من دون أن يكون فيها بعث وتحريك حتّى تقتضي القدرة على متعلّقـه.
ثمّ إنّـه لو سلّم الفرق بين الخطابات الغيريّـة في باب متعلّقات التكاليف وفي باب الوضعيّات وأنّها في التكاليف تـتضمّن البعث والتحريك، فلا إشكال في أنّـه ليس في آحاد الخطابات الغيريّـة ملاك البعث المولوي، وإلاّ لخرجت عن كونها غيريّـة، بل ملاك البعث المولوي قائم بالمجموع، فالقدرة إنّما تعتبر أيضاً في المجموع لا في الآحاد، وتعذّر البعض يوجب سلب القدرة عن المجموع، ولازم

(الصفحة275)

ذلك سقوط الأمر منـه لا من خصوص ذلك البعض(1)، انتهى.
ويرد عليـه أوّلا: أنّ ما أفاده من أنّ الخطابات الغيريّـة في باب التكاليف وفي باب الوضع تكون بمنزلـة الإخبار من دون أن يكون فيها بعث وتحريك فممنوع جدّاً، ضرورة أنّ الأوامر مطلقاً نفسيّـة كانت أو غيريّـة، مولويّـة كانت أو إرشاديّـة إنّما تكون للبعث والتحريك كما مرّت الإشارة إلى ذلك سابقاً.
غايـة الأمر: أنّ الاختلاف بينهما إنّما هو باختلاف الأغراض والدواعي، وأمّا من جهـة البعث والتحريك فلا فرق بينهما أصلا، وحينئذ فيشترط فيـه عقلا القدرة على متعلّقـه، وحيث إنّـه لا قدرة في البين، كما هو المفروض فاللازم سقوطـه وبقاء الأمر بالباقي، بخلاف ما لو كان بمثل قولـه: «لا صلاة إلاّ بفاتحـة الكتاب»، ممّا لا يكون فيـه بعث وتحريك أصلا، فإنّ ظاهره اشتراط الصلاة بالفاتحـة وعدم تحقّقها بدونها، فمع عدم القدرة عليها يسقط الأمر المتعلّق بها، وحينئذ فيتمّ ما أفاده الوحيد (قدس سره) .
وثانياً: منع ما ذكره من اعتبار القدرة في المجموع لقيام ملاك البعث المولوي بـه، لأنّ البعث مطلقاً مولويّاً كان أو غيريّاً مشروط بالقدرة، وكون المتعلّق في البعث الغيري دخيلا في المطلوب الذاتي جزءً أو شرطاً لا نفس المطلوب الذاتي لا يوجب نفي اعتبار القدرة عليـه، لأنّ اعتبارها إنّما هو لأجل نفس البعث والتحريك، كما هو واضح.
فالإنصاف بطلان هذا الجواب، وكذا فساد أصل التوجيـه. والظاهر أنّ مرجع كلام الوحيد (قدس سره) إلى ما ذكرناه فتدبّر.


1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 251 ـ 253.

(الصفحة276)

وكيف كان: فانقدح أنّ مركز البحث إنّما هو فيما لو لم يكن لشيء من دليلي المركّب والجزء والشرط إطلاق أو كان لهما إطلاق مع عدم حكومـة أحد الإطلاقين على الآخر. إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ الكلام يقع في مقامين:
أحدهما: فيما تقتضيـه القواعد الأوّليـة.
وثانيهما: فيما تقتضيـه القواعد الثانويّـة.

مقتضى القواعد الأوليّة في المقام

في جريان البراءة العقليّة

أمّا الكلام في المقام الأوّل، فمحصّلـه: أنّ الظاهر جريان البراءة العقليّـة، لأنّ مرجع الشكّ في اعتبار الشيء في المأمور بـه شطراً أو شرطاً مطلقاً، أو اختصاصـه بصورة التمكّن منـه إلى الشكّ في ثبوت الأمر مع العجز عنـه، وهو مورد لجريان البراءة، كما هو واضح.
وهذا لا فرق فيـه بين ما لو كان العجز من أوّل البلوغ الذي هو أوّل زمان ثبوت التكليف كالأخرس الذي لا يقدر على القراءة، وبين ما لو كان طارئاً في واقعـة واحدة، كمن عرض لـه العجز في أثناء الوقت بعد أن كان متمكّناً في أوّل الوقت، وبين ما لو كان طارئاً في واقعتين، كمن كان قادراً في الأمس وصار عاجزاً في اليوم من أوّل الوقت إلى آخره.
وذلك ـ أي وجـه عدم الفرق ـ أنّ مرجع الشكّ في الجميع إلى الشكّ في أصل ثبوت التكليف، والقاعدة فيـه تقتضي البراءة.
أمّا الصورة الاُولى فرجوع الشكّ فيها إلى الشكّ في أصل التكليف واضح،

(الصفحة277)

وكذا الصورة الثالثـة، لأنّ ثبوت التكليف في الواقعـة الاُولى لا دلالـة على ثبوتـه في الواقعـة الثانيـة أيضاً، فالتكليف فيها مشكوك.
وأمّا الصورة الثانيـة فلأنّ المكلّف وإن كان عالماً في أوّل الوقت بتوجّـه التكليف إليـه، إلاّ أنّـه حيث كان قادراً على المأمور بـه بجميع أجزائـه وشرائطـه يكون المكلّف بـه في حقّـه هو المأمور بـه مع جميع الأجزاء والشرائط، فتعلّق التكليف بالمركّب التامّ كان معلوماً مع القدرة إليـه.
وأمّا مع العجز عن بعض الأجزاء أو الشرائط فلم يكن أصل ثبوت التكليف بمعلوم، فما علم ثبوتـه قد سقط بسبب العجز، وما يحتمل ثبوتـه فعلا كان من أوّل الأمر مشكوكاً، فلا مانع من جريان البراءة فيـه.
ولكن قد يتوهّم أنّ المقام نظير الشكّ في القدرة، والقاعدة فيـه تقتضي الاحتياط بحكم العقل، ولا يخفى أنّ التنظير غير صحيح، لأنّ في مسألـة الشكّ في القدرة يكون أصل ثبوت التكليف معلوماً بلاريب. غايـة الأمر أنّـه يشكّ في سقوطـه لأجل احتمال العجز عن إتيان متعلّقـه.
وأمّا في المقام يكون أصل ثبوت التكليف مجهولا، لما عرفت من أنّ التكليف بالمركّب التامّ قد علم سقوطـه بسبب العجز، وبالمركّب الناقص يكون مشكوكاً من أوّل الأمر، فالتنظير في غير محلّـه.
كما أنّ قياس المقام بالعلم الإجمالي الذي طرء الاضطرار على بعض أطرافـه، حيث يحكم العقل بحرمـة المخالفـة القطعيّـة مع العجز عـن الموافقـة القطعيّـة ـ كما يظهر من الدرر(1)، حيث اختار وجوب الإتيان بالمقدور عقلا

1 ـ درر الفوائد، المحقّق الحائري: 498.

(الصفحة278)

فيما لو كان العجز طارئاً عليـه في واقعـة واحدة، لأنّـه يعلم بتوجّـه التكليف إليـه، فإن لم يأت بالمقدور لـزم المخالفـة القطعيـة ـ ممّا لا يتمّ أيضاً، لعـدم ثبوت العلم الإجمالي في المقام، بل الثابت هـو العلم التفصيلي بالتكليف المتعلّق بالمركّب التامّ الساقط بسبب العجز عنـه والشكّ البدوي في ثبوت التكليف بالباقي المقدور. فالحقّ جريان البراءة العقليّـة في جميع الصور الثلاثة.

في جريان البراءة الشرعيّة

وأمّا البراءة الشرعيّـة التي يدلّ عليها حديث الرفع فالظاهر عدم جريانها فيما لو يكن لشيء من الدليلين إطلاق، لا لما ذكره المحقّق الخراساني(1) من أنّ الحديث في مقام الامتنان ولا منّـة في إيجاب الباقي المقدور بل لأنّ غايـة مدلول الحديث هو رفع الجزئيـة والشرطيـة في حال العجز، وهو لا يدلّ على ثبوت التكليف بالباقي.
وإن شئت قلت: إنّ مدلول الحديث ليس إلاّ الرفع ولا دلالـة لـه على الوضع. ومن المعلوم أنّـه في رفعـه امتنان ليس إلاّ، كما لايخفى.
وأمّا لو كان لكلا الدليلين إطلاق مع عدم تقدّم أحدهما على الآخر فيمكن التمسّك بالحديث لرفع الجزئيـة أو الشرطيـة في حال العجز ويكون مقتضى إطلاق دليل المركّب حينئذ وجوب الإتيان بالباقي المقدور لأنّ حديث الرفع بمنزلـة المخصّص بالنسبـة إلى إطلاق دليل الجزء أو الشرط فلا يكون لـه مع ملاحظـة حديث الرفع تعارض مع إطلاق دليل المركّب، كما لايخفى.


1 ـ كفايـة الاُصول: 420.

(الصفحة279)

مقتضى القواعد الثانوية في المقام

التمسّك بالاستصحاب لإثبات وجوب باقي الأجزاء

وأمّا الكلام في المقام الثاني: فقد يتمسّك لوجوب الباقي المقدور بالاستصحاب وتقريره من وجوه:
الأوّل: استصحاب الوجوب الجامع بين الوجوب النفسي والغيري بأن يقال: إنّ البقيّـة كانت واجبـة بالوجوب الغيري في حال وجوب الكلّ بالوجوب النفسي، وقد علم بارتفاع ذلك الوجوب عند تعذّر بعض الأجزاء أو الشرائط للعلم بارتفاع وجوب الكلّ، ولكن شكّ في حدوث الوجوب النفسي بالنسبـة إلى البقيّـة مقارناً لزوال الوجوب الغيري عنها، فيقال: إنّ الجامع بين الوجوبين كان متيقّناً والآن يشكّ في ارتفاعـه بعد ارتفاع بعض مصاديقـه، فهو من قبيل القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلّي.
ويمكن أن يقرّر هذا الوجه بنحو آخر، وهو أنّ البقيّة كانت واجبة بالوجوب النفسي الضمني، وقد علم بارتفاعه، وشكّ في حدوث الوجوبالنفسيالاستقلالي، فأصل الوجوب الجامع بين الضمني والاستقلالي كان متيقّناً، والآن شكّ في ارتفاعه بعد ارتفاع بعض مصاديقه لأجل احتمال حدوث مصداق آخر، هذا.
ويرد على هـذا الوجـه مضافاً إلى منع كون الأجـزاء واجبـة بالوجـوب الغيري أو النفسي الضمني، بل قد عرفت(1) أنّها واجبـة بعين وجوب الكلّ.


1 ـ تقدّم في الصفحـة 176 ـ 178.

(الصفحة280)

أوّلا: أنّـه يعتبر في جريان الاستصحاب أن يكون المستصحب إمّا حكماً مجعولا شرعاً، وإمّا موضوعاً ذا أثر شرعي، والجامع بين الوجوب النفسي والغيري وكذا بين الضمني والاستقلالي لا يكون شيئاً منهما، أمّا عدم كونـه موضوعاً ذا أثر شرعي فواضح، وأمّا عدم كونـه حكماً مجعولا، فلأنّ الحكم المجعول هو كلّ واحد من الوجوبين.
وبعبارة اُخرى: المجعول هو حقيقـة الوجوب، وهي ما يكون بالحمل الشائع وجوباً، وأمّا الجامع فهو يكون أمراً انتزاعيّاً غير مجعول، والعقل بعد ملاحظـة حكم الشارع بوجوب فعل وكذا حكمـه بوجوب فعل آخر ينتزع عنهما أمراً مشتركاً جامعاً من دون أن يكون ذلك الأمر الانتزاعي مجعولا، بل لا يعقل الجامع بين الوجوبين لو اُفيد الوجوب بمثل هيئـة «افعل» التي يكون الموضوع لـه فيها خاصّاً، كما هو الشأن في جميع الحروف على ما حقّقناه في مبحث الألفاظ(1). وبالجملـة: لا مجال لاستصحاب الجامع أصلا.
وثانياً: أنّـه لو قطع النظر عن ذلك نقول: إنّ ما ذكر إنّما يتمّ لو كان مجموع البقيّـة متعلّقاً للوجـوب الغيري فيقال: إنّـه كان واجباً بـه، وشكّ بعد ارتفاعـه في حـدوث الوجـوب النفسي لها، مـع أنّـه ممنوع جدّاً، ضرورة أنّ الوجـوب الغيري إنّما هو بملاك المقدّميّـة، والموصوف بهذا الوصف إنّما هو كلّ واحد من الأجزاء لا المجموع بعنوانـه فالوجوب الغيري إنّما تعلّق بكلّ واحد من الأجزاء الغير المتعذّرة، والمدّعى إنّما هو إثبات وجوب نفسي واحد متعلّق بمجموع البقيّـة.
1 ـ مناهج الوصول 1: 84.


<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>