جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
معتمد الأصول المجلد الثاني « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>


(الصفحة321)

مصنّف كذلك، فإنّـه لو وقع في مورد من الرسالـة العمليّـة لفقيـه: أنّـه يجب الوفاء بجميع العقود مثلا، وفي مورد آخر منها: أنّـه لا يجب الوفاء بالعقد الربوي، يرون التعارض بينهما، مع أنّهم لا يرونـه بالنسبـة إلى القرآن الدالّ على ذلك بقولـه تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوفُوا بِالعُقُودِ )(1) وقولـه تعالى: (وَحَرَّمَ الـرِّبَا )(2).
والسرّ في ذلك مغايرة محيط التقنين وجعل الأحكام الكلّيـة والقوانين العامّـة لمحيط غيره، كما هو الشأن في القوانين الموضوعـة عند العقلاء، فإنّ بنائهم أوّلا على جعل القانون على سبيل العموم ثمّ تخصيص بعض الموارد بعنوان التبصرة وغيره مثلا.
ومرجع ذلك إلى أنّ أصالـة العموم بالنسبـة إلى العموم القانوني لا تبلغ مـن القوّة حدّ مثلها الجاري في غير العموم القانوني، فإنّـه في غيره يعتمد عليها من دون لزوم فحص عن مخصّص، بل قد عرفت(3) أنّـه على تقدير ثبوت المخصّص لا يرونـه إلاّ معارضاً لـه يعملون معهما معاملـة المتعارضين، وهذا بخـلاف أصالـة العموم الجـاريـة فـي العمومـات القانونيـة، فإنّها ضعيفـة غير جاريـة قبل الفحص عن المخصّص، وبعد الفحص أيضاً مع الظفر به، لكونه مقدّماً عليه عندهم ولايكون معارضاً له.



1 ـ المائدة (5): 1.
2 ـ البقرة (2): 275.
3 ـ تقدّم في الجزء الأوّل: 302.

(الصفحة322)

الكلام في وجه تقدّم الخاصّ على العامّ

فانقدح: أنّ الوجه في تقدّم الخاصّ على العامّ هو اختلاف المحيطين وتغايرهما وأنّ عدم تعارضهما إنّما هو في خصوص محيط التقنين دون غيره.
ثمّ إنّ ما ذكرنا إنّما هو في غير ما إذا كان الخاصّ قطعيّاً من حيث السند والدلالـة معاً، وأمّا لو كان كذلك لا يبقى معـه مجال لجريان أصالـة العموم في العامّ، ضرورة أنّ مورده الشكّ وعدم العلم بالتخصيص ومع العلم بـه لا يبقى لها مورد، كما لايخفى.
ثمّ إنّـه قد ذكر في وجـه تقديم الخاصّ على العامّ وجوه اُخر لابأس بذكرها وما يرد عليها:

كلام الشيخ الأنصاري وما يرد عليه

أحدها: ما أفاده الشيخ (قدس سره) في رسائلـه حيث قال بعد تفسير الورود والحكومـة والفرق بين الحكومـة والتخصيص ما ملخّصـه: إنّ ما ذكرنا من الورود والحكومـة جار في الاُصول اللفظيـة أيضاً، فإنّ أصالـة الحقيقـة أو العموم معتبرة إذا لم يعلم هناك قرينـة على المجاز فإن كان المخصّص دليلا علمياً كان وارداً على الأصل المذكور، وإن كان ظنّياً معتبراً كان حاكماً على الأصل، لأنّ معنى حجّيـة الظنّ جعل احتمال مخالفـة مؤدّاه للواقع بمنزلـة العدم في عدم ترتّب ما كان يترتّب عليـه من الأثر لولا حجّيـة هذه الأمارة، وهو وجوب العمل بالعموم عند وجود المخصّص وعدمـه، فعدم العبرة باحتمال عدم التخصيص إلغاء للعمل بالعموم، فثبت أنّ النصّ وارد على أصالـة الحقيقـة إذا كان قطعيّاً من جميع

(الصفحة323)

الجهات وحاكم عليـه إذا كان ظنّياً في الجملـة كالخاصّ الظنّي السند مثلا، ويحتمل أن يكون الظنّ أيضاً وارداً بناءً على كون العمل بالظاهر عرفاً وشرعاً معلّقاً على عدم التعبّد بالتخصيص، فحالها حال الاُصول العقليّـة، فتأمّل. هذا على تقدير كون أصالـة الظهور من حيث أصالـة عدم القرينـة.
وأمّا إذا كان من جهـة الظنّ النوعي الحاصل بإرادة الحقيقـة الحاصل من الغلبـة أو غيرها فالظاهر أنّ النصّ وارد عليـه مطلقاً وإن كان النصّ ظنّياً، لأنّ الظاهر أنّ دليل حجّيـة هذا الظنّ مقيّد بصورة عدم وجود ظنّ معتبر على خلافـه، فإذا وجد ارتفع موضوع ذلك الدليل، ويشهد لـه أنّا لم نجد ولا نجد من أنفسنا مورداً يقدّم فيـه العامّ من حيث هو على الخاصّ وإن فرض كونـه أضعف الظنون المعتبرة. نعم لو فرض الخاصّ ظاهراً خرج عن النصّ وصار من باب تعارض الظاهرين، فربّما يقدّم العامّ(1)، انتهى.
وفيـه مواقع للنظر:
منها: أنّ الحكم بورود النصّ على أصالـة الحقيقـة إذا كان قطعيّاً من جميع الجهات خلاف ما جرى عليـه الاصطلاح، بل الظاهر أنّ مفاده خارج عن أصالـة الظهور بالتخصّص، لأنّ ورود أحد الدليلين على الآخر إنّما يكون بمعونـة التعبّد بأحدهما، والنصّ القطعي السند لا يحتاج إلى التعبّد، بل الورود إنّما هو في مثل تقدّم الأمارات على أصل البراءة ـ مثلا ـ بناءً على أن يكون المراد بـ«ما لا يعلمون» في حديث الرفع هو مطلق ما لا حجّـة فيـه، لا خصوص ما لا علم بـه، كما اخترناه سابقاً في مبحث البراءة، فإنّـه حينئذ يكون قيام الأمارة المعتبرة شرعاً رافعاً لموضوع الأصل لأجل كونها حجّـة شرعيّـة، كما لايخفى.


1 ـ فرائد الاُصول 2: 751 ـ 752.

(الصفحة324)

ومنها: أنّ ما أفاده على سبيل الاحتمال وأمر في ذيلـه بالتأمّل وهو مشعر ببطلانـه من أن يكون الظنّ وارداً على أصالـة الظهور ـ بناءً على كون العمل بالظاهر معلّقاً على عدم التعبّد بالتخصيص ـ حقّ لا محيص عنـه، فإنّـه لو كان مستند أصالـة الظهور هي أصالـة عدم القرينـة ـ كما هـو المفروض ـ يكون التعبّد بالظنّ واعتباره تعبّداً بوجود القرينـة، ومع وجودها بحكم التعبّد يكون الظنّ وارداً عليها قطعاً، لخروج مؤدّاه عنها بمعونـة التعبّد بوجود القرينـة، كما هو غير خفي.
ومنها: أنّ الحكم بورود النصّ الظنّي على أصالـة الظهور التي مستندها الظنّ النوعي بإرادتـه الحاصل من الغلبـة أو من غيرها، لكون دليل حجّيـة هذا الظنّ مقيّد بصورة عدم وجود ظنّ معتبر على خلافـه، غير تامّ; لأنّ الطرفين حينئذ ثابتان ببناء العقلاء، ضرورة أنّ حجّيـة الظواهـر لا مستند لها إلاّ بناء العقلاء، كما أنّـه المستند الفرد لاعتبار خبر الواحـد ـ بناءً على ما هو التحقيق على ما مرّ في بحث خبر الواحد ـ ولا معنى لورود أحدهما على الآخـر، كما أنّـه لا معنى لحكومـة الثاني على الأوّل بناءً على كون أصالـة الظهور من حيث أصالـة عدم القرينـة على ما صرّح بـه في أوّل كلامـه، لأنّ الحكومـة والورود مـن أحـوال الدليل اللفظي كما اعترف بـه في تفسير الحكومـة حيث قال: ضابطها أن يكون أحد الدليلين بمدلولـه اللفظي متعرّضاً لحال الدليل الآخر... إلى آخره(1).
وأمّا ما استشهد بـه لما أفاده من أنّا لم نجد ولا نجد من أنفسنا مورداً يقدّم فيـه العامّ على الخاصّ... إلى آخره، فغايـة ذلك هو تقدّم الخاص على العامّ.

1 ـ فرائد الاُصول 2: 750.

(الصفحة325)

وأمّا كون الوجـه في ذلك ما أفاده فلا دلالـة على ذلك، بل نحن ندّعي أنّ الوجـه في ذلك ما ذكرناه من اختلاف محيط جعل القانون لغيره.
ومنها: أنّ الحكم بتعارضهما لو كان الخاصّ ظاهراً وبأنّـه ربّما يقدّم العامّ حينئذ خلاف ما عليـه بناء العقلاء، فإنّـه لم يوجد مورد يقدّم فيـه العامّ على الخاصّ وإن كان ظاهراً، فلا محيص حينئذ عمّا ذكرنا، فتأمّل جيّداً.

كلام المحققّ الخراساني ونقده

ثانيها: ما أفاده المحقّق الخراساني (قدس سره) من أنّ الوجـه في تقدّم الخاصّ على العامّ والمقيّد على المطلق هو كون أحدهما قرينـة على التصرّف في الآخر، لكونـه النصّ أو الأظهر والآخر ظاهر دائماً، وبناء العرف على كون النصّ أو الأظهر قرينـة على التصرّف في الظاهر، وبهذا ترتفع المعارضـة من بينهما وإن كانت متنافيـة بحسب مدلولاتها، لعدم تنافيهما في الدلالـة وفي مقام الإثبات بحيث تبقى أبناء المحاورة متحيّرة، ولا فرق في ذلك بين أن يكون السند فيهما قطعيّاً أو ظنّياً أو مختلفاً، فيقدّم النصّ أو الأظهر وإن كان بحسب السند ظنّياً على الظاهر وإن كان بحسبـه قطعيّاً(1)، انتهى.
ويرد عليه: أنّـه لو فرض كون العامّ والخاصّ من قبيل: أكرم كلّ عالم وأهن كلّ عالم فاسق، فلا ترجيح لظهور أحدهما على الآخر، ضرورة أنّ دلالـة كلّ منهما على الوجوب إنّما هو لأجل صيغـة الأمـر الظاهرة في الوجـوب، كما أنّ دلالـة كلّ منهما على العموم إنّما هـو لأجـل الإتيان بكلمـة «كلّ» الظاهـرة في

1 ـ كفايـة الاُصول: 498.

(الصفحة326)

العموم حسب ما مرّ في مبحثـه(1) ومدخولها في كلّ منهما هو المشتقّ الموضوع بالوضع العامّ والموضوع له كذلك. ومن المعلوم أنّه لايكون لمجموع الجملة وضع آخر ماعدا وضع مفرداتها، وعلى تقديره لافرق بين الجملتين، كما هو واضح.
ودعوى: أنّ الأظهريّـة إنّما هي باعتبار أنّ دلالـة كلّ عالم على أفراده الفاسقين أضعف من دلالـة كلّ فاسق منهم على تلك الأفراد، لأنّ الدلالـة الاُولى إنّما هي الدلالـة بالعرض، والثانيـة إنّما هي بالذّات، ومن المعلوم أظهريّتها بالنسبـة إلى الاُولى، كما لايخفى.
مدفوعـة: بمنع دلالـة العامّ على الأفراد بخصوصيّاتها، بل امتناعها، ضرورة أنّ شمولـه لمثل زيد وعمرو وبكر وغيرهم من أفراد العلماء إنّما هو لأجل كونهم عالمين، لا لأجل تشخّصهم بتلك الخصوصيات، كما أنّ دلالـة كلّ فاسق منهم على الأفراد أيضاً كذلك.
نعم تبقى دعوى الاختلاف في الانطباق، لأنّ انطباق العامّ على أفراد الخاصّ ليس بمثابـة انطباق الخاصّ على أفراده.
ولكنّـه يرد عليها: أنّ الانطباق أمر لا ربط لـه بمقام الدلالـة والإثبات والظهور وأخواه من حالات الدلالـة، كما هو واضح. فانقدح أنّ التحليل يقضي بعدم استلزام الخاصّ لكونـه نصّاً أو أظهر، بل ربّما يتساوى الظهوران، بل قد يكون ظهوره أضعف من ظهور العامّ، ومن المعلوم الذي لا يشوبـه ريب أنّ تقديم الخاصّ على العامّ عند العرف والعقلاء لا يكون دائراً مدار قوّة ظهوره، بل لابدّ من الالتزام بما ذكرنا، فتدبّر جيّداً.


1 ـ تقدّم في الجزء الأوّل: 263 ـ 264.

(الصفحة327)

كلام المحقّق الحائري وما يرد عليه

ثالثها: ما أفاده شيخنا المحقّق الحائري (قدس سره) في كتاب الدرر وإن رجع عنـه في مجلس الدرس على ما حكاه سيّدنا الاُستاذ دام بقاءه، ومحصّلـه: أنّ وجـه تقديم الخاصّ الظنّي مـن حيث السند على العامّ أنّ دليل اعتبار السند يجعل ظهور العموم في الخاصّ بمنزلـة معلوم الخـلاف، فإنّ الأخـذ بسند الخاصّ الـذي لا احتمال فيـه بعد الأخـذ بـه سوى معناه الـذي هـو في مقابـل العامّ مرجعـه إلى جعل هذا المضمون بمنزلـة المعلوم، فتحصل غايـة حجّيـة الظواهر بنفس دليل اعتبار السند، بخلاف دليل حجّيـة الظاهر، فإنّـه ليس معناه ابتداءً جعل الغايـة لحجّيـة الخبر الواحـد، بل مقتضاه ابتداءً هـو العمل بالظاهـر وكونـه مـراداً مـن العامّ.
نعم لازمـه عدم صدور الخبر الدالّ على خلافـه من الإمام (عليه السلام)، لأنّ المفروض كونه نصّاً من جميع الجهات، فدليل حجّيـة السند موضوعـه محقّق في رتبة تعلّقها به بخلاف دليل حجّية الظاهر، فإنّـه يرد معـه ما يرفع موضوع الحجّية.
وبعبارة اُخرى دليل حجّيـة السند يرفع موضوع حجّيـة الظاهر بنفس وجوده بخلاف العكس.
نعم دليل حجّيـة الظواهر يرفع موضوع حجّيـة السند في الرتبـة المتأخّرة عن مجيء الحكم، ففي المرتبـة الاُولى لا مانع من مجيء دليل اعتبار السند لتحقّق موضوعـه في هذه الرتبـة، وبـه يرتفع موضوع ذلك الدليل(1)، انتهى.


1 ـ درر الفوائد، المحقّق الحائري 2: 639 ـ 640.

(الصفحة328)

ويرد عليـه :
أوّلا : منع تقدّم سند الخاصّ على دلالتـه، فضلا عن ظهور غيره، ضرورة أنّ المراد بالتقدّم لابدّ وأن يكون هو التقدّم الطبعي، ضرورة أنّ التقدّم المتصوّر هنا ماعدا التقدّم الطبعي هو التقدّم الذكري الراجع إلى التقدّم الزماني. ومن المعلوم أنّـه لا يوجب الترجيح، وإلاّ لكان اللازم تقديم العامّ إذا كان صدوره سابقاً على الخاصّ من حيث الزمان، مع أنّـه لا فرق عند العرف والعقلاء في تقديم الخاصّ على العامّ بين الموارد أصلا. فالمراد بالتقدّم لا محالـة هو التقدّم الطبعي، ودعواه في المقام أيضاً ممنوعـة، ضرورة أنّ الملاك في التقدّم الطبعي هو كون المتقدّم علّـة للمتأخّر أو جزء من أجزاء علّتـه، أو كان كتقدّم أجزاء الماهيّـة عليها.
ومن الواضح انتفاء ملاكـه في المقام، لعدم كون السند علّـة للمتن، فضلا عن دلالتـه ولا جزء علّـة منـه، فدعوى التقدّم الطبعي في مثل ما نحن فيـه تحكمّ صرف وباطلـة محضـة.
وثانياً : أنّـه لو سلّم ذلك وأنّ السند متقدّم على المتن بالتقدّم الطبعي الراجـع إلـى منشائيـة المتقدّم للمتأخّـر وكونـه ناشئـاً منـه بحيث يصدق أنّـه وجـد فوجد، لكن لا نسلّم أنّ من آثاره أن يكون مجيء دليل اعتباره أوّلا قبل مجيء دليل اعتبار الظاهر كما حقّقنا ذلك في باب الشكّ السببي والمسبّبي من مبحث الاستصحاب وذكرنا هناك أنّ العلّـة في جريان الاستصحاب في الشكّ السببي ليس كونـه متقدّماً في الرتبـة على الشكّ المسبّبي لكونـه ناشئاً منـه، بـل العلّـة أمر آخر ذكرناه في ذلك الباب مفصّلا(1) والفرض الآن الإشارة إلى عدم

1 ـ الاستصحاب، الإمام الخميني (قدس سره): 243 ـ 250.

(الصفحة329)

اقتضاء التقدّم الرتبي لتقدّم مجـيء دليل اعتباره.
وثا لثاً : أنّـه لو سلّم جميع ذلك وأنّ التقدّم الرتبي يقتضي التقدّم بحسب مجيء دليل الاعتبار، لكـن نقول: غايـة ذلك هو تقدّم دليل اعتبار السند على دليل اعتبار ظاهر متن ذلك السند، لا تقدّمـه على دليل اعتبار ظاهر أمر آخر، وهـو العامّ في المقام، لأنّ ملاك التقدّم مفقود بالنسبـة إليـه. وما اشتهر من أنّ مامع المتقدّم في الرتبـة يكون متقدّماً في الرتبـة، ومامع المتأخّر فيها يكون متأخّراً فيها، فهو من الأغاليط المشهورة، لما مرّ غير مرّة من أنّ التقدّم الرتبي يتقوّم بملاكـه وهو كون المتقدّم علّـة أو جزء علّـة، ومجرّد تحقّق المعيّـة مع المتقدّم لا يوجب اشتمال المصاحب على ملاك التقدّم أيضاً، وكذا بالنسبـة إلى المتأخّر.
فانقدح من جميع ما ذكرنا: الخلل فيما أفاده، ولعلّـه لما ذكرنا رجع عنـه في مجلس الدرس على ما حكي.

كلام المحقّق النائيني ونقده

رابعها: ما أفاده المحقّق النائيني ـ على ما في التقريرات ـ من أنّ أصالـة الظهور في طرف الخاصّ تكون حاكمـة على أصالـة الظهور فـي طـرف العامّ، لأنّ الخاصّ يكون بمنزلـة القرينـة على التصرّف فـي العامّ، كما يتّضح ذلك بفرض وقوعهما معاً في مجلس واحد من متكلّم واحد، ولا يكاد يشكّ في حكومـة أصالـة الظهور في القرينة على أصالة الظهور في ذي القرينة ولو كان ظهور القرينة أضعف من ظهور ذيها، كما يظهر ذلك من قياس ظهور «يرمي» في قولك: «رأيت أسداً يرمي» في رمي النبل على ظهور «أسد» في الحيوان

(الصفحة330)

المفترس، فإنّه لا إشكال في كون ظهور «أسد» في الحيوان المفترس أقوى من ظهور «يرمي» في رمي النبل، لأنّـه بالوضع، وذلك بالإطلاق، والظهور الوضعي أقوى من الظهور الإطلاقي، ومع ذلك لم يتأمّل أحد في تقديمـه عليه، وليس ذلك إلاّ لأجل كونـه قرينـة عليـه وأنّ أصالـة الظهور في القرينـة حاكمـة على أصالـة الظهور في ذيها(1)، انتهى.
وما أفاده ينحلّ إلى دعويـين:
إحداهما: دعوى كون الخاصّ قرينـة على العامّ ككون «يـرمي» قرينـة على أنّ المراد من الأسد ليس هو الحيوان المفترس، بل الرجل الشجاع.
ثانيتهما: دعوى كون أصالـة الظهور في القرينـة حاكمـة على أصالـة الظهور في ذي القرينـة ولو كان ظهورها أضعف من ظهور ذيها.
ويرد على الدعوى الثانيـة: أنّـه إن كان تقديم أصالـة الظهور في القرينـة على أصالـة الظهور في ذيها لأجل الحكومـة بعد تشخيص القرينـة وتميّزها عن ذيها كتشخيص أنّ القرينـة في المثال المذكور هو «يرمي» لا «الأسد»، حيث إنّـه يحتمل أن تكون القرينـة هو «الأسد» لا «يرمي»، لأنّـه كما يحتمل أن يكون «يرمي» قرينـة على التصـرّف في «الأسد»، وأنّ المـراد منـه هو الرجل الشجاع، كذلك يحتمل أن يكون «الأسد» قرينـة على التصرّف في «يرمي» وأنّ المراد منـه هـو الرمي بالمخلب لا بالنبل، بل هذا الاحتمال أقوى بملاحظـة ما اعترف بـه من أنّ ظهور «يرمي» في الرمي بالنبل إطلاقي، وظهور «أسد» في معناه ظهور وضعي.


1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 720 ـ 721.

(الصفحة331)

وكيف كان: فإن كان التقديم بعد إحراز القرينـة، فمن المعلوم أنّـه بعد تشخيصها عن غيرها لا تصل النوبـة إلى تقديم أحد الأصلين على الآخـر، بل يعلم بعدم كون الظهور في طرف ذي القرينـة مراداً أصلا، وإن كان التقديم قبل إحراز القرينـة فمن الواضح أنّـه لا مجال لهذا التقديم إلاّ بالنسبـة إلى ما كان ظهوره أقوى.
ومن ذلك يظهر بطلان الدعوى الاُولى أيضاً وأنّ الخاصّ لا يكون قرينـة على العامّ أصلا، بل تقديمـه عليـه لأجل ما ذكرنا، لا لأجل كونـه قرينـة وكون الأصل فيها حاكماً على الأصل في ذيها.

تحقيق في الاُصول اللفظية

ومرجع ما ذكرنا إلى أنّ أصالـة تطابق الإرادة الجدّيـة والإرادة الاستعماليـة التي لابدّ من الرجـوع إليها لتشخيص مـراد المتكلّم بعد الاطّلاع على ظهور كلامـه إنّما تجـري بالنسبـة إلى العامّ فيما إذا لم يكن صادراً على سبيل القانون، أو فيما إذا كان كذلك لكـن بعد الفحص عـن المخصّص واليأس عـن الظفر بـه، وإلاّ فلا تجري في العموم القانوني، لبناء العرف والعقلاء عليـه، ومرجع هذا الأصل إلى أصالـة عدم الخطأ والاشتباه الجاريـة عند العقلاء في أفعالهم وأقوالهم، وهو الأصل الوحيد والأمر الفريد لتشخيص مراد المتكلّم.
وأمّا أصالـة العموم وأصالـة الظهور وأصالـة الحقيقـة وأصالـة عدم القرينـة وغيرها من الاُصول المتداولـة في ألسنـة الاُصوليـين فمرجع جميعها إلى أصالـة عدم الخطأ والاشتباه، وليست اُصولا متعدّدة جاريـة في مجاري مختلفـة،

(الصفحة332)

ضرورة أنّـه إن كان المراد بأصالـة الظهور هو كون المعنى الفلاني ظاهراً من اللفظ الفلاني، فمن المعلوم ـ مضافاً إلى أنّـه ليس مرادهم منـه ذلك ـ أنّـه لا معنى لجعل أصل لتشخيص الظاهر عن غيره، وإن كان المراد بهما هو كون المعنى الظاهر مراداً للمتكلّم فهو راجع إلى أصالـة الجدّ الراجعـة إلى أصالـة عدم الخطأ والاشتباه، وكذا الحال في غيرها من الاُصول.
ثمّ إنّ جريان هذا الأصل لا يختصّ بالاستعمالات الحقيقيّـة، بل الظاهر جريانها في الاستعمالات المجازيّـة، فإنّـه لو قال: «رأيت أسداً يرمي» يكون استكشاف مراده متوقّفاً على إجراء أصالـة عدم الخطأ وأنّ ذكر يرمي لا يكون من باب الاشتباه، بل لـه دخل في إفادة المراد.
ومن هنا يظهر: أنّ ما وقع في عباراتهم من احتمال استناد أصالـة الظهور إلى أصالـة عدم القرينـة فاسد جدّاً، ضرورة أنّـه في المثال تجري أصالـة الظهور الراجعـة إلى كون الظهور مراداً للمتكلّم.
غايـة الأمر أنّ الظهور المنعقد إنّما هو الظهور الحاصل من مجموع الكلام المشتمل على القرينـة وذيها، مع أنّـه من الواضح أنّـه لا مجال لجريان أصالـة عدم القرينـة، لأنّ المفروض اشتمال الكلام عليها، فافهم واغتنم.


(الصفحة333)

الفصل الثاني

عدم شمول أخبار العلاج للعامّ والخاصّ

قد عرفت(1) أنّ الروايات الواردة في علاج الأخبار المتعارضـة مشتملـة على التعرّض لحكم عنوانين:
أحدهما: عنوان المتعارضين، كما وقع في بعضها.
ثانيهما: عنوان الخبرين المختلفين. كما ورد في أكثرها.
وعرفت أيضاً أنّ اللازم في تشخيص موضوع التعارض والاختلاف الرجوع إلى العرف الذي هو المحكّم في مثل ذلك، وأنّ العرف لا يرى العامّ والخاصّ متعارضين فيما إذا وقعا في محيط التقنين وبيان الأحكام على سبيل العموم أوّلا، ثمّ بيان دائرة المراد الجدّي وأنّها أضيق من المراد الاستعمالي.
فالروايات الواردة في علاج المتعارضين من الخبرين لايشمل العامّوالخاصّ من رأس; لعدم التعارض الراجع إلى التحيّر في مقام استكشاف المراد، هذا.

حول كلام المحقّق الخراساني وا لعلاّمـة الحائري

ويظهـر المخـالفـة فيمـا ذكـرنـا مـن المحقّقين العلميـن الخـراسانـي والحائري (قدس سرهما)في كتابي الكفايـة والدرر.
قال في الأوّل ـ بعد توجيـه قول المشهور بما يرجع إلى ما ذكرنا ـ: ويشكل

1 ـ تقدّم في الصفحـة 319 ـ 320.

(الصفحة334)

بأنّ مساعدة العرف على الجمع والتوفيق وارتكازه في أذهانهم على وجـه وثيق لا يوجب اختصاص السؤالات بغير موارد الجمع، لصحّـة السؤال بملاحظـة التحيّر في الحال، لأجل ما يتراءى من المعارضـة وإن كان يزول عرفاً بحسب المآل، أو للتحيّر في الحكم واقعاً وإن لم يتحيّر فيـه ظاهراً، وهو كاف في صحّتـه قطعاً، مع إمكان أن يكون لاحتمال الردع شرعاً عن هذه الطريقـة المتعارفـة بين أبناء المحـاورة، وجـلّ العناويـن المأخـوذة فـي الأسئلـة لـولا كلّها يعمّها، كما لايخفى(1).
وقال في الثاني ما يقرب من ذلك، حيث ذكر: أنّ المرتكزات العرفيّـة لا يلزم أن تكون مشروحـة ومفصّلـة عند كلّ أحد حتّى يرى السائل في هذه الأخبار عدم احتياجـه إلى السؤال عن حكم العامّ والخاصّ المنفصل وأمثالـه، إذ ربّ نزاع بين العلماء يقع في الأحكام العرفيّـة، مع أنّهم من أهل العرف، سلّمنا التفات كلّ الناس إلى هذا الحكم حتّى لا يحتمل عدم التفات السائلين في تلك الأخبار، فمن الممكن السؤال أيضاً، لاحتمال عدم إمضاء الشارع هذه الطريقـة، وعلى هذا يجب أن يؤخذ بإطلاق الأخبار.
وقد أيّد ما أفاده بروايتين:
إحداهما: ما ورد في روايـة الحميري عن الحجّـة ـ صلوات اللّه وسلامـه عليـه ـ من قولـه (عليه السلام) في جواب مكاتبتـه: «في ذلك حديثان، أمّا أحدهما: فإذا انتقل من حالـة إلى اُخرى فعليـه التكبير، وأمّا الآخر: فإنّـه روي أنّـه إذا رفع رأسـه من السجدة الثانيـة وكبّر ثمّ جلس ثمّ قام فليس عليـه في القيام بعد

1 ـ كفايـة الاُصول: 511.

(الصفحة335)

القعود تكبير، وكذلك التشهّد الأوّل يجري هذا المجرى، وبأيّهما أخذت من باب التسليم كان صواباً»(1)، فإنّـه (عليه السلام) أمر بجواز الأخذ بكلّ من الخبرين، مع أنّ الثاني أخصّ مطلقاً من الأوّل.
ثانيتهما: روايـة علي بن مهزيار قال: قرأت في كتاب لعبد اللّه بن محمّد إلى أبيالحسن (عليه السلام): اختلف أصحابنا في رواياتهم عن أبيعبداللّه (عليه السلام) في ركعتي الفجر في السفر، فروى بعضهم: صلّها في المحمل. وروى بعضهم: لا تصلّها إلاّ على الأرض؟
فوقّع (عليه السلام): «موسّع عليك بأيّـة عملت»(2). فإنّـه (عليه السلام) أمر بجواز الأخذ لكلّ من الخبرين، مع أنّهما من قبيل النصّ والظاهر، لأنّ الاُولى نصّ في الجواز، والثانيـة ظاهرة في عدمـه، لإمكان حملها على أنّ إيقاعها على الأرض أفضل، مع أنّـه (عليه السلام)أمر بالتخيـير(3)، انتهى.
ويرد عليهما: أنّ التحيّر الابتدائي الزائـل بمجرّد التأمّل والتوجّـه الثانوي لا يوجب السؤال عن حكم العامّ والخاصّ، خصوصاً بعد عدم كون السؤال عن خصوص مورد تكون النسبـة فيـه بين الدليلين الواردين فيـه العموم والخصوص، بل كان السؤال عن مطلق الخبرين المتعارضين المنصرف هذا العنوان إلى ما يكون متعارضاً عند عامّـة الناس وعرف أهل السوق.


1 ـ الاحتجاج 2: 596، وسائل الشيعـة 27: 121، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب9، الحديث39.
2 ـ تهذيب الأحكام: 3: 228 / 583، وسائل الشيعـة 27: 122، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب9، الحديث44.
3 ـ درر الفوائد، المحقّق الحائري: 679 ـ 680.

(الصفحة336)

وبالجملـة: لا يكون مورد السؤال هو خصوص مصداق من مصاديق العامّ والخاصّ حتّى يوجّـه بأنّ المرتكزات العرفيّـة لا يلزم أن تكون مشروحـة ومفصّلـة عند كل أحد... إلى آخره، بل مورده هو كلّ مورد يصدق عليـه عنوان المتعارضين أو المختلفين، ولابدّ من حمل ذلك على ما يراه العرف كذلك. ومن المعلوم كما اعترفا بـه أنّ العامّ والخاصّ لا يكون عند العرف كذلك.
وأمّا السؤال بملاحظـة التحيّر في الحكم الواقعي فهو وإن كان أمراً معقولا، إلاّ أنّـه إنّما يمكن فيما إذا كان مورد السؤال هو خصوص مورد يكون تعارض دليليـه من هذا القبيل.
وأمّا السؤال عن الحكم الواقعي في جميع الموارد التي تكون كذلك فلا وجـه لـه، كما أنّـه لا يمكن الجواب عنـه بما في الروايات العلاجيّـة، كما هو واضح، لأنّـه لا يعقل بيان الحكم الواقعي في جميع الموارد بمثل ذلك.
وأمّا السؤال عن ذلك لاحتمال ردع الشارع عن الطريقـة المستمرّة بين العقلاء الثابتـة عندهم، فهو وإن كان سؤالا تامّاً، إلاّ أنّـه يغاير السؤال الواقع في تلك الروايات، فإنّـه ليس في شيء منها الإشعار فضلا عن الدلالـة بأنّ المسؤول عنـه هو الردع أو عدمـه، كما أنّ الروايتين اللتين أيّد بهما المحقّق الحائري ما أفاده لا ارتباط لهما بالمقام.
أمّا الروايـة الاُولى، فمضافاً إلى ضعف سندها، لأنّـه لم يثبت لنا إلى الحال حال مكاتبات الحميري، نقول: لو كان موردها من مصاديق المتعارضين لما كان الجواب بأنّ كلاّ منهما صواب، بصواب; فإنّـه لا يعقل أن يكون كلّ من المتعارضين مطابقاً للواقع ومنطبقاً عليـه عنوان الصواب، فالحكم بجواز الأخذ بكلّ منهما الراجع إلى أنّ المكلّف مختار في الفعل والترك إنّما هو لأجل عدم

(الصفحة337)

وجوب التكبير عند القيام بعد القعود من السجدة الثانيـة، وكذلك التشهّد الأوّل، فمرجعـه إلى ترجيح الخاصّ على العامّ، فليس فيها دلالـة على التخيـير بين العامّ والخاصّ لأجل كونهما من مصاديق المتعارضين.
وأمّا الروايـة الثانيـة فهي أيضاً لا تؤيّد ما رامـه، لأنّ الحكم بالتوسعـة في العمل بأيّـتهما، مرجعـه إلى التخيـير في مقام العمل بين صلاة الركعتين في المحمل وبينها على الأرض، والتخيـير في مقام العمل معناه نفي لزوم صلاتهما على الأرض، وهو يرجع إلى ترجيح النصّ على الظاهر، فلا دلالـة فيها على التخيـير بين العامّ والخاصّ لأجل كونهما من المتعارضين.
هذا مضافاً إلى أنّ الروايتين موهونتان من جهـة أنّ السؤال عن الحكم الواقعي لا يلائمـه الجواب بمثل ما ذكر فيهما، لأنّـه لا يكون مورد السؤال هو مطلق الخبرين المتعارضين حتّى يلائمـه الجواب بالتخيـير، كما لايخفى.
فانقدح من جميع ما ذكرنا عدم كون العامّ والخاصّ مشمولا لأخبار العلاج وفاقاً للمشهور.


(الصفحة338)

الفصل الثالث

في القاعدة المشهورة وهي:

أنّ ا لجمع بين ا لدليلين مهما أمكن أولى من ا لطرح

وظاهرها الإطلاق من حيث وجود المرجّح وعدمـه، فيكون الجمع مع وجـود المرجّح أولى من الترجيح ومع التعادل أولى من التخيـير، وقد ادّعي عليها الإجماع.
قال الشيخ ابن أبيجمهور الإحسائي في محكي عوالي اللآلي: إنّ كلّ حديثين ظاهرهما التعارض يجب عليك أوّلا البحث عن معناهما وكيفيّـة دلالـة ألفاظهما، فإن أمكنك التوفيق بينهما بالحمل على جهات التأويل والدلالات فأحرص عليـه واجتهد في تحصيلـه، فإنّ العمل بالدليلين مهما أمكن خير من ترك أحدهما وتعطيلـه بإجماع العلماء، فإذا لم تـتمكّن من ذلك ولم يظهر لك وجـه فارجع إلى العمل بهذا الحديث(1)، انتهى.
وأشار بهذا إلى مقبولـة عمر بن حنظلـة(2). هذا، ولكن الظاهر أنّ مـراده مـن الجمع بين الدليلين هو الجمع العقلائي في الموارد التي لا تكون الأدلّـة فيها متعارضـة كالعامّ والخاصّ والمطلق والمقيّد، والدليل على ذلك أمران:
أحدهما: دعواه الإجماع على ذلك، مع أنّـه لا إجماع في غير تلك الموارد

1 ـ عوالي اللآلي 4: 136.
2 ـ الكافي: 1: 54 / 10، وسائل الشيعة 27: 106، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب9، الحديث1.

(الصفحة339)

لو لم نقل بثبوت الإجماع على خلافـه، من حيث إنّ علماء الإسلام من زمن الصحابـة إلى يومنا هذا لم يزالوا يستعملون المرجّحات في الأخبار المتعارضـة بظواهرها، ثمّ اختيار أحدهما وطرح الآخر من دون تأويلهما معاً لأجل الجمع.
ثانيهما: الاستدلال على هذه القاعدة بأنّ دلالـة اللفظ على تمام معناه أصليّـة، وعلى جزئـه تبعيّـة، وعلى تقدير الجمع يلزم إهمال دلالـة تبعيّـة، وهو أولى ممّا يلزم على تقدير عدم الجمع وهو إهمال دلالـة أصليـة. فإنّ هذا الدليل يناسب مع ما إذا كان الجمع مستلزماً للتصرّف في جزء مدلول الآخر، وهو يتحقّق بالنسبـة إلى العامّ والخاصّ، فإنّ الجمع بينهما يقتضي إهمال الدلالـة التبعيّـة الثابتـة للعامّ، كما هو واضح.
وكيف كان: فإن كان المراد من القاعدة ما ذكرنا فلابأس بها، لما عرفت(1)في العامّ والخاصّ.
وإن كان المراد منها ما هو ظاهرها من أنّ الجمع بين الدليلين ولو كانا متعارضين عند العقلاء مهما أمكن ولو بالحمل على جهات التأويل أولى من الطرح، فيرد عليها عدم الدليل على إثباتـه من إجماع أو غيره، كدعوى أنّ الأصل في الدليلين الإعمال، فيجب الجمع بينهما مهما أمكن، لاستحالـة الترجيح من غير مرجّح.
وقد فصّل الكلام في هذا المقام الشيخ المحقّق الأنصاري (قدس سره) (2) في الرسائل، بل أتعب نفسـه الشريفـة لإثبات عدم ثبوت مستند للقاعدة وإن كان

1 ـ تقدّم في الصفحـة 319 ـ 321.
2 ـ فرائد الاُصول 2: 754 ـ 755.

(الصفحة340)

لايخلو بعض مواقع كلامـه عن النظر، كدعواه أنّـه لا إشكال ولا خلاف في أنّـه إذا وقع التعارض بين ظاهري مقطوعي الصدور كآيتين أو متواترين وجب تأويلهما والعمل بخلاف ظاهرهما، لأنّ القطع بصدورهما عن المعصوم قرينـة صارفـة لتأويل كلّ من الظاهرين.
فإنّـه يرد عليـه: أنّ القطع بالصدور لا يوجب التصرّف في الظاهر، بمعنى أنّـه لا ينحصر طريق دفع التعارض بذلك، بل يمكن التصرّف في جهـة صدور واحد منهما بدعوى عدم كونـه صادراً لأجل بيان الحكم الواقعي، كما لايخفى. وبالجملـة: فالقاعدة بالمعنى المذكور لم يدلّ عليـه دليل أصلا.
<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>