(الصفحة 161)
الموصي في كون الوصية بنحو تعدّد المطلوب يقتضي تعين الصرف في وجوه البرّ.
و لكن يرد عليه، ما اورده على السّيد (قدس سره) في الفرع الاوّل، من: عدم ثبوته في جميع الموارد، و لا يصح الاستدلال به على المدّعى.
و الذي يمكن ان يقال: انّ المستفاد من الروايتين الواردتين في الفرع الاوّل، بعد كون القدر المتيقن من موردهما صورة الشك في الوحدة و التعدّد: ان حكم الشارع في صورة الشك هو البناء على التعدّد و اجراء حكمه عليه، و مورد الروايتين و ان كان صورة النقيصة، الاّ ان الظاهر انه لا خصوصية لها، بل العمدة في محط السّؤال هو الشك المزبور لا مع انضمام النقص. و عليه، فحكم هذا الفرع ايضا يستفاد من الرّوايتين، و لعلّه لذلك جعل في المتن: الصرف في وجوه البرّ هوالاوجه، فتدبر.
الفرع الثالث: لو كان الموصى به الحج من البلد، امّا للتصريح بذلك، و امّا لظهور كلامه فيه ظهور معتبرا عند العرف و العقلاء، و دار الامر بين جعل اجرة سنتين ـ مثلا ـ لسنة و الحج من البلد، و بين الاستيجار بذلك المقدار من الميقات و رعاية العدد المعين، لعدم امكان صرف المقدار في الحج البلدي مع مراعاة العدد. و بعبارة اخرى: لم يمكن الجمع بين الخصوصيتين، البلد و التعدد، و دار الامر بين الغاء الاولى او الغاء الثانية، فقد قال في العروة: «في تعيين الاوّل او الثاني وجهان، و لا يبعد التخيير، بل اولوية الثاني، الاّ ان مقتضى اطلاق الخبرين الاوّل».
و الكلام فيه، تارة: من جهة مقتضى القاعدة، و اخرى: من جهة مفادالخبرين. امّا من الجهة الاولى: فظاهر كشف اللثام باعتبار اختياره الثاني: انه هو مقتضى القاعدة، بل تصدّى بعد ذكر ان الجز الاخير، يوهم الخلاف، لتنزيله
(الصفحة 162)
عدم امكانه من الميقات، و لعلّ الوجه فيه: ان الطريق باعتبار كونه مقدمة خارجة عن حقيقة العبادة و اعمال الحج و مناسكه، لا ينهض في مقابل نفس العبادة، التي شروعها من الميقات.
و يدفعه: انّ الوصي انّما يكون مسؤولا في مقابل الوصية، و اللازم عليه العمل بها، و بالنظر الى الوصية لا تكون احدى الخصوصيتين اولى من الاخرى، و لذا ذكر صاحب الجواهر في مقام الاعتراض على كشف اللثام: ان المحافظة على كونه في كلّ سنة، و ان خالف في انّها من البلد ليس باولى من المحافظة على الاخير، و ان خالف الوصية في الاوّل. و بالجملة: فالظاهر ان الحكم بمقتضى القاعدة هو التخيير.
و امّا من الجهة الثانية: فمن الواضح: دلالة الخبر الثاني، باعتبار فرض كون تضاعف المؤمن ناشيا عن انقطاع طريق البصرة، و امره (عليه السلام) بجعل حجتين مكان ثلاث حجج، على لزوم رعاية خصوصية البلد و الغاء التعدد في كلّ سنة. و امّا الخبر الاوّل فمقتضى اطلاقه هو اتيان الحج البلدي مرة واحدة، سواء لم يتمكن من حجتين ميقاتيتين او تمكن منهما، و عليه، فمفاد الروايتين تقديم خصوصية البلد.
و لكن في مقابله امران:
احدهما: ما ذكره كاشف اللثام، من: امكان حملهما على صورة عدم التمكن من الحج الميقاتي.
و لكنه اجاب عنه صاحب الجواهر: بانه لا داعي الى هذا الاجتهاد في مقابل النص المعمول به بين الاصحاب و مرجعه الى ان الحمل لا بد و ان يكون لعلّة موجبة له و لا موجب في المقام، خصوصا بعد ما عرفت، من: كون مقتضى القاعدة ليس هو الثاني.
(الصفحة 163)
ثانيهما: الروايات الدالة على ان من اوصى بحجة الاسلام يجب ان يقضى عنه من بلده، فان لم تسع التركة للحج من البلد فمن حيث بلغت، و لو من الميقات.
و تدفع المقابلة اختلاف مورد الطائفتين، فان مورد تلك الروايات: ان الانتقال الى الميقات انّما هو مع عدم التمكن من البلد و ما دون الميقات، و مورد الخبرين في المقام ليست صورة عدم التمكن، ضرورة انه يمكن الحج من البلد، غاية الامر، لزوم الاخلال بالعدد المذكور في الوصية، فموردهما دوران الامر بين الغاء خصوصية البلد و الغاء خصوصية العدد، فلا ارتباط لاحدهما بالاخر، فاللازم تقديم الحج البلدي، كما اختاره الماتن ـ قدس سرّه الشريف ـ.
بقي الكلام: فيما وقع التعرض له في ذيل المسألة بقوله: هذا كلّه إذا لم يعلم من الموصي...
و يظهر منه ان لكل من الفروع الثلاثة صورا متعددة: صورة العلم بتعدد المطلوب، و صورة العلم بوحدة المطلوب، و صورة الشك في الواحدة و التعدد.
امّا صورة العلم بالتعدد: فالحكم فيها ما تقدم في الفروع، و امّا صورة العلم بالوحدة: فالظاهر خروجها من الخبرين، لانصرافهما عنها، و حكمها بطلان الوصية، لعدم امكان العمل بها، و لا يجوز التفكيك بين الخصوصيتين بعد تقيد احديهما بالاخرى بنحو وحدة المطلوب. نعم، مع عدم كون الوصية مقيدة بسنين معينة كالسنين المتصلة بالموت، و رجاء امكان ذلك بالتأخير، لا تبطل الوصية، بل يؤخر لاحتمال امكان العمل، و كيف كان، فمع عدم الامكان تبطل.
و امّا صورة الشك في الوحدة و التعدد، فلا اشكال في شمول الخبرين لها، لانّها القدر المتيقن من موردهما، بل يمكن ان يقال باختصاص المورد بها لعدم
(الصفحة 164)
حاجة صورة العلم بالتعدد الى السؤال، لوضوح حكمها، و كيف كان، فالكلام في صورة الشك، تارة من جهة مقتضى القاعدة، مع قطع النظر عن الخبرين، و اخرى مع ملاحظتهما.
امّا من الجهة الاولى: فالمستفاد من «المستمسك» ان حكمها البطلان و عدم لزوم العمل بالوصية اصلا، حيث قال: «ان المرجع في صورة الشك اصالة عدم الوصية».
و الظاهر ان مراده: انّه مع احتمال الوحدة لا يبقى للوصية مجال، فالشك فيها شك في الوصية و عدمها، و مقتضى الاستصحاب العدم.
و يدفعه: أنّه لا شبهة في تعلق الوصية بكلا الامرين: المقدار المعين و العدد كذلك، انما الشك في الارتباط و التقييد، و مقتضى الاستصحاب العدم، فاللازم العمل بما تمكن منهما، و لا يكون هذا الاصل مثبتا بوجه، لان مجرد عدم التقييدالثابت بالاستصحاب يكفي في اللزوم المذكور، فانقدح: انه لو لا الخبرين لكان مقتضى القاعدة اللزوم، كما هو مفادهما.
و امّا من الجهة الثانية: فالظاهر ان مفاد الخبرين حكم ظاهري مجعول في صورة الشك، و هو لزوم البناء على التعدد في مورد الشك فيه، كالحكم بلزوم البناء على الاكثر في الشّك في ركعات الصلاة، و لا مجال لملاحظة منشأ الحكم حتى يقتصر على خصوص مورده. و عليه، فما في «المستمسك» من انهما في مقام الحكم الظاهري، اعتمادا على القرائن العامّة، و انه لو اتّفق حصول بعض ما يمنع من القرائن العامة يشكل جواز الاخذ بهما، بل الا وجه العدم لا مجال له، لانّ اللازم ملاحظة مفاد نفس الخبرين، و مقتضاهما لزوم البناء على التعدد مع الشك فيه، سواء كانت تلك القرائن موجودة ام لا، فالانصاف انه مع ملاحظة الخبرين يكون الحكم هو البناء على التعدد مطلقا. فتدبّر.
(الصفحة 165)مسألة 7 ـ لو اوصى و عيّن الاجرة في مقدار، فان كان واجبا و لم يزد على اجرة المثل، او زاد و كفى ثلثة بالزيادة، او اجاز الورثة تعيّن و الاّ بطلت، و يرجع الى اجرة المثل، و ان كان مندوبا فكذلك مع وفاء الثلث به، و الاّ فبقدر وفائه إذا كان التعيين لا على وجه التقييد، و ان لم يف به حتى من الميقات، و لم يأذن الورثة او كان على وجه التقييد بطلت1 .
يقع الكلام في هذه المسألة، تارة: في الحج الواجب على الموصي، كحجة الاسلام، و اخرى: في الحج
1 - المندوب.
امّا الاوّل: فلا اشكال في صحة الوصية و لزوم العمل بها، بصرف الاجرة المعينة، إذا لم تكن زائدة على اجرة المثل، و كذا لو كانت زائدة و لكنه كفى ثلثه بالزيادة، لخروج اجرة المثل عن اصل التركة في الحج الواجب او لم يكف، و لكنه اجاز الورثة الزائد على الثلث.
و امّا في صورة عدم كفاية الثلث بالزيادة و عدم اجازة الورثة للزائد على الثلث: ففي المتن تبعا للعروة: بطلان الوصية و الرجوع الى اجرة المثل، مع ان الظاهر عدم بطلانها بالاضافة الى مقدار الثلث غير البالغ الاجرة المعينة الموصى بها، فاذا فرض ان المقدار المعين خمسون الف توناما و كانت اجرة المثل ثلاثين الف تومان، و فرض بلوغ الثلث عشرة الاف تومان فالظاهر لزوم ضم هذه العشرة الى اجرة المثل، و عدم بطلان الوصية بالاضافة اليها، كما لا يخفى.
و امّا الثاني: فالحكم فيه كالاوّل، الاّ ان الفرق بينهما من جهتين:
الاولى: انّ الاجرة المعينة لا بد و ان تلاحظ بالاضافة الى جميع مصارف الحج، لعدم خروج اجرة المثل من الاصل هنا، كما في الحج الواجب، فاللازم ملاحظة الثلث مع جميع اجرة الحج لا الزائد على اجرة المثل.
الثانية: جريان فرض التقييد في التعيين هنا دون الحج الواجب، لانه لا مجال للتقييد هناك بعد لزوم الاستنابة مطلقا، سواء كانت الاجرة مساوية لاجرة المثل أو مختلفة معها، و امّا في الحج المندوب فيمكن ان يكون التقييد بنحو التعيين، كما هو ظاهر.
|