قرآن، حديث، دعا |
زندگينامه |
کتابخانه |
احكام و فتاوا |
دروس |
معرفى و اخبار دفاتر |
ديدارها و ملاقات ها |
پيامها |
فعاليتهاى فرهنگى |
کتابخانه تخصصى فقهى |
نگارخانه |
اخبار |
مناسبتها |
صفحه ويژه |
|
(الصفحة461)
وفيـه: بعد ضعف التوقيع سنداً أنّ صدره غير منقول إلينا، ولعلّـه كان مكتنفاً بقرائن لا يفهم منها إلاّ حجّيـة حكمهم في الشبهات الموضوعيّـة أو الأعمّ، وكان الإرجاع في القضاء لا في الفتوى.
ومنها: ما عن الكشي بسند ضعيف عن أحمد بن حاتم بن ماهويـه قال: كتبت إليـه ـ يعني أباالحسن الثالث (عليه السلام) أسألـه: عمّن آخذ معالم ديني، وكتب أخوه أيضاً بذلك، فكتب إليهما: «فهمت ما ذكرتما فاصمدا في دينكما على كلّ مسنّ في حبّنا وكلّ كثير القدم في أمرنا، فإنّهما كافوكما إن شاء اللّه تعالى»(1).
وفيـه: بعد ضعف السند أنّ الظاهر من سؤالـه أنّ الرجوع إلى العالم كان مرتكزاً في ذهنـه، وإنّما أراد تعيـين الإمام شخصـه، فلا يستفاد منـه التعبّد، كما أنّ الأمر كذلك في كثير من الروايات، بل قاطبتها على الظاهر.
ومنها: روايات كثيرة عن الكشي وغيره، فيها الصحيح وغيره تدلّ على إرجاع الأئمـة إلى أشخاص من فقهاء أصحابهم، يظهر منها أنّ الرجوع إليهم كان متعارفاً، ومع وجود الأفقـه كانوا يرجعون إلى غيره، كصحيحـة ابن أبييعفور قال: قلت لأبي عبداللّه (عليه السلام): إنّـه ليس كلّ ساعـة ألقاك ولا يمكن القدوم، ويجيء الرجل من أصحابنا فيسألني وليس عندي كلّ ما يسألني عنـه، فقال: «ما يمنعك من محمّد بن مسلم الثقفي، فإنّـه سمع من أبي وكان عنده وجيهاً»(2).
1 ـ اختيار معرفـة الرجال: 4 / 7، وسائل الشيعـة 27: 151، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب11، الحديث45.
2 ـ اختيار معرفـة الرجال: 161 / 273، وسائل الشيعـة 27: 144، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب11، الحديث23.
(الصفحة462)
وكروايـة علي بن المسيّب(1)، حيث أرجعـه الرضا (عليه السلام) إلى زكريّا بن آدم، إلى غير ذلك.
ويستفاد منها أنّ أخذ معالم الدين الذي هو عبارة اُخرى عن التقليد كان مرتكزاً في ذهنهم ومتعارفاً في عصرهم، ويستفاد من صحيحـة ابن أبييعفور تعارف رجوع الشيعـة إلى الفقهاء من أصحاب الأئمّـة مع وجود الأفقـه بينهم، وجواز رجوع الفقيـه إلى الأفقـه إذا لم يكن لـه طريق إلى الواقع.
وهذا ليس منافياً لما ذكرنا في أوّل الرسالـة من أنّ موضوع عدم جواز الرجوع إلى الغير نفس قوّة الاستنباط، وذلك لأنّ ما ذكرنا هناك إنّما هو فيمن لـه طريق إلى الاستنباط مثل زماننا، فإنّ الكتب الراجعـة إليـه مدوّنـة مكتوبـة بين أيدينا، بخلاف ما إذا لم يمكن كذلك، كعصر محمّد بن مسلم، حيث إنّ الأحاديث فيـه كانت مضبوطـة عنده وعند نظرائـه، ولم يكن للجاهل طريق إليها إلاّ بالرجوع إليهم، مع إمكان أن يقال: إنّ إرجاع مثل ابـن أبييعفور إنّما هـو في سماع الحديث ثمّ استنباطـه منـه حسب اجتهاده، ولا إشكال في استفادة جواز الرجوع إلى الفقهاء ـ بل إلى الفقيـه مع الأفقـه ـ مـن تلك الروايات. لكـن استفادة ذلك مع العلم الإجمالي أو التفصيلي بمخالفـة آرائهما مشكلـة، لعدم العلم بذلك في تلك الأعصار، خصوصاً من مثل اُولئك الفقهاء والمحدّثين الذين كانوا من بطانة الأئمّة فالاتّكال على مثل تلك الأدلّـة في جواز تقليد المفضول مشكل، بل غير ممكن.
1 ـ اختيار معرفـة الرجال: 594 / 1112، وسائل الشيعـة 27: 146، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب11، الحديث27.
(الصفحة463)
فيما استدلّ به على ترجيح قول الأفضل
واستدلّ على ترجيح قول الأفضل مع العلم بالمخالفـة تارة: بالإجماعات المنقولـة، وهو كما ترى في مثل المسألـة العقليّـة مع تراكم الأدلّـة.
واُخرى: بالأخبار كالمقبولـة وغيرها، بأن يقال: إنّ الشبهـة فرضت حكميّـة في المقبولـة، فنفوذ حكمـه تعينيّاً ملازم لنفوذ فتواه كذلك في تلك المسألـة، فتعدّى إلى غيرها بإلغاء الخصوصيـة أو القطع بالملاك سيّما مع تناسب الأفقهيّـة والأصدقيّـة في الحديث لذلك.
وفيـه: ـ مضافاً إلى أنّ ظاهر المقبولـة أنّ الأوصاف الأربـع مجتمعـة توجب التقديم بمقتضى العطف بالواو، وفرض الراوي صورة التساوي لا يكشف عن كون المراد وجود أحدها ـ بمنع التلازم هاهنا، لأنّ الملازمـة إنّما تكون في صورة إثبات النفوذ لا سلبـه، لأنّ سلب المركّب أو ما بحكمـه بسلب أحد أجزائـه، فسلب نفوذ حكمـه كما يمكن أن يكون لسلب حجّيـة فتواه، يمكن أن يكـون لسلب صلاحيّـة حكمـه للفصل، وعـدم جـواز الأخـذ بالفتوى فـي المقام ليس لعـدم صلاحيتـه للحجّيـة، بل لعدم كونـه فاصلا، بل فتوى الأعلم أيضاً ليس بفاصـل، والتناسب بيـن الأفقهيّـة وذلـك لم يصـل إلى حـدّ كشف العلّيـة التامّـة.
هذا كلّـه مع أنّ إلغاء الخصوصيّـة عرفاً أو القطع بالملاك ممّا لا وجـه لهما بعد وضوح الفرق بين المقامين، ولعلّ الشارع لاحظ جانب الاحتياط في حقوق الناس، فجعل حكم الأعلم فاصلا لأقربيّـة الواقع بنظره، ولم يلاحظـه في
(الصفحة464)
أحكامـه توسعـة على الناس، فدعوى إلغاء الخصوصيـة مجازفـة، ودعوى القطع أشدّ مجازفـة.
وثالثـة: بأنّ فتوى الأعلم أقرب إلى الصواب، لأنّ نظره طريق محض إلى الواقع سواء الأوّليات منـه، أو الثانويات، أو الأعذار الشرعيّـة والعقليّـة، فحينئذ تلازم الأعلميّـة للأقربيـة وهو المتعيّن في مقام الإسقاط والأعذار، وجواز الرجوع إلى غيره يساوق الموضوعيّـة.
والجواب عن الصغرى: بمنع كلّيتها، لأنّ رأي غير الأعلم قد يوافق رأي الأعلم من الأموات أو الأحياء إذا لم يجز تقليدهم لجهـة، بل إذا كان رأي غير الأعلم موافقاً لجميع الفقهاء ويكون الأعلم منفرداً في الأحياء في الفتوى مع كون مخالفيـه كثيراً جدّاً.
وتنظّر بعض أهل النظر في الصغرى بأنّ حجّيـة الفتوى لأجل كونـه من الظنون الخاصـة لا المطلقـة، فمطابقـة قول غير الأعلم للأعلم الغير الصالح للحجّيـة غير مفيدة.
فلا عبرة بقوّتـه ولا أصلـه كالظنّ من الأمارات الغير المعتبرة، والأقوائيّـة بمطابقـة قولـه لسائر المجتهدين الذين مثلـه فغير مسلّم، إذ المطابقـة لوحدة الملاك وتقارب الأنظار، فالكلّ في قوّة نظر واحد، ولا يكشف توافق آرائهم عن قوّة مدركهم، وإلاّ لزم الخلف، لفرض أقوائيّـة نظر الأعلم.
ومنـه يعلم فساد قياسها بالخبرين المتعارضين المحكي أحدهما بطرق متعدّدة، إذ ليست الحكايات المتعددة بمنزلـة حكايـة واحدة، فلا محالـة يوجب كلّ حكايـة ظنّاً بصدور شخص هذا الكلام من غير لزوم الخلف(1)، انتهى.
1 ـ نهايـة الدرايـة 6: 412 ـ 413.
(الصفحة465)
وفيـه ما لا يخفى; إذ المنظور في ردّ الصغرى إنكار كلّيـة دعوى أقربيّـة قول الأعلم، لا دعوى تقدّم قول غير الأعلم في مقام الاحتجاج، فما ذكره أجنبي عن المقام، بل المناقشـة فيـه منحصرة بإنكار الأقربيّـة، وهو مسقط لأصل دعواه في الصغرى، إذا إنكاره مساوق لإنكار أقربيّـة فتوى الأعلم.
وأمّا إنكار الأقربيّـة في المثال الأخير فغير وجيـه، لأنّ أنظار المجتهدين كما كانت طريقاً إلى الواقعيّات والحجج فلا محالـة إذا اجتمع جلّ أهل الفنّ على خطأ الأعلم لا يبقى وثوق بأقربيّـة قولـه لو لم نقل بالوثوق على الخلاف. وإن شئت قلت: لا تجري أصالـة عدم الغفلـة والخطأ في اجتهاده، وتوهّم كون أنظارهم بمنزلـة نظر واحد كتوهّم لزوم الخلف في غايـة السقوط.
وعن الكبرى: بأنّ تعيّن الرجوع إلى الأقرب إن كان لأجل إدراك العقل تعيّنـه جزماً ـ بحيث لا يمكـن للشارع التعبّد بخلافـه، ولـو ورد دليل صريـح على خلافـه لابدّ من طرحـه ـ فهو فاسـد، لأنّ الشارع إذا رأى مفسدة في تعيّن الرجـوع إلـى الأعلـم أو مصلحـة فـي التوسعـة علـى المكـلّف فلا محالـة يرخّـص ذلـك مـن غير الشبهـة الموضوعيـة كتجـويز العمل بخبر الثقـة وتـرك الاحتياط.
نعم لو علمنا وجداناً بأنّ الشارع لا يرضى بترك الواقعيات فلا يمكن معـه احتمال تجويز العمل بقول العالم ولا بقول الأعلم، بل يحكم العقل بوجوب الاحتياط ولو مع اختلال النظام فضلا عن لزوم الجرح، لكنّـه خلاف الواقع وخلاف المفروض في المقام، ولهذا لا أظنّ بأحد ردّ دليل معتبر قام على جواز الرجوع بغير الأعلم، فعليـه كيف يمكن دعوى القطع بلزوم تعيّن الأقرب مع احتمال تعبّد في المقام ولو ضعيفاً؟!
(الصفحة466)
وممّا ذكرنا يظهر النظر في كلام بعض أهل النظر، حيث قال ما ملخّصـه: إنّ القرب إلى الواقع إن لم يلحظ أصلا فهو مناف للطريقيّـة وإن كان بعض الملاك، وهناك خصوصيّـة اُخرى تعبّديّـة فهو غير ضائر بالمقصود، لأنّ فتوى الأعلم حينئذ مساو لغيره في جميع الخصوصيّات، ويزيد عليـه بالقرب، سواء كانت تلك الخصوصيّـة التعبّديّـة جزء المقتضى أو شرط جعلـه أمارة، فيكون فتوى الأعلم متعيّناً لترجيحـه على غيره بالملاك الذي هو ملاك الحجّيـة، ولهذا قياسـه على البصر والكتابـة مع الفارق، لكونهما غير دخيلين في ذلك الملاك، لأنّ معنى الأعلميّـة ليس الأقوائيّـة بحسب المعرفـة بحيث لا تزول بتشكيك حتّى يقاس عليهما، بل بمعنى أحسنيّـة الاستنباط وأجوديّتـه في تحصيل الحكم من المدارك، فيكون أكثر إحاطـة بالجهات الدخيلـة فيـه المغفولـة عن نظر غيره، فمرجع التسويـة بينهما إلى التسويـة بين العالم والجاهل، وهذا وجـه آخر لتعيّن الأعلم ولو لم نقل بأقربيـة رأيـه أو كون الأقربيّـة ملاك التقديم، لأنّ العقل يذعن بأنّ رأيـه أوفق بمقتضيات الحجج، وهو المتعيّن في مقام إبراء الذمّـة، ويذعن بأنّ التسويـة بينهما كالتسويـة بين العالم والجاهل(1)، انتهى.
وفيـه مواقع للنظر:
منهـا: أنّ الـخصوصيّـة الـتعبّديـة لا يلـزم أن تكون جـزء المقتضـى أو شـرط التأثير، بل يمكـن أن تكون مانعـة عـن تعيّن الأعلم كالخصوصيّـة المانعـة عن إلزام الاحتياط الموجبـة لجعل الأمارات والاُصول من غير لزوم الموضوعيّـة.
1 ـ نهايـة الدرايـة 6: 413 ـ 414.
(الصفحة467)
ومنها: أنّ أحسنيّـة الاستنباط وكون الأعلم أقوى نظراً في تحصيل الحكم من المدارك عبارة اُخرى عن أقربيّـة رأيـه إلى الواقع، فلا يخلو كلامـه من التناقض والتنافي.
ومنها: أنّ إذعان العقل بما ذكره مستلزم لامتناع تجويز العمل على طبق رأي غير الأعلم، لقبح التسويـة بين العالم والجاهل، بل امتناعـه وهو كما ترى، ولا أظنّ التزام أحد بـه.
والتحقيق: أنّ تجويز العمل بقول غيره ليس لأجل التسويـة بينهما، بل لمفسدة التضيـيق أو مصلحـة التوسعـة ونحوهما ممّا لا ينافي الطريقيـة كما قلنا في محلّـه(1)، وليعلم أنّ هذا الدليل الأخير غير أصالـة التعيـين في دوران الأمر بين التخيـير والتعيـين وغير بناء العقلاء على تعيّن الأعلم في مورد الاختلاف، فلا تختلط بينـه وبينهما وتدبّر جيّداً.
فالإنصاف: أنّـه لا دليل على ترجيح قول الأعلم إلاّ الأصل بعد ثبوت كون الاحتياط مرغوباً عنـه وثبوت حجّيـة قول الفقهاء في الجملـة، كما أنّ في الأصل أيضاً إشكال، لأنّ فتوى غير الأعلم إذا طابق الأعلم من أعلم من الأموات أو في المثالين المتقدّمين يصير المقام من دوران الأمر بين التخيـير والتعيـين، لا تعيّن الأعلم، والأصل فيـه التخيـير.
إلاّ أن يقال: إنّ تعيّن غير الأعلم حتّى في مورد الأمثلـة مخالف لتسالم الأصحاب وإجماعهم، فدار الأمـر بين التعيـين والتخيـير في مـورد الأمثلـة أيضاً، وهو الوجـه في بنائنا على الأخذ بقول الأعلم احتياطاً، وأمّا بناء العقلاء
1 ـ تقدّم في الجزء الأوّل: 417.
(الصفحة468)
فلم يحرز في مورد الأمثلـة المتقدّمـة.
هذا فيما إذا علم اختلافهما تفصيلا، بل أو إجمالا أيضاً بنحو ما مرّ، وأمّا مع احتمالـه فلا يبعد القول بجواز الأخذ من غيره أيضاً، لإمكان استفادة ذلك من الأخبار، بل لا يبعد دعوى السيرة عليـه، هذا كلّـه في المتفاضلين.
في حال المجتهدين المتساويين مع اختلاف فتواهما
وأمّا في المتساويـين فالقاعدة وإن اقتضت تساقطهما مع التعارض والرجوع إلى الاحتياط لو أمكن، وإلى غيره من القواعد مع عدمـه، لكن الظاهر أنّ الاحتياط مرغوب عنـه وأن المسلّم عندهم حجّيـة قولهما في حال التعارض، فلابدّ من الأخذ بأحدهما والقول بحجيّتـه التخيـيريّـة.
وقد يقال بدلالـة قولـه في مثل روايـة أحمد بن حاتم بن ماهويـه: «فاصمدا في دينكما إلى كلّ مسنٍّ في حبّنا»(1) وغيرها من الروايات العامّـة على المطلوب، فإنّ إطلاقها شامل لحال التعارض، والفرق بينها وبين أدلّـة حجّيـة خبر الثقـة حيث أنكرنا إطلاقها لحال التعارض أنّ الطبيعـة في حجّيـة خبر الثقـة اُخذت بنحو الوجود الساري، فكلّ فرد من الأخبار مشمول أدلّـة الحجّيـة تعيـيناً ولا يعقل جعل الحجّيـة التعيـينيّـة في المتعارضين، ولا جعل الحجيّـة التعيـينيّـة في غيرهما والتخيـيريّـة فيهما بدليل واحد، فلا مناص إلاّ القول بعدم الإطلاق لحال التعارض.
1 ـ اختيار معرفـة الرجال: 4 / 7، وسائل الشيعـة 27: 151، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب11، الحديث45.
(الصفحة469)
وأمّا الطبيعـة في حجّيـة قول الفقهاء، اُخذت على نحو صِرف الوجود، ضرورة عدم معنى لجعل حجّيـة قول كلّ عالم بنحو الطبيعـة الساريـة والوجوب التعيـيني حتّى يكون المكلّف في كلّ واقعـة مأموراً بأخذ قول جميع العلماء، فإنّـه واضح البطلان، فالمأمور بـه هو الوجود الصرف، فإذا اُخذ بقول واحد منهم فقد أطاع، فلا مانع حينئذ من إطلاق دليل الحجّيـة لحال التعارض.
فقولـه: «وأمّا الحوادث الواقعـة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا» مفاده جعل حجّيـة قول العالم على نحو البدليّـة أو صرف الوجود، كان مخالفاً لقول غيره أو لا، يعلم مخالفتـه لـه تفصيلا أو لا.
هذا ما أفاده شيخنا العلاّمـة على ما في تقريرات بعض فضلاء بحثـه(1).
وأنت خبير بأنّ هذا بيان لإمكان الإطلاق على فرض وجود دليل مطلق يمكن الاتّكال عليـه.
ونحن بعد الفحص الأكيد لم نجد دليلا يسلم دلالةً وسنداً عن الخدشـة، مثلا قولـه في الروايـة المتقدّمـة: «فاصمدا في دينكما...» إلى آخره، بمناسبـة صدرها وهو قولـه: «عمّن آخذ معالم ديني؟» لا يستفاد منـه التعبّد، بل الظاهر منـه هو الإرجاع إلى الأمر الارتكازي، فإنّ السائل بعد مفروغيّـة جواز الرجوع إلى العلماء سأل عن الشخص الذي يجوز التعويل على قولـه. ولعلّـه أراد أن يعيّن الإمام شخصاً معيّناً كما عيّن الرضا (عليه السلام) زكريا بن آدم(2)، والصادق (عليه السلام)
1 ـ درر الفوائد، المحقّق الحائري: 714 ـ 717.
2 ـ وسائل الشيعـة 27: 146، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب11، الحديث27.
(الصفحة470)
الأسدي(1) والثقفي(2) وزرارة(3) فأرجعـه إلى من كان كثير القدم في أمرهم ومسنّاً في حبّهم.
والظاهر من «كثرة القدم في أمرهم» كونـه ذا سابقـة طويلـة في أمر الإمامـة والمعرفـة، ولم يذكر الفقاهـة، لكونها أمراً ارتكازياً معلوماً لدى السائل والمسؤول عنـه وأشار إلى صفات اُخر موجبـة للوثوق والاطمئنان بهم، فلايستفاد منها إلاّ تقرير الأمر الارتكازي.
ولو سلّم كونـه بصدد إعمال التعبّد والإرجاع إلى الفقهاء فلا إشكال في عـدم إطلاقها لحـال التعارض، بل قولـه ذلك كقول القائل: «المريض لابـدّ وأن يرجع إلى الطبيب وليشرب الدواء» وقولـه: «إنّ الجاهل بالتقويم لابدّ وأن يرجع إلى المقوّم».
ومعلوم أنّ أمثال ذلك لا إطلاق لها لحال التعارض هذا مع ضعف سندها، وقد عرفت حال التوقيع(4)، وبالجملـة لا إطلاق في الأدلّـة بالنسبـة إلى حال التعارض.
1 ـ وسائل الشيعـة 27: 142، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب11، الحديث15.
2 ـ وسائل الشيعـة 27: 144، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب11، الحديث23.
3 ـ وسائل الشيعـة 27: 143، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب11، الحديث17، 19.
4 ـ تقدّم في الصفحـة 460 ـ 461.
(الصفحة471)
الاستدلال على التخيير بين المتساويين بأدلّة العلاج
وقد يتمسّك للتخيـير في المتساويـين بأدلّـة علاج المتعارضين كموثّقـة سماعـة عن أبيعبداللّه (عليه السلام) قال: سألتـه عن رجل اختلف عليـه رجلان من أهل دينـه في أمر كلاهما يرويـه، أحدهما يأمر بأخذه، والآخر ينهاه عنـه، كيف يصنع؟ قال: «يرجئـه حتّى يلقى من يخبره، فهو في سعـة حتّى يلقاه»(1).
تقريبـه: أنّ التخالف بينهما لا يتحقّق بصرف نقل الروايـة مع عدم الجزم بمضمونها، ومعـه مساوق للفتوى، فاختلاف الرجلين إنّما هو في الفتوى، ويشهد لـه قولـه: «أحدهما يأمر بأخذه والآخر ينهاه». وهذا لا ينطبق على صرف الروايـة والحكايـة، فلابدّ من الحمل على الفتوى، فأجاب (عليه السلام) بأنّـه في سعـة ومخيّر في الأخذ بأحدهما.
بل يمكن التمسّك بسائر أخبار التخيـير في الحديثين المختلفين بإلغاء الخصوصيـة، فإنّ الفقيـه أيضاً يكون فتواه محصّل الأخبار بحسب الجمع والترجيح، فاختلاف الفتوى يرجع إلى اختلاف الروايـة، هذا.
وفيـه ما لا يخفى:
أمّا التمسّك بموثّقـة سماعـة، ففيـه أنّ قولـه: «يرجئـه حتّى يلقى من يخبره» معناه: يؤخّره ولا يعمل بواحد منهما، كما صرّح بـه في روايتـه الاُخرى(2)، والمظنون أنّهما روايـة واحدة، ومعنى «الإرجاء» لغةً وعرفاً هو
1 ـ الكافي 1: 66 / 7، وسائل الشيعـة 27: 108، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب9، الحديث5.
2 ـ وسائل الشيعـة 27: 122، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب9، الحديث42.
(الصفحة472)
تأخير الشيء، فقولـه بعد ذلك: «فهو في سعـة». ليس معناه أنّـه في سعـة في الأخذ بأيّهما شاء كما أفاد المستدلّ، بل المراد أنّـه في سعـة بالنسبـة إلى نفس الواقعـة، ومحصّلـه: أنّ الروايتين أو الفتوائين ليستا بحجّـة، فلا تعمل بواحدة منهما، ولكنّـه في سعـة في الواقعـة، فلـه العمل على طبق الاُصول، فهي على خلاف المطلوب أدلّ.
وأمّا دعوى إلغاء الخصوصيّـة وفهم التخيـير من الأخبار الواردة في الخبرين المتعارضين، ففيـه: مع الغضّ عن فقدان روايـة دالّـة على التخيـير جامعـة للحجّيـة كما مرّ في باب التعارض، أنّ إلغاء الخصوصيّـة عرفاً ممنوع، ضرورة تحقّق الفرق الواضح بين اختلاف الأخبار واختلاف الآراء الاجتهاديّـة، فما أفاد من شمول روايات العلاج لاختلاف الفتاوى محل منع، مع أنّ لازمـه إعمال مرجّحات باب التعارض فيها، وهو كما ترى.
فتحصّل من جميع ما ذكرناه : أنّـه ليس في أخبار الباب ما يستفاد منـه ترجيح قول الأعلم عند التعارض لغيره، ولا تخيـير الأخذ بأحد المتساويـين، فلا محيص إلاّ العمل بالاُصول الأوّليـة لولا تسالم الأصحاب على عدم وجوب الاحتياط ومع هذا التسالم لا محيص عن الأخذ بقول الأعلم، لدوران الأمر بين التعيـين والتخيـير مع كون وجوبـه أيضاً مورد تسالمهم، كما أنّ الظاهر تسالمهم على التخيـير بين الأخذ بفتوى أحد المتساويـين وعدم وجوب الاحتياط أو الأخذ بأحوط القولين.
(الصفحة473)
فصل
في اشتراط الحياة في المفتي
اختلفوا في اشتراط الحياة في المفتي على أقوال، ثالثها التفصيل بين البدوي والاستمراري، لا إشكال في أنّ الأصل الأوّلي حرمـة العمل بما وراء العلم، خرج عنـه العمل بفتوى الحي وبقي غيره، فلابدّ من الخروج عنـه من دليل، ولمّا كان عمدة ما يمكن أن يقول عليـه هو الاستصحاب فلابدّ من تقريره وتحقيقـه.
التمسّك بالاستصحاب على جواز تقليد الميّت
فنقول: قد قرّر الأصل بوجوه:
منها: أنّ المجتهد الفلاني كان جائز التقليد لكلّ مكلّف عامّي في زمان حياتـه، فيستصحب إلى بعد موتـه.
ومنها: أنّ الأخذ بفتوى المجتهد الفلاني كان جائزاً في زمان حياته فيستصحب.
ومنها: أنّ لكلّ مقلّد جواز الرجوع إليـه في زمان حياتـه وبعدها كما كان، إلى غير ذلك من الوجوه المتقاربـة.
(الصفحة474)
وقد يستشكل بأنّ جواز التقليد لكلّ بالغ عاقل إن كان بنحو القضيّـة الخارجيّـة بمعنى أنّ كلّ مكلّف كان موجوداً جاز لـه الرجوع إليـه، فهو لا يفيد بالنسبـة إلى الموجودين بعد حياتـه في الأعصار المتأخّرة. وبعبارة اُخرى: الدليل أخصّ من المدّعى.
وإن كان بنحو القضيّـة الحقيقيّـة، أي «كلّ من وجد في الخارج وكان مكلّفاً في كلّ زمان كان لـه تقليد المجتهد الفلاني» فإن اُريد إجراء الاستصحاب التنجيزي فلا يمكن، لعدم إدراك المتأخّرين زمان حياتـه، فلا يقين بالنسبـة إليهم، وإن كان بنحو التعليق فإجراء الاستصحاب التعليقي بهذا النحو محلّ منع.
وفيـه: أنّ جعل الأحكام على نحو القضيّـة الحقيقيّـة ليس معناه أنّ لكلّ فرد من مصاديق العنوان حكماً مجعولا برأسـه، ومعنى الانحلال إلى الأحكام ليس ذلك، بل لا يكون في القضايا الحقيقيّـة إلاّ جعل واحد لعنوان واحد، لا جعلات كثيرة بعدد أنفاس المكلّفين، لكن ذاك الجعل الواحد يكون حجّـة بحكم العقل والعقلاء على كلّ من كان مصداقاً للعنوان، مثلا قولـه تعالى: (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيتِ مَن استَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلا )(1) ليس إلاّ جعلا واحداً لعنوان واحد هو (مَن استَطَاعَ )، ولكنّـه حجّـة على كلّ مكلّف يستطيع.
فحينئذ لو علمنا بأنّ الحجّ كان واجباً على من استطاع إليـه سبيلا وشككنا في بقائـه من أجل طروّ النسخ مثلا، فلا إشكال في جريان استصحاب الحكم المتعلّق بالعنوان لنفس ذلك العنوان، فيصير بحكم الاستصحاب حجّـة على كلّ من كان مصداقـه، ولهذا لا يستشكل أحد في استصحاب عدم النسخ مع ورود هذا
1 ـ آل عمران (3): 97.
(الصفحة475)
الإشكال بعينـه عليـه، بل على جميع الاستصحابات الحكميـة.
والسرّ فيـه ما ذكرنا من أنّ الحكم على العنوان حجّـة على المعنونات، فاستصحاب وجوب الحجّ على عنوان «المستطيع» جار بلا إشكال كاستصحاب جواز رجوع كلّ مقلّد إلى المجتهد الفلاني، وسيأتي كلام في هذا الاستصحاب فانتظر.
إشكال عدم بقاء موضوع الاستصحاب والجواب عنه
فالعمدة في المقام هو الإشكال المعروف، أي عدم بقاء الموضوع.
وتقريره: أنّـه لابدّ في الاستصحاب من وحدة القضيّـة المتيقّنـة والمشكوك فيها، وموضوع القضيّـة هو «رأي المجتهد وفتواه» وهو أمر قائم بنفس الحي، وبعد موتـه لا يتصف بحسب نظر العرف المعتبر في المقام بعلم ولا ظنّ، ولا رأي لـه بحسبـه ولا فتوى، ولا أقلّ من الشكّ في ذلك، ومعـه أيضاً لا مجال للاستصحاب، لأنّ إحراز الموضوع شرط في جريانـه، ولا إشكال في أنّ مدار الفتوى هو الظنّ الاجتهادي، ولهذا يقع المظنون بما هو كذلك وسطاً في قياس الاستنباط، ولا إشكال في عدم إحراز الموضوع، بل في عدم بقائـه.
وفيـه: أنّ مناط عمل العقلاء على رأي كلّ ذي صنعـة في صنعتـه هو أماريّتـه وطريقيّتـه إلى الواقع، وهو المناط في فتوى الفقهاء، سواء كان دليل اعتباره بناء العقلاء المحض أو الأدلّـة اللفظيّـة، فإنّ مفادها أيضاً كذلك، ففتوى الفقيـه بأنّ صلاة الجمعـة واجبـة طريق إلى الحكم الشرعي وحجّـة عليـه، وإنّما تـتقوّم طريقيّتـه وطريقيّـة كلّ رأي خبير إلى الواقع إذا أفتى وأخبر بنحو الجزم،
(الصفحة476)
لكن الوجود الحدوثي للفتوى بنحو الجزم يوجب كونـه طريقاً إلى الواقع أبداً، ولا ينسلخ عنـه ذلك إلاّ بتجدّد رأيـه أو الترديد فيـه، وإلاّ فهو طريق إلى الواقع، كان صاحب الرأي حيّاً أو ميّتاً، فإذا شككنا في جواز العمل بـه من حيث احتمال دخالـة الحياة شرعاً في جوازه فلا إشكال في جريان الاستصحاب ووحدة القضيّـة المتيقّنـة والمشكوك فيها، فرأي العلاّمـة وقولـه وكتاب «قواعده» كلٌّ كاشف عن الأحكام الواقعيّـة، ووجودها الحدوثي كاف في كونـه طريقاً، وهو المناط في جواز العمل شرعاً ولدى العقلاء.
وإن شئت قلت: جزم العلاّمـة أو إظهار فتواه جزماً جعل كتابـه حجّةً وطريقاً إلى الواقع وجائز العمل في زمان حياتـه، ويشكّ في جواز العمل على طبقـه بعد موتـه، فيستصحب.
والعجب من الشيخ الأعظم(1) حيث اعترف بأنّ الفتوى إذا كان عبارة عن نقل الأخبار بالمعنى يتمّ القول بأنّ القول موضوع الحكم ويجري الاستصحاب معـه، مع أنّ حجّيـة الأخبار وطريقيّتها إلى الواقع أيضاً متقوّمتان بجزم الراوي، فلو أخبر أحد الرواة بيننا وبين المعصوم بنحو الترديد، لا يصير خبره أمارة وحجّـة على الواقع ولا جائز العمل، لكن مع إخباره جزماً يصير كاشفاً عنـه وجائز العمل مادام كونـه كذلك، سواء كان مخبره حيّاً أو ميّتاً، مع عدم بقاء جزمـه بعد الموت، لكن جزمـه حين الإخبار كاف في جواز العمل وحجّيـة قولـه دائماً إلاّ إذا رجع عن إخباره الجزمي.
وهذا جار في الفتوى طابق النعل بالنعل، فقول الفقيـه حجّـة على الواقع
1 ـ مطارح الأنظار: 260 / السطر6.
(الصفحة477)
وطريق إليـه كإخبار المخبر، وهو باق على طريقيّتـه بعد الموت، ولو شكّ في جواز العمل بـه لأجل احتمال اشتراط الحياة شرعاً جاز استصحابـه وتمّ أركانـه.
وإن شئت قلت: إنّ جزم الفقيـه أو إظهاره الفتوى على سبيل الجزم واسطـة في حدوث جواز العمل بقولـه وكتابـه، وبعد موتـه نشكّ في بقاء الجواز لأجل الشكّ في كونـه واسطـة في العروض أو الثبوت فيستصحب.
وأمّا ما أفاد من كون الوسط في قياس الاستنباط هو المظنون بما هو كذلك وأنّ المظنون الحرمـة حرام أو مظنون الحكم واجب العمل(1). ففيـه: أنّ إطلاق الحجّـة على الأمارات ليس باعتبار وقوعها وسطاً في الإثبات كالحجّـة المنطقيّـة، بل المراد منها هي كونها منجّزةً للواقع، بمعنى أنّـه إذا قامت الأمارة المعتبرة على وجوب شيء وكان واجباً بحسب الواقع فتركـه المكلّف، تصحّ عقوبتـه ولا عذر لـه في تركـه، وبهذا المعنى تطلق «الحجّـة» على القطع كإطلاقها على الأمارات، بل تطلق على بعض الشكوك أيضاً.
وبالجملـة: الحجّـة في الفقـه ليست هي القياس المنطقي، ولا يكون الحكم الشرعي مترتّباً على ما قام عليـه الأمارة بما هو كذلك ولا المظنون بما هـو مظنون.
فتحصّل من جميع ما ذكرنا: أنّ استصحاب جواز العمل على طبق رأي المجتهد وفتواه بمعنى حاصل المصدر وعلى طبق كتابـه، الكاشفين عن الحكم الواقعي أو الوظيفـة الظاهريّـة ممّا لا مانع منـه.
لا يقال: بناءً على ما ذكرت يصحّ استصحاب حجّيـة ظنّ المجتهد الموجود
1 ـ مطارح الأنظار: 260 / السطر2.
(الصفحة478)
في زمان حياتـه. فلنا أن نقول: إنّ الحجّيـة والأماريّـة ثابتـتان لـه في موطنـه، ويحتمل بقاؤهما إلى الأبد، ومع الشكّ تستصحبان.
فإنّـه يقال: هذا غير معقول، للزوم إثبات الحجّيـة وجواز العمل فعلا لأمر معدوم، وكونـه في زمانـه موجوداً لا يكفي في إثبات الحجّيـة الفعليّـة لـه مع معدوميّتـه فعلا.
وإن شئت قلت: إنّ جواز العمل كان ثابتاً للظنّ الموجود، فموضوع القضيّـة المتيقّنـة هو الظنّ الموجود وهو الآن مفقود. اللهمّ إلاّ أن يقال: إنّ الظنّ في حال الوجود بنحو القضيّـة الحينيّـة موضوع للقضيّـة لا بنحو القضيّـة الوضعيّـة والتقيـيديّـة، وهو عين الموضوع في القضيـة المشكوك فيها. وقد ذكرنا في باب الاستصحاب أنّ المعتبر فيـه وحدة القضيّتين لا إحراز وجود الموضوع فراجع(1).
ولكن كون الموضوع كذلك في المقام محلّ إشكال ومنع، مع أنّـه لا يدفع الإشكال المتقدّم بـه.
تقرير إشكال آخر على الاستصحاب
ثمّ إنّ هاهنا إشكالا قويّاً على هذا الاستصحاب، وهو أنّـه إمّا أن يراد بـه استصحاب الحجّيـة العقلائيـة، فهي أمر غير قابل للاستصحاب، أو الحجّيـة الشرعيّـة فهي غير قابلـة للجعل.
أو جواز العمل على طبق قولـه، فلا دليل على جعل الجواز الشرعي، بل الظاهر من مجموع الأدلّـة هو تنفيذ الأمر الارتكازي العقلائي، فليس في الباب
1 ـ الاستصحاب، الإمام الخميني (قدس سره): 203.
(الصفحة479)
دليل جامع لشرائط الحجّيـة يدلّ على تأسيس الشرع جواز العمل أو وجوبـه على رأي المجتهد، فها هي الأدلّـة المستدلّ بها للمقصود، فراجعها حتّى تعرف صدق ما ذكرناه.
أو استصحاب الأحكام الواقعيّـة، فلاشكّ في بقائها، لأنّها لو تحقّقت أوّلا فلاشكّ في أنّها متحقّقـة في الحال أيضاً، لأنّ الشكّ في بقائها إمّا لأجل الشكّ في النسخ، أو الشكّ في فقدان شرط، كصلاة الجمعـة في زمان الغيبـة، أو حدوث مانع، والفرض أنّـه لاشكّ من هذه الجهات.
أو الأحكام الظاهريّـة; بدعوى كونها مجعولـة عقيب رأي المجتهد، بل عقيب سائر الأمارات، فهو أيضاً ممنوع، لعدم الدليل على ذلك، بل ظاهر الأدلّـة على خلافها، لأنّ الظاهـر منها إمضاء ما هو المرتكز لدى العقلاء، والمرتكز لديهم هو أماريّـة رأي المجتهد للواقع كأماريّة رأي كلّ ذي صنعة إلى الواقع في صنعتـه.
وبالجملـة: لابدّ في جريان الاستصحاب من حكم أو موضوع ذي حكم، وليس في المقام شيء قابل لـه، أمّا الحكم الشرعي فمفقود، لعدم تطرّق جعل وتأسيس من الشارع، وأمّا ما لدى العقلاء من حجّيـة قول أهل الخبرة، فلعدم كونـه موضوعاً لحكم شرعي، بل هو أمر عقلائي يتنجّز بـه الواقع بعد عدم ردع الشارع إيّاه، وأمّا إمضاء الشارع وارتضائـه لما هو المرتكز بين العقلاء فليس حكماً شرعيّاً حتّى يستصحب تأمّل بل لا يستفاد من الأدلّـة إلاّ الإرشاد إلى ما هو المرتكز، فليس جعل وتأسيس، كما لايخفى.
إن قلت: بناءً عليـه ينسدّ باب الاستصحاب في مطلق مؤدّيات الأمارات، فهل فتوى الفقيـه إلاّ إحداها؟! مع أنّـه حقّق في محلّـه جريانـه في مؤدّياتها، فكما يجري فيها لابدّ وأن يجري في الحكم المستفاد من فتوى الفقيـه.
(الصفحة480)
قلت: هذه مغالطـة نشأت من خلط الشكّ في بقاء الحكم، والشكّ في بقاء حجّيـة الحجّـة عليـه، فإنّ الأوّل مجرى الاستصحاب دون الثاني، فإذا قامت الأمارة أيّـة أمارة كانت على حكم، ثمّ شكّ في بقائـه لأحد أسباب طروّ الشكّ كالشكّ في النسخ يجري الأصل، لما ذكرنا في الاستصحاب من شمول أدلّتـه مؤدّيات الأمارات أيضاً، وأمّا إذا شكّ في أمارة بعد قيامها على حكم وحجّيتها في بقاء الحجّيـة لها في زمان الشكّ فلا يجري فيها، لعدم الشكّ في بقاء حكم شرعي كما عرفت. فقياس الاستصحاب في نفس الأمارة وحكمها، على الاستصحاب في مؤدّاها، مع الفارق; فإنّ المستصحب في الثاني هو الحكم الواقعي المحرز بالأمارة دون الأوّل.
إن قلت: بناءً على عدم استـتباع قيام الأمارات ـ فتوى الفقيـه كانت أو غيره للحكم يلزم عدم تمكّن المكلّف من الجزم في النيّـة وإتيان كثير من أجزاء العبادات وشرائطها رجاءً وهو باطل، فلابدّ من الالتزام باستـتباعها الحكم لتحصيل الجزم فيها.
قلت أوّلا: لا دليل على لزوم الجزم فيها من إجماع أو غيره، ودعوى الإجماع ممنوعـة في هذه المسألـة العقليّـة.
وثانياً: إنّ الجزم حاصل لما ذكرنا من أنّ احتمال الخلاف في الطرق العقلائيّـة مغفول عنـه غالباً، ألا ترى أنّ جميع المعاملات الواقعـة من ذوي الأيادي تقع على سبيل الجزم، مع أنّ الطريق إلى ملكيّتهم هو اليد التي تكون طريقاً عقلائيّاً، وليس ذلك إلاّ لعدم انقداح احتمال الخلاف في النفوس تفصيلا بحسب الغالب.
وثالثاً: إنّ المقلّدين الآخذين بقول الفقهاء لا يرون فتاويهم إلاّ طريقاً إلى
|
|