(الصفحة 163)
ثانيهما: الروايات الدالة على ان من اوصى بحجة الاسلام يجب ان يقضى عنه من بلده، فان لم تسع التركة للحج من البلد فمن حيث بلغت، و لو من الميقات.
و تدفع المقابلة اختلاف مورد الطائفتين، فان مورد تلك الروايات: ان الانتقال الى الميقات انّما هو مع عدم التمكن من البلد و ما دون الميقات، و مورد الخبرين في المقام ليست صورة عدم التمكن، ضرورة انه يمكن الحج من البلد، غاية الامر، لزوم الاخلال بالعدد المذكور في الوصية، فموردهما دوران الامر بين الغاء خصوصية البلد و الغاء خصوصية العدد، فلا ارتباط لاحدهما بالاخر، فاللازم تقديم الحج البلدي، كما اختاره الماتن ـ قدس سرّه الشريف ـ.
بقي الكلام: فيما وقع التعرض له في ذيل المسألة بقوله: هذا كلّه إذا لم يعلم من الموصي...
و يظهر منه ان لكل من الفروع الثلاثة صورا متعددة: صورة العلم بتعدد المطلوب، و صورة العلم بوحدة المطلوب، و صورة الشك في الواحدة و التعدد.
امّا صورة العلم بالتعدد: فالحكم فيها ما تقدم في الفروع، و امّا صورة العلم بالوحدة: فالظاهر خروجها من الخبرين، لانصرافهما عنها، و حكمها بطلان الوصية، لعدم امكان العمل بها، و لا يجوز التفكيك بين الخصوصيتين بعد تقيد احديهما بالاخرى بنحو وحدة المطلوب. نعم، مع عدم كون الوصية مقيدة بسنين معينة كالسنين المتصلة بالموت، و رجاء امكان ذلك بالتأخير، لا تبطل الوصية، بل يؤخر لاحتمال امكان العمل، و كيف كان، فمع عدم الامكان تبطل.
و امّا صورة الشك في الوحدة و التعدد، فلا اشكال في شمول الخبرين لها، لانّها القدر المتيقن من موردهما، بل يمكن ان يقال باختصاص المورد بها لعدم
(الصفحة 164)
حاجة صورة العلم بالتعدد الى السؤال، لوضوح حكمها، و كيف كان، فالكلام في صورة الشك، تارة من جهة مقتضى القاعدة، مع قطع النظر عن الخبرين، و اخرى مع ملاحظتهما.
امّا من الجهة الاولى: فالمستفاد من «المستمسك» ان حكمها البطلان و عدم لزوم العمل بالوصية اصلا، حيث قال: «ان المرجع في صورة الشك اصالة عدم الوصية».
و الظاهر ان مراده: انّه مع احتمال الوحدة لا يبقى للوصية مجال، فالشك فيها شك في الوصية و عدمها، و مقتضى الاستصحاب العدم.
و يدفعه: أنّه لا شبهة في تعلق الوصية بكلا الامرين: المقدار المعين و العدد كذلك، انما الشك في الارتباط و التقييد، و مقتضى الاستصحاب العدم، فاللازم العمل بما تمكن منهما، و لا يكون هذا الاصل مثبتا بوجه، لان مجرد عدم التقييدالثابت بالاستصحاب يكفي في اللزوم المذكور، فانقدح: انه لو لا الخبرين لكان مقتضى القاعدة اللزوم، كما هو مفادهما.
و امّا من الجهة الثانية: فالظاهر ان مفاد الخبرين حكم ظاهري مجعول في صورة الشك، و هو لزوم البناء على التعدد في مورد الشك فيه، كالحكم بلزوم البناء على الاكثر في الشّك في ركعات الصلاة، و لا مجال لملاحظة منشأ الحكم حتى يقتصر على خصوص مورده. و عليه، فما في «المستمسك» من انهما في مقام الحكم الظاهري، اعتمادا على القرائن العامّة، و انه لو اتّفق حصول بعض ما يمنع من القرائن العامة يشكل جواز الاخذ بهما، بل الا وجه العدم لا مجال له، لانّ اللازم ملاحظة مفاد نفس الخبرين، و مقتضاهما لزوم البناء على التعدد مع الشك فيه، سواء كانت تلك القرائن موجودة ام لا، فالانصاف انه مع ملاحظة الخبرين يكون الحكم هو البناء على التعدد مطلقا. فتدبّر.
(الصفحة 165)مسألة 7 ـ لو اوصى و عيّن الاجرة في مقدار، فان كان واجبا و لم يزد على اجرة المثل، او زاد و كفى ثلثة بالزيادة، او اجاز الورثة تعيّن و الاّ بطلت، و يرجع الى اجرة المثل، و ان كان مندوبا فكذلك مع وفاء الثلث به، و الاّ فبقدر وفائه إذا كان التعيين لا على وجه التقييد، و ان لم يف به حتى من الميقات، و لم يأذن الورثة او كان على وجه التقييد بطلت1 .
يقع الكلام في هذه المسألة، تارة: في الحج الواجب على الموصي، كحجة الاسلام، و اخرى: في الحج
1 - المندوب.
امّا الاوّل: فلا اشكال في صحة الوصية و لزوم العمل بها، بصرف الاجرة المعينة، إذا لم تكن زائدة على اجرة المثل، و كذا لو كانت زائدة و لكنه كفى ثلثه بالزيادة، لخروج اجرة المثل عن اصل التركة في الحج الواجب او لم يكف، و لكنه اجاز الورثة الزائد على الثلث.
و امّا في صورة عدم كفاية الثلث بالزيادة و عدم اجازة الورثة للزائد على الثلث: ففي المتن تبعا للعروة: بطلان الوصية و الرجوع الى اجرة المثل، مع ان الظاهر عدم بطلانها بالاضافة الى مقدار الثلث غير البالغ الاجرة المعينة الموصى بها، فاذا فرض ان المقدار المعين خمسون الف توناما و كانت اجرة المثل ثلاثين الف تومان، و فرض بلوغ الثلث عشرة الاف تومان فالظاهر لزوم ضم هذه العشرة الى اجرة المثل، و عدم بطلان الوصية بالاضافة اليها، كما لا يخفى.
و امّا الثاني: فالحكم فيه كالاوّل، الاّ ان الفرق بينهما من جهتين:
الاولى: انّ الاجرة المعينة لا بد و ان تلاحظ بالاضافة الى جميع مصارف الحج، لعدم خروج اجرة المثل من الاصل هنا، كما في الحج الواجب، فاللازم ملاحظة الثلث مع جميع اجرة الحج لا الزائد على اجرة المثل.
الثانية: جريان فرض التقييد في التعيين هنا دون الحج الواجب، لانه لا مجال للتقييد هناك بعد لزوم الاستنابة مطلقا، سواء كانت الاجرة مساوية لاجرة المثل أو مختلفة معها، و امّا في الحج المندوب فيمكن ان يكون التقييد بنحو التعيين، كما هو ظاهر.
(الصفحة 166)مسألة 8 ـ لو عين للحجّ اجرة لا يرغب فيها احد و لو للميقاتي و كان الحجّ مستحبّا، بطلت الوصية ان لم يرج وجود راغب فيها، و تصرف في وجوه البرّ، الاّ إذا علم كونه علىوجه التقييد، فترجع الى الوارث، من غير فرق في الصورتين بين التعذر الطّارىء و غيره، و من غير فرق بين ما لو اوصى بالثلث و عين له مصارف و غيره1 .
1 - لا اشكال في بطلان الوصية، بمعنى عدم لزوم الاستيجار للحج عن الموصي، و لو من الميقات، في مفروض المسألة مع عدم رجاء وجود راغب فيها، و لو في المستقبل، و الوجه فيه: عدم امكان العمل بالوصية، فلا يبقى مجال لصحّته.
و امّا الاجرة الموصى بها، فان كانت الوصية بها للحج بنحو وحدة المطلوب و التقييد، و علم بذلك، فلا شبهة في رجوع الاجرة الى الوارث، و عدم جواز صرفها في وجوه البرّ بنفع الموصي، كما انه لو علم تعدّد المطلوب و عدم التقييد، لا ريب في عدم رجوع الاجرة الى الوارث، و لزوم صرفها في مصلحة الموصي و ما ينتفع به.
انّما الكلام في صورة الشك في الوحدة و التعدد، و المسألة مختلف فيها، و فيهااقوال ثلاثة:
احدها: الصرف في جوه البرّ، و قد نسبه في المدارك الى المشهور، و اختاره الفاضلان في الشرايع و المنتهى، و السيّد في العروة، و الماتن ـ قدّس الله اسرارهم ـ.
ثانيها: الرجوع الى الوارث، و اختاره الشيخ في اجوبة المسائل الحائريّات، و ابن ادريس، و تبعهما صاحب المدارك.
ثالثها: ما اختاره المحقق الكركي و الشهيد الثاني في المسالك، من التفصيل بين ما إذا كان التعذر طاريا فتصرف في وجوه البرّ، و بين ما إذا كان من الاوّل و حين الوصيّة، فترجع الى الوارث.
و قد استدل في العروة لما هو المشهور بعد نفي كون قاعدة الميسور، دليلا لما مرّمنه سابقا، و مضى البحث عنه في المسألة السّادسة المتقدمة، بامرين:
(الصفحة 167)
احدهما: ان الظاهر من حال الموصي ـ في امثال المقام ـ ارادة عمل ينفعه، و انما عين عملا خاصّا لكونه انفع في نظره من غيره، فيكون تعيينه لمثل الحج على وجه تعدد المطلوب، و ان لم يكن متذكرا لذلك حين الوصية.
و يرد عليه: انه لم يثبت كون الظهور في جميع الموارد. نعم، الظاهر ثبوته في اكثرها، فلا مجال للاستدلال به، لعموم المدّعى.
ثانيهما: رواية علي بن سويد ـ التي رواها المشايخ الثلاثة ـ قال: اوصى اليّ رجل بتركته، و امرني ان احجّ بها عنه، فنظرت في ذلك، فاذا شيء يسير لا يكفي للحج فسألت ابا حنيفة و فقهاء الكوفة، فقالوا: تصدق بها عنه. فلما حججت لقيت عبد الله بن الحسن في الطواف فسألته، و قلت له: ان رجلا من مواليكم من اهل الكوفة مات فاوصى بتركته اليّ، و امرني ان احجّ بها عنه، فنظرت في ذلك فلم تكلف في الحج، فسألت من قبلنا من الفقهاء، فقالوا: تصدق بها، فتصدقت بها، فما تقول؟ فقال لي: هذا جعفر بن محمد فاته و اسأله، قال: فدخلت الحجر فاذاابو عبد الله (عليه السلام) تحت الميزاب مقبل بوجهه على البيت يدعو، ثم التفت فرآني، فقال: ما حاجتك؟ فقلت: جعلت فداك!اني رجل من اهل الكوفة من مواليكم، فقال: دع هذا عنك، حاجتك، قلت: رجل مات فاوصى بتركته ان احجّ بهاعنه، فنظرت في ذلك فلم يكف للحج فسألت من عندنا من الفقهاء، فقالوا: تصدق بها، فقال: ما صنعت؟ قلت: تصدقت بها، فقال: ضمنت، الاّ ان لا يبلغ ان يحج به من مكّة، فان كان لا يبلغ ان يحج به من مكة فليس عليك ضمان، و ان كان يبلغ ان يحج به من مكّة فانت ضامن.(1) و دلالتها على لزوم مثل التصدق مع عدم بلوغها، ان يحج بها من مكة، ظاهرة،
- 1 ـ وسائل كتاب الوصايا الباب السابع و الثلاثون ح ـ 2.