(الصفحة 213)في اقسام العمرة
(الصفحة 214)
(الصفحة 215)
القول في اقسام العمرة
مسألة 1 ـ تنقسم العمرة كالحج: الى واجب أصلي و عرضي و مندوب فتجب باصل الشرع على كل مكلف بالشرائط المعتبرة في الحج مرّة في العمر، و هي واجبة فورا كالحج، و لا يشترط في وجوبها استطاعة الحج، بل تكفي استطاعتها فيه، و ان لم تتحقق استطاعته، كما ان العكس كذلك، فلو استطاع للحج دونها وجب دونها1 .
1 - في هذه المسألة جهات من الكلام:
الجهة الاولى: في انقسام العمرة كالحج: الى واجب اصلي و عرضي و مندوب، و المراد من الواجب الاصلي، كونها واجبة كحجة الاسلام و فريضة مثلها، و يأتي في الجهة الثانية ان شاء الله تعالى الدليل على وجوبها، و المراد من الواجب العرضي ما يكون واجبا بسبب، مثل النذر و الاستيجار، لكن قد عرفت غير مرّة: ان تعلّق النذر بشيء لا يوجب صيرورة المنذور واجبا، بل الواجب فيه هو عنوان الوفاء بالنذر، و لا يتعدى الحكم من هذا العنوان الى غيره، و ان كان لا يتحقق الوفاء الاّ به، كما ان الاستيجار لا يستتبع الاّ وجوب العمل بعقد الاجارة و لزوم الوفاء به، و امّا
(الصفحة 216)
العمل المستأجر عليه، فهو باق على حكمه الاولي، من الاباحة و الاستحبابو غيرهما، و لا يتعدى الحكم اليه.
و تمتاز العمرة عن الحج في هذه الجهة، في: ان الحج لا يتصور فيه فرض عدم المشروعية، بخلاف العمرة، فانّها ربما لا تكون مشروعة، كما فيما إذا لم يراع الفصل المعتبر بين العمرتين المفردتين لنفسه، فان العمرة الثانية لا تكون مشروعة، و كما في العمرة المفردة الواقعة بين عمرة التمتع و حجّه، كما سيأتي.
الجهة الثانية: في وجوب العمرة باصل الشرع على كل مكلف بالشرائط المعتبرة في الحج، من البلوغ و العقل و الحرية و الاستطاعات الاربعة. نعم، حيث انه لا تكون مقيدة بزمان خاص و لا تكون مثل الحج في هذه الجهة، لا تكون الاستطاعة الزمانية معتبرة فيها، الاّ ان يلاحظ في هذه الجهة خروج الرفقة، و سيأتي البحث فيه ان شاء الله تعالى.
و يدلّ على الوجوب: مع انه لا خلاف فيه، بل ادّعى عليه الاجماع، ففي الجواهر: ان الاجماع بقسميه عليه. و في المستند: بالاجماع المحقق و المنقول مستفيضا، و عن غيرهما ايضا، مثله الآيات الشريفة و الروايات المستفيضة.
امّا الآيات: فالعمدة هي الآية المعروفة في الحج، و هي قوله تعالى: و للّه على الناس حجّ البيت... فان المراد من الحج كما عرفت في اوّل كتاب الحج: امّا القصد الى ما يراد تعظيمه و امّا مناسكه، و على كلا التقديرين يشمل العمرة، و قد استدل به كاشف اللثام. و قد ورد في تفسيرها صحيحة عمر بن اذينة، قال: سألت ابا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عزّ و جل: و للّه على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا، يعني به الحج دون العمرة؟ قال: لا، و لكنّه يعني الحج
(الصفحة 217)
العمرة جميعا، لانهما مفروضان.(1)
و منها: قوله تعالى: «و اتمّوا الحج و العمرة للّه فان احصرتم فما استيسر من الهدي و لا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا او به اذى من رأسه ففدية من صيام او صدقة او نسك فاذا امنتم فمن تمتع بالعمرة الى الحج فما استيسر من الهدي».(2) و قد نوقش في الاستدلال بها، كما في «المستمسك» بان الظاهر منها وجوب الاتمام لا الشروع. و لكن الظاهر انّ المراد من قوله تعالى: «و اتمّوا» هو الاداء و الاتيان، كما في قوله تعالى: «اقيموا الصلاة» الذي ليس المراد منه الاّ مجردالاتيان بالصّلاة، و ما اشتهر، من: ان المراد بالاقامة امر زائد على اصل الاتيان بالصلاة، و هو التشويق و التحريص و التحريك، الى اتيان الغير بالصلاة، لا يكون مستندا الى دليل. و كيف كان، فيدل على ان المراد من الاتمام في المقام، هوالاتيان و الاداء، التعبير به في قوله تعالى: «اتمّوا الصيام الى الليل» لانه لا ريب في كون المراد به، بعد تجويز الاكل و الشرب حتى طلوع الفجر و تبين الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر، هو الشروع في الصوم و الاتيان به.
و كذا قوله تعالى: «و اذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فاتمّهن» و قد نقل في تفسير «الجامع لاحكام القرآن» للقرطبي ذلك عن جماعة من المفسّرين.
و يدل على ذلك استشهاد الامام (عليه السلام) و استدلاله بهذه الاية على وجوب العمرة، في بعض الروايات، فانه لو لم تكن الآية ظاهرة بنفسها في وجوب العمرة لما كان للاستشهاد بها مجال، ضرورة ان مقام الاستدلال يغاير مقام
- 1 ـ وسائل ابواب العمرة الباب الأوّل ح ـ 7.
- 2 ـ البقرة 196.