(الصفحة 221)
الاطمينان، كما عرفت.
ثم انّ الاشكال على تقديره انما يكون في العمرة المفردة، و امّا عمرة التمتع، التي يجب الاتيان بها قبل الحجّ، فيدل على فورية وجوبها ما يدل على فورية وجوبه، كما لا يخفى.
الجهة الخامسة: انّه لا اشكال في ارتباط عمرة التمتع بحجه و عدم استقلال كل منهما، و عليه، فالاستطاعة المعتبرة فيها لا بد و ان تكون متحققة بالاضافة الى كل منهما، فمن كان وظيفته حج التمتع يشترط في تعلق التكليف و توجهه اليه، ثبوت الاستطاعتين.
و امّا العمرة المفردة فهي مستقلة بنفسها، كالحج غير التمتع، فانه ايضا يكون كذلك، و لا ارتباط بينهما، و عليه، فاللازم في وجوب كلّ واحد منهما حصول الاستطاعة بالاضافة اليه، و تحقق الشرائط بالنسبة الى نفسه، فلو استطاع للعمرة دون الحج تجب دونه، و كذا العكس. و الدليل عليه: ظهور الادلة المتقدمة من الايات و الروايات في انهما فرضان و واجبان، و لم يدلّ شيء منها على الارتباط بين الامرين، فان قوله تعالى: «و اتموا الحج و العمرة للّه» يدل على وجوب الاتيان بكلا الامرين، و كذا قوله (عليه السلام) في بعض الروايات المتقدمة: هما مفروضان. و عليه، فدعوى الارتباط و لزوم تحقق الاستطاعتين في وجوب كلا الامرين و عدم جوازالتفكيك، ممنوعة و ان نسب الى البعض، لكن ذكر صاحب الجواهر: انه لم يعرف قائله.
نعم، هنا قول محكي عن الشهيد في الدروس، و هو كفاية استطاعة الحج لوجوبه و لزوم الاتيان به مستقلا، و عدم كفاية استطاعة العمرة لوجوبها كذلك، و استدلّ له في كشف اللثام بوجوه:
(الصفحة 222)
الاصل: و من المعلوم انه لا مجال له بعد قيام الادلة المتقدمة من الكتاب و السنّة، على الوجوب.
2 ـ ظهور حج البيت في الاية المعروفة في الحج، في خصوصه و عدم شموله للعمرة. و قد عرفت ظهوره في نفسه في العموم و دلالة الرواية الصحيحة عليه.
3 ـ عدم ظهور قوله تعالى: «و اتموا الحج و العمرة للّه» في وجوب انشائهماو الشروع، و قد مرّ منعه في نفسه و الاستدلال به على الوجوب بحسب الشروع، في الرواية الصّحيحة.
4 ـ انّها لو وجبت لكان من استكمل الاستطاعة لها فمات قبل ادائها و قبل ذي الحجّة، يجب استيجارها عنه من التركة، و لم يذكر ذلك في كتاب و لا خبر. و التزم صاحب الجواهر بذلك، و انه ينوي بذلك عمرة الاسلام. قال: نعم، لو امكن القول بعدم وجوبها على النائي، الذي فرضه حج التمتع، اتجه حينئذ سقوطها بالموت قبل اشهر الحج، فلا تخرج من التركة، و اتجه عدم نية عمرة الاسلام بها.
5 ـ ان المستطيع لها و للحج إذا اتى الحرم قبل اشهر الحج نوى بعمرته عمرة الاسلام، لاحتمال ان يموت او لا تبقى استطاعته للحج الى وقته.
و اجاب عنه كشف اللثام: بان المستطيع لهما فرضه عمرة التمتع او قسيميه، و ليس له الاتيان بعمرة الاسلام الاّ عند الحج، فما قبله، كالنافلة قبل فريضة الصبح مثلا، و احتمال الموت او فوت الاستطاعة غير ملتفت اليه.
و انت خبير: بانه لا يجتمع مع القول بالوجوب و الفورية، كما مرّ، و لا ينفى احتمال تجدد الاستطاعة للحج وجوب المبادرة اليها قبل ايّام الحج، كما لا يخفى.
فاللازم الالتزام بهذا الوجه ايضا، على تقدير وجوب العمرة على النائي، الذي فرضه حجّ التمتع، و سيأتي البحث عنه في المسألة الثانية ان شاء الله تعالى.
(الصفحة 223)مسألة 2 ـ تجزي العمرة المتمتع بها عن العمرة المفردة و هل تجب على من وظيفته حج التمتع إذا استطاع لها، و لم يكن مستطيعا للحج؟ المشهور عدمه، و هو الاقوي، و على هذالا تجب على الاجير بعد فراغه عن عمل النيابة و ان كان مستطيعا، و كذا لا تجب على من تمكن منها و لم يتمكن من الحج المانع، لكن الاحوط الاتيان لها1 .
1 - تشتمل هذه المسألة على حكمين:
الحكم الاوّل: اجزاء العمرة المتمتع بها عن العمرة المفردة، و عدم لزوم الاتيان بها على من اتى بالاولى، و ان تحققت الاستطاعة لها بعدها او قبلها، و يدلّ عليه قبل الاجماع الروايات الكثيرة المستفيضة: كصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا استمتع الرجل بالعمرة فقد قضى ما عليه من فريضة العمرة.(1) و صحيحة معاوية بن عمّار عن ابي عبد الله (عليه السلام) في حديث، قال: قلت: فمن تمتع بالعمرة الى الحج ا يجزي عنه ذلك؟ قال: نعم.(2) و رواية احمد بن محمد بن ابي نصر، قال: سألت ابا الحسن (عليه السلام) عن العمرة اواجبة هي؟ قال: نعم، قلت: فمن تمتع يجزي عنه؟ قال: نعم.(3) و صحيحة يعقوب بن شعيب، قال: قلت لابي عبد الله (عليه السلام): قول الله عزّ و جلّ: و اتّموا الحج العمرة للّه، يكفي الرجل إذا تمتع بالعمرة الى الحج مكان تلك العمرة المفردة؟ قال: كذلك امر رسول الله (صلى الله عليه وآله) اصحابه(4).
- 1 ـ وسائل ابواب العمرة الباب الخامس ح ـ 1.
- 2 ـ وسائل ابواب العمرة الباب الخامس ح ـ 2.
- 3 ـ وسائل ابواب العمرة الباب الخامس ح ـ 3.
- 4 ـ وسائل ابواب العمرة الباب الخامس ح ـ 4.
(الصفحة 224)
و رواية ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: العمرة مفروضة مثل الحج، فاذا ادى المتعة فقد ادى العمرة المفروضة.(1)
الحكم الثاني: انه هل تجب العمرة المفردة على من وظيفته حج التمتع إذا استطاع لها فقط، ام لا؟ المشهور هو
الثاني، بل ذكر صاحب الجواهر: انه لم يعرف خلاف بينهم، فانها قسمان: متمتع بها و مفردة، و ان الاولى فرض النائي، و الثانية فرض حاضري مكة، و حكم بضرورة ظهوره في اختصاص وجوب المفردة بغير النائي، كظهوركلامهم في غير المقام: في عدم وجوب غير حج التمتع على النائي. و الظاهر وجود التشويض في كلامهم، فقد قال المحقق في الشرايع ـ الذي لا يماثله شيء من المتون الفقهية، و قد اعترف بعض اعاظم الفقهاء من المعاصرين بعدم قدرته على كتابة صفحة مثل الشرايع، فضلا عن جميعه ـ ما لفظه: «و تنقسم الى متمتع بها و مفردة، فالاولى تجب على من ليس من حاضري المسجد الحرام، و لا تصح الا في اشهر الحج، و تسقط المفردة معها. و المفردة تلزم حاضري المسجد الحرام... » و الظاهر وجود التهافت بدوا في كلامه، كما اعترف به صاحب المسالك، قال: «يفهم من لفظ السقوط ان العمرة المفردة واجبة باصل الشرع على كل مكلف، كما ان الحج مطلقا يجب عليه، و انّها انما تسقط عن المتمتع إذا اعتمر عمرته، تخفيفا، و من قوله: و العمرة المفردة تلزم حاضري المسجد الحرام الى اخره، عدم وجوبها على النائي من رأس، و بين المفهومين، تدافع ظاهر، و كان الموجب لذلك كون عمرة التمتع اخف من المفردة، فكانت المفردة بسبب ذلك اكمل، و هي المشروعة
- 1 ـ وسائل ابواب العمرة الباب الخامس ح ـ 6.
(الصفحة 225)
بالاصالة المفروضة قبل نزول اية التمتع، و كانت عمرة التمتع قائمة مقام الاصلية مجزية عنها، و هي منها بمنزلة الرخصة من العزيمة، و يكون قوله: و المفردة تلزم الى اخره، اشارة الى ما استقر عليه الحال، و صار هو الحكم الثابت الان بأصل الشرع، ففي الاوّل اشارة الى ابتدائه، و الثاني الى استقراره. » و هذا التوجيه و ان كان يرفع التهافت الاّ انه لا يوجب خروج العبارة عن التشويش، الذي ذكرنا.
و قد ذكر صاحب الجواهر بعد نقل توجيه المسالك: و هو كالصريح في المفروغية من عدم وجوب عمرة مفردة على النائي.
إذا عرفت ذلك، فاعلم: ان الحقّ ما هو المشهور، و خالفهم في ذلك بعض الاعاظم من شراح العروة، و يتضح ما ذكرنا بعد ملاحظة امور:
الاوّل: انه ليس في شيء من الادلة المتقدمة، الواردة في اصل وجوب العمرة، ما يدل على ان الواجب هي العمرة بوصف كونها مفردة، لا في الايات و لا في الرّوايات، بل قوله تعالى: فمن تمتع بالعمرة الى الحج في ذيل اية: «و اتموّا الحج و العمرة للّه» ظاهر في انّ المراد من العمرة المأمور باتمامها و الاتيان بها في الصدر: ليس خصوص العمرة المفردة، لظهوره في كونه قسما ممّا امر به في اوّل الآية و نوعا منه، و التعبير في صحيحة ابن اذينة: بانّهما مفروضان. لا دلالة له على كون المراد هي العمرة المفردة، لان العمرة التي يتمتع بها ايضا مفروضة، و ارتباطها بالحج و عدم استقلالها لا ينافي المفروضية، كما ان حج التمتع ايضا كذلك.
و كيف كان، فلا دلالة لشيء من ادلة الوجوب على ان الواجب هي العمرة المفردة، بل الواجب هو طبيعي العمرة، الصادق على عمرة التمتع ايضا.
الثاني: دلالة بعض الروايات على دخول العمرة في الحج الى يوم القيامة: ففي صحيحية الحلبي عن ابي عبد الله (عليه السلام)قال: دخلت العمرة في الحج الى يوم القيامة، لانّ الله تعالى يقول: «فمن تمتع بالعمرة الى الحج فما استيسر من