جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
معتمد الأصول المجلد الثاني « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>


(الصفحة341)

الفصل الرابع

كلام الشيخ في الفرق بين النصّ والظاهر والأظهر والظاهر

ثمّ إنّـه يستفاد من الشيخ (قدس سره) (1) في المقام الرابع المعقود لبيان المرجّحات من كتاب التعادل والترجيح ثبوت الفرق بين النصّ والظاهر والأظهر والظاهر من جهتين:
إحداهما: كون النصّ والظاهر خارجاً عن موضوع الأخبار العلاجيّـة التي موضوعها الخبران المتعارضان أو المختلفان، بمعنى عدم شمولها لـه موضوعاً، وأمّا الأظهر والظاهر فهو خارج عنها حكماً، بمعنى شمول تلك الأخبار لـه، ولكن لا ينظر فيـه إلى المرجّحات السنديّـة، بل يقدّم الأظهر على الظاهر الذي مرجعـه إلى الجمع الدلالي.
ثانيتهما: أنّ تقديم النصّ على الظاهر ثابت مطلقاً ولا يكون مشروطاً بشرط، وهذا بخلاف تقديم الأظهر على الظاهر، فإنّـه مشروط بكونـه مقبولا عند العقلاء مطبوعاً لديهم، هذا.
وفي كليهما نظر:
أمّا الأوّل: فلأنّ المراد بالتعارض الموجب لشمول أخبار العلاج للدليلين إن كان هو التعارض الابتدائي فمن الواضح تحقّقـه في النصّ والظاهر أيضاً، كما في الأظهر والظاهر، فلا وجـه لدعوى خروجـه عنها موضوعاً.


1 ـ فرائد الاُصول 2: 788.

(الصفحة342)

وإن كان هو التعارض المستقرّ الغير الزائل بالتأمّل والتوجّـه فمن المعلوم عدم تحقّقـه في الأظهر والظاهر أيضاً، فلا وجـه لدعوى دخولـه فيها موضوعاً، مع أنّـه على تقدير دخولـه فيها لا وجـه لدعوى الخروج الحكمي، فإنّـه ليس في شيء من الأخبار العلاجيّـة الإشعار بالجمع الدلالي وكونـه متقدّماً على إعمال المرجّحات السنديّـة، كما هو واضح.
وأمّا الثاني: فلأنّ تقديم النصّ على الظاهر أيضاً مشروط بكونـه مـورداً لقبول العقلاء، ألا تـرى أنّهم لا يقدّمـون قولـه: صلِّ فـي الحمام ـ مثلا ـ على قولـه: لا تصلِّ في الحمام كـذلك.
مـع أنّ الأوّل نصّ في الجـواز، والثاني ظاهـر في عدمـه، بل يعاملون معهما معاملـة المتعارضين، كما يظهر بالمراجعـة إليهم.
فانقدح من ذلك: عدم الفرق بين النصّ والظاهر والأظهر والظاهر، وأنّـه لابـدّ فـي الحكم بتقديم النصّ أو الأظهـر مـن مساعـدة العقلاء، ثـمّ الحكـم بالخروج من أخبار العلاج موضوعاً، وليس في البين خروج حكمي، بل الأمر يدور بين الدخول في الموضوع وترتّب الآثار المترتّبـة عليـه وخروجـه عنـه، كما عرفت.


(الصفحة343)

الفصل الخامس

في الموارد التي قيل أو يمكن أن يقال

باندراجها في النصّ والظاهر، أو في الأظهر والظاهر

وهي وإن كانت غير منضبطة، لاختلافها باختلاف المقامات، إلاّ أنّـه يمكن ضبط كلّياتها غالباً، وحيث إنّ كلام المحقّق النائيني (قدس سره) في هذا المقام أحسن وأشمل من حيث التعرّض لأكثر الموارد فنحن أيضاً نقتفي أثره ونتعرّض للموارد التي تعرّض لها مع ما أفاده فيها، ونضمّ إليه ما عندنا من الإيراد عليه لو كان.

في الموارد التي ادّعي اندراجها في النصّ والظاهر

فنقول:قال:

وجود قدر المتيقّن في مقام التخاطب

من جملـة ا لموارد ا لمندرجـة في ا لنصوصيّـة : ما إذا كان لأحد الدليلين قدر متيقّن في مقام التخاطب، فإنّ القدر المتيقّن في مقام التخاطب وإن كان لا ينفع في مقام تقيـيد الإطلاق ما لم يصل إلى حدّ يوجب انصراف المطلق إلى المقيّد ـ كما تقدّم تفصيلـه في مبحث المطلق والمقيّد ـ إلاّ أنّ وجود القدر المتيقّن ينفع في مقام رفع التعارض عن الدليلين، فإنّ الدليل يكون كالنصّ في القدر المتيقّن، فيصلح لأن يكون قرينـة على التصرّف في الدليل الآخر.


(الصفحة344)

مثلا لو كان مفاد أحد الدليلين وجوب إكرام العلماء، وكان مفاد الآخر حرمـة إكرام الفسّاق، وعلم من حال الآمر أنّـه يبغض العالم الفاسق ويكرهـه أشدّ كراهـة من الفاسق الغير العالم، فالعالم الفاسق متيقّن الاندراج في عموم قولـه: «لا تكرم الفسّاق» ويكون بمنزلـة التصريح بحرمـة إكرام العالم الفاسق، فلابدّ من تخصيص قولـه: «أكرم العلماء» بماعدا الفسّاق منهم(1)، انتهى.
ويرد عليـه:
أوّلا: أنّ القدر المتيقّن الذي يوجب أن يكون الـدليل نصّاً بالنسبـة إليـه هـو ما يوجب الانصراف، وليس لـه فردان، فرد موجب للانصراف، وفرد غير موجب لـه ومع وجود الانصراف لا تعارض بين الدليلين أصلا، بل يصيران من قبيل العـامّ والخـاصّ المطلـق الـذي عـرفت(2) أنّـه لا يصـدق عليهمـا عنـوان التعارض أصلا.
وثانياً: أنّـه على تقدير تسليم كون القدر المتيقّن مطلقاً موجباً لصيرورة الدليل نصّاً بالنسبـة إليـه نقول: تخصيص ذلك بخصوص ما إذا كان هنا قـدر متيقّن في مقام التخاطب لا وجـه لـه، فإنّ النصوصيّـة على تقديرها ثابتـة بالنسبـة إلـى مطلـق القـدر المتيقّن، سـواء كان فـي مقام التخـاطب أو في غيـر هـذا المقام.
وثالثاً ـ وهو العمدة في الجواب ـ: أنّ المراد بالقدر المتيقّن إن كان هو المقدار الذي علم حكمـه بحيث لم يكن في الحكم المتعلّق بـه ريب ولا شبهـة،

1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 728.
2 ـ تقدّم في الصفحـة 319 ـ 321.

(الصفحة345)

مثلا علم في المثال أنّ العالم الفاسق محرّم الإكرام، فمع وجود هذا العلم يتحقّق الانصراف بالنسبـة إلى الدليل الآخر الدالّ بظاهره على وجوب إكرام العلماء عموماً، فإنّـه مع العلم بعدم وجوب إكرام العالم الفاسق بل حرمتـه كيف يبقى شكّ في مقدار دلالـة ذلك الدليل وإن كان ظاهره العموم؟
وإن كان المراد بـه أنّ ذلك المقدار متيقّن على تقدير ثبوت الحكم بالنسبـة إلى غيره، مثلا لو كان الجاهل الفاسق محرّم الإكرام لكان العالم الفاسق كذلك قطعاً بحيث كان المعلوم هو الملازمـة بين الأمرين، بل ثبوت الحكم في القدر المتيقّن بطريق أولى، فمن المعلوم أنّ ذلك لا يوجب كون الدليل الظاهر في حرمـة إكرام مطلق الفسّاق نصّاً بالنسبـة إلى العالم الفاسق، بل غايتـه عدم إمكان التفكيك وإدراج مورد الاجتماع في الدليل الآخر، وأمّا تقديمـه على ذلك الدليل فلا، فلِمَ لا يعمل معهما معاملـة المتعارضين؟
وبعبارة اُخرى: اللازم ممّا ذكر عدم جواز تقديم الدليل الآخر على هذا الدليل، لاستلزام التقديم الانفكاك الذي يكون معلوم الخلاف، وأمّا لزوم تقديم هذا الدليل والحكم بحرمـة إكرام جميع الفسّاق لأجل ما ذكر فلا دليل عليـه، بل يمكن معهما معاملـة المتعارضين، لأنّها أيضاً لا يوجب الانفكاك، فتدبّر جيّداً.

لزوم استهجان التخـصيص

ومنها: ما إذا كانت أفراد أحد من العامّين من وجـه بمرتبـة من القلّـة بحيث لو خصّص بماعدا مورد الاجتماع مع العامّ الآخر يلزم التخصيص المستهجن، فيجمع بين الدليلين بتخصيص ما لا يلزم منـه التخصيص المستهجن وإبقاء ما يلزم

(الصفحة346)

منـه ذلك على حالـه، لأنّ العامّ يكون نصّاً في المقدار الذي يلزم من خروجـه عنـه التخصيص المستهجن، ولا عبرة بقلّـة أحد أفراد العامين وكثرتها، بل العبرة باستلزام التخصيص المستهجن(1)، انتهى.
ويرد عليـه ـ مضافاً إلى أنّ النصوصيّـة إنّما هي من حالات الدلالـة، واستلزام التخصيص للاستهجان لا يغيّر حال الدلالـة أصلا، كما لايخفى ـ أنّ استلزام تقديم العامّ الآخر للتخصيص المستهجن إنّما يمنع عن التقديم، ولا يوجب تقديم ما يلزم من تخصيصـه ذلك، فيمكن المعاملـة معهما معاملـة المتعارضين.
وبالجملـة: الدليل لا ينطبق على المدّعى، فإنّ المدّعى هو تقديم ما يلزم من تخصيصـه الاستهجان، والدليل لا يدلّ إلاّ على المنع من تقديم العامّ الآخر الذي لايوجب تخصيصـه ذلك.

ورود أحد الدليلين مورد التحديدات والأوزان والمقادير

ومنها: ما إذا كان أحد الدليلين وارداً مورد التحديدات والأوزان والمقادير والمسافـة ونحو ذلك، فإنّ وروده في هذه الموارد يوجب قوّة الظهور في المدلول بحيث يلحقـه بالنصّ، فيقدّم على غيره عند التعارض(2)، انتهى.
ويرد عليـه: أنّ الورود في تلك الموارد لا يقتضي ذلك، فإنّ التحديدات والمقادير والأوزان الواقعـة في لسان الشارع لا يراد بها إلاّ العرفي منها لا العقلي الدقيق، والمراد من العرفي ليس المتسامحي منـه بحيث كان التشخيص بيد

1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 728.
2 ـ نفس المصدر.

(الصفحة347)

العرف المتسامح، بل المراد بـه هو العرفي الدقيق، ولا محالـة يكون متسامحيّاً عند العقل، وقد ذكرنا هذا المطلب مراراً.

لزوم إخراج المورد

ومنها: ما إذا كان أحد العامّين من وجـه وارداً في مورد الاجتماع مـع العامّ الآخـر، كما إذا ورد قولـه: «كـلّ مسكر حـرام» جواباً عـن سؤال حكم الخمر، وورد أيضاً ابتداءً قولـه: «لابأس بالماء المتّخذ من التمر» فإنّ النسبـة بين الدليلين وإن كانت هي العموم من وجـه، إلاّ أنّـه لا يمكن تخصيص قولـه: «كلّ مسكر حرام» بماعدا الخمـر، فإنّـه لا يجـوز إخـراج المورد، لأنّ الـدليل يكون نصّاً فيـه، فلابدّ من تخصيص قولـه: «لابأس بالماء المتّخذ من التمر» بماعدا الخمر(1)، انتهى.
وهذا إنّما يتمّ فيما لو كانت النسبـة بين المورد والدليل الآخر العموم والخصوص مطلقاً كما في المثال، حيث إنّ النسبـة بين الخمر وبين قولـه: «لابأس بالماء المتّخذ من التمر» هو العموم المطلق، بناءً على إطلاق لفظ الخمر على المسكر من الماء المتّخذ من التمر، كما هو المفروض، ضرورة أنّـه بدونـه لا تعارض بين الدليلين.
وأمّا لو كانت النسبـة بين المورد والدليل الآخر هو العموم من وجـه فلاوجـه لهذا التقديم، كما هو غير خفي. هذا كلّـه في الموارد المندرجـة في النصّ والظاهر.


1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 729.

(الصفحة348)

الموارد التي ادّعي اندراجها في الأظهر والظاهر

وأمّا الموارد التي ادّعي اندراجها في الأظهر والظاهر:

تعارض العموم والإطلاق

فمنها: ما إذا تعارض العامّ الاُصولي والمطلق الشمولي على اصطلاحهم، ودار الأمر بين تقيـيد المطلق وتخصيص العامّ كقولـه: «أكرم العلماء» و«لا تكرم الفاسق». فالشيخ (قدس سره) ذهب في الرسائل إلى ترجيح التقيـيد على التخصيص(1)، وتبعـه علـى ذلـك المحقّـق النائيني (قدس سره) (2) ولكنّـه خـالف فـي ذلـك المحقّـق الخراساني(3) وتبعـه المحقّق الحائري(4).
ومحصّل ما أفاده المحقّقان الأوّلان يرجع إلى أنّ شمول العامّ لمورد الاجتماع أظهر من شمول المطلق لـه، لأنّ شمول العامّ لمادّة الاجتماع يكون بالوضع، وشمول المطلـق يكون بمقدّمات الحكمـة، ومـن جملتها عدم ورود مـا يصلح أن يكون بياناً للقيد، والعامّ الاُصولي يصلح لأن يكون بياناً لذلك، فلا تـتمّ مقدّمات الحكمـة في المطلق الشمولي، فلابدّ من تقديم العامّ عليـه.
أقول: لابدّ أوّلا من بيان أنّ محلّ النزاع ممحّض في ما إذا كان التعارض بين

1 ـ فرائد الاُصول 2: 792.
2 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 729 ـ 730.
3 ـ كفايـة الاُصول: 513.
4 ـ درر الفوائد، المحقّق الحائري: 680.

(الصفحة349)

العامّ والمطلق مع اجتماع شرائطهما في أنفسهما، بحيث كانت أصالـة العموم في العامّ جاريـة مع قطع النظر عن المطلق، وكذا أصالـة الإطلاق في المطلق مع قطع النظر عن العامّ بأن كان المتكلّم ممّن لا يكون بناؤه على إيراد الحكم على سبيل العموم ثمّ بيان المخصّصات، بأن لا يكون في مقام التقنين وجعل الأحكام الكلّيـة كأكثر المتكلّمين، أو كان المخاطب قد فحص عن المخصّص أو المقيّد فلميظفر به.
فدعوى أنّ الإطلاق معلّق على عدم البيان بخلاف العموم، مدفوعـة بأنّ العموم أيضاً معلّق على عدم المخصّص، فلا فرق بينهما من هذه الجهـة أصلا، فمورد البحث متمحّض في مجرّد التعارض بين العامّ والمطلق من دون فرق بينهما من جهـة الفحص وعدمـه.
ونقول بعد ذلك: إنّ نسبـة المخصّص مع العامّ وإن كانت تغاير نسبـة المقيّد مع المطلق، إلاّ أنّ ذلك لا يوجب ترجيحاً لأحدهما على الآخر.
توضيح ذلك: أنّ التعاند الواقع بين العامّ والخاصّ تعاند دلالي، فإنّ العامّ يدلّ على جميع الأفراد بالدلالـة الإجماليّـة، فإنّ قولـه: «أكرم كلّ عالم»، يدلّ على وجوب إكرام كلّ واحد من أفراد هذه الطبيعـة بما أنّـه فرد لها، ضرورة أنّ عالماً موضوع لنفس الطبيعـة المطلقـة، والكلّ يدلّ على تكثيرها المتحقّق بالإشارة إلى أفرادها لا بجميع خصوصياتها، بل بما أنّها مـن أفـرادها، كما حقّقناه مراراً، فهذا القول دالّ بالدلالـة اللفظيـة على وجوب إكرام الجميع، والخاصّ يعانده من حيث الدلالة بالنسبة إلى المقدار الذي خصّص العامّ بـه، فهما متنافيان من حيث الدلالة اللفظية. غاية الأمر تقدّم الخاصّ على العامّ، إمّا لما ذكرنا سابقاً(1) أو لغيره.


1 ـ تقدّم في الصفحـة 319 ـ 321.

(الصفحة350)

وأمّا المطلق فدلالتـه على الإطلاق ليست دلالـة لفظيّـة، ضرورة أنّ اللفظ الدالّ عليـه لا يكاد يتخطّى عن المعنى الذي وضع لـه، سواء بقي على إطلاقـه أو قيّد، بل الإطلاق إنّما ينشأ من عدم الإشارة إلى القيد مع كون المطلق بصدد البيان، والتقيـيد إنّما ينافيـه من حيث إنّـه يذكر القيد ويأتي بـه.
فاحتجاج العبد على المولى في باب المطلقات إنّما يرجع إلى أنّـه لم يقيّد موضوع حكمـه مع كونـه فاعلا مختاراً، وفي باب العمومات يرجع إلى أنّـه لم يقل بخلاف العامّ، إلاّ أنّ هذا الاختلاف لا يوجب الفرق بينهما في مقام تعارض العامّ والمطلق بحيث يكون العامّ أقوى من حيث الدلالـة، كما لايخفى.
نعم قد ذكرنا(1) غير مرّة أنّ اللفظ المطلق لا يدلّ إلاّ على مجرّد نفس الطبيعـة، وانطباقها في الخارج على كلّ واحد من أفرادها لا يوجب دلالـة اللفظ الموضوع لنفس الطبيعـة على الأفراد والكثرات أيضاً، فإنّ للدلالـة مقاماً وللانطباق مقاماً آخر ولا ربط بينهما، فماهيّـة الإنسان وطبيعتها وإن كانت تنطبق على زيد وعمرو وغيرهما من مصاديق هذه الحقيقـة، إلاّ أنّ لفظ الإنسان الموضوع لتلك الماهيّـة لا دلالـة لـه على هذه الكثرات أصلا، ولعمري أنّ هذا واضح جدّاً.
ولا فرق في ذلك بين ما إذا تمّت مقدّمات الحكمـة المنتجـة لثبوت الإطلاق، وبين ما إذا لم تـتمّ، لعدم كون المولى في مقام البيان مثلا، بل كان في مقام الإهمال والإجمال، فإنّ الإطلاق وضدّه إنّما يلاحظان بالنسبـة إلى

1 ـ تقدّم في الجزء الأوّل: 339.

(الصفحة351)

الموضوعيّـة للحكم، ولا ربط لهما بمقام الدلالـة، فإنّ الإنسان المأخوذ في الموضوع ـ مثلا ـ لا دلالـة لـه إلاّ على نفس ماهيّـة الإنسان التي هي حيوان ناطق، سواء كان مطلقاً من حيث الموضوعيّـة بأن كان تمام الموضوع هو نفسها أم لم يكن كذلك.
ومنـه يظهر: أنّ إدراج تعارض المطلق والعامّ في تعارض الأظهر والظاهر بالنسبـة إلى مورد الاجتماع ليس في محلّـه، من حيث إنّ الأظهريّـة والظاهريّـة إنّما هما من أوصاف الدلالـة وحالاتها، والمطلق لا دلالـة لـه على مورد الاجتماع حتّى تـتصف بالظهور، لأنّك عرفت أنّـه لا دلالـة لـه إلاّ على مجرّد نفس الطبيعـة والكثرات المتّحدة في الخارج معها خارجـة عن مدلولـه.
كما أنّـه ظهر ممّا ذكرنا: أنّ تسميـة هذا المطلق بالمطلق الشمولي ممّا لا وجـه لـه، لأنّ الشمول فرع الدلالـة على الأفراد، والمطلق أجنبي عـن الدلالـة عليها.
فانقدح: أنّ المطلق غير ناظر إلى الموجودات المتّحدة معها في الخارج أصلا، لكن الاحتجاج بـه يستمرّ إلى أن يأتي من المولى ما يدلّ على خلافـه. فالبيان المتأخّر قاطع للاحتجاج، لا أنّ الإطلاق معلّق من أوّل الأمر عليـه. ومن المعلوم أنّ العامّ لأجل تعرّضـه بالدلالـة اللفظيـة للأفراد والكثرات ـ لأجل تعدّد الدالّ والمدلول، ضرورة أنّـه يدلّ تالي مثل لفظ الكلّ على نفس الطبيعـة. غايـة الأمر أنّ إضافـة الكلّ الموضوع لإفادة الكثرة إليـه توجب الدلالـة على الأفراد والإشارة إليها لا بجميع خصوصياتها، بل بما أنّها مصاديق لتلك الطبيعـة ـ يصلح لأن يكون بياناً قاطعاً للاحتجاج.


(الصفحة352)

فظهر أنّ العامّ مقدّم على المطلق بهذا الوجـه الذي ذكرنا، ولعلّـه إليـه يرجع ما أفاده الشيخ (قدس سره) (1) في وجهـه وإن كان ربّما لا يساعده ظاهر العبارة فارجع إليها.
ثمّ إنّـه ظهر ممّا ذكرنا من عدم الفرق بين المطلقات فيما يرجع إلى معنى الإطلاق، وأنّ تسميـة المطلق بالشمولي في بعض الموارد وبالبدلي في البعض الآخر لا وجـه لها أصلا، أنّـه عند تعارض الإطلاق الشمولي والإطلاق البدلي على حسب اصطلاحهم الغير التامّ لا وجـه لتقديم تقيـيد الثاني على تقيـيد الأوّل، نظراً إلى أنّ الإطلاق الشمولي يمنع عن كون الأفراد في الإطلاق البدلي متساويـة الإقدام في حصول الامتثال بأيّ منها، وذلك لما عرفت من اتّحادهما فيما يرجع إلى معنى الإطلاق، ولا دلالـة لشيء منهما على الأفراد شمولا أو بدليّاً، فلاترجيح لواحد منهما على الآخر، كما لايخفى.
كما أ نّـه ظهر ممّا ذكرنا : أنّـه عند تعارض بعض المفاهيم مع البعض الآخر لا ترجيح لواحد منهما على الآخر لو كان ثبوت كلّ منهما بضميمـة مقدّمات الحكمـة، كما في مفهوم الشرط ومفهوم الوصف.
نعم لو كان أحد المتعارضين ممّا ثبت بالدلالـة اللفظيـة كما لايبعد دعوى ذلك بالنسبـة إلى مفهوم الغايـة وكذا مفهوم الحصر، فالظاهر أنّـه حينئذ لابدّ من ترجيحـه على الآخر، لما مرّ من ترجيح العامّ على المطلق الراجع إلى تقديم التقيـيد على التخصيص.


1 ـ فرائد الاُصول 2: 792.

(الصفحة353)

دوران الأمر بين النسخ والتخصيص

ومنها: ما إذا دار الأمر بين التخصيص والنسخ، وحيث إنّ النسخ مشروط بحضور وقت العمل بالمنسوخ والتخصيص بوروده قبل حضور وقت العمل بالعامّ، فلذلك وقع الإشكال في التخصيصات الواردة عن الأئمّـة (عليهم السلام) بعد حضور وقت العمل بالعامّ، فإنّـه ربّ عامّ نبوي وخاصّ عسكري، وقد احتمل الشيخ (قدس سره) (1) في الرسائل في ذلك ثلاثـة احتمالات:
أحدها: أن تكون ناسخـة لحكم العمومات.
ثانيها: أن تكون كاشفـة عن اتّصال كلّ عامّ بمخصّصـه وقد خفيت علينا المخصّصات المتصلـة ووصلت إلينا منفصلـة.
ثالثها: أن تكون هي المخصّصات حقيقـة، ولا يضرّ تأخّرها عـن وقت العمل بالعامّ، لأنّ العمومات المتقدّمـة لم يكن مفادها الحكم الواقعي، بل الحكم الواقعي هو الذي تكفّل المخصّص المنفصل بيانـه، وإنّما تأخّر بيانـه لمصلحـة كانت هناك في التأخير، وإنّما تقدّم العموم ليعمل بـه ظاهراً إلى أن يـرد المخصّص، فيكون مفاد العموم حكماً ظاهريّاً، ولا محـذور في ذلك، فإنّ المحذور إنّما هو تأخّر الخاصّ عن وقت العمل بالعامّ إذا كان مفاد العامّ حكماً واقعيّاً لا حكماً ظاهريّاً، هذا.
وقد قرّب الشيخ(2) الاحتمال الثالث واستبعد الاحتمال الأوّل، لاستلزامـه كثرة النسخ، وكذا الاحتمال الثاني، لكثرة الدواعي إلى ضبط القرائن المتصلـة

1 ـ فرائد الاُصول 2: 791.
2 ـ نفس المصدر.

(الصفحة354)

واهتمام الرواة إلى حفظها، ولكنّـه قرّب هـذا الاحتمال المحقّق النائيني(1) على ما في التقريرات نظراً إلى أنّ كثيراً من المخصّصات المنفصلـة المرويّـة عـن طرقنا عن الأئمّـة (عليهم السلام) مرويّـة عن العامّـة بطرقهم عـن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيكشف ذلك عن اختفاء المخصّصات المتّصلـة علينا بل احتمل استحالـة الوجـه الثالث بما أفاده فيها، هذا.
ولكنّ الظاهر عدم تماميّـة شيء من الاحتمالات الثلاثـة، بل الظاهر أنّ جميع الأحكام الإلهيّـة والقوانين الشرعيّـة من العموم والخصوص، والمطلق والمقيّد، والناسخ والمنسوخ قد صدر تبليغها من الرسول الأكرم وبيّنها للناس في مدّة نبوّتـه التي تبلغ ثلاث وعشرين سنـة، وإليـه ينظر ما ذكره (صلى الله عليه وآله وسلم) في خطبـة حجّـة الوداع ممّا يدلّ على أنّـه نهى الناس عن كلّ شيء يقرّبهم إلى النار ويبعِّدهم عن الجنّـة، وأمرهم بكلّ شيء يقرّبهم إلى الجنّـة ويباعدهم عن النار(2)، وهذا ممّا لا إشكال فيـه، ولا في أنّ الأحكام التي بلغها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قد ضبطها وجمعها أميرالمؤمنين صلوات اللّه وسلامـه عليـه في صحيفتـه، وأعلم الناس بعد رسولاللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك، لكنّهم أعرضوا عنـه وزعموا استغنائهم بكتاب اللّه لأجل استيلاء الشياطين على أمورهم وتبعيّتهم لهم.
ودعوى: أنّـه مع تبليغ الرسول جميع الأحكام كيف لم ينقلها الصحابـة بأجمعها مع كثرتهم وشدّة مصاحبتهم، بل ما نقلوه وحدّثوه على تلامذتهم قليل من كثير لا مناسبـة بينهما.


1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 737.
2 ـ وسائل الشيعـة 17: 45، كتاب التجارة، أبواب مقدّماتها، الباب12، الحديث2.

(الصفحة355)

مدفوعـة: بما أفاده أميرالمؤمنين (عليه السلام) في جواب سليم بن قيس من تقسيم الصحابـة إلى أربع طوائف، وتفصيل القضيّـة: أنّـه حكى أبان عن سليم قال: قلت يا أميرالمؤمنين إنّي سمعت من سلمان والمقداد وأبيذر شيئاً من تفسير القرآن، ومن الروايـة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثمّ سمعت منك تصديق ما سمعت منهم ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن، ومن الأحاديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)تخالف الذي سمعتـه منكم، وأنتم تزعمون أنّ ذلك باطل، أفترى الناس يكذبون على رسولاللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) متعمّدين ويفسّرون القرآن برأيهم؟ قال: فأقبل علي (عليه السلام)فقال لي: «يا سليم قد سألت فافهم الجواب: إنّ في أيدي الناس حقّاً وباطلا وصدقاً وكذباً وناسخاً ومنسوخاً وخاصّاً وعامّاً ومحكماً ومتشابهاً وحفظاً ووهماً، وقد كذب على رسولاللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) على عهده حتّى قام خطيباً فقال: أيّها الناس قد كثرت عليَّ الكذّابـة، فمن كذب عليَّ متعمّداً فليتبوّء مقعده من النار، ثمّ كذب عليـه من بعده حتّى توفّي رحمـة اللّه على نبيّ الرحمـة وصلّى اللّه عليـه وآلـه، وإنّما يأتيك بالحديث أربعـة نفر ليس لهم خامس:
رجل منافق مظهر للإيمان متصنّع بالإسلام لا يتأثمّ ولا يتحرّج أن يكذب على رسولاللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) متعمّداً، فلو علم المسلمون أنّـه منافق كذّاب لم يقبلوا منـه ولم يصدّقوه، ولكنّهم قالوا: هذا صاحب رسولاللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) رآه وسمع منـه، وهو لا يكذب ولا يستحلّ الكذب على رسولاللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد أخبر اللّه عن المنافقين بما أخبر ووصفهم، بما وصفهم فقال اللّه عزّوجلّ: (وَإِذَا رَأَيتَهُم تُعجِبُكَ أَجسَامُهُم وَإِن يَقُولُوا تَسمَع لِقَولِهِم ) (1) ثمّ بقوا بعده وتقرّبوا إلى أئمّـة

1 ـ المنافقون (63): 4.

(الصفحة356)

الضلال والدعاة إلى النار بالزور والكذب والنفاق والبهتان، فولّوهم الأعمال وحملوهم على رقاب الناس وأكلوا بهم من الدنيا، وإنّما الناس مع الملوك في الدنيا إلاّ من عصم اللّه، فهذا أوّل الأربعـة.
ورجل سمع من رسولاللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم يحفظـه على وجهـه ووهم فيـه ولم يتعمّد كذباً وهو في يده يرويـه ويعمل بـه ويقول: أنا سمعتـه من رسولاللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلو علم المسلمون أنّـه وهم لم يقبلوا، ولو علم هو أنّـه وهم فيـه لرفضـه.
ورجل ثالث سمع من رسولاللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) شيئاً أمر بـه ثمّ نهى عنـه وهو لا يعلم، أو سمعـه نهى عن شيء ثمّ أمر بـه وهو لا يعلم، حفظ المنسوخ ولم يحفظ الناسخ فلو علم أنّـه منسوخ لرفضـه، ولو علم المسلمون أنّـه منسوخ إذ سمعوه لرفضوه.
ورجل رابع لم يكذب على اللّه ولا على رسولاللّه بغضاً للكذب وتخوّفاً من اللّه وتعظيماً لرسولـه (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يوهم، بل حفظ ما سمع على وجهـه فجاء بـه كما سمعـه ولم يزد فيـه ولم ينقص، وحفظ الناسخ من المنسوخ فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ، وأنّ أمر رسولاللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ونهيـه مثل القرآن ناسخ ومنسوخ وعامّ وخاصّ ومحكم ومتشابـه، وقد كان يكون من رسولاللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)الكـلام لـه وجـهان: كـلام خـاصّ وكـلام عامّ مثل القرآن يسمعـه مـن لا  يعرف ما عنى اللّه بـه وما عنى بـه رسولاللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وليس كلّ أصحاب رسولاللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)كان يسألـه فيفهم، وكان منهم من يسألـه ولا يستفهم حتّى أن كانوا يحبّون أن يجيء الطارئ (أي الغريب الذي أتاه عن قريب من غير اُنس بـه وبكلامـه) والأعرابي فيسأل رسولاللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) حتّى يسمعوا منـه، وكنت أدخل

(الصفحة357)

على رسولاللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كلّ يوم دخلـة وكلّ ليلـة دخلـة، فيخلّيني فيها أدور معـه حيث دار وقد علم أصحاب رسولاللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّـه لم يكن يصنع ذلك بأحد من الناس غيري، وربّما كان ذلك في منزلي يأتيني رسولاللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإذا دخلت عليـه في بعض منازلـه خلا بي وأقام نساءه، فلم يبق غيري وغيره، وإذا أتاني للخلوة في بيتي لم تقم من عندنا فاطمـة ولا أحد من ابني وإذا سألتـه أجابني، وإذا سكت أو نفدت مسائلي ابتدأني، فما نزلت عليـه آيـة من القرآن إلاّ أقرأنيها وأملاها علي فكتبتها بخطّي، ودعا اللّه أن يفهمني إيّاها ويحفظني، فما نسيت آيـة من كتاب اللّه منذ حفظتها وعلّمني تأويلها فحفظتـه وأملاه عليَّ فكتبتـه، وما ترك شيئاً علّمـه اللّه من حلال وحرام أو أمر ونهي أو طاعـة ومعصيـة كان أو يكون إلى يوم القيامـة إلاّ وقد علّمنيـه وحفظتـه، ولم أنس منـه حرفاً واحداً...»(1) إلى آخر الحديث.
وقد انقدح ممّا ذكرنا: أنّ ما نراه من المخصّصات المنفصلـة الصادرة عن الأئمّـة المعصومين (عليهم السلام) كلّها قد صدرت عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكانت مضبوطـة محفوظـة عند أميرالمؤمنين (عليه السلام). غايـة الأمر أنّ إعراض الناس وعدم مساعدة المحيط أوجب تأخير بيانـه الثانوي.
أضف إلى ما ذكـرنا: أنّـه يمكـن أن يقال باستفادة أحكـام جميع الفروع مـن الأحكام الكلّيـة التي بلّغها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، غايـة الأمر اختلاف الناس في الاستفادة وعدمها، وما بيّنـه الأئمـة المعصومون ـ صلوات اللّه عليهم أجمعين ـ هو ما فهموه من تلك الخطابات الصادرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). غايـة الأمر قصور

1 ـ كتاب سليم بن قيس الكوفي: 181.

(الصفحة358)

أفهام الناس عن الوصول إليها وإدراكها.
وكيف كان: فلا ينبغي الارتياب فيما ذكرنا من صدور جميع الأحكام عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)وتبليغـه (صلى الله عليه وآله وسلم) لها إلى الناس، وحينئذ فلا يلزم من الالتزام بالتخصيص في تلك المخصّصات الكثيرة تأخير البيان عن وقت العمل أصلا، فتدبّر جيّداً.
إذا عرفت ذلك: يقع الكلام فيما إذا دار الأمر بين التخصيص والنسخ في ترجيح الأوّل على الثاني أو العكس، وقد ذهب إلى كلّ فريق، ولابدّ قبل الورد في المطلب من بيان أنّ محلّ الكلام يختص بمجرّد دوران الأمر بينهما مع قطع النظر عن وجود ما يدلّ بظاهره على ترجيح أحد الأمرين.
فما أفاده المحقّق النائيني ـ من تقدّم التخصيص على النسخ نظراً إلى أنّ النسخ يتوقّف على ثبوت حكم العامّ لما تحت الخاصّ من الأفراد، ومقتضى حكومـة أصالـة الظهور في طرف الخاصّ على أصالـة الظهور في طرف العامّ هو عدم ثبوت حكم العامّ لأفراد الخاصّ، فيرتفع موضوع النسخ(1) كأنـه خروج عن محلّ البحث، إذ حكومـة أصالـة الظهور في طرف الخاصّ على أصالـة الظهور في طرف العامّ متفرّعـة على ثبوت كون المشكوك في المقام خاصّاً لا نسخاً، ضرورة أنّـه مع كونـه نسخاً لا يبقى مجال لهذه الدعوى، مع أنّـه أوّل الكلام.
وبالجملـة: فليس الكلام في تقدّم الخاصّ على العامّ حتّى يدفع بما ذكر، بل الكلام في تقدّم التخصيص على النسخ وتأخّره عنـه، وما أفاده لا يفيد كونـه خاصّاً لا نسخاً، كما لايخفى.


1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 738.

(الصفحة359)

وجوه ورود العامّ والخاصّ والدوران بين النسخ والتخصيص

وكيف كان فصور الدوران ثلاث:
إحداها: ما إذا كان العامّ متقدّماً، ودار أمر المتأخّر بين كونـه نسخاً أو تخصيصاً لاحتمال كون العموم حكماً ظاهريّاً والخاصّ حكماً واقعياً، فلا محذور في تأخير بيانـه عن وقت العمل.
ثانيتها: ما إذا كان الخاصّ متقدّماً والعامّ متأخّراً، ودار الأمر بين تخصيصـه وكونـه ناسخاً للخاصّ.
ثالثتها: ما إذا ورد عامّ وخاصّ ولم يعلم المتقدّم منهما عن المتأخّر، ودار الأمر بين النسخ والتخصيص.
ثمّ إنّ استمرار الحكم زماناً قد يستفاد من إطلاق الدليل، وقد يستفاد من عمومـه الراجع إلى كلّ ما وجد وكان فرداً لـه، وهو الذي يعبّر عنـه بالقضيّـة الحقيقيّـة، وقد يستفاد من الدليل اللفظي كقولـه (عليه السلام): «حلال محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) حلال إلى يوم القيامـة وحرامـه (صلى الله عليه وآله وسلم) حرام إلى يوم القيامـة»(1). وقولـه (صلى الله عليه وآله وسلم): «حكمي على الأوّلين حكمي على الآخرين»(2). ونظائرهما.
إذا عرفت ذلك فنقول: إذا كانت صورة الدوران بين النسخ والتخصيص من قبيل الصورة الاُولى من الصور الثلاثـة المتقدّمـة التي هي عبارة عن تقدّم العامّ ودوران الأمر في المتأخّر بينهما، وفرض استفادة الاستمرار الزماني من إطلاق

1 ـ الكافي 1: 58 / 19.
2 ـ اُنظر الكافي 5: 18 / 1، وفيـه: «لأنّ حكم اللّه في الأوّلين والآخرين... سواء».

(الصفحة360)

الدليل، فقد يقال فيها: بأنّ مرجع هذا الدوران إلى الدوران بين التخصيص والتقيـيد، وحيث قد رجّح الثاني على الأوّل هناك فلابدّ من الالتزام هنا أيضاً بتقديم النسخ على التخصيص.
ولكنّـه يرد عليـه بأنّ ترجيح التقيـيد على التخصيص فيما سبق إنّما هو فيما إذا كان العامّ والمطلق متنافيـين بأنفسهما ولم يكن في البين دليل ثالث، بل كان الأمر دائراً بين ترجيح العامّ وتقيـيد المطلق وبين العكس كقولـه: «أكرم العلماء»، مع قولـه: «لا تكرم الفاسق». وهنا لا منافاة بين العامّ والمطلق أصلا، بل التعاند بينهما إنّما نشأ من أجل دليل ثالث لا يخلو أمره من أحد أمرين: كونـه مخصّصاً للعامّ، ومقيّداً للمطلق، ولا دليل على ترجيح شيء منهما على الآخر بعد كون كلّ واحد منهما دليلا تامّاً، بخلاف ما هناك، فإنّ التعارض من أوّل الأمر كان بين العامّ الذي هو ذو لسان، وبين المطلق الذي هو ألكن، ومن الواضح أنّـه لا يمكنـه أن يقاوم ذا اللسان، كما لايخفى.
ثمّ إنّـه قد يقال: بأنّ الأمر في المقام دائـر بين التخصيص والتقيـيد معاً وبين التقيـيد فقط، ضرورة أنّـه مع التخصيص لابدّ من الالتزام بتقيـيد الإطلاق المقامي الدالّ على الاستمرار الزماني أيضاً، وهذا بخلاف العكس.
ومن الواضح أنّـه مع كون الأمر هكذا لا مجال للإشكال في ترجيح التقيـيد، كما هو واضح، هذا.
ويرد عليـه: منع كون التخصيص مستلزماً للتقيـيد أيضاً، ضرورة أنّـه بالتخصيص يستكشف عدم كون مورد الخاصّ مراداً من أوّل الأمر، ومعـه لا يكون الدليل الدالّ على الاستمرار الزماني شاملا لـه من رأس، لعدم كـونـه موضوعاً له، ضرورة أنّ موضوعـه هو الحكم الثابت في زمان، كما لايخفى، هذا.
<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>