جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
معتمد الأصول المجلد الثاني « کتابخانه « صفحه اصلى  

<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>


(الصفحة381)

فانقدح: أنّ الخبرين المتكافئين لايكون شيء منهما حجّـة بالنسبـة إلى مدلولهما المطابقي.
وأمّا بالنسبـة إلى المدلول الالتزامي الذي يشترك فيـه الخبران ولا معارضـة بينهما فيـه، كعدم الاستحباب والكراهـة، والإباحـة في ما إذا قام أحد الخبرين على الوجوب والآخر على التحريم، فلا شبهـة في حجّيتهما بالنسبـة إليـه، إنّما الإشكال في أنّ الحجّـة بالنسبـة إليـه هل هو كلا الخبرين أو واحد منهما معيّن بحسب الواقع وهو الخبر الذي لم يعلم كذبـه؟
قد يقال بالأوّل، كما أفاده المحقّق النائيني (قدس سره) على ما في التقريرات، حيث دفع توهّم سقوط المتعارضين عن الحجّيـة بالنسبـة إلى نفي الثالث أيضاً، نظراً إلى أنّ الدلالـة الالتزاميّـة فرع الدلالـة المطابقيّـة، وبعد سقوط المتعارضين في المدلول المطابقي لا مجال لبقاء الدلالـة الالتزاميّـة لهما في نفي الثالث; فإنّ الدلالـة الالتزاميّـة إنّما تكون فرع الدلالـة المطابقيّـة في الوجود لا في الحجّيـة، ثمّ قال: وبعبارة أوضح: الدلالـة الالتزاميّـة للكلام تـتوقّف على دلالتـه التصديقيّـة; أي دلالتـه على المؤدّى، وأمّا كون المؤدّى مراداً فهو ممّا لا يتوقّف عليـه الدلالـة الالتزاميّـة، فسقوط المتعارضين عن الحجّيـة في المؤدّى لا يلازم سقوطهما عن الحجّيـة في نفي الثالث(1)، انتهى.
ويرد عليـه: أنّـه مع العلم بكذب أحدهما واقعاً بالنسبـة إلى المدلول المطابقي كيف يكون مـع ذلك حجّـة بالنسبـة إلى المدلول الالتزامي، ألا ترى أنّـه لو كان هنا خبر واحد فقط مع عدم الابتلاء بالمعارض وعلم من الخارج

1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 755 ـ 756.

(الصفحة382)

بكذبـه، فهل يرضى مع ذلك أحد بكون العلم بالكذب يوجب سقوطـه في خصوص مدلولـه المطابقي، وأمّا المدلول الالتزامي فهو بالنسبـة إليـه حجّـة، وكـذلك المقـام، فإنّـا لا نتعقّل مـع العلم بكذب واحـد مـن الخبريـن أن يكونـا معـاً حجّـة بالنسبـة إلى نفي الثالث الذي هو من اللوازم العقليّـة للمدلول المطابقي.
وما أفاده من التفكيك بين الوجود والحجّيـة ممّا لم يظهر وجهـه لنا، فإنّـه إذا كان حجّـة يكون مدلولـه المطابقي موجوداً، ومع الوجود لا مجال للتفكيك بين المدلولين وليست الدلالـة الالتزاميـة من الدلالات اللفظيـة حتّى لا يكون دلالـة اللفظ عليها متوقّفـة على دلالتـه على المدلول المطابقي وإن عدّت هذه الدلالـة في المنطق من جملـة تلك الدلالات، وذلك لأنّ دلالـة اللفظ على أمر خارج عمّا وضع لـه مع عدم كونـه مجازاً ممّا لا يتصوّر، بل قد عرفت أنّ في المجازات أيضاً لا يكون اللفظ دالاّ إلاّ على المعنى الحقيقي.
وكيف كان: فمع العلم بكذب أحد الخبرين بالنسبـة إلى مدلولـه المطابقي لاوجـه لتوهّم حجّيتـه بالنسبـة إلى المدلول الالتزامي.
فالحقّ في هذا الباب ما اختاره المحقّق الخراساني (قدس سره) من كون الحجّـة على نفي الثالث هو أحدهما الغير المعيّن الذي هو الخبر الذي لم يعلم كذبـه، لا الخبرين معاً(1)، فتأمّل جيّداً.
هذا كلّـه بناءً على كون الوجـه في اعتبار الخبر هو بناء العقلاء على العمل بـه في جميع أمورهم كما أنّـه هو الوجـه.


1 ـ كفايـة الاُصول: 499.

(الصفحة383)

وأ مّا بناءً على كون ا لدليل هي ا لآيات وا لروايات التي استدلّ بها على ذلك: فتارةً يقال بكونها مهملـة غير شاملـة لحال التعارض.
واُخرى بكونها مطلقـة. وعلى هذا التقدير قد يراد بالإطلاق الإطلاق الشمولي اللحاظي، وقد يراد بـه الإطلاق الذاتي، فإن كانت الأدلّـة مهملـة غير شاملـة لحال التعارض فواضح حكم صورة التعارض، لأنّـه لا دليل حينئذ على حجّيـة واحد من الخبرين، فيسقطان عن الاعتبار الذي كان ثابتاً لهما في حال عدم المعارضـة، وإن كانت مطلقـة بالإطلاق الشمولي اللحاظي فاللازم أن يقال بثبوت التخيـير في حال التعارض، وإلاّ تلزم اللغويّـة، كما لايخفى.
وإن كان المراد بـه هو الإطلاق الذاتي وهو الذي اخترناه وحقّقناه في باب المطلق والمقيّد فقد يقال: بأنّ اللازم حينئذ التخيـير أيضاً، نظراً إلى أنّ الدليل على اعتبار الخبر لـه عموم وإطلاق، أمّا العموم فباعتبار شمولـه بجميع الأخبار، وأمّا الإطلاق فباعتبار عدم كونـه مقيّداً بحال عدم المعارض.
وحينئذ: فإذا ورد خبران متعارضان يدور الأمر بين رفع اليد عن العموم والحكم بعدم حجّيـة شيء منهما، وبين حفظ العموم على حالـه ورفع اليد عن الإطلاق والقول بحجّيـة كلّ واحد منهما مع رفع اليد عن الآخر، وهذا هو الذي ينبغي أن يختار، لأنّ التصرّفات في الدليل تـتقدّر بقدر الضرورة، ومع إمكان التصرّف القليل لامسوغ للتصرّف الكثير، وهذا نظير المتزاحمين، حيث إنّ العقل يحكم فيهما بالتخيـير، لأجل عدم إمكان امتثالهما، هذا.
ويرد عليـه: أمّا بناءً على كون المستفاد من النقل هو الحجّيـة من باب الطريقيّـة: أنّ قياس المقام بباب المتزاحمين قياس مع الفارق، لأنّـه هناك كان

(الصفحة384)

المكلّف متوجّهاً إليـه تكليفان نفسيّان تعلّق كلّ واحـد منهما بمتعلّق خاص، وحيث لا يكون قادراً على جمعهما في مقام الامتثال ولا مرجّح في البين يحكم العقل بالتخيـير.
وأمّا هنا فالتكليف المتعلّق بتصديق العادل تكليف طريقي، ومرجعـه إلى لزوم متابعـة الخبر لكونـه طريقاً وكاشفاً عن الواقع، ولا معنى للحكم بالتخيـير بين الطريقين اللذين كانت حجّيتهما لأجل الطريقيّـة، والعقل يحكم بتساقطهما لامتناع ثبوت الكاشفيـة لهما، ضرورة أنّـه لا معنى للتخيـير بين الخبرين بكون كلّ واحد منهما كاشفاً مع عدم العمل بالآخر، كما لايخفى، هذا.
وأمّا بناءً على كون المستفاد من النقل هو الحجّيـة من باب السببيـة فالأمر وإن كان يدور بين رفع اليد عن العموم وتقيـيد الإطلاق، إلاّ أنّك عرفت فيما تقدّم أنّ ترجيح التقيـيد على التخصيص إنّما هو فيما إذا كان الأمر دائراً بين التصرّف في دليل بالتخصيص والتصرّف في ذلك الدليل بالتقيـيد.
هذا كلّـه بناءً على الطريقيّـة.

مقتضى الأصل بناءً على السببيّة

وأمّـا بناءً على السببيـة فتارة يقال: بكون الـدليل هـو العقل، واُخـرى: بأنّـه هو النقل.
فعلى الأوّل قد يقال بخلوّ الواقع عن الأحكام وأنّها تابعـة لقيام الأمارة، وبدونها لا حكم ولا تكليف، وقد يقال بثبوت الأحكام الواقعيّـة المشتركـة بين العالم والجاهل، كما انعقد عليـه الإجماع وتواتر بـه الأخبار.


(الصفحة385)

فعلى الأوّل تارةً يقال: بأنّ قيام الأمارة على تعلّق الحكم بشيء يوجب أن يكون ذلك الشيء محكوماً بذلك الحكم بعنوانـه، واُخرى: بأنّ قيام الأمارة عليـه يوجب أن يكون متعلّق الحكم هو مؤدّى الأمارة بما أنّـه مؤدّاها.
فعلى الأوّل يكون مرجع قيام الأمارة على وجوب صلاة الجمعـة وأمارة اُخرى على حرمتها، إلى اشتمال صلاة الجمعـة على المصلحـة الملزمـة والمفسدة كذلك. ومن المعلوم ارتفاع ذلك، فاللازم حينئذ الالتزام بتساقط الخبرين بعد عدم وجود مرجّح في البين.
وعلى الثاني الذي مرجعـه إلى أنّ قيام الأمارة يوجب أن يكون متعلّق الحكم هو المؤدّى لـه بوصف أنّـه المؤدّى لـه يكون مرجع الأمارتين والخبرين إلى اشتمال مؤدّى خبر زرارة ـ مثلا ـ على المصلحـة بما أنّـه مؤدّى لـه، وكذا مؤدّى خبر محمّد بن مسلم، فإن قلنا بتغاير هذين العنوانين وكفايتـه في تعدّد الحكم فلا معارضـة بين الخبرين حينئذ، بل يصير كعنواني الصلاة والتصرّف في مال الغير، كما لايخفى.
وإلاّ يلزم التعارض والتساقط، هذا بناءً على خلوّ الواقع عن الحكم المشترك بين العالم والجاهل.
وأمّا بناءً على ثبوت ذلك فلابدّ أن تكون الأمارة المخالفـة مشتملـة على مصلحـة غير ناقصة عـن مصلحـة الواقـع، وحينئذ فحيث لا يكون المخالف المشتمل على المصلحـة غير معلوم فاللازم أن يقال بالتخيـير، لأجل عـدم وجـود المرجّح.


(الصفحة386)

مقتضى الأخبار الواردة في المتكافئين

هذا كلّـه ما تقتضيـه القاعدة في المتعارضين المتكافئين، لكنّـه قد ادّعي الإجماع على عدم التساقط، ووردت روايات دالّـة عليـه، لكنّها مختلفـة:
فطائفـة منها تدلّ على ا لتخيـير .
وطائفـة على ا لتوقّف .
وقد ادّعى الشيخ (قدس سره) في الرسائل تواتر الروايات الدالّـة على التخيـير(1)، ولكنّها حسبما تـتبّعنا في مظانّها التي هي الباب التاسع مـن كتاب قضاء الوسائل(2) وكذا الباب التاسع من مستدركـه(3) لا تـتجاوز عن سبعـة قاصرة من حيث السند والدلالـة، وقد مرّ بعضها، وهو روايتا الحميري وعلي بن مهزيار المتقدّمتان(4) في فصل تعارض العامّ والخاصّ، وهكذا أخبار التوقّف المذكورة في الباب التاسع من الكتابين.

ما قيل في وجه الجمع بين هاتين الطائفتين من الأخبار

وقد وقع الاختلاف في الجمع بين هاتين الطائفتين وما قيل في ذلك وجوه:
منها: ما أفاده المحقّق النائيني في التقريرات ـ بعد ذكر أنّ في هذا الباب

1 ـ فرائد الاُصول 2: 762.
2 ـ وسائل الشيعـة 27: 106، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب9.
3 ـ مستدرك الوسائل 17: 302، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب9.
4 ـ تقدّمتا في الصفحـة 334 ـ 335.

(الصفحة387)

طوائف أربع من الروايات، لدلالـة طائفـة ثالثـة على التخيـير في خصوص زمان الحضور، ورابعـة على التوقّف في خصوص ذلك الزمان ـ من أنّ مقتضى التحقيق في الجمع بينها هو أنّ النسبـة بين ما دلّ على التخيـير في زمان الحضور وبين ما دلّ على التخيـير المطلق وإن كانت هي العموم والخصوص، وكذا بين روايات التوقّف، إلاّ أنّـه لا تعارض بينهما، لعدم المنافاة بين التوقّف المطلق والتوقّف في زمان الحضور، وكذا بين التخيـيرين، فالتعارض بين ما دلّ على التخيـير وبين ما دلّ على التوقّف، غايتـه أنّ التعارض بين ما دلّ على التوقّف والتخيـير مطلقاً يكون بالعموم من وجـه، وبين ما دلّ على التوقّف والتخيـير في زمان الحضور يكون بالتباين، ولا يهمّنا البحث في الثاني، فإنّـه لا أثر لـه، فالحري رفع التعارض في الأوّل، وقد عرفت أنّ النسبـة بينهما العموم من وجـه، لكن نسبـة ما دلّ على التخيـير مطلقاً مع ما دلّ على التوقّف في زمان الحضور هي العموم والخصوص، فلابدّ من تقيـيد إطلاق التخيـير بـه، وبـه يتحقّق انقلاب النسبـة من العموم من وجـه إلى العموم المطلق، ومقتضى الصناعـة حمل أخبار التوقّف على زمان الحضور والتمكّن من ملاقاة الإمام (عليه السلام)، فتصير النتيجـة هي التخيـير في زمان الغيبـة كما عليـه المشهور(1)، انتهى ملخّصاً.
ويرد عليـه: ـ مضافاً إلى أنّـه لم يظهر لنا أنّ النسبـة بين ما دلّ على التخيـير مطلقاً وبين ما دلّ على التوقّف كذلك كيف تكون بالعموم من وجـه بعد شمول كلّ منهما لحالتي الظهور والغيبـة، بل النسبـة بين الدليلين هي التباين كالنسبـة بين أدلّـة التوقّف والتخيـير في زمان الحضور، كما لايخفى. ومضافاً إلى

1 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 764 ـ 765.

(الصفحة388)

ما أورده الفاضل المقرّر في الهامش من أنّـه لا وجـه لملاحظـة دليل التخيـير مطلقاً مع دليل التوقّف في زمان الحضور حتّى يختصّ دليل التخيـير بحال الغيبـة وصار مخصّصاً لدليل التوقّف المطلق بعدما كانت النسبـة بينهما هي العموم من وجـه، على حسب ما أفاده، فإنّـه ليس بأولى من العكس وملاحظـة دليل التوقّف مطلقاً مع دليل التخيـير في زمان الحضور وتخصيصـه بحال الغيبـة ثمّ جعلـه مخصّصاً لدليل التخيـير مطلقاً، كما لايخفى ـ أنّـه لا وجـه لملاحظـة دليل التخيـير مطلقاً مع دليل التوقّف في زمان الحضور بعد كونـه مبتلى بالمعارض على ما هو المفروض، وهو دليل التخيـير في زمان الحضور الذي ذكر أنّ النسبـة بينهما التباين.
وبالجملـة: فهذا النحو من الجمع ممّا لا وجـه لـه.
وبـه ينقدح الخلل في الجمع الذي أفاده الشيخ (قدس سره) في الرسائل(1) وهو حمل أخبار التوقّف على صورة التمكّن من الوصول إلى الإمام (عليه السلام)، فإنّـه لا وجـه لـه بعد اختلاف الأخبار بالنحو الذي عرفت، مضافاً إلى أنّ المراد بالتمكّن إن كان هو التمكّن الذي كان الشخص معـه قادراً على الرجوع إلى الإمام فوراً كما إذا كان معـه في مدينـة واحدة، فمن الواضح إباء أخبار التوقف عن الحمل على خصوص هذه الصورة، وإن كان المراد بـه هو التمكّن بمعنى مجرّد القدرة على الوصول إلى محضره ولو مع تحمّل مشقّـة السفر، فمن الواضح أنّ حمل أخبار التخيـير على صورة عدم التمكّن بهذا المعنى بعيد جدّاً، كما لايخفى، خصوصاً مع كون الغايـة في بعض الروايات ملاقاة من يخبره، ومن المعلوم أنّ المخبر أعمّ من الإمام (عليه السلام).


1 ـ فرائد الاُصول 2: 763.

(الصفحة389)

ومنها: ما أفاده المحقّق الحائري (قدس سره) في كتاب الدرر(1) في مقام الجمع، من حمل أخبار التوقّف على التوقّف في مقام الرأي والإفتاء، وأخبار التخيـير على التخيـير في العمل.
ويرد عليـه: أنّـه كما يستفاد من أدلّـة التخيـير جواز العمل بكل واحد من الخبرين، كذلك يوجد في أخبار التوقّف ما ظاهره النهي عن العمل بشيء منهما لا النهي عن الرأي والإفتاء، فراجع، فهذا الجمع أيضاً ممّا لا شاهد لـه.
وا لذي يمكن أن يقا ل في مقام ا لجمع : إنّ أدلّـة التخيـير صريحـة في جواز الأخذ بكلّ من الخبرين، فإنّ قولـه (عليه السلام): «فموسّع عليك بأيّهما أخذت»(2)، صريح في التوسعـة وجواز الأخذ بكلّ منهما. وأمّا أخبار التوقّف فليس فيها ما كان نصّاً في ذلك، بل غايتـه الظهور في التوقّف وعدم الأخذ بشيء منهما، والظاهر لا يقاوم النصّ، فيحمل أخبار التوقّف على الاستحباب، لصراحـة أخبار التخيـير في الجواز.
وهنا وجوه اُخر من الجمع، مثل حمل أخبار التخيـير على العبادات وأخبار الإرجاء على المعاملات، أو حمل أخبار الإرجاء على صورة عدم الاضطرار إلى العمل بأحدهما، وأخبار التخيـير على ما إذا لم يكن لـه بدّ من العمل بأحدهما، وذكر أكثر هذه الوجوه العلاّمـة المجلسي (قدس سره) في كتاب مرآة العقول(3).


1 ـ درر الفوائد، المحقّق الحائري: 657.
2 ـ الاحتجاج 2: 264 / 233، وسائل الشيعـة 27: 121، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب9، الحديث40.
3 ـ مرآة العقول 1: 218 ـ 219.

(الصفحة390)

وقد استدلّ لبعض هذه الوجوه بروايـة الميثمي الطويلـة التي أوردها في الوسائل في الباب التاسع من أبواب كتاب القضاء(1) ولكنّها لا دلالـة لها على التخيـير الذي هو المقصود في المقام، لأنّـه حكم ظاهري والتخيـير الذي يدلّ عليـه هذه الروايـة هو التخيـير الواقعي، لأنّ مورده النهي التنزيهي مع دليل الرخصـة أو الأمر غير الإلزامي مع ذلك الدليل.
ومن المعلوم أنّ التخيـير في مثل هذه الموارد تخيـير واقعي، كما هو واضح.
نعم ذيلها يدلّ على التوقّف والتثبّت حتّى يأتي البيان من ناحيتهم، فهذه الروايـة أيضاً من أخبار التوقّف، ولابدّ من علاج التعارض بينها وبين أخبار التخيـير فتأمّل جيّداً.

تنبيهات

وينبغي التنبيـه على اُمور:

التنبيه الأوّل: في معنى التخيير في المسألة الاُصولية

لا ينبغي الارتياب في أنّ المستفاد من أخبار التخيـير هوالتخيـير في المسألـة الاُصوليـة، ومرجعـه إلى كون المتحيّر مخيّراً في الأخذ بأحد الخبرين والمعاملـة معـه معاملـة الحجّـة، كما لو كان بلا معارض، إنّما الإشكال في

1 ـ وسائـل الشيعـة 27: 113، كتاب القضاء، أبـواب صفـات القاضـي، الباب9، الحديث21.

(الصفحة391)

ما يرجع إليـه حقيقـة التخيـير بعدما عرفت(1) من كون مقتضى القاعدة العقلائيـة في مقام التعارض تساقط الخبرين وسقوط الحجّتين والطريقين.
قد يقال بأنّ مرجع جعل التخيـير إلى جعل الطريقيّـة عند التعارض.
ويرد عليـه ـ مضافاً إلى أنّ أصل جعل الطريقيّـة والكاشفيـة ولو مع عدم التعارض غير معقول، لأنّ الكاشفيّـة من الاُمور التكوينيّـة واللوازم العقليّـة للكاشف ولا يعقل تعلّق الجعل الشرعي بها ـ أنّـه إن كان المراد جعل الطريقيّـة لكلا الخبرين فهو مستحيل بعد فرض التعارض وعدم إمكان الاجتماع، ضرورة أنّـه لو لم يكن مستحيلا لما كان العقل يحكم بالتساقط، كما هو واضح.
وإن كان المراد جعل الطريقيّـة لأحد الخبرين بالخصوص، فمضافاً إلى أنّـه لا مرجّح في البين، مناف لمقتضى الأدلّـة، حيث إنّها تدلّ على التخيـير لا الأخذ بخصوص واحد منهما، وإن كان المراد جعلها لأحدهما غير المعيّن فمن الواضح أنّ أحدهما لا على سبيل التعيـين ليس شيئاً وراء كلا الخبرين، ضرورة أنّـه ليس هنا أمر آخر في البين، وقد عرفت استحالـة جعل الطريقيـة لكليهما أو واحد معيّن منهما، هذا.
وقد يقال بأنّ التخيـير المجعول في الخبرين المتكافئين هو حكم ظاهري مجعول عند الشكّ وفي مورد التحيّر، ويؤيّده ما في بعض الروايات المتقدّمـة من ترتيب الحكم بالتوسعـة على ما إذا لم يعلم، فهو أيضاً كسائر الاُصول المعتبرة في موارد الشكّ.
ولازم هذا القول الاقتصار في مقام الأخذ بأحد الخبرين على مجرّد

1 ـ تقدّم في الصفحـة 379.

(الصفحة392)

مدلولـه المطابقي دون لازمـه، لعدم حجّيـة اللوازم ولا الملزومات في باب الاُصول، كما عرفت.
والتحقيق في المقام أن يقال: إنّ الحكم بالتخيـير في المتعارضين ليس حكماً ثانويّاً وراء الحكم بحجّيـة كلّ واحد من الخبرين إمضاءً لحكم العقلاء وبنائهم على العمل بخبر الواحد.
غايـة الأمر أنّ مرجعـه إلى تخطئـة العقلاء في حكمهم بالتساقط مع التعارض، ومرجعـه إلى أنّـه كما كان الواجب عليكم الأخذ بالخبر والتعبّد بمضمونـه وجعلـه حجّـة وطريقاً إلى الواقع مع عدم التعارض مع الخبر الآخر، كذلك يجب عليكم في مقام التعارض أيضاً الأخذ. غايـة الأمر أنّـه حيث لا يكون ترجيح في البين يتخيّر المكلّف في الأخذ بكلّ واحد منهما، فهذا الأخذ لا يكون مغايراً للأخذ بالخبر مع عدم المعارضـة أصلا، وحينئذ لا فرق بينهما من جهـة حجّيـة اللوازم والملزومات.
والدليل على ما ذكرنا: أنّ الظاهر عدم الفرق فيما يرجع إلى معنى الأخذ بين المتكافئين والمتعارضين مع ثبوت المزيّـة لأحدهما، فكما أنّ الأمر بأخذ ذي المزيّـة ليس حكماً آخر وراء الحكم بحجّيـة الخبر، فكذلك الأمر بأخذ أحد الخبرين مع التكافؤ، فإنّـه ليس أيضاً حكماً آخر ناظراً إلى جعل الطريقيّـة وجعل حكم ظاهري، كما هو واضح.
ويرد عليـه: أنّ تخطئـة حكم العقلاء وإن كان بمكان من الإمكان، ولكن لامجال لتخطئـة حكم العقل. وقد عرفت(1) أنّ التساقط مقتضى حكم العقل

1 ـ تقدّم في الصفحـة 379.

(الصفحة393)

أيضاً، وعليـه فيبقى الإشكال بحالـه. والظاهر أنّ الالتزام بالحكم الظاهري والأصل العملي لا مانع منـه واقتضائـه عدم الأخذ بغير المدلول المطابقي وعدم حجّيـة اللوازم، ومثلها ممنوع بعد كون التخيـير هو الأصل العملي والمخيّر فيـه هو الأخذ بكلّ واحد من الخبرين بجميع مداليلـه ولوازمـه ومثلها، ولا مانع من عدم حجّيـة المثبت وكون المخيّر فيـه مطلق الأخذ.

التنبيه الثاني: في حكم تخيير القاضي والمفتي في عمله وعمل مقلّديه

إنّـه بعدما عرفت من كون التخيـير الذي يدلّ عليـه أخباره هو التخيـير في المسألـة الاُصوليّـة، فهل يجوز للمجتهد الفتوى بالتخيـير في المسألـة الفرعيّـة الراجع إلى كون المقلّد مخيّراً في مقام العمل، أم التخيـير ينحصر بالمجتهد ويجب عليـه الأخذ بمضمون أحد الخبرين والفتوى على طبقـه؟ وجهان.
قد يقال: بانحصار الخطابات الواردة في المسائل الاُصوليّـة بخصوص المجتهد نظراً إلى أنّـه هو الذي يتحقّق عنده موضوع تلك الخطابات، لأنّـه هو الذي يشكّ في الحكم الفلاني بالشبهـة الحكميّـة، وهو الذي يجيء عنده الخبران المتعارضان، وغير ذلك من الموضوعات، ومع انحصار تحقّق الموضوع بـه لاتكون تلك الخطابات شاملـة لغيره، هذا.
ولكن الظاهر خلافـه، لأنّ مجرّد كون المقلّد غير مشخّص لموضوعات تلك الخطابات لا يوجب انحصارها بالمجتهد، بل يمكن أن يقال: بأنّ المجتهد يشخّص الموضوع للمقلّد ويفتي بمضمون تلك الخطابات. فبالنتيجـة يكون جريانها في ذلك الموضوع عند المقلّد، فالمجتهد يعلّم المقلّد بأنّ صلاة الجمعـة كانت واجبـة

(الصفحة394)

في عصر ظهور أئمّـة النور (عليهم السلام) والآن مشكوك الوجوب، ويفتي بأنّ كلّ شيء كذلك يحرم نقض اليقين فيـه بالشكّ على ما هو مدلول خطابات الاستصحاب، فالمقلّد حينئذ يتمسّك بالاستصحاب ويحكم بوجوبها في هذه الأعصار أيضاً وإن كانت الشبهـة حكميّـة.
وإن شئت قلت: إنّ مورد الاستصحاب لا يختصّ بما إذا كان يقين وجداني، بل مورده أعمّ منـه وممّا إذا قامت أمارة معتبرة، وإلاّ لكان مورده في غايـة القلّـة خصوصاً بالنسبـة إلى الشبهات الحكميّـة. ومن الواضح أنّ فتوى المجتهد من الأمارات المعتبرة، فإذا علم المقلّد بوجوب صلاة الجمعـة في عصر الظهور والشكّ في هذه الأعصار يحصل للمقلّد أمارة معتبرة عليـه والشكّ، فيتحقّق عنده موضوع الاستصحاب ويحكم بجريانـه على تقدير كون المجتهد ممّن يقول باعتباره. فدعوى انحصار الخطابات الواردة في المسائل الاُصوليّـة بالمجتهد ممنوعـة جدّاً.
وممّا ذكرنا يظهر: أنّ المجتهد عند تعارض الخبرين عنده يتخيّر بين الأخذ بمضمون أحد الخبرين والفتوى على طبقـه، لأنّك عرفت أنّـه ليس المراد بالأخذ هو الأخذ بالنسبـة إلى العمل فقط، بل الأخذ مطلقاً كالأخذ بالخبر مع عدم المعارض لـه، وبين إعلام المقلّد بالحال وأنّ هذا المورد ممّا ورد فيـه الخبران المتعارضان وحكمـه التخيـير في الأخذ، وبين الفتوى بالتخيـير في مقام العمل من دون إعلامـه بالحال.
أمّا الأوّل والثاني فواضحان، وأمّا الثالث، فلأنّ التخيـير على ما عرفت حكم طريقي، ومرجعـه إلى جواز أخذ كلّ من الخبرين طريقاً وأمارة، فلا مانع من الفتوى بالتخيـير، فتأمّل جيّداً.


(الصفحة395)

التنبيه الثالث: في أنّ التخيير بدوي أو استمراري

هل التخيـير بدوي مطلقاً، أو استمراري كذلك، أو تفصيل فيـه بين ما إذا كان في المسألـة الاُصوليّـة فبدوي وبين ما إذا كان في المسألـة الفقهيّـة فاستمراري، أو تفصيل فيـه بعد فرض كونـه في المسألـة الاُصوليّـة بين ما إذا قيل باختصاص الخطابات الواردة في المسائل الاُصوليّـة بالمجتهد، فالتخيـير بدوي، وبين ما إذا قيل بعدم الاختصاص فاستمراري؟
وجوه واحتمالات أربعـة، والمستند هو الأخبار الواردة في التخيـير ومع قصورها فالاستصحاب، وتوضيح الحال: أنّـه أفاد الشيخ (قدس سره) في الرسالـة أنّ مستند التخيـير إن كان هو الأخبار الدالّـة عليـه فالظاهر أنّها مسوقـة لبيان وظيفـة المتحيّر في ابتداء الأمر، فلا إطلاق فيها بالنسبـة إلى حال المتحيّر بعد الالتزام بأحدهما(1)، انتهى.
ويمكن تقريبـه بأنّ هنا أمران:
أحدهما: وظيفـة المتحيّر عند مجيء الخبرين المتعارضين عنده.
وثانيهما: وظيفتـه بعد الأخذ بأحدهما، والسؤال عن هذه الوظيفـة إنّما يصحّ مع ثبوت أصل وظيفـة المتحيّر في ابتداء الأمر ووضوحـه عند السائل. ومن المعلوم كما نراه أنّ الروايات الواردة في التخيـير ليس فيها إلاّ سؤال وجواب واحد، وهو السؤال عن أصل وظيفـة المتحيّر ابتداءً والجواب عنـه، أو بيان أمر واحد وحكم فارد، هذا.


1 ـ فرائد الاُصول 2: 764.

(الصفحة396)

ويرد عليـه: أنّـه يمكن أن يستفاد من كثير من الأخبار الواردة في التخيـير كونـه استمراريّاً، والعمدة من ذلك روايتان:
إحداهما: ما رواه الحسن بن جهم عن الرضا (عليه السلام) قلت: يجيئنا الرجلان ـ وكلاهما ثقـة ـ بحديثين مختلفين ولا نعلم أيّهما الحقّ؟
قال (عليه السلام): «فإذا لم تعلم فموسّع عليك بأيّهما أخـذت»(1)، فإنّ تعليق الحكم بالتوسعـة على مجـرّد الجهل وعـدم العلم خصوصاً مـع إعادتـه في الجواب مع كونـه مذكوراً في السؤال يدلّ على أنّ تمام الموضوع للحكم بالتوسعـة هو مجرّد الجهل بالواقع وعدم العلم والتردّد الناشئ من مجيء الحديثين المختلفين. ومن الواضح بقاء التردّد بعد الأخذ بأحدهما، لأنّ الأخذ بـه لا يوجب العلم بالواقع أو قيام أمارة عليـه التي لابدّ من الأخذ بها.
وقد عرفت أنّ التخيـير وظيفـة مجعولة في مقام الشـكّ والـتحيّر، وليس مرجعـه إلى كون المأخوذ من الخبرين أمارة تعبّديـة في صورة التعارض حتّى يكون قيام الأمارة رافعاً لموضوع الحكم بالتوسعـة تعبّداً، بل التحقيق أنّـه مع التخيـير والأخذ بأحد الخبرين لا يرتفع التحيّر والتردّد مـن البين، والمفروض أنّـه الموضوع الفريد للحكم بالتوسعـة وجواز الأخذ بما شاء من الخبرين.
ثانيتهما: روايـة الحـرث بن المغيرة عـن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال (عليه السلام): «إذا سمعت من أصحابك الحديث ـ وكلّهم ثقة ـ فموسّع عليك حتّى ترى القائم (عليه السلام)فتردّ إليه»(2).


1 ـ الاحتجاج 2: 264 / 233، وسائل الشيعـة 27: 121، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب9، الحديث40.
2 ـ الاحتجاج 2: 264 / 234، وسائل الشيعـة 27: 122، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب9، الحديث41.

(الصفحة397)

وهذه الروايـة وإن كان ربّما يناقش في دلالتها على التخيـير في المتعارضين، لعدم التعرّض لهما في الموضوع، بل موضوع الحكم بالتوسعـة مطلق الحديث، إلاّ أنّ التمسّك بها لمكان كونها من أدلّـة التخيـير عند الشيخ (قدس سره) القائل بهذه المقالـة، وهي قصور أدلّـة التخيـير عن الدلالـة لحال المتحيّر بعد الالتزام بأحدهما، هذا.
مضافاً إلى أنّـه يمكن أن يستفاد من التعبير بالتوسعـة المستعملـة في سائر روايات التخيـير كون الموضوع هو المتعارضين، وإلى أنّ إطلاقـه لهما يكفي لنا، كما لايخفى.
وكيف كان: فدلالتها على استمرار التخيـير أوضح من الروايـة السابقـة، لأنّـه جعل الغايـة للحكم بالتوسعـة هي رؤيـة القائم (عليه السلام) والردّ إليـه، فتدلّ على بقائـه مع عدم حصول الغايـة، سواء كان في ابتداء الأمر أو بعد الأخذ بأحد الخبرين، كما لايخفى. فانقدح: أنّـه لا مجال لدعوى الإهمال في جميع الروايات الواردة في باب التخيـير.
وأمّا الاستصحاب فنقول: الشكّ في الاستمرار قد يكون مع فرض اختصاص التخيـير بخصوص المسألـة الاُصوليّـة، وقد يكون لأجل الشكّ في أنّ التخيـير في المسألـة الاُصوليّـة أو في المسألـة الفرعيّـة، وقد يكون لأجل الشكّ في أنّـه مع كون التخيـير في المسألـة الاُصوليّـة هل الخطابات الواردة فيها مختصـة بالمجتهد أو تعمّ المقلّد؟
فعلى الأوّل لابدّ من ملاحظـة ما جعل في الأخبار موضوعاً للحكم بالتخيـير، فنقول: يحتمل فيـه وجوه أربعـة:


(الصفحة398)

أحدها: أن يكون الموضوع هو شخص المكلّف فيما إذا لم يعلم بما هو الحقّ من الخبرين المتعارضين.
ثانيها: أن يكون الموضوع هو من لم يعلم حقيّـة واحد منهما.
ثالثها: أن يكون الموضوع هو المتحيّر بما هو المتحيّر.
رابعها: أن يكون الموضوع خصوص من لم يختر أحد الخبرين، كما يظهر من الشيخ (قدس سره) (1).
فعلى الأوّلين لا مانع من الاستصحاب، لبقاء الموضوع المأخوذ في الدليل بعد الأخذ أيضاً، وعلى الأخيرين أيضاً لا مانع منـه، لأنّـه بعدما صار الشخص الخارجي مورداً للحكم بالتخيـير نقول: هذا الشخص كان مخيّراً والآن نشكّ في بقاء تخيـيره، فهو بعد باق عليـه، نظير الاستصحاب الجاري في الماء المتغيّر بعد زوال تغيّره من قبل نفسـه، كما أومأنا إليـه مراراً. وعلى الثاني والثالث يصير هذا الاستصحاب من أفراد القسم الثاني من الأقسام الثلاثـة من استصحاب الكلّي، كما لايخفى.
فانقدح من جميع ما ذكرنا دلالـة الأدلّـة من الأخبار والاستصحاب على كون التخيـير استمراريّاً.
ثمّ إنّـه قد يناقش في جريان الاستصحاب بناءً على الوجـه الثاني وكذا الثالث، نظراً إلى ما ذكرناه في باب الاستصحاب الكلّي من أنّ استصحاب الكلّي إنّما يجري إذا كان ذلك الكلّي مجعولا شرعيّاً أو موضوعاً لترتّب أثر شرعي.
فيقال حينئذ: إنّ التخيـير الجامع بين البدوي والاستمراري لا يكون أمراً مجعولا من الشارع، لأنّ المجعول الشرعي إمّا خصوص التخيـير البدوي، وإمّا

1 ـ فرائد الاُصول 2: 764.

(الصفحة399)

خصوص التخيـير الاستمراري، والجامع بينهما أمر انتزاعي غير مجعول أصلا، نظير القدر الجامع بين الوجوب والاستحباب مثلا، فلا يجري في شيء منهما الاستصحاب أصلا.
إلاّ أن يقال: بأنّ هذا الإشكال إنّما يجري فيما لو اُريد استصحاب التخيـير الكائن بالكون الناقص، بأن يكون المستصحب عبارة عن جملـة «كان التخيـير ثابتاً للمكلّف» وأمّا لو اُريد استصحاب جملـة «كان المكلّف مخيّراً» فلا مانع من جريانـه. أو يقال بالفرق بين المقام وبين المثال المزبور، وهو القدر الجامع بين الوجوب والاستحباب بأنّـه لا يعقل جعل القدر الجامع هناك، وأمّا أصل التوسعـة فيمكن تعلّق الجعل بـه بقولـه (عليه السلام): «فموسّع عليك» وشبهـه، فتأمّل.
وكيف كان: فنحن لا نحتاج إلى هذا الاستصحاب حتّى يورد عليـه بما ذكر، لما عرفت من دلالـة الروايات على استمرار التخيـير، مضافاً إلى أنّ الشكّ فيـه على تقديره إنّما هو بعد الفراغ عن ثبوتـه في خصوص المسألـة الاُصوليّـة وعدم اختصاص الخطابات الواردة فيها بالمجتهد، وقد عرفت(1) أنّـه على هذا التقدير يجري الاستصحاب بلا كلام.

التنبيه الرابع: في شمول أخبار التخيـير لجميع صور الخبرين المختلفين

إنّـه لا إشكال في تحقّق الموضوع المأخوذ في أخبار التخيـير ـ وهو مجيء الرجلين بحديثين مختلفين ـ فيما إذا كان سند الروايتين مختلفين جميعاً في الإخبار مع الواسطـة بأن لم يشتركا أصلا حتّى في واحد، إنّما الإشكال فيما إذا اشتركا في منتهى السلسلـة، سواء اشتركا في غيره أيضاً أم لا، كما إذا روى

1 ـ تقدّم في الصفحـة 393 ـ 394.

(الصفحة400)

الكليني بإسناده حديثاً عن زرارة دالاّ على وجوب شيء، وروى الشيخ بإسناده حديثاً عنـه أيضاً دالاّ على حرمـة ذلك الشيء، أو روى الكليني عنـه أيضاً ذلك الحديث، فإنّـه ربّما يمكن أن يقال بعدم كون هذا المورد مشمولا لأخبار التخيـير أصلا، نظراً إلى أنّ المورد هو مجيء الرجلين بحديثين مختلفين، وهنا كان الجائي بهما شخصاً واحداً وهو زرارة فقط، فلا يشملـه أدلّـة التخيـير، هذا.
ويرد عليـه: أنّ الظاهر عدم دخالـة مجيء الرجلين بما هما رجلان، ولذا لو أتى بحديثين غير رجلين بل امرأتان أو مرء ومرأة لا خفاء في دخولـه في موردها، مضافاً إلى أنّـه يستفاد من أدلّـة التخيـير أنّ الشارع لم يرض برفع اليد عن المتعارضين مع كون القاعدة تقتضي التساقط، فخلافـه يوجب عدم رفع اليد في المقام أيضاً، كما لايخفى، هذا.
ولو كان الحديث المنقول في الجوامع المتأخّرة مختلفاً من حيث النقل عن الجوامع الأوّليّـة، مثل ما إذا روى الكليني في الكافي حديثاً عن كتاب حسين بن سعيد الأهوازي، وروى الشيخ في التهذيب ـ مثلا ـ ما يغايره عن ذلك الكتاب أيضاً فالظاهر أيضاً شمولـه في أخبار التخيـير أيضاً إذا لم يعلم بكون الاختلاف مستنداً إلى اختلاف نسخ ذلك الكتاب، لأنّ الظاهر أنّ مثل الكليني والشيخ لم يكن في أخذ الحديث معتمداً على ما هو المنقول في الكتب، بل كان دأبهم على الأخذ من الشيوخ إمّا بالقراءة عليهم أو بقرائتهم عليـه، فهذا الاختلاف دليل على اختلاف الشيوخ النقلـة لهذا الحديث.
نعم لو كان الاختلاف في نسخ الاُصول المتأخّرة والجوامع الموجودة بأيدينا، كما إذا اختلفت نسخ الكافي ـ مثلا ـ في حديث، فالظاهر عدم كونـه مشمولا لأخبار التخيـير أصلا، لأنّ هذا الاختلاف يكون مستنداً إلى الكتاب لا محالـة، فلا يصدق مجيء الرجلين بحديثين مختلفين، كما هو واضح.
<<صفحه بعد فهرست صفحه قبل>>